الفصل السابع عشر

أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر الكتب القومية بالمملكة المتحدة ووترستونز، وهي سلسلة متاجر، لكنَّ كلًّا منها يحمل طابع متجر مستقل رائع، ويزخر بالعديد من الكتب الرائعة المتنوعة (وبخاصة الكتب الصوتية)، هذا فضلًا عن الموظفين المطلِعين.

***

قصصنا عليها كل شيء. وجدت ذلك ممتعًا في حقيقة الأمر. لطالما كان تعليم الناس استخدام التكنولوجيا أمرًا مثيرًا. ومن الجيد مشاهدة الناس وهي تكتشف كيف يمكن استخدام التكنولوجيا من حولهم لتيسير حياتهم. كانت آنج رائعة أيضًا، وشكَّلنا معًا فريقًا ممتازًا. كنا نتبادل شرح كيفية عمل الشبكة. وقد كانت باربارا بارعة في هذه الأمور بالطبع.

عرفنا حينذاك أنها قد غطت حروب التشفير صحفيًّا، وهي الحروب التي وقعت في بداية التسعينيات عندما ناضلت جمعيات الحريات المدنية، مثل مؤسسة الحدود الإلكترونية، لضمان حق الأمريكيين في استخدام التشفير القوي. كانت معرفتي بتلك الفترة محدودة، لكن باربارا شرحتها على نحو اقشعر له بدني.

لا يُعقَل الأمر الآن، لكن في وقت ما مضى صنفت الحكومة التشفير كنوع من العتاد الحربي، وجرَّمت أي أحد يقوم بتصديره أو استخدامه، وذلك بدافع حماية الأمن الوطني. هل تفهم ما قلته؟ كان هناك نوع محظور قانونًا من «العمليات الرياضية» في بلادنا.

كانت وكالة الأمن القومي المحرك الحقيقي وراء هذا الحظر. كان لديهم معيار للتشفير قالوا إنه قوي لدرجة تكفي لأن يستخدمه موظفو البنوك وعملاؤهم، لكنه ليس بالقدر الكافي من القوة بحيث لا تتمكن المافيا من الاحتفاظ بسرية سجلاتها عنهم. كان يقال إن هذا المعيار — وهو معيار تشفير البيانات (المعتمد على مفتاح تشفير بطول ٥٦ بت) — لا يمكن كسره على الإطلاق. بعد ذلك، صمم أحد مؤسسي مؤسسة الحدود الإلكترونية الأغنياء جهازًا بتكلفة قيمتها ٢٥٠ ألف دولار يمكنه كسر الشفرات المعتمدة على هذا المعيار في ساعتين.

ومع ذلك، جادلت وكالة الأمن القومي أنها يجب أن تتمتع بالقدرة على منع الأمريكيين من الاحتفاظ بأسرار لا يمكنها انتزاعها منهم. بعد ذلك، ضربت مؤسسة الحدود الإلكترونية ضربتها القاضية؛ ففي عام ١٩٩٥، رفعت قضية بالنيابة عن طالب رياضيات بالدراسات العليا من بيركلي يُدعَى دان بيرنستاين. كان بيرنستاين قد كتب مقالة عن التشفير تتضمن كودًا يمكن استخدامه لتصميم شفرة أقوى من شفرات معيار تشفير البيانات بملايين المرات. ومن منظور وكالة الأمن القومي، فقد حوَّل هذا مقالته إلى سلاح، ومن ثم لم يعد بإمكانه نشرها.

حسنًا، قد يكون من الصعب العثور على قاضٍ يفهم التشفير، وما يعنيه. لكن ما حدث هو أن القاضي العادي بمحكمة الاستئناف لم يكن متحمسًا بشأن إخبار طلاب الدراسات العليا بنوعية المقالات التي يُسمَح لهم بكتابتها. انتهت حروب التشفير بانتصار أصحاب الحق، وذلك عندما حكمت محكمة استئناف الدائرة التاسعة بأن الكود هو نوع من التعبير يخضع لحماية التعديل الأول من الدستور … «لا يحق للدستور وضع أي قانون يحد من حرية التعبير.» إذا اشتريت شيئًا ما عبر الإنترنت، أو بعثت برسالة سرية، أو تحققت من حسابك المصرفي، فقد استخدمت التشفير الذي أتاحته مؤسسة الحدود الإلكترونية. من الأمور الجيدة أيضًا أن وكالة الأمن القومي ليست بهذا القدر من الذكاء. أي شيء يعلمون كيف يفكون شفرته، يمكنك أن تتأكد من أن الإرهابيين وأعضاء العصابات الإجرامية يمكنهم التحايل عليه أيضًا.

كانت باربارا ممن حققوا الشهرة بتغطية تلك القضية، وبدأت حياتها المهنية بتغطية نهاية حركة الحقوق المدنية في سان فرانسيسكو، ومن ثم عرفت التشابه بين الصراع من أجل الدستور في العالم الواقعي والصراع في فضاء الإنترنت.

ولذلك، فقد فهمت الفكرة. لا أعتقد أنه كان بإمكاني شرح هذا الأمر لوالديَّ، لكنه كان بالأمر اليسير لباربارا؛ فقط طرحت أسئلة جيدة عن بروتوكولات التشفير والإجراءات الأمنية التي نستخدمها، وتضمن ذلك بعض الأسئلة التي لم أعرف الإجابة عليها، وبعضها يشير إلى نقاط ضعف محتملة في إجراءاتنا.

