كتاب الحِكَم

عنوان هذا الكتاب في نطقه ورسمه الفارسي، وهو «حِكْمتَ نامه»، معناه: كتاب الحكمة، ولكن عنوانه الألماني بصيغة الجمع يسوِّغ لنا تسميته بكتاب الحِكَم، لا سيَّما أنه يضم مجموعة كبيرة من الحكم والأمثال التي استمد الشاعر معظمها — بصورة تكاد في كثير من الأحيان أن تكون حَرفية — من أصول فارسية وعربية. ولا يخلو من الدلالة على هذه التسمية أنه يُبادِر بقوله في أول حكمة: «إن التمائم التي سينثرها في هذا الكتاب ستحقِّق التوازن.» ولا تختلف هذه الحكم من ناحية الشكل ولا من ناحية المضمون عن بقية حكمه وأمثاله الشعرية التي كتبها في شيخوخته (وتجدها في المجلد الأول من أعماله، طبعة هامبورج، من ص٣٠٤–٣٣٧)، أو التي نثرها في روايته «سنوات تجوال فيلهلم ميستر»، وهي مجموعة حكمه وتأملاته. ومعلومٌ أن أدب الحكم والأمثال مُتوافِر لدى كل الشعوب وفي كل العصور، وهو في تعبيره عن خبرة الإنسان في الحياة وعن حصاد تجربته ورؤيته للعالم يدل على الملامح المُشترِكة بين البشر، بحيث تكاد فيه الفروق أن تختفي بينهم، كما تتلاشى الحدود والحواجز التي أقامها اختلاف الأزمنة واللغات والعادات … إلخ.

يقول جوته عن هذا الكتاب في إعلانه القصير عن الديوان الشرقي في عام ١٨١٦م في صحيفة الصباح: «وكتاب الحِكم أشد إبهاجًا من كتاب تيمور (الذي ذكره قبله مباشرة)، وهو يتألف من قصائد قصيرة استُلهمت في معظمها من أقوال شرقية حكيمة» (طبعة هامبورج، ص٢٦٩). كما يصفه بشكل أكثر تفصيلًا في تعليقاته على الديوان، حيث يقول: «كان الأجدر بكتاب الحِكم أن يكون أكبر من غيره، وهو شديد القرب من كتابي التفكير والضيق، ولكن الحكم الشرقية تُحافِظ على الطابع الخاص بالشعر الشرقي كله، من حيث إنها تتعلق في الغالب بموضوعات حسية ومرئية، ونجد من بينها كثيرًا من الحكم التي نستطيع بحقٍّ أن نصفها بأنها أمثال مُوجَزة. ويظل هذا النوع هو أصعب أنواع الشعر بالنسبة للشاعر الغربي؛ لأن المحيط الذي نعيش فيه يبدو شديد الجفاف والتنظيم والرتابة (النثرية)، بَيدَ أن الحكم والأمثال الألمانية القديمة، التي يتحول فيها المعنى إلى تشبيه، يُمكِن هنا أيضًا أن تكون نماذج صالحة» (طبعة هامبورج ص٢٠٠، وبتصرف عن ترجمة بدوي، ص٤٥٨).

(١) عن التمائم والطلسمات راجِع القصيدتَين رقم ٢، ٤ من كتاب المغنِّي وشروحها. وقد سبق القول في التمهيد لهذا الكتاب إن الشاعر يؤكِّد معنى التوازن في أول حكمة، كما يُشير كذلك إلى تقليد وخز الإبر بشكل عشوائي في صفحات أي كتاب، واعتبار الموضوع الذي وقعت عليه الإبرة أو الدبوس فألًا يُؤخَذ به في مجرى الحياة وفي المُلمَّات (راجع الفقرة الخاصة بنبوءة الكتاب في التعليقات على الديوان، حيث يصف الشاعر هذا التقليد الشائع في الشرق، ويتمنى أن يُفيد منه القُراء الذين سيُطالِعون ديوانه، ص١٨٩ من التعليقات في طبعة هامبورج، وطبعة بدوي، ص٤٤٥).

