الفصل السادس والعشرون

المكتبة

في مساء اليوم التالي، جلس أربعة أشخاص يتناولون العشاء في طاولة جانبية بجوار نافذة مطعم فايسان دور؛ جوليوس ريكاردو وهانو يجلسان إلى أحد جانبي الطاولة، وجويس ويبل وبرايس كارتر يجلسان على الأريكة المُبطَّنة المستندة إلى الجدار. كانت الأيام تقصر. وكانت الأنوار قد بدأت تلمع حقًّا من بين أوراق أشجار الليمون في ساحة كينكوكس. لم تغب عن ذاكرة السيد ريكاردو تلك الأمسية الأخرى المشحونة بالتوتر، والتي بدت، رغم حدوثها منذ مدة قصيرة، وكأنها حدثت منذ أمد بعيد بسبب كثرة الأحداث التي وقعت بعدها، عندما كانت سيارته تقف على الجانب المقابل من الطريق، وهانو يجلس مستندًا إلى الجدار يدخِّن سيجارًا تلو الآخر، بينما كانت حياة جويس ويبل مُعلَّقةً بخيط يكاد ينقطع. وها هي الآن تجلس معه في المكان نفسه، ولا تزال ملامح وجهها الرقيقة تحمل آثار المحنة المرعبة التي مرت بها، وحلت أمارات الأسى محل أمارات المقدرة التي كانت تكسو وجهها في السابق. كانت لا تزال أنيقةً ونحيلة كعادتها في بدلتها ذات اللون البني الكستنائي المصنوعة من القماش المغربي، ولكن كانت عيناها الواسعتان الحالمتان تنظران باستمرار إلى حبيبها الجالس بجانبها، وكانت يدها تستند إلى ذراعه من وقت لآخر، وكأنها تطمئن نفسها أنه موجود بجانبها. كانت ثمة مزهرية موضوعة في مكان غير مناسب على الطاولة كما تقتضي عادات المطاعم حتى لا يتمكَّن أي من الجالسين حول الطاولة من رؤية الجالسين أمامه إلا عبر كسر رقبته. وصوَّتوا بالإجماع على إزالتها من على الطاولة.

قال السيد ريكاردو بصوتٍ كزقزقة العصافير: «والآن!» وزادت الكآبة على الوجه الجميل الجالس أمامه عمقًا.

رد عليه برايس كارتر سريعًا: «الآن لنتناول العشاء. إنها لحظة تستحق الاحتفال. ولن تكتمل الحياة من دون عشاء. نبدأ بتناول الكافيار. هذا هو الترتيب الصحيح. نحن نجلس الآن على ضفة نهر الفولجا. ونستمع إلى الأغنية الشهيرة التي تُنسب إلى قواربه؛ نرتدي البلوزات والقبعات المدببة، ونرقص بصعوبة بالغة ونحن ننتعل الأحذية الطويلة. ولكن كل هذا يمر. فسوف نتناول بعد ذلك حساء السلاحف. إننا نتناول العشاء الآن مع الأعيان، وعمدة المدينة، والسيد كاتب المحكمة في دار البلدية، قبل منح وسام حرية المدينة إلى السيد جوليوس ريكاردو، المبجل، مستمدين قوتنا من دسم حساء السلاحف، ثم ننتقل إلى طبق الكركند على الطريقة الأمريكية. وفي لمح البصر، سنجد أنفسنا واقفين على رصيف ميناء ناراجانسيت. وثمة شخص ما يُغنِّي. يصدح بأغنية «حسناء نيويورك» (ذا بيل أوف نيويورك). حسنًا! دعونا نُصغِ إلى الكلمات التي لا مثيل لها والصوت الرخيم الرائع وهو يقول: «يا جميع الرجال اتبعوني عندما أخرج للتنزه مشيًا.» ما الطبق التالي؟ السمان. حسنًا! أجد نفسي مختبئًا خلف سياج يوجد على الجانب الآخر منه حقل لِفت لا يوجد به أي أثر لحياة. ومن بعيد يظهر صف من الرجال يحملون الأعلام البيضاء. ثم أسمع صافرة. وأقول لنفسي: «اقتلهم عندما يقتربون. أطلق النار عليهم!» ثم أسمع صوت الكثير من الأجنحة تضرب الهواء. هناك طيور سمان على الأرض أمام كل هدف فيما عدا هدفي أنا. وأقول لنفسي: «على أي حال، سيعطونني طائرَي سمان لأرسلهما إلى زوجتي في الوطن، المسكينة التي ستقول من منطلق تفانيها لزوجها: «لقد اصطادهما برايس.» وستُحنِّطهما وتضعهما في صندوق زجاجي.»

ضحكت جويس ويبل.

وقالت: «إذا كنت أعرف هذه المرأة الشابة، فستقول، على النقيض: «من المؤكد أن هذين الطائرين الجميلين هدية من صديقي السيد هانو».»

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه هانو ولوَّح بيده أمام وجه السيد ريكاردو.

