الفصل الثالث

القسم الأول

(يمثل الملعب قصر الملك فردينان في برسلونة.)

المشهد الأول

(الشعب – رودريفز (خطيب الشعب) – دومينيك – فينسان)
(ينكشف الستار عن شعب يضج وخطيب يعلو منبرًا.)
رودريفز : أيها الناس، إن جراحكم لم تندمل بعد، لقد لقيتم في الأندلس ما تنحني تحت أثقاله الجبابرة، أموالكم جُمعت لتنفق على الحرب، ونفوسكم أُزهقت في تلك الهيجاء، من لم تصبه هذه الحرب بأسهم فليرشقني بسهم، لا أحد يجرؤ على ذلك لأن كلًّا منا مصاب، الصغير والحقير والسيد الخطير، إِذَن لماذا تصبرون على جور ملككم وتنامون على الضيم؟ قلِّبوا صفحات تاريخ الرومان وانظروا كيف سقطت رءوس الملوك الظالمين، أما رأيتم رأس يوليوس قيصر كأنهُ أكرة تدحرج على تراب الأرض التي جبلها بالدماء؟ إن يوليوس قيصر ليس بأظلم من ملككم فرديناند، فليسقط ذلك الطاغية لتُكفَى البلاد شره.
الشعب : فليسقط.
رودريفز : أي ملك جنَّ جنون هذا الملك؟! يحاول أن يكشف عالمًا جديدًا، يا له من حلم مزعج! إذا كان عاهلًا فليحمِ ملكه، قد استأسد لما انتصر على العرب، واشتد الطمع بقلبه، فتاق إلى اكتشاف العالم الجديد، آه إن الطعام يقوي شهوة النهم، ولكنني أخاف أن يبلغ به الجوع أقصاه فيفترس الرعية، فتعاضدوا إِذَن واجتهدوا أن تطرحوه في مهاوي العدم.
أيها الشجعان، إني أخاف أن أهيج عواطفكم بهذا النبأ الهائل، قد كنت من زمان أبيِّن لكم شطط الملك وخصوصًا عند سفر كولومب، ولكنكم لم تثبتوا في المقاومة، والآن أقول لكم: إن السفن الإسبانية قد ذهبت فريسة الأمواج واللجج، وأصبح إخوانكم مضغة في أفواه حيتان البحار وأسماكها.
الشعب : (صياح وصراخ وضجيج.)
رودريفز : لا تعولوا ولا تنوحوا فنحن رجال خلقنا للتجلُّد والصبر، والنساء للبكاء والنوح، خلُّوا الندب إلى غير هذا الحين، وأما الآن فابدءُوا بأخذ الثأر، فَلْنَكل لمليكنا بالكيل الذي كال لنا به ليعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون. إن إرادة الشعب سور لا يُدكُّ إذا كان مؤسسًا على صخور الاتحاد فاتحدوا، ومهما طلبتم تحصلوا عليه ولو كان تاج الملك. إن الشعب قوي وأنتم ذلك فكونوا أقوياء، أتريدون الفوز والنصر؟
الشعب : نعم، نعم.
رودريفز : فاصرخوا إِذَن من أعماق قلوبكم، نريد الملك، أين الملك؟
الشعب : نريد الملك، أين الملك؟

(يشير الخطيب بيده ليعيدوا.)

الخطيب : طالما كان وقع هذا الصوت أشد من وقع المدافع على أركان العروش، طالما زعزع أركانها وتركها قاعًا صفصفًا وترك التيجان محطمة تحت أرجل الثائرين، أفهمتم؟ إذا أتوا لمقاومتكم برءوس الحراب فقولوا لهم: ما أحلى الموت في سبيل مقاومة الظُّلَّام! وإن يوم المظلوم أشد هولًا من يوم الظالم على المظلوم، إلى الآن لم يجبنا أحد، فاهتفوا نريد الملك نريد الملك.
الشعب : نريد الملك، نريد الملك (ويسكتون).
رودريفز : لا تسكتوا حتى يأتي لمخاطبتكم، أو يرسل من يسألكم عما تطلبون.

(يرددون.)

