الفصل السادس

لوحة على الجدار

انحنى هانو، ورفع كتفي ديانا، ثم وقف منتصبًا في نهاية المطاف حاملًا إياها بين ذراعيه برفق كما لو كانت طفلةً كبيرة.

وقال في أسف: «كنت قاسيًا، نعم، ومن حقكم أن تنقموا عليَّ. ولكن، للأسف، تجعل مهنتي المرء قاسيًا. فهو يرى قدرًا كبيرًا من قسوة البشر. ولكني سأحاول أن أُعدِّل من أسلوبي الأخرق. سأحمل هذه الشابة المسكينة إلى غرفتها.»

لم يتأثر السيد ريكاردو بهذا الأسف. فقد كان شكه في هذا المحقق من جهاز الأمن العام يزداد عندما يُظهر المشاعر الرقيقة. وكان ينسل منها بعد ذلك وكأنها زوج من القفازات. كان يتعامل برقة، وإنسانية ورفق، حتى تلك اللحظة السوداء الأخيرة عندما يتعملق وكأنه ينتقم ممن يخالفون القانون. ومن ثم، شعر السيد ريكاردو بمشاعر شائكة تتحرَّك على عموده الفقري صعودًا وهبوطًا عندما رأى صديقه الضخم يحمل جسد الفتاة الرقيق بين ذراعيه القويتين وكأنه يحوطها من كل جانب. هل كان السامريَّ الصالح أم حيوانًا مفترسًا؟ صديقًا أم سجانًا؟

ولكن، بدا أن ماريان لم تشارك السيد ريكاردو أيًّا من شكوكه. فعبرت الغرفة على الفور متجهةً ناحية النوافذ وفتحتها.

وقالت: «سيدي، هذا أقصرُ طريق، إذا تفضَّلت. يا للمسكينة! لقد تحمَّلت اليوم ما يفوق قدرتها على الاحتمال.»

خطت خارج الغرفة إلى الشرفة وفي إثرها هانو، واتجهت يسارًا لتمر أمام نوافذ المكتبة. إذن، كانت غرفة ديانا هي التي تُطل على الشرفة بشكل قوس من الطابق السفلي من البرج. وكانت نافذة غرفتها هي التي طرق عليها السيد ريكاردو. أسرع السيد ريكاردو في إثر هانو وهو يشعر بحيرة شديدة. كان ثمة الكثير من الأسئلة تتزاحم في ذهنه بحثًا عن إجابات منذ أن بدأت ماريان الطرق على باب غرفة جويس ويبل. كانت جويس ويبل تُقيم في غرفة فوق غرفة ديانا، وخرجت جويس ويبل في وقت ما من الليل من غرفتها واختفت. وكان من المفترض أن تكون غرفتها، دونًا عن بقية الغرف، هي المضاءة في تلك الساعة غير المعتادة. ولكن، لماذا لم تحاول ديانا أن تعرف مَن الشخص الذي طرق على نافذة غرفتها قبل أن يطلع الفجر؟ هل كانت هي أيضًا خارج المنزل ليلة أمس؟

رأى السيد ريكاردو طرف ذيل معطف هانو بينما كان يمر حاملًا جسد الفتاة ويعبر بين مصراعَي الباب الزجاجي لغرفة البرج. لم يكن السيد ريكاردو واثقًا بأنه سيتلقَّى معاملةً متحضِّرة إذا تبعه. ولكنه تبعه على أي حال. تسلَّل إلى داخل الغرفة في حذرٍ عندما كان هانو يضع ديانا برفق في فراشها في عمق الغرفة، فخرج على الفور من بقعة الضوء حتى صار من الصعب رؤيته.

قال هانو وهو يبسط كتفيه: «أحضري كوبًا من الماء يا ماريان. أعتقد أن الآنسة لم تُصَب بضرر. انظري، حتى الآن، لا يزال جفناها يرتعشان.»

