إلهام مستمَد من القناع
ولكن حتى في مثل هذا الموقف، لم يستطع هانو إلا أن يتدخَّل. وقال ملوِّحًا بيده في الهواء: «لنتبيَّن كل شيء بمنتهى الوضوح. سأطرح الأسئلة.»
ردَّت عليه جويس: «ما هي؟» ومالت نحوه وقطَّبت جبينها قليلًا في تركيز.
كان هناك بعض الأجزاء غير الواضحة في قصتها، كانت تدرك أنها لن تتمكن من الإجابة عنها. على سبيل المثال، لماذا يثير بعض الرجال، من النوع الذي يمقته الرجال الآخرون، الحب الأعمى في قلوب النساء. وما سبب كون عشق الأوثان والآلهة الزائفة سرمديًّا. ولمَ يُنحَّى كل ما هو نقي وطيب السمعة جانبًا مفسحًا المجال لكل ما هو كريه. لم تكن تملك أي تفسيرات لتقولها. لم يكن بمقدورها إلا أن تقول: «إن حال هذه الأمور في سوفلاك كحالها في كل مكان.» ولكن لم يُثِر هانو أيًّا من هذه المعضلات المحيرة.
وقال: «عندما خرجت للمرة الأولى إلى شرفة القصر، هل رأيت دو ميراندول والسيدة ديفينيش؟»
«نعم.»
«وهل ألقوا عليك نظرةً سريعة؟»
«نعم.»
«وفي تلك الليلة، مع روبن ويبستر، هل أعجبت به على الفور؟»
احمرَّ وجه جويس وأجابت بخجل: «يؤسفني أني فعلت.»
قال هانو معتذرًا: «لم أقصد أن أزعجك. إني أحاول أن أثبت الحقائق في ذهني. والآن، كما سيقول السيد ريكاردو، أكملي من فضلك.»
ولكن صاح السيد ريكاردو معترضًا ومؤنبًا. وقال: «جويس، لا تسمحي لهم بمضايقتك. إنه لم يكن يحاول أن يثبت الحقائق في ذهنه. إنها موجودة في ذهنه منذ أيام عدة. لا، إنه يحاول أن يثبت العبارات في ذهنه، وأؤكد لك أنه سينتقم ويستخدمها بفخر في غير مواضعها.»
لوَّح هانو بيده في تسامح. وقال: «حسنًا، حسنًا، إن استخدامات هذه العبارات كثيرة. أكملي من فضلك يا آنسة ويبل!»
وعادت جويس لتكمل قصتها مجددًا. كان شغلها الشاغل هو كيفية إنقاذ ديانا من تلك العصابة الشيطانية، رغمًا عنها، وكيفية تفكيكها وجعل أعضائها يوارون وجوههم وأسماءهم في مجاهل الأرض، وكيفية فعل ذلك من دون التسبب لها في الفضيحة والخزي.
قالت: «ظَلِلت أفكر طَوال الليل، وبزغ الفجر دون أن أتوصل إلى حل. ولكني توصلت إلى قناعة. يجب أن أعرف بنفسي كل ما سيحدث في أربعاء الأسبوع القادم في منزل السيد دو ميراندول. كنت واثقةً بنفسي، ولكني لم أكن أثق في أي شخص لأحكي له القصة. يجب أن أحفظ جميع الطقوس بالضبط حتى لا يشك أحد أني أقول الحقيقة. الأمر باختصار هو أنه يجب أن أكون حاضرةً في منزل السيد دو ميراندول، يجب أن أكون شاهدة عيان على ما سيفعلون، وعلاوةً على ذلك، يجب أن أمتلك دليلًا لإدانة الأشخاص من قصر سوفلاك الذين يشاركون في طقوس العربدة المرعبة تلك. أوه، كنت أعلم يقينًا أن خطتي خطرة؛ أي أنها ستُعرِّضني للخطر. ولكني فكَّرت أنه بمجرد أن أمتلك الدليل الذي أريد، فمن مكان بعيد، عندما أصبح في أمان، يمكنني أن أُهدِّد بفضح الأمر برمته، وفي ظل هذا التهديد، يمكنني أن أُملي عليهم شروطي. أوه، أعلم أن هذا لا يتسم بالشجاعة، ولكني مضطرة لأن أنقذ ديانا إذا أمكن من دون أن أسبِّب لها أي ضرر.»
