تقديم

ماذا أردتُ من هذا الكتاب؟ إن لم أكن أردتُ إلا أن أُظهِر ناحيةً جديدة من إعجاز القرآن فحسبي. ولعل ذلك كان يقتضيني أن أُقدِّم إليكَ قصص القرآن جميعًا، ولكن ما الذي كان يعود عليَّ أو عليكَ إن أنا فعَلْت. أنا لا أتغيَّا عرضَ القصص القرآني، وإنما كلُّ ما هدفتُ إليه أن أُقدِّم إليكَ هذه الظاهرةَ العجيبة، وهي أنَّ أَحدثَ ما وصل إليه الفنُّ القصصي هو النَّسَق الذي سار عليه السرد في القرآن الكريم.

وقواعد الفن القصصي نبتَت من الاستقراء؛ فالرواية حين بدأَت في الظهور منذ خمسمائة عامٍ ونيِّف، لم يكن لها قواعدُ بطبيعة الحال، شأنها في ذلك شأن الشعر في التراث العربي؛ فحين أُلِّفَت رواياتٌ كثيرة — نجح منها ما نجح، وفشل منها ما فشل — بدأ النقاد يتساءلون لماذا نجح الناجح ولماذا فشل الفاشل، فكانت هذه القواعد.

ولعَمْري هل نظر النقاد إلى قَصص القرآن حين وضعوا قواعدهم؟ أشُك في ذلك، بل أقطَع أنهم لم يفعلوا؛ فهذه القواعد واردةٌ علينا من الأدب الغربي. وما أحسبُ أن بين النُّقاد هناك مَن يفكِّر في القرآن إلا على أنه كتابٌ سماوي. أما روعتُه اللغوية والفنية فبعيدةٌ عن أذهانهم كل البُعد.

وقد كان الأجدر بنُقَّادنا نحن أن ينتَبهوا إلى هذه الفنية في السرد القصصي في القرآن، ويقوموا عني بعمل هذا الكتاب؛ فما أحسب أنني مُهَيَّأ للبحث؛ فقد يُسِّر لي أن أكون روائيًّا، والروائي بعيد عن البحث، ولكن الروائي أيضًا مُطالَب بأن يعرف قواعد القصة والرواية. وقد عجبتُ حين وصلتُ إلى هذه المعجزة في القرآن الكريم، وعجبتُ أنْ لم يلتفت إليها أحدٌ من نقادنا، ثم ما لبثتُ أن قمعتُ هذا العجَب الأخير؛ فمنذ متى يهتم نُقادنا بديننا أو تُراثنا، إنما كل همهم أن يَلْووا ألسنتهم بلغةٍ غير لغة بلادهم، ويَنْسبوا أنفسهم إلى أي أدبٍ غير أدبهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