ثمن العبقرية!

كان الحلُّ الأمثل لإنهاء أزمة السيارة هو نقلها بعيدًا عن العمران وفحصها خارج المدينة … لذلك طلب مدير الأمن سيارةً متخصِّصة لنقلها … غير أن خبراء المفرقعات رفضوا تحريكها قبل فحصها فحصًا دقيقًا … والتأكد من أن تحريكها لن يؤدي إلى إثارة حاسة التفجير في الأجهزة الذكية الملحقة بالمتفجرات.

وبعد فحصها تبيَّن لهم أن من لغَّموها لم يكن لديهم الوقت لفعل ذلك … وهم أيضًا لم يكونوا يتوقَّعون أن يكتشف الشياطين ذلك بسهولة … لذلك وافق الخبراء أخيرًا على نقل السيارة وإنهاء هذه الأزمة الخطيرة …

اجتماع مهم كان لا بدَّ أن يعيد حال انتهاء هذا الحادث المزعج … غير أن «إلهام» لم يكن لديها الاستعداد النفسي لحضور الاجتماع قبل الاطمئنان على سيارتها.

وقد كانت هذه مهمة «أحمد» الذي اصطحبها إلى أرض العمليات الخاصة بالمنظمة … ووقفت معه تراقب عملية نزع المتفجرات عنها … وكانت سعادتها لا توصف، عندما عادت بها إلى المقر ومن خلفها «أحمد» في سيارته «اللاندكروزر».

كان الشياطين جميعًا موجودين في صالة البلياردو … التي اقترح «خالد» أن يعقدوا فيها اجتماعهم. وقد لحق بهم «أحمد» ومن خلفه «إلهام» … وقد هلَّل الشياطين عندما رأوها، وقال «عثمان» يسأله: ما أخبار «الجراند شيروكي»؟

أحمد: إنها في الجراج.

مصباح: هل انتهى الأمر؟

أحمد: لا لم ينتهِ بعد …

أثارت الكلمات «بو عمير»، فصاح يسأله من آخر الصالة قائلًا: ماذا هناك بعد يا «أحمد»؟

أحمد: الجزء الأهم في هذا الحادث … الجزء الذي يخصنا …

رشيد: تقصد من الذي فخَّخ السيارة؟ أليس كذلك؟

أحمد: نعم …

عثمان: لقد كان الأمر مدبَّرًا بطريقة مدهشة … أولًا كيف عرفوا أننا ذاهبون إلى «الشيراتون» فوضعوا في طريقنا هذا الرجل؟

أحمد: أظنُّ أن هذا الرجل يعمل في «الشيراتون»، وهو عميلٌ لديهم … هل تعرف شكله يا «عثمان»؟

فكَّر «عثمان» ثم قال له: نعم أذكره قليلًا …

وهنا تدخَّلت «إلهام» قائلة: إنه مرهق لِمَا مر به من أحداث اليوم … وغدًا يمكنه أن يرسمه لنا، لا أن يصفه فقط …

عثمان: أتظن أنك ستجده بعد الآن؟

أحمد: لا، أنا أريد أن أتأكد من أنَّ الأمر ليس مصادفة.

ريما: إذن كان هناك من يراقبكما … وعندما رآكما في «الشيراتون» … أبلغ هذا العامل وهو عميل لديهم أيضًا بأن يتقدَّم إليك ويحصل منك على السيارة ويحضرها لهم.

باسم: ويعيدها إليك بعد أن حشاها بما لذَّ وطاب.

أحمد: يجب تحديد ملامح هذا الرجل بدقة … فسيقودنا إلى مختطفي «عبد الوهاب».

وفي حدةٍ قالت إلهام: لقد قلنا لك إنك لن تجده يا «أحمد» … فهل سنترك «عبد الوهاب» ونبحث عنه؟!

أحمد: «عبد الوهاب» الآن سجين مع من اختطفوه … أمَّا هذا الرجل فهو حر …

عثمان: تقصد أنهم سيتركونه يتحرَّك بحرية.

أحمد: نعم …

إلهام: سأطلعكم على خبرٍ مثير.

التفت لها الزملاء جميعًا ينتظرون ما لديها … فقالت لهم: رغم أن الانفجار لم يقع … إلا أن عاملًا من عمَّال الفندق مات مقتولًا …

صاح «عثمان» في جزعٍ قائلًا: غير معقول …

إلهام: هذا ما حدث … وهذه صورته …

ومدَّت له يدها بتليفونها المحمول … فرأى على شاشته صورة الرجل القتيل، وعندما أعطى أمر تقريب وتكبير من الصورة صاح قائلًا: إنَّه هو …

وهنا قال «أحمد» في ضيق: لقد ضاع منا خيط مهم كان سيوصلنا ﻟ «عبد الوهاب».