وقال: «هذا تحديدًا ما يريد المرء سماعه من الناس. لا أن يُصعِّبوا على المرء حياته بسبب العبارات الاصطلاحية. لا! ولا يشعرون بالإهانة إذا ما أعطيت أمرًا يسيرًا لسائقيهم. ولا يبحثون باستمرار في كل ما أقول عن قلة الذوق وكأنهم موظفو جمارك يبحثون عن جوارب حريرية. يا للهول، لا! ويقولون «هانو» بهذه الطريقة»، وحرك رأسه وقبَّل أطراف أصابعه متصنعًا كما لو كان مغني أوبرا ثانويًّا.

الأمر باختصار أن كلًّا من برايس كارتر وهانو رأيا فيما بينهما أنه من الأفضل أن تتناول جويس عشاءها من دون أن تسمع أي شيء يحزنها فيما عدا دعاباتهما السخيفة. ولكن عندما نُظفت بقايا الطعام من على الطاولة ووُضعت أمامهم القهوة الساخنة، وخيَّم الظلام على الطريق في الخارج، بدأت تتحدث من تلقاء نفسها.

وقالت: «سأخبركم بما حدث لي، فحتى برايس، الذي سيطير عائدًا إلى لندن بسبب عمله، لم يسمع هذه القصة بالتفصيل؛ منذ لحظة وصولي إلى قصر سوفلاك. ولكني أعتقد أن العبارة التي استخدمتها ذات مرة، جعلت السيد ريكاردو»، قالتها ووجَّهت له ابتسامةً عذبةً عبر الطاولة، واستطردت: «يشعر بقدر كبير من الحيرة. «يجب أن تعود سندريلا إلى منزلها قبل منتصف الليل.» كانت هذه هي العبارة، أليس كذلك؟ أثار الأمر دهشته؛ إذ يُفترض أن فتاتين أمريكيتين تتجوَّلان بحرية في أوروبا، وفقًا للتصورات السائدة، لا بد أن تكونا من الأثرياء أصحاب الملايين. ولكني لم أملك قط ثروةً تُقدر بالملايين، أو شقيقتي. منذ ثلاث سنوات، لم نتمكَّن أنا وهي معًا من جمع مال يكفي لشراء سيارة أوستن صغيرة. كنا نعمل موظفتين في مكتبة كبيرة في واشنطن، ورغم أن ما ورثناه من ممتلكات في سان دييجو في كاليفورنيا لم يكن كبيرًا، فإنه مكَّننا بالكاد من الوصول إلى حد الكفاف. كنا فتاتي عمل. كان ثمة أمين المكتبة الرئيس، ومساعد، وست فتيات موزعات لتولي الأقسام حسب الأبجدية.»

كانت ثمة نقطتان مهمتان في قصة جويس ويبل يجب على مستمعيها أن يضعوهما في الاعتبار. الأولى، أن حروف الأبجدية التي كانت جويس مسئولةً عنها هي من «س» إلى «ف». وكان يجدر بها أن تُلم بالمعرفة العملية عن الموضوعات التي تقع ضمن هذه الحروف، وقد كان. الثانية، أن البروفسير هنري بريور، صاحب مختبر العقاقير في ليدز، وصل إلى واشنطن خلال مدة عملها في المكتبة ليعمل على تكوين لجنة دولية لمكافحة تهريب الأفيون. وكانت دراساته تسوقه دائمًا إلى المكتبة، وبما أن الأفيون كان موضوع دراسته؛ فقد كان يقع ضمن قسم جويس ويبل. أصبحا صديقين، وعندما عاد بريور إلى موطنه، ترك خلفه دعوةً ودودًا بأنه سيكون رهن إشارة الفتاتين إذا ما ذهبتا إلى إنجلترا.

واصلت جويس حديثها: «بعدما رحل البروفسير بريور بمدة قصيرة، اكتُشف النفط في أرضنا الصغيرة وحُفرت بئر. وأصبحت وشقيقتي — لا أقول إننا أصبحنا ثريتين بمفهوم الأثرياء الحالي — ميسورتَي الحال. قرَّرنا أن نزور بعض الأجزاء من العالم، فسافرنا من بلدنا لنطوف أوروبا. ولكن جفَّت البئر منذ عام. وكانت شقيقتي على وشك الزواج والعودة إلى الولايات المتحدة. وكان يجدر بي أن أقرِّر ماذا سأفعل. كانت خطتنا الأصلية أن نقضي عامين على هذا الجانب من المحيط الأطلنطي، وكنت لا أزال أملك مالًا يكفي لأن أُكمل الخطة. هذا إن ظَلِلت فتاةً مهذبة بالطبع.» ثم صدحت ضحكتها وقالت: «كان يجدر بي أن أعود إلى بلادي على الفور أنا أيضًا، وأُحافظ على ما تبقَّى لي من مال. ولكني لم أكن أريد أن أفعل ذلك. كنت أريد أن أكون طائشةً بينما لا أزال شابةً لكي أستمتع بكل لحظة متعة ومرح. بعد ذلك، كنت سأعود إلى قسم من س إلى ف. كنت سأعود إليه هذا الصيف. وكانت المكتبة ستقبل بعودتي مجددًا. كان هذا ما أعنيه عندما قلت للسيد ريكاردو: «يجب أن تعود سندريلا إلى منزلها قبل منتصف الليل.» كان منتصف الليل قد اقترب كثيرًا بالنسبة إلي. ولكني كنت أشعر بقلق متزايد على ديانا، وحصلت على إجازة من واشنطن لكي أؤجِّل عودتي لشهر آخر.»

