الخدعة الكبرى!

ستطارد مَن الآن يا «أحمد»؟

كان هذا هو أهم سؤال يسأله «أحمد» لنفسه ويسأله زملاؤه له … وكانت إجابته جاهزة: سأطارد «اللاندكروزر» …

وقالت له إلهام: كيف ستحصل عليها؟

أحمد: سأتشمَّمها بأنفي … وأراها بعقلي … وألمسها بخيالي … سأعتبرها سيارةً افتراضية وأستعين بالكمبيوتر في البحث عنها …

ولم تمضِ دقائق، وبعد عمليات قصيرة … أعلن الكمبيوتر عن مفاجأة … فهم الآن في طريق المطار …

زر بتابلوه السيارة … ضغط عليه «أحمد» … فانتقلت سرعتها من تسعين إلى مائتَي كيلومتر في لحظات.

وفي دقائق كانت السيارة تسير في شارع «جسر السويس» طريق المطار …

وعن بُعدٍ شاهد سيارة الإسعاف مقلوبة، فاقترب منها وتوقَّف وفحصها بعنايةٍ بعينَيه … فاكتشف أنها انقلبت فارغة … وأنه نوع من التمويه … المقصود به تشتيت جهودهم وتعطيلهم … فانطلق يلتهم الطريق وكأنه يقود سيارةً إلكترونية على شاشتها فيديو جيم، غير أنه لم يصادف «اللاندكروزر» فاتجه إلى المطار القديم … وأخذ يتفحَّص عن بعد السيارات المصطفَّة فيه … فرأى «اللاندكروزر» تغادر مكانها … فطلب من «عثمان» النزول للبحث عن «عبد الوهاب» وأسرته … وطلب من «رشيد» أن يستعلم عن رحلات الطائرات ومواعيدها ووجهتها خلال اليوم كله والسؤال عن أسرة من أب وأمٍّ بأسماء مختلفة … على أن يكون بينهم اتصال … وسيعود إليهم مرةً أخرى إن طارد «اللاندكروزر» … غير أن عطلًا أصابها … جعلها تبقى في مكانها، ونزل من بها يحاولون إصلاحها … ثم غادروا موقعها واختفَوا وغابوا … و«أحمد» يراقب وجهتهم منتظرًا عودتهم … فلم يعودوا … وعندما نظر إلى السيارة … لم يجدها.

جُن جنون السيارة كما جُن جنون «أحمد»، وانطلقا سويًّا يبحثان عن «اللاندكروزر»، غير أن عجلات السيارة الأربع اشتركوا في الانفجار سويًّا … ونامت السيارة فجأةً على الطريق … ورأى «أحمد» على المهبط طائرةً خاصة صغيرة أودت له بفكرة … فجرى يعبر السلك الشائك بمهارة الفهود … ثم تطلَّع الطريقَ جريًا إلى سلم الطائرة … ولحُسن حظه كانت جاهزةً للدوران … ولم يلتفت أحد إلى ما يجري إلا عندما انطلقت الطائرة في سماء المطار …

وعلى أرض المهبط تزاحمت سيارات المطافئ والإسعاف … ولم يهدأ رجال الأمن إلا عندما اتصل «أحمد» ببرج المراقبة وأبلغهم أنه في مهمة رسمية مهمة، ولم يكن أمامه إلا استخدام هذه الطائرة.

وفي سماء المطار حلَّقَ أكثرَ بحثًا عن «اللاندكروزر» ومَن كانوا بها دون جدوى، ولفت نظره على المقعد المجاور له ملف يحوي أوراقًا مكتوبة بالإنجليزية، وتحمل كل ورقة منها صورة … إنها صورة! …

صاح «أحمد» في سعادة قائلًا: إنها صورة «عبد الوهاب» … وهذه صورة والده … وهذه والدته … إذن فهذه الطائرة كانت مستأجرةً لنقلهم إلى خارج البلاد … إذن لقد وصل الصيد إلى فخي طائعًا.

