اختيار الأفكار

اختيار الأفكار ليس مسابقة للجمال.

***

لا جدال في هذا: الأفكار مسألة عاطفية للغاية، ترتبط بالمشاعر الإيجابية والسلبية. وللأسف، تنتاب كلَّ شخص مشاعرُ مختلفة تجاه كل فكرة؛ فالفكرةُ التي أجدها شخصيًّا رائعةً حقًّا قد يراها زميلي غايةً في السوء. ونظرًا لأن الانفعالات والعواطف غير قابلة للتفاوض، فسوف تَثْبت الآراءُ والمواقف سريعًا جدًّا، وهذا يجعل اختيارَ الأفكار أمرًا بالغ الصعوبة. حتى نحن كمصنع للأفكار، كان علينا أن نتعلَّم بالطريقة الصعبة قبل أن نجد طريقةً أتاحت لنا بالفعل أن نسمح بتدخُّل العواطف في تقييم الأفكار، مع الحفاظ على عملية القرار نفسها بعيدةً عن العاطفية قدر الإمكان. وعلى مدار فترة طويلة، وجدنا صعوبة شديدة في فهْمِ لماذا تحتدم المشاعر وتصل لمثل هذا الحد في العرض النهائي للأفكار، ولماذا يجد عملاؤنا صعوبةً بالغة في الاتفاق على فكرةٍ أو أكثر. ولاحظنا للتو أن الأفكار التي وُضِعت في مراحل متعددة، وقُيِّمت كأفكار جيدة ومثيرة من قِبَل عملائنا، غالبًا ما كانت تُقابَل بالرفض خلال العرض التقديمي في المستوى التالي من اتخاذ القرار؛ فالأفكارُ التي وُضِعت بشكل منهجي في عدة مراحل قد اختفت فجأةً ولم يَعُد لها أثر، على الرغم من إشراك العديد من الأشخاص من داخل الشركة في عملية اتخاذ القرار، واقتناع الجميع بإمكانية تنفيذ الفكرة. إن الأفكار ببساطة شيءٌ سريع التغيُّر؛ ففي البداية قد يفكِّر شخص قائلًا: يا للروعة! هذا رائع. وفي المرة الثانية حين يكون في حالة مزاجية مختلفة يفكِّر قائلًا: ما المفترَض أن يكون جيدًا بشأن ذلك؟!

figure
اختيار الأفكار مرحلة مهمة في عملية تطوير الأفكار، ويساعدك أنت وصُنَّاع القرار في اختيار أفضل الأفكار لتنفيذها.

كان الأمر ضاغطًا للغاية، وأنا واثق أنك أنت نفسك ستكون قد مررتَ أيضًا بشيء مماثل. والأمر كذلك بالنسبة إلى عملائنا؛ ففي مشروعٍ للبحث عن اسمٍ، أدارته إحدى عميلاتنا في مجال الهندسة الزراعية من دوننا، اقترحت العميلة اسمين على الإدارة، تغلَّبا على عقبة قضايا حماية العلامة التجارية المُسجَّلة، وكانا بالفعل اسمين جديدين لم يُستخدَما من قبلُ قطُّ في مجال الهندسة الزراعية. إلى جانب ذلك فقد استوفى الاسمان المعاييرَ التي لا بدَّ أن تستوفيها أيُّ علامة تجارية في هذه الشركة. رفض المدير كِلا الاسمين في الحال؛ أحدهما بحُجَّة أن الاسم قد ذكَّره بشيء بغيض في حياته الشخصية، والآخَر بحُجَّة أن هناك نوعًا من شوكولاتة يحمل اسمًا مشابهًا للغاية. كان كلا السببين لا صلةَ له بالأمر وشخصيًّا للغاية؛ الأمر الذي يُبرز المشاعر التي دائمًا ما تتدخَّل حينما يتعلَّق الأمر بالأسماء. لماذا حَكَم المدير على الاسم بهذا النحو الشخصي؟ لماذا لم يستطع تقييمَه بأسلوب محايد وبنَّاء؟ ببساطة لأنه لم يشارك من قبلُ، ولم تكن لديه أدواتٌ لكي يكون قادرًا على إصدار حكمه بأسلوب غير عاطفي.