شغلنا جهاز إكس بوكس، ودخلنا على شبكة إكس نت. كانت هناك أربع عُقد واي فاي متاحة في غرفة الاجتماعات، فوجهت الجهاز للتغيير بين هذه العقد على فترات زمنية عشوائية، وقد أدركت ذلك أيضًا … بمجرد أن تدخل على شبكة إكس نت فعليًّا، يكون الأمر أشبه بالدخول على الإنترنت، فيما عدا أن بعض الأمور تكون أبطأ فقط، وكل شيء يكون مجهول الهوية ولا يمكن تتبعه.

وبينما كان نشاطنا يتراجع، قلت سائلًا: «وماذا الآن؟» جف ريقي من الكلام وشعرت بحموضة شديدة بسبب القهوة. هذا فضلًا عن أن آنج ظلت تضغط على يدي تحت الطاولة على نحو جعلني أرغب في الهروب معها وإيجاد مكان آخر يتمتع بالخصوصية لإنهاء معركتنا الأولى.

«عليكما الآن المغادرة، وسأتولى مهمتي الصحفية، والبحث عن كل الأمور التي أخبرتماني بها، ومحاولة التأكد منها قدر استطاعتي. سأسمح لكما برؤية ما سأنشره، وسأخبركما بموعد النشر. وأفضِّل ألا تتحدثا عن ذلك مع أي شخص آخر الآن؛ لأنني أبغي السبق الصحفي، وأريد التأكد من أنني سأحصل على الخبر قبل تلويثه بالتوقعات الصحفية وتلفيق وزارة الأمن الوطني.

سأتصل بوزارة الأمن الوطني وأطلب منهم التعليق قبل النشر، لكنني سأفعل ذلك على نحو يوفر لك الحماية إلى أقصى حد ممكن، وسأحرص أيضًا على إطلاعك على ما يحدث قبل حدوثه.

ثمة شيء واحد يجب أن أوضحه: لم تعد هذه قصتك بعد الآن، بل قصتي. لقد كنت كريمًا للغاية في إفصاحك عنها لي، وسأحاول رد الجميل لك. لكن ليس لك الحق في تحريرها أو تغييرها أو إيقافي. صار ذلك الآن أمرًا واقعًا، ولن يتوقف. هل تفهم ذلك؟»

لم أفكر في الأمر على هذا النحو، لكنها عندما قالت ذلك، كان واضحًا. لقد أطلقت الصاروخ، وصار الآن في الهواء، ولا يمكنني إعادته للأرض. سوف يسقط حيث يهدف، أو يحيد عن مساره. لكنه الآن في الهواء ولا يمكن تغيير ذلك. في وقت ما بالمستقبل القريب، سأتخلى عن شخصية ماركوس … سأصبح شخصية عامة، سأكون الشخص الذي أبلغ عما تفعله وزارة الأمن الوطني.

سأهلك لا محالة.

أعتقد أن آنج كانت تفكر في الأمر نفسه؛ إذ تلون وجهها بين الأبيض والأخضر.

وقالت: «لنخرج من هنا.»

•••

مرة أخرى لم تكن والدة آنج وأختها في البيت، ما سهل علينا تحديد المكان الذي سنذهب إليه ذلك المساء. كان الوقت قد تجاوز موعد العشاء، لكن والديَّ كانا يعلمان أنني سأقابل باربارا، ولن تزعجهما عودتي للمنزل متأخرًا.

عندما وصلت مع آنج إلى منزلها، لم تكن لدي رغبة في تشغيل جهاز إكس بوكس؛ فكنت قد نلت كفايتي من شبكة إكس نت ليوم واحد. كل ما كان بوسعي التفكير فيه هو آنج، وآنج فقط. كنت أفكر قبل ذلك الحين في العيش بدونها، وأنها غاضبة مني، وأنني لن أتحدث معها أو أقبِّلها ثانيةً.

وهي أيضًا كانت تفكر في الأمر نفسه. كان بوسعي رؤية ذلك في عينيها عند إغلاقها باب غرفة النوم، ونظر كلٌّ منا للآخر. كم كنت مشتاقًا إليها شوقًا يشبه جوع الصائم عن الطعام لأيام، أو التوق لكوب ماء بعد لعب كرة القدم ثلاث ساعات متواصلة.

رغم ذلك، فلم يشبه شعوري أيًّا من ذلك. لقد كان شعورًا لم أختبره من قبل قط. لقد أردت افتراسها.

حتى ذلك الحين، كانت هي دومًا الطرف الأكثر إثارة من الناحية الجنسية في علاقتنا، فكنت أدعها تضبط الإيقاع وتتحكم فيه. وقد كان من المثير للغاية أن تمسك بي، وتخلع عني قميصي، وتجذب وجهي ناحية وجهها.

لكنني في تلك الليلة، لم أكن قادرًا على التحكم في نفسي … وما كنت لأفعل.

سمعت صوت باب الغرفة وهو يُغلَق فأمسكت طرف قميصها وجذبته بقوة، لا أكاد أمنحها وقتًا لترفع ذراعيها وأنا أمرر القميص عبر رأسها. خلعت أنا الآخر قميصي بعنف، منصتًا إلى صوت قرقعة القطن أثناء انفتاق عقد الخيط.

كانت عيناها تلتمعان، وفمها مفتوحًا، وأنفاسها متسارعة وقصيرة. كذلك كانت أنفاسي؛ كان لأنفاسي وقلبي ودمي جميعًا زئير صائت في أذنيَّ.

