الفصل الثاني عشر

القناع

كانت الصيحة مُلِحَّةً للغاية حتى إن المسألة الحساسة المتعلقة بسلوك السيد ريكاردو قد نُسيت تمامًا. كان ثمة اندفاع نحو فيكتور كوربي، ولكن لم يتمكَّن أحدٌ من رؤية ما يراه حتى أصبحوا بجانبه. أصاب الجميع صدمة غريبة عندما رأوا المشهد وتولَّد في أنفسهم الانزعاج الذي عادةً ما تتركه الأمور الغريبة والعجيبة لدى البشر. ربما أصبحوا جميعًا على استعداد لأن يجفلوا ويروا العجائب أينما نظروا على هذا الطريق. كانت عيونهم الجاحظة تحاول أن ترى من بين أوراق الأغصان ما يشير إليه كوربي، ورأوا وجهًا ورأسًا يُطِلان عليهم من أعلى كما لو كانا يراقبانهم. تصادف أن غصنًا صغيرًا كان يمر أمام العينين فأخفاهما، ولكن بقية الوجه كانت ظاهرة. كان الوجه محمرًّا مع شفتين متورمتين، ولم يكن لونهما أحمر بل أرجوانيًّا داكنًا. أما الشعر، فكان على النقيض، ذا لون أحمر فاتح. كانت ملامح الوجه جميلة، ولكن كان المشهد بأكمله مرعبًا، مرعبًا للغاية.

figure
ظلوا واقفين مكانهم في رعب يُحدِّقون في الوجه، أو الرأس، الذي كان يُطل عليهم من أعلى الشجرة، تكاد الأغصان تخفيه. كان المشهد مرعبًا، فتملَّكهم الذعر.

كانوا لا يزالون يتأملون هذا المشهد العجيب عندما هبَّت ريح خفيفة أزاحت الغصن الصغير الذي يُخفي العينين، ورأوا على الفور أنه على الرغم من وجود رموش طويلة سوداء، رموش ناعمة لفتاة جميلة، لم تكن هناك عينان. لم يكن الوجه سوى قناع، ولكنه كان مصنوعًا بمهارة مذهلة.

قال هانو: «علينا أن نُنزله من مكانه.»

لم يكن القناع على ارتفاع كبير فوق رءوسهم، ولم يكن في حاجة إلا إلى عصاه ذات المقبض المعقوف ليتمكَّن من إنزاله. سقط القناع على الأرض، وانحنى هانو والتقطه. كان قناعًا مصنوعًا من عجين الورق؛ ليس أكثر. ولكنه أعطاه إلى فيكتور كوربي وقال: «ضعه على وجهك!»

ألقى فيكتور كوربي قُبعته على الأرض، وملأت ابتسامة سعادة ريفية وجهه بينما كان يضع القناع على وجهه ورأسه، وتحوَّل في لحظة من ريفيٍّ خفيف الظل بشوش الوجه إلى كائن مرعب، كائن يفر المرء من أمامه مذعورًا. لم يُصدِّق السيد ريكاردو أن مثل هذا التحول من النقيض إلى النقيض ممكن. وعلى الرغم من جمود ملامح القناع، كانت حية؛ أجل، حية. وأعطاه الشعر الأحمر الناري لمحةً أخيرة من قوة خارقة. أينما كان ينظر كوربي، لم تتغير الملامح البادية على القناع. بل على النقيض، كانت تبدو جميلةً وحزينة للغاية، ومنحت الرموش السوداء الطويلة الناعمة، حتى لأعين جاحظة مثل عينَي كوربي، حزنًا سرمديًّا. كان هذا القناع يصلح ليكون وجه اليهودي المُتجوِّل بفضل سمة واحدة من سماته. كان شريرًا — جميلًا، وحزينًا، وخبيثًا للغاية — كان قناع الشيطان، باختصار. كان هذا هو الانطباع الذي يتركه في نفوس الناس، لدرجة أنه عندما خلعه كوربي عن رأسه، تساءل أحد الرجال الذين كانوا يشاهدونه عما إذا كان في الحقيقة شيطانًا متنكرًا في هيئة شاب قروي وقد أعطاهم لمحةً عن هيئته الحقيقية.

قال هانو: «علينا أن نحافظ على هذا القناع في حالة جيدة أيها المفوض.» ولفَّ القناع في منديل كبير ملون أخرجه من جيبه. وقال: «ثمة رجلان فقط في العالم يمكنهما صُنع مثل هذا القناع. أحدهما في أمريكا. والآخر موجود في استوديو في نهاية شارع هايماركت في لندن. علينا أن نعرف في أقرب وقتٍ ممكن من منهما صنعه، ولصالح مَن. وحتى نفعل ذلك، أرجو ألَّا يقول أحد أي شيء عنه.» نقل عينَيه بين وجوههم ليفرض أمره عليهم جميعًا، وواصل حديثه بتلك الجدية الهادئة التي لم يسمعه السيد ريكاردو يستخدمها من قبل إلا مرةً أو مرتين فقط: «أعتقد أن جريمة قصر سوفلاك على صلةٍ وثيقة بهذا القناع. أعني أنه عندما تتكشَّف جميع الحقائق في نهاية المطاف، سنكتشف أن ما حدث كان أمرًا غير إنساني وشريرًا. أعتقد أنه كان فعلًا عديم الشفقة. لذا، علينا نحن أيضًا أن نكون عديمي الشفقة.» واقشعر بدن السيد ريكاردو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