(٢–٤) هذه الحكم نَظمٌ لبعض الأمثال النثرية التي جمعها دييتس في كتابه «ذكريات من آسيا» (راجع بالتفصيل ترجمة بدوي وشروحه، ص١٨٢)، والحكمة الثانية «لا تطلب من هذا اليوم» كانت مكتوبة على باب أحد الخانات في أصفهان، وذكرها شاردان في كتابه «رحلة في بلاد فارس» طبعة ١٧٣٥م، أمستردام.

(٥) يبدو من هذه الحكمة أن الشاعر كانت تضيق نفسه أشد الضيق بمراقبة حركة المد والجزر وإيقاعه المتكرِّر، كأنه جهد عشوائي للعناصر الطبيعية الجامحة. وقد عبَّر عن هذا بشيء من التفصيل في القسم الثاني من فاوست، حيث يقول على لسانه (من البيت ١٠١٩٨ إلى ١٠٢٣٣): «انجذبت عيني إلى البحر العالي؛ كان قد ارتفع وانتفخ، يريد أن يشكِّل من نفسه برجًا شامخًا، ثم تراخى بالتدريج ونفض الأمواج؛ لكي ينقضَّ على عرض الشاطئ المستوي. ضايقني هذا كما تضيق الروح الحرة، التي تقدر كل الحقوق حتى قدرها، بالزهو والغرور التي تسبِّبه حُميَّا الدم الجياش، ويُصيبها بالنفور وسوء المزاج. تصوَّرت أن ذلك مجرد صدفة، فأمعنت النظر بحدة، وإذا بالموجة تتوقف وتستدير متكوِّرة، وتبتعد عن الهدف الذي اعتزت بالوصول إليه، وحانت اللحظة فراحت تكرِّر نفس اللعبة، ويتجه الشيطان مفيستوفيلس إلى النظَّارة قائلًا: ليس هذا شيئًا جديدًا عليَّ؛ فهذا ما أعرفه منذ مائة ألف سنة» (فاوست، القسم الثاني، الفصل الرابع).

(٦) قصيدة غنائية تفيض بالعاطفة وتنتهي نهاية مُفعَمة بالمعنى، وتكاد تُشبِهها في مغزاها حكمةٌ أخرى من الحِكم المنظومة التي كتبها الشاعر عن شيخوخته وقال فيها: «إذا كان أمسُك واضحًا مكشوفًا، أقبلت في يومك على العمل بقوة وحرية، وأمكنك أيضًا أن تتطلع لغدٍ لا يقلُّ عنه رضًا وسعادة» (المجلد الأول من طبعة هامبورج، الأمثال، ص٣٠٨، المقطوعة رقم ٣٠). وغنيٌّ عن الذِّكر أن هذه الحكمة تؤكِّد الفكرة التي لا يمل جوته من التعبير عنها في إنتاجه جله، وبالأخص في كتاب زليخا من هذا الديوان، وهي أن الإنسان لا يبلغ اللامتناهي إلا عبر المتناهي، ولا يتحقق هذا بأجلى وأكمل صورة إلا من خلال الحب الذي يكشف للحبيبَين في لحظات الهناء والصفا والتوحد — المُتناهِية بطبيعتها — عن الحقيقة الأبدية اللانهائية؛ لأن الجزئي المحدود هو سبيلنا الوحيد للإحساس بالكلي غير المحدود.

كُتبت هذه القصيدة (بمدينة يينا في ٢٢ من يوليو ١٨١٨م) أثناء تفكير الشاعر في محبوبته البعيدة «مريانة» التي كان قد ودَّعها وداعًا لم يلتقيا بعده إلا على صفحات الرسائل والتهاني بأعياد الميلاد. وينعكس قلق الشاعر على الشكل اللغوي للقصيدة في جُمَل قصيرة وكلماتٍ أغلبُها من مقطع واحد. وقد نُشرت مع القصائد الثلاث التالية لها سنة ١٨٢١م، في بداية روايته «سنوات تجوال فيلهلم ميستر» في صياغتها الأولى.

