الفصل السادس

الحياة تدب في الجزيرة

بدا أن جزيرة نيفرلاند تشعر باقتراب بيتر منها، وكأنها مخلوق حي يتنفس، فقد تموجت وجذبت أطرافها لتلقاه؛ فوتيرة الحياة على الجزيرة كانت تتباطأ عندما يرحل بيتر عنها؛ الجنيات كن ينمن في وقت متأخر، والحيوانات الضارية كانت تعنى بأطفالها، والقراصنة والصبية التائهون والهنود كانوا يكفون عن القتال ويكتفون بتوجيه السباب بعضهم إلى بعض.

لكن مع عودة بيتر أخذت الجزيرة تهدر، وكأن قطارًا قادم، وبدأ الصبية التائهون يبحثون عن بيتر، فيما أخذ القراصنة يبحثون عنهم، وأخذ الهنود يبحثون عن القراصنة، وبدأت الحيوانات تبحث عن الهنود. كل الجماعات طافت وطافت في أرجاء الجزيرة بنفس السرعة، لذا لم تدرك أي منها الأخرى قط.

لنتأمل كل مجموعة تمر بنا للحظة. أولى المجموعات التي تصادفنا هي مجموعة الصبية التائهين، عددهم يتباين؛ وإن كبر أحدهم — وهو ما يخالف قواعد المجموعة — تطرده المجموعة منها، وعدد أعضائها حاليًّا ستة أعضاء، يرتدون فراء الدببة ويحملون الخناجر، ويزحفون بين الأدغال في صف واحد.

قائد المجموعة هو توتلز الذي كان فتى سيئ الحظ؛ إذ بدا دومًا أن كبرى المغامرات تحدث عندما يجول بالجوار بحثًا عن وجبة خفيفة يتناولها. كان يعود ليجد سائر الصبية يرتدون عصابات رأس وقد فرغوا من معركة قوية، دامية. قد يتذمر من هذا، لكنه كان أكثر الصبية ودًّا وتواضعًا.

ثم هناك نيبز، الذي كان أكثر الصبية هندامًا، ويتبعه سلايتلي الذي نحت صافرات من الخشب ورقص على الألحان التي ألفها، واتسم أيضًا بأنه أكثر الصبية غرورًا. كان يرفع كثيرًا أنفه المغرور في وجه الجميع حتى إنك قد ترى أحيانًا ما بداخل أنفه.

رابع الصبية هو كيرلي، الذي وقع دائمًا في المشاكل، وتعود أن يتحمل اللوم على أفعال لم يرتكبها.

وأخيرًا، هناك التوءمان اللذان لن نصفهما لأن التمييز بينهما على أي حال مستحيل.

بدلًا من ذلك، لننتقل إلى القراصنة، الذين حاولوا العثور على الصبية: أشكالهم تبدو مخيفة.

قاد هذه المجموعة التي ارتدت ثيابًا رثة قرصان إيطالي حسن الطالع اسمه سيكو، حفر اسمه بالدماء على ظهر حارس السجن الذي فر منه، خلفه سار رجل عملاق يضع وشمًا يدعى بيل جوكس، تلقى في إحدى المرات ست طلقات قبل أن يلقي من يده كيس ذهب كان يسرقه.

ثم كان هناك كوكسون والسيد ستاركي؛ أكثر القراصنة تأدبًا حتى إنه كان يعتذر دائمًا قبل أن يطعن أي شخص بسيفه.

يتلوهما القرصان الأيرلندي سمي والقرصان نودلر ويتبعهما المزيد من الرجال المتوحشون.

في نقطة ما وسط هؤلاء الأشرار الخطرين سار جيمس هوك، القرصان الأكثر هيبة، كان يموج خصلات شعره الأسود اللامع لتحيط بوجهه الوسيم صارم الملامح، وعيناه كانتا سوداوين شديدتي السواد خاويتين من التعبير، إلا عندما يطعن شخصًا ما بخطافه، عندها كانتا تلتمعان ببريق أحمر وتنضحان بالسعادة.

يختلف هوك عن سائر القراصنة الذين يشكلون طاقمه. إنه شجاع — إلا إذا رأى دمه — وهو بارع في سرد القصص، يتحدث بلباقة وصوت خفيض — حتى عندما يطلق السباب — ويكون في أوج غموضه عندما يتحدث بتهذيب.

لننتقل الآن إلى الهنود، فهم يزحفون بهدوء شديد، حاملين فئوسًا وسكاكين، وبينهم الأميرة الهندية الجميلة تايجر ليلي التي لا يجسر أحد على الاقتراب منها خوفًا من أن تشهر بلطتها في وجهه.