قال هانو برفق: «آنسة، إني لأرحب بامتلاك المزيد من هذا الجبن.»
ابتسمت جويس ويبل له في امتنان. وقالت: «لقد أطربتني كلماتك، وسأكافئك بقائمة طويلة من أكثر العبارات الأمريكية استخدامًا التي يمكنني تذكرها.» ثم عادت إلى قصتها. وقالت: «كنت أعتقد أني قادرة على الحصول على الدليل. وذهبنا سيرًا على الأقدام إلى قصر ميراندول في اليوم السابق لنحتسي الشاي ونشاهد المكتبة. سرنا على طول الطريق الذي يمر بمباني المزرعة، وصعدنا التل ودخلنا فناء القصر عبر بوابة صغيرة في السياج العالي. كانت طريقًا طبيعية تبدأ عند قصر سوفلاك، وأصبحت واثقةً بأنه الطريق الذي سيُستخدم يوم الأربعاء. حينئذٍ، كنت على صلة وثيقة بالبروفسير بريور، كما تعرفون جميعكم. بينما كان في الجيش، كان يخدم في واحدة من فرق الاستخبارات، ومن بين القصص الكثيرة التي قصها عليَّ عن تلك المدة، كانت القصة الآتية. قبل انتفاضة الأيرلنديين، كان الألمان يتصلون بالقادة الأيرلنديين عند الساحل الغربي عن طريق غواصاتهم. وكان ضروريًّا تحديد هُويات هؤلاء القادة، وكان ثمة منزل خالٍ يُطل على جرف منعزل يُشتبه في كونه مكان لقاءاتهم. ولكن، اتُّخذ الكثير من الاحتياطات والكثير من الحيطة خلال أوقات انعقاد تلك اللقاءات، ولم يكن لأي غارة أي فرصة في النجاح. ولم تكن لتجد كائنًا حيًّا واحدًا بالقرب من هذا المكان. ومن ثم، أعد البروفسير بريور خليطًا من غاز الخردل والورنيش، والذي إذا ما لمسته، فإنه لن يمسَّك بضُر طوال ساعة أو نحوها، ولكن بعد تلك المدة، ستظهر تقرُّحات على يديك لا يمكن علاجها طوال ستة أسابيع. نُقل البروفسير إلى الساحل الغربي على متن مركب صيد رسا في ليلة حالكة عند شاطئ عند قاعدة الجرف. وتسلَّق الجرف وطلى البوابة الصغيرة المؤدية إلى المدخل الأمامي بهذا الورنيش. ولم يكن على السلطات بعد ذلك سوى الانتظار ثم القبض على كلِّ من تظهر تقرحات غير قابلة للعلاج في راحة يده. تذكرت هذه القصة خلال الليلة المؤرقة التي قضيتها، وفي صباح اليوم التالي، أرسلت رسالةً إلى ليدز أطلب منه أن يرسل إليَّ بعضًا من هذا الورنيش في شحنة مسجلة، وأخبرته بسبب حاجتي لها.
