ليلة الأربعاء
«في يوم الأربعاء، وبعد تناول الغداء، انتحيتُ بإيفيلين ديفينيش جانبًا في الشرفة وأفزعتها بشدة عندما قلت لها: «هذه الليلة الموعودة، أليس كذلك؟»
اتسعت عيناها عن آخرهما في رعب، وشحب وجهها بشدة.
وتلعثمت قائلة: «الليلة الموعودة؟ الليلة الموعودة لماذا؟» وانتظرت إجابتي في ترقب. كنت مستمتعةً بجعلها تنتظر متحيرةً ومهتاجة لأطول مدة ممكنة.
كرَّرت متظاهرةً بالدهشة: «ماذا؟ أوه، لا يمكن أن تكوني نسيتِ! لا أصدق ذلك.» ومع كل جملة جديدة أقولها، كانت قدرتها على التظاهر تضعف أكثر فأكثر، حتى أصبح وجهها يُشبه عيني قناع أبيض جامدتين تلمع الكراهية فيهما. ولا ريب في أني فكَّرت بينما كنت أنظر لها: «سأتنكَّر على هيئتها تلك.» ولكني أدركت في الوقت نفسه أني لم أكن حصيفةً بما يكفي. فسارعت بالقول:
«لقد وعدتني بإعطائي منوِّمًا الليلة يا سيدة ديفينيش. وظَلِلت متشوقةً للحصول عليه طوال الأسبوع.»
عادت الحمرة تكسو وجهها مجددًا. وردت قائلة: «بالطبع، لم أكن قد نسيت. سأعطيك إياه بالطبع يا جويس.» ثم تغيَّرت نبرة صوتها. وقالت: «أريد منك أن تسديني خدمةً في المقابل. مجرد خدمة صغيرة. قد أبدو سخيفةً بالنسبة إليك. وربما أنا كذلك حقًّا. ولكني أومن بالخرافات.» ثم أسكتت نفسها وكأنها قالت أكثر مما يجب. وعادت تقول: «أريد منك أن تعيريني شيئًا ترتدينه باستمرار، سوارًا على سبيل المثال.» وأشارت إلى السوار الذهبي الذي يحيط بمعصمي. وقالت: «سأعيده لك في الغد.»
لا ريب في أني بدوت مندهشة. ولم أتخيَّل سبب رغبة شخص يؤمن بالخرافات في الحصول على سوار. إنه ليس تميمة، أو شيئًا من المفترض به أن يجلب الحظ الحسن مثل سوار من شعر الفيل. لم يكن سوى شريط من الذهب به حجر أوبال ناري عند مشبكه. ولكني فككته وأعطيته إياها.
وقلت في سرور: «بمقدورك الحصول عليه بطبيعة الحال.» أخذته إيفيلين ديفينيش من يدي بطريقة أقرب إلى الخطف. ثم نظرت نحوي هي أيضًا في سرور، ولكنه نوع خفي من السرور، كما لو أني أكثر امرأة حمقاء في العالم لأني تركتها تأخذ السوار.
انتظرت إلى ما بعد وقت الشاي في الحديقة، فلم تكن قد رُتبت أي جولات في ذلك اليوم، ثم تسلَّلت إلى خارج الحديقة خلسةً لأتمشَّى، وكان الورنيش معي، وفرشاة طلاء صغيرة، وقفاز سميك في حقيبة يدي. سرت بمحاذاة طريق التل وصولًا إلى البوابة الصغيرة في سياج حديقة ميراندول الطويل. لم أتمكن من رؤية أحد في نطاق بصري. فارتديت القفاز السميك، وطليت مزلاج البوابة وعمودها وعوارضها بدقة وسرعة. ثم لففت الزجاجة والفرشاة والقفاز معًا ودسستهم عميقًا داخل السياج في المكان حيث وجدهم السيد هانو، على ما أعتقد.»
اكتفى هانو بإيماءة توكيد. فلم يكن ذلك وقتًا مناسبًا لقول العبارات الشائعة الاستخدام. وبدأ ضيق غريب يزحف على جمهور جويس الصغير. وشعر كلٌّ منهم بأنه يشهد بأم عينَيه تلك الأحداث التي يسمعها تُقص فحسب. كان كلٌّ منهم حاضرًا في قصر سوفلاك ذي اللون الزهري الفاتح يشاهد الفتاة الوحيدة الرقيقة القلب تشن حملتها على قوى الظلام، الأمر الذي أصابهم بالقشعريرة. كانت هناك تجلس أمامهم، ولكن تفكَّكت جدران المطعم المتواضع الخشبية ووجدوا أنفسهم يرافقونها في مغامرتها الخطرة.
«بينما كنت أرتدي ملابسي لأذهب لتناول العشاء، طرقت إيفيلين ديفينيش باب غرفتي ودخلتها.
وقالت: «إليك المنوِّم الذي طلبت. لقد أضفت بضع بلورات أكثر من المرة السابقة. ولكن ليس الكثير. سأتناول الكمية كاملةً لو كنت مكانك.»