(عند هذا يظهر الحاجب ويدخل ما بين الشعب.)

المشهد الثاني

(الحاجب والمذكورون)
الحاجب : ما هذا الصراخ وماذا تريدون؟
الشعب : نريد الملك، نريد الملك.
الحاجب : إن الملك نائم فلا تقلقوه بصراخكم أيها الناس، اسكتوا لئلَّا يغضب، وويل لكم إذا غضب.
فينسان : نحن لا نبالي بغضبه، وقد أتينا لنطالبه بدمائنا، برجالنا التي طرحها في البحر فريسة للمخاطر، أفهمت ماذا نريد؟
الحاجب : الملك نائم الآن.
رودريفز :
نامَتْ عيونُكَ والمظلومُ منتبهٌ
يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تَنَمِ
اذهب أيها الحاجب ونبه مولاك، قل له أن ينتبه لصراخ الشعب، ويسمع مطاليبهم، فالشعب أسد كاسر والويل لمن يثير هذا الأسد! قل له أن يخرج من فراشه الناعم قبل أن يزحف عليه هذا الجمع، فيظل راقدًا فيه رقادًا أبديًّا.
الحاجب : لقد تجاوزتم حدود الآداب فاسكتوا، وإلا دعوت الجنود لتفريقكم في الحال، هكذا أمرني الملك.
دومينيك : ويحك يا خائن! نحن لا نخاف الوعيد، قد اجتمعنا هنا بإرادة الشعب، ولا نتفرق إلا على رءوس الحراب، فاسكت وإلا قطعتك شطرين بحد هذا المهند، أيها الشعب، دونكم هذا الوغد وأخرجوه بالقوة.

(الشعب يهجم.)

رودريفز : مهلًا أيها الإخوان، لا تشتموا الحاجب فما هو إلا رسول جاء يبلغنا مشيئة الملك، وما على الرسول إلا البلاغ، اتركوا الرسول ولا تلطخوا يدكم بدمهِ، عُدْ أيها الرسول وقل لمولاك إن الشعب لا يعود ما لم يرَهُ، الملك أب، وعار على الأب أن يضع حاجبًا بينه وبين بنيه.

(الحاجب يخرج.)

الشعب : أبٌ قاسٍ، أبٌ ظالم.
رودريفز : أيها الإخوان، احذروا أن تشتموا الملك قبل أن يبدأ بشتمكم، دعوني أخاطبه وحدي وحيوهُ عند دخوله التحية المعتادة، أفهمتم ما أقول؟
الشعب : فهمنا، فهمنا.
فينسان : هو ذا الملك أقبل.

(يدخل الملك.)

المشهد الثالث

(المذكورون – الملك – رسول)
الملك : ما بالكم تضجون؟ وما هذه الثورة؟
رودريفز : مولاي، إن المصائب التي أحدقت بنا هي التي تثور في داخلنا، إن موت أهلنا في الحرب يشب في صدورنا حربًا داخلية، الحرب سبب شقائنا.
الملك : الحرب عادلة أيها الرجل، من منكم يسكت عن رجل يعتدي عليه، وينقب بيته أمام عينيه، إن من يدافع عن نفسه لا يعد مفتريًا ولا ظالمًا.
رودريفز : قد كانت الحرب ضربة قاضية على سعادة هذا الشعب، وجاء ضغثًا على إبَّالةٍ اكتشافُ العالم الجديد، ثار هؤلاء الناس عندما سمعوا بهلاك ذويهم وغرق السفن، ومن لا يتأثر لمصاب ذويه؟! إن الوحوش تتأثر لبعضها، فكيف الإنسان؟!
الملك : لا أيها الناس، إن السفن لم تغرق.
فينسان : بلى، غرقت يا مولاي.
الملك : وهب أنها غرقت، فماذا تطلبون مني؟
رودريفز : نطلب إغاثة العيال المنكوبة، فلكل بحري قوم عيال عليه.
الملك : ما هذه الجسارة والوقاحة؟! شعبي يأمر عليَّ كأني المملوك وهو الملك، لا غرامة عندي فافعلوا ما تريدون. جنودي، أخرجوا هؤلاء الناس من باحة القصر.