ماذا يدور برأس «أحمد»؟ من المؤكَّد أنه شيء خطير … لكنه يحتاج لترتيبات كثيرة بالهبوط مرةً أخرى على أرض المطار … وأبلغ زملاءه أنه يحتاج لزي قائد طائرة … فقالت له «إلهام»: يوجد هناك مكتب لشركة «مصر للطيران» … وهم يرتدون زيًّا شبيهًا بأزياء طياريهم … ويمكنك استبدال ملابسك مع أحد موظفي المكتب.

أحمد: إنها فكرة جيدة … ولكنكِ أنت أيضًا ستحتاجين لزي مضيفة.

إلهام: لا تحمل همي … سأحصل عليه …

أحمد: يبقى معاوني، وليكن «بو عمير»، وسأحصل له بنفس الطريقة على زي … المهم أن ينتهي كل هذا في غضون ساعة.

إلهام: ألن تخبرنا شيئًا عمَّا يجري؟

أحمد: أتعرفون لِمَا نحتاج لهذه الأزياء؟

عثمان: لا بالطبع.

أحمد: الطائرة التي كنت أقودها الآن … هي طائرة خاصة تابعة لإحدى الشركات … وتعرفون من سيسافر على ظهرها؟

لم ينطق أحد منهم انتظارًا لِمَا سيقوله … فاستطرد بقوله: «عبد الوهاب» وأسرته.

لم يصدِّق الشياطين، وسألته «إلهام» قائلة: وكيف عرفت؟

أحمد: لقد عثرت على ملف بالطائرة به صور لهم …

إلهام: إذن الخطة هي القبض عليهم وهم في الطائرة …

أحمد: نعم ومعهم قتلة عامل الفندق ومحاولي تفجير سيارتك …

إلهام: إنه خبر عظيم … فهذا يعني أننا سنشتبك معهم في عراك غير مسلَّح.

أحمد: من يدري قد يكون مسلَّحًا … المهم أمامكم أقل من نصف الساعة للانتهاء من كل هذا … وأعطوني بطاقاتكم الأمنية لأحصل لكم على تصاريح السفر في هذه الأثناء.

انصرف كلٌّ منهم إلى العمل الذي ضمنه، وقبل نصف الساعة … كانوا يقفون بجوار سُلم الطائرة.

وقبل أن يصعد إليها رُكابها … كانوا هم على متنها … يُعِدون كل شيء لاستقبالهم، وعن طريق لا سلكي الطائرة … تلقَّى «أحمد» اتصالًا من رقم «صفر» يتهلَّل له كثيرًا، وقال له: اقتربَ الميعاد يا زعيم …

رقم «صفر»: نحن نريد «عبد الوهاب» سالمًا، وكذلك أسرته.

أحمد: سنحاول أن نحافظ عليه، ولو تعرَّضنا نحن للموت.

رقم «صفر»: أنا أثق فيكم تمام الثقة … كذلك كل قيادات المنظمة … وأشعر أنكم ستُنهون هذه المهمة بنجاح.

أحمد: أنا لا أريد النزول على أرض المطار هنا مرةً ثانية.

رقم «صفر»: ماذا تقصد؟

أحمد: أريد أن أنزل بهم في مطار «ألماظة».

رقم «صفر»: سأتصل بك بعد دقائق لأبلغك بالموافقة.

أحمد: وبالطبع ستكون الأجهزة الأمنية هناك.

رقم «صفر»: طبعًا …

نظر «أحمد» ﻟ «إلهام» مبتسمًا وقال لها: يا لك من مضيفة جميلة! …

إلهام: هل تشرب شيئًا؟

أحمد: نعم قهوة باللبن.

ومثله كان «عثمان» و«رشيد» و«بو عمير» … وجلسوا سويًّا يحتسون القهوة في انتظار الركاب … في انتظار الصيد الثمين الذي وقع في أيديهم بالمصادفة.