ثم وضعت العلبة البيضاء في يدي وخرجت من الغرفة. كانت العلبة أثقل بكثير من العلبة التي أعطتها لي سابقًا، وكنت خائفةً من استخدام ما تحويه. أذبت حوالي ثلاثة أرباع البلورات في كمية صغيرة من الماء بينما كنت أضع اللمسات الأخيرة على ملابسي، وصببت المنوِّم بحرص في زجاجة دواء صغيرة، وأغلقت الزجاجة بسدادتها وأخفيتها في أحد الأدراج. ثم نزلت لأتناول العشاء، ووجدتك حاضرًا.» والتفتت نحو السيد ريكاردو مبتسمة. ثم قالت: «لقد تسبَّبت لي في صدمة كبيرة بعد ذلك، رغم أنك لا تدرك أنك فعلت، ولكن في تلك اللحظة، كنت سعيدةً برؤيتك. لقد كنت وحيدةً من قبل، أما الآن، فثمة شخص يمكن أن يساندني.»
قال السيد ريكاردو شاعرًا بأنه مستعد لفعل أي شيء الآن بعدما لم يعد ثمة خطر محدق: «نعم، نعم! ثقي بأني كنت سأساندك.» ولكنه لم يكن يعرف كيف تسبَّب في انزعاج جويس ويبل. لا بد من أن جويس مخطئة. من الطبيعي أن تكون ذكرياتها عن تلك الليلة مشوَّشة.
واصلت جويس حديثها قائلة: «استفضت في الترحيب بك أنت تحديدًا؛ فقد كنا جميعًا متعصبين في تلك الليلة، باستثناء روبن ويبستر. فقد كان هادئًا وواثقًا كما لو أنه لا يوجد في ذهنه ما يشغله سوى التشكك في أن الأمطار ستهطل في الموعد المناسب لزيادة محصول العنب. أما بقيتنا، فكنا منزعجين، وعندما وصل القس فاورييه وتحدث عن ملابس القس التي سُرقت، أعتقد أننا كنا جميعًا على حافة الانهيار. وأدركت أني ارتكبت خطأً فادحًا عندما صحت: «لست أنا من يوزع البرودة!» وفهم جميع الموجودين في غرفة الطعام، فيما عدا الخدم، والسيدة تاسبورو، والسيد ريكاردو، تلميحي. لقد بحت بمعرفتي للسر الرهيب الذي يكتنف هذه العائلة الصغيرة بوضوح تام وكأني وقفت وصحت به بأعلى صوتي. أذكر أن إيفيلين ديفينيش، بعدما ذهب عنها الرعب، نظرت بظفر عبر الطاولة نحو روبن ويبستر. كانت تعبيرات وجهها تقول بوضوح أكبر من الكلمات: «بمَ أخبرتك؟ إنها تعرف سرنا.»
وبالطبع، كان هناك اجتماع صغير في الشرفة بعد العشاء ضمها هي وروبن ويبستر ودو ميراندول. ولكن لم يكن ثمة ما يجعلهم يعتقدون أني أعرف ما خطَّطوا لفعله في تلك الليلة، أما في الغد، فقد رتَّبت إيفيلين ديفينيش ما ستفعله بي. خشيت للحظة أنهم قد يؤجِّلون القداس إلى يوم الجمعة. فلم أكن أمتلك عذرًا لتغيير ترتيباتي. وكان يجب أن أرحل في الصباح. ولكن بعدما انتهى الاجتماع، قال دو ميراندول بصوته العالي: «في تمام الواحدة إذن.» تبعت كلماته صيحة استياء خافتة أطلقتها إيفيلين ديفينيش، فأضاف: «غدًا»، وضحكوا جميعًا.
لن تتغير الترتيبات إذن. لقد شرحت لكم كيف أني كلفت نفسي خلسةً بمهمة إعداد المشروبات للمجموعة. ذهبت إلى غرفتي عدوًا، وأحضرت الزجاجة الصغيرة التي تحتوي على المنوم، ووضعتها داخل منديلي، وعدت إلى غرفة الاستقبال في اللحظة نفسها التي كانت فيها السيدة تاسبورو تنادي على ديانا طالبةً منها أن تعد مشروبًا ليليًّا من أجل القس. وسيتذكر السيد ريكاردو أن ديانا كانت آخر من يدخل الغرفة، وطلبت مني براندي مع الصودا. كانت الطاولة موضوعةً في مكان جعلني أولي ظهري للغرفة. أزلت سدادة الزجاجة الصغيرة، وصببت بعض البراندي في الكوب، ثم أملت الدورق بيدي اليسرى وصببت الصودا في الكوب. في الوقت نفسه، كنت أمسك الكوب على الطاولة بيدي اليمنى، وتمكنت من إفراغ محتويات الزجاجة الصغيرة في كوب البراندي تحت غطاء الضوضاء التي أحدثها الدورق. بعد ذلك مباشرة، انصرف القس فاورييه والأشخاص الآخرون الذين لا يُقيمون في المنزل، وذهب كلٌّ منا إلى غرفته. ولم يكن الوقت قد تأخر.»