خلف الهنود، زحفت الحيوانات الضارية من الأسود والنمور والدببة وغيرها من الوحوش. كانت هذه الحيوانات شديدة الجوع إلى حد أن ألسنتها كانت تتدلى من فمها.

وخلف كل هؤلاء، زحف تمساح عملاق، تضور بدوره جوعًا، إلا أنه لم يتُقْ لالتهام أي لحم، بل تاق لالتهام شيء بعينه، أو بالأحرى شخص بعينه ….

أول من توقف عن الزحف هم الصبية، إذ أخذ التعب يدركهم.

•••

قال سلايتلي لاهثًا: «أتمنى أن يعود بيتر الآن، ويخبرنا كيف تنتهي قصة سندريلا.»

كان توتلز على وشك أن يرد على هذا، لكن عندئذ سمع الصبية القراصنة وهم يسيرون ويغنون من مكان بعيد، فتوقفوا، إلا أن القراصنة كانوا في طريقهم إليهم.

درب بيتر الصبية جيدًا، لذا علموا كيف يتصرفون بالضبط. ركض كل منهم في لمح البصر إلى شجرة مجاورة، وبدلًا من أن يتسلقها، هبطها.

كانت الأشجار مفرغة من الداخل، بكل منها فتحة تتسع لأحد الصبية، وجميعها تقود إلى كهف واحد تحت الأرض.

سمع هوك بتلك الأشجار ورأى أنه من السخف أن يكون لكل صبي شجرة، لكن — بالنظر إلى ما يخدم أغراضه — صب هذا في صالحه تمامًا؛ فالعثور على سبع أشجار أسهل من العثور على شجرة واحدة!

سرعان ما وصل القراصنة إلى النقطة الخالية من الأشجار التي وُجد فيها الصبية قبل قليل. انتشر القراصنة في المكان لمتابعة بحثهم عن الصبية، عدا هوك وسمي اللذين مكثا خلف الجميع.

قال سمي: «أعتقد أنني لمحت نيبز أيها القائد، هل علي أن أطارده؟ أستطيع أن أدغدغه بسيفي.»

فقال هوك: «لا، أريد أن أقبض عليهم جميعًا، لا سيما قائدهم بيتر بان. لقد بتر ذراعي ورماها لتمساح مار.» ثم لوح بخطافه الحديدي قائلًا: «يومًا ما سأصافحه بهذا.»

فسأله سمي: «ألهذا تخشى التماسيح؟»

فأجاب هوك: «لا أخشى كل التماسيح، بل هذا التمساح فقط. لقد وجد طعم ذراعي لذيذًا، حتى إنه يتعقبني منذ تلك اللحظة، ويلعق شفتيه منتظرًا التهام بقيتي. ما منعه من ذلك إلى الآن هو أنه ابتلع ساعة تدق بداخله، لذا أسمعه دائمًا وهو قادم فأفر.»

فقال سمي: «ستفرغ بطارية تلك الساعة يومًا ما، وتكف عن الدق.»

فقال هوك في حزن وهو يجلس على نبتة مشروم كبيرة: «نعم.»

لكنه عندئذ شعر أن النبتة دافئة على نحو غريب، فنهض، وجذبها، ووجد رأسها يُنزع بسهولة، وهنا أخذ الدخان ينبعث من النبتة التي صارت بلا رأس؛ لم تكن تلك نبتة مشروم على الإطلاق، بل مدخنة!

سمع هوك أصواتًا في أعماق المدخنة، كانت هذه أصوات الصبية التائهين؛ لقد عثر هوك على كهفهم!

تلفّت هوك حوله، فوجد أيضًا فتحات في سبع شجرات مجاورة؛ وجد مداخل الكهف.

همس سمي لهوك قائلًا: «سمعتهم يقولون إن بيتر ليس معهم.»

فابتسم هوك وأومأ برأسه ثم أعاد بحذر رأس المشروم إلى مكانها؛ كانت لديه خطة.

فقال: «لنعُدْ إلى السفينة، سنخبز لهم كعكة ونتركها عند صخرة مارونرز عند بحيرة حوريات الماء. لا شك أنهم سيعثرون عليها ويلتهمونها، فتصيبهم الكعكة بألم في معدتهم، ويصبح أسرهم أسهل.»

كم ضحك هوك وسمي في طريقهما إلى قاربهما! لكن سرعان ما حل محل صوت ضحكاتهما صوت آخر، كان هذا صوت ساعة تدق. توقف هوك عن الضحك فجأة مرتجفًا.

وصرخ سمي: «اهرب!» لكن هوك كان قد فر بالفعل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