كانت خطوتي التالية أكثر صعوبة إلى حدٍّ ما. فبسبب شكوى السيد دو ميراندول من إفشاء سرية الطقوس، كان ثمة ذكر لحضور المجموعة الطقوس مرتدين أقنعة، ومرةً أخرى طمأنني قسم المكتبة من س إلى ف بامتلاكه حلًّا جيدًا. كنت أتساءل عما إذا كان من المفترض أن يكون القناع كافيًا أم أنهم سيتنكَّرون تنكرًا كاملًا. وأملت أن يفعلوا الأمر الثاني. كان من المنطقي أن أفترض أن تجديفًا من هذا النوع يجب أن تُجرى طقوسه في ساعة متأخرة من الليل بعد أن يكون العالم قد خلد إلى النوم. وسيتجمَّع المشاركون سرًّا، وسيكون من السهل بالنسبة إليَّ أن أتسلل هابطةً الدرج، ثم أخرج عبر الأبواب الزجاجية لقصر سوفلاك وأصعد التل وصولًا إلى ميراندول مثلما سيفعل الجميع. ولكن بمجرد وصولي، سيتغير الوضع تمامًا. يجب أن أكون شديدة الحذر، وأن أقلِّد ما يفعله الآخرون دون أن أرتكب خطأً يلفت أنظار الجميع نحوي. ولكن إقامتي في سوفلاك استمرت لأسبوعين كاملين. هل سيكون القناع وسيلة تنكر كافيةً بالنسبة إلي؟ لا سيما فيما يتعلق بروبن ويبستر، كاهن القداس، الذي تجعلني عيناه أرتبك بشدة عندما تتفحصانني بطمع من قمة رأسي حتى أخمص قدمي. هل أرتدي عباءة تنكر؟ من المؤكد أن أتمكَّن من الحصول على واحدة وعلى قناع في مدينة كبيرة مثل بوردو بكل سهولة.
فكرت في طريقة لأن أتأكد. كانت غرفة نومي، كما تعلمون، تقع فوق غرفة ديانا. ووُضعتُ في هذه الغرفة بِناءً على اقتراح من إيفيلين ديفينيش حتى لا أعيق طريقهم ليلة الأربعاء. ولكن كان هناك سلم حلزوني أمام باب غرفتي يؤدي إلى الطابق الأرضي بجانب باب غرفة ديانا تمامًا. تحيَّنت الفرصة عندما خرجت ديانا من غرفتها، وتسلَّلت إليها لأكتشف، إذا ما استطعت، ما الذي سترتديه. وفي حال عودتها المفاجئة، فإن الفرار إلى غرفتي سيكون سهلًا.
سنحت لي الفرصة بعد يومين. ذهبت إيفيلين ديفينيش وروبن ويبستر إلى بوردو في سيارة صغيرة ذات مقعدين ليتناولا الغداء هناك ويقضيا اليوم، وفي عصر ذلك اليوم، خرجت ديانا والسيدة تاسبورو في سيارة كبيرة في زيارة واجبة لعائلة في أركاشون. ومن ثم، فكرت أن الخطر الوحيد هو أن تخرج ماريان من مطبخها وتُمسك بي. لذا، فحصت ملابس ديانا بأقصى سرعة ممكنة. ولكن كان عليَّ، بالطبع، أن أعيد تطبيق ووضع كل شيء في المكان نفسه حيث وجدته بالضبط، واستغرق هذا الأمر ثلاثة أرباع الساعة حتى وجدت في قاع أحد الأدراج بدلةً صبيانية مخملية سوداء، ورداءً كهنوتيًّا قصيرًا من المخمل القرمزي، وعباءة تنكر سوداء لتغطيتهما. وكان هناك صندوق كرتوني أبيض.
فتحت الصندوق، وحبست أنفاسي. فقد كنت على وشك الصراخ. كان في الصندوق قناع كريه للغاية بشفاه أرجوانية ووجه شاحب وشعر أحمر لامع، تعرفونه جميعكم. وصُعقت. نعم! وجرؤت بالكاد على لمسه. كان متقَنًا للغاية، والحزن بادٍ جليًّا على ملامحه التي تحمل في الوقت نفسه أمارات الشر. بدا وكأنه حي بطريقة ما أو بأخرى.»