وافقها السيد ريكاردو قائلًا: «نعم. أذكر أن الساعة كانت تشير إلى الحادية عشرة إلا ١٠ دقائق عندما بدأت في الاستعداد للنوم.»
قرَّرت أن أنتظر لساعة ونصف قبل أن أتسلل نازلةً إلى غرفة ديانا. خلعت فستاني وارتديت جوارب سوداء وحذاءً أسود، وارتديت رداء نوم، كل هذا بسرعة محمومة. ولكن لم يتبقَّ لي ما أفعله بعد ذلك، ولم أكن أدرك أن الزمن يزحف بهذا البطء الشديد. وبمرور كل دقيقة من تلك الدقائق التي بدت وكأنها لا نهاية لها، كان إحجامي عن المضي قدمًا في المخاطرة التي تنتظرني يزداد. كنت أتخيل نفسي وقد انكشف أمري ونُزع قناعي عن وجهي. وتخيَّلت إيفيلين ديفينيش تشمت بي وتُشبع كراهيتها لي. ولكني كنت أشعر بأنها، رغم كل ما سبق، ليست في قسوة دو ميراندول بشفتَيه الحمراوين ووجهه الضخم البدين. وبدأت أشعر بالنعاس لمجرد رؤية فراشي بملاءاته البيضاء المطوية بعناية. وبدأت أفكِّر: «بفرض أني خلدت إلى النوم، فلن يمكن أن تخرج ديانا من المنزل الليلة. هذا مؤكد، وهذا هدفي الرئيس.»
ولكن، لم يكن هذا الهدف الرئيس بالطبع. كان الهدف الرئيس إفسادَ أي فرصة أخرى لتكرار ما يحدث الليلة في ظل وجود ديانا. ولكن كانت دعوةُ الوسائد لي لأنام تزداد إلحاحًا، وكادت تصبح غير قابلة للمقاومة إذا لم تشتعل في داخلي شرارة مفاجئة من الخزي عندما فكَّرت في أن جميع خططي وقراراتي المحكمة ستذهب هباءً منثورًا إذا لم أظلَّ فاتحةً عيني. فقفزت واقفةً وأطفأت الأنوار. لن أتمكن من البقاء مستيقظةً والملاءات البيضاء والوسائد تصرخ فيَّ ألَّا أكون حمقاء. أما في الظلام، دون أن أكون قادرةً على رؤيتها، فسأكون أكثر قدرةً على البقاء مستيقظة. وكنت محظوظةً أني أطفأت الأنوار. فبعد بضع دقائق، بينما كنت أجلس على حافة الفراش، سمعت صوت خطوات أقدام على الدرج الحجري خارج باب غرفتي. كان هناك من يتنصَّت خارج باب غرفتي ليتأكد من أني نائمة، وربما كان هذا الشخص إيفيلين ديفينيش. وعلى الفور، تيقَّظت وأصبحت واثقةً بأني تأخرت، وأنه كان يجب أن أكون الآن مرتديةً ملابسي وأقف جاهزةً في بهو المنزل. كنت أخشى أنها قد تدخل غرفة ديانا، وتنصتُّ لأسمع صوت باب يُفتح ويُغلق، أو صوت صرخة فزع، أو صوت أقدام مسرعة. ولكن بعدما مرت بضع دقائق، فتحت باب غرفتي، وكان المنزل صامتًا لدرجة أني شعرت بأني أستطيع سماع صوت فأر يتحرك.
كنت قد أغلقت مصاريع النوافذ وأسدلت الستائر عليها عندما صعدت إلى غرفتي أول مرة. أضأت الأنوار مجددًا ونظرت إلى ساعتي. وكانت تشير إلى بضع دقائق قبل الثانية عشرة والنصف. تسلَّلت إلى الطابق السفلي وفتحت باب غرفة ديانا بحذر شديد. كانت أنوار غرفتها لا تزال مضاءة، ولكنها كانت مستلقيةً في فراشها بالفستان الذي كانت ترتديه، تتنفَّس بانتظام وتغط في نوم عميق. وضعت لحافًا عليها، وأخرجت من الدرج البدلة المخملية، والرداء الكهنوتي، وعباءة التنكر، والقناع، وبينما كنت أستدير نحو الباب، رأيت حزمةً ملفوفة بورق بني موضوعة على الطاولة. اعتقدت أنها قد تكون شيئًا يتعلَّق بالفستان الذي من المفترض أن ترتديه. فككت الحزمة ووجدت أنها الرداء الكهنوتي الأبيض ذو حواف الدانتيل الذي رأيت مساعد القس يرتديه في أيام خاصة أثناء القداسات الكاملة المراسم. أضفته إلى كومة الملابس التي معي، وأطفأت الأنوار، وأخذت المفتاح من مزلاج الباب، وأغلقت الباب خلفي بالمفتاح بعدما خرجت من الغرفة. لم أكن أريد أن تدخل إيفيلين ديفينيش الغرفة في اللحظة الأخيرة وتجد ديانا نائمة. وإذا ما حاولت فتح الباب، فقد تعتقد أن ديانا قد خرجت حقًّا إلى مكان اللقاء وأغلقت بابها حتى لا يعبث أحد بغرفتها.