ارتجفت عندما تذكرت الأيام الفظيعة التي شملها هذا الشهر، ثم عادت تنظر إلى برايس كارتر وابتسمت.

قال السيد ريكاردو في تكلف: «أجل. هذا صحيح تمامًا. دائمًا ما تأتي أحلك الساعات قبل بزوغ الفجر.»

حدَّق برايس كارتر عبر الطاولة محاولًا أن يتأكد من أن أذنيه لم تخدعاه. ولكنهما لم تخدعاه. فقد كان السيد ريكاردو يجلس وتبدو عليه أمارات الإحسان والرضا. فكان قد قاطع بإشارة مختصرة واحدة ارتجاف جويس ويبل وابتسامتها. وكرَّر برايس كارتر نظراته إلى مواطنه لِمَا تبقى من الأمسية، على أمل أن يعاود رؤية تصرف أحمق آخر يبعث في نفسه الرضا والتسلية.

واصلت جويس حديثها قائلة: «وصلت إلى قصر سوفلاك قبل أسبوعين من وصولك. وكنت قد دعوت نفسي إلى هناك عبر التلغراف، وعندما قادني جولس أماديه إلى الشرفة في عصر يوم وصولي، وجدت، بالإضافة إلى ديانا بالطبع، كلًّا من إيفيلين ديفينيش، والسيد دو ميراندول وروبن ويبستر مجتمعين حول صينية شاي. وبعد بضع دقائق، أصبح واضحًا أنهم قد تجمَّعوا ليُلقوا نظرةً سريعة علي؛ أعني»، وقالت موضِّحة لهانو: «ليفحصوني.»

رد هانو: «عبارة إلقاء نظرة سريعة أفضل. فهي عبارة متداولة بين النخبة في نيويورك. نعم. هل مصدرها حي باوري؟ نعم. حسنًا، سأستخدمها.»

كان كلٌّ من برايس كارتر وجويس ويبل قد اندمجا بشدة في محيط هانو خلال الأسبوعين الأخيرين، واكتفيا بقَبول وعده باستخدام تعبيراتهما المألوفة بامتنان، دون الخوض في نقاش حول الحي السكني الخاص برموز المجتمع الراقي في نيويورك.

اقترح السيد ريكاردو قائلًا ببرود: «ربما من الأفضل أن تدع جويس تحكي قصتها دون أن تقاطعها.»

فحنى هانو رأسه، وقال: «من الآن فصاعدًا سأعقد لساني الثرثار»، وكان قد استمتع بالمزيد من الأحاديث مع سائق السيد ريكاردو.

قال السيد ريكاردو: «هذا يكفي. أكملي يا جويس!»

وأكملت جويس.

«خلقت حولي جوًّا من الاضطراب. فكانت ديانا عصبية، وكانت تغرق أحيانًا في عالم الأحلام. وأصبحت فجأةً غريبة عنها. وأصبحت غير مرغوب بي فجأة بالنسبة إلى إيفيلين والسيد دو ميراندول. وعلى النقيض منهم، أبدى لي روبن ويبستر اهتمامًا كبيرًا. وكان حظي تعسًا أني أعجبت به منذ الوهلة الأولى.» وتحت عينَي السيد ريكاردو الباردتين، كبح هانو جماح نفسه بصعوبة بالغة. «استمرَّت هذه العلاقة طَوال الليل. وتناول شابان من المنطقة العشاء في القصر، ورقصنا بعد ذلك في الشرفة على الأنغام الصادرة من الجرامافون حتى دقت الساعة الحادية عشرة. كان روبن ويبستر يشعر بالاضطراب، فلم أكن أريد أن أرقص معه رغم أنه بارع في الرقص. وبينما كنت أرقص معه، كنت أرى إيفيلين ديفينيش ترمقني في مقت. وعندما كانت قريبةً مني ومن روبن ويبستر، رفضت رفضًا قاطعًا دعوته لترقص معه، وقالت رافعةً صوتها حتى يصل إلى روبن ويبستر: «الجو حار. يجدر بي أن أذهب إلى النهر.»

ثم هبطت درجات السلم، وانتظرت من دون أن تُدير رأسها، ثم سارت وحيدةً عبر المرج. لم يُبدِ روبن ويبستر أي اهتمام. وكانت ملامح وجهه خاليةً من أي تعبير وكأنها ملامح قناع. وضعت ديانا في غرفة المكتبة أسطوانةً جديدة وأدارتها.