خلعتُ عنا بقية ملابسنا بحماسة مماثلة، ملقيًا إياها على أكوام الغسيل المتسخ والنظيف على الأرضية. كانت هناك كتب وأوراق متناثرة على السرير، فأزحتها جانبًا. بعد ثانية من ذلك، استلقينا على فرش السرير غير المرتب، يلف كل منا الآخر بذراعيه، ثم عانقنا بعضنا البعض بقوة. تأوهتْ في فمي وأنا كذلك، وشعرت بأن صوتها يطن في أحبالي الصوتية، وهو شعور أكثر حميمية من أي شعور مررت به من قبل.

أفلتت مني ووصلت إلى الطاولة التي بجانب السرير، وفتحت بقوة الدرج وألقت كيس صيدلية أبيض على السرير أمامي. نظرت بداخله، فوجدت علبة من العوازل الذكرية. كانت العلبة لا تزال مغلقة. ابتسمت في وجهها وردت هي الابتسامة وفتحت العلبة.

•••

كنت أفكر منذ فترة طويلة فيما ستكون عليه هذه العملية، وكنت أتخيلها مئات المرات كل يوم. وفي بعض الأيام، كنت في الواقع لا أفكر في سواها.

إنها لم تكن قط كما تصورت. جوانب منها كانت أفضل، والكثير منها أسوأ. في أثنائها شعرت أنها ستدوم طويلًا، لكن بعد ذلك اتضح لي أنها انتهت في طرفة عين.

انتهى الأمر وشعرت بعدها أن شيئًا لم يتغير، لكنني أيضًا شعرت باختلاف. كان شيئًا قد تغير بيننا.

كان الأمر غريبًا، كنا خجلين ونحن نرتدي ملابسنا، ورحنا نتسكع في الغرفة، يدير كلٌّ منا نظره عن الآخر دون أن تلتقي عيوننا، ثم ذهبتُ إلى الحمام ووضعت العازل الذكري في منديل وألقيته في صندوق القمامة.

عندما عدت إلى الغرفة، كانت آنج تجلس على السرير وتلعب بجهاز إكس بوكس الخاص بها. جلست بحذر بجانبها، وأمسكت بيدها. استدارت لتواجهني، وابتسمت. كنا منهكي القوى ونرتعش.

قلت لها: «شكرًا.»

لم تقل شيئًا، وأدارت رأسها ناحيتي. ارتسمت على وجهها ابتسامة كبيرة، لكن ثمة دموع سالت على وجنتيها.

عانقتها، واحتضنتها بقوة. فهمست: «أنت رجل صالح يا ماركوس يالو. شكرًا لك.»

لم أعلم ما ينبغي أن أقوله، لكنني احتضنتها بقوة. وأخيرًا، افترقنا. اختفت دموعها، وظلت ابتسامتها على وجهها.

أشارت لجهاز إكس بوكس الخاص بي الموجود على الأرض بجوار السرير. فهمت ما عنته، التقطتُه، وقمت بتشغيله وسجلت الدخول.

لم يكن من شيء جديد؛ الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والمشاركات الجديدة بالمدونات، ورسائل غير مرغوب فيها، الكثير منها. كان صندوق بريدي السويدي يتلقى العديد من الرسائل غير المرغوب فيها؛ إذ استُخدِم كعنوان رد للرسائل غير المرغوب فيها المرسَلة إلى مئات الملايين من حسابات الإنترنت، ومن ثم عادت إليَّ كل رسائل الاستياء والبريد المرتد. لم أكن أعرف من يقوم بهذا. ربما تحاول وزارة الأمن الوطني إغراق بريدي بالرسائل حتى يتوقف عن العمل، أو ربما يحاول الناس فقط خداعي. لكن حزب القراصنة كانت لديه فلاتر جيدة للغاية، وكانوا يمنحون لأي شخص يرغب فيها ٥٠٠ جيجا بايت من سعة تخزين البريد الإلكتروني؛ ومن ثم لم يكن من المحتمل أن يتم إغراق بريدي الإلكتروني في أية لحظة.

عمدت إلى التخلص من كل الرسائل، بالضغط على مفتاح الحذف. كان لدي صندوق بريد منفصل للأمور التي كانت تصل مشفرة باستخدام مفتاحي العام؛ إذ كان من المحتمل أن يكون لها علاقة بشبكة إكس نت، ولها طبيعة حساسة. لم يدرك مرسلو البريد غير المرغوب فيه أن استخدام المفاتيح العامة من شأنه جعل بريدهم أكثر قابلية للتصديق، ومن ثم كان الأمر ناجحًا حتى ذلك الحين.

وصلتني كذلك العشرات من الرسائل المُشفَّرة من أناس في شبكة الثقة. تصفحتها سريعًا؛ كانت روابط لصور ومقاطع فيديو تعرض انتهاكات جديدة لوزارة الأمن الوطني، وروايات مرعبة عن حالات هروب تمت بصعوبة، وتعنيفًا على أمور نشرتها بالمدونة. كلها أمور معتادة.

وصلت بعد ذلك إلى رسالة شُفِّرت باستخدام مفتاحي العام فقط، وقد عنى ذلك أنه ما من أحد يمكنه قراءتها غيري، لكن لم تكن لدي أية فكرة عمن كتبها. اسم المُرسِل الموضَّح بها هو ماشا، وهو ما يمكن أن يكون اسمًا أو اسمًا مستعارًا … ما من سبيل للتأكد من ذلك.

«مايكي»

«أنت لا تعرفني، لكنني أعرفك.»