في تمام الواحدة إلا ١٠ دقائق، كنت قد ارتديت الملابس ووضعت القناع على وجهي، وتسلَّلت خارجةً من باب المنزل الأمامي وأسرعت على الطريق نحو مباني المزرعة. كانت هناك سيارة تقف على الطريق دون أن يضيء أي من أنوارها. كان روبن ويبستر يجلس دون تنكر خلف عجلة القيادة، وبجانبه امرأة؛ إيفيلين ديفينيش. فتحت الباب بجانبها، ولكني كنت قوية الملاحظة لأرى أن الحظ كان يحابيني. لوَّحت بيدي وكأني أقول لها: «إجابتي هي لا.» وصعدت إلى المقعد الخلفي. لم يُلحَّ روبن ويبستر أو إيفيلين في دعوتهما لأن أجلس بجانبهما، وانطلقت السيارة مسرعةً على طول الطريق عابرةً المرعى وصاعدة التل في اتجاه البوابة. تركتهما يخرجان من السيارة أولًا، وكنت لا أزال أقف على عتبة النزول من السيارة عندما سمعت سِبابًا من ويبستر وصيحة ضيق من إيفيلين ديفينيش. تلطَّخت يدا كل منهما ببعض من الورنيش الذي حصلت عليه من البروفيسور، وعندما وصلت إليهما كانا يحاولان فركه من على أيديهما بالمناديل. قال روبن ويبستر: «انتبهي إلى البوابة. إنها لزجة.» مررت من خلفه وخلف إيفيلين ديفينيش، وركلت البوابة بقدمي. كنت أريد من كلٍّ ممن يستخدمون البوابة هذه الليلة أن يفتح مزلاجها بيده. كان المدخل الأمامي للمنزل مفتوحًا والممر مضاءً. وأظهر لي الضوء المتسلل عبر الباب أن هناك مجموعات صغيرةً من الناس، وكشف الضوء عن قناع وعباءة ملفوفة كالكفن. كانت هناك أيضًا أنوار في المكتبة في الدور الأرضي، وكانت ظلال أشخاص يتجولون فيها جيئة وذهابًا تسقط على الحصى في الخارج. كان التجمع أكبر مما توقعت، ورأيت لوهلة أن ذلك يبعث على الشعور بالأمان، ولكني شعرت بعدُ بالخوف بسبب زيادة فرص انكشاف أمري.
قال روبن ويبستر بهدوء: «من هنا.» ثم قادنا إلى الباحة الخلفية للمنزل. وهناك، كان السيد دو ميراندول في انتظارنا، وصعدنا عبر درج خلفي إلى غرفة صغيرة تقع خلف غرفة الاجتماعات، ويفصل بينهما باب مخفي في ألواح الخشب. كانت ملابس القس فاورييه الكهنوتية موضوعةً على أحد المقاعد. وكان السيد دو ميراندول في حالة توتر شديدة. فكان وجهه محمرًّا بشدة ويداه ترتعشان.
وسأل: «هل أنتم جاهزون؟ لقد حان الوقت.»
ضحكت إيفيلين ديفينيش بنبرة خافتة وحماسية.
وقالت: «إنها اللحظة التي أنتظرها. أن تكون الأيام الماضية هي الأيام القادمة. وما حدث من قبل، سيحدث مجددًا. وعندما تفوز، سأفوز أنا أيضًا.»
كانت كلمات تشبه كلمات عرافة، أو دجالة تحيط نفسها بهالة من الغموض، ولكنها قيلت بصوتٍ مفعم بالشغف والصدق إلى حد أنني لم أشك معها في أنها تمثل العالم بأسره بالنسبة إليها. ثم صاحت بصوت خفيض: «يا سيد الأرض!» ثم انتحبت في صوت خفيض وأعادت صلاتها مجددًا. «يا سيد الأرض.» ثم رسمت على نفسها بإبهامها علامة الصليب من أسفل إلى أعلى وليس من أعلى إلى أسفل. وقالت: «أعده لي!» ونظرت نحو روبن ويبستر وعيناها تبرقان خلف فتحتي قناعها الحريري الأسود. كانت ترتدي عباءةً طويلة ضمَّتها بحيث تكون ملفوفةً حول جسدها، ولاحظت للمرة الأولى، مصدومة، أن قدميها في الخف عاريتان. وكرَّرت مناجاتها وكأنها امرأة مجذوبة: «أعده لي.» وأمسكها دو ميراندول من ذراعها.
وقال: «تعالي!» وقادها نحو الغرفة الكبيرة، وأغلق الباب خلفه. سمعت أصوات طقطقة مفاتيح الأنوار الكهربية، وبعد بضع دقائق، سمعت ضوضاء خافتةً لأشخاص يدخلون الغرفة ويجلسون في أماكنهم.