بعد تحليل عدد من المشروعات، ثبت لدينا أن هناك عاملين لهما تأثيرٌ إيجابي على الدعم الممنوح للأفكار في نهاية المشروع، وهما:
  • (١)

    إشراك صُنَّاع القرار في المراحل الحاسمة من المشروع؛ فصُنَّاع القرار الذين تم إشراكهم يشعرون بالمسئولية عن النتيجة، ويفهمون كيف وُضِعت الفكرة، وهم أكثر جاهزيةً لاتخاذ القرار في اختيار الأفكار.

  • (٢)

    إجراء منظم لاختيار الفكرة، فإذا تمَّ الاختيار في عملية منظمة وخالية بشكل كبير من المشاعر والانفعالات؛ فحينئذٍ يمكن فحص جميع الأفكار بتوجُّه صحي مجرد من المشاعر؛ ومن ثَم تقلُّ فرصة رفضِ فكرةٍ ما لمجرد أنها تثير مشاعرَ سلبية لدى أحد المشاركين في عملية الاختيار.

دائمًا ما كنا نزيد نسبة الإشراك، وكلَّما أمكن نحاول إدراجَ أعلى مستوًى ممكن من صنع القرار في العملية. هذا لا يعني أن عملاءنا يحتاجون إلى مصاحبتنا في العملية برمتها، وأن لديهم الكثير من العمل فيها، بل على العكس تمامًا؛ فمن خلال الانخراط في النقاط الأساسية ومراحل القرار لا يهدرون أيَّ وقت ثمين.

كان العثور على عملية اختيار منظمة ناجحة أمرًا أصعب قليلًا؛ فحينما تعرض أفكارك، عادةً ما تبدأ المشاعرُ في الغليان، ويرغب الجميع في أن تكون له سلطة ويعبِّر عن آرائه. وتتنوع التحديات التي تواجِه عمليةَ الاختيار بشكل بالغ في عددٍ من الجوانب:
  • لا بدَّ من وضع الأشخاص المناسبين في الاعتبار عند اختيار الأفكار.

  • يجب ألَّا تكون عملية الاختيار مثيرةً للملل أو تبدو بيروقراطية، ولكنْ لا بد في الوقت نفسه أن تتواصل بشكل منظم.

  • لا بدَّ أن يلتزم الجميع بالقواعد لكي يمكن تقييم الأفكار (وهو الأمر الذي لا يكون سهلًا في جوٍّ مشحونٍ عاطفيًّا).

  • لا بدَّ أن تكون نتائج التقييم متاحةً بأسرع ما يمكن، والأفضلُ على الإطلاق أن يتم ذلك خلال الاجتماع.

ونحن اليومَ نستخدم عمليةَ تقييمٍ رائعةَ التصميم، يستوعبها عملاؤنا جيدًا، ويتقبلونها، ويشيدون بها دومًا. سوف ترى بنفسك، فبمجرد أن تبدأ في مناقشة الأفكار وتقييمها على هذا النحو، سوف تكون قادرًا على تنفيذ أفكارٍ أكثر بكثير من ذي قبلُ.

(١) الإعداد: المادة

من أجل تنفيذ عملية اختيار الأفكار، ينبغي أن تكون قد أتممتَ مرحلةَ تصميم الأفكار، وهذا يعني ضرورة أن تكون أفكارُك متاحةً في شكلِ عرضٍ تقديمي، ويجب تخيُّل كل فكرة في شكلٍ ما. وكلما أمكن، يجب أن تناقش العرضَ بأكمله مع عميلك، مالك المشروع، قبل اختيار الأفكار، وتضمن أن العرض يحظى بموافقته، ويتلاءم مع لغة المشاركين في عملية اختيار الأفكار. خذ مساهمته بجديةٍ؛ فهو أكثر درايةً بفريقه من أي شخصٍ آخَر.

قُمْ بترقيم الأفكار بشكلٍ متسلسلٍ في العرض التقديمي وفي جميع المستندات والوثائق، وضَع تسميةً لكلٍّ من العرض التقديمي وجميع وثائق المشاركين مع رقم الفكرة ذات الصلة. والعدد المثالي يتراوح بين ٩ أفكار و١٥ فكرة. أما إذا زاد العدد عن ٣٠، فسيكون من الصعب تقييم كل هذه الأفكار.

•••

كذلك سوف تحتاج إلى ما يلي لعملية اختيار الأفكار:
  • استعراض عام لجميع الأفكار على ورقة أو على شريحة عرض (مرةً أخرى، لا تنسَ ترقيم الأفكار).

  • نموذج تقييم لكلِّ مشارِك لكل فكرة. ويمكن للمشاركين ملء الخانات التالية لكل فكرة على نموذج التقييم:
    • (١)

      تقييم، على مقياس من ١ إلى ١٠، لمدى إعجاب المشارك بالفكرة.