وقلت مخاطبةً روبن ويبستر: «يجب أن تتركني. لم آتِ إلى هنا لأُثير مشكلات. اذهب من فضلك!» وأومأت في اتجاه فستان إيفيلين الأبيض الذي كان يشع على العشب المظلم. تبعت عينا ويبستر الاتجاه الذي تُشير إليه عيناي. ولم أرَ في حياتي وجهًا تتصلَّب عليه ملامح الاستياء مثل تلك التي رأيتها في تلك اللحظة.

وقال: «إنها لا تعرف الفارق بين سيد الرجل وعشيقته، ويجب أن تعرفه.» شعرت بالخوف منه، فتغيَّر تعبير وجهه على الفور. وأصبح بائسًا ومتوسلًا. وقال: «تعتقدين أن هذه كراهية لها! لقد بلغ مني التعب مبلغه. جل ما أُبغض في هذا العالم هو أن أجعلك تكرهينني.» ومسحتني عيناه من قمة رأسي حتى أخمص قدمي؛ بطريقة مقيتة! كان يحفظ في ذاكرته شكلي وملابسي. ثم قال بشغف مفاجئ جعلني أجفل: «كل ما عليك فعله هو أن تقولي كلمةً واحدة، وسأترك هذه الرقصة وأذهب إلى إيفيلين.»

ولكني لم أكن لأقع في هذا الفخ. إذا ما قلت الكلمة، كنت — كيف يمكنني أن أصوغ ذلك؟ — كنت سأدخل في علاقة، ولكنت قيَّدت نفسي بالتزام. وكان سيأتي لي ويقول متوسلًا: «عندما أمرتني بأن أضحِّي بنفسي، فعلت. والآن، عندما أطلب منكِ أمرًا تافهًا، تخذلينني.» لا، لم يكن أي من ذلك مفيدًا لجويس ويبل. فأجبت سريعًا: «لا يهمني أن أتدخَّل على الإطلاق، ولقد رقصت معي كثيرًا كما يبدو. وأكره أن أكون لافتةً للنظر. ليلة سعيدة!»

ثم استدرتُ نحو ديانا وأخبرتها بأني متعبة وأني سأذهب لأنام. نظرت ديانا إلي للحظة كما لو أنها ليست واثقةً بمن أكون وما الذي أفعله في منزلها. ثم استفاقت.

وقالت: «سأصعد معك إلى غرفتك لأتأكد من حصولك على كل ما تحتاجين يا جويس. كم أنا سعيدة أنك وفَّرت بعض الوقت لتزوريني في منزلي!»

ثم وضعت ذراعها في ذراعي، أما روبن ويبستر الذي كان يلاحقني خشية أني قد أتخلَّى عنه؛ فقد تجرَّأ على أن يسألني، بصوتٍ متهدِّج كممثل يؤدي دور عاشق في مسرحية موسيقية كوميدية: «ولكنك ستعودين! سأنتظرك هنا. سنرقص رقصة الفالس الرائعة. لقد كتبها شتراوس من أجلي ومن أجلك!»

أسرعت ديانا مصطحبةً إياي إلى غرفتي، وألقت نظرةً سريعة عليها وقالت: «نعم، لديك كل ما تحتاجين.» وفي اللحظة التالية، سمعتها تعدو هابطة الدرج.

في ذلك الوقت، كنت أشعر بتعب شديد، وكأي شابة ذات صحة جيدة، غرقت في النوم بطريقة طبيعية بمجرد أن دخلت الفراش حتى لحظة دخول ماريان غرفتي حاملةً القهوة. ولكن، كما تعلم، أتيت إلى قصر سوفلاك لهدف معين، ولم يقل قلقي على الإطلاق مما رأيت تلك الليلة. بل على النقيض. لم تكن ديانا على طبيعتها التي أعرفها، الأمر الذي أقلقني كثيرًا. ورأيت أن السيد دو ميراندول من المستحيل التعامل معه، وأن روبن ويبستر لا يُحتمل. ولكن راودني أيضًا شعور بأني ربما كنت أنا المتسببة في ذلك، وأن مؤامرةً كانت تُحاك لإيقاع ديانا وتسبَّب حضوري في إفسادها.

لا بد أني غفوت بينما كنت أفكِّر بقلق في هذه المشكلات، ولكني لم أكن مستغرقة في النوم حتى إن همهمة بعض الأصوات تحت نافذتني كانت كافيةً لإيقاظي. كان القمر قد توسط السماء في ذلك الوقت وكانت غرفتي منيرةً لدرجة أني تمكَّنت من قراءة الوقت من ساعتي دون أن أضيء الأنوار. كانت الساعة تُشير إلى بضع دقائق بعد منتصف الليل. كان صوت الجرامافون قد اختفى. ولم أسمع أي أصوات على الإطلاق فيما عدا تلك الأصوات التي تهمس وتُهمهم في الشرفة، ومن وقت لآخر كنت أسمع كلمة «صه! صه!» عندما كان صوت أي منهم يرتفع قليلًا. ثم سمعت اسمي يُنطق. «إنها ستبقى لأسبوعين. إنها ستُسافر من هنا إلى أمريكا مباشرة.»

