ملحق

صورة صنوع في صحفه

منذ بداية هذا الكتاب ونحن نؤكد على أن مذكرات صنوع المخطوطة — والتي نقلها د. إبراهيم عبده، ومن ثم باقي الدارسين — هي مذكرات مشكوك في صحتها، ودللنا على ذلك بكثير من الأدلة التي أثبتت إعادة صياغتها مرة أخرى، بمقارنتها بالمذكرات المنشورة في صحف صنوع.

وإذا كانت المذكرات المخطوطة منشورة في كتاب د. إبراهيم عبده، وأيضًا في كتاب د. نجوى عانوس، إلا أن مذكرات صنوع المنشورة في صحفه لم يتطرق إليها أي باحث من قبل؛ لذلك أخذنا على عاتقنا نشر بعض النماذج منها، سواء مذكراته الصريحة، أو مقالاته الصريحة في موضوعات معينة. هذا بالإضافة إلى بعض المقالات التي كُتبت عن صنوع، ونُشرت في صحفه، وأخيرًا بعض صفحات كتبها صنوع كتقديم لبعض سنوات إصدار صحفه.

وهذه النماذج في مُجملها تمثل مذكرات حية، تلقي ضوءًا كبيرًا على حياة صنوع وتاريخه في مصر. وقد رتبناها ترتيبًا تاريخيًّا، وفقًا لتاريخ نشرها في صحف صنوع، وهي:
  • (١)

    مقالة كتبها صنوع عام ١٨٧٩، بعد عزل الخديو إسماعيل.

  • (٢)

    ثلاث محاورات جاءت تحت عنوان «ترجمة حال أبي نظارة بالمخاطبة بينه وبين أبي خليل»، عام ١٨٨٧.

  • (٣)

    ديباجة مدير مطبعة الجريدة عام ١٨٩٠.

  • (٤)

    مقالة كتبها صنوع بعد وفاة الخديو توفيق عام ١٨٩٢.

  • (٥)

    مقالة كتبتها جريدة «الحاضرة» التونسية عن صنوع عام ١٨٩٦.

  • (٦)

    مقدمات صنوع لصحفه في أعوام ١٨٩٧، ١٨٩٨، ١٨٩٩، ١٩٠١.

  • (٧)

    سلسلة حلقات كتبها صنوع تحت عنوان «زهرة من تاريخ وطني الغالي ونبذة من ترجمة حالي» عام ١٨٩٩.

  • (٨)

    مقدمة زيارة صنوع للأستانة عام ١٨٩٩، كتبها صديقه محمود زكي.

  • (٩)

    مقالة كتبتها جريدة «الحاضرة» التونسية عام ١٩٠٠، تحت عنوان «مسامرات الشيخ أبي نظارة».

وسوف يلاحظ القارئ بعد قراءة هذه النماذج أنها تمثل الخطوط العريضة والأساسية في مذكرات صنوع المخطوطة، والمنشورة في كُتب الدارسين، بل إنها تحمل كافة النقاط الأساسية لكل ما هو معروف عن صنوع. ولا ينقصها إلا بعض تفصيلات صغيرة لتكوِّن مذكرات كاملة عن صنوع. وهذه التفصيلات موجودة وبكثرة ضمن معظم المحاورات والنوادر واللعبات المنشورة في صحف صنوع. وهذا يعني أن أي إنسان يستطيع أن يكتب مذكرات صنوع إذا قرأ «فقط» صحفه! وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه فيما سبق بأن مذكرات صنوع المخطوطة ما هي إلا إعادة صياغة للمعلومات المنشورة عن صنوع في صحفه!

وقبل أن نترك القارئ ليتعرف على صورة يعقوب صنوع، كما جاءت في صحفه المنشورة، من خلال النماذج التالية؛ سنورد بعض الملاحظات عليها، والتي تتمثل في:
  • أولًا: تنديد صنوع بكافة أعمال وتصرفات الخديو إسماعيل والخديو توفيق، بعكس ثنائه على أعمال وبعض تصرفات الخديو عباس حلمي الثاني.
  • ثانيًا: إطراء صنوع للأمير عبد الحليم بن محمد علي، والتركيز على أحقيته في الخديوية، التي سُلبت منه بسبب فرمان عام ١٨٦٦. لدرجة أننا لم نجد عددًا واحدًا من صحف صنوع يخلو من ذكر هذا الأمير.
  • ثالثًا: الحديث عن مبادئ وتعاليم «الماسونية»، والترويج لأفكارها، هذا بالإضافة إلى أن يعقوب صنوع اعترف كثيرًا في غير هذه النماذج باعتناقه لمبادئ وتعاليم الماسونية،١ لدرجة أنه وضع رمز الماسونية (المثلث والفرجال) — كتمثيل ﻟ «نجمة داود» — فوق صورته، في ترويسة جريدته طوال عام ١٨٨٤.
  • رابعًا: ننبه على أن يعقوب صنوع هو المصدر الوحيد لكافة المعلومات الواردة في هذه النماذج، لدرجة أن المقالات التي قيل إنها نُشرت في صحف أخرى، وأعاد نشرها صنوع في صحفه، كانت تستقي معلوماتها من مقالات وصحف صنوع السابقة عليها. هذا بالإضافة إلى أن يعقوب صنوع كان دائمًا يتناقض أمام الحدث الواحد، عندما يُعيد كتابته.
  • خامسًا: نلفت الأنظار إلى أن الأجزاء الصريحة التي جاءت على شكل مذكرات وكتبها صنوع بنفسه، جاءت غير كاملة؛ فمثلًا محاوراته تحت عنوان «ترجمة حال أبي نظارة»، نشر منها المحاورة الأولى والتاسعة والرابعة عشرة ثم توقف؛ وهذا يعني أنه لم ينشر إحدى عشرة محاورة وقعت بين المحاورات المنشورة! وهنا نتساءل أين هذه المحاورات؟ وما هي ذكريات صنوع فيها؟ وكيف أتى فيها بجديد، على الرغم من أن كل ما نعرفه عن صنوع موجود في هذه النماذج المنشورة؟! وإذا كانت هناك محاورات لم تنشر وبها ذكريات عن صنوع، فلماذا لم يضمنها صنوع في مذكراته المخطوطة؟! أليس هذا دليلًا جديدًا على أن مذكرات صنوع المخطوطة ما هي إلا إعادة صياغة لما هو مُتاح بالفعل عن صنوع في صحفه؟!
  • سادسًا: كتب صنوع سلسلة حلقات بعنوان «زهرة من تاريخ وطني الغالي ونبذة من ترجمة حالي»، وفي مقدمتها قال إنه سيروي قصة حياته من بداية مولده وحتى عام ١٨٩٩. ولكننا فُوجئنا بأنه يتوقف في سلسلته هذه عند سفره إلى فرنسا عام ١٨٧٨! وهنا نتساءل: لماذا لم يروِ صنوع قصة عشرين سنة قضاها في فرنسا؟! ولماذا روى فقط قصة حياته في مصر؟! ولماذا لم يضمن مذكراته المخطوطة قصة حياته في فرنسا وتوقف فيها أيضًا عند سفره إلى فرنسا؟! ولماذا توقفت جميع أقوال صنوع — في صحفه وفي مذكراته المخطوطة — بالنسبة لقصة حياته عند السفر إلى فرنسا؟! أليس هذا دليلًا آخر على أن مذكرات صنوع المخطوطة ما هي إلا إعادة صياغة لما نُشر عن صنوع في صحفه؟!

(١) نماذج من مذكرات يعقوب صنوع

(١-١) مقالة كتبها صنوع عام ١٨٧٩، بعد عزل الخديو إسماعيل

قال صنوع بعد عزل الخديو إسماعيل عام ١٨٧٩:٢
«يا أبناء مصر، يا سادة يا كرام، بالله عليكم تسمعوا مني دالكلام، وده آخر كلام حبيبكم أبو نظارة، في حق عدوكم الظالم شيخ الحارة،٣ اللي كما نرى خرَّب البر وقعد على تلُّه، وقتلنا وأَكَلَ مالنا كُله. إنما ربنا كريم حليم، أهو خلصنا من يد الظالم اللئيم، ورفع عنا ناف دا الدجال الحاوي، اللِّي صدق فيما قاله فيه الشفعاوي،٤ في رسالته الفريدة اللي درجناها، في رحلتنا اللي بباريز كتبناها.
فقال الشيخ الشفعاوي اللوزعي اللبيب، في فرعون أبو الوشِّ الكئيب، إنه جبار يعرف الحق ولا يتقرب إليه، ويتحقق الباطل ولا يزال مكبًّا عليه، بلغ في قساوة القلب الغاية، فلا يرحم الصغار، وتجاوز في التجبر النهاية، فلا يوقر الكبار. وباقي ذكر صفاته وأحواله تجدوه في الرحلة٥ الموضح بها جميع أعماله. إنما مرادنا نظهر الآن، اللي حصل بيننا وبين فرعون الهبيان، حتى أن التاريخ ذات يوم يحكم، بين أبو نضارة البريء وبين شيخ الحارة المشوم.

أنا مصري ابن مصري، وده لي أعظم افتخار؛ لأن نكران الأصل عندي أقبح عار. فإذا والدي المرحوم شقى وتحصل على حماية، فذا من شوفه الظلم الحاصل على الرعاية. فلله — تعالى — الحمد أني رعية إيطالياني، وإلا فرعون كان في ألف داهية رماني. إنما أنا في الأول كنت مغشوش صحيح، في الجندي وظنيت أنه رجل مليح، وافتكرت إنه يريد صلاح الأهالي، فسميته عزيز مصرنا الغالي، وتبعت قدوة باقي شعراء قطرنا، وكتبت قصايد وأدوار موسيقه، وكُتب مدحًا في والي مصرنا، لأني كنت أصدق أنه يحب التمدن والنجاح، والسعي في خير الفلَّاح.

إنما حينما رأيت أن صار رفتي بعد تعبي، من المدارس الملكية، لكوني كنت أترجم للتلامذة الماهرين الجرايد الأوروباوية، وإن بعد ما نشيت تياترو عربي بالقاهرة، بمساعدة شبان مصر الفاخرة الماهرة، لكوني ذكرت في بعض الروايات إن لا ينبغي على حضرات الذوات بأن يعاملوا بقساوة الفلاحين، بل يسعوا في حرية وتقدم المصريين، حالًا فرعون أمر بقفل التياترو العربي المنحوس، ولا أعطاني اللي صرفته فيه من الفلوس. زعلت برضه، إنما قلت ماعليهش يا جندي، ووفيت ديوني لكوني بِعتْ كل ما كان عندي، وعملت لي جمعيتين علم للشبان، الأولى دعيتها «محفل المتقدمين» والثانية «جمعية الخلان».

وكانوا يحضروا جمعية الخلان ناس عظام ومشايخ الأزهر الكرام، ونور العلم الأستاذ الفاضل، والفيلسوف الكامل، السيد جمال الدين الأفغاني، فصيح اللسان وظريف المعاني. وكان هو وهم يتلوا علينا مقالات عظام، درجت أغلبهم في صحيفتها «الأهرام»، فلما وصل الخبر إلى فرعون، زعق ودبدب كالمجنون، وحرَّج من تحت لتحت على المشايخ والمستخدمين، بأنهم لا يجتمعوا ليلًا في محافل وإلا يصيروا مرفوتين؛ فطبعًا انقفلت الجمعية الداعية للتمدن والحرية.

ففي وقتها فُقت من غفلتي يا خلان، وقلت هو إنت كدا يا جندي يا خمران! أبو جمس جملك يا قاتل الصديق،٦ لما نشوف من يغلب فينا يابو توفيق، أنا بالقلم وأنت بالقهوة واللومان والنيل،٧ لما نشوف مين يغلب فينا يا إسماعيل. فلبست نضارتي الزرقة ونزلنا في ميدان الحرب،٨ وساعدتوني يا أولاد بلدي بشهامتكم ودار الضرب، واتحد أبو الشكر والحدق ومجدع وأبو العينين وأبو خليل،٩ مع أبو نضارة، وفضحوا أمر فرعون في وادي النيل، والذوات اللي ماتقدرش تتصوره بالعين، كشفوا لنا أسرار اللعين، فنشدت الأوداباتية أدوار والقطة تجادلت مع الإنسان١٠ في الفضيلة والعار.
وهاجت العالم القايم بقصعة والقاعد بماجور، وذمَّت أبو السباع الخبيث ومدحت في عمه المشهور، وترجمنا جواب الشيخ حليم،١١ اللي يظهر منه حب الأمير الكريم في أبناء مصر. لكونه في جوابه كان قال، إن ينبغي على الخديوي وعلى جميع الأنجال، بأن يبيعوا جميع أملاكهم ويدفعوا الديون، اللي حطها على رأس مصر حضرة الفرعون. فالجندي لما قرأ الكلام ده كله عقله طار من رأسه، وعقد مجلس سرِّي واستشار ناسه، وقبل طلوع غرة خمستاشر بيومين،١٢ بعت لي باشته ذو القرنين،١٣ وقال لي بكلمتين مختصرين: أربعة آلاف جنيه منتظراك، في عبدين ولا حد يعرف ولا يدرى قط بس قل لنا من في بالك حَط فكرة الجورنال ومين أعطاك الأخبار، اللي هي عندنا من أعظم الأسرار. فقلت له مانيش خاين ولانيش عايز فلوس، روح أخبر سيدك المنحوس. فأمر بتبطيل الجورنال، وأراد يبرطل القنصل جنرال، ويثبت إني رعيته، ويموتني موته فرعونية. إنما أعيان اليونان الكرام، قامت وكتبت في جورنالها إن أصل جدودي أروام. فخاف الجندي إنما وزَّى عليَّ بطلجية، حفظني من طعناتهم رب البرية،١٤ فالتزمت أسافر من وطني العزيز، وأقيم بين الأجانب بباريز.١٥
إنما في سبعة وعشرين جونيو سنة ثمانية وسبعين، يعني منذ سنة تمام، قلت للحاضرين ببورصة إسكندرية من الشبان الظراف، الأفاضل الشرفاء اللطاف، بأن لا تمضي من اليوم سنة تمام، إلا ويكون أشرف على السقوط الظالم ابن الحرام. ومنذ أربعة أيام قبلما بالتنازل أمروه الفرنساوي والإنكليزي، قلت له في عدد ١٣ في جوابي: يا عزيزي قل على مُلكك يا رحمن يا رحيم، وسلم أمرك للكريم الحليم،١٦ فإن كان الجندي ماتنازل عن مشيخته للآن، فلابد أن يحصل ذلك لأن ده مُراد السلطان، ومراد جميع الدول الأوروباوية، اللي عرَّفناهم بفظايعه، وجوره وظلمه بالديار المصرية.