«قُبِض عليَّ يوم تفجير الجسر، وخضعت للاستجواب، وتقررت براءتي. عرضوا عليَّ وظيفة؛ وهي مساعدتهم في القبض على الإرهابيين الذين قتلوا جيراني.»

«بدا اتفاقًا جيدًا في حينه، لكنني لم أدرك أن وظيفتي الحقيقية ستكون التجسس على الشباب الذين رفضوا تحوُّل مدينتهم إلى دولة شرطية.»

«لقد تسللت إلى شبكة إكس نت يوم تدشينها. وتضمني شبكة الثقة الخاصة بك. إذا أردت الإفصاح عن هويتي، فكان بإمكاني إرسال بريد إلكتروني لك من عنوان تثق فيه، بل ثلاثة عناوين في الواقع؛ فأنا جزء لا يتجزأ من شبكتك مثل أي شاب في السابعة عشرة من عمره. بعض من البريد الإلكتروني الذي وصلك تضمن معلومات خاطئة مني ومن رؤسائي.»

«إنهم يجهلون هويتك، لكنهم أوشكوا على معرفتها؛ فهم لا ينفكون يستقطبون ويساومون الناس. إنهم ينقبون في مواقع الشبكات الاجتماعية، ويستخدمون التهديدات لتحويل الشباب إلى واشين. هناك المئات من الناس يعملون لحساب وزارة الأمن الوطني على شبكة إكس نت في الوقت الحالي. لدي أسماؤهم وأسماؤهم المستعارة ومفاتيحهم: العامة والخاصة.»

«في خلال أيام من تدشين شبكة إكس نت، عملنا على استغلال نظام «بارانويد لينكس». وعمليات الاستغلال حتى الآن صغيرة وواهية، لكن هذا لن يدوم طويلًا. وبمجرد أن يحدث هذا، ستهلك.»

«أعتقد أنه من الآمن أن أقول إنه إذا علم رؤسائي أنني أكتب ذلك، فسوف يلقون بي في جوانتانامو الخليج إلى أن يشيب رأسي.»

«حتى وإن لم يخترقوا نظام «بارانويد لينكس»، فثمة نسخ مقلدة منتشرة من أجهزة «بارانويد إكس بوكس»، ولا تتماشى مع بيانات التدقيق، لكن كم من الناس ينظرون لهذه البيانات غيري وغيرك؟ الكثير من الشباب هالكون بالفعل، وإن لم يعلموا ذلك.»

«ولم يعد أمام رؤسائي سوى اختيار أفضل وقت للقبض عليك والخروج بخبر عظيم في وسائل الإعلام. سيحدث ذلك عاجلًا، وليس آجلًا. صدقني.»

«لا ريب أنك تتساءل الآن عن سبب إخباري لك بذلك.»

«وأنا أيضًا.»

«إليك السبب: لقد كُلِّفت بمحاربة الإرهابيين، لكنني — بدلًا من ذلك — أتجسس على الأمريكيين الذين يؤمنون بأمور لا تروق لوزارة الأمن الوطني. أتجسس على ناس لا يخططون لتفجير جسور، وإنما هم محتجُّون. ولا يمكنني الاستمرار في ذلك.»

«لكن لا يمكنك أنت أيضًا الاستمرار، سواء أكنت تعلم ذلك أم لا؛ فكما أقول لك، إنها مسألة وقت فقط وستعود مكبلًا بالأصفاد إلى جزيرة «تريجر آيلاند». إنها ليست مسألة احتمال، وإنما وقت.»

«انتهى ما لدي. هناك بعض الناس في لوس أنجلوس قالوا إنهم سيوفرون لي الأمان إذا أردت الابتعاد عن هنا.»

«أريد الابتعاد.»

«سأصطحبك معي إذا أردت ذلك. المقاتل أفضل من الشهيد. إذا تعاونت معي، يمكننا أن نتوصل إلى كيفية نحقق بها النصر معًا. أنا ذكية مثلك، صدقني!»

«ما رأيك؟»

«إليك مفتاحي العام.»

«ماشا»

«عند الوقوع في مشكلة، أو الشعور بالشك، تحرَّك في دوائر، صِح، واصرخ.»

هل سمعت هذه النصيحة من قبل؟ إنها ليست نصيحة جيدة، لكنها على الأقل سهلة التنفيذ. نهضت من على السرير، وأخذت أسير جيئة وذهابًا. دقَّ قلبي بعنف، وكذلك دمي مثلما كان الحال عندما وصلت إلى المنزل مع آنج. لكن هذه المرة لم تكن الإثارة الجنسية هي السبب، وإنما الخوف الخالص.

سألتني آنج: «ماذا هناك؟ ماذا حدث؟»

أشرت إلى الشاشة الموجودة عند طرف السرير الذي أجلس عنده، فاقتربت وأمسكت لوحة المفاتيح، وحركت بنانها على لوحة التأشير، وأخذت تقرأ في صمت.

وأنا أذرع الغرفة جيئة وذهابًا.

قالت آنج: «كل هذه أكاذيب، لا شك؛ فوزارة الأمن الوطني تحاول التلاعب برأسك.»

نظرت إليها، كانت تقضم شفتها. بدا عليها عدم التصديق.

«هل تعتقدين ذلك؟»

«بالتأكيد. لا يمكنهم هزيمتك؛ ولذلك فهم يطاردونك باستخدام إكس نت.»

«نعم.»

عاودت الجلوس على السرير، وتسارعت أنفاسي ثانيةً.