(يظهر الجنود حركة.)

رودريفز : الجنود إخوتنا أيها الملك، وهيهات أن يقتل الأخ أخاه المظلوم (تطلع المدافع) (الشعب يضج خائفًا) ماذا جرى؟ ما هذه المدافع؟ أثار القوم على العسكر؟ رباه أنقذ عرشي من الخطر.

(يدخل رسول.)

رسول : مولاي، لك البشرى، وصل كولومب إلى ميناء بالوس.
الملك : ربَّاه! الآن حلَّ الفرج.
الشعب : لا نصدق، حيلة، خداع.
دومينيك : أنت كاذب أيها الرسول، وبشارتك خديعة لنا.
الرسول : ألم تسمع إطلاق المدافع، فهي ترحب بكولومب.
رودريفز : إِذَن اتبعوني أيها الإخوان، ولا يصعب علينا أن نعود.

(يخرجون.)

المشهد الرابع

(الملك – الملكة – الكردينال – ستنجل – ألونزو – المرشد)
الملك (يجلس على كرسي) : ما أقوى الشعب! إن سلطته قوية قاهرة، أصحيح عاد كولومب؟ لا ريب في ذلك، ومن يكذب على الملك؟ ولكن كيف كان الأمر؟ فمسألة كولومب سببت لي أعظم القلاقل، فإذا عاد ظافرًا بما قال عقبت علقم الأهوال شهد الفوز بالغنيمة، وإذا كان هلك من معه فمن ينجيني من ثورة الشعب؟ آه إن المركز حرج!

(تدخل الملكة والكردينال وستنجل وألونزو والمرشد والحجاب.)

الملكة : قد عاد كولومب.
الملك : إِذَن الخبر صحيح، ما أشد كرمك يا الله!

(رسول يدفع للحاجب رسالة.)

حاجب : مولاي، هذه الرسالة دفعها إليَّ رسول جاء من قبل كولومب.
الملك (يقرأ الرسالة)، (إلى الملكة) : قد عاد كولومب ظافرًا فمرحبًا به، قد اكتشف العالم الجديد، وما أعظم هذا الاكتشاف! وإليكِ رسالته.
الكردينال : إنه غرس يديك يا مولاي.
ستنجل : وثمرة اهتمامك واجتهادك يا سيدتي.
المرشد : الآن فرحت نفسي بنجاة شعبي، ألا تسمح لي مولاتي لأبشر في تلك البلاد.
الملك : أعدُّوا ضروب الاحتفال لنقابل هذا الفاتح العظيم، فقد اكتشف البلاد دون أن يسفك نقطة دم، إنه لأعظم من الملوك وأقوى من الفاتحين، اخرجوا أيها الأمراء إلى ملاقاته إلى ظاهر المدينة، فهو جدير بكل احترام ووقار، عظِّموه وكرِّموه فهو سيخدم الدين والإنسانية أعظم خدمة.
الملكة (من بعد ما يخرج الجميع) : أيسمح لي مولاي أن أخرج معهم إلى استقباله؟
الملك : لا أيتها الملكة، وإن كان هذا مما يستحقه، فالمقام لا يسمح لنا بذلك، ولكننا لا نبخسه حقه في هذا المقام، سنكرمه ولكن بدون أن نخرق حرمة تقاليد الملوك وعاداتهم.
(يرخى الستار)

القسم الثاني

(قاعة الاستقبال في قصر الملك (ثلاثة عروش).)

المشهد الخامس

(الملك – الملكة – كولومب – ألونزو – ستنجل – الكردينال – المرشد – أنتوان – دياكو الابن)
جندي : قد أقبل الجماعة ومعهم كولومب.

(تعزف الموسيقى وتدوي المدافع ثم يدخل كولومب.)

