الفصل الثامن

مسرح يعقوب صنوع في الدراسات الحديثة

(١) عبد المنعم صبحي

أول دراسة كُتبت بعد نشر د. نجم لمسرحيات صنوع، كانت في أغسطس عام ١٩٦٣. كتبها عبد المنعم صبحي، تحت عنوان «يعقوب صنوع رائد المسرح القومي». وهذه الدراسة نقلت جميع صفحاتها من دراسات؛ د. إبراهيم عبده، د. أنور لوقا، د. محمد يوسف نجم، دون الإشارة إليها إلا في نقاط محددة فقط.١ ولعل صاحب هذه الدراسة أراد أن يأتي بجديد كدليل على تفرده، وأيضًا لعدم اتهامه بالنقل المُطابق من الدراسات السابقة عليه؛ فأتى بأشياء جديدة نذكر بعضها!
قال صاحب الدراسة: «يقول الرحالة «بيتس» إن يعقوب صنوع كان ينتقل من قصر إلى قصر، ومن خان إلى خان؛ ليعلم أبناء الخديو والباشوات، من صبيان وبنات اللغات … إلخ.» وعند اسم «بيتس» وضع هامشًا قال فيه: «بيتس: أحد الرحالة الإنجليز الذين زاروا مصر عام ١٨٧٩.»٢

ولنا أن نتصور تأثير هذا القول على أي دارس قرأ هذه الدراسة! فمن المؤكد أنه سيؤمن به، ويعتقد بأن هناك أحد الرحالة الإنجليز عرف يعقوب صنوع عن قرب وكتب عنه هذه المعلومات، هذا بالإضافة إلى تأثير وضع الأسماء الأجنبية في الدراسات العربية على القراء، خصوصًا الرحالة الأجانب. فمن هو «بيتس» هذا؟!

«بيتس» هو اسم لَفقَه كاتب الدراسة؛ ليوهم القارئ بسعة اطلاعه، وليأتي بجديد في دراسته هذه، رغم أنه نقل هذا الجزء بنصه من كتاب د. إبراهيم عبده، الذي قال: «ويصف محرر جريدة SATURDAY REVIEW طرائق العيش التي اتبعها أبو نظارة، فيقول إنه كان يتنقل من قصر إلى قصر ومن خان إلى آخر؛ ليعلم أبناء الخديو والباشوات من صبيان وبنات اللغات … إلخ.»٣
ولم يكتفِ عبد المنعم صبحي بذلك، بل وجدناه يقوم بإثبات أقوال لآخرين لم تأتِ في دراساتهم؛ فمثلًا وجدناه يُدلل على سبق صنوع لإنشاء المسرح العربي قبل اللبنانيين بفقرة كبيرة، أشار إلى أنه اقتبسها بنصها من كتاب د. محمد يوسف نجم «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، وبالرجوع إلى الكتاب لم نجد هذه الفقرة، ولا نعلم من أين أتى بها عبد المنعم صبحي!٤
كما وجدناه أيضًا يقول: «وكما يقول الناقد الفرنسي «جان لويس بارو» إن قضية إنشاء مسرح عربي في ذلك الوقت كانت مسألة في غاية الصعوبة، لم يستطع أن يضطلع بمهامها غير يعقوب صنوع وحده … إلخ.»٥
ولنا أن نتصور أيضًا تأثير مثل هذا القول الذي يأتي من ناقد فرنسي عن صنوع، بالإضافة إلى تأثيره على القارئ، عندما يعلم أن هناك ناقدًا أجنبيًّا تحدث عن صنوع وقت إنشائه للمسرح في مصر! والحقيقة أن هذا القول لم يكن لأي ناقد أجنبي، بل هو رأى د. إبراهيم عبده، عندما ذكره في كتابه!٦

ولم يكتفِ عبد المنعم صبحي بما سبق، بل أضاف — إلى دراسات مسرح يعقوب صنوع — مصدرًا مهمًّا كتبه يعقوب صنوع ونشره في مصر، وقد ذكره الدارس هكذا: ««حياتي نظمًا ومسرحي نثرًا»، يعقوب صنوع، القاهرة ١٨١٢»!

وهذا المرجع أيضًا له تأثير هدام على القارئ، وذلك عندما يعلم أن يعقوب صنوع نشر قصة حياته «باللغة العربية»، ومكان النشر «القاهرة»، والزمن عام ١٨١٢! وهذا المرجع لا يمكن أن يكون جاء في الدراسة من قبيل الخطأ المطبعي؛ لأنه تكرر مرتين.٧ والحقيقة أن هذا المرجع نُشر باللغة الفرنسية وفي باريس عام ١٩١٢، وذكره من قبل د. إبراهيم عبده، ود. أنور لوقا، هكذا: MA VIE EN VERETS THEATRE EN PROSE!٨
وبعد كل هذا، اختتم عبد المنعم صبحي حديثه عن صنوع قائلًا: «واليوم ونحن نحيي ذكرى مرور ١٢٤ عامًا على مولد يعقوب صنوع، لا بد وأن نذكر أعماله المسرحية، ودوره في إنشاء المسرح العربي. ونذكر دوره في الصحافة والأدب، وبشكل عام نذكر دوره كرائد من رواد النهضة الثقافية الوطنية المعاصرة التي لعبت دورها جنبًا إلى جنب مع الحركة الوطنية التي ناضلت الاستعمار والإقطاع لتحقيق الاستقلال الوطني. وإنه لجزء أساسي من ثورتنا الثقافية، التي نسعى لتحقيقها اليوم، أن نحيي كل التراث الوطني، ولنحقق مزيدًا من التقدم الفكري والأيديولوجي، لنعكس التطورات التي تمَّت وتتم في بلادنا مع انتصارات الثورة الاشتراكية وتقدمها.»٩ وهكذا أصبح لصنوع ذكرى يتم الاحتفال بها، كرائد للنهضة الثقافية الوطنية‍ في مصر!

(٢) فاروق عبد القادر

في عام ١٩٦٥ كتب فاروق عبد القادر دراسة عن فجر المسرح العربي، تناول فيها إشارة عبد الرحمن الجبرتي، عن مسرح الحملة الفرنسية بالأزبكية، في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، كأول إشارة عن المسرح الحديث. ثم تطرق بعد ذلك إلى إشارة إدوارد وليم لين، عن فرقة المحبظاتية، ومن ثم قال: «وتصمت المراجع بعد ذلك، فلا نكاد نجد فيها شيئًا يُذكر. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نحدد بداية المسرح العربي في مصر بسنة ١٨٧٠ حين ارتفعت الستار للمرة الأولى في مسرح يعقوب صنوع (حسب رواية صنوع نفسه).»١٠

وقيمة هذا القول تتمثل في أن الكاتب لم يجد في المراجع القديمة أية إشارة تثبت وجود مسرح صنوع، إلا أقوال صنوع نفسه عن مسرحه، على الرغم من أنه وجد إشارات مسرحية قبل سنة ١٨٧٠ بسنوات عديدة!

ثم نجد الكاتب بعد ذلك يتحدث عن دور مارون النقاش، ثم القباني، حتى يصل إلى صنوع، فيقول: «قد أصبحت شخصية صنوع — على أقلام الكُتاب والدارسين — أقرب إلى الشخصية الأسطورية؛ فقد دخل — أو أُدخل — مجال تاريخ الكفاح الوطني المصري، وردد الكُتاب قضية مؤداها أن الخديو إسماعيل قد أغلق مسرحه؛ لأنه تعرض فيه لقضايا سياسية.»١١

وهنا نلاحظ أن الكاتب؛ أولًا: لا يوافق الدارسين السابقين، ممن كتبوا عن صنوع، عندما جعلوه شخصية أسطورية! ثانيًا: شكه في تاريخ صنوع؛ فلم يحدد هل دخل صنوع في التاريخ بصورة طبيعية، أم أُدخل بفعل فاعل؟! ثالثًا: عدم اقتناعه بغلق مسرح صنوع بسبب تعرضه للقضايا السياسية، وللأسف لم يهتم الكاتب بالأمرين الأول والثاني، واهتم فقط بالأمر الأخير!

وهذا الأمر، الذي يخص إغلاق مسرح صنوع، ناقشه فاروق عبد القادر بصورة منطقية، عندما سرد من التاريخ بعض الحقائق السياسية، مثل بذخ الخديو إسماعيل، وإرهاقه لشعبه بفرض الضرائب، وأيضًا الاستدانة، ومن ثم المطالبة بالحياة النيابية … إلخ! وهنا وجدناه يقول: «أين يقف مسرح يعقوب صنوع من هذا كله؟ إن النصوص المنشورة له وجميعها تُنشر لأول مره تشير إلى الإجابة، وهي على أقل تقدير تثير الشك.»١٢
وهنا يبدأ الكاتب في دراسة سريعة لنصوص مسرحيات صنوع، ويؤكد مقولة د. نجم — من خلال دراسته — بأن يعقوب صنوع قد غيَّر أو عبث بنصوص مسرحياته! ويصل بذلك إلى نتيجة، يقول فيها: «إن أي تصور سياسي يُلصق بمسرح يعقوب صنوع إنما هو تصور وهمي لا يستند إلى أساس. أغلب الظن أن أسبابًا مادية هي التي أدت به إلى إغلاق مسرحه.»١٣

ورغم قصر هذه الدراسة، إلا أنها أول دراسة لنصوص صنوع المسرحية، المنشورة من قبل د. نجم. وقد وصل صاحب الدراسة إلى نفي أسباب غلق مسرح صنوع، المعروفة للجميع! وهذا الأمر يُحسب لصاحب هذه الدراسة؛ لأنه تأكيد آخر لنفس النتيجة التي وصل إليها د. نجم من قبل!

(٣) زكي طليمات

علمنا فيما سبق أن زكي طليمات لم يعترض على قول محمد تيمور، بريادة سليم النقاش، دون أي ذكر عن صنوع، عندما كتب طليمات مقدمة كتاب تيمور «حياتنا التمثيلية»، ثم وجدناه في عام ١٩٤٦ يكتب مقالة ويذكر فيها ريادة صنوع المسرحية، متأثرًا بكتاب طرازي «تاريخ الصحافة العربية»، كما مرَّ بنا! ولكن في سبتمبر ١٩٦٥ وجدنا زكي طليمات ينشر كتابًا — في الكويت — بعنوان «التمثيل … التمثيلية … فن التمثيل العربي».

وفي هذا الكتاب تحدث طليمات عن مسرح صنوع، من خلال مقالته السابقة، وأيضًا من خلال دراسات بعض الدارسين — خصوصًا كتاب د. محمد يوسف نجم — دون الإشارة إلى هذه الدراسات.١٤ ولم يأتِ طليمات بجديد عن صنوع، إلا في فقرة قال فيها: «وألف «أبو نضارة» فرقة من الشباب، هواة المسرح، تولى هو تدريبهم وقيادتهم؛ فكان للفرقة مديرها، وكاتب مسرحياتها، ومخرجها، وممثلها الأول. وظلَّت هذه الفرقة التي أطلق عليها اسم «فرقة الكوميدي» تعمل من ١٨٧٠–١٨٧٢ على «مسرح الكوميدي»، وقدَّمت خلالها حوالي ثلاثين مسرحية، بعضها من خمسة فصول، والبعض الآخر من فصل واحد، ثم توقفت عن العمل بعد ذلك. وهناك رأى يؤكد أن السبب في توقف الفرقة ثم تسريح أعضائها هو أن «أبو نضارة» تناول في إحدى مسرحياته نقد حالة اجتماعية خاصة، لعلها مسألة تعدد الزوجات، فحسب الخديو إسماعيل حاكم البلاد والمتصرف في أمورها أنه هو المقصود بهذا النقد، فكان أن أصدر أمرًا بنفي «أبو نضارة»، فسافر إلى باريس تاركًا فرقته التمثيلية تختفي على مهل.»١٥
ولنا على هذا القول، عدة ملاحظات:
  • أولًا: قول طليمات بأن اسم «فرقة الكوميدي» هو الاسم الذي أُطلق على فرقة صنوع المسرحية؛ لا أساس له من الصحة؛ لأن هذا الاسم لم يُطلق على هذه الفرقة، ولم يقل بذلك أي دارس سابق، حتى صنوع نفسه لم يطلق هذا الاسم على فرقته!
  • ثانيًا: قال طليمات إن فرقة صنوع مثَّلت على مسرح الكوميدي. وعند اسم هذا المسرح وضع هامشًا قال فيه: «وهو غير المسرح الذي أنشأه «بونابرت» عام ١٧٩٩،١٦ إذ أقامت الحكومة هذا المسرح الجديد، وتم افتتاحه يوم ٤ / ١ / ١٨٦٩؛ أي قبل افتتاح «دار الأوبرا» التي بُنيت في نفس العام ولكنها افتتحت في نوفمبر ١٨٦٩.»١٧ وهذا التحديد يعني به طليمات «مسرح الكوميدي الفرنسي»، وأمام هذا الأمر نقول أيضًا: لم يقل أي إنسان بأن فرقة يعقوب صنوع مثَّلت على هذا المسرح، هذا بالإضافة إلى أن مسرح الكوميدي الفرنسي، لم تُمثَّل عليه في ذلك الوقت أية مسرحية باللغة العربية، وأخيرًا نقول إن هذا المسرح تم افتتاحه في ٤ / ١ / ١٨٦٨.١٨
  • ثالثًا: قول طليمات بأن يعقوب صنوع تم نفيه بسبب مسرحه؛ قول غير دقيق؛ لأنه نُفي — تبعًا لأقواله وأقوال جميع من كتبوا عنه — بسبب إصداره لصحيفة «أبي نظارة» وهجومه فيها على الخديو إسماعيل.
  • رابعًا: قول طليمات بأن يعقوب صنوع ترك فرقته تختفي على مهل؛ لا أساس له من الصحة، وقد ناقشنا هذا الاحتمال سابقًا.
وبالرغم مما سبق، إلا أن ما جاء في هذا الكتاب عن مسرح صنوع كان له تأثير كبير في دول الخليج العربي؛ لأن هذا الكتاب كان أول كتاب منشور باللغة العربية عن المسرح العربي في دولة الكويت، التي تُعتبر رائدة في مجال المسرح في منطقة الخليج، وأيضًا كان هذا الكتاب أول مقرر دراسي على طلاب أول معهد مسرحي في الكويت ودول الخليج؛ لأن زكي طليمات كان يُدرسه على طلاب مركز الدراسات المسرحية بالكويت. وقد آمن طلاب هذا المركز بكل ما جاء في الكتاب! هؤلاء الطلاب الذين أصبحوا الآن رواد الحركة المسرحية في دول الخليج العربي.١٩