والفضل لكم يا أبناء مصر يا كرام؛ لأنكم كنتم كل جمعة ترسلوا لي الأخبار العظام، من قبلي وبحري ومصر والإسكندرية، وأنا كنت أدرجها بأعظم الجرايد الأفرنجية، ونعمل عليها مقالات تُتلى في أكبر الجمعيات فحينئذٍ جميع جرانيل محبين الحرية والإنسانية، جبرت بإشمال النظر إلى فعايل الجندي الفرعونية، فقالوا وكلاءهم إلى أبو السباع، اعلم إن من كثرة ظلمك المُلك من يدك ضاع، فينبغي أنك تتنازل ونسعى لك في أمر توفيق، ونتضرع للسلطان بأن يسهل له الطريق، إنما جميع جرانيل أوروبا منذ جملة أيام بتزعق على نفس واحد وبتقول حرام تولوا الولد العبيط ده على وادي النيل؛ لأنه يصير اسمًا والي، والموالي فعلًا برضه إسماعيل.

فالآن يا أبناء مصر اعملوا خلاصكم، أنتم رجال وعقلكم في راسكم، أبو نضارة عمل بالواجب يا جدعان، وخلصكم من ناف فرعون الشيطان، وفي الخمسة عشر نمرة الفاضلة، علينا ندرج بها ترجمة قصة قتل الصديق، المهدية إلينا من مترجمها نقولاكي، رعد الشاب السرياني، القاطن بباريز وهو أعز خلاني. وأيضًا في كل نمرة نذكر رأي كافة الجرانيل، في جميع ما يتعلق بوادي النيل، ونطلب من الرحمن الرحيم أن ينعم عليكم بشيخ حارة حليم.»١٧

(١-٢) ترجمة حال أبي نظارة خادم الحرية بالمخاطبة بينه وبين أبي خليل أحد رؤسا الأحزاب الوطنية (إعلان)

كتب أبو نظارة ترجمة حاله وعازم على نشرها بباريس فعندما تطبع يعين ثمنها بجرناله. وللطالبين يرسل كتابها النفيس أما الآن ينقل ثلاث مخاطبات تمام. على هذه الصحيفة لتكون عظا الجرانيل التي صدرت من الابتداء إلى الانتها من العام. ومجموعها لا شك محفوظ عند أبناء وادي النيل.

المخاطبة الأولى

أبو نظارة : يا هل ترى يابو خليل بعد موتي يفتكروني أبناء وادي النيل، اللي اليوم بيحترموني؟ يا هل ترى الإخوان بينسوا حُبي في وطني العزيز؟ وحسرتي على الجدعان اللي غدروهم الإنجليز.
أبو خليل : كيف ينسوك يابو نظارة. وإنت لك الفضل عليهم؟ شَفِّيت غليلهم في شيخ الحارة. وقع، داسوا عليه برجليهم. من غيرك أخذ لهم بالثأر من حكامهم اللئام! لعنت لهم خاش توفيق ونوبار.١٨ وهلكت أعوانهم أولاد الحرام، من قبلك قام بمصر يدافع عن حقوق الأهالي، والله ما أحد فتح لنا باب النصر غيرك يابو نظارة يا غالى، بقى تيقن يا أستاذنا الجليل بإن الشرق عمره ماينساك، خصوصًا وادي النيل اللي قاسيت فيه العذاب وشفت الهلاك، مسلمين ويهود ونصارى، يشهدوا لك يابن الكرام بالحماسة والجسارة، ويحلفوا بك كأنك ولي أو قديس أو حاخام.
أبو نظارة : بلا موارية بلا تمليق، ماينطليش عليَّ دا الكلام، هو أنا واد أهبل مثل توفيق!١٩ بقى دعنا من الهزار وخلينا في الجد فيحصل المرام.
أبو خليل : وحق من نصر السود والسمر، على من ظلمنا وخرب البلاد المصرية، وهم الإنجليز الحُمر، بأن كلامي ده ما هو تمليق ولا موارية، لكن إن كنت فاكر بأن بعد عمر طويل سيرتك الحميدة وفخر أعمالك ينسوها في وادي النيل، اتحفنا يا بطل بترجمة حالك، لكن بشرط إنك تكتبها باللسان الاصطلاحي المُستعمل في الديار المصرية؛ يعني تارة كلام أولاد بلد تارة كلام فلاحي، وخلِّيك من الألفاظ النحوية، دا أنا يا شيخ لي فكر عال وهو أننا نستمر في الخطاب، وكلما أسألك سؤال، تمن عليَّ بالجواب.
أبو نظارة : يا قرة العين يابو خليل، كلامك زين يشفي العليل.
أبو خليل : هات بقى من تحايفك هات، بقوافي متوالية مش مربعات.
أبو نظارة : سمعًا وطاعة على العين والراس، إنت اسأل وأنا أجاوبك يا سيد الناس.
أبو خليل : قل لنا إمتى طلعت من البيضة وإيش اسم أبوك واسم أمك، وإن لد علينا كلامك نخلي بنات النيل تبوسك في فمك.
أبو نظارة : يا ليت بابا رفايل ما تزوج نينتي سارة، ماكانشي جا سنة ١٢٥٧ في الدنيا أبو نظارة.٢٠ لو ربنا جعل نينتي من العيال محرومة، ماكنتش أنا جيت دالدنيا المشومة، ولا قاسيت هموم ما قاساها إنسان، هموم يعجز عن وصفها أفصح لسان.
أبو خليل : يا أخي المكتوب على الجبين العيون تراه، وبلغني بأن المكتوب على جبينك سَحَّار مغربي قراه، وقال لك بلغته الفاسية، لغة صريحة ولو بعض شيء ملوية: يا ولدي عمرك طويل بالزاف، إنما تحمل من المصايب ناف، لا يعتقك منه لا فارس ولا سلطان، وامتثل يا ولدى للمقدر يلطف بك الرحمن.
أبو نظارة : صحيح لكن أنا في وقتها كنت لسا صبي، لما قال لي الكلام ده المغربي، فضحكت عليه ضحكة رطلين، وما عطيته إلا قرشين، واحد ماسح والثاني قزارة، والحال كلامه طلع حق يابو نظارة.
أبو خليل : الرَّك يا عم على الآخرة، ربنا يجعلها لك طيبة وفاخرة.

المخاطبة التاسعة

أبو خليل : جزاك ربي خير على ما حكيت لي من النوادر البهية اللي حصلت لك في زمن الطفولية والشبوبية، فالآن أرجوك يا أبو نظارة تكشف لنا عيوب شيخ الحارة.
أبو نظارة : إسماعيل الخديوي السابق مشهور، هو وظلمه عند الجمهور، وأنا صار لي اليوم عشر سنين، باقدح فيه وهلهلته عند شرقيين وغربيين، والعام الماضي عملت عليه وابنه بالفرنساوي ديوان، ونشرته فترجمته جرايد أوروبا بكل لسان.
أبو خليل : لكن إنت في الأول سلكت مسلك شعراء قطرنا، ومدحته في تأليفاتك وسميته عزيز مصرنا.
أبو نظارة : نعم؛ لأنه كان وعدنا لما تولى أن يفتح لابن البلد والفلاح طُرق التمدن والنجاح.
أبو خليل : وحياتك ما فتح لنا سوى طرق الفسق والفساد ونهب أموالنا وهلكنا وخرب البلاد.
أبو نظارة : تيقن يابو خليل بأن أكبر أعداء التمدن هو إسماعيل، وإلا ما كان رفتني بعد تعبي من المدارس الملكية.٢١ لما بلغته مهارة تلامذتي في العلوم وحبهم في الحرية.
أبو خليل : أغلب تلامذتك صاروا ظابطان أركان حرب، واللي نفدوا منهم من وقعة التل الكبير٢٢ أهم في السودان نازلين في الإنكليز ضرب، إنما إنت نشيت تياترو عربي للمصريين، وفي مدة عامين أبناء وبنات الوطن لعبوا عليه من رواياتك الفريدة اثنين وثلاثين، وأنا فاكر إن ليلة لعبهم في قصر النيل، لقبك موليير من شدة انبساطه إسماعيل، وكانت في وقتها الذوات تصبح وتمسي عليك بالخير، وهي تدعوك يا مسيو موليير، وموليير الشهير كان مؤسس التياترات الفرنساوية، مثلما إنك مؤسس بمصر التياترات العربية.
أبو نظارة : إنما ذكرت في بعض الروايات، بأنه لا ينبغي لحضرة الذوات، أن يعاملوا بقساوة الفلاحين، بل يسعوا في تمدن وحرية المصريين. حالًا إسماعيل أمر بقفل التياترو العربي المحمود، ولم يعطني ما صرفته فيه من النقود، ففي الحقيقة تأسفت لكن قلت ما علينا يا جندي، وبعت ما وراي وما قدامي ودفعت دين التياترو من عندي، وبعدها كونت جمعيتين علمي للشبان، ودعوتهما «محفلي التقدم» و«جمعية محبي العلم والأوطان»، وكان يحضر جلساتنا ناس عظام، من تلامذة المدارس ومشايخ الأزهر الكرام، وكذلك السيد جمال الدين والشيخ عبده وأمثالهم من فلاسفة العرب المشهورين وأذكى شبان طايفة الشوام الفخام وطائفة الإسرائيليين، وكانوا يطربوا الحاضرين بمقالات عظام، نشرت أغلبها جريدة «الأهرام»، فلما وصل الخبر إلى إسماعيل الفرعون، همهم ودمدم كالعون، ومنع المشايخ والمستخدمين من الحضور إلى جمعية «محبي العلم» وإلا يصير طردهم من المساجد والدواوين، فانقفلت الجمعية، الداعية للتمدن والحرية، فالأمر ده فوقني من غفلتي وقلت كدا كدا يابو توفيق، يا سامم الذوات يا خانق إسماعيل الصديق، طوِّل بالك، إنت بالقهوة المشغولة وإلقاء البريء بالنيل، وأنا بالقلم، ونشوف من يغلب فينا ياسماعيل، فتدرعت بنظارتي الزرقا، ونزلت معه ميدان الحرب، ومجدع والحدق ساعدوني، ودار الضرب.
أبو خليل : وطلع جرنالك يزمر وفضح فرعون في وادي النيل، وذوات النخوة كشفوا لنا الغطا عن أسراره فشحنا بها الجرانيل وترجمت جواب البرنس حليم فريد العصر، وهو يبني بحبه في أبناء مصر؛ لأنه في جوابه كان قال، إنه ينبغي للخديوي ولجميع الأنجال، أن يبيعوا أطيانهم وأملاكهم لدفع الديون، اللي حمِّلنا بها فرعون.
أبو نظارة : لما قرأ إسماعيل الجواب ده عقله طار من وسط راسه، وعقد مجلس سري واستشار ناسه، وقبل صدور عدد ١٥ من جريدتي بيومين، أرسل لي للبيت باشته ذو القرنين، قال لي من طرفه كلمتين مختصرين، معناهما إن أربعة آلاف جنيه مصري منتظريني في سراية عابدين، بشرط أخبره بمن شار عليَّ بطلوع جرنال أبي نظارة، ومن قال لي اسم الخديوي إسماعيل شيخ الحارة، ومن يبلغني الأخبار، المعتبرة عند الوزارة من أعظم الأسرار، فقلت لذى القرنين وهو الباشا المرسول: رح قل لسيدك المهبول، بأن عمري ما أخون، ولا تغويني جنهات فرعون.
أبو خليل : فصدر الأمر بتعطيل الجرنال، ونفيك بلا محال.
أبو نظارة : ودا بعد ما وزَّ عليَّ بلطجية نجاني من سكاكينهم وطبنجاتهم رب البرية، إلا أني قلت للإخوان يوم رحيلي من الأوطان: قلبي يحدثني بأن زي اليوم بعد سنة، يُطرد مثلي إسماعيل من هنا، فلب ربي دعوتي، وانطرد إسماعيل، شوفوا يا أخوتي، وأتتني الجوابات من كل خلاني وهي تلقبني بالولي، لكن واسفاه بعد طرد إسماعيل، ولت الدول توفيق بدلًا عن حليم الجليل، أما إسماعيل صار له في أوروبا سبع سنين، صرف فيها معظم ما نهبه من المصريين، في الفسق والفساد، والدسايس على السلطان والواد.
أبو خليل : صحيح أكل كف بباريس في حديقة البالي روايال، قد رأيت الخبر ده في ماية جرنال.
أبو نظارة : نعم والضارب ألف كتاب جميل، سماه المصفوع إسماعيل، باع منه آلافات، ولم تنفع الألف جنيه اللي دفعها له للسكات.
أبو خليل : هذا جزاء من ظلم، أن يدفع فلوسه لمن ضربه قلم.
أبو نظارة : واليوم من شدة قهره وغمه، بعيد عنك انفسد دمه، ودا داء شنيع كئيب، من انصاب به عمره ما يطيب.