لم أخطئ صوت السيد دو ميراندول الرفيع الحاد، وكذلك مخارج ألفاظ روبن ويبستر الدقيقة الذي ردَّ على ما قيل.

إنها لن تعيق طريقنا. لقد رتَّبت ديانا الأمر بحيث تأخذ الغرفة العلوية عن قصد.» وسرعان ما سمعت «صه! صه!» من الصوت الثالث.

جلست في سريري. يجب ألَّا أعيق طريقهم. يجب ألَّا أعيق طريقهم إلى ماذا؟ أصغيت بكلتا أذني. ولكن خفتت الأصوات مجددًا، ولم أتمكَّن من سماع شيء إلا «صه! صه!» من وقتٍ لآخر غير واضحة.

لم أعد مهتمةً بالسلوكيات المُهذَّبة أو غير المُهذَّبة، لم أتمكَّن من تحمُّل المزيد من ذلك. فتسلَّلت خارجةً من الفراش وزحفت على يدي وركبتي حتى وصلت إلى النافذة. ورفعت رأسي بحذر شديد للغاية، ونظرت نحو الشرفة. كان ثلاثة أشخاص يقفون عند حافة الشرفة تحت ضوء القمر، ولم يكونوا يقفون تحت شرفتي مباشرة، ولكن نحو اليمين قليلًا، أمام نافذة غرفة الاستقبال. وكانوا السيد دو ميراندول، وروبن ويبستر، وإيفيلين ديفينيش. على الرغم من أن الجرامافون توقف عن العمل، كانت غرفة الاستقبال لا تزال مضاءة، وكانت إيفيلين ديفينيش تراقب الباب المفتوح بعينين ثاقبتين. كانت تقف حارسةً مولية ظهرها إلى الحديقة، وكانت هي من يطلق التحذير الهامس باستمرار. لم تكن مهتمةً بمراقبة نافذتي على الإطلاق. كان ثمة شخص في غرفة الاستقبال يقترب من الباب الزجاجي، ولكنه عاد ليبتعد. لا ريب في أنهم كانوا واثقين بأني أنام سريعًا.

سمعت اسم يوم يُذكر ثم يوم آخر. قال روبن ويبستر: «بالطبع، الأربعاء أو الجمعة. كلما كان أقرب، كان أفضل.»

فردَّ السيد دو ميراندول: «الأربعاء إذن. سأستغرق بعض الوقت في إخبار الأشخاص المناسبين. ثم سأُجهِّز كل شيء.»

ولكن كانت ثمة نبرة تردُّد في صوته. وبدا لي بكل وضوح أن السيد دو ميراندول كان قلقًا. فالأمر، أيًّا كان، يفقد سريته. وكان هذا خطرًا. فالأشخاص الذين يعرفونه، يعرفونه جيدًا، ومن المستحيل إنكاره أمامهم، قد يُصرون على الحضور، ولتحقيق أغراضهم الخاصة. وبدأ يوبخ إيفيلين ديفينيش. فكانت قد تحدَّثت بلا اكتراث في بوردو، واستغلَّت امرأةٌ «مخيفة» ذلك وأدخلت نفسها بينهم عَنوة. ودافعت إيفيلين عن نفسها. سمعت اسم كوريسو، وهز السيد دو ميراندول كتفيه كأنه رجل عاركته الحياة، وقال بوضوح كان غريبًا على صوته الحاد العالي النبرة: «أوه، جين كوريسو! أنا لا أرفضها! فوضعها مختلف. ولكن ليس المرأة العجوز!» ثم وصلت عبارة إلى أذني ووخزتها.

قالت إيفيلين: «ولكن سيرتدي الجميع أقنعة.» قال روبن ويبستر: «فيما عداي.» واستطرد السيد دو ميراندول حديثه قائلًا: «والمنزل الذي سنستخدمه هو منزلي أنا.» وعلى الفور سمعت: «صه! صه!» بإصرار أكبر هذه المرة.

وقالت إيفيلين ديفينيش: «إنها قادمة.» فقال روبن ويبستر: «يجب أن أنصرف بسرعة إذن.» ما الذي أوحى إليَّ بأنه استغل هذا العذر لكي ينصرف؟ وقال في عجل: «ليلة سعيدة.» وبينما كان يستدير للسير على طول الشرفة نحو أجمة الأشجار ومنزله، قيلت جملة كشفت الكثير. ربما كنت لأظل أستمع إلى تلميحات وإشارات على مدار ١٠٠ عام دون أن أقترب من كشف الحقيقة قيد أنملة. ولكنها اتضحت أمامي فجأة، محيِّرةً ورهيبة، فرقدت خائفةً على الأرض متواريةً خلف الجدار.