(٤) عبد الحميد غنيم

إذا نظرنا نظرة عامة على جميع الدراسات والمقالات السابقة، التي تحدثت عن يعقوب صنوع؛ سنلاحظ خلوها من وجود كتاب كامل عن مسرحه! وأول من قام بهذا الأمر كان عبد الحميد غنيم، عندما كتب كتابه «صنوع رائد المسرح المصري» عام ١٩٦٦.٢٠ وهذا الكتاب استطاع صاحبه أن يعتمد فيه على معظم الدراسات السابقة عليه، سواء أشار إليها، أو لم يشر، ورغم ذلك فهناك نقاط محددة، قام صاحب الكتاب بتفسيرها بصورة لم يقم بها أصحاب الدراسات السابقة.
فمثلًا عندما نقل عبد الحميد غنيم من كتاب د. إبراهيم عبده محاولات الخديو إسماعيل قتل صنوع، وجدناه يقول: «أعتقد أن ما ذكره صنوع بشأن محاولة الخديو اغتياله، لم يكن سوى مجرد توهمات وتخيلات كان يحاول بها تضخيم مركزه، وتفخيم ما قام به من عمل، لتتجه إليه الأنظار وتشير إليه الأيدي، وبذلك يكتسب الرأي العام معه، عندما يُعلن على الملأ أن خصمه ليس فردًا عاديًّا، بل الخديو بكل ما لديه من قوة.»٢١
وتفسير الكاتب لهذه المحاولات بأنها من توهمات وتخيلات صنوع؛ تفسير غير دقيق؛ لأن يعقوب صنوع في حديثه عن هذه المحاولات لم يكن يسرد ظنونًا أو أوهامًا أو تخيلات، بل كان يسرد وقائع لها أكثر من دليل. فصنوع يقول عن محاولات اغتياله من قبل الخديو إسماعيل: «بينما كنت أتنزه في شبرا مساء أحد أيام مايو سنة ١٨٧٨ خارج مدينة القاهرة بصحبة عجوز فرنسي اسمه الكابيتين جيرار؛ انقض عليَّ أحد زبانية الخديو وطعنني بسكين، فسقطت على الأرض، بينما جرى الكابيتين جيرار خلف الطاعن وهو ينادي رجال الشرطة ليقبضوا عليه، بيد أن رجال الشرطة تركوه يهرب حسب التعليمات … ولما فشلت تلك المحاولة تلتها أخرى؛ فبينما كنت أقرع باب منزلي حوالي منتصف الليل دوَّى صوت طلق ناري، ومرَّت الرصاصة على بعد سنتمتر واحد من رأسي. إن الثقب الكبير الذي تركته في الباب ما زال موجودًا.»٢٢

وهكذا نلاحظ أن يعقوب صنوع في سرده لمحاولات قتله جاء بأدلة مثل صديقه الفرنسي جيرار، وعدم مبالاة الشرطة، وثقب الباب … إلخ! وهذه الأدلة تشهد بأن حديثه لم يكن تخيلات؛ فإما أن حديثه حقيقي، وإما أن حديثه كاذب. ولا أعلم لماذا لم يجرؤ أي دارس حتى الآن أن يتهم يعقوب صنوع بالكذب؟! ولماذا يصف الدارس أكاذيب صنوع بالمبالغة والتوهم والخيال؟!

وإذا عدنا إلى كتاب عبد الحميد غنيم — مرة أخرى — سنجده يضيف معلومة جديدة إلى تاريخ مسرح صنوع، لم تأتِ من قبل، وهي «إعلانات مسرحيات صنوع»، وعن هذا الأمر قال: «كانت الإعلانات ضرورية قبل عرض المسرحية؛ ذلك لإخبار الناس عن موعد تقديم المسرحية، وعن نوعها، وكان إلى جانب الإعلانات التي تُعلق في الميادين والشوارع العامة لجذب الجمهور إلى مشاهدة المسرحية، كانت هناك الدعاوى المجانية التي تُوزع للدواوين والمصالح الحكومية والوزارات، وبعض الموظفين الرسميين، كما يحدث الآن في توزيع مثل هذه الدعاوى المجانية، التي تُعتبر أيضًا كنوع من الإعلان، ولكن بصورة مستترة غير مباشرة. ويوضح لنا حديث «حسن» و«متري» في أول المسرحية٢٣ أن طريقة الإعلانات كانت بدائية تلائم العصر الذي عاشت فيه المسرحية؛ لأن فن الإعلان في ذلك الوقت لم يكن قد اتخذ شكلًا فنيًّا ملحوظًا. ويوضح «متري» ذلك بقوله: «يا أبا الحسن، أنا كنت في انتظارك، اتحفني يا جدع بأخبارك … هل علقت يا عم الإعلانات أو فرقت الأوراق على الأهالي والذوات؟»»٢٤

ومن المُلاحظ أن موضوع قيام صنوع بوضع إعلانات مسرحياته في الميادين والشوارع استقاه عبد الحميد غنيم من مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه». وهنا نسأل: لماذا لم يذكر صنوع هذه المعلومة المهمة في صحفه أو في مذكراته المخطوطة؟! وإذا صح هذا الزعم الجديد فمن المؤكد أن الصحف كانت ستتحدث عنه، خصوصًا وأنه أسلوب غير مسبوق. وبالبحث وجدنا بالفعل خبر أول إعلان مسرحي يُلصق ويُعلق في ميادين القاهرة وشوارعها، ولكن للأسف لم يكن لمسرحيات صنوع، بل كان لمسرحيات الأوبرا!

figure

قالت مجلة «وادي النيل»، في أكتوبر١٨٧٠: «شاهد كل إنسان في هذه الأيام الحاضرة بشوارع مدينة القاهرة مُعلقًا على الحيطان والجدران صورة إعلان يتميز للعيان بغرابة شكله، ويستوقف المارة ببداعة طبعه وشغله، يقول لسان حال إنسان وقف عليه وحدق النظر إليه مع كونه لم يفهم من ألفاظه معناه ولم يعلم فحواها:

ولم أفهم معانيها ولكن
شجت قلبي فهيجني شجاها
وذلك أنه مطبوع باللغة الإيطاليانية على فرخ من الكاغد طويل عريض، وشكل من حروف الطبع غريب مستقبض؛ يتضمن أنه بأمر الحضرة الخديوية العلية سيُفتح اللعب في تياترو الأوبرا الكائن بالأزبكية في يوم الأحد الآتي أول شهر نوفمبر القابل «٥ شعبان؛ بتصوير اللعبة المشهورة عند الطوائف الأوروباوية باسم «لافاووريته أي «المحظية»، وهي عبارة عن قطعة تياترية من نوع القطع المسماة باسم «درام»؛ (أى قصيدة شعرية تتضمن تصوير بعض الوقايع التاريخية بطريقة مضحكة أو مبكية)، منقسمة إلى أربعة فصول، يتخللها ألحان موسيقية مع بعض تخليعات أخرى مسلية ورقص وعزف من بعض القيان أي الراقصات الأفرنكيات، وغير ذلك من الفنون التي تسلي قلب كل محزون، وقد جعل متحصل إيراد التياترو في تلك الليلة معدًّا لإعانة الجرحى والمرضى من كل الفئتين المتحاربتين في الحرب القائمة الآن بين البروسية والفرنساوية، وانتقل هكذا ربح هذه اللذات الدنيوية إلى وجه الخيرات الأخروية، ومن أراد التبرع بشيء ما غير أجرة الدخول فليسلمه إلى من هو منوط بذلك داخل باب التياترو المذكور ليقيد باسمه في دفتر مخصوص هناك لذلك. وابتداء اللعب من الساعة ٨ وربع «أفرنكية» من المساء (أي على نحو الساعة ٢ من الليل عربية)، وهذا بيان أثمان المحلات لمن أراد من أبناء العرب وحضرات الذوات الكرام ذوي الميسرات أن يغتنم هذه الفرصات ويقتسم حظ هذه الخيرات قبل الفوات: ١٠ فرنك على الكراسي المتقدمة وراء طقم الموسيقى، ٧ على الكراسي المتأخرة، ٦٥ الخلوة الأرضية، ٧٥ الخلوة من الدور الأول، ٥٣ الخلوة من الدور الثاني، ٢ المجلس على المدرج في الدور الثالث. وقد أدرجنا هنا مضمون هذا الإعلان مع بعض تفصيل وبيان ليعرف منه كل أحد حقيقة المقصود ويقف فيه على بيت القصيد ويهرع إليه كل من يريد.»٢٥

وإذا نظرنا إلى تاريخ نشر هذا الإعلان، سنجده نُشر في أكتوبر ١٨٧٠، أي في نهاية أول أعوام نشاط صنوع المسرحي، تبعًا لأقواله! أي بعد نشره لإعلانات كثيرة عن مسرحياته، إذا وضعنا في الاعتبار الكم الكبير لعروضه المسرحية — كما قال — فكيف نصدق كلام صنوع، الذي جاء ضمن حوار في إحدى مسرحياته، ونتغافل عن حديث منشور في مجلة حقيقية الوجود؟! بل وقد لاحظنا إسهاب المجلة في وصف وشرح شكل ومضمون الإعلان؛ لأنه أول إعلان مسرحي يُعلق بالفعل في مصر! فأين إعلانات مسرحيات صنوع من هذه الحقيقة، التي نُشرت في فترة وفاق صنوع مع الخديو إسماعيل — كما زعم صنوع في مذكراته؟!

ولعل تأثير مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» كان كبيرًا على عبد الحميد غنيم؛ فلم يكتفِ بتفسير ما جاء فيها من حوار عن موضوع الإعلانات، فجعله حقيقة في تاريخ مسرح صنوع، بل اتبع نفس الأسلوب فيما يخص علاقة صنوع بدرانيت باشا، وبعلي مبارك. يقول عبد الحميد غنيم، تحت عنوان «وشاية الحاسدين وغلق المسرح»: «لقد كان للنجاح الذي أحرزه مسرح صنوع بالغ الأثر في دفع بعض أعداء المسرح المصري عامة، وصنوع خاصة، وكان على رأسهم «درانيت باشا» مدير مسرح الكوميدي الفرنسي إلى السعي لدى الخديو إسماعيل والإيعاز إليه بفشل المسرحيات التي يقدمها مسرح صنوع؛ وذلك طمعًا في غلق المسرح المصري الوليد الذي كاد أن يكون منافسًا خطيرًا للفرق الأجنبية، ويذكر لنا صنوع هذه الحادثة بقوله على لسان ممثليه:

متري : والله يستاهل لأنه قاسى عذاب أليم في إنشاء التياترو العربي العظيم، ودرانيت باشا رئيس الأوبرا والتياترو الفرنساوي اللي كان أصله أجزجي لهلباوي، وكان يضرب حقن لعباس باشا، كان لإنشاء التياترو العربي أكبر عدو ودشمان. إنما جمس واد جدع ومكار طلع عليه خامه وخلَّى دمه فار.
استطفان : ياما ضحك الخديو إسماعيل ليلة ما لعبنا في قصر النيل على لعبة راستور وشيخ البلد والقواص. وقال لدرانيت: جمس ماهوش خباص، أهو نجح وعلم التشخيص لأولاد وبنات اللي عمرهم ما رأوا تياترات.»٢٦
وعداوة درانيت باشا٢٧ لإنشاء المسرح العربي في مصر، كما جاءت في حوار المسرحية؛ عداوة لا أساس لها من الصحة؛ لأننا فيما سبق أثبتنا من خلال المقالات المنشورة أن درانيت باشا كان من المهتمين بإنشاء المسرح العربي، بدليل تعاونه مع سليم خليل النقاش، عندما شجعه الخديو إسماعيل لإنشاء أول مسرح عربي في مصر!
أما علاقة صنوع بعلي مبارك، فيقول عنها عبد الحميد غنيم: «ولم يقتصر الأمر على كيد الأجانب له، بل كان «علي مبارك» أيضًا يسعى بكل جهده لغلق مسرح صنوع، ويشرح لنا ذلك من خلال مسرحية «موليير مصر» بقوله: كنت راجل مرتاح متهني، وكان الهجوم بعيدًا عني، واليوم اللي دخلت التياترات، وانشغلت في تأليف الروايات، رفعت وانشليت وانتلف حالي، وتركني التلامذة، وتعطلت أشغالي وبقى لي عوازل وعدوين، من الغيرة بالجرائد عليَّ نازلين، لكن أنا أتحمل كيد وغيظ الأعادي على شان خاطر بلادي. مثلًا صار لي ثلاث سنين أدرس بالمهندسخانة، وجميع التلامذة مني مبسوطة فرحانة، فلما أنشأت التياترو العربي الناظر المكار، علي باشا مبارك غار، خصوصًا لما أمره أفندينا يزود لي الماهية، حالًا أمر برفتي من المدارس الملكية.»٢٨
ونلاحظ على هذا القول أن يعقوب صنوع كان مدرسًا بالمهندسخانة لمدة ثلاث سنوات، ثم أنشأ مسرحه في نفس الفترة! وهذا يعني أن يعقوب صنوع كان مدرسًا ومسرحيًّا في آن واحد؛ بدليل قيام علي مبارك برفته من المدارس؛ لأنه لا يستطيع أن يمنعه من التمثيل. وإذا عدنا إلى ما سبق سنجد أن يعقوب صنوع عمل مدرسًا بالمهندسخانة — تبعًا لأقواله — بداية من عام ١٨٥٤، والتاريخ يقول إن علي مبارك منذ عام ١٨٥٤ وحتى عام ١٨٥٦ كان خارج مصر يُحارب في معركة «القرم» بين العثمانيين والروس!٢٩
figure
خطاب تكليف علي مبارك بوزارة المعارف عام ١٨٨٨.
وإذا أخذنا بأقوال صنوع أنه أنشأ مسرحه عام ١٨٧٠، وكان يعمل مدرسًا في نفس الفترة، ورفته علي مبارك؛ سنلاحظ أن يعقوب صنوع يقصد أن الرفت كان أثناء تولي علي مبارك وزارة المعارف. وإذا قرأنا التاريخ سنجده يخبرنا بأن علي مبارك تولى وزارة المعارف مرتين؛ الأولى في أغسطس ١٨٧٨، في فترة نظارة نوبار باشا؛٣٠ أي إن علي مبارك أصبح وزيرًا للمعارف بعد سفر صنوع إلى فرنسا بأيام معدودة، والثانية كانت أثناء فترة نظارة رياض باشا ابتداءً من عام ١٨٨٨،٣١ وحتى عام ١٨٩١؛٣٢ أي بعد سفر صنوع إلى فرنسا بعشر سنوات!
ومن الجدير بالذكر أن علاقة صنوع بعلي مبارك، كما جاءت في حوار مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه»، تختلف تمامًا عما جاء بخصوصها في صحف صنوع المنشورة؛ فصنوع يقول في صحفه إن رفته من المدارس كان بأمر من الخديو إسماعيل،٣٣ لا بأمر من علي مبارك، هذا بالإضافة إلى أن يعقوب صنوع كان يُمطر وزراء إسماعيل، وخصوصًا علي مبارك، بوابل من الشتائم والاتهامات، في صحفه،٣٤ ولم يذكر مطلقًا علاقته به فيما يخص التدريس أو الرفت، كما هو واضح من الوثيقتين الآتيتين!

وعلى الرغم من إثباتنا أن ما جاء في مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» غير حقيقي، خصوصًا موضوع الإعلانات المسرحية، وعلاقة صنوع بدرانيت باشا، وبعلي مبارك باشا، إلا أنها وللأسف أصبحت فيما بعد من الحقائق الأساسية في تاريخ مسرح صنوع، عندما اعتمد عليها الدارسون بعد ذلك.

وبالرغم مما سبق، إلا أن كتاب عبد الحميد غنيم، يُعد من الدراسات الإيجابية؛ حيث إنه أول كتاب يهتم بدراسة نصوص اللعبات التياترية، ويقوم بتحليلها تحليلًا علميًّا، مثل ««الواد المرق وأبو شادوف الحدق»، «شيخ الحارة»، «جرسة إسماعيل»، «زمزم المسكينة»»، وذلك من خلال المقدمات المنطقية والمواقف والصراع والشخصيات … إلخ.٣٥
وإذا كان عبد الحميد غنيم أول من درس وحلل اللعبات التياترية، المنشورة في صحف صنوع، فهو أيضًا أول من درس وحلل المسرحيات المنشورة من قبل د. نجم، والتي نُسبت لصنوع، مثل ««بورصة مصر»، «العليل»، «أبو ريدة البربري ومعشوقته كعب الخير»، «الصداقة»، «الأميرة الإسكندرانية»، «الضرتين»»، وذلك من خلال الفكرة والمواقف والصراع والشخصيات والحوار … إلخ.٣٦

(٥) د. علي الراعي

من الجدير بالذكر أن قيام د. محمد يوسف نجم بنشر المسرحيات المنسوبة إلى صنوع، شجع الدارسين لتناول هذه النصوص بالدراسة والتحليل. فبعد دراسة عبد الحميد غنيم لهذه المسرحيات، وجدنا أيضًا د. علي الراعي يقوم بدراستها، ولكن من وجهة نظر أخرى. وهذه الدراسة نُشرت في عام ١٩٧١،٣٧ وقد اهتمت بتطبيق تقاليد الكوميديا الشعبية، ومسرح الأراجوز، وخيال الظل، والكوميديا الأوروبية؛ على النصوص المسرحية المنسوبة إلى صنوع.
وعلى الرغم من عدم تطرق د. علي الراعي إلى تاريخ مسرح صنوع، أو إبداء أي شك حول صنوع ومسرحه ونصوصه، إلا أن قيامه بتطبيق ما سبق من قواعد وتقاليد لفنون الكوميديا الشعبية على هذه النصوص؛ كان بمثابة الإضافة الجديدة لدراسة هذه النصوص. أما المسرحيات المستخدمة في هذه الدراسة، فكانت: «السواح والحمَّار»، «الضرتين»، «أبو ريدة وكعب الخير»، «الصداقة»، «العليل»، «الأميرة الإسكندرانية»، «البورصة».٣٨

(٦) رشدي صالح

في عام ١٩٧٢ تحدث رشدي صالح عن مسرح صنوع، ضمن حديثه عن مسيرة المسرح العربي. وعلى الرغم من عدم تعمق الكاتب في تاريخ مسرح صنوع، تبعًا لفترة كتابه الزمنية، إلا أنه جاء بفقرات مُركزة، تُعد إضافة لتفسير بعض المواقف المحددة في حياة ومسرح صنوع. ولأن هذه الفقرات لا تحتاج منا إلى تفنيد أو مناقشة؛ حيث إن كلماتها لها دلالات معينة أرادها الكاتب؛ لذلك سنوردها دون أن نُعلق عليها لوضوح معناها.

يقول رشدي صالح عن علاقة صنوع بالإسلام: «أما يعقوب صنوع، فمختلف في اتجاهه وموقعه من فن المسرح. وإذا تذكرنا أنه كان أحد المثقفين من أقلية دينية (اليهودية)، وأن أسرته وهو بذاته كانوا محسوبين على بعض الأمراء وأنه كان يحتمي بحماية إيطالية؛ أمكننا أن نفهم شيئًا من مواقفه العامة، ونشاطه المسرحي والصحفي. إن حديثه عن نشأته يعبر عن حساسية مفرطة بالنسبة لعقيدته ووضعه، فهو يزعم ذلك الزعم الذي يجعل من مولده أمرًا مرتبطًا بولي مسلم. كما أنه يكثر من ذكر القرآن ومحمد بن عبد الله — عليه الصلاة والسلام. ونحن نميل إلى تفسير هذا السلوك منه بأنه كان تعبيرًا عن حساسية دينية مفرطة أو عقدة نقص. وفي خطبة الافتتاح لرواية «الضرتين» بدأ بقراءة أجزاء من «سفر التكوين» عن خلق آدم وحواء، ثم تعرض بعد ذلك لتعدد الزوجات، مبتدعًا تفسيرًا لا يُطمأن إليه، وخلاصة هذا التفسير أن الآيات الكريمة التي ترخص للمسلم بأن يتزوج مثنى وثلاث ورباع إنما جاءت لتنقد تعدد الزوجات، ولم ترد لتبيح هذا الأمر. وهو تفسير خاطئ.»٣٩
ويقول أيضًا عن علاقة يعقوب صنوع بالماسونية: «ونحن نعرف أن يعقوب صنوع كان ماسونيًّا يتباهى بحماية الماسونية له، كما يفخر بحماية قناصل الدول، ويقول: «ولما كنت في حماية الماسونية التي كان يخشاها الخديو كثيرًا وفي رعاية جميع القناصل الأوروبيين الذين كانوا يتلقون دروس العربية؛ فإن إسماعيل لم يكن يستطيع قتلي.» وبصرف النظر عن مبالغته وزعمه بأنه كان مُعلمًا لجميع القناصل الأوروبيين، وأنه كان في رعايتهم جميعًا، فنحن نعرف ما يكفي عن علاقته بالجاليات الأجنبية والأقلية اليهودية والماسونية التي هاجمها جمال الدين الأفغاني أستاذ صنوع، في الوقت الذي كان صنوع على علاقة طيبة بها.»٤٠
وأخيرًا يُدلي رشدي صالح برأيه في إحدى مسرحياته، قائلًا عن صنوع: «وهو يبالغ في أثر مسرحه، كما يبالغ في أثر صحفه، وفكره وأهميته الشخصية، وعندما نراجع «موليير مصر وما يقاسيه» المطبوع عام ١٩١٢، تهولنا هذه المبالغات، التي تبدو وكأنها أخلاط من طموحه وخياله، أكثر من كونها وثيقة تؤرخ لنشاطه التمثيلي.»٤١

(٧) د. نجوى عانوس

مرت سنوات عديدة، كُتبت فيها دراسات كثيرة عن مسرح صنوع، دون أن تضيف جديدًا؛ فكل ما قامت به هذه الدراسات تمثل في إعادة ما جاء في الدراسات السابقة عن مسرح صنوع، سواء أشارت إليها، أو لم تشر. والسبب في ذلك راجع إلى أن أغلب هذه الدراسات لم يكن اهتمامها الأول مسرح صنوع، بل كان مسرح صنوع جزءًا من هذه الدراسات نفسها، تبعًا لموضوعاتها.٤٢
وظل حال الدراسات هكذا، حتى قامت د. نجوى عانوس بنشر كتابها «مسرح يعقوب صنوع» عام ١٩٨٤. وهذا الكتاب على وجه التحديد هو آخر دراسة شبه متكاملة عن مسرح صنوع، بل هو من أعظم الدراسات التي كُتبت عن مسرح صنوع حتى الآن! فإذا كان كتاب د. إبراهيم عبده «أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر» هو أهم كتاب عن صنوع بصفة عامة، وعن صحفه بصفة خاصة، فإن كتاب د. نجوى عانوس يُعتبر الكتاب الثاني في الأهمية بصفة عامة، والكتاب الأول عن مسرح صنوع بصفة خاصة! ذلك الكتاب الذي اعتمد عليه كل من فكر في استخدام يعقوب صنوع كبطل في إبداعه المسرحي.٤٣
وأهمية هذا الكتاب ترجع إلى أنه جمع كل شاردة وواردة عن مسرح صنوع. بل وتناولت فيه د. نجوى عدة مراجع لم يتطرق إليها أيُّ دارس سابق عليها؛ مثل كتاب صنوع «حُسن الإشارة في مسامرات أبي نظارة»، وأيضًا مسرحية «الزوج الخائن»، وأخيرًا بعض المقالات الفرنسية المنشورة في صحف صنوع، والتي تحدثت عن صنوع ومسرحه، سواء كُتبت بقلمه، أو كتبها أصدقاؤه،٤٤ والمنشور صور بعضها هنا:

وبالرغم من أهمية هذا الكتاب، إلا أنها أهمية محصورة في وجود مسرح صنوع في مصر؛ أي إن الكتاب يخدم كل من اعتقد بنشاط صنوع المسرحي في مصر، وهذا يعني أن الكتاب لم يناقش فكرة وجود أو عدم وجود صنوع كمسرحي، بل هو يسير منذ البداية على مبدأ ريادة ونشاط صنوع كمسرحي في مصر!

وبالرغم من ذلك وقعت د. نجوى تحت تأثير مغالطات صنوع، عندما تحدثت عن سفره لإيطاليا على نفقة الأمير أحمد يكن، قائلة: «وقد لمس صنوع في إيطالية مدى تأثير المسرح على شعبها وعظمة رسالته في قيادة الجماهير وتوجيهها الوجهة السليمة، بالإضافة إلى رسالته الترفيهية؛ ولذلك درس الفن المسرحي الإيطالي، وقرأ الأدب التمثيلي الإيطالي، كما أنه كان حريصًا على مشاهدة العروض المسرحية. يقول صنوع: «درست كبار المؤلفين المسرحيين؛ درست جلدوني باللغة الإيطالية، وموليير بالفرنسية، وشريدان بالإنجليزية.» ثم هو يقرر في صراحة تامة أن قراءاته ومشاهداته للمسرح الإيطالي ولَّدتا في نفسه فكرة إنشاء مسرحه العربي في القاهرة في عام ١٨٧٠.»٤٥

وهذا القول يشير إلى أن يعقوب صنوع قام بهذا النشاط في إيطاليا، رغم أنه ذكر هذا الكلام في محاضرته عام ١٩٠٣، على أنه تأثر بالمسرح الإيطالي، عندما كان يمثل ضمن فرقة إيطالية على مقهى بالأزبكية؛ أي إن التأثير والتأثر كان في مصر لا في إيطاليا!