كولومب : سلام أيها الملك (يهمُّ بالركوع فيأخذه الملك بيده ويقول):
الملك : اجلس عن يميني يا كولومب يا أميرال البحر والبر، فأنت جدير بمقام الملوك. إن مآتيك تعجز عنها سطوة السيف، وتنحني أمامها أبهة الملك، إن الرجل بدماغه لا بماله ومجده، وعلى الملوك أن يعظِّموا أصحاب الأدمغة الكبيرة، فبهؤلاء ركن المملكة وزينتها كما أن الجيش سياجها، لقد عدت يا كولومب وعلى رأسك إكليل غار الظفر، فأهلًا وسهلًا بك أيها المكتشف، بل الفاتح الأعظم.
كولومب : لقد كنت يا مولاي سبب هذا الاكتشاف، ولولا عنايتك لم يكن شيء مما كان، فعلى الأجيال والدهور أن لا تنسى نعمتك عليَّ، وعلى الأحقاب أن تطوِّب جلالة الملكة إذ لها في تلك المساعدة اليد الطولى.
الملكة : إن ثمرة الاكتشاف تعزينا على أتعابنا، وتكفينا سخرية الأجيال الآتية، فشكرًا لثباتك العظيم يا كولومب.
الملك : هات حدثنا بما نظرت وسمعت أيها القائد.
كولومب : قد بسطت لجلالتكم في الرسالة تفاصيل رحلتي من إسبانيا إلى حين الاكتشاف، وما صادفته في البحر من المخاطر، وهذه الجريدة أدفعها إلى جلالتك تطالعها على مهل، والآن أبسط على مسامع جلالتك ما اعترضني من المخاطر في رجوعي من العالم الجديد إلى إسبانيا؛ فإن الخطر كان أشد وأعظم!
في اليوم الرابع من شهر كانون الثاني سنة ١٤٩٣ غادرت العالم الجديد، بعد وداع رفاقي وحضهم على الاتحاد، ولم يبق معي غير سفينة ذرية؛ لأن السنتا ماريَّا قد غرقت، وسفينة البانتا قد سافر بها مرتين ألونزو وغادرني وحدي. وبينما نحن نخترق العباب إذا بسفينة تلوح عن بعد ولم تكن غير سفينة مرتين، فاعتذر بأن الريح حملته على مغادرتنا، وكان قد أحضر معه ستة هنود قصد التجارة بهم فأطلقت سراحهم؛ لأنه من العار أن يتاجر الأخ بأخيه، فاغتاظ مني غير أني لم أبالِ بذلك، فسرنا حتى بلغنا جبال السيفاي وكان قوم تلك الجبال متوحشين فحاربناهم؛ لأنهم لم يسلموا فخضعوا أخيرًا للقوة.