المخاطبة الرابعة عشر

أبو نظارة : فالآن اسمح لي صديقي، بأن أحكي لك اللي جرى لي مع توفيق، ويحكم التاريخ بيننا ذات يوم، فيمدح من يستحق المدح ويُلام من يستحق اللوم،
أبو خليل : التاريخ يمدح كل حليم، ويذم كل لئيم، بقى اتحفني يا أخ بحكاية الواد، وتُجزى بالخير من رب العباد، أنا أعرف حالة ولادته، حكى لنا تفصيلها خليل أغا في سرايته، وإنت كتبتها وعملت عليها رسم في جريدتك الوطنية، وسميتها المسألة الكنيفية.
أبو نظارة : أم توفيق كانت جارية دُون، تكنس وتمسح بيوت الراحة في حريم فرعون، فدخل ذات يوم إسماعيل الكنيف وكان في وقتها ابن عشرين، فوجدها تمسح الملاقي وعليه لعب إبليس اللعين، وصارت هي تقش الملاقي المتعاصة وهو يراعي في مزاجها اللطيف، وبعد تسعة شهور من نادرة الكنيف، الجارية على رأى المثل شالت رِجْل وحطت رِجْل، وحذقت طلقت جابت ولد قد العجل، فسموه توفيق؛ لأن إبليس وفق بين الجارية وسيدها في الكنيف، وكتب كتابهم على بعض بدون تكليف.
أبو خليل : يا هل ترى كنت تعرف توفيق قبل توليته يا مولانا.
أبو نظارة : كنت أروح له العباسية مع الإخوان، وكان يقعد لنصف الليل ويانا.
أبو خليل : صحيح إنه ما كان يقدر يصور أبوه إسماعيل.
أبو نظارة : صحيح واليوم يكرهه هو وحسن وحسين٢٣ يابو خليل، والشاهد إني لما كنت أطلعه على الجرانيل الأفرنجية، اللي كانت تطعن فيهم بالكلية، كان يفرح وينسر، واد خسيس يحب لأهله الشر، يافندي دول رؤساء الحزب الوطني كانوا عنده ذات ليلة في العباسية، وكانوا يتدبروا في خلع إسماعيل من الخديوية، فنط توفيق وقال لو لم يكونوا أبناء مصر أنذال، لقضوا عليه وإلا خلعه مستحيل، فقال له الفيلسوف الشرقي: تذمنا أوروبا لو قتلنا إسماعيل، إنما نجبره بواسطة الأمر والرأي العام، بأن يتخلع من على كرسي جلوسه عليه حرام. فزهل توفيق عندما سمع كلام الفيلسوف العظيم، وتركهم بدون سلام وطلع الحريم.
أبو خليل : الحية لا تلد إلا حية يابو نظارة، وإلا ما كان الولد من أبيه شيخ الحارة.
أبو نظارة : دا أنا نسيت أقول لك يابو خليل، بأن قبلما يتولى إسماعيل على الديار المصرية، غرَّق أخيه أحمد باشا ولي عهد الخديوية، فصار هو خليفة سعيد، وبعدها ورث ابنه الوحيد؛ لأن إسماعيل عينه زايغة في أموال غيره، فزوَّج بنته لابن سعيد، وخلاها تسمه، فمات وهو أكل خيره، فكذا الوراثة كلها دخلت عب إسماعيل، وطبعًا حصل أبيه سعيد الجليل، وبعدها إسماعيل نفى مصطفى أخيه وعمه البرنس حليم، وخرَّب ديارهم ونهب أموالهم وموِّت خدمهم وعذِّب أهلهم عذابًا أليمًا أشد من عذاب الجحيم، وكذلك عمل مع باقي الذوات، سرجن وسم بقهوته وأغرق وسلب الأملاك ولحس الجنهات، في جرانيلي يابو خليل تجد تاريخه بالتفصيل، أما توفيق فاق أبيه في الجور والعدوان، أشملنا بحلمك ونجنا من ظلمه يا رحمن، فالآن اسمع مني يا خلي باقي قصة الواد، اللي بالفلوس باع للإنكليز الرعايا والبلاد، أول ما صبح لسوء حظنا والي، ورد لي من طرفه جواب نشرته في جرنالي، مضمونه إن ربنا خلصنا من إسماعيل، وإني إن أظهرت حبه إلى وادي النيل، أرى كل الخير على أيامه السعيدة، وينعم عليَّ برتبة بدل، ويجعل جريدتي في مصر أعظم جريدة،٢٤ لكن لعلمي بأنه ولد خاين خسيس خليته ينبح وواظبت نشر جرنالي بباريس؛ لأن على رأى عرابي باشا ولاية توفيق شوم وبئست الولاية؛ ألغى نصف الجيش المصري، وقال إن ستة آلاف عسكري كفاية، وعثمان باشا رفقي ناظر جهاديته رفت رؤسا الآلايات من الوطنيين، ورتب عوضهم من بني جلدته، فهاجت أنفس الضباط من الوطنيين، وحصل ما حصل في قصر النيل وسراية عابدين، فسقطت وزارة رياض الردية، وأخلفتها وزارة شريف محب العدل والحرية، فانفتح مجلس النواب، وأخذ في سن القوانين المطلوبة لإصلاح أحوال الأهالي والبلدان، حتى إن الوفد العثماني لم يجد أثر للعصيان، ثم استعفى شريف واليه توفيق، الذي جعل بينه وبين النواب عدم توفيق، فتشكلت وزارة وطنية، برياسة محمود سامي، وكاد الجو أن يصفو لأهله، وإذا بالزوجة الغربية، أتت سائقة للأساطيل، لمحو وجود حكومة مصرية بوادي النيل، فقامت القيامة، وتوفيق رتب ونظم مذبحة إسكندرية مثلما برهنا وأثبتنا ذلك بديوان الأمراء ووكلاء الأمة الإنكليزية، فجاء سمور بكلله الثقيلة، وحرق إسكندريتنا الجميلة، فدار الحرب والقتال، وفي الميدان برزت الأبطال، وتوفيق شجعهم وقوى قلبهم، وبعدها انحاز إلى الإنكليز وخلى بهم.
أبو خليل : الحق على عرابي؛ لأنه لو سمع كلام صاحبه المشير، ما حصل له هزيمة التل الكبير.
أبو نظارة : نعم، فلو قبض على توفيق، ما كان خانه بواسطة سلطان باشا وعلي بيك يوسف ورجب أفندي صديق، سلطان برطل العربان، وعلى يوسف ورجب صديق أخبروا ولسلي بعدد الجيش وتحضيراته، وأدخلوا الهنود والإنكليز غدرًا بين آلاياته، فانهزم عرابي البطل الهمام، الذي طلب الموت مع إخوانه ولم يبلغ المرام.
أبو خليل : آه! لو عرابي قفل القَنَال، لما حصل من تلك الجهة الحرب والقتال.
أبو نظارة : إذا جاء القضا عمى البصر، وإلا كان عرابي انتصر.
أبو خليل : ياما ناس يقولوا إن عرابي هو اللي خان.
أبو نظارة : ياما في الحبس من مظاليم، والبرهان إن عرابي ذم الإنكليز في جرانيلهم بخصوص مسألة السودان. «يكفينا ما سمعناه من سيرة إسماعيل وتوفيق، فشنف مسامعنا بذكر أميرنا الحليم وسلطاننا الحميد الشفيق.»٢٥

(١-٣) ديباجة مدير مطبعة الجريدة٢٦

لما كان طبع جرنال «أبي نظارة» جاري بمطبعتي، وجمًّا غفير من قراءه وأحبابنا بعد مطالعتهم إياه يسلِّفونه لمعارفهم لنشر ما لأفكاره من المحاماة عن الحقوق ثم يستلفه آخر وآخر، حتى إن صاحبه الأصلي لا يراه؛ بعدها سألوني المرة بعد المرة بأن أرسل لهم بعضًا من الأعداد الماضية حتى يحفظوه لديهم، فاستصوبت أن أجمع لهم أعداد السنتين الأخيرتين وأجعله مورقًا؛ لأن فيهما قد ازداد رواجه حتى في بعض الأحيان قد أُعيد طبعه، وإن كان كل دفعة لم يطبع منه أقل من خمسة عشر ألفًا، ولا حاجة بتعريف الناس بأبي نظارة؛ بما ناله من الشهرة بباريس، وكونه صار معلومًا فيها كمعلوميته عند أهل مصر وإسلامبول؛ وذلك لكترة إلقائه الخطب الرنانة بفرنسا وبالأقطار الأجنبية، حتى لم يمر شهر إلا ويكون له خطبة أو اثنين يدافع بهما عن المشارقة والإسلام، وإذا تتبعنا ذكر أسماء الجرانيل على اختلاف لغاتها وبلادها وما قالته في أبي نظارة فهذا شيء يطيل شرحه، ونكتفي هنا بذكر نبذة قالها فيه آنفًا المسيو أوجين شينيل الذي قد ألف كُتبًا عديدة في مدح الشرق وأهله وجميل عوائدهم وخصائلهم، وقوله:

«قد تبادر لنا من أبي نظارة بأنه نادرة زمانه، لا يوجد بين الرجال كثير من أمثاله يتكلم اللغة العربية والإيطاليانية والإنكليزية والفرنساوية ويكتب بهن نثرًا وشعرًا ويلقي بهن الخطب في المحافل العلمية والسياسية، وله دراية بأربع لغات أُخر، خلاف ما له من معرفة اصطلاح لغات بلاد العرب والجزائر وتونس، وهو الذي قد أبدع التياترات العربية بمصر القاهرة، وعمل فيها اثنين وثلاثين قطعة من كوميدية بفصل إلى خمسة فصول، ونال بذلك اسم موليير المصري، وترجم أشعارًا وقصائد وأدوارًا من اللغة العربية نظمًا إلى الإيطاليانية، وذلك خلاف ما كتبه بهذه اللغة من الروايات التي ثلاثة منها شخصت بالتياترات العظيمة الإيطاليانية ببلاد الشرق وواحدة بجنواه بشمال إيطاليا، وحازت شهرة فائقة، وجرائد رسمية إنكليزية وإن كانت لا تألف أهل الذب عن الحقوق قد نشرت عنه خطبًا وحكايات بل وأبيات شعر كتبها بنفسه باللغة الإنكليزية، أما في الفرنساوي فأخونا الشرقي هذا قد نشر في جرائد باريس السياسية والعلمية والأدبية التي عليها المعول أخبارًا وخطبًا نثرًا ونظمًا.»

ويكفيني أن أضيف على ما مرَّ بأن أقول إنه قديم خوجوات مصر بمدرسة المهندسخانة وممتحن مدارس الحكومة المصرية، ووصل أبو نظارة بإعطاء الدروس ليعيش بباريس ويستمر على طبع جرناله الذي بظهوره كل شهر يحيي أرواح أهل بلده مصر، ويجدد فيهم الجسارة، ولو أن دخوله محرَّج عليه بوادي النيل، وأمكنه أيضًا تأسيس جريدة بارعة مخصصة لغرس الأخوة وزرع المحبة في صدور الفرنسيس والشرقيين، فهل لا يُستغرب من تلك النتائج؟! وهل يُتصور أن أبا نظارة من دروس اللغات وترجمتها يمكنه الاستمرار على إدارة ذلك مع تكوين تلامذة ينفعوننا في الإدارة والبنوكة والمتجر في أفريقا وآسيا؟! «أوجين شينيل، محرر جرنال الفولطير». هذا ونحن نطلب لأبي نظارة النصر والنجاح «غاسطون لفبفر».»٢٧

(١-٤) مقالة كتبها صنوع بعد وفاة الخديو توفيق عام ١٨٩٢

توفيق

figure

إن الليالي والأيام لترينا عجائب لم تكن لنا على خاطر وبال. لا يعلم بما يجري إلا مدبر الأمور وباسطها، قد كنا في حساب والزمان في حساب آخر، وياليت شعري لو أعتبر بهذا الأمر الآتي على حين غفلة من له مكان في العقل وهذا هو أعظم موعظة وأجل انتباه لمن يتعظ ممن سالك طريق الظلم وعدم الوفاء بالعهد، إن كل مرء لا يدري متى يناديه آخره. من كان في علمه أن توفيق مع صحته وتنعيم فكره وعدم اشتغاله بالمشاق تدور عليه رحة الزمان في لحظة ويُعدم كأنه لم يكن. ففيقوا معاشر الناس واعتبروا بهذا الذي سرى أمام عينكم، واعلموا بأن ما جاز على فرد جاز على الآخر بدون استثناء، لا يبالي بعالي ولا واطي. أما أنا فقد احتار فكري وذُهلت من أمري من هذه الحادثة. قد كنت حضرت ما يلزم لجرنالي كجري عادتي من الرسومات، واستعديت لوضعه في قالب الطبع، إذ بالأخبار تواترت بوفاة الخديوي توفيق، فكفيت عن جميع ذلك مراعاة للمتوفي؛ لأن كان مبنى ذلك الرسم ومنطوق بيانه سوء أحوال الوطن وحلول الإنكليز به ومكابدة أهله همَّ المعيشة، إلى آخر ذلك، وكل مضرَّة وكدر بالوطن يكون سببه حلول هذه الطائفة، ولا أحد يجهل أن ما ساقها إلينا سواه. فلذلك لو كان جرى وطُبع وقُرئ كان مذكرًا الناس ومفكرًا لهم بما عسى أن يكونوا نسوه من هذا السبب الأعظم، وعوضًا عن الترحم عليه لربما كان الأمر بخلاف، فهذه لا أدرى إن كانت لسعادتي أو لسعادته؛ لأني وإن كنت أندد غالبًا فما هذا إلا من النخوة العربية والغيرة على الوطن، وإن كان قلبي لم يزل رحيمًا دائمًا وصفوحًا عن أبناء وطني، مهما بلغوا أو كانوا، وليس من عادتي أن أحقد على إنسان، لكن ما كان في قلبي فهو على لساني؛ ولذلك قد أبديت كل ما أعلمه من المتوفى من حسنات ومن مثاوي؛ حتى يكون اعتبارًا لمن يعقبه، فيجتنب الخوض في فعل مثل ذلك، ويعلم أن كل ما صدر من والي حسنًا أو سيئًا لا يُكتم وإن تراءى له مداراته، فهو وإن استيسر الألسن فلا يستطيع أن يستيسر القلوب، وأيضًا أملًا بتكفير مثاويه بترحم من عثر على قرأتها ولذلك سطرته في جرنال «الفيكارو» المشهور، وهو جرنال تنقل عنه معظم جرائد العالم. إنما لضيق المجال لم ندرج هنا من تلك المقالة التي كتبتها في «الفيكارو» إلا بعض جُمَل ومعناها بالعربي هكذا.