وهذا التناقض لم تلتفت إليه د. نجوى، ولم تناقشه، رغم أنها أوردت بنفسها هذا التناقض، عندما قالت بعد صفحتين فقط: «ثم عزم صنوع على تأسيس مسرحه، وساعده على ذلك مشاهدته للمسرحيات الفرنسية والإيطالية؛ إذ يقول: «كنت أرى جميع التمثيليات التي تُقدم في ذلك المقهى؛ إذ كانت الفرنسية والإيطالية اللغتين اللتين أحببتهما حبًّا جمًا … فالهزليات والملاهي والغنائيات والمسرحيات العصرية التي قُدمت على ذلك المسرح هي التي أوحت إليَّ بفكرة إنشاء مسرحي العربي».»٤٦ وعند كلمة «المقهى» وضعت الدكتورة هامشًا قالت فيه: «يقصد صنوع بالمقهى مسرح الكوميدي فرانسيز.» أي مسرح الكوميدي الفرنسي الموجود بالأزبكية.
ومن شدة إيمان د. نجوى بوجود مسرح صنوع في مصر، لم تكتفِ بمبالغات ومغالطات صنوع؛ فوجدناها تأتي بتفسيرات وتخريجات غريبة؛ فمثلًا وجدناها تذكر احتمالًا غريبًا لغلق مسرح صنوع في مصر، عندما تحدثت عن حقيقة تاريخية — نقلًا عن عبد الرحمن الرافعي — وهي قيام الشيخ محمد العباس المهدي — شيخ الإسلام ومفتي الديار — بحركة تنويرية عام ١٨٧٠. ثم وجدناها تقول: «لقد نادى هذا الشيخ بإصلاح مصر ونظام التعليم بالأزهر. وفي عهده عبر عدد من طلاب الأزهر عن اهتمامهم بمسرح صنوع، وقلدوه والتفوا حوله. وقد أثار هذا الموقف حفيظة الخديو على مصر. ومن هؤلاء الشيوخ الذين التفوا حول صنوع الشيخ محمد عبد الفتاح، الذي أهدى إليه مأساة «ليلى»، فقامت فرقته بتمثيلها. وربما كان التفاف مشايخ الأزهر حول صنوع من العوامل التي أغضبت إسماعيل عليه، وأدت إلى إغلاق مسرحه.»٤٧

وغرابة هذا التفسير، الذي لم يأتِ من صنوع نفسه — رغم مبالغاته — لم نقرأه فيما سبق من الدراسات، ولم نقرأ أن طلاب الأزهر اهتموا بمسرح صنوع، حتى الشيخ محمد عبد الفتاح لم يكن له علاقة بصنوع في مصر، بل تعارفهما تمَّ في باريس، كما بيَّنا سابقًا! وهذه الافتراضات، التي ذكرتها الدكتورة على أنها حقائق، انتهت بها إلى نتيجة أن إغلاق مسرح صنوع كان بسبب التفاف مشايخ الأزهر حول صنوع! وهذه نتيجة رتبتها على مقدمات غير صحيحة.

ومن الأدلة على إيمان الدكتورة بكل ما قاله صنوع، وجدناها تقرُّ بأن اللعبات التياترية المنشورة في صحف صنوع كانت تُمثَّل من قِبَل شباب مصر. وعن هذا الأمر، تقول: «فقد نشر صنوع في صحفه كثيرًا من اللعبات التياترية والمحاورات والنوادر التي تدل على أن ارتباطه بالمسرح قد استمر على الرغم من نزول مسرحياته من فوق خشبة المسرح إلى أوراق الصحف، فقد كان شباب مصر يقومون بتمثيل هذه اللعبات التياترية والمحاورات والنوادر في مسامراتهم وأمسياتهم.»٤٨
وردًّا على هذا القول، نقول: إذا كنا لم نجد أية إشارة عن مسرح صنوع، فكان من الأولى أن نجد، ولو إشارة واحدة، عن تمثيل شباب مصر لهذه اللعبات المنسوبة لصنوع! ولكننا للأسف لم نجد أي شيء، والسبب في إقرار الدكتورة بتمثيل هذه اللعبات في مصر، ما جاء في صحف صنوع، عندما قال له أبو خليل في نهاية إحدى اللعبات: «… يسلم فُمك يابو نضارة، آدي الحكايات اللي تتلذ منها أولاد بلدنا؛ لأنهم يشخصوها في البيوت ويحصل منها تأثير عظيم.»٤٩
ووصل إيمان د. نجوى عانوس بكل ما قاله صنوع في مذكراته أنها قالت نقلًا عنها: «لقب الخديو إسماعيل صنوع بموليير مصر؛ لأنه ترجم ثلاث مسرحيات لموليير («مريض الوهم»، «البخيل»، «طرطوف»)، وعرضها على مسرحه.»٥٠ ونست الدكتورة أن هذا القول ذكره د. إبراهيم عبده من قبل، ولكن بصورة مخالفة، عندما قال على لسان صنوع، نقلًا عن مذكراته أيضًا: «وعندما أسست المسرح في القاهرة جاءني في أسبوع واحد ثلاث تراجم لكي أمثلها على خشبته؛ وهي تراجم: «البخيل»، و«المريض بالوهم»، و«ترتوف».»٥١ فالدكتورة تقرُّ بأن يعقوب صنوع ترجم هذه المسرحيات، وسبقها د. إبراهيم عبده، وأقرَّ بأن هذه المسرحيات لم يترجمها صنوع، بل جاءته مترجمة في الأصل! ونحن لن نناقش هذا الأمر؛ لأننا ناقشناه فيما سبق.
ومن الجدير بالذكر أننا بيَّنا فيما سبق أن مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» كتبها صنوع من أجل إقحام تاريخ نشاطه المسرحي المزعوم في مصر! وهذا يعني أنها كُتبت في فرنسا، ولم تُكتب ولم تُمثل في مصر. ولحُسن الحظ أن د. نجوى عانوس قامت بتحقيق حول هذا الأمر، ووصلت فيه إلى إثبات نصف النتيجة التي توصلنا إليها، عندما قالت: «أعتقد أن صنوع كتب هذه المسرحية مرتين؛ فكتبها في المرة الأولى بالنثر البسيط لكي تمثلها فرقته أمام الجمهور الشعبي، وكتبها في المرة الثانية في عام ١٩١١ للقراءة فقط (دون التمثيل) بالنثر المسجوع، ولكي يثبت أنه قادر على الكتابة بأسلوبين، أسلوب يفهمه عامة الشعب المشاهد لمسرحياته وهو النثر البسيط، وأسلوب يرضي طبقة القراء المتعلمين وهو النثر المسجوع. ولم نعثر على النسخة الأولى من هذه المسرحية.»٥٢

ومهما يكن من أمر نتيجة الدكتورة، إلا أنها نتيجة تثبت أن يعقوب صنوع كتب مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» المنشورة، في باريس لا في مصر، وإذا وضعنا في الاعتبار عدم العثور على النسخة الأولى، المفترض وجودها، سنجد أننا نقرُّ فقط بالنسخة الثانية المنشورة؛ أي إن احتمال وجود النسخة الأولى غير وارد، وهذا يؤكد فكرتنا الأساسية بأن مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» كتبها صنوع من أجل إيهام القراء بنشاط مسرحه المزعوم في مصر!

ومن إيجابيات كتاب د. نجوى عانوس — التي تؤكد فكرتنا بعدم وجود أي نشاط مسرحي لصنوع في مصر — أنها أثبتت أن معظم المقالات الفرنسية التي كُتبت عن مسرح صنوع في مصر، ونُشرت في صحف صنوع في باريس؛ هي مقالات لأصدقاء صنوع.٥٣ أي إنها مقالات معتمدة ومأخوذة من أقوال صنوع نفسه، وكُتبت إما مجاملة له وإما باتفاق مسبق بين صنوع وبين كُتابها، لإثبات نشاط صنوع المسرحي في مصر!

وبالرغم من الملاحظات السابقة، الموجهة لكتاب د. نجوى، فيما يخص الجوانب التاريخية لمسرح صنوع في مصر؛ إلا أن قيمة الكتاب الحقيقية تتمثل في الدراسة النقدية التحليلية المتعمقة لنصوص اللعبات التياترية، وأيضًا لنصوص المسرحيات المنسوبة لصنوع!

فقد وجدنا د. نجوى تقوم بحصر وتصنيف دقيقين للعبات التياترية، مع ذكر نُبذ مختصرة عنها، وأماكن نشرها في الصحف.٥٤ ثم قامت بنفس الشيء بالنسبة للمحاورات.٥٥ هذا بالإضافة إلى حديثها عن المصادر الفنية لمسرح صنوع؛ من حيث تأثره بالكوميديا الشعبية، مثل «الأراجوز» و«شاعر الربابة» و«الحكواتي»، وبعض الكتب التراثية الفكاهية. وأيضًا تأثره بالمسرح الغربي، مثل موليير وجولدوني وشريدان.٥٦ وأخيرًا تطرقت الدكتورة إلى الدراسة الفنية لمسرح صنوع؛ من حيث البناء، ووحدة الموضوع، والشخصيات، واللغة … إلخ، حتى الرسومات الكاريكاتيرية قامت بدراستها، وتفسيرها.٥٧

(٨) د. لويس عوض

في عام ١٩٨٦، كتب د. لويس عوض دراسة عن صنوع، ضمن كتابه «تاريخ الفكر المصري الحديث». وهذه الدراسة على وجه الخصوص جاءت بأقوال غريبة وعجيبة، وصلت إلى حدِّ الشطح، الذي لم يأتِ من قبل صنوع نفسه رغم مبالغاته ومزاعمه الكثيرة! وهذه الأقوال سنقسمها إلى قسمين؛ الأول: ما يخص مسرح صنوع، والآخر: ما يخص حياته وأنشطته الأخرى.