وفي الثاني عشر من شباط اشتدت الأنواء فتقطعت الحبال وأوشكت السفن أن تغرق فأخذنا نصلي ونبتهل، وكأن الله لم يستجب، ولم يكن حزني على حياتي، بل لأني أموت ورفاقي ولا تعلم إسبانيا باكتشافاتي، فانفردت بمخدعي وأخذت قلمًا وقرطاسًا وكتبت باختصار ما اكتشفته من البلدان وخططت الطريق، ثم وضعت تلك الورقة في نسيج ومسحته بالشمع، وعنونته باسم جلالتك وجلالة الملكة، وعيَّنت إلى من يوصلهُ إلى جلالتكما جائزة ألف ليرة، ثم وضعته في برميل وطرحته في البحر، وما زلنا على تلك الحال حتى الصباح، ففتشت على البانتا فلم أجدها فحسبت أن الأمواج قد افترستها، وبعد ثلاثة أيام كلها خطر ومخاوف وصلنا جزيرة من جزائر مملكة البرتوغال تدعى سانتماري، ولما عرفت أن كنيسة تلك الجزيرة على اسم العذراء أمرت رفاقي بالذهاب لزيارتها، فذهبوا ولكن طالت مدة غيابهم، ومنعني ألم في جنبي عن الذهاب معهم، وبعد يومين بلغني أن رفاقي في السجن بأمر حاكم الجزيرة، فكتبت إليه أسأله إطلاق جماعتي باسم جلالتكما، وإذا لم يفعل هدمت أسوار المدينة، فخاف الحاكم إذ ذاك وأرسل معتمدين من قبله ليطلع إذا كنا إسبانيين فعرف ذلك من أوراقي وأطلق الأسرى، وما غادرنا تلك الجزيرة حتى هاجت الرياح ثانية وأخذت البروق والرعود تتعاظم حتى رأينا الموت أمامنا، وتهيأنا لمبارحة هذا العالم، ولكننا صباح النهار الرابع من آذار رسونا قرب مدينة دوستيلو فأقبل سكانها يهنئوننا بالسلامة؛ لأنهم كانوا رأوا الخطر الذي أحدق بنا، ثم أرسلت ألتمس من ملك البرتوغال أن يسمح لي بترميم سفينتي في ليسبونا فسمح لي بذلك، وقابلني بكل هشاشة وبشاشة وسرَّ جدًّا بهذا الاكتشاف وتندَّم لأنه لم يساعدني وعرض عليَّ أن أسافر برًّا على نفقته فرفضت ذلك، ثم برحت المدينة في الثالث عشر من آذار حتى وصلت إلى ميناء بالوس في الخامس عشر منه، بعدما غبت عن وطني أيها الملك سبعة أشهر ونصف شهر قضيتها بالأخطار والمخاوف.
(مرتين ألونزو قادته الأنواء إلى ميناء «بيسكاي» في فرنسا، وإذ حسب أن كولومب غرق أرسل إلى الملك يخبره عن الاكتشافات، ولما وصل إلى ميناء بالوس شاهد سفينة كولومب فتكدر كثيرًا، وخرج سرًّا إلى بيته، وأخذ ينتظر جواب الملك فأجابه يحظر عليه التوجه نظرًا لسوء سلوكه، فساءه جدًّا هذا الجواب، وأصيب بمرض عضال فقضى نَحبَه.)
الملك : إن مرتين وصل اليوم، وكتب إليَّ يطلب مواجهتي فرفضت؛ وذاك لأنه خانك.
الكردينال : طوباك يا كولومب، ما أعظم جهادك!
ستنجل : لقد حققت آمالنا أيها الأميرال، فلك منا جزيل الشكر.
المرشد : إن العلماء سُرُج الأزمنة، فهنيئًا لإسبانيا بك يا سراجها الوهاج.

(يدخل دياكو.)

دياكو : أبي أنت هنا، آه ما أحب لقياك يا أبي!
كولومب : وما أطيب مرآك يا ولدي تعالَ أضمك إلى صدري، فقد كنت رفيقي في شقائي وتعاستي، وستظل شاهدًا على أعمال أبيك مدى الحياة.
أنتوان : كولومب، أنا لا أصدق أنك اكتشفت عالمًا جديدًا، فأين هي العلامات التي تؤيد كلامك؟ أظهرها للعيان إن كنت صادقًا.
الملك : يقول المثل: «إذا قدمت من سفر فأهد أهلك ولو حجر.» إن سميرنا يحب المجون، ويريد أن يرى محتويات العالم الجديد، فماذا أحضرت معك؟
كولومب : معي أربعة من الهنود، وسبائك كثيرة من الذهب.
المرشد : وأين هم الآن يا كولومب؟
كولومب : الهنود خارج القصر، أتأمر بإحضارهم يا مولاي؟
الملك : أحضرهم أمامي (يخرج جنديان) والذهب أين هو؟
كولومب : في ميناء بالوس ضمن مائتي صندوق.

(يدخل الهنود ويندهشون من منظر القصر والملك ويظهرون حركات الاستغراب.)

الملك : يا لك من رجل عظيم! لا بد أن تكون تعبت فاذهب للاستراحة فقد أمرت أن يعدُّوا لك غرفة ضمن قصري أيها الأميرال، وسنقابلك ثانية بعد المداولة مع الوزراء.

(كولومب يخرج.)