قالت آنج: «لتهدأ! ليست سوى محاولة للتلاعب بك. فلتعطني هذه!»

لم تأخذ لوحة المفاتيح من يدي من قبل، لكن ثمة نوع جديد من الحميمية بدأ بيننا. ضغطت على زر الرد، وكتبت:

«محاولة جيدة!»

كانت تكتب باسم مايكي الآن أيضًا. اختلفت العلاقة بيننا عما مضى.

«هيا، وقع. سنرى ما ستقوله.»

لم أعرف إذا كان هذا هو التصرف السليم أم لا، لكن لم تكن لدي أية أفكار أفضل من ذلك. وقعت الرسالة، وشفرتها باستخدام مفتاحي الخاص والمفتاح العام الذي قدمته ماشا لي.

وجاء الرد في الحال.

«ظننت أنك ستقول شيئًا من هذا القبيل.»

«إليك نوعًا من القرصنة لم تفكر فيه من قبل. يمكنني النقل النفقي لمقطع فيديو مجهول المصدر عبر بروتوكول نظام أسماء النطاقات (دي إن إس). إليك بعض الروابط لمقاطع قد ترغب في الاطلاع عليها قبل أن تقرر أن ما أقوله هراء. يسجل هؤلاء الناس لبعضهم البعض، طوال الوقت، كنوع من الضمان ضد الخيانة، ومن اليسير للغاية التجسس عليهم أثناء تجسسهم على بعضهم البعض.»

«ماشا»

أرفقت الكود الأساسي لبرنامج بسيط بدا أنه يقوم بما ادَّعت ماشا بالضبط: نقل فيديو عبر بروتوكول دي إن إس.

لأتوقف هنا لحظات، وأوضح شيئًا ما. في نهاية كل يوم، لا يكون كل بروتوكول من بروتوكولات الإنترنت سوى تسلسل من النص يُرسَل جيئة وذهابًا بترتيب مُحدد، ويشبه ذلك الإتيان بشاحنة، ووضع سيارة داخلها، ثم وضع دراجة بخارية داخل صندوق السيارة، وبعد ذلك ربط دراجة بمؤخرة الدراجة البخارية، ثم تعليق حذاء تزلج بمؤخرة الدراجة. بدلًا من ذلك، يمكنك — إذا أردت — ربط الشاحنة بحذاء التزلج مباشرةً.

ومثال على ذلك بروتوكول إرسال البريد البسيط (إس إم تي بي) الذي يُستخدَم لإرسال البريد الإلكتروني.

فيما يلي نموذج محادثة بيني وبين خادم البريد الإلكتروني الخاص بي أثناء إرسال رسالة إلى نفسي:
– مرحبًا littlebrother.com.se.
250 mail.pirateparty.org.se مرحبًا mail.pirateparty.org.se يسعدني لقاؤك.
– رسالة من: m1k3y@littlebrother.com.se.
250 2.1.0 m1k3y@littlebrother.com.se … تم تحديد المرسل.
– إلى: m1k3y@littlebrother.com.se.
250 2.1.5 m1k3y@littlebrother.com.se … تم تحديد المرسل إليه.
– بيانات.
354 أدخل رسالة تنتهي ﺑ «.» على سطر منفصل.
– عند الوقوع في مشكلة أو الشعور بالشك، تحرك في دوائر، صِح، واصرخ.
– .
250 2.0.0 k5SMW0xQ006174 قُبِلت الرسالة للإرسال.
إنهاء.
221 2.0.0 mail.pirateparty.org.se يغلق الاتصال.
أُنهي الاتصال بواسطة مضيف أجنبي.

تحددت قواعد هذه المحادثة في عام ١٩٨٢ على يد جون بستيل، أحد المساهمين الأساسيين في ظهور الإنترنت، والذي عمل على تشغيل أهم الخوادم بشبكة الإنترنت تحت مكتبه في جامعة جنوب كاليفورنيا في الحقبة الماضية.

والآن، لتتخيل أنك قد أوصلت خادم بريد بإحدى جلسات المراسلة الفورية. يمكنك إرسال رسالة فورية إلى الخادم الذي أرسل عبارة: «مرحبًا littlebrother.com.se»، وسيكون رده: «250 mail.pirateparty.org.se مرحبًا mail.pirateparty.org.se، يسعدني لقاؤك.» بعبارة أخرى، يمكنك أن تجري المحادثة نفسها بالرسائل الفورية مثلما تفعل عبر بروتوكول إس إم تي بي. وبإجراء التعديلات السليمة، يمكن إتمام كل ما يحدث في خادم البريد داخل محادثة، أو جلسة على الويب، أو أي شيء آخر.

يسمَّى ذلك ﺑ «النقل النفقي». تضع بروتوكول إس إم تي بي داخل «نفق» محادثة، ويمكنك حينئذٍ إعادة وضع المحادثة داخل نفق بروتوكول إس إم تي بي، هذا إن كنت غريب الأطوار؛ فهذا يعني وضع النفق في نفق آخر.

في الواقع، كل بروتوكول من بروتوكولات الإنترنت عرضة لهذه العملية. وهذا رائع؛ إذ يعني أنك إذا كنت بشبكة لا يمكن الدخول عليها إلا من الويب، يمكنك إحداث نقل نفقي لبريدك عبر هذه الشبكة، ويمكنك أيضًا وضع شبكة الند للند المفضلة لديك داخلها، بل ويمكنك أيضًا وضع شبكة إكس نت داخلها (وهي الشبكة التي تعد نفقًا للعشرات من البروتوكولات).