(٧) هنا يظهر موضوع الزهد أو التخلي والعزوف بشكل هامشي، كما يندر أن نقع عليه في قصائد الديوان التي تُعَد في مجموعها دعوة للحياة والفعل واغتنام اللحظة المواتية. والمعروف أن هذا الموضوع — الذي يُناسِب خريف العمر وشتاءه! — يحتل مكان المركز والقلب من رواية جوته «سنوات التجوال لفيلهلم ميستر»، كما كان من أهم الموضوعات التي يدور حولها الحب اليائس الميئوس منه لأبطال روايته التي سبقت الرواية الأخيرة وهي «الأنساب المختارة».

(٨) في السطر الأول موضوعٌ أُثيرَ لدى جوته، وهو يتكرر هنا في الحكمة رقم ١٢ التي سنقِف عندها بعد قليل. وقد رجع في السطر الثاني إلى العبارة الواردة في إنجيل يوحنا (٩: ٤) بترجمة لوثر التي تقول في الترجمة العربية عن اليونانية (دار الكتاب المقدس، ص١٦٤): «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل.» قارِن كذلك ما يقوله الشاعر في روايته السابقة الذِّكر «سنوات تجوال فيلهلم ميستر» الكتاب السادس: «إن أول ما يحدِّد «طبيعة» الإنسان هو أن يكون فعَّالًا.» كذلك ما يقوله في مسرحية باندورا، البيت رقم ١٠٤٥: «إن العيد الحقيقي للإنسان هو الفعل.» والمقطوعة رقم ٦٦ من حكمه وأمثاله التي كتبها في شيخوخته: «بين اليوم والأمس، مهلة طويلة، فتعلَّم كيف تهتم بها، ما دمت لا تزال نشيطًا» (ص٣١٤ من المجلد الأول، طبعة هامبورج). والأبيات التي كتبها بنفسه في ألبوم حفيده فالتر فون جوته في شهر أبريل سنة ١٨٢٨م: «في الساعة ستون «دقيقة»، وفي النهار أكثر من ألف، فلتُحِط علمًا يا ولدي الصغير، بنبأ الأعمال التي يُمكِن أن يُنجِزها فيها الإنسان!» ومن الطريف أن هذه الأبيات كُتبت تحت سطور أخرى مأخوذة عن الأديب المدهش جان-بول رشتر (١٧٦٣–١٨٢٥م) الذي كان جوته ينفر من كتاباته ويعجب لها في الوقت نفسه: «يملك الإنسان هنا دقيقتَين ونصف دقيقة؛ واحدة للابتسام، وواحدة للتنهد، ونصف واحدة للحب؛ لأنه يموت في منتصف هذه الدقيقة.»

وأخيرًا ربما يكون الشاعر قد اقتبس المعنى من بستان سعدي في ترجمة أولياريوس (راجع شرح بدوي، ١٨٤). ولعل هذا كله أن يذكِّرنا ببيت شوقي المشهور الذي ورد في رثائه لمصطفى كامل:

دقَّات قلب المرء قائلةٌ له
إن الحياة دقائق وثواني

(٩) اقتباس مباشر وشبه حرفي من الشاهنامه للفردوسي (ترجمة بدوي، ص١٨٥). وإن كان الحث على الفعل والعمل، والتحذير من الاستسلام للهم والغم، من أحب وأهم الموضوعات الأثيرة إلى نفسه. والسطران الأخيران يعبِّران عن وجهة نظر جوته، ويبعدان عن الأصل الفارسي الذي ينصح بالتسليم بالمكتوب والرزق المقسوم.

(١٠) يرتبط الإعلاء من شأن الفعل بتقدير قيمة الزمن وملء كل لحظاته بالعمل الخلَّاق. وقد سبق التنويه بذلك في مواضع مختلفة من هذه الشروح، ونُضيف إليها في هذا المقام الرسالة التي بعث بها جوته إلى فرتس فون أشتاين في السادس والعشرين من شهر أبريل سنة ١٧٩٧م، وقال له فيها: «أعترف بأن الشعار القديم الذي اتخذته لنفسي يزداد على الدوام أهميةً في نظري: إن الزمان ثروتي، والزمان هو حقلي.»١ وكذلك قوله في روايته «سنوات تجوال فيلهلم ميستر»: «لا بد من عمل شيء في كل لحظة» (راجع كذلك التعليق السابق على الحكمة رقم ٨).