كانت جويس تتحدَّث همسًا، وكان وجهها شاحبًا وجبينها مُقطَّبًا، كما لو أنها تعيش لحظة اكتشاف القناع هذه مجددًا. قالت: «انتابني خوف غير عقلاني من أني إذا لمسته، فسوف يهاجمني، سيقفز على وجهي ويسبِّب لي ضررًا شيطانيًّا، وربما يقتلني. شعرت فجأةً بأني وحيدة للغاية في تلك الغرفة المشمسة الصامتة، وإذ فجأةً أرى زنبورًا على أحد ألواح النافذة فشعرت بفزع جنوني. وتملَّكني الذعر. وغمرني شعور مُلِح بأني يجب أن أهرب، أن أذهب إلى أي مكان بعيدًا عن هذا المنزل الملعون، وأن أتركه وكل من فيه خلفي إلى الأبد، قبل أن يفوت الأوان. لعلكم تعرفون ما يفعله العصابيون عندما يتلفتون حول أنفسهم وينظرون خلفهم ليروا ما إذا كان هناك من يقترب من خلفهم متسللًا. وفجأة، رأيت نفسي في المرآة أفعل ذلك، وتكسو وجهي أعتى أمارات الرعب. أعاد لي هذا المشهد بعضًا من تعقُّلي. وشعرت بالخجل من نفسي. وطرأت عليَّ فكرة غريبة، كنت في حالة مزاجية تكتنفني فيها الأفكار الغريبة، وهي أني إذا ارتديت القناع، فسيذهب عني الخوف، بل وقد يهبط عليَّ إلهام من شأنه أن يساعدني.
أخرجت القناع من الصندوق بحذر شديد وارتديته. لم يكن يحتاج إلى أي أربطة. فقد كان مناسبًا تمامًا لمؤخرة رأسي، والتصق على نحو محكم بوجهي. نظرت إلى نفسي في المرآة. وكان من المذهل أن شخصيةً مغايرة تمامًا أصبحت ملائمةً لي لمجرد ارتداء القناع. كانت عيناي موجودتين تلمعان عبر الرموش الطويلة الرقيقة المنحنية، ولكني لم أتمكَّن من التعرف إليهما أنهما عيناي. كان كل ما عليَّ فعله هو أن أرتدي ثوبًا لم يرني أحد في سوفلاك أرتديه من قبل، وأن أُعدِّل فيه قليلًا كي يجعلني أبدو أكبر سنًّا، ومع وجود قناع مثل هذا على رأسي ووجهي، فلن يمكن لوالدتي نفسها أن تتعرف إلي.
نعم، ولكن لم أكن لأتمكن من الحصول على قناع مثله. فهذا القناع من صنع يد فنان حقيقي، قناع مثالي كأنه أحد قصائد هوراس الغنائية. وهبط عليَّ الإلهام في لمح البصر. يمكنني أن أحل محل ديانا! إن الثوب نفسه يوحي بأنها ستشارك حقًّا في الطقوس. ستكون مساعدةَ الكاهن التي تهز المبخرة. إذا ما تمكَّنت من أن أحل محلها، وخرجت سالمةً بعد ذلك! فسأمتلك زمام الأمور، ولن يصيب ديانا أي ضرر. يمكنني تهديدهم، ويمكنني فضحهم، وإذا كان القانون يعاقب على ارتكاب هذه الرذيلة، يمكنني أن أساعده في إنزال هذا العقاب، ولن تُمس ديانا بسوء. هذا لو تمكنت من أن أحل محلها! وفي اللحظة التالية للإلهام، وبينما كنت لا أزال أقف أمام المرآة أنظر إليها عبر فتحتي عيني القناع، خطرت ببالي وسائل تنفيذ ذلك. لقد تجسَّدت تلك الوسائل أمام عيني.
لن أقول إنني لم أكن أرتعد رعبًا. فقد كنت أرتعد رعبًا حقًّا. كنت أعلم أني لن أحصل على مثقال ذرة من رحمة من إيفيلين ديفينيش إذا ما سقطت عاجزةً بين يديها. اقشعر جسدي بينما أقف في مكاني. ولكن لم تكن القشعريرة بسبب الخوف وحده. بل بسبب الانفعال أيضًا.