وبروتوكول دي إن إس بروتوكول إنترنت قديم ومثير للاهتمام يعود تاريخه إلى عام ١٩٨٣، وهو الوسيلة التي يغير بها الكمبيوتر الخاص بك اسم كمبيوتر، مثل pirateparty.org.se، إلى رقم بروتوكول الإنترنت الذي تستخدمه أجهزة الكمبيوتر فعليًّا للتواصل بعضها مع البعض عبر الإنترنت، مثل ٢٠٤.١١.٥٠.١٣٦. يعمل هذا البروتوكول بشكل عام على نحو سريع وفعال، رغم تضمنه الملايين من الأجزاء المتحركة. فكل مزود خدمة إنترنت يشغل خادمًا لهذا البروتوكول، كما هو الحال مع معظم الحكومات والعديد من جهات تشغيل الخدمة الخاصة. تتصل كل هذه الخوادم معًا، وتصدر طلبات وتملؤها بعضها لبعض. وبذلك، مهما كان الاسم الذي تعطيه لجهاز الكمبيوتر الخاص بك مبهمًا، فسيتمكن من تحويله إلى رقم.
قبل هذا البروتوكول، كان هناك ملف HOSTS. ولك أن تصدق أو لا، هذا الملف كان مستندًا واحدًا يدرج اسم كل كمبيوتر متصل بالإنترنت وعنوانه. وكل كمبيوتر عليه نسخة من هذا الملف. وفي النهاية، أصبح ذلك الملف كبيرًا للغاية بحيث لا يمكن تناقله؛ ولذلك صُمِّم بروتوكول دي إن إس، وتم تشغيله على خادم كان موجودًا تحت مكتب جون بستيل. وإذا حرك عمال النظافة القابس، فقد الاتصال بالإنترنت. هذه حقيقة!

الفكرة هي أن بروتوكول دي إن إس منتشر للغاية الآن. كل شبكة بها خادم لهذا البروتوكول، وكل هذه الخوادم مهيَّأة للاتصال بعضها بالبعض وبأفراد عشوائيين بجميع أنحاء الإنترنت.

ما فعلته ماشا هو التوصل إلى طريقة لإحداث نقل نفقي لفيديو عبر بروتوكول دي إن إس. وكانت تقسم الفيديو إلى ملايين من الأجزاء، وتخبِّئ كل جزء في رسالة عادية على أحد خوادم بروتوكول دي إن إس. وبتشغيل الكود الذي صممته، تمكنت من نقل الفيديو من كل هذه الخوادم بجميع أنحاء الإنترنت وبسرعة هائلة. لا بد أن ذلك بدا غريبًا على المدرجات الإحصائية التكرارية بالشبكة، كما لو كنت أبحث عن عنوان كل كمبيوتر في العالم.

بيد أنه كان يتمتع بميزتين قدَّرتهما في آن واحد؛ ألا وهما أنني كنت قادرًا على الحصول على الفيديو بسرعة البرق؛ بمجرد أن نقرت على الرابط الأول، بدأت في تلقي صور بملء الشاشة دون الانتظار طويلًا، وأنني لم تكن لدي فكرة عن مكان استضافة هذا الفيديو. لقد كان الفيديو مجهول المصدر كليةً.

في البداية، لم ألاحظ حتى محتوى الفيديو؛ فقد أربكتني براعة هذه القرصنة. نقل فيديو عبر بروتوكول دي إن إس! كان ذلك بارعًا وغريبًا، بل في الواقع منحرفًا.

تدريجيًّا، بدأت أدرك ما كنت أراه أمامي.

كنت أشاهد طاولة بغرفة اجتماعات صغيرة معلقة بها مرآة على أحد الحوائط. جلست من قبل في تلك الغرفة، وذلك عندما أجبرتني السيدة صاحبة الشعر القصير على الإفصاح بكلمة المرور الخاصة بي. وحول الطاولة خمسة كراسيَّ وثيرةٍ يجلس على كلٍّ منها شخص يبدو عليه الارتياح ويرتدي زي وزارة الأمن الوطني. إلى جانب السيدة ذات الشعر القصير، تعرفت أيضًا على اللواء جرايام ساذرلاند، قائد منطقة الخليج التابعة لوزارة الأمن الوطني. أما الآخرون، فلم أرهم من قبل. كانوا جميعًا يشاهدون شاشة فيديو عند نهاية الطاولة يظهر بها وجه مألوف أكثر لي.

اشتهر كيرت روني على المستوى القومي بالخبير الاستراتيجي الأول لرئيس الجمهورية، وهو من أعاد الحزب لفترة حكم ثالثة، ويتقدم بحماس نحو فترة رابعة، وقد أُطلِق عليه لقب «عديم الرحمة». شاهدت تقريرًا صحفيًّا ذات مرة عن مدى صرامته في السيطرة على العاملين معه؛ فلا ينفك يتصل بهم ويراسلهم بالرسائل الفورية ويتتبع كل حركة يقومون بها ويتحكم في كل خطوة لهم. كان كبيرًا في السن، تعلو وجهه التجاعيد، لون عينيه رمادي باهت، أنفه مسطح ذو فتحتين واسعتين، وشفتاه رقيقتان، بدا وجهه مكفهرًّا.

كان هو الموجود على الشاشة. كان يتحدث والآخرون يركزون في الشاشة، ويسجلون ملاحظات بأقصى سرعة ممكنة، محاولين أن تبدو عليهم البراعة.