المشهد السادس

(المذكورون إلا الهنود وكولومب وولده)
الملك : ما رأيك أيتها الملكة؟ ما رأيكم أيها الوزراء في مسألة كولومب؟
الملكة : علينا أن نحمد الله فهو ولي التوفيق.
الملك : ذلك لا حاجة إلى تذكيرنا به أيتها الملكة، ماذا تظنون أن نصنع وما هي الخطة التي نسير عليها بعد الآن؟
ستنجل : رأيك يا مولاي هو الرأي الموفق.
ألونزو : وهل بقي ريب يا مولاي في نجاح كولومب؟ يجب أن يرجع عاجلًا إلى حيث كان ليوطد دعائم سطوتنا هناك؛ إذ لا يبعد أن يزاحمنا غيرنا على هذا العالم الجديد.
المرشد : هذا ما كنت أخشاه وأتوقعه، قد قلت ولا أزال أقول: إن العالم الجديد سيكون سببًا للويل والدمار.
ستنجل : مولاي، إن في هذا الاكتشاف لفخرًا عظيمًا لإسبانيا، ودرة ثمينة يرصع بها تاريخ مملكتنا.
الملكة : إذا كان لا بد من عود كولومب فيقتضي أن تكون معه عمارة بحرية؛ لأنه لا بدَّ أن يحتاج إليها.
الملك : نعم، لا بد من ذلك (إلى ألونزو): أصدر أيها الوزير أمرًا بتجهيز ثلاثين سفينة بكل مقتضياتها، ولتكن مستعدة للسفر متى يَشَأْ كولومب.
ستنجل : أيَّدَ الله دولتكم يا مولاي، إنما أذكركم برفع مقام الأميرال تنشيطًا له ومكافأة على أتعابه.
الملك : ذلك أمر لا بد منه، وسنرى في ذلك عند اجتماعنا به.
الكردينال : ها هو مقبل.

(يدخل كولومب ويحيي بإحناء الرأس.)

الملك : ماذا تريد أن تصنع الآن أيها الأميرال؟
كولومب : أنا رهين الإشارة يا مولاي، أنا أكره البطالة؛ ولهذا أسرعت بالعود لتأمرني بعمل جديد.
الملك : اطلب ما تريد، فإننا نعتبر رأيك فوق كل رأي.
كولومب : عفوًا مولاي، أطلب العود إلى العالم الجديد.
الملك : رعيًا لك من مجاهدٍ عظيمٍ، فليكن لك ذلك، وقد صدرت الأوامر للوزارة الحربية بإعداد ٣٠ سفينة، وها أنا أجدد ما منحتك إياه من لقب الأميرال الأكبر ونائب الملك، وأزيد على ذلك وضع عائلتك في مصاف العيال الشريفة، والحق لها بالاقتران ببنات الملوك والأمراء، ولك أنت مقام الملوك والسلاطين، والحق أن تتصرف تصرفًا مطلقًا في البلاد التي اكتشفتها، وما عليك إلا أن تقرَّ لنا بالطاعة والسيادة والسير بمقتضى العهود المحررة ما بيننا.
كولومب : مولاي، أنا عبد حقير لا أستحق كل هذا، ها أنا أقسم أمام الله والناس بالطاعة العمياء لجلالتكم ما دمت حيًّا.
الملك : لله درك ما أصفى قلبك وأكرم أخلاقك! اقترب مني لأطبع على خدك قبلة أخوية، واذهب بسلام إلى الأرض الجديدة ولك أن تلبس بها التاج، وتحمل صولجان الملك كعادة الملوك العظام، اذهب بسلام أيها الأميرال الكبير والبطل الفاتح.
ستنجل : ما أكرم هذا الملك!
الكردينال : وما أشد تواضعه!
ألونزو : وما أعظم حبه للعلماء!
كولومب : مولاي، إنني أترامى على أقدام عظمتك ولي نعمة ألتمسها.
الملك : قل ولك ما تريد، ولو كان نصف ملكي.
كولومب : وضع هؤلاء الهنود في المدارس ليتعلموا لغتنا، وبعد ذلك يساعدوننا على التفاهم مع أقوامهم.
الملك : كل ما تطلبه يكون لك فتهيأ للسفر، غدًا ترافقك الحاشية إلى البحر، وتُودَّع وداع الملوك والأمراء، فاستعد للسفر.
(يرخى الستار)

القسم الثالث

(القاعة عينها إنما لا يكون فيها غير عرش الملك.)