قال السيد دو ميراندول مطلقًا ضحكة حادة: «ليلة سعيدة يا صديقي جيبور.» ضحك روبن ويبستر ضحكةً خافتة، واستدار مواجهًا نور القمر بوجه حمل فجأةً أمارات الخبث، وزاد إصراره بعدما سمع اعتراضات إيفيلين ديفينيش على ما قيل. هذه المرة همست قائلة: «اصمت من فضلك!»، وللمرة الأولى خلال ذلك الحوار الهامس، رفعت عينيها نحو نافذتي. في هذه اللحظة، رقدتُ على الأرض حتى لا تراني، آمِلةً أنها لم تكن قد رأتني حقًّا. طمأنت نفسي بفكرة أنها حتى وإن رأتني فستكون واثقةً بأني لن أستطيع أن أفهم شيئًا من تلميح دو ميراندول.

لم تكن تعرف أني عملت في مكتبة كبيرة، وأن القسم الذي كنت مسئولةً عنه من س إلى ف. وحرف «س» يتضمن موضوع «السحر» وكان يجب عليَّ أن أُلمَّ إلمامًا عمليًّا بهذا الموضوع؛ الكتب التي تحوي معلومات عن موضوع بعينه وعلى أي رف توجد. قال السيد دو ميراندول: «نيافة القس جيبور! ليلة سعيدة، نيافة القس جيبور!» كان يضحك وهو يقول الاسم، وضحك روبن ويبستر وهو يحييه، وربطت الاسم بالأمر الغامض الذي سيحدث يوم الأربعاء القادم. كان ثمة جيبور واحد؛ القس السيئ السمعة الذي كان يُجري قداسات الشيطان. الأربعاء القادم أيضًا! هذا هو الموعد. الأربعاء أو الجمعة. حدد السيد دو ميراندول أحد هذين اليومين الأسبوع القادم، وهذان اليومان مكرسان لتلك الطقوس الشيطانية. يجب أن أكشف سر ديانا على الفور، وأعرف شغفها، وسبب لامبالاتها؛ نعم، وتنبؤاتي أيضًا. على الرغم منها، أخبرتني عباراتها التافهة التي كتبتها في خطاباتها لي بأن شيئًا من عالم آخر قد تحرَّر، من العالم الذي تقف روحها عند حافته وحيدة.

رفعت رأسي مجددًا بحذر شديد. ورأيت أن ديانا قد انضمت إلى السيد دو ميراندول وإيفيلين، وأن روبن ويبستر قد اختفى بين الأشجار. وأضحى الثلاثة المتبقون يتحدثون بانفتاح. وعادوا إلى داخل المنزل بعد بضع دقائق. سمعت الباب الزجاجي ينغلق، ورأيت النور الأصفر يختفي من غرفة الاستقبال ومن أرضية الشرفة. وسُلم المنزل وحديقته إلى نور القمر. ولم تكن ثمة أنوار أخرى إلا أنوار تخلَّلت أغصان الأشجار المظلمة التي تحف الطريق، أتت من النافذة العلوية لشاليه روبن ويبستر.»

حذفت جويس ويبل من قصتها الرحلات والأوقات العادية التي ملأت أيام وليالي تلك المجموعة الصغيرة المقيمة في قصر سوفلاك. وواصلت ذكر الأحداث التي تتعلق بها. كانت قد أُرسلت إلى كوفنتري بِناءً على طلب إيفيلين ديفينيش والسيد دو ميراندول الذي لا يغادر منزله أبدًا. وأصبح روبن ويبستر ملازمًا لها باستمرار، وكانت السيدة تاسبورو، التابعة، تُمتِّع نفسها بسلطتها التي اكتشفتها حديثًا. كل ليلة، كان يأتي أشخاص من المنطقة ليتناولوا العشاء ويرقصوا، ولعب القس فاورييه الورق مرةً أو مرتين في قصر سوفلاك. أما ديانا، فكانت بمعزل عن الآخرين، كأن عصابة أحلامها تُغمي عينيها. وصل بها الأمر إلى حد اللامبالاة بخدمة منزلها، وغفلت عن تلك اللمسات الصغيرة التي كانت تُقدِّمها لضيوفها، وبالتالي، وجدت جويس نفسها تتولى تلقائيًّا مسئولية إعداد الكوكتيلات والمشروبات الليلية التي تُقدَّم قبل أن تنفضَّ المجموعة في نهاية الأمسية.

في الليلة الثالثة من زيارة جويس، وقع حدثان مهمان. كانت ترقص مع روبن ويبستر متردِّدة، وقادها إلى نهاية الشرفة بعيدًا عن الآخرين. وتوقف فجأة.

وقال بصوتٍ محموم: «لا يمكنني أن أحتمل أكثر من ذلك. يجب أن تأتي إلى الحديقة لتتحدثي معي. إني أمر بوقت عصيب.» ثم أبعدها عنه، وتفحصَّتها عيناه مرةً أخرى بجشع من قمة رأسها حتى أخمص قدميها بطريقة شعرت معها أنه أهان شرفها. لوحت بيديها وقالت ببساطة: «سآتي.» واستدارت لتكون بجانبه وهبطت الدرج معه نحو الحديقة.