وفيما يخص مسرح صنوع، قال د. لويس عوض: «المعروف أن يعقوب صنوع أسس مسرحه عام ١٨٧٠ تحت رعاية الخديو إسماعيل وبتشجيعه، ولكن هذه الرعاية الملكية لم تدم طويلًا؛ بسبب غضب إسماعيل فيما يقال من إحدى مسرحياته الاجتماعية الساخرة، وهي «الضرتان»، التي يهاجم فيها يعقوب صنوع تعدد الزوجات … بعد سنتين — أي في عام ١٨٧٢ — من الرعاية الملكية الكاملة الشاملة، حلَّ الفتور الملكي الكامل الشامل، فاضطر يعقوب صنوع إلى إغلاق مسرحه سنوات طويلة، ولم يُعِدْ افتتاحه إلا في أواخر السبعينات قبيل نفيه من مصر بأمر إسماعيل عام ١٨٧٨.»٥٨
وهذا القول الغريب، الذي يزعم فيه د. لويس أن مسرح صنوع تم افتتاحه مرة أخرى عام ١٨٧٨؛ لا أساس له من الصحة؛ لأن في هذا العام كان المسرح العربي الموجود في مصر هو مسرح يوسف الخياط. وكانت الصحف المحلية تتحدث عن نشاطه.٥٩ وإذا كان لصنوع أي نشاط مسرحي، لكانت ذكرته الصحف، كما ذكرت أنشطة فرقة يوسف الخياط!
ثم يتابع د. لويس عوض حديثه الغريب، قائلًا: «إن يعقوب صنوع ترك لنا ٣٢ مسرحية أخرج أكثرها في مصر … هذا المحصول الوفير لم يكن في الإمكان أن يكون ثمرة سنوات قليلة في السبعينات، ولذا فمن المنطقي أن نفترض أن نشاط صنوع المسرحي بدأ في الستينات.»٦٠ ولا نعلم لماذا وضع د. لويس احتمال بداية نشاط صنوع المسرحي في الستينات، ولم يضع احتمال كذب صنوع في كتابته لهذا العدد الكبير من المسرحيات في عامين فقط؟!
ولم تتوقف نتائج د. لويس عوض عند هذا الحد، بل وجدناه يصرح بأشياء عجيبة، معتبرًا إياها من الحقائق المُسلم بها! ومن ذلك قوله: «وقد كان من أهم أفضال يعقوب صنوع على المسرح المصري أنه كان أول من استخدم الممثلات على خشبة المسرح في مجتمع شديد المحافظة، فاكتشف فتاتين فقيرتين على شيء من الموهبة ودربهما وقدمهما بعد شهر واحد من البروفات. ولم يُسمع عن أحد استخدم العنصر النسوي في التمثيل بعد ذلك إلا إسكندر فرح الذي كانت نجمة فرقته بعد ١٨٩٥ الممثلة اليهودية أستر شطاح.»٦١
وإذا كنا قد ناقشنا من قبل موضوع استخدام صنوع لممثلتين، إلا أن قول د. لويس بأنه لم يسمع عن استخدام العنصر النسائي إلا في فرقة إسكندر فرح، عام ١٨٩٥، من خلال أستر شطاح! فنحن نعارضه قائلين: أول من استخدم العنصر النسائي في المسرح العربي في مصر كان سليم خليل النقاش عام ١٨٧٦.٦٢ والثاني كان يوسف الخياط، من خلال الممثلة هيلانة بيطار عام ١٨٨٥.٦٣ والثالث كان ميخائيل جرجس صاحب «جوق السرور»، من خلال الممثلة لطيفة عبد الله عام ١٨٩١!٦٤
ومن غرابة أقوال د. لويس عوض أنه أتى بكلام نسبه إلى صنوع في مذكراته، لم يقل به صنوع؛ وذلك عندما قال: «وفي «مذكرات» يعقوب صنوع أن مسرحه أُعيد افتتاحه في ١٨٨٠؛ أي بعد خلع إسماعيل بعام واحد، واستمر يعمل في عهد توفيق وعباس الثاني.»٦٥ وهذا يعني أن مسرح صنوع ظلَّ يعمل من عام ١٨٨٠ إلى عام ١٨٩٢.
والرد على هذا الزعم يتمثل في أن يعقوب صنوع في هذه الفترة كان في باريس، فكيف أعاد فتح مسرحه في مصر؟! وإذا نحينا هذا الرد جانبًا، سنقول: إذا صدق د. لويس في زعمه، فلماذا لم نجد أية إشارة عن مسرح صنوع في هذه الفترة (١٨٨٠–١٨٩٢)؟! خصوصًا وأن في أثنائها كانت فرق كثيرة تمارس نشاطها المسرحي في مصر، وكانت الصحف تتابع هذا النشاط!٦٦ فلماذا لم تذكر هذه الصحف أية إشارة عن مسرح صنوع؟!
أما إذا أتينا إلى أقوال د. لويس عوض، فيما يخص حياة وأنشطة صنوع، بعيدًا عن المسرح؛ سنجدها أقوالًا أكثر غرابة؛ فمثلًا نجده يقول عن صنوع: «عُيِّن في ١٨٦٣ مدرسًا للغات الأجنبية في مدرسة المهندسخانة … فمن خلال عمله كأستاذ للغات اتسعت دائرة تأثيره بين المثقفين من طلاب الهندسة والعلوم العسكرية والحقوق والإدارة. واستطاع أن يفجر في تلامذته من الشباب الوطنية وحب الحرية والمدنية وحقوق الإنسان … والمهم في كل هذا أن جيل الضباط الذي علمه يعقوب صنوع في مدرسة المهندسخانة كان أكثرهم نفس الجيل القلق الذي انضم إلى عرابي في الثورة العرابية.»٦٧
وهذا القول أراد منه د. لويس أن يوحي للقارئ بأن يعقوب صنوع كان أستاذًا لرجال وقادة الثورة العرابية، وقد أكد هذا الإيحاء بعد صفحات قليلة، قائلًا: «كانت أكثر الفئات إقبالًا على محفل التقدم وعلى جمعية «محبي العلم» هما الطلاب والضباط. وأن العسكريين كانوا أكثر إقبالًا على جمعية «محبي العلم». وكانت الاجتماعات في المحفل والجمعية تُعقد أربع مرات في الأسبوع، وتأخذ صورة محاضرة يلقيها صنوع في أغلب الأحوال، وأحيانًا يلقيها سواه تعقبها ندوة، وكان «أحمد عرابي» أحيانًا بين المتكلمين.»٦٨
وهكذا جعل د. لويس عوض الزعيمَ أحمد عرابي من مريدي صنوع، ومن تلاميذه، بل وجعله ممن شجعوا يعقوب صنوع على إصدار جريدته «أبو نظارة»؛ عندما اختلق حديثًا لا أساس له من الصحة، موهمًا القراء بأنه مُقتبس من مذكرات صنوع. وعن هذا الزعم الجديد، يقول د. لويس: «وكانت الفكرة الأولى من إصدار الجريدة أن يشترك في تحريرها الأفغاني ومحمد عبده ويعقوب صنوع، ثم انفرد بها صنوع. وكان الأفغاني يشجع صنوع على إصدار جريدة كما فعل مع أديب إسحاق وعبد الله النديم. وفي الوقت نفسه نجد أن صنوع يقول في «مذكراته» إن الذين شجعوه على إصدار جريدة ثورية تدعو للحرية وتوقظ الشعب من سباته هم العسكريون: أحمد عرابي وعلى فهمى وعبد العال حلمي.»٦٩
ولم يكتفِ د. لويس بهذه المزاعم، بل أضاف إليها أن يعقوب صنوع زار مصر سرًّا في عام ١٩٠٥، وعن هذا الأمر قال: «زار صنوع مصر خِلسة في عام ١٩٠٥، ولم يقضِ فيها إلا أسبوعًا بين الإسكندرية والقاهرة، تحت اسم سائح أميركي هو مستر ديك DICK … كانت بمثابة رحلة لتقصي الحقائق. وبالطبع وجد صنوع مصر التي عاد إليها شيئًا يختلف تمامًا عن مصر التي تركها، أو فلنقل إنه شاخ فأحسَّ بأنه لم يعد له دور حقيقي يؤديه في الحركة الوطنية.»٧٠
figure
وهذه الزيارة المزعومة لم يهتم بها أي دارس سابق؛ لأنها من مزاعم صنوع العديدة. هذا بالإضافة إلى أن يعقوب صنوع ذكرها مرتين؛ الأولى عام ١٨٨٤، والثانية عام ١٩٠٦. والقصة في المرتين واحدة، وكأن يعقوب صنوع نسي أنه كتبها عام ١٨٨٤ فأعادها مرة أخرى عام ١٩٠٦ على أنها قصة جديدة‍. والغريب أن د. لويس عوض لم يُشِرْ إلى مصدر هذه القصة؛ لأنه لا يعلم أنها نُشرت في صحف صنوع مرتين.٧١

والسؤال الآن: من أين أتى د. لويس عوض بهذه الأقوال والتفسيرات الغريبة، التي لم يذكر معظمها أي دارس سابق عليه، بل ولم يذكرها صنوع نفسه؟! ولماذا جاء د. لويس بأقوال زعم أنها من مذكرات صنوع، وهي في الحقيقة لم تأتِ في هذه المذكرات؟! ولماذا لم يُشِرْ د. لويس عوض إلى مصدر أغلب معلوماته المزعومة؟!

الحقيقة أن السبب الأساسي وراء كل هذه الأمور أن د. لويس عوض اعتمد على مرجع واحد، في جميع نقوله، وهو كتاب صدر باللغة الإنجليزية عام ١٩٦٦، من جامعة «هارفارد الأمريكية»، يحمل عنوان «الرؤى العملية ليعقوب صنوع» لإيرين جندزير،٧٢ التي قامت بتفسيرات غير منطقية، ووضعت احتمالات غير مستساغة، بَنَت عليها أقوالًا غريبة وعجيبة، نقلها د. لويس عوض دون التدقيق فيها أو مناقشتها! ووصل الأمر في أغلب الأحيان إلى قيام د. لويس بالنقل من هذا الكتاب دون الإشارة إليه! والأغرب من ذلك أنه لم يعتمد في دراسته على أية دراسة عن صنوع سبقته، ولم يعتمد أيضًا على صحف ومذكرات صنوع نفسه، واكتفى فقط بالنقل من كتاب إيرين جندزير بما فيه من مبالغات وأكاذيب!٧٣
ثم توالت الدراسات عن مسرح صنوع بعد ذلك، من خلال النقل من الدراسات السابقة، دون أية إضافة تذكر.٧٤ ولم يشذ عن ذلك سوى دراستين؛ الأولى للدكتورة نجوى عانوس، عندما قامت بنشر ودراسة عدد كبير من نصوص اللعبات التياترية، المنشورة في صحف صنوع، والمنسوبة إليه، دون التطرق إلى تاريخ مسرح صنوع، أو مناقشة حقيقته.٧٥ والدراسة الأخرى كانت للدكتور مدحت الجيار، عندما قام بدراسة بعض نصوص اللعبات التياترية، ونصوص المسرحيات المنسوبة إلى صنوع!٧٦

(٩) د. سعيدة محمد حسني

وبالبحث عن الدراسات التي كُتبت عن صنوع، وجدنا كتابًا نُشر عام ١٩٩٣، عن «اليهود في مصر» للدكتورة سعيدة محمد حسني. وعلى الرغم من أن كل ما ذُكر في هذا الكتاب عن صنوع كان منقولًا من الدراسات السابقة، إلا أننا وجدنا الدكتورة تقول في إحدى فقرات الجزء الخاص بصنوع:

«كان إنشاء المسرح العربي في مصر سنة ١٨٧٠، على يد ابن صنوع بالرغم من الآراء المختلفة التي ذكرت أن مصر عرفت المسرح على يد سليم النقاش، والبعض في هذه الآراء ذكر أنها عرفته على يد شوقي. إلا أن التاريخ أثبت خطأ هذين الرأيين؛ فبالنسبة للرأي القائل إن مصر عرفت المسرح على يد سليم النقاش، يمكن القول إن فرقة سليم النقاش هذا قد أتت إلى مصر سنة ١٨٧٦، أي بعد معرفة مصر بالمسرح. أما بالنسبة للرأي الثاني القائل بأن مصر عرفت المسرح على يد شوقي فيمكن الرد عليه بأن أدب شوقي كان مترجمًا ومتأثرًا بالأدب الفرنسي. ومن هنا يتضح أن مسرح ابن صنوع هذا كان مسرحًا عربيًّا منفردًا وقد وُلد هذا المسرح على مقهى حديقة الأزبكية سنة ١٨٧٠.»٧٧
وعلى الرغم من أن هذا القول منقول من الدراسات السابقة، وبالأخص دراستي د. أنور لوقا، وعبد الحميد غنيم، إلا أن الدكتورة فجرت مفاجأة كبرى، عندما وضعت في نهاية قولها السابق هامشًا كتبت فيه: «مجلة «التهذيب»، العدد الأول، من السنة الثانية، ٣ أكتوبر، سنة ١٩٠٢، ص١٣.»٧٨

وهذا يعني أن هذا القول منقول بنصه أو بمعناه من مجلة التهذيب عام ١٩٠٢، وهذا يعني أيضًا أن هناك دورية مصرية تحدثت عن مسرح صنوع عام ١٩٠٢، فكيف هذا …؟! ونحن قد أثبتنا وتحدثنا كثيرًا، فيما سبق، بأننا لم نجد أية إشارة عن مسرح صنوع في مصر منذ عام ١٨٧٠ وحتى عام ١٩١٣، عندما أصدر فيليب طرازي كتابه «تاريخ الصحافة العربية»؟!

ولكي نُحسم هذا الأمر، اطلعنا على أصل هذه الدورية في دار الكتب المصرية، فوجدنا مجلدين فقط من مجلة «التهذيب»؛ الأول عام ١٩٠١، والثاني عام ١٩٠٢. فاطلعنا على المجلد الثاني، ووصلنا إلى العدد المذكور عند الدكتورة، ووجدنا عنوان المجلة يقول: «التهذيب: جريدة أدبية تهذيبية علمية تاريخية دينية لطائفة الإسرائيليين القرايين بمصر. لمحررها مراد فرج، المحامي بمصر. طبع بمطبعة مدرسة الطائفة.»٧٩
بعد ذلك تصفحنا العدد بأكمله، ووجدناه يتكون من تقديم للسنة الثانية، وما تم في السنة الماضية، ثم قصيدة لإسماعيل عاصم يهنئ فيها المجلة بعامها الجديد، ثم الحديث عن عيد رأس السنة. وإلى هنا ينتهي العدد!٨٠ ولم نجد أي عنوان، أو موضوع في هذا العدد يُشير إلى صنوع.
وإذا عدنا إلى قول الدكتورة السابق عن صنوع، سنجد أن الهامش المذكور يقول: صفحة رقم ١٣. ولكن العدد المذكور انتهت صفحاته عند رقم ٨! أما صفحة ١٣ فهي في العدد الثاني، لا العدد الأول كما جاء عند الدكتورة! وبناءً على ذلك تصفحنا العدد الثاني، المؤرخ في ١٠ / ١٠ / ١٩٠٢، ووجدنا أن الصفحة رقم ١٣، تقع ضمن مقالة بعنوان «السعادة والشقاء»، وهي مقالة عن الموت والحياة وعمل الإنسان لآخرته، ولا وجود لأي كلمة عن صنوع أيضًا! فقمنا بتصفح العدد الثاني كله، وأيضًا لم نجد أي شيء عن صنوع!٨١

ومن ثم واصلنا البحث في مجلد السنة الثانية لمجلة «التهذيب» بأكمله، ولم نجد أي ذكر لصنوع! وأخيرًا تصفحنا مجلد السنة الأولى ١٩٠١، ولم نجد أيضًا أي شيء! ولا تفسير لذلك إلا أن الدكتورة أخطأت في وضع الهوامش، فوضعت إشارة مجلة «التهذيب» بدلًا من أن تضع إشارة د. أنور لوقا، أو عبد الحميد غنيم. وهذا الخطأ أرهقنا كثيرًا، وكان لا بد من ذكره.