«… بفرض أنهم غاضبون من السلطة، ينبغي أن نوضح للشعب أن من يقع عليه اللوم هم الإرهابيون وليس الحكومة. هل تفهمونني؟ إن الشعب لا يحب هذه المدينة؛ فهي في نظره مثل مدن المثليين والملحدين الذين يستحقون الهلاك في نار جهنم. السبب الوحيد لاهتمامه بسان فرانسيسكو هو أنها قد حالفها الحظ في هجوم الإرهابيين الإسلاميين عليها.

اقترب هؤلاء الشباب بشبكة إكس نت من أن يكونوا مفيدين لنا؛ فكلما زاد تطرفهم، زاد إدراك الشعب لانتشار التهديدات في كل مكان.»

انتهى المشاهدون من الكتابة.

قالت السيدة ذات الشعر القصير: «أعتقد أنه بوسعنا التحكم في ذلك. أحدث عملاؤنا في شبكة إكس نت تأثيرًا كبيرًا. يدير كل مدون من المدونين المنشوريين ما يصل إلى خمسين مدونة تتدفق بقنوات المحادثة، وتربطهم ببعضهم البعض، مع الاعتماد في الغالب على خط الحزب الذي أعده مايكي هذا. لكنهم أثبتوا أنهم بوسعهم إثارة أفعال متطرفة، حتى عندما يوقفهم مايكي.»

أومأ اللواء ساذرلاند برأسه، وقال: «كنا نخطط لتركهم يعملون في الخفاء حتى شهر قبل الانتخابات النصفية. هذا ما تنص عليه الخطة الأصلية، لكن يبدو أن …»

قال روني: «لدينا خطة أخرى للانتخابات العامة النصفية. ومن نافلة القول أنه سينبغي لكم — على الأرجح — ألا تخططوا للسفر لمدة شهر قبل ذلك الحين. لتطلقوا العنان لشبكة إكس نت الآن، في أقرب وقت ممكن. فكلما استمروا في الاعتدال، صاروا عائقًا. لِنَدَعْهم متطرفين.»

وتوقف مقطع الفيديو.

جلست أنا وآنج على طرف السرير ونحن ننظر إلى الشاشة. أعادت آنج تشغيل الفيديو، وشاهدناه مرة أخرى. وكان أسوأ في المرة الثانية.

أزحت لوحة المفاتيح جانبًا، ونهضت.

قلت لها: «لقد سئمت الخوف حقًّا. لنطلع باربارا على هذا الفيديو ونطلب منها أن تنشر الأمر، وترفع كل شيء على الإنترنت ليعتقلوني. على الأقل، سأعرف ما سيحدث حينئذٍ. على الأقل، سيكون هناك بعض اليقين في حياتي.»

جذبتني آنج نحوها، عانقتني، وهدأت من روعي. قالت لي: «أعلم، يا حبيبي، أعلم. الأمر برمته بشع. لكنك لا تفكر إلا في الجانب السيئ، وتتجاهل الجانب الجيد. لقد أسست حركة، وخدعت حمقى البيت الأبيض ومحتالي وزارة الأمن الوطني. لقد وضعت نفسك في موقف يمكنك أن تتولى فيه مسئولية كشف الستار عن كافة أعمال وزارة الأمن الوطني القذرة.

بالطبع، سيسعون لإلقاء القبض عليك. هل شككت لحظة في ذلك؟ لطالما علمت أنهم سيفعلون ذلك. لكنهم، يا ماركوس، لا يعرفونك. فلتفكر في الأمر: كل هؤلاء الناس، والأموال، والأسلحة، والجواسيس لمواجهتك أنت طالب الثانوية البالغ من العمر سبعة عشر عامًا … لا تزال الغلبة لك. إنهم لا يعلمون أي شيء عن باربارا، أو زِيب. لقد شوشت على عملهم في شوارع سان فرانسيسكو، وأحرجتهم أمام العالم؛ لذا، فلتتوقف عن التفكير على هذا النحو الكئيب، ألا تفعل؟ أنت المنتصر عليهم.»

«لكنهم سيلقون القبض عليَّ. هل تفهمين ما أقوله؟ سيزجون بي في السجن للأبد. وليس السجن فقط، بل سيخفونني عن الأنظار، مثلما فعلوا بداريل. وربما ما هو أسوأ، ربما سيرسلونني إلى سوريا. لماذا يتركونني في سان فرانسيسكو؟ طالما أنا موجود في الولايات المتحدة، أنا عائق في طريقهم.»

جلست آنج على السرير بجانبي.

وقالت: «هل هذا ما تقصده؟»

«نعم.»

«حسنًا، تعلم ما عليك فعله، أليس كذلك؟»

سألتها: «ماذا؟» فنظرت إلى لوحة المفاتيح الخاصة بي. كان بوسعي رؤية الدموع تسيل على وجنتيها. قلت لها: «كلا! لقد فقدت صوابك. هل تعتقدين أنني سأهرب مع مجنونة عرفتها على الإنترنت؟ جاسوسة؟»

«هل لديك فكرة أفضل من هذه؟»

ركلت كومة من ملابسها المعدة للغسيل في الهواء، وأنا أقول: «حسنًا، سأستمر في التحدث معها.»

فقالت آنج: «نعم، تحدث معها، وأخبرها أنك وصديقتك ستهربان.»