قد عرفت المرحوم توفيق من مبدأ شبوبيته، واستمريت أتردد عليه إلى سنة ١٨٧٨ أفرنجية تاريخ نفيي من الديار المصرية.٢٨ فحمائده أنه كان مسعدًا وإن كان لم يُرزق فراسة أخيه البرنس حسين وحذقه ولا ذكاء المرحومة أخته توحيدة هانم — سقى المولى ثراها ماء الرضوان. ومحبته عند والده إسماعيل الخديوي السابق كانت أقل من إخوته وليس ذلك لامتياز أمهاتهم عن أمه، بل لأنه كان يرى بعدم لياقته للولاياة. وأذكر مرة سمعت أباه إسماعيل باشا يقول: أهو لو كان أكبر أولادي البرنس حسين وأخته توحيدة هانم بنت أخي وأزوجهما ببعضهما فكانا يكونان سببًا للثروة العامة لمصر. والمرحوم توفيق الآخر كان يعرف ذلك من أبيه وإخوته بعدم المحبة له، فمن جنس معاملتهم كان يجازيهم، وكم من مرة كان يطلب مني ترجمة الجرائد الإنكليزية مثل التيمس وغيره، التي كانت في سنة ١٨٧٧ و١٨٧٨ تقدح في أبيه وإخوته، فكنت أداري ما أراه من الذم فيهم؛ مخافة من زعله عليَّ، فكان يفهمني ترجمة تلك الجمل حرفيًّا، وكنت أرى البشر على وجهه لسمعها، حتى أجبرني ذات مرة على ترجمة أحد الجمل الغلاظ بالكتابة.٢٩ ومن ذلك أيضًا أن ذات ليلة في أواخر سنة ١٨٧٨ أكم شهر قبل تنازل أبيه إسماعيل عن الخديوية.٣٠ اجتمع لديه بالسلاملك في سراية العباسية رؤساء الحزب الوطني قصدًا بالممارسة في أحوال القطر والطريقة في إنقاذه من ظلم إسماعيل باشا فقام الشيخ «ج. أ.»٣١ وقال التدبير في الخلوص منه تعريف العامة بظلمه وإشهار عدم استقامته؛ حينئذٍ يقوم الكل يطلب من أمير المؤمنين راحة الأمة منه، وهذا أحد وأنفذ الآراء ويُسمى بأوروبا الرأي العام.
فعندها انحمق توفيق، وقال: رأي عام رأي مام، هذا هلس فرنساوي، ولا نخلص من بابا إلا هكذا. وأشار بيديه بطريقة انزعج منها الحاضرون،٣٢ وقالوا: لو فعلنا ذلك كانت أوروبا بأسرها تعتبرنا وحوشًا، وهذه كانت خصال المرحوم قبل توليته، وفي شهر يونيو سنة ١٨٧٩ تولى بدل أبيه، ثم وبعد قليل وصلني جواب من أحد أتباعه يدعوني إلى العودة إلى مصر، وقال إن العدو قد رحل، فدرجت مكتوبه في جرنالي وأجبته بقولي: نعم أعود إلى وطني، لكن أريد أولًا أرى سلوكك، فإن كان خلاف مسلك والدك فلا بأس أتوجه إلى القاهرة وأقبل الأعتاب واحترم حضرتك احترام والي أمين من قبل أمير المؤمنين.٣٣ إنما قد فقهتني حوادث الأيام بأن ضعف تدبير توفيق أضرَّ من جور والده للرعية فلم أجد لي نشاطًا للعودة مع ما رأيته وسمعته، هل لا هو توفيق الذي قال في مجلس غزير عُقد من أعيان مصر وعلمائها ورؤسا جهاديتها: هلموا بصدِّ العدو الغائر علينا، وأنا أكون مقدمًا لكم على رأس الجيش؟ هل لا هو توفيق الذي كان آلة بدون انشعاره للأعادي لحدوث مذبحة الإسكندرية التي تنكرت في إجراها ملطية في صفة بدو وبدوها لجلب المشاكلة وضرب الرصاص؟ وصورة التلغرافات الدالة على ذلك قد أشهرها بدار الندوى بعض نواب الإنكليز الحرِّين. هل لا هو توفيق الذي هاجر نحو الإنجليز بعد وعده بالسير مع الجيش المصري، واتحد مع العدو، ودخل معه القاهرة بعد ائتمار المرحوم أبي سلطان ببرطق رؤساء القبائل حتى تخلوا عن مساعدة عرابي باشا يوم وقعة التل الكبير.
فهذه هي الأسباب التي ألجت رعيته أن يحتقروه. لكنه قد سافر مكفر السيئات بما ذاقه من ذل الإنكليز وتلاعبهم به وإكراهه على إمضاء شيء لا يعرف ما هو، ولا يدري ما سببه. وكم عرَّفنا قراءنا بإمارة الساربارنغ وشركاه على هذا المسكين الذي ما كان له في الخديوية سوى الاسم؛ لأن الخديوية الحقيقية هي للإنكليز. إنما السهم الأعظم الذي أثر فيه فهو حريقة سراية عابدين. وكان المرحوم ممن يتفاءل، فكانت تأتيه الحبشية الساحرة المشهورة بمصر فيأخذ بفألها ويرتشد بقولها ويحترمها، وبلغني ممن أثق به أن الفرمان الشاهاني المثبت له ولأولاده الولاية٣٤ وُجد بين الأوراق الثمينة التي اغتالتها نار سراية عابدين، فمن عهد تلك الحادثة لحقه ضيق النفس، واعترته السوداء، وكان يتضرَّر غالبًا من الانقباض الذي كان يستولي على صدره، وكانت إقامته بحلوان مسببة على تلك الأحوال التي هي جعلت مرض الأنفلونيزه الذي أُصيب به خطرًا؛ لأن هذا الداء لم يُسمع إلى الآن إنه مقتل في مصر، أما الأهالي فأظن أنهم يقولون إن توفيق ما مات إلا من شربه فنجان شاي إنكليزي دُسَّ عليه حتى بعده يتولى ولده عباس باشا، الذي لم يبلغ من العمر إلا تمانية عشر سنة. هنالك إذن طلبت تركيا وفرانسا من الإنكليز تحديد زمن لانجلائهم عن مصر يحتجون بحداثة سن الوالي ويقولون: كيف نترك الوادي ونحن قد رشيناه بدماء أبطالنا وبذرناه بملايين من جنيهاتنا ونأمن عليه شاب صغير لم تخله التجارب، محتاج إلى مدبر ومعين وملاحظ وأمين؟! فنحن قاعدون هنا لأداء هذه الواجبات. لكن إذا قالوا ذلك، نجيبهم بأن تلك الأمور ليست من خصوصياتهم، إنما هذه من خصوصيات سيد المكان مولانا عبد الحميد خان؛ فهو الذي له العقد والحل في وادي النيل، فيولي من يشاء، وإذا اختار تسمية عباس باشا خديويًّا محل المرحوم أبيه فلا لحد من الدول أن يراجعه في آرائه؛ لأن مصر هي من أحد ممالك الدولة العثمانية، فالسلطان هو وحده الذي له الأمر في تعيين من يحادي الخديوي الشاب ويشيره.
أما عباس باشا فإنه مألوف لدى الجميع وفي غاية النباهة مع حداثة سنه، ويحب فرنسا، ويتقن لغتها، كذا يتكلم اللغة النمساوية والإنكليزية والتركية. قد تلقى معارفه بمدارس جنفرة وفينا، وقد أتى إلى باريس مرارًا، وسمعت مدحه من جميع عدلاه في التعليم. وفي أثناء معرض باريس قصدت زيارته في صفة شامي ذكرتها في جريدتي. وأقول الحق إني رأيت منه فراسة ونباهة وذكاء زيادة عن سنه، وأنا أكون من حزبه ومعينًا له على آرائه إن لم يتبع مشرب الإنكليز والمدلسين والمدهنين ويتوجه بكليته نحو الأستانة العلية ومولانا الخليفة ولا يقتدي بغير أوامره الشاهانية.٣٥

(١-٥) مقالة كتبتها جريدة «الحاضرة» التونسية عن صنوع عام ١٨٩٦

الشيخ أبو نظارة

نقلًا عن جريدة الحاضرة التونسية الغراء بتاريخ ١٩ شوال سنة ١٣١٣:٣٦

«من الأدباء الجديرين بالذكر والثناء الموسومين بالغيرة الوطنية والولاء، المشهود لهم بالبراعة بين الملأ؛ زميلنا الشيخ أبو نظارة. الذي ظهرت في الذب عن بيضة الديار المصرية آثاره، فهو الأديب الذي امتاز بمعرفة اللغات العديدة والأغراض الأدبية والنكات الحماسية، وبرع في قدح زناد الفكر وإبراز منظوم الدر، واستجلاء عرائس البدر من مصون الخدر، فوشح الصحافة بتلك القلائد، وطرز التصانيف المرصعة بتلك الجرائد، وله من ذلك قصيدة لم يسبق لها مثال ولم ينسج فيها على ذلك المنوال، منتظمة عقودها الجمان، ووردها ألحان، في ست لغات ترجمها ناظم عقدها وناسج بردها إلى اللغة الفرنسوية مع مراعاة الأوزان الشعرية، أشعارًا بما لها من الشان والأهمية، وذلك قُدمت إجلالًا لفخامة المسيو كارنو رئيس الجمهورية، بمناسبة افتتاح معرض عام ١٨٨٩ في العاصمة الباريزية، فاستوجب بها جميل الثناء من هذا الرئيس جميل الذكر؛ حيث قال له إن فرنسا ينبغي أن ترمقكم بعين الفخر، وبهمتك يا حضرة الشيخ كانت أول أمة، نشرت مدائحها بلغات جمة.

أما ما له من الباع في ميدان الصحافة والتحرير فقد برهن عليه بوقوفه في هذا الموقف الخطير؛ حيث كان من سنة ١٨٥٨ ملازم التحرير ناشر المقالات الرنانة في الصحف الإخبارية بالأقطار الشرقية والغربية،٣٧ بكل من اللغات العربية والإيطاليانية والإنكليزية والفرنسوية وفي سنة ١٨٧٦ أصدر صحيفة فكاهية هزلية سماها الثرثارة المصرية في لغات ثمانية،٣٨ ثم جادت قريحته المدرارة بصحيفته الموسومة ﺑ «أبي نظارة»، وهي جريدة هجوية امتازت بشدة التقريع واللهجة الحماسية أوجبت إبعاده سنة ١٨٧٨ عن الديار المصرية، ولكنه استمر على إبرازها في العاصمة الباريزية، فتكدرت لها خواطر الإنكليز؛ حيث أماط الخمار عما يجرونه من الفظائع والمظالم في وطنه العزيز، ولم يكن هجوه اغتباطًا؛ فإنه وإن كان يشدد النكير على إسماعيل باشا وابنه المرحوم توفيق فلم يألُ جهدًا لتأييد سلطة سمو الجناب العباسي ويرشده لأقوم طريق ويوضح بحجة حب الوطن بالتحقيق، وله في جانب الآداب فضل مشهود وأثر ممدود بما صدر منه من الروايات التشخيصية باللغة العربية في عالم الوجود، وهو أمر لم يسبقه إليه أحد بالقاهرة؛ حيث نجحت مساعيه في الحماسيات والغراميات بهذه المدينة الزاهرة، فكانت الركبان بذكره تسري، وكُني عنه بموليار المصري، وهو الآن منكب على ترصيع رواية غرامية يعدها للمراسح الباريزية باللغة الفرنساوية في تشخيص الأوضاع والطباع الشرقية.

أما براعته على منبر الخطابة فقد بلغ فيها درجة الإصابة، وظهرت مزاياه فيها نظمًا ونثرًا، أحرز فيها في كثير من عواصم المعمورة ذكرى وفخرًا، امتطى فيها صهوة الإطناب، وعُرف فيها بما فيه الأقطار الشرقية من كريم الأخلاق والآداب التي هي بكل اهتمام وحرية، وخاض فيها بحر المسألة المصرية، وأتى فيها من صنوف الإفادة بما يسحر الألباب، والتزم في خطابته العمومية بمدن أوروبا والقارة الأفريقية تبديد غيوم الأوهام الباطنية الهائلة دون تقارب الإسلام وعالم النصرانية مستدلًّا على ذلك بالشواهد الإنجيلية والآيات القرآنية، وإشعارًا بما له من الفضل الجزيل، شرفه بزيارته بأشبونة سنة ١٨٨٩ وباريس سنة ١٨٩٠ «دون بدرو» إمبراطور البريزيل، وحضر مجالس خطابته كثير من الأعيان والعلماء المحرزين على المقام الجليل. وله فكر ثاقب ورأي صائب اخترق طباق النوائب. فلقد قال يوم خروجه من مصر لأحبائه وخِلَّانه وكانوا يأسفون على ما لحقه من الضر: كما سلكت الآن طريق الإبعاد والغربة يسلكه إسماعيل باشا بعد سنة وتلحقه الكربة؛ لأنه أبعدني عن هذه الديار لوقوفي بالذب عن الحرية في مصاف الأحرار.

فصادف قوله الصواب، وحفظ له حق الصدق بالقطر المصري لدى أولي الألباب. وتسوح لزيارة الأستانة العلية، فأقام في مضيفة الحضرة السلطانية، وبلغ سلامها لفخامة رئيس الجمهورية. ولا زال إلى الآن ضيفًا مكرمًا وأديبًا مناضلًا عن بيضة الأمة المصرية، بعاصمة باريز منبع العدل والحرية، ولذلك عددنا ما مآثره؛ لأنها بكل تأثير حرية، وفي شهر شعبان خطب خطبة بمدينة إيرنه حضرها كثير من العلماء والأعيان لهجت بذكرها جرائد فرنسا؛ لما كان لها من الإفادة والشان، ولا غرو فالشيخ أبو نظارة من الذين أحرزوا قصبة السبق في هذا الميدان.»٣٩

(١-٦) مقدمات صنوع لصحفه في أعوام ١٨٩٧، ١٨٩٨، ١٨٩٩، ١٩٠١

مجموع مفردات جريدة «أبي نظارة» عام ١٨٩٧

figure

اسمحوا لي بكلمتين يا أسيادي، أقولهم لحضراتكم بلساننا الاعتيادي، وأختمهم بالعربي الفصيح يا كرام، لرضاء خاطر الخاص والعام. هذا والآن أرجوكم تقبلوه مني بصفة هدية، مجموع أعداد جريدتي الوطنية، اللي صار لي واحد وعشرين سنة بأحارب بها الظالمين، وبأدافع في أعمدتها عن حقوق الشرقيين، مسلمين ويهود ونصارى، اللي صبح لسان حالهم التودد وأبو نظارة، وصدر من المجموع دا ألف نسخة يا إخواني، رايح أهديهم للعربي والتركي والهندي والإيراني، حتى يفرحوا لما يشوفوا المستر بول تارة مهلهل وتارة منغاظ وتارة مذلول، أهو بقى له خمسة عشر عام في وادينا، بيسلب نعمتنا وبيهين خاطر أفندينا، وكلما يرى حبنا بيزيد في السلطان عبد الحميد، وفي عباسنا الغالي، كلما يزيد جوره على الأهالي، إنما ربنا ماينساش عباده، هو ينصر خديوينا على الإنكليز، ويخلص من أيديهم بلاده، حقًّا إذا انجلوا الإنكليز عن وطننا العزيز، ورجع وادي النيل كما كان في عهد محمد علي جنتمكان، كنت أودع قلمي وقرطاسي، وأعود إلى مصر وأعيش بين أهلي وناسي؛ لأن الغربة طالت عليَّ ووحشتني الديار، ونظري ضعف وصبحت اختيار، يعني متقدم بالعمر، يا ربي اعتق مصر من تسلط الحُمر.