المشهد السابع

(الكردينال – الملك – المرشد – أنتوان – ألونزو – دي أجيدا – ستة إسبان – ستنجل – بويَّال)
(الملك جالس على العرش مطرق الرأس والغم بادٍ على وجهه.)
الكردينال : ما بال سيدي الملك مضطرب البال حزين القلب؟
الملك : دعني أيها الكردينال، فإن أشقى الناس هو الملك! إن أشقى البشر من يهتم بجميع البشر، ولا تسلني عن مصائبي؛ فقلب الملوك مستودع الهموم.
الكردينال : ماذا جرى؟ مولاي لا تستر عني أمرًا، فلماذا لا تجيبني؟ لماذا لا تطلعني على دخيلة الأمر؟ فلعلي قادر على إفراج كربتك.
الملك : إن مسألة كولومب كانت سببًا لقلقي، تعلم أن ثمرة أول سفرة من سفراته كانت خلافنا مع ملك البرتوغال حتى تدخل في المسألة قداسة البابا، وقد سافر ثانية وكانت القلاقل ترافقه في كل سفراته، كأن الدهر كتب لهذا الرجل ألَّا يوفَّق له سعيٌ، عجبًا! هذه هي المرة الثالثة سافر بها وهو في أشد الخلاف مع شعبنا الإسباني في تلك البلاد والحرب الأهلية تكاد تنتشب بينهم.
أنتوان : مولاي، قلت عن هذا الرجل ولا أزال أقول إنه بوم الويل وغراب الدمار.
المرشد : جلَّ من لا عيب فيه وعلا.
الملك : قد ساد الخلاف بينه وبين رولدان الذي أرسلناه ليتولى الأمور القضائية.
ألونزو : ومن أين عرفت ذلك يا مولاي؟
الملك : من كتاب أرسله إليَّ كولومب بالأمس مع الخمسة مراكب، وهو يطلب إرسال رجل يقوم مقام رولدان، وفي هذا الصباح جاء مركب سادس وفيه تفاصيل الثورة، وكتاب آخر من رولدان وأتباعه يتذمرون من سوء تصرف الأميرال واستبداده، فما العمل يا ترى؟ قد عرفت أن مبغضي كولومب كثيرو العدد، فماذا نصنع يا الله؟
المرشد : مولاي، لا تحكم قبل البحث الطويل.
الخادم : مولاي، دي أجيدا بالباب يطلب الدخول.
الملك : قل له يدخل (إلى الكردينال)، هذا الرجل قادم من العالم الجديد، ولا ندري ماذا يحمل إلينا عن كولومب.

(يدخل دي أجيدا.)

دي أجيدا : سلام أيها الملك الأعظم.
الملك : ما عندك عن كولومب؟ وكيف حال الإسبانيول في تلك البلاد؟
دي أجيدا : إن شعبك في تلك البلاد في أتعس الحالات، ولا شقاء في الدنيا إلا نالوا منه قسمًا كبيرًا.
الملك : رباه ما هذا؟!
دي أجيدا : فكولومب رجل مستبد عاتٍ، والحرب الأهلية بينه وبين الشعب قائمة على قدم وساق، قابلت هناك جمهورًا غفيرًا وكلهم يتذمرون ويشتكون من هذه الحال؛ فكولومب لم يدفع لهم مرتباتهم حتى أصبحوا يؤثرون الموت على الحياة، وهو يعاملهم معاملة خشنة لا يحتملها الهنود في تلك الأقطار. إن كولومب وأخويه يا مولاي لا يخرجان إلا تحت السلاح؛ نظرًا لبغض الشعب لهم، ومتى بغض الشعب حاكمًا فكيف يُرجى له التقدم والعمران؟!
الملك : ويلاه من هذا المصير!
ستنجل : مولاي، قد يكون في الأمر مبالغة، وقد تكون هذه الصورة مكبرة.
دي أجيدا : أنا لا أكذب أيها الوزير، وهب أنني كذاب فأمام ملكي لا أقول إلا الحقيقة فلا تهني.
ألونزو : إنه لم يلحق بك إهانة، ولكن ثقتنا بكولومب تحمل على التكذيب.
بويَّال : ولماذا؟ فاليوم تلقيت رسالة من رولدان يقول بها إن كولومب طلب من الإسبانيين أن ينادوا به ملكًا، ولما رفضوا ذلك ساد بينهم النفور، وكان من أمرهم ما كان.
دي أجيدا : مولاي، بطر الرجل إذ رأى نعمتك الجزيلة عليه، رأى على رأسه التاج، وبيده الصولجان فطغى وتجبر.
الملك : آه ماذا أقول؟! إن المسألة من الأهمية بمكان.