قالت جويس: «كان الموقف كريهًا، ولكني خشيت أن يفعل شيئًا مقزِّزًا يسبِّب لي فضيحة، ومن ثم سيكون عليَّ أن أرحل من سوفلاك بسببه. سرنا عبر المرج نحو السياج الذي يفصل الحديقة عن شريط المستنقعات المجاور للنهر، ثم استدرت نحوه.

فقال على الفور وفمه يرتعش وتتلعثم كلماته: «كما ترين، لا يمكنني أن أخفي مشاعري أكثر من ذلك. حتى هذه اللحظة، كان من السهل، بل والممتع، ترك مختلِف الأمور تسير كما هي، لو كنتِ تفهمين ما أقصد»؛ لم أجد صعوبةً في فهم ما يعنيه. كانت سِمته المذهلة هي صراحته، إذا أخذنا هدفه بعين الاعتبار، وأعني بذلك نفسي. ربما لم يدر بخَلَده قط أني ربما أومن بموضوع آخر يقع ضمن الأحرف من س إلى ف؛ الزواج بامرأة واحدة.

واستطرد قائلًا: «أصبح الأمر عصيبًا عليَّ للغاية. لا يمكنني تحمُّل إخفاء الأمر … ولا أريدهم أيضًا … أريدك أنت … وأنت … وأنت … وأريد العالم بأسره أن يعرف. جويس! أذرع غرفتي جيئةً وذهابًا نصف الليل مكرِّرًا هذا الاسم. جويس! جويس! كنت أعتقد أن الإنسان لا يمكن أن يحتاج إلى إنسان آخر بهذه القوة الجارفة دون أن يجد ذلك الإنسان الآخر نفسه مدفوعًا للاقتراب. كنت أتوقع سماع صوت خطوات قدميك على الحصى، وأن أرى الباب يُفتح وأجدك تقفين على عتبته وعيناك الواسعتان مليئتان بالتساؤل. كنت أعلم طَوال الوقت أني أحمق، وأن النجاح في العلاقات مع النساء يتطلَّب أن يحافظ الرجل على عقله، وأن يتظاهر بأنه يفقده. ولكني لا أستطيع أن أتمالك نفسي. أنا كرجل في الجحيم. لا أريد شيئًا من هذا العالم إلا رشفة ماء؛ أنت يا جويس، أنت!» ومد يده المرتعشة نحوي، ثم سحبها، ثم بسطها مجددًا.

كنت منزعجة أيضًا. لم أجرؤ على الضحك لأني كنت في حضرة حيوان مفترس. وكان هدفي الوحيد هو منع وقوع الكارثة لأطول مدة ممكنة، إلى ما بعد يوم الأربعاء من الأسبوع القادم، أيًّا كانت الوسيلة. غمغمت ببضع كلمات لا معنى لها: «لم يحدث مثل هذا الأمر لي من قبل. لم يقل لي أحد من قبلُ إني ضمن من يهمه أمرهم، ناهيك عن أن أكون الأهم»، ولحسن الحظ، في تلك اللحظة جاءت إيفيلين ديفينيش تعدو هابطةً الدرج من الشرفة وعبرت المرج نحونا. في تلك اللحظة، كان روبن ويبستر هو من قال: «صه! صه!» انصرفت على الفور، وكنت أشعر بخوف أكبر مما تخيلت، وتسلَّلت إلى غرفة الاستقبال، وكانت خالية.

جلست لبضع لحظات أشاهد الرجل والمرأة يرقصان في الخارج، ثم انضمت إليَّ ديانا. جلست بجانبي وعلى وجهها ابتسامة محرجة، وبدأت على الفور تتحدث معي في عجل.

قالت: «سأخبرك بأمر يا جويس. أمر لم أخبر به أيًّا من أصدقائي بعد. لذا، عليكِ أن تحتفظي به سرًّا في الوقت الحالي. لا أريد نصحًا وتدخلًا من أناس ليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل. وربما لن يعرفوا عن الأمر شيئًا حتى يتم. سأتزوج من روبن ويبستر.»

جفلت مما قالت، ولا ريب في أن وجهي أظهر ذلك جليًّا. فقد واصلت حديثها سريعًا: «أنت مندهشة، ولكنك لا تعرفينه حق المعرفة. إنه رائع، رائع بحق.»

قلت محاولةً الاعتراض مرتبكة: «ولكن … لكن … هل أنت واثقة بهذا القرار … أعني أنت ثرية، وهو … يبدو أن لديه صديقات حقًّا، أليس كذلك؟»

لم أكن حذرةً تمامًا، ولكني كنت مندهشةً لدرجة أني لم أتمكَّن من كبح جماح نفسي لأصوغ الكلمات بطريقة مهذبة. ولكن لم يبدُ أن ديانا شعرت بالإهانة على الإطلاق. بل استقبلت اعتراضاتي بهدوء تام.