(١٠) د. أحمد شمس الدين الحجاجي

في نفس عام ١٩٩٣ ظهر كتاب للدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، بعنوان «النقد المسرحي في مصر ١٨٧٦–١٩٢٣». ولم نعرف في أول الأمر لماذا حدد الدكتور بداية النقد المسرحي في مصر بعام ١٨٧٦؟! وهو نفس عام بداية سليم النقاش المسرحية في مصر! وهذا يعني أنه لن يذكر مسرح صنوع في كتابه. ولكننا وجدناه يذكر مسرح صنوع، قائلًا: «ظهر المسرح في مصر نتيجة جهد فردي على يد يعقوب صنوع سنة ١٨٧٠، والوثائق التي بأيدينا كلها لا تشير إلى ظهور مسرح باللغة العربية قبل ذلك التاريخ.»٨٢
وبالرغم من تأكيد الدكتور على وجود وثائق بين يديه تؤكد قيام صنوع بإنشاء مسرح عربي في مصر عام ١٨٧٠، إلا أنه لم يذكر وثيقة واحدة كدليل على ما يقول! ونحن نؤكد أنه لا يمتلك أية وثيقة، إلا إذا اعتبرنا أن الدراسات السابقة عن مسرح صنوع هي التي بين يديه، وهي تلك الوثائق المقصودة في حديثه، وهذا هو الاحتمال الأرجح؛ بدليل قوله: «وقد لاقى مسرح صنوع نجاحًا كبيرًا، إلا أنه لم يستمر أكثر من سنتين، ومهما تكن الأسباب التي أدت إلى توقف يعقوب صنوع فإن الذي يعنينا هنا هو لماذا لم يظهر مسرح مصري بعد ذلك حتى سنة ١٨٧٦ حين قدم سليم النقاش إلى مصر؟ والواقع أن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة أو يسيره، بل هي من الصعوبة بمكان كبير لا يقل عن صعوبة الإجابة عن سؤال آخر، وهو لماذا لم يكن في مصر مسرح عربي قبل ذلك؟ والإجابة عن هذين السؤالين ليست ضمن دائرة بحثنا الآن.»٨٣

وهكذا يتنصل الدكتور من إجابه السؤال الذي طرحه، بل ويبتعد عن قضية مهمة كان يجب عليه أن يناقشها؛ لأنها تدخل في صميم دراسته. وهي لماذا بدأ كتابه بنشاط سليم النقاش المسرحي عام ١٨٧٦، ولم يبدأ بنشاط صنوع المسرحي عام ١٨٧٠؟!

والإجابة عن هذا السؤال تتمثل في أن الدكتور بحث ونقب في الدوريات القديمة — التي تمثل مصادره ومراجعه الأساسية في كتابه — فلم يجد أية إشارة عن صنوع كمسرحي، وللأسف لم يوجه الدكتور اكتشافه هذا الوجهة الصحيحة؛ فتركه، وسار بجانبه، وتغافل عنه، خشية معارضة كل الدارسين السابقين عليه، ممن تحدثوا عن مسرح يعقوب صنوع!

وهذا التنصل برره الدكتور قائلًا: «كان مسرح صنوع ساذجًا بسيطًا، قدم فيه مجموعة من مسرحيات الفودفيل، وكان أداء يعقوب وممثليه مُتقبلًا إلى درجة ما، ولكنه لم يكن على درجة كبيرة ولم تكن مسرحياته كذلك. ولكن اختيار المسرحيات الغنائية ومسرحيات الفودفيل لا أظن أن للصدف يدًا فيه؛ إذ إن طبيعة شعبنا الساخرة هي التي دفعت بيعقوب إلى هذا اللون، هذا فضلًا عن طبيعته المُحبة للغناء أيضًا في وقت كان فيه الغناء من الفنون المُستحبة لدى كل طبقاته. وفي محاولة جادة للبحث عن نقدٍ لهذه المسرحيات لم نعثر على أثر له إن كان قد وُجد نقد لها باللغة العربية، وفي يقيني أن هذه المسرحيات لم تخلف كتابات نقدية؛ إذ إن معظم مشاهديها كانوا مُتلقين جُدد لهذا الفن، أو ممن يعرفونه، وليست لديهم القدرة على نقده أو ربما كان أمر نقد هذه المسرحيات لا يعنيهم في شيء.»٨٤

ونلاحظ على هذا القول أن الدكتور يُبرر فيه سذاجة مسرح صنوع، بكل وسيلة مُمكنة، حتى يقنع نفسه ومن ثم قراءه بعدم القيمة الفنية لهذا المسرح. وذلك كي يُمهد لمفاجأته الكبرى، المتمثلة في عدم حصوله على أي أثر لمسرح صنوع، رغم بحثه الجاد، ثم نجده يُبرر عدم حصوله هذا بأن العيب في مشاهدي ونقاد المسرح في ذلك الوقت.

وهذا التبرير من قِبَل الدكتور غير مقبول؛ لأننا وجدنا فيما سبق مجلة «وادي النيل» تكتب نقدًا للعديد من المسرحيات المُمثلة في تلك الفترة، سواء لمسرحيات الأوبرا، أو لمسرحيات الكوميدي الفرنسي. ووصل نقدها أيضًا إلى عروض المسرح المدرسي، وهذه المقالات النقدية كُتبت في نفس الفترة التي زعم فيها صنوع بأنه قام بنشاط مسرحي في مصر، وهذا يعني أن العيب ليس في النُّقاد ولا في المشاهدين، وإنما العيب في صنوع الذي زعم بوجود مسرح له في ذلك الوقت!

(١١) المركز القومي للمسرح

إذا كان د. أحمد شمس الدين الحجاجي، في دراسته السابقة، لم يجد أية إشارة نقدية عن مسرح صنوع المزعوم، وبالتالي بدأ كتابه بعام ١٨٧٦، فقد قلده وقام بنفس الشيء «المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية»، عندما نشر الجزء الأول من سلسلة كتبه التوثيقية عن المسرح المصري، في عام ١٩٩٧.٨٥ وهذا الجزء عبارة عن توثيق لبعض الأقوال الصحفية التي أرخت ووثقت الحركة المسرحية المصرية! والسؤال الآن: ما هي الفترة المستخدمة في هذا الجزء؟! يقول عنوان الكتاب «المسرح المصري، ١٨٧٦–١٨٩٠»، أي إن الكتاب يبدأ في تأريخه وتوثيقه من عام ١٨٧٦ … لماذا؟!

لأن فريق العمل بالمركز القومي للمسرح والموسيقى لم يجد في معظم دوريات دار الكتب المصرية — التي تطرق إليها — طوال السنوات ما بين عامي ١٨٧٠ و١٨٧٥ أية إشارة عن المسرح المصري، وخصوصًا مسرح يعقوب صنوع؛ لذلك بدأ المركز كتابه التوثيقي بتأريخ المسرح المصري بداية من عام ١٨٧٦، أي منذ قدوم سليم خليل النقاش إلى مصر!

والغريب أن د. محسن مصيلحي، الذي كتب مقدمة هذا الكتاب، ناقدًا ومحللًا ما فيه من مادة توثيقية؛ لم يناقش هذه القضية، ولم يُبرر لماذا بدأ الكتاب بعام ١٨٧٦! والأغرب من ذلك أننا وجدناه يتحدث عن صنوع في مقدمته، قائلًا: «مع اجتهادات يعقوب صنوع وعروضه المسرحية فيما بين ١٨٧٠ و١٨٧٢، بدأ المجتمع المصري يتعرف على المسرح ناطقًا بلغته، ومتوجهًا إلى شرائحه الوسطى.»٨٦
وبالرغم من ذكر صنوع في مقدمة الكتاب، إلا أن الكتاب بدأ مادته التوثيقية بأول خبر ذكرته جريدة «الأهرام» في ديسمبر ١٨٧٦،٨٧ عن قدوم فرقة سليم خليل النقاش، وهذا الأمر يُعتبر أكبر دليل على عدم قيام صنوع بأي نشاط مسرحي في مصر! فإذا كانت جهود الدارسين بالنسبة للدراسات السابقة قام بها كل دارس على حدة، فإن كتاب المركز القومي للمسرح قام به فريق متكامل، بكل إمكانيات المركز القومي للمسرح، في هذا الشأن!

(١٢) د. مصطفى يوسف

يُعتبر د. مصطفى يوسف، صاحب آخر دراسة نُشرت عن مسرح يعقوب صنوع،٨٨ وذلك من خلال كتابه «الدراما العربية والحوار العربي الأوروبي»، المنشور عام ١٩٩٩. وفي هذا الكتاب وجدنا د. مصطفى يكتب ثلاثة فصول عن مسرح صنوع؛ الأول كان بعنوان «الرجل والعصر» — وهو الفصل السادس في الكتاب — وفيه تحدث عن عدد اللعبات التياترية، وعن حياة صنوع منذ الطفولة، وسفره إلى إيطاليا، وعمله بالتدريس، حتى وصل في حديثه إلى مسرحيات صنوع.٨٩ وبعد الحديث عن هذه الموضوعات، وجدنا الدكتور يقول في هوامش هذا الفصل: «لمزيد من التفاصيل حول مسرح يعقوب صنوع، راجع: المسرح العربي، «دراسات ونصوص يعقوب صنوع»، اختيار وتقديم د. محمد يوسف نجم، دار الثقافة بيروت ١٩٦٣، نجوى عانوس، «مسرح يعقوب صنوع»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ١٩٨٤، «أبو نظارة: صحف أبو نظارة»، في خمسة أجزاء، دار صادر، بيروت ١٩٧٤، مصطفى يوسف، «يعقوب صنوع مؤسس المسرح والدراما المصرية الحديثة»، رسالة دكتوراه، موسكو، ١٩٨٨.»٩٠

وتبعًا لقراءة الفصل السادس ومقارنته بمراجعه، نستطيع أن نقول: إن بعض المراجع المذكورة، لم تهتم بما جاء في الفصل المنشور؛ فمثلًا كتاب د. نجم المذكور، لم يتحدث فيه د. نجم إلا عن أسلوبه وطريقته في تحقيق لغة ومصطلحات صنوع في مسرحياته، وصحف صنوع الذي أكد د. مصطفى أنه اطلع عليها، لم تتحدث عن أي شيء مما ذكره الدكتور في هذا الفصل بصفة خاصة. والحقيقة أن كل ما ذكره د. مصطفى في هذا الفصل كان منقولًا بتصرف من دراسات سابقة عليه، لم يشر إليها، واكتفى فقط بالإشارة إلى المرجع الأساسي في فصله، وهو كتاب «مسرح يعقوب صنوع» للدكتورة نجوى عانوس!

وبنفس الأسلوب كتب د. مصطفى الفصل الثاني — وهو الفصل السابع في الكتاب — تحت عنوان «الكوميديا والنزعة الاجتماعية».٩١ وفي هذا الفصل لم يذكر الدكتور في هوامشه إلا مرجعين؛ الأول مرجع د. نجم السابق، والآخر كتاب د. نجوى عانوس السابق أيضًا، وإذا نظرنا إلى هذا الفصل سنجد أن د. مصطفى لم يعتمد على كتاب د. نجم إلا مرتين فقط، عندما نقل فيهما أقوالًا يسيرة من مسرحيات صنوع، أما في بقية فصله، فكان معتمدًا على كتاب د. نجوى، رغم أنه لم يُشِرْ إليه إلا في موضع واحد فقط!٩٢
والغريب أن د. مصطفى تحدث في هذا الفصل عن بعض مسرحيات صنوع، مثل: «راستور وشيخ البلد والقواص»، «الدرتين»، «أبو ريدة وكعب الخير»، «الأميرة الإسكندرانية». والملاحظ أن حديثه ونقده لهذه المسرحيات جاء مُشابهًا لحديث ونقد د. نجوى عانوس في كتابها عن مسرح صنوع، عندما تحدثت عن نفس المسرحيات!٩٣
وأخيرًا التزم د. مصطفى نفس الطريقة في فصله الثالث — وهو الفصل الثامن في الكتاب — الذي جاء بعنوان «المسرحية السياسية»؛ عندما ذكر ثلاثة مواضع في هوامشه؛ هي: أحمد رشدي صالح، «فنون الأدب الشعبي»، عبد الرحمن الرافعي، «الزعيم الثائر أحمد عرابي»، د. محمود الخفيف، «أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه».٩٤ رغم أن هذه المراجع لم تخدم هذا الفصل بصورة أساسية، بقدر ما خدمه كتاب د. نجوى عانوس؛ لأن هذا الفصل كان يتحدث عن اللعبات التياترية، التي تحدثت عنها د. نجوى، مع تشابه الأسلوب!٩٥
والسؤال الآن: لماذا قام د. مصطفى بهذا التمويه في إثبات مراجعه بخصوص فصوله الثلاثة عن مسرح صنوع؟! والإجابة تتمثل في أن هذه الفصول هي في الأصل مقالة قام بنشرها د. مصطفى عام ١٩٩٤، تحت عنوان «الدراما ونقد الحياة في مسرح يعقوب صنوع».٩٦ وهذه المقالة عندما نُشرت كانت خالية من أية مراجع، وعندما أراد د. مصطفى أن ينشر كتابه، ضمَّنه هذه المقالة وغيرها،٩٧ فوضع بعض المراجع بصورة غير دقيقة!

ولعل القارئ يسأل: لماذا كل هذا الاهتمام والتفنيد لدراسة د. مصطفى منصور، رغم أن ما قام به قام به غيره من أصحاب الدراسات السابقة، وأشرنا إليهم كثيرًا؟! والإجابة تتمثل في أن د. مصطفى يُعتبر من المتخصصين في مسرح يعقوب صنوع؛ فقد حصل على الدكتوراه من موسكو عام ١٩٨٨ في موضوع «يعقوب صنوع: مؤسس المسرح والدراما المصرية الحديثة»، ثم قام بكتابة مقالة مطولة عن مسرح صنوع في عام ١٩٩٤، ثم قام أخيرًا بإعادة نشر هذه المقالة في كتابه السابق الذكر؛ وبسبب هذا التخصص الدقيق كان اهتمامنا بدراسته …!