خدمت أوطاني بنصح كامل
أملًا لعلي أن أقوم بواجب
ولعلي أحظى بالمساعي كلها
رضاء خل أو ثناء صاحب

أحبائي، قد بذلت عمري في رضاء الوطن وأهله عام بعد عام، وشهدت لي بذلك الخاص والعام، وشُهد لي بالذب عن الأوطان، قدر الإمكان، وإني وإن كنت في عزل عنها، لم يكن لي غناء عنها، ويا هل ترى بعد هذا البعاد الطويل، يسمح لي الزمان بالعودة إلى وادي النيل، وأرى مبانيه، وأتملى بأنس ذويه، أو كيف؟ ولم يكن تمنيِّي ذلك لضيق القماش، ولا لضنك المعاش، ولكن الوطن عزيز، وحبه في الفؤاد عزيز، وكل مرء نقي النطفة، لم يسل ذوق هذه القطفة، وذوقها في فمي أحلى من الشهد، وألذ من طيب المنام بعد طول السهد، فإن كان لي في مجاري الغيب أراه، فقد بلغت من الحظ أوفاه، وإن دنى قبل الرؤية الختام، فمني عليه السلام (الشيخ أبو نظارة).

تقديم صنوع لعام ١٨٩٨

figure

أبتدي تهنئتي يا أولاد بلادي، بلساني الاعتيادي، وأختمها بالعربي الفصيح البديع، لرضاء خاطر الجميع، بقى كل عام وأنتم بخير يا سادة، وبعز وصحة وسعادة، جريدتي دخلت اليوم سنتها الثانية والعشرين، ربنا يحميها من اضطهاد الغايرين، وكما أخبرتكم في مقدمة مجموع العام الماضي يا كرام، صار لي واحد وعشرين سنة بأقاتل بها الظلام، ولله الحمد تودد وجريدة «أبي نظارة»، صبحوا في الشرق لسان حال المؤمنين والذين هادوا والنصارى، والعربي والتركي والهندي والإيراني، بيفرحوا بجرانيلي يا إخواني، خصوصًا لما يشوفوا المستر بول تارة مهلهل وتارة منغاظ وتارة مذلول، حقًّا إذا انجلوا الإنكليز عن وطننا العزيز، كنت أودع قلمي وقرطاسي، وأعود إلى مصر وأعيش بين أهلي وناسي؛ لأن الغربة طالت ووحشتني الديار، ونظري ضعف وصبحت اختيار.

خدمت أوطاني بنصح كامل
أملًا لعلي أن أقوم بواجب
ولعلى أحظى بالمساعي كلها
رضاء خل أو ثناء صاحب
أحبائي قد بذلت عمري في رضاء الوطن وأهله عام بعد عام، وشهدت لي بذلك الخاص والعام، وشُهد لي بالذب عن الأوطان، قدر الإمكان، وإني وإن كنت في عزل عنها، لم يكن لي غناء عنها، ويا هل ترى بعد هذا البعاد الطويل، يسمح لي الزمان بالعودة إلى وادي النيل، وأرى مبانيه، وأتملى بأنس ذويه، أو كيف؟ ولم يكن تمنيِّي ذلك لضيق القماش، ولا لضنك المعاش، ولكن الوطن عزيز، وحبه في الفؤاد عزيز، وكل مرء نقي النطفة، لم يسل ذوق هذه القطفة، وذوقها يا إخواني في فمي أحلى من الشهد، وألذ من طيب المنام بعد طول السهد، فإن كان لي في مجاري الغيب أراه، فقد بلغت من الحظ أوفاه، وإن دنى قبل الرؤية الختام، فمني عليه السلام (الشيخ ج سانوا أبو نظارة).٤٠

مجموع جرائدنا لسنة ١٨٩٩

figure

قراء جرائدنا الثلاث، مجموع جرائدي الثلاث هذا العام ضممته لبعضه راجٍ به إتحاف قُرَّائي الكرام، وإن تفضلوا بقبوله والتأمل فيه، وجدوه مشحونًا بالآداب وفضل الإسلام يكفيه، كذا يجدون أني بذلن الهمة في تآلف العالم بالأخوة بقطع النظر عن مذهب ودين وضعف وقوة، قمت بواجب الإنسانية عليَّ، ألهمني مولاي بذلك وساق هذا العزم إلي، قد اقتفيت أمر هذا القصد تمامًا، منذ خمسة وأربعين عامًا، ثبَّتُّ فيها النفس والجنان، وصرت أدافع عن هؤلاء الخليقة بالقلم واللسان، أشحن عمد الصحف الشرقية والغربية، وألقي الخطب بالمحافل العلمية والسياسية، أشهرت في هذا الزمن الغير وجيز استقامة الشرقيين وظلم الإنكليز، آه كلما أهتف باسم الإنكليز وأسمع سيرتهم بأذني لا تتصوروا يا سادة كيف أضطرب ويقشعر بدني، لكن مولانا كريم متعال، يقتص منهم جميع فظائعهم في حرب الترنسفال، ربنا باري كل زمن وعصر، من حف آل عثمان بالظفر والنصر، قادر على تشتيت شملهم بأي طريقة، ونزعهم من أراضي آسيا وأفريقة، ياما يزداد فرحي تلك الأيام يا خلان، وأعود مطنطنًا لمصر داعيًا بالعز لمولانا السلطان، وأرى وادينا خاليًا من أعادينا تحت سلطة أفندينا (أبو نظارة).

(١-٧) سلسلة حلقات كتبها صنوع تحت عنوان «زهرة من تاريخ وطني الغالي ونبذة من ترجمة حالي» عام ١٨٩٩

figure

أهديكم أيها السادة بما أوعدتكم به غير مرة في مراسلاتي الودادية وجرائدي الحرة، بأنبأكم بتاريخ بلادي، وبقصتي من يوم ميلادي، ما حصل لي وما جرى في الأوطان، وما مر في عصري وما لاقيته في تلك الأحيان، بالقلم الدارج يا كرام سطرته، كي يفهمه الخاص والعام وبالفكاهة عطرته.

مصر المسكينة كم لاقت وكم قاست، وكم في أيام السادات قد فرحت وقد سادت، كانت صبية مدة محمد علي باشا، أخذ الأفراح معه وانقضى وما جاء مثله حاشا، كان الكل راتع في هناء وسرور، فرحين بواليهم السعيد المنصور، أهالي مصر والسودان، في زمنه كانوا أعزاء وإخوان، والسياسة والإدارة كان لها رائحة زكية، والزراعة والتجارة كانت أحوالها مرضية، كذا العالم والصانع والفلاح، شئونهم كانت في غاية النجاح، في وقتها كنتِ يا مصر للمصريين، سالمة من ميط الأجانب والمداينين، آمنة من قرض «الجراد»٤١ زرعك، ولا أحد له سلطة على أهلك ولا فرعك، وأولادك في طمان من جور الغائرين، في حظ وانبساط من مكايد الدهر آمنين، يا حبذا أيام مضت بناسها، ما أسعدها بأمير عززها وتوِّج بالفخر راسها.

آه كم نستني الهموم خرجي، وعملت رمَّالًا فما عثرت في برجي، حتى صرت ساهٍ مما جرى بالأوطان، ونسيت أبتدي بالحمد لمولى له الفضل عليَّ وعلى كل إنسان، فأحمد إلهي القدير المتعال، الذي كم نجاني من أخطار وأهوال في عهد إسماعيل باشا المرحوم، والمستر بول المشوم، ومن شدة حنقهم عليَّ وما أضمروا، فلو رأوا وابور إكسبرس لجهنم لما تأخروا، لكن انظروا يا خلان، كما يدين الفتى يُدان، إسماعيل باشا فاتها ونام وشبع نوم، والمستر بول لا بد عن قريب نرى فيه يوم، ولا دائم إلا المولى الخالق، ولا يسود إلا الرجل الصادق، خلصني من مخالبهم مولاي الجليل، وأبقاني إلى الآن أخدم وادي النيل، وما كان السبب في نفيي من وطني المحبوب، سوى دفاعي لرفع شركهم المنصوب، نعم حُرمت من مشاهدة أقاربي وخلاني، لكن فعل ربي عجب أنزلني في وادي لي فيه اطمئناني وأماني، ومع ذلك ما زال أملي دوم، في رجوعي إلى مصر، ومشاهدتها يوم، وأراها في عز وسعادة وهناء، متمتعة بالخلاص من يد قانصيها بالغة المناء، ما زلت أحمد مولى ستار، نجاني طول عمري من الأخطار.

هذا وأما محمد علي جنتمكان صاحب ذاك العصر، الذي كان والٍ وأي والٍ في مصر، كان ذا رأي وشجاعة، شهد له كل إنسان بالبراعة، أما في السياسة، فكان كامل الرياسة، حدثني عنه والدي رفايل أفندي وكان من محاسيبه النجيبة، أحاديث عجيبة غريبة، وكان يستشيره في بعض الأمور لصداقته، كذا مع نجله إبراهيم وحليم وحفيده أحمد استمرت علاقته، فظهر لي مما نقله إليَّ الوالد الحبيب، أن محمد علي كان ذا مهارة وتدبير عجيب، أما في الفضل فقد فاق الحد، وفي الإنصاف والعدل ما كان له نِد، وكذلك أبناء الشرق من كبار وصغار يحترمون اسمه ويذكرونه بالوقار، فشوفوا ذكر العادل بعد الممات، هكذا كل من فعل خيرًا وبذل الحسنات، بخلاف الظالم مع بغض الناس له في حياته، سيرته ذميمة بعد مماته، ومن كان له عقل وتدبير يدري الأمور ومآله للسعادة يصير، واسمه يليق أن يُسطر بالذهب، وكل من عرفه يقول العجب العجب، فلا يضمر السوء للغير، ولا لمسعى في طريق الضير، وانظروا كيف محمد علي باشا خلف له سطرًا في غرة التاريخ يُرقم بالعسجد، ومن شدة محبة الناس فيه بنواله مسجدًا أمجد، لم يختلف القدماء ما خلفه، خلفوا مباني وآثارات أما محمد علي فاسمه شرَّفه، في أيامه أعاد التمدن إلى القطر المصري وأنشأ ورش لنسج الحرائر والقماش، ومعامل للصنائع المفيدة فياليته للآن عاش، جلب في مصر تعليم اللغات الأجنبية، وأسس مدارس علمية وإدارية وحربية وبحرية، خرجوا منها رجال، فحول أبطال، أجروا السياسة على أعلا شان، وابدعوا بدائع شرفوا بها نوع الإنسان، ياما كان لهم في السياسة وفي كمال الرياسة باع، ولذلك في عصرهم اسم مصر شاع وزاع، وملأ البقاع، وفي الجهاد ظهرت هممهم، أما إبراهيم باشا بيَّض عممهم، كان كوالده بطل مهاب أصيل، صميدع قلَّ إن يكون له مثيل، وليس خافٍ على من له أدنى تطلع في التواريخ العمومية، إن محمد علي هو رأس العائلة الخديوية، وُلد في قاولة من بلاد الأرناءوط مدينة صغيرة، لكن بمناسبة ولادته صبحت كبيرة، وُلد في سنة ١٧٦٩ وتوفي في سنة ١٨٤٩ أفرنجية، فعاش حينئذٍ من العمر تمانين شمسية، وإن رُحنا على حساب القمر، فنلقاه عاش ثلاثة وثمانين وطاب له فيها الثمر، أما أنا فمن حيث إنه فيه فرق قدر هكذا جسيم فأميل في حساب عمري إلى السنين الشمسية؛ لأني أتمتع ثلاث سنين زيادة في الشبوبية. بيد أني أوصيت أولادي، بأن يحسبوا عمري بعد مماتي قمريًّا أكيد الحُسَّاد والأعادي، ولا اعتراض على ما يصدر مني في بعض الأحيان، من العبائر الهزلية يا إخوان؛ لأن الزمن يقضي بالتبسم للبسوم، بعض نكت لتزال بها الهموم.٤٢

هذا ومحمد علي باشا المغفور له ياما شيد أركان المجد، وشرَّف أسلافه من أب وجد، حتى إن الحُساد لم يروا فيه عيبًا قالوا يا خسارة أصله تاجر، فنقول لهم لما لم يروا في الورد عيبًا قالوا له أحمر الخدين يا فاجر، ولما علا شأن نابوليون الأول وبلغ السهَى، أراد حواشيه أن يجعلوا له سلسلة نسل وقالوا له يا ذات ابن النُّهى، فقال لا تذكروا لي أهلي ونسبي، إن شرفي بعزمي لا بجدي وأبي، وكذا فخامة الموسيو فليكس فور رئيس جمهورية فرنسا الذي في سيره عادل وصاغ كان يفتخر بقوله أمام الملوك إن أصله دباغ، اكتسب المعالي بعزمه لا بارتكانه على النسب والأهالي.

هذا وقد بلغ محمد علي في القوة حد العنان، حتى إن الدول الأفرنجية تعصبت عليه مذ كسر اليونان، وحرقوا سفنه الحربية بعد النصر، وعاد نجله إبراهيم باشا بجيوشه الجرارة إلى مصر، ولو أن الإفرنج كانت قاعدة لمحمد علي باشا بالمرصاد، لاستولى على الهند وأقطارها وتسبب في سعادة البلاد؛ لأنه كان يرى دائمًا هذا الشأن في أحلامه، بعد انتصاره في حروبه وقدومه في وقائعه وضم السودان إلى مصر ورفع أعلامه، لكن في علم الله ما كان براحه إلا لهذا الحد وجل وسباته، لا سيما حزنه على ولديه إسماعيل الذي قتل بالسودان وإبراهيم بعد توليته على مصر عشرة أشهر في حياته، وإن كان أفنى الغز وأنزل بهم الدمار فما هو إلا لظلمهم وبغيهم ليلًا ونهار.