    • (٢)

      ملاحظات عامة.

    • (٣)

      ملاحظات على التنفيذ/القدرة على التنفيذ.

  • نموذج لإعداد قائمة ترتيب. فتُسجَّل جميع الأفكار على النموذج، مع إعطائها رقمًا وربما تمثيلها بصورة.

  • برنامج تقييم يمكن إدخال نتيجة التقييم وقائمة الترتيب فيه أثناء اختيار الأفكار، ويُعَد برنامج إكسيل هو الأداة المناسبة الأبسط لذلك، ويمكن للخبراء أيضًا الاستعانة بأحد حلول قواعد البيانات، مثل حل «برين بيز» الخاص بنا.

  • لا بد أن يكون البرنامج قادرًا على القيام بما يلي:
    • (١)

      حساب القيمة المتوسطة للتقييمات.

    • (٢)

      حساب الانحراف المعياري (الاستقطاب) للتقييمات؛ بمعنى بيان مدى قوة انحراف الآراء في التقييمات أحدها عن الآخَر.

    • (٣)

      عرض قائمة الترتيب المُجَمعة لكل المشاركين، والتي تُعطَى فيها كلُّ فكرة مركزًا معينًا، ثم توضيحها بالقيمة العكسية (أيْ إن الفكرة ذات القيمة الأقل تكون في المركز ١).

  • برنامج بث مرئي لعرض النتائج فورًا.

  • أدوات كتابة لكل المشاركين.

حين تقوم بتنفيذ عملية اختيار الأفكار لأول مرة، من المهم اختبار الإجراء برمته وبرنامجك الحاسوبي جيدًا، وهو أمر لا نزال نقوم به اليومَ قبل كل عرضٍ تقديمي للتأكُّد من أن كل شيء يسير على ما يرام؛ فلا شيء أكثر إحراجًا من المشكلات الفنية أثناء عرض الأفكار، والأمر برمته به من الصعوبة ما يكفي من دون مثل هذه المفاجآت غير السارة.

بالإضافة إلى المادة المتاحة لديك، تحتاج أيضًا إلى مساعد من أجل اختيار الأفكار، يساعدك في جمع تقييمات المشاركين وإدخالها في نظام التقييم؛ فيقوم «مسئول الأفكار» بعرض الأفكار، ويعتني «مدير المشروع» بالجانب الإداري للأمور، بينما يوجد «مدير الأفكار» للإجابة على أي أسئلة (ثمة المزيد عن الأدوار في مشروع الأفكار في فصل «إدارة الأفكار»).

(٢) الإعداد: الدعوة

ليس المهم عدد الأشخاص المساهمين في عملية اختيار الأفكار، وإنما معرفة مَن هم الأشخاص المساهمون. ومع ذلك ينبغي أن تضمن وجودَ ما لا يقل عن خمسة أشخاص؛ لأن العرض الإحصائي للنتائج يكون بلا معنًى إذا كان العدد أقل. من الممكن أن تنفذ عملية اختيار أفكار بعددِ أشخاصٍ يصل إلى ٢٠٠ شخص، ولكنك حينئذٍ تحتاج إلى العديد من المساعدين من أجل إدخال النتائج، وإلَّا فلن تستطيع إعلانَ النتائج بعد التقييم مباشَرةً، على الرغم من أن ذلك أيضًا أمر محتمل بالطبع. وتكمن ميزةُ إجراء التقييم مباشَرةً في البداية في إمكانية التوضيح للمشاركين أن تقييمهم للأفكار لا ينبغي بالضرورة أن يتفق مع تقييم المشاركين الآخرين؛ الأمر الذي يُخمِد العناصرَ العاطفية لتقييم الأفكار إلى حدٍّ كبير.

عند دعوة الأشخاص الذين تودُّ أن يكونوا حاضرين في عملية اختيار الأفكار، احرصْ على أن يكون لديك مزيجٌ مثالي من الكفاءة والمعرفة. من المهم أيضًا أن تُشرِك صُنَّاعَ القرار في العملية؛ إذ إن هؤلاء هم الأشخاص الذين سيقرِّرون في النهاية الفكرةَ التي سيتم تنفيذها. وينبغي أن يكون الأشخاص الحاضرون من داخل الشركة من مختلف مستويات التدرُّج الوظيفي إذا أمكن، ولكن صلتهم بموضوعِ عمليةِ توليد الأفكار ضعيفة. من الأمور الهادفة أيضًا أن تدعو أولئك المشاركين الذين كانوا بالفعل جزءًا من عملية توليد الأفكار (انظرْ فصل «الفريق الإبداعي») إلى عملية اختيار الأفكار. وإشراكُ الخبراء المعتمَدين في موضوع المشروع مفيدٌ أيضًا بلا شكٍّ، وعادةً ما يمكن العثور على هؤلاء داخل الشركة نفسها.