(١١) السطران الأخيران مُقتبَسان بصورة شبه حَرفية من أبيات للشاعر الفارسي أنوري (ذكر جوته سنة وفاته ١١٥٢م، وهناك آراء أخرى بأنه توفِّي سنة ١١٨٥م/٥٨١ﻫ، أو بين سنتَي ٥٨٥ و٥٨٧ للهجرة). وقد ذكر جوته في التعليقات طرفًا عن حياته ودراسته في طوس، وكيف أصبح شاعرًا للبلاط وأكبر شعراء المديح في عصره، وأفاض في الدفاع عنه وتبرير إغراقه في مدح الأمراء والوزراء والكبراء في عصره الذين «تعلَّق بهم تعلُّق الكَرمة بشجرة الدردار، والعليق بالجدار؛ لكي يرتفع إلى أعلى ويُسعِد العيون والمشاعر.» ثم يتساءل قائلًا، كأنه يردُّ اتهام خصومه له بالخضوع لأمير فيمار وبلاطه وعِلية القوم في زمانه: «وهل يُلام الصائغ الذي يقضي حياته في صوغ حِلًى رائعة لأناس ممتازين من أحجار كريمة مجلوبة من الهند والسند؟» (راجع ترجمة بدوي لهذه الفقرة في التعليقات، ص٤٠٥ من ترجمته.)

(١٢) هذه الحكمة والحكم الثماني التالية تُوحي بنفس الجو النفسي الذي يسود كتاب الضيق الذي سبق شرحه.

(١٣) في هذه الحكمة إشارة إلى تجارب جوته الأليمة مع «الوطنيين» المتحمِّسين الذين تطاوَل بعضهم عليه أثناء حروب التحرير من نير نابليون.

(١٤) مُقتبَسة عن بستان سعدي في ترجمة أولياريوس (من الطبعة المزيدة والمنقَّحة لوصف رحلته إلى الشرق التي ظهرت سنة ١٦٩٦م في هامبورج).

(١٥) قارِن كتاب الضيق والقصيدة رقم ٢ لن تجد أي شُوَيعر نظَّام (س١–٤).

(١٦) هذه الحكمة والحكمتان التاليتان مُقتبسَة عن كتاب جان شاردان السابق الذِّكر.

(١٧) مأخوذة عن مثل فارسي.

(١٨) هذه الحكمة والسطران الثالث والرابع من الحكمتَين التاليتَين مُقتبَسة عن ترجمة فون دييتس لكتاب «مرآة البلدان» للمؤلف التركي كاتبي رومي من القرن السادس عشر.

(١٩) راجع السطرَين الأولَين من قصيدة الحنين المبارك (رقم ١٧ من كتاب المغنِّي): لا تقُل هذا لغير الحكماء، ربما يسخر منك الجهلاء. وانظر كذلك الحكمة التالية رقم ٢٨ التي يقول فيها إن الحكماء يقعون في الجهل إذا تجادلوا مع الجهلاء. وكذلك القسم الأول من فاوست، البيت رقم ٥٩٠ وما بعده: «إن القليلين الذين عرفوا شيئًا عنهما (أي عن العلم وعن قلب الإنسان وروحه كما يقول تلميذه فاجنر)، والذين كانوا من الحمق بحيث لم يكتموا أسرار قلوبهم، وكشفوا للعامة عن شعورهم ورأيهم، قد دأب الناس منذ القِدم على صلبهم وإحراقهم. أرجوك، يا صديق، لقد أوغل الليل، ويجب علينا الآن أن نقطع الحديث» (الأبيات من ٥٩٠–٥٩٥، وهي نفس الفكرة التي تدور حولها مأساة الحلَّاج في مسرحية صلاح عبد الصبور رحمه الله). ويحتمل أن يكون السطر الثاني من هذه الحكمة مأخوذًا عن كاتبي رومي الذي سبق ذِكره.