وردت قائلة: «أعرف ما تقصدين. إنه على علاقة وثيقة مع إيفيلين ديفينيش. ولكنه يحبني أنا.» من المستحيل أن أتمكَّن من وصف الطريقة اليسيرة والشديدة السفاهة التي كانت تتحدَّث بها. وشعرت بأنه لا توجد حجة من شأنها أن تثنيها عن قرارها. وقالت: «منذ وصولك يا جويس، كان يبدي بعض الاهتمام بك أيضًا. إنه يُغلِّف الأمر بالكثير من السواتر لكي يُصعِّب من إمكانية تخمينه حتى نرغب نحن في كشفه.»

قلت لاهثة: «متى ستتزوجان؟»

أجابت: «الشهر القادم.» ثم أطل من ملامح وجهها تعبير غريب للغاية، مزيج من الفخر والخوف. وقالت: «لا يمكنني أن أخبرك بكل شيء. لقد جرى انتقاؤنا، أنا وهو وبعض أناس آخرين. إنه سر رهيب. كان مخيفًا في البداية؛ وربما لا زلت خائفةً قليلًا. ولكن بمجرد انخراط المرء في الأمر، فإنه لن يتراجع عنه حتى وإن استطاع. إن ذلك معتقد، ولا ريب في أن الناس الذين لا يفهمونه سيُمسكون بنا ويرجموننا، ولكن هناك الكثير جدًّا من أمثالنا، ليس هنا فقط، بل في باريس وإيطاليا. والأشخاص الذي يسلكون الطريق القويمة عادةً ما …» ثم صمتت بحثًا عن عبارة مناسبة، وعادت تقول: «ينالون العقاب، أليس كذلك؟ هذا من ثوابت هذا العالم أيضًا؛ الثورة والشغف بدلًا من الزهد، عالم زاهي الألوان ومفعم بالحياة بدلًا من عالم رمادي بارد.»

كانت ملامح وجهها قد تغيَّرت. وكانت تتحدث بصوت خافت أثَّر فيه الانفعال، وكانت قَسَمات وجهها تختلج، وصدرها يعلو ويهبط وكأنها أنهت سباقًا الآن، ويداها تمزقان خيوطًا صغيرة من فستانها. في تلك الغرفة الهادئة المطلة على النهر المتلألئ عبر الحديقة الهادئة، ومع عزف الجرامافون في المكتبة لألحان رقصة الفوكستروت الشهيرة، جلست كعابدة دفعتها مشاعرها إلى حالة من الحماس المفرط. وفجأةً، لطمت عينيها بيديها وانفجرت باكية.

وصاحت فجأةً بصوت بائس وعاجز: «أوه، أنا خائفة، أنا خائفة …» وقبل أن أنطق بكلمة، نهضت وأسرعت خارجةً من الغرفة.

ظَلِلت جالسةً في مكاني وبارقة أمل تبزغ في ذهني. رأيت أن دو ميراندول وإيفيلين ديفينيش مؤمنان بهذا المعتقد بحق. وكنت أعلم جيدًا أن عبادة الشيطان لا تزال موجودةً في كل مكان في عالم غرف الاستقبال بالقدر نفسه من وجودها في العالم المكون من الغابات والأدغال البرية. ووُسم كلٌّ من دو ميراندول، المنحط الخائب الرجاء، وإيفيلين ديفينيش، أكثر امرأة عصابية رأيتها على الإطلاق، ليكونوا من أتباعها. أما روبن ويبستر، فوضعه مختلف. إنه المتلاعب الخبيث الذي رأى في هذه العبادة سلاحًا وفرصة. سيتمكن من الزواج من ديانا تاسبورو. نعم، ولكنه يريد جاريةً وليس زوجة. ومن منطلق إيمانها بأنه كاهن الشيطان الأعلى، ستكون طيِّعةً مثل الطين الجاهز لتشكيله. ويكمن الأمل الوحيد الذي أمتلكه لأتمكَّن من إفساد خططه المحكمة في نوبة بكاء ديانا المفاجئة والكلمات التي تلتها. إنها خائفة. لذا، من الممكن إنقاذها. ولكن كيف؟ كنت لا أزال أفكر في إجابة عن هذا السؤال عندما انفتح الباب المؤدي إلى الرواق وعبرته إيفيلين ديفينيش. وعبرت الغرفة في اتجاهي في خط مستقيم بوجه شديد الشحوب والجمود.

وسألتني: «لقد التقيت ديانا الآن خارج هذه الغرفة، وكانت تبكي. ما الذي قلتِه لها؟»، فأجبتها:

«فلتهتمي بشئونك!»

قالت: «سأفعل»، وأومأت لي ونظرة غريبة تُطل من عينيها، ثم خرجت إلى الشرفة.»

عند هذه النقطة، طلبت جويس المزيد من القهوة، ولم تكن على استعداد للاستمرار في حكي قصتها إلا بعد أن انتهت من شربها وأشعلت سيجارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