أبلِغِ المشاركين مقدمًا بما يمكن أن يتوقَّعوه في عملية اختيار الأفكار، في خطابٍ أو عبر البريد الإلكتروني، على سبيل المثال:

عزيزي السيد ستيفن

يسعدني أن أعرف أنك جاهز للمشاركة في عملية اختيار الأفكار لمشروع «منتجات الشوكولاتة الجديدة»، التي تنطلق في ١٥ فبراير ٢٠٠٤. نرجو من سيادتك الوصول في الساعة ٩:٥٠ صباحًا في قاعة «بارلاين» للمؤتمرات، لكي يمكننا البدء في تمام الساعة ١٠:٠٠ صباحًا في إجراء تقييمٍ للأفكار. علمًا بأن الاجتماع سيستمر حتى الساعة ١٢:٠٠ ظهرًا.

الهدف من عملية اختيار الأفكار هي تلقِّي تغذية راجعة واسعة من صُنَّاع القرار والموظفين، عن الأفكار الخمس عشرة لمنتجنا الجديد، وقد وُجِّهت الدعوة لسيادتك بصفتك الوظيفية كمدير تسويق.

فيما يلي جدول أعمال الاجتماع:

(١) الترحيب ومقدمة قصيرة.

(٢) مناقشة الكيفية التي وُضِعت بها الأفكار.

(٣) عرض تقديمي لكل فكرة، وإجراء تقييم لكل فكرة على نموذجِ تقييمٍ (تقييم على أساس العاطفة).

(٤) إعداد قائمةِ ترتيبٍ للأفكار (تقييم موضوعي نسبي).

(٥) عرض النتائج وقائمة الترتيب.

(٦) المناقشة/عرض المطالب.

إن الهدف الأساسي ليس الاتفاق على منتج خلال الاجتماع، وإنما التعرُّف على مزايا ومساوئ كل فكرة، والتي يمكننا بعد ذلك وضعها في الاعتبار في تحليلنا.

نتطلَّع إلى رؤيتك ونودُّ أن نُوجِّه لك جزيلَ الشكر على دعمك لنا في هذه المرحلة المهمة في تطوير منتج جديد من الشوكولاتة.

المُخلِصة
ريتا فورتفينجلر، إدارة المشروع

في اليوم المُحدَّد لإجراء عملية اختيار الأفكار، ينبغي أن تصل مبكرًا إلى قاعة الاجتماعات، وتتأكد من أن جميع الترتيبات اللوجستية على ما يرام: هل يعمل برنامج التقييم الخاص بك؟ هل جهاز البث المرئي مُوصَّل بشكل صحيح؟ هل كل المواد اللازمة متوافرة؟

(٣) إجراء عملية اختيار الأفكار: الترحيب والمقدمة

في بداية عملية اختيار الأفكار ينبغي أن تَصُوغ مقدمة بسيطة، تشرح فيها الهدف من عملية اختيار الأفكار وتوضِّح القواعد.

•••

وينبغي توضيح النقاط التالية:
  • عملية اختيار الأفكار هي عملية منظمة يُعرَض خلالها العديد من الأفكار، وتُقيَّم من وجهات نظر مختلفة بواسطة أشخاص عدة.

  • عملية اختيار الأفكار ليست مسابقةً للجمال؛ فالهدف ليس اختيار الفكرة التي تنال إعجاب الجميع باعتبارها الفكرة الفائزة، وإنما اختيار الفكرة التي تملك أقصى قدر من إمكانية التنفيذ بشكل واضح.

  • عملية اختيار الأفكار ليست عملية ديمقراطية؛ إنَّ رأي كل مشاركٍ له أهميتُه وقيمتُه، ولكن القرار بشأن أي فكرة ستُنفَّذ في النهاية يقع في يدِ صُنَّاع القرار.