(ضجة في الخارج.)

ستنجل : ما هذا الضجيج؟ ما هذه الضوضاء؟

(يدخل ستة من الإسبان بأثواب رثة قادمون من العالم الجديد.)

الستة : أين الملك؟! (يرونه) العدل الرحمة.
الملك : ماذا تطلبون؟ تكلموا.
واحد : مولاي، كولومب ظالم لم يدفع لنا مرتباتنا حتى كدنا نموت جوعًا، استبد بنا، استخدمنا كما يشاء لأغراضه، نطلب من جلالتك العدل يا مصدر الإحسان والشفقة.
آخر : سيدي، عاملنا برحمتك وحنانك.
الملك : سيكون ما تريدون، عودوا إلى بيوتكم.
الجميع : فليحيَ الملك، (ويخرجون).

المشهد التاسع

(المذكورون – فرنسيس بوفاديليا)
الملك : أيها الوزراء، إن ألسنة الخلق أقلام الحق، ولو لم يكن كولومب كذلك لوجدنا رجلًا يمدحه، إن دوام الحال على هذا المنوال يؤدي بالمملكة الجديدة إلى الدمار، فمن الضرورة أن ننظر في الأمر، اليوم سنرسل معتمدًا إلى تلك الديار يسوي الخلاف، حتى إذا ثبت على كولومب ما نسب إليه يتولى المعتمد أزِمَّة الأحكام.
الكردينال : ومن تريد أن يقوم بهذا العمل الخطير؟
الملك : سنرسل فرنسيس بوفاديليا في هذه المهمة، فاكتب له الأوامر يا ألونزو (ألونزو يشرع بذلك)، اذهب أيها الجندي وقل إلى فرنسيس أن يحضر (يخرج الجندي)، إذا كان كولومب فعل ما نُسب إليه فإنه يكون ناكرًا للجميل لا يعرف قيمة النعمة! وأنتم أيها الوزراء يجب أن تساعدوني على فض هذا المشكل، ونسأل الله أن يوفقنا إلى ما به خير المملكة.
المرشد : يا رب احفظ المملكة من كل شيء.

(يدخل فرنسيس.)

فرنسيس : ماذا تأمر يا مولاي؟
الملك : نأمر بذهابك إلى البلاد الجديدة حيث كولومب المكتشف، وبموجب هذه الأوامر تصنع. أعطه الأوامر يا ألونزو (يأخذ الأوامر من الوزير) واحذر أن تنقاد إلى الأغراض فأنا واثق بنزاهتك.
فرنسيس : سأخدم جلالتكم بكل ما أقدر عليه، فمتى تأمرون بسفري؟
الملك : اذهب الآن فالسفينة على استعداد وبها كل ما يلزم.
فرنسيس : أستودعكم الله (ويخرج).
الملك : أمثل كولومب يتجاسر أن يرفع نظره إلى عرش إسبانيا، هذا العرش الذي ترتد عنه أبصار الملوك كليلة؟! سوف تنال أيها العاتي المتمرد عقاب خيانتك، آه لو أنني أستطيع أن أمد يدي إليك من فوق البحار لأسحقك سحقًا! أَتُطمِعُك نفسك بالخروج على فردينان ملك إسبانيا؟! لقد صح بك قول الشاعر:
إن الزرازيرَ لما قامَ قائِمُها
توهَّمت أنها صارت شواهينَا
وصح بي أيضًا قول المثل: «لا تأمن شر من أحسنت إليه!»

(تدخل الملكة.)

الملكة : ما بال مولاي شديد الغضب؟
الملك (بحدَّة) : دعينا فأنتِ أصل الأمر والسبب.
(يرخى الستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