وهنا علَّق «أحمد» قائلًا: أتعرفون أي نوع من المصادفة هذه؟

لم يعلِّقوا … فأكمل قائلًا: إنها مصادفة المخترعين … فهم يعملون بجد واجتهاد ومثابرة لحل مشكلة، فيحصلون على هذه المصادفة العبقرية … إنها نتاج هذا الجهد … وهذه الجرأة … انتفض «عثمان» واقفًا وغادر الطائرة مسرعًا … ففي وجوده خطورة عليهم … فقد رأوه أكثر من مرة … وكان الاتفاق أن ينتظرهم في مطار «ألماظة».

وبترحاب شديد استقبل طاقم الطائرة «عبد الوهاب» ومن معه … وقدَّموا له الهدايا … وقبل أن تُقلع الطائرة … أحضرت «إلهام» تورتةً فاخرة وأشعلت بها شمعة … واعتبروا أن يوم سفره هذا هو يوم ميلاد له … وقد استحسن كلُّ من معه على الطائرة هذا الاحتفال … وشكروهم عليه … واتخذ كلٌّ منهم بعده موقعه … وأعلن «أحمد» بعدها في الإذاعة الداخلية عن الاستعداد للإقلاع ورجاء ربط الأحزمة …

وفي كابينة القيادة قال الكابتن «أحمد» للملاح «رشيد»: إنها أحزمتنا لا أحزمة الطائرة …

«رشيد»: ماذا تقصد؟

أحمد: ستفهم كل شيء …

انطلقت الطائرة تجري على أرض المطار، وازدادت سرعتها شيئًا فشيئًا، ثم علت مقدمتها لأعلى، وانطلقت بعدها ترفعه وترتفع حتى بلغت الارتفاع القانوني، ثم استوت في السماء بنعومة صفَّق لها الركاب، وشرعوا يفكون أحزمة الأمان غير أنها لم تُفك.

نظروا جميعًا لبعضهم وشعروا بالانزعاج، فحضرت إليهم «إلهام» وقالت لهم: لا داعي للانزعاج … عطل بسيط وسيأتي الفني المسئول عن الصيانة ويصلحه … وقبل أن تُنهي اعتذارها كان «رشيد» قد حضر ومعه بعض الأدوات … وشرع يفحص الأحزمة ويحاول فكها … هذا ما ظنوه، أمَّا ما كان يقوم به … فهو تعقيد المشكلة أكثر … وقد لاحظ أحد الرجال المصاحبين للعبقري ذلك … فانتظر حتى أمسك «رشيد» بحزامه يفحصه، فقبض على رقبته بذراعه قائلًا له: من أنت؟ وماذا تريد؟

وهنا خرج «أحمد» من كابينة القيادة وقال له: اتركه … فلن يفيدك هذا … فأنت مقبوض عليك …

صرخ الرجل صرخة غيظ وصاح مهدِّدًا: سأقتله وأدمِّركم …

وبضربةٍ فنية على حنجرته … فقدَ الرجل اتزانه … فتخلَّص منه «رشيد» … وقال له: لن أعاملك بمعاملتك … وسأتركك للقانون.

بُهت الجميع لِمَا يجري … غير أن «أحمد» لاحظ علامات السعادة تبدو على وجه «عبد الوهاب» وأمه …

وفوق مطار «ألماظة» حلَّقت الطائرة لثوانٍ قبل أن تهبط وتجد في انتظارها رجال الأمن ورجال المنظمة.

وكانت سعادةً غامرة لجميع الشياطين أن عادوا ﺑ «عبد الوهاب» سالمًا لأرض وطنه … وعندما علم رقم «صفر» بذلك … أرسل لهم رسالةً يقول فيها: «انتهى صراع العباقرة لصالحنا … أُهنئكم بالنجاح.

رقم «صفر».»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