  • الأفكار الاستقطابية لها إثارة خاصة في عملية اختيار الأفكار؛ أي الأفكار التي تخلق الكثير من الخلاف، فيرى بعض المشاركين أن الفكرة جيدة للغاية، بينما يراها البعض سيئة. ومثل هذه الأفكار عادةً ما يثبت أنها مثيرة بشكل خاص في السوق؛ لأنها تخلق جدلًا وتمنح الناس شيئًا يتحدثون عنه. ليس كل شخص يرى أن مثل هذه الأفكار جيدة، ولكن أولئك الذين يجدونها جيدة لديهم حماس خاص تجاهَها. وثَمَّة قصة رائعة توضح هذه الحقيقة: في عام ١٩٦٣ قدَّمت وكالة «بي بي دي» الإعلانية شعارَ «نحن نحاول أكثر» لشركة آفيس الأمريكية. وقد وُضِع هذا الشعار لأسباب استراتيجية؛ فشركةُ آفيس هي الشركة رقم اثنين «فقط» في السوق؛ ولذا تحتاج إلى بذل جهد أكبر للحفاظ على العملاء. اختُصِرت العبارة آنذاك إلى «نحن نعمل أكثر» أو «نحن نحاول أكثر». واستطلعت الوكالة آراء العملاء بشأن الشعار، ووجدت أن حوالي ٥٠ بالمائة وجدوا أن الرسالة «نحن نحاول أكثر» عبقرية ببساطة، وأشاروا إلى أنها جعلت آفيس تبدو شركةً ذات مصداقية خاصة. أما اﻟ ٥٠ بالمائة الآخَرون، فوجدوا الرسالة ساذجة وسخيفة، وقالوا إنهم يُفضِّلون أن تكون لديهم شركة أفضل بالفعل، وليس شركة تحاول أن تكون أفضل فحسب. ثمة استقطاب واضح وحاد نوعًا ما؛ لذا أوصت الوكالة آفيس باستخدام شعار آخَر، وقد صار روبرت سي تاونسند — المدير التنفيذي لشركة آفيس — معروفًا في عالَم الإعلان باستجابته الهادئة لهذه النتائج وهذه التوصية؛ فقد قال: «ليس لديَّ مشكلة في امتلاك ٥٠ بالمائة من حصة السوق.» ولا يزال الشعار يُستخدَم حتى اليوم.

  • من المهم من أجل نجاح المشروع أن يلتزم الجميع بالقواعد تمامًا. اطلبْ من جميع المشاركين اتِّباعَ تعليماتك بحذافيرها.

  • اشرحِ الإجراء الخاص بعملية اختيار الأفكار بالضبط:

    – في الجولة الأولى، تُقيَّم الأفكار من جانب المشاركين سرًّا. وفي هذه المرحلة من الوقت يجب ألَّا تُناقَش الأفكار؛ فالرأي العفوي الأصلي الخالي من أيِّ تعديلات لكل مشارِك له أهميةٌ خاصة في هذه المرحلة. في هذه المرحلة أيضًا ليس لديك إمكانيةُ مقارَنةِ الأفكار الفردية؛ فقط قُمْ بتقييم كل فكرة بناءً على «شعورك الداخلي»؛ فلا يوجد ما يُسمَّى بثاني أول انطباع، وهنا تكمن الأهمية الكبيرة لهذه المرحلة.

    – دوِّنْ ملاحظات على كل فكرة — إنْ شئتَ — إما ملاحظات عامة وإما تعليقات على أهليتها للتنفيذ.

    – في الجزء الثاني من عملية اختيار الأفكار، سوف تكون قادرًا على رؤية جميع الأفكار مجددًا في عرض عام، وبناءً على هذا العرض العام سوف تضع الأفكارَ في قائمة ترتيب تضع فيها الأفكار في تسلسل واضح، يبدأ من الفكرة التي ترى أن لها الاحتمالية الأكبر (رقم ١) للتنفيذ، وصولًا إلى الفكرة التي ترى أنها الأقل احتمالًا أو ليس لها أي احتمال للتنفيذ. ولم يَعُد ضروريًّا أن يتم هذا التقييم بناءً على المشاعر بشكلٍ بحتٍ، ولكنْ وفقًا لمعايير أكثر موضوعيةً. أي فكرة يمكنك أن تتخيَّل تنفيذها، وأيها لا يمكنك؟ بالطبع سوف تُدرَج وجهات النظر الشخصية أيضًا؛ ولكنْ على عكس التقييم الأول، لم يَعُد ينبغي أن تكون محطَّ الانتباه.