١  انظر: عبد المنعم صبحي، «يعقوب صنوع رائد المسرح القومي»، مجلة «الكاتب»، عدد ٢٩، أغسطس ١٩٦٣، ص٩٩–١١٣.
٢  عبد المنعم صبحي، السابق، ص١٠١.
٣  د. إبراهيم عبده، «أبو نظارة إمام الصحافة …» السابق، ص٢٣.
٤  انظر: عبد المنعم صبحي، السابق، ص١٠٢.
٥  عبد المنعم صبحي، السابق، ص١٠٣.
٦  انظر: د. إبراهيم عبده، السابق، ص٢٦-٢٧.
٧  انظر: عبد المنعم صبحي، السابق، ص١٠٣، ١٠٤.
٨  انظر: د. إبراهيم عبده، السابق، ص١٧، د. أنور لوقا، «مسرح يعقوب صنوع»، السابق، ص٥١.
٩  عبد المنعم صبحي، السابق، ص١١٣.
١٠  فاروق عبد القادر، «فجر المسرح العربي»، مجلة «المسرح»، عدد ٥، مايو ١٩٦٤، ص٥١.
١١  فاروق عبد القادر، السابق، ص٥٤.
١٢  فاروق عبد القادر، السابق، ص٥٤.
١٣  فاروق عبد القادر، السابق، ص٥٥.
١٤  قارن بين: زكي طليمات، «التمثيل … التمثيلية … فن التمثيل العربي»، مطبعة حكومة الكويت، ١٩٦٥، ص١٢٤، ١٢٥، د. محمد يوسف نجم، «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، السابق، ص٨٠، ٨١.
١٥  زكي طليمات، السابق، ص١٢٣، ١٢٤.
١٦  ويقصد به «مسرح الجمهورية»، وعن هذا المسرح يقول محمد سيد كيلاني في كتابه «في ربوع الأزبكية»، دار العرب للبستاني، ط١، ١٩٥٨، ص١٠٨: «أنشأ نابليون مسرحًا ضخمًا بوجه البركة مُثلت فيه الروايات باللغة الفرنسية ترفيهًا عن الجنود وتسلية لهم. ولكن هذا المسرح دُمر خلال ثورة سنة ١٧٩٩، فأعاد الجنرال مينو بناءه من جديد، وأطلق عليه «مسرح الجمهورية» وكان موقعه بالقرب من شارع غيط النوبي الآن.»
١٧  زكي طليمات، السابق، هامش ٤ ص١٢٣.
١٨  انظر: د. سيد علي إسماعيل، «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر»، السابق، ص٣٧–٤٠.
١٩  وللمزيد عن تأثير هذا الكتاب في مركز الدراسات المسرحية بدولة الكويت، وأيضًا تأثيره على طلاب دول الخليج العربي، ممن التحقوا بهذا المركز؛ انظر: د. سيد علي إسماعيل، «تاريخ المعهد المسرحي بدولة الكويت (١٩٦٤–١٩٩٩)»، دار قرطاس للنشر، الكويت، ص٢١–٧٧.
٢٠  سبق هذا الكتابَ كتابٌ آخر كتبه السيد حسن عيد. وفي جزء منه تحدث عن مسرح صنوع وما صاحبه من نقد معاصر، وصاحب الكتاب لم يأتِ بجديد فيه؛ فقد نقل جميع الأجزاء من الدراسات السابقة، خصوصًا دراسات د. إبراهيم عبده، د. محمد يوسف نجم، د. أنور لوقا. وكان الكاتب يشير إلى نُقوله منها في أضيق الحدود، وفي أكثر المواضع كان لا يشير. وللمزيد عن هذه الدراسة، انظر: السيد حسن عيد، «تطور النقد المسرحي في مصر»، الدار المصرية للتأليف والترجمة، نوفمبر ١٩٦٥، ص١١–١٥، ٦٩–٨٤.
٢١  عبد الحميد غنيم، «صنوع رائد المسرح المصري»، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر: الدار القومية للطباعة والنشر، ١٩٦٦، ص٣١.
٢٢  د. إبراهيم عبده، السابق، ص٥٧.
٢٣  الحديث هنا عن مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» لصنوع.
٢٤  عبد الحميد غنيم، السابق، ص٨٦.
٢٥  مجلة «وادي النيل»، السنة الرابعة، عدد ٥٤، ٢٨ / ١٠ / ١٨٧٠، ص٢-٣، وقد تكرر هذا الإعلان في عدد ٥٥، ٣١ / ١٠ / ١٨٧٠.
٢٦  عبد الحميد غنيم، السابق، ص٩٦.
٢٧  «باولينو درانيت باشا»: بدأ عمله في مصر في عهد محمد علي باشا، بوظيفة ضمن أشغال الأجزخانة بمستشفى الجهادية بأبي زعبل، وبمدرسة الطب تحت رئاسة المسيو فيجاوي في ١ / ١٢ / ١٨٣١، ثم رُقي إلى مساعد بمدرسة الطب في ٢٧ / ٤ / ١٨٣٣، والتحق بخدمة معية سعيد باشا برتبة ميرلاي في عام ١٨٥٣ حتى ٢٩ / ١٢ / ١٨٥٩. وفي سبتمبر ١٨٦٧ أنعم عليه الخديو بنيشان عالٍ عثماني من الرتبة الثالثة. وعندما اهتم الخديو إسماعيل ببناء المسارح عُين درانيت مديرًا للمسارح في مصر. وللمزيد، انظر: دار المحفوظات العمومية بالقلعة، قلم الوزارات، ملف باسم «باولينو درانيت» تحت رقم ٧٠٨٥، محفظة رقم ٢٧٥.
٢٨  عبد الحميد غنيم، السابق، ص٩٦-٩٧.
٢٩  راجع: المجلس الأعلى للثقافة، «علي مبارك رائد التحديث المصري (الذكرى المائة)»، ١٩٩٣، ص١٤.
٣٠  انظر: المجلس الأعلى للثقافة، السابق، ص٤٥.
٣١  هذا هو نص ترجمة هذه الوثيقة، كما جاء في ملف «علي مبارك» بدار المحفوظات العمومية، تحت رقم ١٦٨٣٥ بمحفظة رقم ٥٦٠: «ترجمة إفادة من رئاسة مجلس النظار بتاريخ ١٣ / ٦ / ١٨٨٨ نمرة ٥٠٧ إلى سعادة علي باشا مبارك: معارف عمومية ناظري سعادتلو أفندم حضرتلري: مرسل لسعادتكم من طيه صورة الأمر العالي الصادر بتاريخ ١١ / ٦ / ١٨٨٨ بشأن تشكيل هيئة نظارة جديدة وتقليد سعادتكم لنظارة المعارف العمومية. [توقيع] رئيس مجلس النظار (رياض).»
٣٢  وللمزيد عن تاريخ ووثائق علي مبارك باشا، انظر: دار المحفوظات العمومية، «قلم الوزارات: ملف بعنوان «علي مبارك»» تحت رقم ١٦٨٣٥ بمحفظة رقم ٥٦٠، وملف بعنوان «ورثة علي مبارك» تحت رقم ١٨٢٤٠ بمحفظة رقم ٦١١، وملف بعنوان «دلبر هانم أرملة علي مبارك» تحت رقم ٢٩٢١٥ بمحفظة رقم ١٥٨١، وملف بعنوان «ورثة المرحوم علي مبارك» تحت رقم ٣٩٩٩٨ بمحفظة رقم ٣٠٣٤.
٣٣  انظر: جريدة «أبو نظارة زرقا»، السنة الثالثة، عدد ١٥، ١ / ٧ / ١٨٧٩، وعدد٢، السنة ١١، ٢٨ / ٢ / ١٨٨٧.
٣٤  انظر ذم صنوع في علي مبارك دون الإشارة إلى موضوع الرفت، ودون الإشارة إلى علاقته به كناظر للمعارف في: جريدة «أبو نظارة»، النمرة العاشرة، ١٥ / ١٠ / ١٨٧٨، وعدد ٢٩، ٢ / ٣ / ١٨٧٩، وعدد ٢، ٢٨ / ٣ / ١٨٧٩، وعدد ٥، ١٨ / ٤ / ١٨٧٩، وعدد ٢٩، ٩ / ١٢ / ١٨٧٩، وعدد ٥، ٢٤ / ٦ / ١٨٨١.
٣٥  انظر: عبد الحميد غنيم، السابق، ص٥٢–٧٨.
٣٦  انظر: عبد الحميد غنيم، السابق، ص١٠٣–١٩٤.
٣٧  قبل هذا التاريخ كتب أحمد المغازي مقالة عن مسرح صنوع، لم يضف فيها حرفًا واحدًا جديدًا، وكل ما قام به هو إعادة صياغة لدراسات السابقين عليه، وبالأخص كتاب د. إبراهيم عبده، دون الإشارة إليه أو إلى غيره. وقام بنفس الشيء د. علي الراعي أيضًا، عندما تعرض لمسرح صنوع في أحد كتبه. أما فريدة مرعي، فقامت بنشر لعبة تياترية هي «الجهادي». وللمزيد عن هذه الدراسات، انظر: أحمد المغازي، «يعقوب صنوع والمسرح المطلوب»، مجلة «المسرح»، عدد ٣٨، فبراير ١٩٦٧، ص٥٥–٥٩، د. علي الراعي، «الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري»، كتاب «الهلال»، عدد ٢١٢، نوفمبر ١٩٦٨، ص٢٠–٣٠، فريدة مرعي، «الجهادي، نص مسرحي مجهول ليعقوب صنوع … ضد الخديو إسماعيل»، مجلة «الهلال»، عدد ٥، يونية ١٩٦٩، ص١١٦–١٢٣.
٣٨  راجع: د. علي الراعي، «فنون الكوميديا من خيال الظل إلى نجيب الريحاني»، كتاب «الهلال»، عدد ٢٤٨، سبتمبر ١٩٧١، ص٨٤–١١٨.
٣٩  رشدي صالح، «المسرح العربي»، مطبوعات الجديد، عدد ٤، ١٩٧٢، ص٥٠-٥١.
٤٠  رشدي صالح، السابق، ص٥١.
٤١  رشدي صالح، السابق، ص٥٢.
٤٢  ومن هذه الدراسات: د. إبراهيم درديري، «تأثير أبو نظارة في تطوير الوعي بالمسرح»، مجلة «الكاتب»، عدد ١٧٤، سبتمبر ١٩٧٥، ص٤٦–٥٣، حنان زعفران، «يعقوب صنوع»، المجلة الموسيقية، عدد ٢٩، مايو ١٩٧٦، ص٢٩–٣١، د. أحمد المغازي، «الصحافة الفنية في مصر: نشأتها وتطورها من الحملة الفرنسية ١٧٩٨ إلى مصر الدستورية ١٩٢٤»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٨، ص٥١–٧٢، ١٢٤–١٢٩، د. حسن محسن، «المؤثرات الغربية في المسرح المصري المعاصر»، دار النهضة العربية، ١٩٧٩، ص٢١، د. علي الراعي، «المسرح في الوطن العربي»، سلسلة «عالم المعرفة»، الكويت، عدد ٢٥، يناير ١٩٨٠، ص٥٦–٥٨، عصام محفوظ، «سيناريو المسرح العربي في مائة عام»، دار الباحث، بيروت، ط١، ١٩٨١، ص٥٣–٥٦، سمير عوض، «مسرح حديقة الأزبكية (كتاب تذكاري بمناسبة التجديد الشامل لمبناه عام ١٩٨٣)»، المجلس الأعلى للثقافة: المركز القومي للمسرح، ص١١-١٢.
٤٣  اعتمد بعض الكُتاب المسرحيين على كتاب د. نجوى عانوس، عندما أرادوا أن يؤلفوا مسرحيات عن تاريخ ومسرح يعقوب صنوع. ومنهم: نعمان عاشور، عندما ألف مسرحية تسجيلية وثائقية بعنوان «مسرح يعقوب بن صنوع: موليير مصر» عام ١٩٨٦. وأيضًا استخدم يعقوب صنوع كأحد شخصيات مسرحيته الوثائقية الثانية، التي جاءت بعنوان «فجر المسرح المصري» عام ١٩٨٦ أيضًا، وقام بنفس الشيء منصور المهدي، عندما كتب مسرحيته «ليالي صنوع»، التي عُرضت عام ١٩٨٧ بمسرح الغرفة، واتبع نفس الأسلوب محمد أبو العلا السلاموني، عندما كتب مسرحيته «أبو نضارة» عام ١٩٨٨، وتم عرضها عام ١٩٩٤. وأخيرًا قام مهدي الحسيني بكتابة وإخراج مسرحية «ملاعيب أبو نضارة» عام ١٩٩٦، التي عرضتها الفرقة المركزية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، على مسرح وكالة الغوري. وللمزيد عن هذه المسرحيات وعروضها، انظر: نعمان عاشور، «من الدراما الوثائقية»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٦، ص٦–٧٧، ١٠٢–١٠٨، د. نهاد صليحة، «أمسيات مسرحية»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٧، ص٦٩–٧٢، محمد أبو العلا السلاموني، «أبو نضارة»، سلسلة المسرح العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٨، محمد السيد عيد، «أبو نضارة: الواقع التاريخي، المعالجة الأدبية، العرض المسرحي»، مجلة «المسرح»، عدد ٦٥، أبريل ١٩٩٤، ص٣٠–٣٥، جلال عبد العال، «يعقوب صنوع في وكالة الغوري»، مجلة «الفنون»، عدد ٦١، صيف ١٩٩٦، ص٦٤–٦٥، د. عايدة علام، «أبو نضارة وملاعيبه»، مجلة «المسرح»، عدد ٩٢، ٩٣، يولية، أغسطس ١٩٩٦، ص٣٨-٣٩، مصطفى كامل سعد، «أبو نضارة: مسرحية أبو العلا السلاموني»، مجلة «آفاق المسرح»، عدد ١٣، سبتمبر ١٩٩٩، ص٤٧٢-٤٧٣.