وفي زمنهم ما كنت ترى هد ولا حد، لا في مدينة ولا في بلد، وبعدهم استقرت للناس الراحة، وجرى أضعف الخلق في أوسع ساحة، وبعد السناجق عاشت الناس في أمن وإنصاف، وأجرت المحاكم بنودها بالسوية بين القواي والضعاف، وأخبرني المرحوم والدي إنه حينما قبض على زمام الأحكام، جلب للقطر جميع ما غطه في حيز الانتظام، أتى له من فرنسا بضباط ومهندسين، وأطباء وأرباب صنائع وفنون ومعلمين، ليكونوا عونًا له على تمدن القطر وتهذيب الرعية، وفي أقرب زمن برقت أنوار العلوم في أنحاء القطر وتيقظت الأمة المصرية، أرسل ابنه حليم وإسماعيل حفيده جد الخديوي الحالي صاحب الأخلاق المرضية، إلى فرنسا ومعهما جم غفير من التلامذة لجني ثمرات العلوم السياسية، فحينئذٍ هو المرحوم محمد على باشا الذي غرس بذر التمدن في أهل مصر بعد إبادته، وأجرى الخلجان كالمحمودية والإبراهيمية وركبت القناطر على بحر النيل لضبط طوفانه عند زيادته، المرحوم محمد على باشا هو الذي أصلح شئون الزراعة وأنمى رواج التجارة على أحسن مثال، فيستحق أن يُنبنى له في كل مدينة من مدن وادي النيل مسجدًا فاخرًا باسمه عوضًا عن التمثال، لإحياء ذكره على مدى الأيام؛ لأن التماثيل محرمة في شريعة الإسلام، وكان مولدي في زمن هذا الوالي الشهير سنة ألف وثمانماية وتسعة وثلاثين.٤٣ قبل وفاته بعشر سنين، رأيته في سن التسعة وأنا عيِّل، وصورته أبدًا نصب عيني تُخيَّل، ولي الافتخار بأن أقول أني قبَّلت يده التي سادت، وكم أكرمت في عصرها وكم جادت، فرحمه الله وأسكنه دار الخلد، وأولاه من كرمه ما لا له حد، هذا ما تيسر لي من ذكر مناقبه، وما ألهمت من أنباء غرائبه، والآن أبدي قصتي في العشر سنوات، ثم أذكر ولاية عباس باشا الأول وما لاقت مصر في زمنه من الحادثات، واستمر على هذا المنوال، إلى يومنا بالتوال.٤٤

تاريخي له أمر عجيب وشأن غريب، لما كان القارئ يريد الاستقصاء على الشيء من مبدأه بالتمام، ويرغب معرفة دقائقه بالأحكام، أردت أن أبيِّن سيرتي قبل وجودي في الدنيا لتتم الفائدة، ويكون للمستقصي أسنى استعلام وفائدة، وهو إن والدتي ما كان يعيش لها لا بنات ولا صبيان، ولذلك كانت دائمًا مسربلة بالأحزان، فقدت قبلي صبيين وصبيتين، قبل تعميرهم سن السنتين، فأشارت عليها جارتها بأن تزور الأستاذ الشعراوي — رضى الله تبارك وتعالى عنه — وتقبل يد شيخ الصندوق وتطلب الدعاء منه، ليعيش ولدها القابل، وكانت بي حامل؛ لأنه رجل بالكرامات موصوف، وبصدق النية معروف، فتزيَّرت وقصدت جامع الشعراوي واتكلت على رب البرية، وسلمت على الشيخ وذكرت له قصتها وما أصابها من فقد الذرية، وهي تبكي وعلى فقد أولادها تتحسر، فطيب الشيخ خاطرها وهدَّى حزنها وقال لها: كل شيء بفضل المولى يتيسر، لا تيأسي يا بنت الأكرمين، فكم للمولى فضل وهو أرحم الراحمين، ما يكون هناك إلا الخير، وسيزول الشر والضير، انذري أن رزقك المولى بغلام وعاش، يكون كسوته من الصدقة تشتري له بها قماش. فقالت له: كيف يا سيدي أجسر على الشحاتة وحالتنا من فضل ربي في غاية التيسير، ولا يمد يده إلى الشحاتة إلا المحتاج الفقير؟ فقال لها الشيخ: هذا الأمر يفعله كل من بُلي بفقد أولاده ديمة، ولا تظني أنه فعل يخل بالقيمة، إنما القصد منه خضوع النفس والتواضع للخالق وإنباء بأن المرء لحكمة ربه صابر، أما علمتي ما قيل في الأمثال إن للمنكسرين جابر.

فقبلت منه والدتي هذا القول كما فسَّر، وهادته ببعض أشياء مما سمحت به الحالة وبه المولى يسَّر، ثم قال لها أيضًا وكان على الخير ناوي: إن كان صبيًّا فاجعليه هبة من خدام الشعراوي، حتى إذا انتشى وكبر يكون مدافعًا عن الأمة المحمدية والإسلام. فأجابته بالقبول والسمع والطاعة وتوجهت بعد ما قرأته السلام، وقد تولدت الأفراح في قلبها، وأسرعت في السير نحو منزلها معتمدة على ربها، هذا وبعد أيام قلائل وضعتني وقامت لي راية، لكن بينما كنت في اللَّفة إذ سقطت من يدي الدَّاية، فأصابني فلق في رأسي، ودمت ثلاثة أيام بلا قوت حتى يئست مني ناسي، لكن لله ألطاف خفية بلا كلام، أتوني بالحكيم فعرف ما لحقني وداواني وزالت السقام، لكن يقال في المثل ربما كانت السقام والفناء أولى من الحياة والبقاء، فلو كان مع هذه السقام انقضى أجلي يا كرام، ما كنت أرى ظلم المستبدين، وجور من نفخ الشيطان في أنفه من رؤسانا وعدوان المحتلين، إنما أرجع أقول إن وجود كل شيء عند الإله له فيه حكمة وهذا الظن لي أمل، بأن يكون نفعًا لي ونقمة لغيري في المستقبل، وليس غرضي بالانتقام من الظلَّام لنفسي وحدي، ولكن لبغيهم وجورهم على أبناء بلدي، نعم كل إنسان سعيه وهمته لا يكونان فوق قوته، مضى عليَّ أربعون سنة والمدافعة عن وطني هي عين المرام، وإن كنت لم أجرد سيفًا ولم أطلق مدفعًا لكن ربما كان أقطع من هذا كله الكلام، لم أغفل قط عن الذب عن الوطنيين، وكنت أول من فاه وقال مصر للمصريين، قد توَّجت بهذا القول الغالي، منذ ثلاثة وعشرين عامًا غرة جرنالي، وإن كان ادَّعى غيري ابتداعه فلا أبالي عن صد ورد، فإني قد قلته للخديوي إسماعيل أمام وزرائه ولم أطلب عليه أجرًا من أحد، فإني أعتقد بأن حب الوطن من الإيمان، وإذا لم يقدر الفتى أن يردَّ عنه بالقوة فباللسان، وفي الحقيقة إن الدفاع عن الأوطان، واجب على كل إنسان، ومن كان به أدنى نخوة وفيه رائحة الرجولية، يؤالمه وجود أهله وقومه مكبلين تحت ناف العبودية، وكلما أجريته ظانًّا بأنه عليَّ فرض، فجدير بكل وطني الاقتداء به لما فيه من جلب الراحة العمومية واجتناب تدنيس العرض.٤٥

هذا ولما أبصرتني أمي شفيت مما أصابني لفِّتني في قطعة خرقة، وحملتني وسارت بي نحو جامع الشعراوي لشحاتة كسوتي من الصدقة، ووقفت بالباب وسألت الزوار الحسنة، كما شيخ الصندوق عليها أشار، وصارت تقول للجميع: صدقة يا أسياد لأكسي بها هذا الرضيع، كي يعيش يا مسلمين، يعوَّض عليكم ربي الطاق عشرين، وبهذا الثواب يحفظ لكم غيابكم، ويجبركم ويكثر في أموالكم. فأعطاها الزوار ما وفق لهم من الإحسان، ولما انقضى مرور الناس عادت حمدت الحنَّان المنَّان، واشترت لي القماش للكسوة كما هي العادة، وما تبقى من الدراهم فرَّقته على خدم الجامع يا سادة، فثنوا على فعلها الجميل، ودعوا لي بالعمر الطويل، وناولت شيخ الصندوق صرَّة جسيمة، تحتوي على كعك ونقل وبن وسكر وفواكه عظيمة، فقبلها منها ودعا لي بطول العمر والملأ والألطاف في الأمراض والمشاق والولاء.

ثم عادت والدتي المرحومة إلى الدار، حامدة مولاها على جبر الانكسار، هذا ولم يتم عليَّ سنة إلا وقد أُصبت بالرمد، وأقعدني عن السير المعتادة عليه الأطفال مدة أشهر وما همد، أكابد آلامه العديدة ولم أرَ للدنيا ضي، حتى يئسوا من بصري لأني ما كنت أفتَّح في الشمس ولا في الفي، وقد صاحبني بقايا هذا المرض مصاحبة الصديق الذي لا يخشى اللوم، ولم يفارقني مهما قذفته أو طردته إلى اليوم، واعلموا أن ضرر عيني ليس موجبًا لي سخطًا بل علاء؛ لأن ربي كم كافأني على ذلك حُسن الكفاء، فإن كنت أحزن في بعض الأيام على عدم الاستطاعة في السير في جميع السلوك، فإني كم فرحت وسررت بمرضي عند مقابلة الملوك، فإن قلتم لي وما هو الغرض، وهل يُسر إنسان بمرض؟ قلت: نعم هل رأيتم من صعلوك، تنهض لمقابلته الوزراء والملوك؟ نهض لي عند قدومي عليه وأقبل عليَّ إلى باب الديوان، وأخذني من يدي وأجلسني في مقام عالي منصان، السلطان الأعظم، صاحب المقام الأكرم، والشاه الفاخر، صاحب العقل الباهر، وإمبراطور برازيل الأفخم، من كان في سيرته محكم، كذا ملكة أصبانيا الجليلة، ورؤساء جمهورية فرنسا النبيلة، وفِعل جميع هؤلاء لي ليس لعلو قدري أو لكثرة فنوني، ولكن فعلوه شفقة بي ورحمة لضرر عيوني، فانظر كيف كانت السقام موجبة لرفع المقام، ثم لا حاجة بذكر ما طرأ عليَّ من الأمراض العادية، كالحصبة والجدري وما أشبه ذلك من علل الطفولية، وبالجملة فقد قاست والدتي، شر المقاسات في تربيتي، وأدَّت ما وجب عليها نحوي من الفرض، وصدق من قال من فقد أمه فما بقي له صديق شفوق على وجه الأرض، أرضعتني ثلاثة أعوام بلا توان، فقال لها بعض الخلان، من طالت عليه الرضاعة، فلا يكن له قريحة ولا في التعليم براع.

والغالب إن هذه القاعدة غير مطردة في نوع الإنسان؛ لأني كم لقوة ذاكرتي سبقت وكسبت الرهان، حتى إني إذا طالعت صحيفة مرتين فلا ريب، المرة الثالثة أتلوها على الغيب، وعادتي في المآدب والعزائم التي أُندَب فيها لإلقاء المقالات، أصنف فيها أثناء تناول الطعام ما يناسب من الأبيات، وربما قلت ماية بيت صنفتها وحفظتها في الحال، وأقوم أقولها فيظن الحاضرون ارتجال، وما ذاك إلا من الحافظة الإلهية، التي منَّ المولى عليَّ بها ونعم العطية، وبمناسبة ذلك لي دراية تامة في ثمان لغات أتقنها، وقوة على كتابتها نثرًا ونظمًا إن شئتها، وفيما مضى كتبت قصيدة بالست لغات للموسيو كارنو المرحوم رئيس الجمهورية، وفي هذه الأيام كتبت أخرى مثلها قيامًا بواجب تهنئتي للحضرة الشاهانية، غير أني أقول لا مشاححة في الاصطلاح، ولعلي لو كنت رضعت أقل من الثلاثة لزاد بي النجاح، وبرعت في الفلاح.٤٦

هذا ولما اشتديت، وفي التمييز ابتديت، قامت والدتي بوفاء ما ألزمت نفسها من النذور المرضية، وسلمتني للشيخ على الإبياري لتعليم اللغة العربية، فطالعت علم التواريخ والآداب، وأصبحت مغرمًا في مطالعة كتب القدماء وأخبار العرب، ورغبت في مدح علماء الإسلام وحكمائه وشعرائه وقولهم الصائب، وإشهار براعتهم وما لهم من الفضائل على الأجانب، ثم نرجع إلى ما كنا بصدده من الحديث والكلام، ونسوق تاريخ مصر وما وقع للمرحوم عباس باشا من الحوادث والأحكام، فنقول إن عباس باشا الأكرم، هو حفيد جنتمكان محمد علي باشا الأعظم، ووالده طسُم ثاني أولاد محمد علي، شواه حيًّا نمرشندي الجبار النوبي وأمره جلي، فتولى عباس ولد طسُم ولاية مصر ولم يتبع قدوة جده، في مساعدة الإفرنج على انتظام بلده، مع ما كان عليه من النباهة والخبرة بالأمور وما رزقه من الهمة، ولذلك لم ترق في عهده معارج الفلاح مصالح الأمة، إلا أنه أتقن من اللغات العربية والتركية، واستمر محافظًا على الديانة الإسلامية، وكان إذ ذاك الناس أسلم سريرة يا زين، معضدة بالتقوى ومتمسكة باليقين، ومع ذلك لم يسلم من الأقاويل ورموه بالحيف على أملاك الغير، ومعاملة أربابها بالاغتصاب والضير، أما طاعته للسلطان الأعظم عبد المجيد، فكانت محفوفة بالخلوص وما عليها من مزيد، أظهر الغيرة والحيدة الإسلامية، بتكوين جيش مصري جرار لإعانة الدولة العثمانية، حين مقاتلتها مع الروس في حرب القرم الأعظم، ففاز المصريون بالفخر ونالوا النصر الأقوم، وكان عباس يحب قنية الطيور والحيوانات، وكثيرًا ما كان اختلاطه بأولاد البلد والعلماء والسادات، أما حياته فكان جلها مشوَّب بالأكدار، لتوهمه المخاوف من كيد الفجار وغدر الأشرار، بيد أنه ما تحذر منه مات به يا آل العبر، ولم يُغْنِه الحذر من القدر، أُعَرى به وهو نائم ينهاء في أمن وأمان، ومُحجب بحجب قوية من غدرات الزمان، لأن المكتوب لا بد أن يستوفاه، ولو تحصن بكل ما اصطفاه، أما مكارم عباس باشا على الرعية لا تُنكر، جلب لها مبادي التمدن الحالي وعلى طول المدى يُذكر، صرح للإنكليز في ذلك العصر، بمد السكك الحديدية والأسلاك بمصر، أما مدة حكمه فكانت خمس سنوات، وتولى بعده عمه سعيد باشا وكل ما هو آتٍ آت، هكذا سيرة المرحوم عباس باشا يا كرام، ألقيت ما عرفته منها بالتمام، أما ما حصل لي في أيامه من خير وشر يا سادة، أجمل القول فيه أولًا ثم أسرده لكم بالتفصيل كالعادة؛ دخلت في مبادي أمري مدرسة المهندسخانة المشهورة، واقتبست من معلميها الفنون والآداب على أجمل صورة، ومنها انتقلت إلى مدرسة إنكليزية فتحوها بمصر البروتسطان، أتقنت فيها لغة المستر بول الخمران، وتعلق بعد ذلك طالعي بالأسفار، فسرت إلى إيطاليا وتعلمت لغتها من نثر وأشعار، وعدت وعمري خمسة عشر إلى مصر المحروسة، فوجدتها بولاية سعيد باشا مأنوسة، سعيد الذي كانت أيامه هناء وسرور.