صمت قليلًا، ثم عاد يسأل «ريما» قائلًا: هل قابلتِ والده؟

ريما: نعم … وهو حزين لضياع ابنه … وقد ربط الطفل الموجود عنده في سرير ابنه، ولا يريد أن يسلِّمه إلا بعد أن يحضروا له ابنه.

إلهام: وكيف عرف أنه ابنه في البداية؟

خالد: إنه يقول إن هذا الولد مثَّل عليه وأخذ يبكي في حرارة فظنَّ أنه ابنه … فلم تكن هناك فروق بينهما تدله عليه.

أحمد: كيف لا يشعر أب بابنه؟ … هناك أشياء صغيرة بين الأب وابنه لا يمكن اكتشافها أو تقليدها.

عثمان: ماذا تقصد؟

أحمد: هذا الأب مشترك في اختطاف ابنه …

سرت همهمةٌ خفيفة بين الشياطين … قطعتها «زبيدة» قائلة: كيف سيخطف أب ابنه؟

أحمد: احسبوها معي وستجدون أن ما أقوله منطقي.

إلهام: كيف؟

أحمد: ماذا يريد هذا الأب لابنه؟

ريما: العيشة الكريمة والمستقبل الباهر …

أحمد: ولماذا يريد الآخرون اختطافه؟

ريما: ليصنعوا منه عالمًا يفيدهم.

أحمد: أي سيوفِّرون له الحياة الكريمة.

إلهام: لقد وفَّرتها له الدولة … فقد اشترت له فيلَّا في مكانٍ راقٍ … ويسير معه حرس … وله مخصَّصات مالية شهرية لا بأس بها …

أحمد: ولكنه يفتقد الأمان …

عثمان: كيف يخاف عليه من الحريق فيلقيه في النار؟!

أحمد: هو لم يلقِه في النار …

عثمان: كيف؟! … ألن يعطيه لمن يريدون قتله؟

أحمد: هم لن يقتلونه إلا لو ظل هنا … أمَّا إذا ذهب هناك عندهم … فسيحتفون به احتفاءً جيدًا …

قيس: ليس هذا فقط … بل أظن أن أباه قبض ثمنه.

صاح «باسم» قائلًا: أظن أن هذا أهم اكتشاف تمَّ اليوم.

خالد: لقد قرأت أنَّ جهةً ما عرضت ثمنًا له مائة مليون دولار.

عثمان: إذن هذا هو الرقم الذي حصل عليه والده.

أحمد: وبالطبع جنسية هذا البلد … وبهذا يخرج من هنا في أمانٍ … ليعيش هناك في أمان.

إلهام: أليس هذا من حقه هو وابنه؟!

أحمد: من حقه لو كان الأمر عاديًّا … لكن في هذه الحالة وبهذه الطريقة … فهي خيانة …

عثمان: لماذا لا نحادث المسئولين في الأمر؟

أحمد: ماذا نقول لهم؟ إنهم لم يبخلوا عليهم وأنفقوا عليهم الملايين.

عثمان: لا، سنحدِّثهم عن مخاوفنا.

أحمد: لن يقدِّم هذا جديدًا. علينا الآن متابعة الأب، وماذا سيفعل مع الطفل المربوط في غرفة ابنه.

عثمان: سأذهب إلى هناك لأتحقَّق من الأمر.

ريما: لن يستقبلك والده.

عثمان: أنا عامل من شركة الغاز وأتيتُ لفحص العداد والوصلات؛ لأن ضغط الغاز زاد في المنطقة وقد يعرِّضه ذلك لخطر التسرُّب.

ريما: إنها فكرة جهنمية لا تصدر إلا من شيطان.

إلهام: وإذا امتنع؟

عثمان: سأفحص مواسير الغاز من الخارج وأضع له الخرطوش الاندماجي.