أسرعت ماريان إلى الحوض، وصبَّت كوبًا من الماء، بينما ظلَّ هانو واقفًا بجانب الفراش، وكان ينظر إلى ديانا تاسبورو، ثم جال ببصره أرجاءَ الغرفة بنظرة قد تبدو لا مبالية تَعلَّم السيد ريكاردو منذ أمد بعيد ألَّا يستخف بها أبدًا. حدَّق في باب خزانة الملابس، والمرآة، والسيد ريكاردو، والسجادة، والمقاعد. ولكن لم ترَ عيناه أي شيء غريب على الإطلاق أينما نظر. ثم خرَّ فجأةً على ركبتيه. فقد كانت شفتا ديانا تتحركان. ولكنها كانت تغمغم:

«كنت حمقاء! … لم يحدث شيء … لا شيء … وإلا كنت تذكرته.» خُيل للسيد ريكاردو أن رأس هانو انحنى نحو الأمام، كما لو أنه على وشك أن يهمس بسؤال ما في أذن ديانا، على أمل أن تُجيب عن السؤال بينما لا يزال ذهنها مشوَّشًا. ولكن ظهرت ماريان بجانبه فجأة، فتصرَّف بطريقة طبيعية تمامًا، وأخذ الكوب منها وأمسك به أمام شفتي ديانا.

ثم قال وهو ينهض واقفًا: «حسنًا، حسنًا، هكذا أفضل.» ثم سار نحو السيد ريكاردو. وقال: «أنا وأنت يا صديقي، ليس من المفترض أن نكون هنا، بل من المفترض أن نكون في فيلبلانش.»

ثم أمسك بذراع ريكاردو وقاده إلى الشرفة مجددًا. ولكن كان أسلوبه مختلفًا الآن. فقد كان متأهبًا، ولمعت عيناه ببريق متسائل، وابتسامة بسيطة غريبة مرسومة على شفتَيه.

قال بصوتٍ هامس: «أؤكِّد لك. ثمة أمور شديدة الغرابة حدثت في هذا المنزل. الآنسة ويبل وخطاباتها. أحمد الله أني لم أستخفَّ بمخاوفها.»

رفع السيد ريكاردو سبَّابته، وقال: «لقد رأيت شيئًا ما في الغرفة.»

«نعم. فراشًا، وامرأة شابة فاقدة الوعي، وخادمة، وكوبًا من الماء.»

«ثمة شيء آخر.»

ألقى هانو ذراعيه في الهواء. وقال: «لم أقضِ في الغرفة إلا ثوانيَ معدودة. وكنت منشغلًا خلالها.»

رفع السيد ريكاردو سبَّابته، وقال: «أخشى ألَّا يصلح هذا الأسلوب معي.»

استسلم هانو بإشارة تنم عن اليأس ونظرة ملأها الإعجاب الآسف. وقال: «نعم. أعترف، مثلما فعلت الآنسة ديانا، بأني أحمق. كان يجب أن أكون أكثر ذكاءً. ثمة سر! ها، ها! أخفِ السر إن استطعت! إن السيد ريكاردو العبقري أصبح يتتبَّعه كالنسر.»

كان ريكاردو معتادًا على التصحيح الأحمق للعبارات الاصطلاحية المثيرة للإعجاب التي يقولها صديقه، ولكنه شعر بالفخر بنفسه على الإطراء الذي تلقَّاه عن نفاذ بصيرته، فترك تلك الصيغة اللُّغوية المؤسفة تمر مرور الكرام. أمسك هانو بذراعه وقاده بعيدًا عن نطاق سمع الجميع إلى أبعد حافة للشرفة.

وقال بصوتٍ خفيض: «نعم. لقد رأيت شيئًا ما في الغرفة. وسأخبرك ماذا يكون. لوحةً صغيرة. معلقةً على الجدار فوق الفراش. رأيتها عندما كنت أضع الشابة المسكينة في فراشها. يجب أن تراها عندما تسنح لك الفرصة. وسترى ما رأيت. ولكن، حتى يحدث ذلك …» ثم وضع إصبعه على شفتَيه في إشارة ذات مغزًى.

كان السيد ريكاردو متحمِّسًا حتى النخاع لمشاركته في هذا اللغز. فقال مطمئنًّا: «لن أنبس ببنت شفه.» ولا ريب في أن هانو شعر براحة شديدة. كاد يستدير مبتعدًا عندما جذب السيد ريكاردو ذراعه هذه المرة. وقال بنبرة جديدة آمِرة؛ فقد كان دائمًا ما يتوق لأن يحظى بثقة هانو النادرة: «قبل أن نُكمل عملك، يجب أن أُنبِّهك. أعتقد أنك تبالغ، ربما أكثر من المعتاد. لم يكن الأمر فجًّا حتى الآن. ولكن قد يتفاقم الأمر لو لم تراقبه عن كثب.»