وفي مدته ظفر الجيش المصري في حرب القرم المشهور، هذا القول في الكلام مجمل، ويحتاج إلى تفصيل ليكون للإفهام أجمل، ولي نوادر تارة تضحك القارئ، وأخرى تنبه من لم يكن بمجاري داري، وكل إنسان له في الحادثات نصيبه، تعلمه التجارب ومهما فرَّ منها لا بد أن تصيبه، وكل من كان على جبينه شيء يستوفاه، وما كان لي في الغيب رمَّال مغربي به فاه، وقال لي بلسانه الفاسي، يا ولدي تعمر طويلًا لكن ياما تقاسي، استمر جسورًا وامشي لقدام، فما بعد الضيق إلا الفرج ولك سعد خدام، إنما لطياشة الشبوبية أخذت كلامه في جانب الهزل، لكن وحياتكم كان لقوله صداقة في جميع ما فاه من تولية وعزل؛ لأن مصداقًا لما قاله هذا المغربي، صارعتني الهموم وأنا صبي، بمعاكسة حُسادي، على حسن اجتهادي، فما كنت أتهنى بمدح الأساتذة لي على اشتغالي بالدروس وعدم إهمالي؛ لأن كان فيها جل آمالي.٤٧

(١-٨) زيارة الشيخ أبي نظارة للأستانة العلية (بقلم صديقه محمود بك زكي)

figure

لا أحتاج في هذا المقام إلى تقديم حضرة الهمام الخطير والكاتب النحرير الشيخ «أبو نظارة» للقارئين الكرام؛ لأنه قد تكفلت بذلك جرائد العالم على اختلاف لغاتها وتباين غاياتها، وأجمعت على أن هو الرجل الوحيد الذي امتاز بالثبات في خطته والدفاع عن وطنه، فاتجهت إليه الأنظار، وتزينت بنشر ترجمته صحف الأخبار، وتسابقت الجرائد الخطيرة على إثبات رسمه الشائق بين صفحاتها، لا سيما وهو بتلك العمامة الضخمة المحبوكة الأطراف التي كأنها قبة الفلك، والجبة القطيفة والقفطان الآلاجة اللطيف، وصدره المرصع بالنياشين الذي كأنه وجهة محل أحد تجار الوسامات المختلفة الأشكال المتنوعة الألوان، حيث إنك ترى فيها الأبيض الناصع والأحمر اللامع والأصفر الفاقع والأخضر السندسي والأزرق الفيروزي وغير ذلك من الألوان الكثيرة التي تهيج الناظر وتشرح الخاطر، وهي تتلألأ على صدره الرحيب كأنها الدراري، فلا تظن أيها القاري الكريم أن قصدي من ذكر نياشين الأستاذ التفاخر بها؛ كلا، وإنما أنا قصدت بذلك المراح والكلام المباح، وإلا فجناب الشيخ لا يفتخر إلا بعلو همته، ولطالما سئل عن ذلك فقال ما قلناه، أليس هذا شأن أرباب الفضل والكمال؟

ولقد سمعت أحد الوجهاء يسأله عن وطنه فقال: أنا من أغنى خلق الله في الأوطان؛ لأن لكل واحد وطنًا واحدًا وأما أنا فلي ثلاثة أوطان؛ الأول مصر مسقط رأسي وأول أرضٍ مس جسمي ترابها، والثاني الأستانة العلية التي هي غاية أمالي ومنتهى قصدي في إنقاذ وطني الأول، والثالث فرنسا التي لها عليَّ حقوق الضيافة، ولذا فأراني محبًّا لهذه الأوطان الثلاثة.

وقد يبلغ الشيخ أبو نظارة من العمر ستين سنة، أمضى منها ما ينوف عن الخمسة وأربعين سنة في الدفاع عن الإنسانية بغير تعصب لفئة أو تحيز لجهة أو تشيع لغاية، ينادي باسم الحرية ويقول يجب أن يتمتع الإنسان بحريته الشخصية كتمتعه بحريته الفكرية، وهذا الكلام الذي ترتب عليه إبعاده عن وطنه الأول منذ إحدى وعشرين سنة؛ لأنه أول من قال: «مصر للمصريين.» وهي الكلمة التي لا زالت مرسومة نصب عينَي «أبي نظارة»، ولأبي نظارة الآن ثلاث جرائد («أبو نظارة»، و«التودد»، و«المنصف»)، وجميعها تصدر على التتابع في أوقاتها المعينة هذا فضلًا عما يكتبه من المقالات الرنانة في الجرائد الأفرنجية والعربية وما يلقيه من الخطب الطنانة في المحافل السياسية.٤٨

(١-٩) مقالة كتبتها جريدة «الحاضرة» التونسية عام ١٩٠٠، تحت عنوان «مسامرات الشيخ أبي نظارة»

figure

قالت جريدة «الحاضرة» الغراء، دامت لأبناء تونس الخضراء: لا حاجة لنا لتعريف حضرة القراء بالشيخ أبي نظارة وبترجمته، فقد طالما ذاكرناهم بخطبه ومسامراته السياسية وإفاداته الأدبية، ولا شك أن ذكره لم يبرح عن خاطرهم بما قام به في الحاضرة التونسية، من المذاكرة التي حضرها بعض آل البيت الحسيني ورجال السفارة وجم غفير من أعيان التونسيين وأدبائهم، وقد كتب الشيخ المومأ إليه على نفسه من نحو ٤٠ سنة عهدًا يعلمه الخاص والعام، وهو دحض الأباطيل والأراجيف ومقاومة الأفكار الباطلة التي يشيعها أهل الضلال بين الأمم والأقوام، من التعصبات الدينية التي حالت دون الوفاق، وكانت داعية الخلاف والشقاق بين أبناء البشر، فهو القائل: لو تواخت الأمم والأقوام لساد الأمن بين أفرادهم بالتمام. ولذلك تراه كلما تكلم في المجامع الأوروباوية أعلن بفضل القرآن العظيم ولكمال أئمة الإسلام وعلمائها، كما أنه كلما تكلم عن الإنجيل أمام جمع الإسلام صرح بما في هذا الكتاب من المكارم والآداب وبما بلغته الأمم المسيحية من الترقي في مضمار المدنية، فهو يؤمل من سعيه هذا التوفيق والتحايب بين الفريقين لا على معنى الرجوع من دين إلى آخر بل على معنى التقارب والتوادد؛ ولذلك طار صيته في الأقطار الشرقية والغربية، وبلغ ذكره الملوك والأمراء، واعتنى «دون بدره» سلطان البرزيل بالحضور للخطب التي ألقاها في هذا الغرض بلشبونه سنة ١٨٨٩، وبباريز سنة ١٨٩٠، فإنه خاطبه بقوله: «أنت إمام الأخوة الفعلية بين الأقوام البشرية، وأنت شاعر الملوك.» فهو أول من نظم قصيدة بست لغات مختلفة، وقد نظم منها ثلاثًا قدمها للرئيس كارنو وللرئيس لوبي ولجلالة السلطان عبد الحميد خان، وقد قال له الرئيس كارنو بهذه المناسبة: يا شيخ، بفضلك أصبحت فرنسا أول أمة مُجدت بست لغات.

أما الحضرة السلطانية فلا زالت تفيض عليه صنوف العناية وتغمره بالإحسان، وقد أنهت سنة ١٨٩١ سلامها العالي على يده للرئيس كارنو، ولما حظي العام الفارط بمواجهة فخامة مسيو لوبي ذكره بعهد السفر للأستانة، وأنهى على يده واجبات الاحترام للحضرة السلطانية، وبعد ذلك بشهر أهدى مولانا السلطان أعظم نشانًا عثمانيًّا يُهدى للملوك لفخامة رئيس الجمهورية، وكذلك جلالة شاه العجم لما كان بحمام كونتركبيل هذه السنة أحله ضيفًا عنده، وأجلسه بإزائه، وتبادل معه شعار الوداد، وأحسن إليه بالصنف الثاني من وسام الأسد والشمس، وكذلك أمراء أفريقيا وآسيا لهم مواصلة تامة معه، وقد قاموا فيها بشكره على نشره فضائل الإسلام في معرض باريز العام.

ولما كانت حكومة فرنسا عالمة بمقاصد الشيخ أذنت له بالكلام بساحة التروكاديرو وتحت إشراف كاتب سر مدير أقسام المستعمرات والبلاد المحمية ووكلائها وبحضور السيد حسن بن السيد عمر حاكم أنجوان من جزائر القمور، ورنت الجرائد الباريزية بذكر تلك المحادثات الأدبية السياسية التي حضرها أقوام شتى بين عرب وعجم، وقد كانت المذاكرة الأخيرة غاية في الاحتفال حضرها من التونسيين السيد علي البربوشي والسيد أحمد جمال، وقام السيد علي المذكور بواجب الجواب في هذا الباب وكانت القاعة غاصة بأفواج السامعين فوضح الخطيب عجائب المعرض وفوائده من حيث العلوم والتجارة والصنائع وامتدح أقسام الآفاق الأجنبية كل بلغته الوطنية، وكانت المسامرة بعشر لغات وهي أول مسامرة وقعت بهذه الألسن العديدة حتى اهتز السامعون طربًا لحديثه ورفعوه على الأكف، وصدحت بمديحه آلة الألحان المصرية بالمرسح الخديوي، ولما كان أمام القسم التونسي وقسم الجزاير ذكَّر الحاضرين بما كان لمن تقدم من ملوك الإسلام من صلات الوداد كالتي كانت بين هارون الرشيد وكارلوس الخاس والسلطان بيازيد وفرنسيس الأول ورئيس الجمهورية الحالي وجلالة السلطان عبد الحميد، فكان هذا المنظر العظيم شأنه لمن يستحكم روابط الألفة والوفاق، فنحن نشكر حضرة الشيخ على هذا السعي المشكور، ونسأل الله أن يثمر غرسه ويعيده إلى الحاضرة التونسية على الحالة المرضية.٤٩

مجموع جرائدنا سنة ١٩٠١

figure

سلامي عليك يا حضرة القاري، يا مطلع على جرائدي وداري بأخباري، أهدي إليك شكري على أقوالك الرفيعة، في خطاباتك الأنيقة وألفاظك البديعة، مدحًا في جرائدي الشرقية، وفي عربيتها الدارجة المصرية، وإن لم تكن مقالاتي الوطنية ورسوماتي الرونقية وعباراتي المسلية أهلًا لاعتناءاتك المرضية، وامتداحاتك الأخوية، ولم أبلغ من ذلك قيراطًا من أربعة وعشرين في جانب ظرائف أساتذتنا الشرقيين، ولكن هذا من فضل ربي ما قد وجدته لديك ولديهم من القبول، وعساه كما سخر لي القلوب أن يريحنا وإياكم من المستر بول.

واليوم أتشرف بإهدائكم يا كرام ما صدر من مجموع جرائدي طول العام، ترونه يا إخوان قد حوى نوادر عجب وصورًا مطبَّعة على المعاني طرب، فسَّرْتها بلسان الوز الإنكليزي، لتكون غيظًا للمستر بول وشفاء من كل داء لأبناء وطني العزيزي، وإن تفضلتم بالسؤال عني يا سادة كالعادة فأقول إني في هناء وسعادة، ونسيت ما مرَّ من المصائب التي كانت كالجمر، ولم أطلب من المولى سوى الستر إلى آخر العمر، كما قيل في الأمثال السائرة «انس الهم ينساك، وإن افتكرته أضناك.» هذا وإن رمتم الوقوف على أحوال جرايدي الثلاث يا خلان، فأقل إنها رائجة رغمًا عن أنف الإنجلشمان، طُبع من الأعداد التي ترونها في هذا الكتاب، مائة وخمسون ألف نسخة تصفحها أولوا السياسة والكُتَّاب، أما من قبل الخُطَب العلمية والسياسية التي ألقيتها بباريس والبنادر الفرنساوية فهي عشرون خطبة تمام، مدحها في صحفهم شرقًا وغربًا رصفائنا الفخام، وفي هذه الأعداد الوجيزة ترون دفاعي عن حقوق مصر العزيزة، وعن جميع إخواننا الشرقيين بلا التفاف إلى ملة ولا دين؛ لأن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، حب الجميع كإنسان واحد في صدر أبي نظارة، هذا وأنبئكم يا خلان بأن مولانا السلطان بتعطفاته الشاهانية صبحني على الشان، ولقبني بشاعر الملك وأشهرني جلالة شاه إيران، وشرفني برفيع الوسامات، وحلاني بجميل الكرامات، ملوك الزنجبار وتجرة وأنجزيجة والهنزوان.

