الفصل السادس عشر

العودة إلى المنزل

استيقظ الجميع مبكرًا صباح اليوم التالي. كانت رحلة العودة إلى المنزل طويلة وأمواج البحر كانت عاتية للغاية؛ لذا كانت رحلتهم بطيئة.

صارت ملابس القراصنة ببعض التعديلات البسيطة التي أجرتها ويندي تناسب أحجام الصبية بالضبط، فارتدوا سراويل قصتها ويندي من منطقة الركبتين، وقبعات أنيقة ورقعات أعين، وقطبوا وجوههم.

كان بيتر بالطبع هو ربان السفينة أما نيبز وجون فكانا وكيلي الربان الرئيسيين. لم يتدرب أي من الصبية على إبحار سفن القراصنة، لكنهم تظاهروا بذلك، وهذا يكفي في نيفرلاند. عمل الصبية على تثبيت شراع ساريات السفينة وأحبالها وكل أدوات الإبحار، وأثناء ذلك غنوا وهتفوا بحماس حتى وصلوا بالسفينة إلى عرض البحر فأرخوا شرعها واتجهوا صوب إنجلترا. حان وقت العودة إلى البيت.

قرر بيتر أن يبحروا حتى جزر آزور ويستكملوا الرحلة بعدها بالطيران؛ فوقف عند دفة السفينة وأخذ يخاطب طاقمه.

صاح قائلًا: «أيها الحثالة! أيها الجراء القذرة! لن يكون هناك تمرد على سفينتي وإلا ….»

كان الصبية يدركون أنه يتظاهر فقط بأنه قرصان، أما هو فلم يكن دائمًا قادرًا على الفصل بين الجد والتمثيل حتى إنه ارتدى ملابس هوك القديمة، من ثم ضحك الصبية في توتر.

لكن لنترك الصبية على السفينة ونسافر إلى منزل آل دارلينج. لقد تجاهلناه للأسف طوال هذا الوقت، لكن السيدة دارلينج لم تكن لتود أن نصب اهتمامنا عليها إن كنا نستطيع بدلًا من ذلك أن نصبه على أطفالها.

إن كان هؤلاء الأطفال الأشقياء قد تركوا فرشهم غير مرتبة وغرفتهم غير نظيفة عندما غفل عنهم والديهم وخرجوا من المنزل فهم يستحقون العقاب.

لكن هذه ليست المسألة هنا بالطبع؛ فالأطفال يعتمدون على تلك الأحوال ليخوضوا المغامرات.

لم يختلف شيء منذ مغادرتهم للمنزل غير أن نانا لم تعد مقيدة؛ فالسيد دارلينج كان يقر بخطئه عندما يخطئ، من ثم دعا نانا إلى العودة إلى المنزل ما إن طار منه الأطفال، ومكثت نانا هناك

غير أن السيد دارلينج قام بأغرب ما يمكن؛ سار على أربعة أقدام وزحف إلى بيت نانا بنفسه. توسلت إليه السيدة دارلينج أن يخرج من البيت لكنه قال: «ليس قبل أن يعود الأطفال.»

كان بيت نانا يُحمل كل صباح وبداخله السيد دارلينج إلى مكتبه ثم يعاد إلى المنزل ليلًا. رأى السيد دارلينج أن هذا هو العقاب الذي يستحقه.

وهو عقاب شديد إن أخذنا في الاعتبار الأهمية الكبيرة التي يوليها السيد دارلينج لآراء الناس فيه؛ فقد ضحكوا عليه وأشاروا إليه ساخرين وحدقوا فيه حتى صار يعرف ﺑ«دارلينج الذي يسكن بيت الجراء».

لكن سرعان ما تجلى جمال التضحية التي يقوم بها السيد دارلينج، ولما علم الناس بالسبب الذي دفعه إلى أن يحبس نفسه في بيت نانا بدءوا في تعقبه لا للضحك عليه بل لمديحه، وطلبت منه الفتيات توقيعه، ودعته فئات المجتمع المختلفة لتناول العشاء معها — في بيت الجراء طبعًا وهو يرتدي ربطة عنقه السوداء — حتى قال عنوان صحيفة ما: أصول اللياقة الجديدة. حظي السيد دارلينج بما كان يريده دائمًا لكنه لم يسعد بمكانته الجديدة في المجتمع.