«ماذا؟»

«اخرس أيها الأحمق. هل تظن نفسك في خطر؟ لا يقل الخطر الذي أتعرض له عما تتعرض له يا ماركوس. يُعرَف ذلك بالجرم بالتبعية. عندما تغادر، سأغادر معك.» برز فكها للخارج على نحو متمرد. «أنت وأنا … صرنا معًا الآن. عليك أن تفهم ذلك.»

جلسنا على السرير معًا.

قالت أخيرًا بصوت خفيض: «إلا إذا لم تكن تريدني.»

«أنت تمزحين، أليس كذلك؟»

«هل أبدو مازحة؟»

«ما كنت لأرحل بدونك أبدًا، يا آنج، لو كان لي الاختيار. وما كنت لأطلب منك المجيء معي، لكن فرحتي بعرضك هذا لا توصَف.»

ابتسمت لي، وأعطتني لوحة المفاتيح.

«لترسل رسالة بريد إلكتروني لهذه المدعوة ماشا. لنرَ ما يمكنها أن تقدمه لنا.»

أرسلت لها رسالة مُشفَّرة، وانتظرت الرد. فداعبتني آنج بأنفها وبادلتها القبل، وتعانقنا. جعلني الخطر الذي نحن بصدده، واتفاقنا على الهروب معًا أنسى شعور الحرج الذي انتابني عند مضاجعتها، وأشعر بإثارة شديدة ورغبة في القيام بذلك مرة أخرى.

كنا قد خلعنا نصف ملابسنا بالفعل عندما وصلت رسالة ماشا:

«اثنان؟ يا إلهي! كما لو أن الأمر بحاجة لمزيد من التعقيد.»

«لا يمكنني الرحيل إلا لإجراء استخبارات ميدانية بعد وقوع حدث ضخم على شبكة إكس نت. هل تفهمني؟ يراقب رؤسائي كل تحركاتي، لكنني أتحرر من هذه المراقبة عندما يقع حادث جلل لمستخدمي شبكة إكس نت. عندئذٍ، أُرسَل للعمل الميداني.»

«لتحقق شيئًا ما مهمًّا؛ فأُرسَل للعمل الميداني، ونغادر جميعًا. نغادر نحن الثلاثة، إذا كنت مُصرًّا على ذلك.»

«لكن عليك أن تسرع. لا يمكنني إرسال الكثير من رسائل البريد الإلكتروني إليك، أتفهم ما أعنيه؟ فهم يراقبونني، وأوشكوا على التوصل إليك. ليس أمامك متسع من الوقت. أسابيع، ربما أيام فقط.»

«أنا بحاجة إليك لأتمكن من الهرب، وهذا السبب وراء فعلي ذلك، إن كنت تتساءل عن السبب. لا يمكنني الهرب وحدي. إنني بحاجة لإلهاء كبير على شبكة إكس نت، وهذا تخصصك. لا تخذلني يا مايكي، وإلا فسنصير — نحن الاثنين — في عداد الموتى. وكذلك فتاتك.»

«ماشا»

رنَّ هاتفي، فانتفض كلانا. كانت أمي ترغب في معرفة متى سأعود للمنزل. أخبرتها أنني في الطريق. لم تذكر باربارا؛ فقد اتفقنا على ألا نتحدث في هذه الأمور في الهاتف. كانت تلك فكرة أبي. لعله يعاني من جنون الارتياب مثلي.

قلت لآنج: «يجب أن أذهب.»

«آباؤنا سوف …»

فقاطعتها قائلًا: «أعلم، لقد رأيت ما حدث لوالديَّ عندما ظنا أنني لقيت حتفي. ولن يكون الوضع أفضل إذا علما أنني هارب. لكن أن أكون هاربًا أفضل من أن أكون مسجونًا في نظرهما. هذا ما أظنه. بأي حال، ما إن نختفي حتى تتمكن باربارا من نشر كل شيء دون أن تقلق من إيقاعنا في مشكلات.»

تبادلنا القبل عند باب غرفتها، لكن ليس بالحرارة نفسها التي نقبل بها بعضنا البعض عند الفراق. هذه المرة كانت قبلة لطيفة بطيئة، قبلة وداع.

•••

تجعلك الرحلات بشبكة بارت متأملًا عميق الفكر. عندما يهتز القطار جيئةً وذهابًا، وتحاول ألا تنظر في عيون الركاب الآخرين، وألا تقرأ الإعلانات عن الجراحات التجميلية، والضامنين واختبارات الكشف عن الإيدز، وتحاول تجاهل الجرافيتي وألا تنظر بتركيز إلى فرش الأرض، حينئذٍ يبدأ رأسك يموج بالأفكار.

يهتز جسدك جيئةً وذهابًا، وتفكر في كل شيء تجاوزت عنه من قبل، ويمر أمام عينيك شريط حياتك بما فيه من لحظات جبن، أو حماقة، أو سذاجة.

يتوصل عقلك لنظريات من قبيل:

«إذا أرادت وزارة الأمن الوطني القبض على مايكي، فهل من سبيل أفضل من جذبه لمكان مفتوح، وإرهابه لينظم حدثًا عامًّا ضخمًا على شبكة إكس نت؟ ألا يستحق ذلك تسريب فيديو مشبوه؟»

يتوصل عقلك إلى هذه الأمور حتى وإن لم يسر القطار سوى محطتين أو ثلاث محطات. وعندما تنزل، وتبدأ في التحرك، تجري الدماء ثانية في عروقك، وأحيانًا يساعدك عقلك في الخلاص ثانيةً.

وأحيانًا، إلى جانب المشكلات، يمنحك عقلك حلولًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