في الوقت نفسه، كان روبن ويبستر يقف مثل تمثال حجري وعيناه تحدِّقان في الأرض. ثم رفع رأسه وأطلق زفرةً تنم عن الراحة. ثم خلع معطفه الطويل، ورأيت أنه كان يرتدي رداءً كهنوتيًّا. ارتدى قميص الكاهن الأبيض والشال ببطء شديد، وكأنه رجل غارق في أحلامه. ثم أخذ شيئًا من جيب معطفه وأخفاه في كمه. ثم استدار ونظر نحوي. كنت قد خلعت عباءة التنكر. أشار نحو طاولة وُضعت عليها مبخرة ذهبية بسلاسل ذهبية. كانت مليئةً بالبخور في انتظار أن يُشعله أحد، وكانت هناك علبة ثقاب على الطاولة بجانب المبخرة. أشعلت عود ثقاب وأشعلت البخور وحملت المبخرة في يدي. تصاعد من البخور دخان قاتم السواد، وملأ الغرفة برائحة حارقة ومسكرة. وطوال ذلك الوقت، لم يرفع عينَيه عني. لم تمر لحظة دون أن أتوقع أن أسمعه يصيح: «من أنت؟» ولكنه لم يفعل. وقفت في مواجهته أؤرجح المبخرة إلى الأمام والخلف أمام جسدي وبين جسدينا، ولم أكن أراه إلا عبر سحابة من الدخان.
رغم ذلك، شعرت بأنه قد عرف من أكون؛ فقد وقف يحدِّق بي بملامح جامدة وعينين لا تطرفان. وفجأة، غمرني شعور جارف بالراحة. فقد أدركت أنه يحدِّق بي بعينين شاردتين. لم أكن نصب عينَيه من الأساس. وكانت أفكاره منصبةً على نفسه. واختلجت شفتاه ببطء عن ابتسامة، وبلَّلهما بلسانه، وتحسَّس كمه بيده اليمنى، ليتأكد من وجود ذلك الشيء الذي أخفاه. أدركت حينئذٍ أنه يحاول أن يطبع في ذاكرته تلك اللحظة التي ستُحرِّره من ملل عشيقته وطلباتها، كان يطبعها في ذاكرته باستمتاع شهواني بطيء.
ثم قال وهو يفتح الباب: «لقد حان الوقت.» وغمرنا ضوء لامع.
تبعته وأنا أُتمتم بدعاء وقلبي يرتعد خوفًا. ولكني صرفت ذلك الخوف من قلبي حتى لا أخطئ وينكشف أمري. وتخطيت خوفي. أعتقد أن أبخرة البخور أسكرتني. ولكن شعرت في تلك اللحظة بخوف أتمنى ألَّا أشعر به مرةً أخرى ما حييت، كنت خائفةً أن أرى الشيطان نفسه يتجسد في الغرفة بين عباده، بشره وقبحه، ويقتل من يريد بمجرد إشارة من طرف إصبعه. ما الحماية التي سيمنحها لي تنكُّري حينئذٍ؟ تقدَّمت دائخةً ومصعوقة. وكانت الغرفة تبدو زائغة في عيني. ولكن عادت رؤيتهما تتضح بعد قليل. رأيت أن الحضور في الغرفة قد وصل إلى نصف سعتها، وكان الجميع يرتدون أقنعةً وثيابًا تخفي معالم أجسادهم. ولكني من وقت لآخر كنت أرى تحت تلك الثياب بريق كتف بيضاء ولمعان حُلي. وكان الجميع يُثرثرون ويهمسون حتى أصبحت الغرفة مليئةً بأزيز كأزيز النحل. وعندما جثا روبن ويبستر على ركبتيه أمام المذبح، وقفت عند جانبه وخلفه قليلًا. كان المذبح عبارةً عن امرأة حية. نعم!
كان ثمة مصباح ضخم معلق من السقف يلقي بضوءٍ ذهبي مبهر. وألقى بضوئه على الشاب الوسيم ذي العينين الزرقاوين اللتين يملؤهما الأسى، واللوحين الجانبيين، وغمر الضوء إيفيلين ديفينيش الراقدة عاريةً تمامًا على ظهرها على كفن أسود. كانت عيناها مغمضتين، ولكن كان صدرها يعلو ويهبط مع أنفاسها المتلاحقة، وكانت ذراعاها مشدودتين بقوة بحيث ترسمان مع جسدها الممدَّد علامة الصليب. حينئذٍ، فهمت ماذا كانت تعني بالكلمات التي قالتها في الغرفة الصغيرة:
«عندما تفوز، سأفوز أنا أيضًا.»
تمامًا مثلما فعلت مدام دي مونتيسبا في الماضي، عندما استلقت كذبيحة بين يدي الأب جيبور؛ لتستعيد حب عشيقها الملكي الضائع. واستعادته حقًّا.