خلعت القناع مترددة؛ فقد تخيَّلت أني عندما أخلعه سيختفي الإلهام معه، وستتحول خطتي إلى حماقة. ولكني لم أفقد أيًّا منهما. وظَلِلت أمسك القناع في يدي حتى أصبحت واثقةً ببقائهما. ثم أعدت القناع إلى داخل صندوقه الكرتوني، وأعدت كل شيء إلى مكانه، وخرجت من الغرفة خلسة. كان المنزل لا يزال خاليًا. ذهبت إلى أريكة عند نهاية الحديقة، وجلست عليها أُفكِّر في خطتي خطوةً بخطوة محاوِلةً أن أُفكِّر في كل عيوبها، وفي كل احتمال لفشلها. وبالطبع، لم يدُر بخَلَدي تلك الجريمة الرهيبة التي أفسدتها تمامًا.
جاءت تلك الليلة ببشرى. فقد خمنت أن إيفيلين ديفينيش لم تكن تذهب إلى أي مكان من دون خزين من الحبوب المنوِّمة. وأخبرتها بعد العشاء بأن النوم يجافيني في سوفلاك، وأن هذا حدث لأني لم أكن أتناول العقاقير التي وصفها لي الطبيب، وأني لا أعلم كيف سأحصل على منوِّم يستحق أن أتناوله. في البداية، ضحكت إيفيلين ديفينيش مزدريةً براءتي. ولكنها توقفت عن الضحك. ونظرت إليَّ بطريقة غريبة، ثم بدت مسحة من السرور على وجهها.
وصاحت قائلة: «يمكنني أن أساعدك بالطبع.» كان تخميني صائبًا. قالت: «لديَّ بعض بلورات الكلورال. سأحضر لك بعضًا منها.» وأسرعت نحو غرفتها.
أعتقد أنها فكَّرت في أن تناولي منومًا قويًّا في ليلة الأربعاء فكرة جيدة. وسأُنحَّى عن طريقهم تمامًا. تأكد اعتقادي هذا عندما عادت وفي يدها علبة ورقية صغيرة. وأصرَّت بشدة على أن أُخبرها في الصباح بتأثير هذه البلورات علي.
وقالت: «يجب أن تذيبيها في الماء بالطبع. لقد أعطيتك جرعةً صغيرة تحسُّبًا لأي مضاعفات. ولكن من المهم أن تخبريني غدًا بتأثيرها عليك.»
وعدتها بأني سأُخبرها، وأخذت البلورات وذهبت إلى غرفتي. إلا أنني بمجرد أن وصلت إلى غرفتي، خفت أن أستخدمها. ولكن كان يجب أن أستخدمها. لم أكن أعلم أي شيء عن المواد المنومة. لطالما كنت أنام كرضيعة طوال حياتي. لم تكن لديَّ أدنى فكرة عما إذا كانت الجرعة ضعيفةً أم قوية، أو حتى إذا كانت الجرعة التي أعطتها لي قويةً للغاية. نعم، كان هذا الخوف يؤرِّقني بشدة. راقبت البلورات وهي تذوب في الماء تحت ضوء المصباح المجاور لفِراشي، وتساءلت عمَّا إذا كنت أذيب كميةً تكفي لإزاحتي عن الطريق إلى الأبد. وتخيَّلت عيني إيفيلين ترمقانني بسخرية: كانت قد رمقتني بقدر كبير من الازدراء. من ناحية أخرى، ربما كانت تُجرِّب الجرعات المناسبة، مثلما أفعل تمامًا. كانت تحاول اكتشاف كمية الكلورال المطلوبة لكي ينام المرء بعمق ولا يمكن لشيء أن يؤرِّقه ليلة الأربعاء، مثلما أفعل تمامًا. دخلت إلى فراشي، وشربت كوب الماء كاملًا متعجِّلة. شعرت بالذعر بعدما انتهيت من الشرب، وحاولت بلا جدوى أن أمنع نفسي عن النوم. وكنت أقول لنفسي: «لن أنام. لن أنام.» ما أذكره بعد ذلك هو أني كنت أنظر إلى ساعتي في ضوء النهار وأدركت أن الساعة تُشير إلى الحادية عشرة والنصف وقهوتي موضوعة على الطاولة المجاورة لفراشي وقد بردت تمامًا. شعرت برأسي ثقيلًا إلى حدٍّ ما، ولكن دون أي أعراض أخرى، وبدأت أشك فيما إذا كانت الجرعة ستكون فعَّالةً لو كنت بطبيعتي سريعة الاستيقاظ. ومن ثم، كان كل ما قلته إلى إيفيلين:
«نعم، لقد نمت أفضل كثيرًا. ولم أستيقظ أكثر من مرة.»