١  وللمزيد عن أقوال صنوع في الماسونية، انظر: جريدة «أبو نظارة»، عدد ٢٤، ٩ / ٩ / ١٨٧٩، وعدد ١١، ٩ / ٦ / ١٨٨٢، وعدد ١٤، ٦ / ١٠ / ١٨٨٢، وعدد ١، ٢١ / ١ / ١٨٩١، وعدد ٤، ١٨ / ٤ / ١٨٩١، وعدد ١، ١٥ / ١ / ١٨٩٣، وعدد ٥، ١٠ / ٦ / ١٨٩٥، وعدد ٤، ١١ شعبان ١٣١٨، جريدة «المنصف»، عدد ٣، شعبان ١٣٢٠، جريدة «أبو نظارة»، عدد ٩، رجب ١٣٢٢، وعدد ١، ذو الحجة ١٣٢٣، وعدد ٧، رمضان ١٣٢٤، آخر عدد في ذي الحجة ١٣٢٨.
٢  صورة هذه المقالة منشورة في [الفصل الأول: إشارات صنوع المسرحية] من هذا الكتاب.
٣  المقصود ﺑ «شيخ الحارة» الخديو إسماعيل؛ لأن يعقوب صنوع كان يطلق عليه عدة أسماء، منها: شيخ الحارة، فرعون، الجندي، أبو السباع … إلخ.
٤  نشر صنوع في صحفه سلسلة مقالات، تحت عنوان «رسالة في ظلم شيخ الحارة»، يُقال إن كاتبها شيخ يُدعى «الشفعاوي». وهي مقالات في ذم الخديو إسماعيل. وقد نُشرت في جريدة «أبي نظارة» ابتداءً من ٣٠ / ٨ / ١٨٧٨، وانتهت في ١٧ / ٣ / ١٨٧٩.
٥  المقصود بكلمة «الرحلة» جريدة أبي نظارة؛ لأن يعقوب صنوع كان يطلق عليها اسم «رحلة أبي نظارة زرقا».
٦  المقصود بعبارة «يا قاتل الصديق»، الإشارة إلى مقتل إسماعيل صديق المفتش عام ١٨٦٨، وهو وزير المالية في عهد الخديو إسماعيل، ويُقال إن الخديو دبر مقتله وأغرقه في النيل؛ كي لا يفضح أمره في التلاعب بأموال الدولة. وقد تحدث صنوع عن هذه الحادثة أكثر من مرة في صحفه. انظر: جريدة «أبو نظارة»، عدد ٢، ١٤ / ١ / ١٨٧٨، وعدد ١١، في ٢٢ / ١٠ / ١٨٧٨، وعدد ١٧، في ٨ / ١٢ / ١٨٧٨، وعدد ١٩، في ٢١ / ١٢ / ١٨٧٨، وعدد ٢١، في ٨ / ١ / ١٨٧٩.
٧  المقصود ﺑ «القهوة واللومان والنيل» مظاهر ظلم وانتقام الخديو من رعيته؛ حيث شاع في عهده الموت بالقهوة المسمومة، والسجن في اللومان، والإغراق في النيل.
٨  أي إن يعقوب صنوع بدأ محاربة الخديو بإصداره لجريدته «أبي نظارة زرقا».
٩  وهي أسماء وهمية ابتكرها صنوع ليروي من خلالها محاوراته في صحفه.
١٠  إشارة إلى محاورة «الهرة والإنسان»، التي زعم صنوع أن كاتبها جمال الدين الأفغاني، وقد ناقشنا هذا الأمر سابقًا.
١١  المقصود ﺑ «عمه المشهور … الشيخ حليم» هو الأمير عبد الحليم بن محمد علي.
١٢  أي قبل صدور آخر عدد، وهو رقم ١٥ من جريدة «أبي نظارة» في مصر.
١٣  المقصود ﺑ «باشته ذو القرنين» أحمد خيري باشا؛ كما جاء في مذكرات صنوع المخطوطة، وقد تحدثنا عن هذا الأمر بالتفصيل سابقًا.
١٤  إشارة إلى محاولات الخديو إسماعيل لاغتيال يعقوب صنوع.
١٥  إشارة صريحة من صنوع على أنه سافر إلى فرنسا، ولم يُنف إليها!
١٦  إشارة إلى حقوق الأمير عبد الحليم بن محمد علي في حكم مصر؛ حيث إن الخديو إسماعيل استطاع أن يستصدر من السلطان العثماني فرمانًا بتغيير نظام الوراثة، وهو فرمان مشهور صدر في ٢٧ / ٥ / ١٨٦٦. فنظام الوراثة كان يقضي بتولي الخديوية أكبر أفراد عائلة محمد علي باشا. وقد تغير هذا النظام، تبعًا للفرمان، إلى تولي الخديوية أكبر أبناء أسرة الخديو إسماعيل. لذلك تولى الخديو توفيق الحكم، تبعًا للنظام الجديد، بدلًا من عمِّ أبيه الأمير عبد الحليم، الذي من حقه الخديوية تبعًا للنظام القديم. وهذا الأمر كان يردده صنوع في صحفه مرات كثيرة، ومن الصعب أن تجد عددًا واحدًا من أعداد صحف صنوع لم يُذكر فيه اسم «الأمير حليم» سواء بالتصريح أو التلميح!
١٧  جريدة «أبو نظارة زرقا»، السنة الثالثة، عدد ١٥، ١ / ٧ / ١٨٧٩.
١٨  نوبار باشا، تقلد رئاسة الوزراء مرتين؛ الأولى من ٢٨ / ٨ / ١٨٧٨ إلى ٢٣ / ٢ / ١٨٧٩، والثانية من ١٠ / ١ / ١٨٨٤ إلى ٩ / ٦ / ١٨٨٨.
١٩  كان صنوع دائمًا يطلق على الخديو توفيق عدة أسماء، منها: الواد، الواد الأهبل، الواد العبيط.
٢٠  صنوع هنا يقول إنه وُلد عام ١٢٥٧ هجرية. وهذا العام الهجري بدأ في ٢٣ / ٢ / ١٨٤١، وانتهى في ١٥ / ٢ / ١٨٤٢. وبالرغم من ذلك سنجده يقول فيما بعد إنه ولد عام ١٨٣٩.
٢١  صنوع يعترف صراحة بأن الخديو إسماعيل هو الذي رفته من المدارس، ولم يقم بذلك علي مبارك، كما جاء في بعض الدراسات. وقد ناقشنا هذا الأمر بالتفصيل سابقًا.
٢٢  هذا القول كان السبب بأن بعض الدراسات توهمت أن أحمد عرابي وأبطال الثورة العرابية كانوا من تلاميذ صنوع.
٢٣  حسن وحسين، من أبناء الخديو إسماعيل.
٢٤  موضوع هذا الخطاب تحدث عنه صنوع كثيرًا، سواء في مذكراته، أو في محاوراته المنشورة في صحفه، وعند مقارنتنا لقوله في هذا الموضوع وأقواله في الموضوعات الأخرى، وجدنا اختلافات كثيرة، تدل على أن يعقوب صنوع كثير الزعم، كثير الوهم، خصوصًا في علاقاته من الشخصيات العامة! وقصة هذا الخطاب بدأت عندما نشر صنوع في صحيفته [«أبي نظارة»، عدد ١٩، ٢٩ / ٧ / ١٨٧٩] فقرة، قال عنها إنها خطاب، جاء فيه: «في نمرة ١٥ من رحلة السنة الثالثة [أي عدد ١٥ من صحيفة «أبي نظارة»] وجدنا فيه ما نكره سماعه بخصوص خديوينا الحالي … إنه بريء مما ذكرتموه، وإنه على جانب عظيم من الفطنة والذكاوة وحب الوطن … ونحن جميعًا أهل القطر راضين عنه، ونتوسل إليك بأن لا تكدر خواطرنا بذكر شيء مماثل لما سبق؛ لأنك يا عزيزي من أهل هذا الوطن، وحب الوطن من الإيمان، والإيمان من سلامة القلب، فإن شاء الله عند تشريفك لوطننا السعيد بتوفيقه تسمع عنه ما يسرك، بل وترى بعينك ما يقرها؛ فإنا قد خلصنا والحمد لله من سابق كدر المعيشة، ونشكرك على سعيك خيرًا، ثم وهذا الجواب محرر برأي جمهور كثير من ضابطان الجهادية وأعيان خدمة الحكومة والضبطة، وهم جميعًا يقروك مزيد السلام.» هذا هو الخطاب وما جاء فيه. ويُلاحظ خلوه من أية أمور تحدث بها صنوع بعد ذلك، وهذه عادة صنوع في تخيل الأمور، والتحدث بمزاعم لا أصل لها، خصوصًا مع الشخصيات العامة كالخديو إسماعيل، وابنه الخديو توفيق!
٢٥  جريدة «أبو نظارة»، السنة ١١، عدد٢، ٢٨ / ٢ / ١٨٨٧. وإلى هنا انتهت ترجمة حياة صنوع، كما كتبها بنفسه ونشرها في صحفه.
٢٦  صورة هذه الديباجة منشورة في هذا الكتاب [الفصل الأول: إشارات صنوع المسرحية].
٢٧  جريدة «أبو نظارة»، السنة ١٥، مجموع عامين من جريدة أبي نظارة: العام الثالث عشر والرابع عشر ٨٩ و١٨٩٠. وغاستون لفبفر هو مدير مطبعة جريدة «أبي نظارة»، وهو كاتب مقدمة حديث المحرر.
٢٨  قول صريح من صنوع بنفيه، رغم قوله فيما سبق بسفره، من خلال قول صريح أيضًا!
٢٩  هذا القول غريب من صنوع؛ فكيف يطلب توفيق الأمير من صنوع أن يترجم له الصحف؟! فأين ديوان الترجمة الحكومي؟!
٣٠  نسي صنوع وهو يكتب ذلك التاريخ أنه كان في فرنسا!
٣١  المقصود بالشيخ «ج. أ.» أحد شخصين؛ الأول الشيخ جيمس أبو نظارة؛ أي صنوع، وهذا غير وارد؛ لأن يعقوب صنوع كان في فرنسا أثناء وقوع هذا الأمر، إذا كان وقع بالفعل! والثاني الشيخ جمال الدين الأفغاني، ولعله المقصود في كلام صنوع! ولكننا نرى أن القصة التي يرويها صنوع، إذا كانت حقيقية لكنا قرأنا عنها في مذكرات الأفغاني، أو في أي كتاب عن الأفغاني! لذلك فنحن نعتقد — تبعًا لمزاعم صنوع — أنها قصة خيالية، أراد صنوع إقحام اسم الأفغاني فيها؛ للدلالة على علاقته الحميمة به!
٣٢  إذا عاد القارئ إلى مخاطبات صنوع في ترجمة حاله السابقة، وقرأ هذه الواقعة، سيجد أن الخديو توفيق انصرف دون أن يُعلق بكلمة واحدة! وهذا يدل على أن يعقوب صنوع يتوهم ويزعم كثيرًا في كتاباته!
٣٣  من الملاحظ أن مضمون خطاب توفيق لصنوع جاء هنا بصورة مختلفة عن مضمون نفس الخطاب، عندما نُشر في صحف صنوع، وأيضًا جاء بصورة مختلفة عن مضمون نفس الخطاب، عندما تحدث به صنوع من قبل!
٣٤  المقصود به فرمان تغيير نظام الوراثة الذي صدر عام ١٨٦٦، وتحدثنا عنه سابقًا.
٣٥  جريدة «أبو نظارة»، السنة ١٦، عدد ٢، في ٢٥ / ١ / ١٨٩٢.
٣٦  صورة هذه المقالة منشورة في هذا الكتاب [الفصل الأول: إشارات صنوع المسرحية].
٣٧  هذا الأمر لم يقل به صنوع في أي عدد من أعداد صحفه، ولو كان صحيحًا لكان صنوع ذكره وضخَّمه بشتى صنوف الأقوال والمزاعم! وبالرغم من ذلك، فقد ذكر د. إبراهيم عبده أقوالًا مشابهة، نقلها من المذكرات المخطوطة، وقد فندناها سابقًا!
٣٨  لم يصدر صنوع هذه الصحيفة عام ١٨٧٦، أو في أي تاريخ آخر! ولم يقل صنوع بذلك، وهذا الأمر على خطأه نقله فيليب طرازي في كتابه «تاريخ الصحافة العربية»، ومن ثم اعتمد عليه بعض الدارسين!
٣٩  جريدة «أبو نظارة»، السنة ٢٠، عدد ٥، في ٢٨ ذي القعدة سنة ١٣١٣ [الموافق ١٨٩٦].
٤٠  جريدة «أبو نظارة»، السنة ٢٢، عدد ١، ٩ / ١ / ١٨٩٨.
٤١  كان صنوع دائمًا يصف الإنجليز بالجراد أو بالجراد الأحمر.
٤٢  جريدة «المنصف»، السنة الأولى، عدد ٣، في ٥ ذي الحجة سنة ١٣١٦ (الموافق ١٨٩٩).
٤٣  نلاحظ هنا أن يعقوب صنوع يقول إنه ولد عام ١٨٣٩، رغم أنه قال فيما سبق إنه ولد عام ١٢٥٧ هجرية، تلك السنة الواقعة بين عامي ١٨٤١ و١٨٤٢.
٤٤  جريدة «أبو نظارة»، السنة ٢٣، عدد ٤، ١٥ ذي الحجة سنة ١٣١٦.
٤٥  جريدة «التودد»، السنة ٨، عدد ٤، ٢٥ ذي الحجة سنة ١٣١٦.
٤٦  جريدة «المنصف»، السنة الأولى، عدد ٤، في ٦ محرم سنة ١٣١٧.
٤٧  جريدة «أبو نظارة»، السنة ٢٣، عدد ٥، في ١٥ محرم سنة ١٣١٧، وعند هذا الموضع، قال صنوع: «البقية تأتي»، وفي جريدة «التودد»، عدد ٥، ٢٦ محرم سنة ١٣١٧، قال تحت عنوان «نزهة من تاريخ وطني الغالي ونبذة من ترجمة حالي»: «معذرة مني إلى قرائي لعدم إلحاقي في هذا العدد الجملة الاعتيادية التي أزيِّن بها كل مرة هذه الصحيفة من ذلك الكتاب، إنما بمنه — تعالى — يصير إدراجها في العدد القابل من جريدة التودد.» ولكنه لم يكمل هذا التاريخ مطلقًا، لا في جريدة «التودد»، ولا في أية جريدة أخرى!
٤٨  جريدة «أبو نظارة»، السنة ٢٣، عدد ٧، في ١٨ ربيع الأول سنة ١٣١٧، وقد اكتفينا فقط بنقل مقدمة رحلة صنوع للأستانة؛ لأنها تدخل ضمن المعلومات المنشورة عن صنوع في صحفه، تلك المعلومات التي استُخدمت في إعادة صياغة مذكرات صنوع المخطوطة كما أوضحنا سابقًا، وللتعرف على تفاصيل رحلة صنوع إلى الأستانة، كما سردها صديقه، انظر جرائد: «التودد»، عدد ٦، ١٨ ربيع الثاني ١٣١٧، «المنصف»، عدد ٦، ٥ جمادى الأولى ١٣١٧، «أبو نظارة»، عدد ٨، ١٩ جمادى الأولى ١٣١٧، «التودد»، عدد ٧، ٥ جمادى الثاني ١٣١٧، «أبو نظارة»، عدد ٩، ٢٠ جمادى الثاني ١٣١٧، «المنصف»، عدد ٧، ١١ رجب ١٣١٧، «أبو نظارة»، عدد ١٠، ١١ شعبان ١٣١٧.
٤٩  جريدة «المنصف»، السنة الثانية، عدد ٣، ٢٤ رجب ١٣١٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