(٢٠) عن مثل شرقي واسع الانتشار يقول ما معناه: «افعل الخير لأجل الخير؛ فهو يحمل قيمته في ذاته، ولا تنتظر نجاحًا ولا شكرًا عليه.» وهو شبيهٌ بما يقوله أهل الريف عندنا: «اعمل الخير وارمِه في البحر.» كما يذكِّرنا بفلسفة كانط في الواجب وضرورة أدائه دون انتظار لأي منفعة أو لذة أو جزاء. وقد قرأ جوته السطرَين الأخيرَين في رواية دييتس من كتاب قابوس: «افعل الخير، وألقِ بخبزك في الماء، فسيُرد لك ذلك ذات يوم.» وقد تصرَّف الشاعر فيه كما ترى، وأشاد بالكرم والعطاء الخالص، بغض النظر عمَّن سيصل إليه هذا العطاء ويذوق كعكته.

(٢١) وردت هذه الحكمة في إحدى النُّسخ التي دوَّنها جوته بخط يده تحت هذا العنوان: «حكمة هندية»، ولا يُعرَف مصدرها الأصلي.

(٢٢) عن ترجمة أولياريوس لبستان سعدي.

(٢٣) مائدة الله كناية عن الأرض. والحكمة مأخوذة عن مقدمة بستان سعدي (في ترجمة أولياريوس): «الأرض سماطه (أي سماط الله) الممدود أمام كل الناس، حيث لا فرق بين صديق وعدو» (بدوي ص١٩٣).

(٢٤) أي لا بد من الصعود إلى أعلى الدرجات قبل التمكن من إلقاء نظرة شاملة. وهي مأخوذة كذلك عن بستان سعدي.

(٢٥) تذكِّرنا هذه الحكمة بالمثل العربي المعروف: «المرء مخبوءٌ تحت لسانه.» وهي مع الحكمة التالية لها مُقتبَستان من كتاب قابوس.

(٢٦) ورد القول المشهور في السطر الثاني عن تلاميذ فيثاغورس وأتباعه بنطقه اليوناني «أوتوس إفا Autos epha»؛ أي هو نفسه قال هذا؛ وذلك احترامًا منهم للمعلِّم، وإجلالًا لشخصه الذي أحاطت به في عصره والعصور التالية هالةٌ من الأسرار والأساطير. وفي هذه الحكمة سُخرية مُرة ممَّن يُؤمِنون بالسُّلطة إيمانًا أعمى.

(٢٧) راجع الفصل الخاص عن جوته والإسلام في هذا الكتاب وأقواله في رسائله لبعض معارفه وأصداءه (مثل تسلتر) عن تقديره العظيم للإسلام بمعنى التسليم المُطلَق لإرادة الله ومشيئته.

(٢٨) المقصود بالبيت الصغير هو الديوان الشرقي.

(٢٩) يُقال إن لقمان، صاحب الأمثال المشهورة، كان قبيح المنظر مُعوجَّ الساقَين. ولعل في السطرَين الأخيرَين إشادة بالعمل الأدبي أكثر من المؤلف، وتفضيلًا للثمرة على العود والنبتة. والفكرة مأخوذة عن بستان سعدي في ترجمة أولياريوس.