  • امنحِ المشاركين الفرصةَ لطرح أسئلة عن العملية، واشرح الخطوات الفردية مجدَّدًا إذا استدعت الضرورة. أنت الآن جاهز لتنفيذ عملية اختيار الأفكار.

إذا كنتَ تعتقد أن هذا الإجراء يبدو روتينيًّا مملًّا، ويذكِّرك بعض الشيء بمعلمتك في المرحلة الابتدائية؛ فأنت على الأرجح محق. ولكن الخبرة أظهرَتْ لنا، فيما يزيد على ٣٠ مشروعًا، أنه لا يمكن ترك أي شيء للصدفة في مرحلة اختيار الأفكار، وفي هذه الأيام أحافظ حتى على هدوئي، إذا كنا بصددِ تنفيذِ عمليةِ اختيار أفكارٍ موازية مع المشاركين في عدَّة مواقع، والذين يمكن أن يتمَّ الاتصال بينهم بواسطة مؤتمر هاتفي. ولكن هذا فقط لأنني أعلم أن لدي صيغة لتقييم الأفكار، تتجاوز حواجز اللغة، والعادات، والحواجز الثقافية. وقد أرسل لي مؤخرًا شخصٌ من أمريكا اللاتينية كان يشارك في عملية اختيار أفكار لاسم لأحد المنتجات الزراعية؛ رسالةً عبر البريد الإلكتروني، شكرني فيها على نجاحي في «إقناع رءوسهم الأمريكية اللاتينية الصلبة بالمشاركة في عملية تقييم منظمة». ومع ذلك، دائمًا ما يكون واضحًا لي عند مباشَرةِ هذه المرحلة مدى صعوبة تحقيق التوازن بين التقييم المنظم، والعواطف الكامنة، والتسلسلات الهرمية.

(٤) إجراء عملية اختيار الأفكار: التقييم

والآن إلى العمل. اعرضْ فكرتك أولًا لجمهور ناقدٍ إلى حدٍّ كبير. هذا يُمكن أن يثير توتُّرك حقًّا، لا سيما عندما تحصل على مردود سريع ومباشر من جميع المشاركين الموجودين في الحجرة.

اعرض الفكرة بهدوء وبموضوعية قدر الإمكان، وإذا كنت قد أعددتَ الفكرة جيدًا وفقًا لمرحلة تصميم الأفكار، لا ينبغي أن يُمثل هذا مشكلة. بعد كل فكرة، امنح المشاركين قدرًا قصيرًا من الوقت لتقييم الفكرة على نموذج التقييم خاصتهم وإبداء أية ملاحظات تخطر لهم. تأكَّدْ من أن الوقت المُتاح ليس بالقليل أو بالكثير. والوقتُ المناسب بالنسبة إليَّ لمواصلة العمل هو عندما يكون عدد المشاركين الذين لا يزالون يكتبون قليلًا. اطلب من المشاركين أن يشتكوا بأنفسهم إذا لم يكن لديهم وقتٌ كافٍ. اجعل مساعديك يقومون بجمع الأوراق فورًا وإدخالها في نظام التقييم، عادةً ما يسير هذا الإيقاع على نحو جيد بعد ثلاث أفكار. لا تُقاطع عرض الأفكار ولا تأخذ استراحة، وما دمت تحافظ على الأفكار مختصرة، لا ينبغي أن يستغرق العرض التقديمي والتقييم الأولي أكثر من ٤٠ دقيقة لعشرين فكرة.

بعد ذلك، يمكنك أن تطلب من المشاركين أن يُعلِّق كل واحد منهم تعليقًا واحدًا على الملأ في هذه المرحلة. وضِّح لهم أنك تبحث بشكل خاص عن المعرفة المتخصصة لدى المشاركين في هذا الوقت، وأنه ينبغي أن يُبْدُوا تعليقًا له صلة بالخطوة التالية، ألَا وهي إعداد قائمة ترتيب. دوِّنْ كل هذه التعليقات ثُمَّ لخِّصِ التعليقات بإيجاز، حتى يتسنَّى للمشاركين التحقق مما لو كانوا قد استوعبوا كلَّ شيء بشكل صحيح.