أومأت إيفيلين ديفينيش برأسها.
وقالت: «حسنًا، سأعطيك منوِّمًا أقوى المرة القادمة. ولكن ليس الآن. إذا ما اعتدت على تناول هذه المواد، فستفقدين تأثيرها. ستحصلين على المزيد من البلورات بعد أسبوع من الآن، إذا ما ذكَّرتني بذلك.»
بعد أسبوع بالتحديد، سيحل يوم الأربعاء الذي يجب إزاحتي عن الطريق فيه. شكرتها بامتنان شديد على عطفها. لا ريب في أنها اعتقدت أني حمقاء؛ فقد دخلت في شَرَكها بإرادتي.
كانت الخطة تسير على خير ما يرام حتى ذلك الوقت، ولكن كان ثمة إجراء احترازي آخر يجب أن أتخذه. كنت أعلم أن طقوس قداس الشيطان يجب أن تلي قداسًا حقيقيًّا، وكان يجب أن أتعلَّمها. لذا، واظبت على الذهاب إلى الكنيسة الصغيرة في سوفلاك طوال الأسبوع التالي، ويؤسفني أن تركت لدى القس فاورييه انطباعًا بأنه بصدد هداية فتاة من الولايات المتحدة تمتلك أموالًا طائلة. في واقع الأمر، كنت أُراقب عن كثب كل حركة يفعلها الصبي القروي الصغير الوحيد الذي يؤدِّي دور مساعد الكاهن. كانت ثمة حركات من الصعب على المرء تذكُّرها. فقد كانت تتناسق في بعض الأحيان مع حركات القس، وفي أحيان أخرى كانت تُناقضها، مثلما يتحرَّك الراقصون وشركاؤهم، ولا أقصد بذلك الاستهانة بتلك الأمور الدينية. ولكن، بحلول يوم الأربعاء، وبفضل ذهابي إلى الكنيسة والتدرب في غرفتي، شعرت بأني قد أنجح. في صباح يوم الثلاثاء، وصلت الشحنة المسجلة من ليدز، وبهذا، أصبح كل شيء جاهزًا.»
أخذت جويس ويبل شهيقًا عميقًا وكأنها قد وصلت إلى المرحلة الأخيرة من مغامرتها وجلست وعيناها تحدِّقان في الطاولة. كانت ثمة زجاجة من مياه إيفيان تقف في منتصف الطاولة. لمست ذراع حبيبها وطلبت كوبًا من هذا الماء.
قال هانو في لطف: «يا آنسة، إذا ما كانت ذكريات تلك الليلة تسبِّب لك الإزعاج، فلا تدعينا نزيد من انزعاجك بجعلك تحكينها لنا هنا. فللأسف، سيكون عليك أن تحكيها مرةً أخرى.»
ردَّت قائلة: «في محكمة الجنايات. أعلم ذلك، وأعترف لك بأني خائفة من فكرة حكيها على الملأ أمام الأعين المحدقة بي. ولكن سيساعدني حكيها أولًا بين أصدقائي في الاستعداد لتلك المحنة. ستصبح قصتي أكثر ترتيبًا وتكرارها أقل تعذيبًا.»
وشربت كوب الماء كاملًا وواصلت الحكي.