نظر له هانو في جزع. وقال: «أنا أُبالغ!»

«لقد فعلت ذلك مرتين صباح اليوم.»

ألقى المحقِّق ذراعيه في الهواء في يأس، وقال: «الأمر واضح إذن. لقد أصبح هانو مسنًّا. مرتين! ضبطتني مرتين أُبالغ في الانحناء في صباح واحد.»

قال السيد ريكاردو: «بل تتقوَّس. ولكن، في أفضل الأحوال، قلت عبارةً مبتذلة.»

«مرتين!»

«نعم.»

«هل كانت إحداهما عندما رأيت اللوحة على الجدار؟»

«نعم.»

«ومتى كانت المرة الثانية؟»

«في وقت سابق في غرفة الاستقبال. كان أسَفك على اضطرارك لسرد القصة المريعة، وتعاطفك، كانا جيدَين للغاية بوجه عام.»

قال هانو في تواضع: «أشكرك. أخجلت تواضعي!»

قال السيد ريكاردو: «معك حق. أجل، كنت تسير سيرًا حَسَنًا حتى مرحلةٍ ما. تلك النقطة عندما استخدمتَ كلمة وحشية، بل واستخدمتها بوحشية، لوصف اليد المقطوعة.»

اختفى كامل المرح من عينَي هانو. ورمق ريكاردو بنظرة غريبة، كما لو كان مبارِزًا أخذه خصمه الذي يحتقره على حين غرة.

وقال: «أكمل!» كان السيد ريكاردو سعيدًا للغاية بإكمال ما يود قوله. «كان يجب أن تُقحم في تعاطفك وأسفك الرقيق عالم الجريمة القاسي الذي تعيش فيه أثناء وجودك في غرفة الاستقبال الأنيقة تلك، ثم فجأةً تقول كلمةً فجةً بطريقة عنيفة، كما لو كانت لكمة؛ «نُشرت». «نُشرت من عند الرسغ.» صديقي، أعلم أنك كنت تبحث عن ردة فعل، نعم، ردة فعل مؤكدة من أحد الحاضرين في الغرفة.»

لم يُقِر هانو بأن هذه كانت نيته. ولكنه لم ينفِ ذلك أيضًا. فقال عابسًا: «إذا كان هذا ما أعتزم، فلم يفلح الأمر. تعالَ! حان وقت انطلاقنا إلى فيلبلانش وتحديد هُوية جثة السيدة ديفينيش المسكينة. معك سيارتك، أليس كذلك؟ هل هي معك؟ حسنًا إذن، سنستقلُّها أنا وأنت وسنترك سيارة الشرطة إلى المفوض هيربستال.»

ولكن، للمرة الثانية هذا الصباح، أدهش السيد ريكاردو المحقق بشدة. فقد قال في هدوء: «يمكنك أن تستخدم سيارتي كما يحلو لك. ولكني لا أعتقد أننا سنُحدِّد هُوية إيفيلين ديفينيش.»

تصلَّب جسد هانو الضخم، وغمغم قائلًا: «أوه! هكذا الأمر إذن! نعم! لقد كنت أنت مَن أصر على إيقاظ الآنسة جويس ويبل من سُباتها العميق. نعم. منذ لحظة انتهائي من سرد قصتي، كان يبدو عليك الخوف الشديد. حتى أنا، هانو المسن، لاحظت ذلك. لهذا السبب أردت أن نذهب أنا وأنت بمفردنا بالسيارة إلى فيلبلانش. نعم! إنها صديقتك الأمريكية التي تتوقَّع العثور عليها في المشرحة الباردة.» ثم هزَّ كتفيه كما لو أن برودة هذا المكان طالته هنا في تلك الشرفة التي تغمرها أشعة الشمس. «فلنذهب! وستُخبرني بسبب اعتقادك هذا في الطريق.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