تأجَّلت كل المهام إلى أن يأتي «عثمان» بالخبر اليقين … وهذا الخبر لن يتم الحصول عليه إلا في صباح الغد … فالليل قد حان وميعاد النوم اقترب … ولم يعد أمامهم إلا العشاء وحمام المساء … ومتابعة التليفزيون لدقائق ثم النوم …

في صباح اليوم التالي كان «عثمان» قد أعد العدة للذهاب إلى منطقة «العجوزة» … وقد ارتدى زيًّا خاصًّا بالعاملين بشركة الغاز … وبتوصية من مديرها … حصل على سيارة من سيارات القطاع الفني للشركة … ولولا أمر مباشر من الوزير لرئيس الشركة ما سمح بخروج هذه السيارة … وبالطبع تدخُّل قيادات المنظَّمة في هذا الأمر.

توجَّه «عثمان» بالسيارة إلى منطقة «العجوزة»، وبالتحديد شارع «عبد الرحيم باشا صبري» حيث يسكن «عبد الوهاب» … فأوقف السيارة ونزل يطرق الباب، فأجابته الخادمة من الداخل قائلة: من بالباب؟

عثمان: شركة الغاز.

الخادمة: ماذا تريد؟

عثمان: الكشف على العداد ومراجعة الوصلات.

الخادمة: لا يوجد أحد بالمنزل، ولا يمكنني أن أفتح لك.

عثمان: إن ضغط الغاز زاد في المنطقة، وفي هذا خطورة على الفيلا، إن لم أكشف على الوصلات فقد يكون هناك تَسَرُّب.

الخادمة: انتظر قليلًا.

وبعد قليلٍ نادته الخادمة وقالت له: الأستاذ «حمدي» في الطريق … لقد اتصلت به وشرحت له الموقف.

لاحظ «عثمان» بعض رجال الأمن يتناثرون حول الفيلا، ويرتدون الأزياء المدنية، ولولا أنه يعرف بعضهم لظن أنهم رجال العصابة.

وبعد أكثر من نصف الساعة توقَّفت سيارة صالون خلف سيارة شركة الغاز، ونزل رجل في الأربعين من عمره، خفيف شعر الرأس، متوسط الطول، خمري اللون، فاقترب من «عثمان» الذي كان يجلس في سيارة الشركة … فحيَّاه وقال له: أنا صاحب هذه الفيلا، ماذا تريد؟

عثمان: إن ضغط الغاز زاد في هذه المنطقة لمواجهة زيادة أعداد المشتركين … وأنا أريد أن أكشف على الوصلات.

«حمدي»: هل يمكنني أن أرى بطاقة تحقيق الشخصية؟

عثمان: طبعًا …

قال له هذا، ومدَّ يده في جيب قميصه وأخرج له كارنيهًا أعدَّته له إدارة العمليات الخارجية … فقرأه الرجل بعناية … ثم تركه ودخل الفيلا … وغاب هناك لقرابة الربع ساعة … ثم سمعه يناديه قائلًا: يا باشمهندس …

حمل «عثمان» معداته ودلف من باب الفيلا متوجِّهًا إلى حيث الصوت … فوجده يقف بباب المطبخ … وما إن رآه قال له: تَفضَّل من هنا …

دخل «عثمان» وهو يحادث نفسه قائلًا بلا صوت: يا لك من رجل غير متعاون … ماذا سأفعل أنا في المطبخ؟ وماذا سأرى؟

ولكي يحث الرجل على التحرُّك بعيدًا عنه قال له: إني أنتظرك في السيارة منذ نصف ساعة …

الأستاذ «حمدي»: أنا آسف … ولكن الخادمة لا يمكنها إدخالك في غير وجودي … لماذا لم تتصل بي أمس وكنت انتظرتك اليوم؟

قال «عثمان» مستحسنًا الفكرة: يجب أن يحدث هذا فعلًا … هل لديكم سُلَّم خشبي؟

«حمدي»: لدينا سُلم المطبخ، ولكنه معدني …

عثمان: هذا ما أقصده …

حمدي: إنه في بلكونة المطبخ. يمكنك إحضاره … ولكن اشرب هذا أولًا …

– ما هذا؟ …

– إنَّه عصير جوافة.

ولكن هذا العصير سمعته سيئة … فالسمُّ يختفي فيه تمامًا ولا يُكتشف … فهل يرفض؟ لا هناك طريقة أخرى … فقد وضع الكوب على أنفه ثم قال للأستاذ «حمدي»: هل تضع عصائر أخرى في الثلاجة؟

«حمدي»: هل رائحته غير جيدة؟

أمسك الأستاذ «حمدي» كوب العصير ونظر ﻟ «عثمان» مليًّا … ثم وضعه على أنفه قبل أن يمد يده به إلى «عثمان» ويقول له: اشرب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