بدأ روبن ويبستر طقوس القداس بأن غمغم صلاةً باللغة اللاتينية، ومع استمرار الطقوس، غيرت مكاني من جانب إلى آخر، وأنا أهز المبخرة وأركع. كان هذا القداسَ الحقيقي، القداس الذي كان الخداع الهدفَ منه. وعندما وصل إلى جزء أن الخبز هو جسد المسيح والنبيذ هو دمه، بدأت هوجة من السخرية والاستهزاء، وجنون عبادة الشيطان ستُحوِّل خلالَ نصف ساعة هذه الغرفة إلى ماخور، زريبة تتقاتل فيها حيوانات في معركة من الشهوة. بينما كنت أتنقَّل من طرف المذبح إلى طرفه الآخر وسط تتابع الأدعية الموجَّهة للرب الحق، وقع بصري على سواري الذهبي يلمع على معصم إيفيلين ديفينيش، ونعم؛ لطخة داكنة من الورنيش ظهرت على راحة يدها. وتذكَّرت أنها قالت عن نفسها إنها تؤمن بالخرافات عندما استعارت السوار. وها هي قد عادت إلى أقدم خرافة في العالم. إذا ما ارتدت شيئًا يخصني خلال تلك المحنة الرهيبة، فسوف تستخرج من داخلي جوهري وقدرتي على اجتذاب الناس وتضعهما في داخلها. ومع اقتراب الذروة المقدسة، تملَّكت جسدَها وأطرافها رجفةٌ قوية، وانفتحت عيناها وثبتت على صورة أدونيس، وصدرت من بين شفتَيها صرخات متواصلة خرجت مبحوحةً وكأنها زمجرة حيوان. أمسك روبن ويبستر بالكأس ورفعها فوق رأسه، ثم وضعها بين ثدييها وانحنى فوقها وقد بدت عليه العصبية الشديدة. ذابت صرخات إيفيلين ديفينيش معًا مكوِّنةً عويلًا واحدًا طويلًا، ورجَّت التشنُّجات جسدها من قمة رأسها وحتى أخمص قدمَيها، وكانت ثمة حشرجة في حلقها، واسترخت ذراعاها، ثم رقدت ساكنة مرةً أخرى. رفع روبن ويبستر الكأس مرةً أخرى، وتوقفت جميع الهمهمات. لم أقوَ على النظر حولي، ولكني كنت واثقةً بأني إذا فعلت، فسأرى أن الرعب قد جعل الحاضرين شاخصي الأبصار كتماثيل حجرية. كنت أقف عند الطرف الأيسر بجانب قدمي إيفيلين ديفينيش، وكان ظهر روبن ويبستر يحجب بعض الرؤية عني. رأيته يرفع الكأس للمرة الثالثة، وعندئذٍ، بدأ الحضور يتمايلون وينحنون مثل سيقان الذرة في مهب الريح. وبدأت الهمهمات مجددًا، أكثر علوًّا وأكثر هستيرية. انحنى روبن ويبستر والكأس في يده، وسمعت صوت سيلان سائل داخله. وفجأة، صرخت امرأة، وكان هناك صوت إزاحة مقاعد وقلبها، وحركات محمومة، وصدر صوت روبن ويبستر أعلى من صوت الصخب، وكانت تشوبه نبرة ظَفَر بينما كان يفرد ذراعيه نحو صورة أدونيس والكأس بين راحتي يديه.
وقال: «الآن، حيِّ عبادك! هاك قربان يليق بك. تعال! تعال!»
ولكن رنَّ صوتٌ أعلى من صوته وأكثر منه عنفًا ورعبًا، ونطق كلمةً واحدة فحسب.
«اقتل!»
رأيت روبن ويبستر يستدير ناحية الغرفة، ورأيت إيفيلين ديفينيش ونصل سكين موجه رأسيًّا فوق قلبها، وسال الدم على صدرها، وشعرت بنفسي وسط دُوامة من الناس، وسمعت صوتًا يعلو فوق الصخب ويقول بنبرة آمرة:
«أغلق الباب! لا يخرج أحد!»
خفضت رأسي، ووصلت إلى الباب الصغير في الجدار المغطى بألواح الخشب. وفتحته، وتسلَّلت عبره. كان ثمة مزلاج في جانبه الداخلي. فأغلقته وعدوت على الدرج وأنا أمزِّق الرداء الكهنوتي عني بينما أعدو. كان الرداء أبيض اللون، وكان سيدل من يلاحقني على مكاني حتى في هذه العتمة. ألقيت الرداء في المدخل الخلفي للمنزل، وعدوت عبر الحديقة، وفتحت مزلاج البوابة بيدي الملفوفة في قطعة من قماش الرداء الكهنوتي، وعدوت هابطةً التل نحو سوفلاك. لم يلاحقني أحد. لم يلحظ أحد هروبي في ظل الفوضى التي حدثت.
ولكنهم سيلاحظون هروبي قريبًا. أعرف النبرة السلطوية بمجرد سماعها. الصوت الذي قال آمرًا: «أغلق الباب! يجب ألا يخرج أحد!» أصبحت أعرف الآن أنه كان صوت آرثر تيدون، القاضي. لم أكن أعرف حينئذٍ إلا أنه صوت رجل اعتاد على إملاء الأوامر وقادر على السيطرة على انفعالاته. لم أعد خائفةً من السيد دو ميراندول أو روبن ويبستر. بل أصبحت خائفةً من صاحب الصوت المجهول. خلعت قناعي عن رأسي وأمسكته في يدي. عدوت مرورًا بمباني المزرعة، وكانت جميعها مطفأة الأنوار، وصعدت المنحدر المؤدي إلى قصر سوفلاك. ألقيت نظرةً على منزل ميراندول على التل. كانت الأنوار لا تزال مضاءةً في الغرفة العلوية الطويلة. كانوا لا يزالون يتناقشون هناك، ولكن كانت ثمة سلطة تدير النقاش هذه المرة. ولن يستمر هذا النقاش طويلًا. وفكَّرت في أنهم لا بد أن يتصرفوا؛ فمع سلطوية هذا الصوت لتوجيه أفعالهم، سيكون تصرفهم سريعًا وحاسمًا.