٤٤  ومن هذه المقالات: L’EGYPTE AU XIX SIECLE, HISTOIRE D,UN PROSCRIT، جريدة «أبو نظارة»، عدد ٨، ٢٠ ربيع أول ١٣١٥ [١٨٩٧]، وعدد ١، ١٥ رمضان ١٣١٦ [١٨٩٨]، وعدد ٤، ١٥ ذي الحجة ١٣١٦ [١٨٩٩]. L’DEUVRE DE CINQUVANTE ANS D’ABOU NADDARA (MOLIERE EGYPTIE)، عدد ٨، شعبان ١٣٢٤ [١٩٠٦]، MES VOYAGES EN ITALIE، عدد ٧، شعبان ١٣٢٥ [١٩٠٦]، MES SOIXANTE-NEUF ANS، عدد ٥، شعبان ١٣٢٦ [١٩٠٧].
٤٥  د. نجوى عانوس، «مسرح يعقوب صنوع»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٤، ص٣٠.
٤٦  د. نجوى عانوس، السابق، ص٣٢.
٤٧  د. نجوى عانوس، السابق، ص٥٩.
٤٨  د. نجوى عانوس، السابق، ص٦١.
٤٩  جريدة «أبو نظارة زرقا»، عدد ٩، ٨ / ١٠ / ١٨٧٨.
٥٠  د. نجوى عانوس، السابق، ص١٤٩.
٥١  د. إبراهيم عبده، «أبو نظارة أمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر»، السابق، ص٧١.
٥٢  د. نجوى عانوس، السابق، ص٧٤.
٥٣  انظر: د. نجوى عانوس، السابق، هامش ٢ ص٧٥.
٥٤  انظر: د. نجوى عانوس، السابق، ص٧٦–٨٣.
٥٥  انظر: د. نجوى عانوس، السابق، ص٨٣–١٢٨.
٥٦  انظر: د. نجوى عانوس، السابق، ص١٢٩–١٩٦.
٥٧  انظر: د. نجوى عانوس، السابق، ص١٩٧–٢٤٩.
٥٨  د. لويس عوض، «تاريخ الفكر المصري الحديث من عصر إسماعيل إلى ثورة ١٩١٩»، الجزء الأول، مكتبة مدبولي، ط١، ١٩٨٦، ص٢٧٦.
٥٩  انظر على سبيل المثال: جريدة «الأهرام»، عدد ٦١، ٢٨ / ٩ / ١٨٧٧، وعدد ٨٥، مارس ١٨٧٨، وعدد ١١٨، ٢٩ / ١٠ / ١٨٧٨.
٦٠  د. لويس عوض، السابق، ص٢٧٦-٢٧٧.
٦١  د. لويس عوض، السابق، ص٢٨٣.
٦٢  انظر: جريدة «الأهرام»، عدد ٣٠، ١ / ١٢ / ١٨٧٦.
٦٣  انظر: جريدة «الأهرام»، عدد ٢١٣٨، ١٠ / ٢ / ١٨٨٥.
٦٤  انظر: جريدة «المقطم»، عدد ٥٩٨، ١٨ / ٢ / ١٨٩١.
٦٥  د. لويس عوض، السابق، ص٢٨٣.
٦٦  انظر على سبيل المثال: مجلة «التنكيت والتبكيت»، عدد ٥، ١٠ / ٧ / ١٨٨١، جريدة «الزمان»، عدد ٨٤٣، ١٦ / ٢ / ١٨٨٢، جريدة «الأهرام»، عدد ٢٠٠٧، ١ / ٨ / ١٨٨٤، وعدد ٢١٣٨، ١٠ / ٢ / ١٨٨٥، جريدة «القاهرة»، عدد ٥٤، ١٦ / ٢ / ١٨٨٦، وعدد ٣١٩، ٢ / ١ / ١٨٨٧، وعدد ٦٣٩، ٢ / ٢ / ١٨٨٨، وعدد ٩٢٧، ٢٣ / ١ / ١٨٨٩، جريدة «المقطم»، عدد ٢٧٩، ٢٧ / ١ / ١٨٩٠، وعدد ٥٧٤، ٢٠ / ١ / ١٨٩١، جريدة «السرور»، عدد ٦، ١٠ / ٢ / ١٨٩٢.
٦٧  د. لويس عوض، السابق، ص٢٧٤-٢٧٥.
٦٨  د. لويس عوض، السابق، ص٢٨٦.
٦٩  د. لويس عوض، السابق، ص٢٩٥-٢٩٦.
٧٠  د. لويس عوض، السابق، ص٣١٤.
٧١  انظر: جريدة «أبو نظارة»، عدد ٧، ٢ / ٨ / ١٨٨٤، وعدد ٥، جمادى الأولى، ١٣٢٤.
٧٢  انظر: IRENE CEDZIER: THE PRACTCAL VISIONS OF YA-QUB SANU-CAMBRIDGE, HARVARD UNIVERSITY PRESS 1966.
٧٣  وقد تنبه لهذا الأمر د. علي شلش، فكتب مقالة، قال فيها: «مرة أخرى يواجهنا الدكتور عوض بذات المشكلة الأخلاقية؛ وهي مشكلة الاعتماد على مصدر واحد رئيسي من تأليف أحد المستشرقين، والنقل عنه بغير حساب أو تنويه إلى حد مزعج لأنصار الأمانة والجدة في البحث العلمي. وهذا تعبير مُهذب — بالطبع — عن مخالفة قواعد العلم والاعتداء على حقوق التأليف. الكتاب الذي وقع ضحية الدكتور عوض هذه المرة كتاب صغير بعنوان «الرؤى العملية ليعقوب صنوع»، ألَّفته أستاذة أمريكية أيضًا، هي إيرين جندزير … رجع الدكتور عوض إلى هذا الكتاب واستقى منه المادة الأساسية حول صنوع. وليس من العيب أن يرجع الباحث إلى كتاب بعينه، ولكن العيب — بالطبع — أن يعامل الباحث مرجعه معاملة الكلأ المباح، فلا يشير إليه عند الاقتباس أو النقل، ولا سيما إذا كان الاقتباس والنقل دائمين صارخين، ولا يكفي أن نشير إلى المصدر أو المرجع الأساسي مرة كل بضع صفحات في الوقت الذي تكون فيه مادة هذه الصفحات منقولة بشكل أو بآخر عن ذلك المرجع المسكين، وهذا ما حدث للأسف على طول الفصل الصنوعي إذا صح التعبير.» د. علي شلش، «يعقوب صنوع بين يدي لويس عوض»، مجلة «القاهرة»، عدد ١١٣، ١٥ / ٢ / ١٩٩١، ص٤٤-٤٥.
٧٤  انظر: د. عبد المعطي شعراوي، «المسرح المصري المعاصر: أصله وبداياته»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٦، ص٦٥–٨٤، تمار ألكساندروفنا بوتينتسيفا، «ألف عام وعام على المسرح العربي»، ترجمة توفيق المؤذن، دار الفارابي، بيروت، ط٢، ١٩٩٠، ص١٤٨–١٥١.
٧٥  انظر: يعقوب صنوع، «اللعبات التياترية»، تحقيق وتقديم: د. نجوى عانوس، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ١٩٨٧. وللمزيد عن هذا الكتاب، انظر: ياقوت الديب، «اللعبات التياترية»، مجلة «المسرح»، عدد ٣، يوليو، أغسطس، سبتمبر ١٩٨٧، ص١٧٥–١٧٧.
٧٦  انظر: د. مدحت الجيار، «البحث عن النص في المسرح العربي»، دار النشر للجامعات المصرية، ط٢، ١٩٩٥، ص١١٠–١٢٩. [الطبعة الأولى من هذا كانت في عام ١٩٨٨.]
٧٧  د. سعيدة محمد حسني، «اليهود في مصر (١٨٨٢–١٩٤٨)»، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ١٩٩٣، ص٢٧.
٧٨  د. سعيدة محمد حسني، السابق، هامش ٢٩ ص٢٧.
٧٩  مجلة «التهذيب»، السنة الثانية، عدد ١، ٣ / ١٠ / ١٩٠٢. وهي محفوظة بقسم الدوريات، بدار الكتب المصرية، تحت أرقام «٢٦٣، ٥٢٣، ٥٢٤ دوريات» و«٢٦١١ زكية».
٨٠  انظر: مجلة «التهذيب»، السابق.
٨١  انظر: مجلة «التهذيب»، السنة الثانية، عدد ٢، ١٠ / ١٠ / ١٩٠٢.
٨٢  د. أحمد شمس الدين الحجاجي، «النقد المسرحي في مصر (١٨٧٦–١٩٢٣)»، سلسلة كتابات نقدية، عدد ١٧، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ١٩٩٣، ص٣٠.
٨٣  د. أحمد شمس الدين الحجاجي، السابق، ص٣٠-٣١.
٨٤  د. أحمد شمس الدين الحجاجي، السابق، ص٣١.
٨٥  سبق هذا التاريخ ظهور دراستين عن مسرح صنوع؛ الأولى عام ١٩٩٤، وقام فيها د. كمال الدين حسين بالإشارة إلى مسرح صنوع، وكانت إشارة عابرة ضمن الدراسة. أما الدراسة الثانية فكانت في عام ١٩٩٥، وقام فيها د. محمد علي الخزاعي بدراسة كافة المسرحيات المنسوبة إلى صنوع، دراسة فنية قيمة، تُعتبر إضافة علمية إلى باقي الدراسات السابقة التي اهتمت بدراسة هذه النصوص. وللمزيد انظر: د. كمال الدين حسين، «ملامح المسرح العربي في مصر: قراءة في نصوص المسرح العربي منذ البدايات حتى ثورة يوليو ١٩٥٢»، مجلة «المسرح»، عدد ٧٣، ديسمبر ١٩٩٤، ص٢٩–٣٣، د. محمد علي الخزاعي، «البدايات: دراسة مقارنة لنشأة وتطور أدب المسرح عند العرب»، مطبعة الفجر، البحرين، ١٩٩٥، ص١٥٩–٢٠٧.
٨٦  د. محسن مصيلحي [تقديم كتاب]، «المسرح المصري، ١٨٧٦–١٨٩٠»، المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الجزء الأول، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ١٩٩٧، ص٨.
٨٧  انظر: السابق، ص١٧.
٨٨  قبل هذه الدراسة، نشر د. عبد الرحمن ياغي، كتابه «في الجهود المسرحية العربية»، وفيه أفرد جزءًا محددًا عن مسرح صنوع، لم يأتِ فيه بأي شيء جديد، سوى سرده لبعض الدراسات السابقة عن صنوع، والنقل منها، تبعًا لموضوع كتابه. وللمزيد، انظر: د. عبد الرحمن ياغي، «في الجهود المسرحية العربية: من مارون النقاش إلى توفيق الحكيم»، دار الفارابي، بيروت، ط١، ١٩٩٩، ص٧١–٩١.
٨٩  راجع: د. مصطفى يوسف منصور، «الدراما العربية والحوار العربي الأوروبي»، مطبعة الحسين الجامعية، ١٩٩٩، ص٩٣–٩٦.
٩٠  د. مصطفى يوسف منصور، السابق، ص٩٧.
٩١  انظر: د. مصطفى يوسف منصور، السابق، ص٩٨–١١٤.
٩٢  انظر: د. مصطفى يوسف منصور، السابق، ص١٠٨.
٩٣  قارن بين كتاب د. مصطفى يوسف منصور، السابق، صفحات ٩٨–١١٤، وبين كتاب د. نجوى عانوس «مسرح يعقوب صنوع»، السابق، صفحات ١٣٠–١٩١.
٩٤  انظر: د. مصطفى يوسف منصور، السابق، ص١٣٨.
٩٥  قارن بين كتاب د. مصطفى يوسف منصور، السابق، صفحات ١١٥–١٣٧، وبين كتاب د. نجوى عانوس «مسرح يعقوب صنوع»، السابق، صفحات ٧٦–١٢٨، ٢٣٤–٢٤٢.
٩٦  انظر: د. مصطفى منصور، «الدراما ونقد الحياة في مسرح يعقوب صنوع»، مجلة «المسرح»، عدد ٦٤، مارس ١٩٩٤، ص٣٢–٤١.
٩٧  قام د. مصطفى بوضع مقالته «الدراما العربية الحديثة والحوار العربي الأوروبي في القرن التاسع عشر»، المنشورة في مجلة «المسرح»، عدد ٥٨، سبتمبر ١٩٩٣، ص٦١–٧٣، في كتابه المنشور «الدراما العربية والحوار العربي الأوروبي»، السابق، ص٣–٩، ٥٥–٨٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