شعرت السيدة دارلينج بدورها بالحزن خلال تلك الفترة. كانت تحلم بأطفالها إن تسنى لها النوم وهي جالسة على كرسيها بجانب المدفأة. والليلة حدث الأمر نفسه.

لنهمس الليلة في أذنها بأن أطفالها في طريقهم إلى المنزل، لكن ربما من الأفضل ألا نفعل ذلك؛ ها قد هبت مستيقظة تنادي عليهم.

كان الهواء باردًا في المنزل، لكن السيد والسيدة دارلينج لم يجرآ أبدًا على غلق نافذة حجرة الأطفال، كان يجب أن تظل مفتوحة لهم دائمًا.

لكنهما لم يدركا حتى هذه اللحظة أن هناك شخصًا ما عند النافذة. إنه بيتر بان الذي سبق سائر الأطفال مع تينكر بيل.

•••

تمتم بيتر عندما رأى النافذة: «مفتوحة. كنت أعلم ذلك.»

فابتكر خطة أخيرة. سيطير إلى داخل المنزل بهدوء كي لا يوقظ السيد دارلينج في بيت نانا، ويغلق النافذة ثم يتسلل خارجًا من المنزل من الباب الأمامي، بهذا ستظن ويندي والأطفال عندما يصلون أن والديهم قد نسياهم فيعودون معه إلى نيفرلاند.

رأى أن هذه فكرة رائعة؛ فهو لم يهتم بمشاعر ويندي أو والدتها، لم يعبأ إلا بما أراد؛ فالأطفال أحيانًا ما يكونون بهذه الأنانية.

لكنه مر بالسيدة دارلينج وهي تنام بجانب المدفأة وهو يخرج من المنزل مجددًا، ولما رأى دموعها على وجهها السمين شعر بالذنب للمرة الأولى.

فقفز وغنى وصنع تعابير وجهٍ مضحكة لكنه لم يستطع أن يخرج دموع السيدة دارلينج من رأسه، مع أنه حاول جاهدًا. ربما كان مع كل هذا قد بدأ ينضج نوعًا ما.

فزفر قائلًا: «آه، لا بأس. تعالي يا تينك.» وفتح النافذة وطار بعيدًا.

بعد بضع دقائق، وجد الأطفال نافذة حجرتهم مفتوحة، فهبطوا على أرض حجرة نومهم، لكن مايكل لم يتذكر الحجرة.

وقال: «هذا المكان يبدو مألوفًا.»

فقال جون: «بالطبع هو كذلك أيها السخيف. إنها حجرة نومنا.»

صاحت ويندي: «ها هو بيت نانا.» وهرعوا جميعًا إلى البيت لينظروا بداخله، فلم يجدوا به نانا وإنما وجدوا رجلًا.

قالت ويندي: «هذا أبي.»

فتوسل مايكل قائلًا: «دعاني أرى أبًا.» لكنه لم يذكر والده، فقال وقد شعر ببعض الإحباط: «القراصنة أكبر حجمًا.» من الجيد أن السيد دارلينج كان نائمًا ولم يسمع ابنه يقول هذا وإلا كان قلبه سينفطر.

سأل جون شاعرًا بالحيرة: «هل كان ينام دائمًا في بيت جراء؟»

لم تستطع ويندي أن تتذكر، لكن عندئذ سمعوا صوت عزف بيانو بالطابق السفلي من المنزل.

فشهقت ويندي قائلة: «أماه!»

فسألها مايكل: «ألست أمنا؟»

فقالت ويندي: «آه.» لعلهم انتظروا وقتًا طويلًا كي يعودوا إلى المنزل.

فقال جون «لننزل إلى الطابق السفلي ونفاجئها، يمكننا أن نصيح بووووو.»

فقالت ويندي: «لنكن ألطف قليلًا. نحن ندين لها بالكثير. لنعد إلى أسرتنا وهي ستأتي لتجدنا.»

وهذا هو ما فعلوه بالضبط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