دخلت إلى المنزل عبر باب غرفة الاستقبال الزجاجي، وتسلَّلت على طول الرواق حتى وصلت إلى غرفة ديانا. فتحت باب الغرفة وأضأت أنوارها. لم تكن قد انقلبت في نومها منذ تركتها. ثم أغلقت الباب من الداخل. يجب أن أخلع عنها ملابسها وأضعها في فراشها الوضعَ الصحيح. كان هذا ضروريًّا للغاية. فهناك، فوق التل، عندما يصلون إلى عد الحاضرين، فمن المؤكد أنهم سيكتشفون اختفاء مساعدة القس. لا ريب في أنهم قد اكتشفوا اختفاءها الآن، روبن ويبستر، ودو ميراندول، والرجل صاحب الصوت. ولكنهم لن يشعروا بالقلق ما داموا قد اعتقدوا أن المساعِدة هي ديانا. وسيفترضون أنها قد هربت، مثلما فعلت أنا، عندما حدث الهرج والمرج.

ولكني فكرت: «لن يمكن لأي من الذين حضروا هذه الجريمة أن يبوح بكلمة واحدة عنها. لن يجرءوا على الاعتراف بأنهم كانوا يساعدون في تنفيذ هذا التجديف الذي لا يُغتفر. كان روبن ويبستر يدرك ذلك جيدًا أثناء التخطيط لارتكابها. لقد أصبحوا جميعهم شركاءه في الجريمة، وستُلجمهم رغبتهم الملحة في التزام السرية التامة. حسنًا. من المرجَّح أن يُضطر الجميع إلى إزالة أقنعتهم. ولا ريب في أنهم سيتفرقون على الفور، وسيبقى اثنان أو ثلاثة منهم لتقرير ما يجب فعله؛ روبن ويبستر، والسيد دو ميراندول، والصوت. ولكن أتساءل عما قرَّر هؤلاء الثلاثة أن يخبروا ديانا به. يجب أن يُجهِّزوها لما سيحدث في الصباح. يجب أن يأتوا إلى هنا الليلة في أقرب وقت، أقرب وقت ممكن. وإذا ما وجدوها نائمةً مرتدية الفستان الذي كانت ترتديه خلال الأمسية، فسيعلمون أني حللت محلها.
بدأت العمل. وكان عملًا مضنيًا! كان يجب أن أُتم الأمر برفق شديد حتى لا تستيقظ. كما أنها كانت ثقيلة الوزن. كان يجب أن أُزيل عنها جميع ملابسها وأن أُلبسها ملابس النوم. أتممت الأمر أخيرًا، ولكنه استغرق مني وقتًا طويلًا. وكنت أتوقَّع مع كل لحظة تمر أن أسمع صوت خطوات أقدام في الرواق. وضعتها في فراشها بالوضعية الصحيحة، ثم أطفأت الأنوار، وفتحت الباب، وتركته موصدًا دون قفل المزلاج، وتسلَّلت صاعدةً الدرج إلى غرفتي. وأقفلت بابها على نفسي، وأضأت أنوارها، وألقيت نفسي على الفراش. لم أفقد الوعي، ولكن انتابني شعور رهيب! وظَلِلت أبكي حتى خُيل لي أنه من المستحيل أن تكون هناك دموع متبقية في عيني. واضطُررت لأن أحشو فمي بملاءة الفراش لأمنع نفسي عن الصراخ. وشعرت وكأني أسقط عبر الفراش إلى بطن هاوية تليها هاوية. وشعرت وكأني أُحتَضر.