(٥) إجراء عملية اختيار الأفكار: قائمة الترتيب

الخطوة التالية هي إعداد قائمة ترتيب لكل الأفكار. وهذه الخطوة، مرة أخرى، يقوم بتنفيذها كل مشارك منفردًا. وللقيام بهذا، يحتاجون إلى نظرة عامة لجميع الأفكار (الرقم، ووصف الفكرة، وربما رسم توضيحي لها)، ونموذج قائمة الترتيب. اطلبْ من المشاركين الآن وَضْعَ الأفكار في تسلسل واضح؛ أيْ إعطاء كل فكرة رقمًا. ووضوح قائمة الترتيب أمر غاية في الأهمية؛ إذ لا يمكن تقييمها إذا كانت غير ذلك. وتكون المهمة إما سهلة نسبيًّا وإما صعبة نوعًا ما، على حسب عدد الأفكار التي عليك تقييمها؛ ففي وجود ما يزيد على ١٥ فكرة، لا يكون إجراء ترتيب واضح سهلًا للدرجة؛ إذ لا تختلف الأفكار إحداها عن الأخرى اختلافًا قويًّا. اجمعِ القوائم بعد اكتمالها واجعلها تدخل في النظام. سوف تحتاج الآن على الأرجح بضع دقائق لإدخال النتائج؛ ومن ثَمَّ يمكنك أن تأخذ استراحة قصيرة مرة أخرى.

(٦) إجراء عملية اختيار الأفكار: عرض النتائج

أثناء الاستراحة ستكون قد أدخلتَ جميع النتائج، وألقيتَ عليها نظرة سريعة في نظام التقييم الخاصة بك. وينبغي الآن أن تكون قادرًا على تقديم ثلاثة مخططات بيانية:
  • (١)

    القيمة المتوسطة لجميع التقييمات الناتجة عن الجولة الأولى (عرض جميع الأفكار).

  • (٢)

    استقطابية التقييمات (الصيغة: الانحراف المعياري).

  • (٣)

    قائمة ترتيب الأفكار.

figure

ينبغي عليك الآن أن تعرض المخططات البيانية الثلاثة جميعًا وتشرحها بإيجاز؛ بمعنى أن تعرض الحالة الراهنة للأفكار. وضِّحْ أن هذه ليست نتيجة نهائية، بل صورة أولية للمزاج العام.

ثَمَّة تعليقات قليلة تنطبق بشكل أساسي على المخططات البيانية الثلاثة:

(٦-١) مخطط القيمة المتوسطة

  • غالبًا ما يحدث أن ينتهي الحال بالأفكار الأقل إثارةً للعقول في أعلى المراكز؛ ويُعزى هذا ببساطة إلى أن مثل هذه الأفكار بطبيعة الحال لا يكون لها تأثير استقطابي قوي؛ بمعنى أن جميع المشاركين عادة ما يتَّفقون في الرأي على أن هذه الأفكار مرشَّحة للتنفيذ. إن مثل هذه الأفكار يمكن أن تحظى بإجماع، ولكنها عادة ما تكون باهتة؛ نظرًا لقدرتها المتدنية على الاستقطاب. ودائمًا ما أصف هذه الأفكار بأنها أفكار ممتازة ﻟ «الخطة البديلة»: فإذا كان الفريق لا يستطيع أو لن يتفق على فكرة ذات تأثير استقطابي قوي، فإن مثل هذه الأفكار يمكن أن تكون خيارًا مناسبًا. وهذا بالطبع ليس ما يحدث في العادة؛ فغالبًا ما تكون هناك أفكار رائعة، تحظى بالمركز الأول، ويسأل العملاء أنفسهم عندها: «لماذا لم نتوصَّل إلى هذا بأنفسنا؟»

  • الأفكار الاستقطابية — أي الأفكار التي يجدها بعض الأشخاص جيدة جدًّا ويراها البعض في غاية السوء — مثيرةٌ أيضًا؛ فالخلاف حول تلك الأفكار عادةً ما يكون أقوى بكثير، ويمكن للمناقشة أن تكون في غاية الإثارة والتشويق.

(٦-٢) مُخطَّط الاستقطاب

  • الاستقطاب ليس سوى الانحراف المعياري عن القيم المتوسطة التي عُرِضت للتو. وكل استقطاب يرتفع عن ثلاث نقاط يُعتبَر مرتفعًا للغاية، ويكون مثيرًا للمناقشة.

  • توجد بالطبع أفكار لا تُحدِث أي استقطاب على الإطلاق، أو لا تُحدِث استقطابًا كبيرًا للغاية؛ وهذا يعني إما أن عددًا كبيرًا من المشاركين قد وجد الفكرة جيدة جدًّا، وأنها قد حَظِيت بمركز مرتفع في قائمة الترتيب لهذا السبب، وإما أن معظم الأشخاص يرون أن الفكرة سيئة؛ ومن ثَمَّ فهي في واحد من المراكز الأكثر تدنِّيًا في قائمة الترتيب.

(٦-٣) مخطط قائمة الترتيب

  • عند النظر إلى قائمة الترتيب، يكون الشيء الأهم هو مقارنتها بالتقييم الأولي؛ إذ يصبح واضحًا هنا كيف تطوَّرت الأفكار بالنسبة إلى المشاركين منذ التقييم الأولي حتى إعداد قائمة الترتيب؛ ومن ثمَّ يتضح كيف أنها قد صارت «محبَّبة إليهم». وهذه الأفكار المثيرة على نحوٍ خاص قُيِّمت كأفكار ضعيفة أو متوسطة في التقييم الأولي، لتظهر فجأةً في مركز أعلى في قائمة الترتيب. والعكس يسري أيضًا؛ فهناك الأفكار التي جاء تقييمها إيجابيًّا للغاية في التقييم الأولي، وتظهر فجأةً في مستوى أدنى في قائمة الترتيب. ما الأسباب وراء هذا التغيُّر الذي يطرأ على الآراء؟ يمكن للمشاركين أن يُعقِّبوا مباشَرةً على هذا. إن هذا التذبذب ليس بالشيء الغريب، لا سيما بالنسبة إلى الأفكار ذات الطابع العاطفي الكبير، مثل اسمٍ جديد لمنتجٍ ما؛ فالأسماء بالذات تتطوَّر باستمرار، وتُوقظ مشاعر جديدة في كل مرة يُنظَر فيها.

  • إذا كان المشاركون قد وُجِّهوا بشكلٍ صحيح، يجب أن تعكس قائمة الترتيب مدى احتمالية تنفيذ الأفكار أكثر مما تعكس التفضيلات الشخصية للمشاركين؛ لذا قارِنْ قائمةَ الترتيب مع التقييم الأولى من وجهة النظر هذه أيضًا.

بعد أن تَعرِض المخططات البيانية الثلاثة جميعًا، اطلبْ من كلِّ مشاركٍ أن يختار أفكاره الثلاث المفضلة، ويوضِّح السببَ وراء اختياره. بعد ذلك اختتِم الاجتماع وأَعلِمهم بأنهم سيستطيعون الاطِّلاع على التقييم والتوصية — بناءً على التعليقات المكتوبة أيضًا — في غضون بضعة أيام.

(٧) التقييم والتوصية

خذ وقتك في دراسة جميع الحقائق، والتعليقات، والمساهمات الخاصة بعملية اختيار الأفكار مرةً أخرى في هدوء، واستمِدَّ منها توصيةً فيما يتعلَّق بالأفكار التي ينبغي أن يقوم العميل بتنفيذها. يمكنك أن تضم أفكارًا أقل قبولًا في الاختيار النهائي إذا انتابك شعور — نتيجةَ المناقشة والتقييم — بأن هذه الفكرة لديها احتمالية تنفيذ، وإذا كان بإمكانك تقديم أسباب لتوصيتك. ثِقْ بالأرقام الواردة بالتقييم، ولكن لا تثق فيها بلا تفكير، فباعتبارك الشخص المسئول عن المشروع، ينبغي أيضًا أن تثق بشعورك الداخلي وتزكِّي تلك الأفكار، حيثما ينتابك الشعور — بعد انتهاء المشروع برمته — بأنها يجب أن تُنفَّذ.

مفاهيم جوهرية: «اختيار الأفكار»

• من أجل اختيار الأفكار المناسبة للتنفيذ، يجب استخدام عملية تقييم منظمة، وينبغي أن تدعو إليها جميعَ صُنَّاع القرار المعنيِّين.

• تتألَّف عملية الاختيار من ثلاث خطوات: (أ) تقييم كل فكرة على مقياس من ١ إلى ١٠. (ب) إعداد قائمة ترتيب. (ﺟ) اختيار الأفكار الثلاث المفضلة.

• تجري عملية التقييم دون ذكر أسماء؛ بذلك يمكن مقارنة المراكز المتعددة على أساس محايد خلال المناقشة.

• تُحلَّل نتائج عملية الاختيار وتُحوَّل إلى توصية؛ يمكن لصانع القرار الآن أن يتخذَ قرارَه بِناءً على البيانات المتوافرة.

• عملية اختيار الأفكار ليست مسابقة للجمال ولا عملية ديمقراطية؛ فالهدف الوحيد منها هو توفير الدعم الأمثل لاختيار الأفكار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