(٣٠) عرف الألمان الكاتب المسرحي الإسباني كالديرون دي لاباركا (١٦٠٠–١٦٨١م) بفضل ترجمات الرومانتيكيين، وبالأخص أوجست شليجل للأدب الإسباني، ثم زادت معرفتهم به بفضل ترجمات يوهان ديتريش جريس (١٧٧٠–١٨٤٢م). وقد أحبه جوته وأثنى عليه، وقال في رسالة إلى صديقه تسلتر (في ٢٨ / ٤ / ١٨٢٩م): «إذا كانت الطبيعة والشعر يتحدان أوثق اتحاد عند شكسبير، فإن الشعر والثقافة الراقية يتصلان اتصالًا حميمًا عند كالديرون.» ولعل تجربته مع الشرق الإسلامي والحضارة العربية التي ازدهرت في الأندلس، قد زادت من تقديره لكالديرون الذي لم يُنكِر ثقافته العربية. راجع كذلك فقرة تحت عنوان «مدخل» في التعليقات على الديوان، وهي الفقرة التي يُدافِع فيها دفاعًا مَجيدًا عن شعر المديح عند الشعراء الشرقيين من الفُرس والعرب، ويستنكر أن تُوصَف القصائد التي مدح فيها كالديرون مَلِكه الإسباني، وحلَّق فيها بخياله تحليقًا جسورًا، بأنها قصائد مدفوعة الثمن.

(٣١) هذه الحكمة مأخوذة عن حكايةٍ أوردها سعدي في جُلستان، ونسبها إلى جمشيد ردًّا على سؤال مَن سأله لماذا وضع كل الزينة في اليد اليسرى بينما اليمنى أحق بها؛ لعلها أن تكون ردًّا على الذين اتهموه — على الأقل في الفترة التي شُغِل فيها بتأليف الديوان الشرقي — بتفضيله لشعراء الشرق على شعراء الغرب، وقارن كذلك الحكمة رقم ١٨ من هذا الكتاب (انظر شرح بدوي، ص١٩٩ من ترجمته للديوان).

(٣٢) قارن عن حمار المسيح: إنجيل متى ٢١، ٢–١١؛ وإنجيل يوحنا ١٢، ١٤-١٥.

(٣٣) البيزة نوع من الحجارة الطينية المُستعمَلة في البناء بعد ضربها أو حرقها (عن الفعل اللاتيني Pinsere؛ بمعنى: يدوس بقدمَيه).

(٣٤) لا تخفى هنا السخرية المُرة التي تذكِّرنا بلهجة مفيستوفليس في حواره الذكي البارع مع فاوست، كما تذكِّرنا أيضًا بحكمة أو مثل آخر من الأمثال التي كتبها الشاعر في شيخوخته: «لا يجوز أن يدخل أحد الدير، إلا إذا كان مزوَّدًا على أحسن وجه، بزادٍ مناسب من الخطايا والذنوب؛ حتى لا يفتقد في الصباح والمساء، متعة تعذيب نفسه بالندم» (المثل رقم ١٨٢، المجلد الأول من طبعة هامبورج، ص٣٣٥). والحكمة مأخوذة عن كتاب الإرشاد (بند نامه) لفريد الدين العطار في ترجمة سيلفستر دي ساسي.

(٣٥) لا تخرج هذه الحكمة عن أن تكون نظمًا لقطعةٍ ترجمها المستشرق الفرنسي السابق الذِّكر عن كتاب الإرشاد، وأوردها فون همَّر في الجزء الثاني من مجموعة «كنوز الشرق» (عن بدوي، ص٢٠١).

(٣٦) عن تأثير العواطف المُلتهِبة على الشعر، وربما كان المعنى أنه في عمومه تأثيرٌ ضارٌّ، وإن أسفر أحيانًا عن بعض اللآلئ الثمينة (راجع كذلك القصيدة رقم ١٦ من كتاب زليخا، وهي قصيدة: «الصحائف المكتوبة بخط جميل»، من س٢٠–س٤٣).

(٣٧) يدور الحوار هنا عن أحد أصحاب الحاجات، ونُلاحِظ فيه أن التابع الأمين حريص على مصلحة الوزير، بينما الوزير أدرى منه بمصلحة صاحب الحاجة؛ ربما لأنه (أي الوزير) أقرب من تابعه إلى قلب الشعب، وأنفذ منه بصرًا وبصيرة بشئون الناس.

(٣٨) تصلح هذه الحكمة لكل مكان يكثر فيه الشعراء، ويقل الشعر الحقيقي أو ينعدم، فاسمعي يا جارة.

١  في الأصل باللاتينية: Tempus divitae meae, tempus ager.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