لا أعلم كم دامت هذه الحالة. ولكن بعد وهلة، جلست ولم أشعر بالحاجة إلا إلى شيء وحيد، أن أخرج إلى الهواء الطلق. فمع نوافذ غرفتي المغلقة وبابها الموصد، كنت أشعر وكأني أختنق في زنزانة. ثم تذكَّرت الزورق. كان يأتي إلى سوفلاك ثلاث مرات أسبوعيًّا ويرحل في الليل عندما يرتفع المد إلى بوردو. ورأيت صاريته ظاهرةً عند المرفأ الصغير اليوم. ربما أتمكَّن من اللحاق به قبل أن يُبحر إذا ما أسرعت. وقد يسمح لي القبطان بالركوب إذا ما دفعت له بسخاء. لم أُلقِ بالًا لملابسي؛ فلم أكن أُفكِّر في شيء سوى أن أبتعد عن هذا المنزل لأكبر مسافة ممكنة. أمسكت بعباءة التنكر والقناع، فلم أكن أجرؤ على تركهما خلفي، وأطفأت أنوار الغرفة وتسلَّلت خارجة. كانت الطريق الأقصر بالنسبة إليَّ لأصل إلى المرفأ عبر الباب المؤدي إلى الشرفة من غرفة ديانا. وكان الباب موصدًا ولكنه غير مقفل بالمزلاج. عدوت على الدرج نزولًا عبر المرج، وتعثَّرت في حوض الزهور، ثم واصلت العدو ثم توقَّفت فجأةً عند نهاية الطريق. لقد رحل الزورق. ألقيت القناع على شجرة. كنت مرتعبةً منه. فقد شعرت بأنه جعلني شريكةً في الجريمة، وشعرت براحة غامرة عندما تحرَّرت منه أخيرًا. التففت نحو اليمين وعدوت عبر الطريق لأحتمي بين الأشجار المظلمة. فكَّرت في أن ألوذ بماريان وجولس أماديه، ولكن الأمل كان لا يزال يحدوني في أن أتحدث إلى ديانا أولًا، وسيمكننا أن نُجهِّز قصةً تُنقذها من فضيحة المشاركة في الجريمة. فكَّرت أني إذا عدت إلى غرفتي مجددًا، وأقفلت بابها ووضعت الفراش خلفه، فسأكون آمنةً حتى الصباح. ولم يكن الصبح ببعيد.
ولكن بينما كنت أتسلَّل عبر الشرفة، رأيت شيئًا يتحرك خلف نافذة المكتبة؛ أنت»، التفتت جويس ويبل إلى السيد ريكاردو. «دخلت من فوري إلى غرفة ديانا، وأغلقت الباب الزجاجي وأضأت الأنوار للحظة. وكانت الغرفة على حالها عندما غادرتها المرة الأولى. لم تتحرك ديانا. ثم سمعت طرقًا. وكانت أصابعي لا تزال على المفتاح. فأطفأت الأنوار. وحان وقت الفرار. إذا كان من يلاحقونني في الشرفة، فسيتوفر لي وقت كافٍ لأصل إلى غرفتي وأُحصِّنها. أسرعت صاعدةً الدرج الصغير، ودخلت غرفتي. ولكن كان الأوان قد فات. كان روبن ويبستر قد قاد الرجال من قصر ميراندول إلى غرفة ديانا. وعثروا على ديانا غارقةً في نوم عميق لا يمكن إيقاظها منه، لم يكن نومها من الممكن أن يحدثه شيء إلا عقار منوم. وأصبح من الجلي أنني حللت محلها. وبينما كنت أتحسَّس في الظلام بأطراف أصابعي لأصل إلى مفتاح النور، وُضعت عبارة على رأسي وضغطت يد على فمي. وفقدت الوعي حينئذٍ. وعندما استعدت وعيي، كنت أُحمل من سيارة إلى منزل السيد دو ميراندول. كان هناك ثلاثة رجال، السيد دو ميراندول، وروبن ويبستر، ورجل كان لا يزال يضع قناعًا على وجهه. حُملت إلى قبو، وبينما كان الرجل ذو القناع يقف فوقي ليثبتني، أحضر الرجلان الآخران مرتبةً وقدر ماء وأشياء من هذا القبيل.

قال الرجل ذو القناع: «سنقرِّر مصيرها غدًا»، واقشعر بدني. فقد تعرفت إلى صوته. إنه صوت الرجل الذي صاح: «أغلق الباب!» أذكر أن روبن ويبستر كان آخر من يخرج من القبو، وقبل أن ينصرف، انحنى فوقي وقال: «لا تفقدي الأمل! سأنقذك.»
ولكنه لم يكن ليتمكَّن من ذلك بالطبع. لم أكن آمل أنه يستطيع أن يفعل. كان مجبرًا على الموافقة على ما يقرِّره الآخران.
كانت هناك نافذة ذات قضبان في القبو تحت السقف تسمح بدخول الهواء وطيف من ضوء شاحب. بعد أن طلع الصبح بمدة قصيرة، أحضر لي السيد دو ميراندول بعض الطعام ورجوته أن يطلق سراحي. لا أعلم بمَ وعدته، ولكنه لم يرد عليَّ من الأساس. وفي الليل، جاء تيدون ودو ميراندول معًا. ووضعا الأصفاد في يدي، وكمامةً في فمي، وربطا قدمي. وحملني تيدون إلى أعلى الدرج. كانت سيارته تقف أمام الباب مغلقةً السقف ومن دون سائق. وضعني على أرضيتها وغطَّاني بسجادة، وبعد دقيقة أو اثنتين، تحركت السيارة.»
أومأ هانو برأسه.
وقال: «تيدون هو الرجل الوحيد الذي كان قادرًا على قيادة سيارته إلى بوردو عابرًا طوقي الأمني دون تفتيش سيارته. ولكن رغم ذلك، اتخذ ذلك الرجل البارع احتياطاته. عندما اقترب من بوردو، أخذ منعطفًا إلى خارج المدينة، وفي طريق جانبية، نُقلت هذه الآنسة إلى عربة يجرها حصان تقودها صديقتنا العطوف الأرملة تشيشول.»