الفصل الأول

هل هناك دولة دينية في الإسلام؟

مقدم الندوة ١ باقر: أعبر عن سعادتي البالغة، في وجوده معنا في هذه الأمسية، وسيكون مادة الحديث، التي سيتقدم بها الدكتور، هو سؤال: هل هناك دولة دينية في الإسلام؟ الندوة تقدمها جمعية «الثقافة السودانية» وهي جمعية قدمت مجموعة من الأنشطة، بعضكم هنا حضرها، وهذا جزء من النشاط الذي تقوم به هذه الجمعية، أرحب مرة ثانية بالدكتور نصر، والدكتور عبد السلام سيقدمه لكم بكلمة قصيرة، ثم تستمعون إلى المحاضرة، شكرًا جزيلًا.
د. عبد السلام: أيها الأصدقاء، مساء الخير، نرحب مرة ثانية بالبروفيسور نصر حامد أبو زيد، قبل أن نترك للدكتور نصر، أو قبل أن يدخل دكتور نصر، أود في كلمات موجزة أن أتحدث بقدر الإمكان عن المأساة التي نعيشها جميعًا مع الدكتور نصر، لماذا هذه المأساة؟ جزء من هذه المأساة مأزق الدولة المصرية، ولا أود أن أخوض في هذا الكلام؛ لأني أعتقد أن الأعزاء الموجودين في هذه القاعة قد قرءُوا ما كتبته في سبتمبر الماضي، ولكن لماذا حاولت، ولا تزال، جماعات الإسلام السياسي في مصر وفي كل العالم الإسلامي أن تنال من جسد وروح نصر حامد أبو زيد؟

في تصوري، ما يحدث الآن للدكتور نصر جديد، حتى في تاريخ الدولة الإسلامية؛ لأننا إذا نظرنا إلى الحركات المتطرفة في الإسلام، كالخوارج مثلًا، الذين صاحبوا نشأة الدولة العربية الإسلامية، من أواخر العهد الراشدي وبداية العهد الأموي، وكانوا متطرفين بحقٍّ، كانت كل مواجهاتهم للدولة الإسلامية، كانت مواجهتهم للدولة الأموية، وحينما كفَّروا مرتكب الكبيرة، كانوا يعنون الدولة الأموية بحقٍّ.

ولم يكن الأفراد بأية حال من الأحوال هم هدف الخوارج، وذهبت في الواقع جماعة من الخوارج هم «الأزارقة»، معروفون في تاريخ الفرق في الإسلام، بأن ليس ثمة ضرورة لوجود الدولة، يعني يمكن بأن يوصفوا بأنهم أول من وضع بذرة للفكر الفوضوي، يعني إلغاء الدولة.

في المحنة التي تعرض لها ابن المقفع، أو تلك التي تعرض لها الحسين بن منصور الحلاج، أو تلك التي تعرض لها شهاب الدين السهروردي، المعروف بالمقتول، المتصوف الإشراقي. أو التي تعرض لها ابن رشد في الأندلس. كل هذه كانت مواجهات مع الدولة. الدولة ترى في التفسير أو في التأويل أو في قراءة النص، أو في سبق الحقيقة للشريعة، خطرًا. وهذه المسألة معروفة. يعني الدولة لها جانب محافظ، حتى تلك الدول التي تُسمِّي نفسها ثورية، فإذا كانت الدولة محافظة، وهذا يقدم تفسيرًا مُغايرًا لمحافظة الدولة، فيمكن طبعًا أن تقدمه للمحاكمة. من جانب آخر نجد حتى فرق الحشاشين، الذين اغتالوا «نظام الملك» السلجوقي، جماعة تغتال السلطان، فيهرب أبو حامد الغزالي، يطلب الأمن.

في كل هذه المواجهات في تاريخ الفكر الإسلامي، أو في تاريخ الدولة الإسلامية، كان النزاع إما بين الجماعات والدولة أو بين الدولة والأفراد. أما أن يكون الأفراد، الكتاب والمفكرون هم هدف لجماعات أخرى، خارج نطاق الدولة، فهذا أمر جديد قد نشأ مع جماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا، كما تعلمون جميعًا، في الإسماعيلية سنة ثمانية وعشرين وتسعمائة وألف، لأجل أن تكون تعويضًا للخلافة الإسلامية، التي ذهبت في عام أربعة وعشرين. جماعة الإخوان المسلمين أضافت ركنًا جديدًا في الإسلام، معروف أنه بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا. أما جماعة الإخوان المسلمين فقد أضافوا ركنًا جديدًا تمامًا، وهو الدولة، يعني الإيمان بالدولة، ما هي تلك الدولة؟ هي الدولة التي تتصورها جماعة الإخوان المسلمين. بعد ذلك أصبحت هذه الدولة، غير المتحققة في الواقع، ومتحققة فقط لدى الجماعة، أو في أعماق الجماعة، هي دولة موازية.

فالدكتور نصر حامد أبو زيد في الواقع هو أحد ضحايا هذه الدولة الموازية، طبعًا تطور فكرة الإسلام دين ودولة، من حسن البنا إلى أبو الحسن الندوي إلى سيد قطب، إلى حسن الترابي، إلى الدولة الإسلامية الدينية الموجودة في السودان، التي وحدت لأول مرة بين الدين وبين الجماعة. يعني كل من يخرج على أفكار هذه الجماعة هو قد خرج عن الإسلام، هذا هو الخطر؛ لذلك ينبغي أن ننظر إلى هذه الجماعة باعتبارها أنها حقيقة تقدم إسلامًا جديدًا. هذا جانب. الجانب الآخر: لماذا أصبح الدكتور نصر حامد أبو زيد هدفًا لهذه الجماعة، ولجماعات أخرى لا تُفصح عن دواخلها؟ لأنه قدم قراءةً جديدةً للتراث الإسلامي. بإيجاز أرجو ألا يكون مُخلًّا، الدكتور نصر حامد أبو زيد وجد أمامه قراءاتٍ متعددةً لهذا التراث.

طه حسين معروف طبعًا، هو قدم قراءة للتراث، «الشعر الجاهلي»، «على هامش السيرة»، «حديث الأربعاء» الجزء الأول يغطي صدر الإسلام، أما الجزء الثاني يغطي العصر العباسي، «مع المتنبي»، «مع أبي العلاء في سجنه»، ثم يتدرج إلى العصر الحاضر. قراءة طه حسين تتميز حقيقة بأنها رؤية أدبية للتاريخ، تصور أدبي، قراءة أدبية للتاريخ، منذ ما قبل الإسلام إلى الثقافة في مصر.

قراءة أخرى تختلف من حيث الدرجة، وهي قراءة أحمد أمين، «فجر الإسلام»، «ضحى الإسلام»، أيضًا نظرة أدبية دينية إلى التاريخ، أو للتراث الإسلامي. قراءة أخرى نجدها عند مفكر مغربي آخر وهو علال الفاسي، قدَّم أيضًا نظرة دينية أدبية، للتاريخ الإسلامي. مالك بن نبي، قراءة مشابهة.

لما نأتي إلى مدرسة منهجية جدَّ مختلفة: الطيب تيزيني السوري، وحسين مروة. حسين مروة قدَّم منهجًا أيديولوجيًّا أكثر منه منهجًا فلسفيًّا، قد يكون هذا مُختلَفًا عليه، لكن في الواقع، إنه قرأ التراث الإسلامي في النزعات المادية، من خلال منهج، يعني كان قاصدًا إلى تطبيق منهج، ومنهج في الحقيقة أيديولوجي. الطيب تيزيني قدَّم تعريبًا للمنهج الجدلي، بفكر اللغة بدأ التعسف المعروف.

عندما أتى الدكتور نصر قدَّم دراسةً للتراث الإسلامي في نظري ولأول مرة، قراءة لهذا التراث من حيث الدلالة، وقراءة تاريخية، لكن في السياق التاريخي، النص وليد التراث، سيما وبشكل واضح، ذلك الكتاب الصغير المدهش وهو كتاب الإمام الشافعي، الذي وضع فيه الإمام الشافعي وأبو الحسن الأشعري وأبو حامد الغزالي في سياقهم التاريخي، هذه القراءة قد استفزت حقيقة، ليس فقط الاتجاهات الإسلامية، ولكن كل القراءات المحافظة. وقدَّم تصوفًا تجديديًّا في الفكر الإسلامي، فنصر حامد أبو زيد حقيقة هو مفكر إسلامي من الطراز الأول.

لكن هذا هو الفكر التجديدي الذي لا يُسمح به وقدَّم محمود محمد طه ثمنًا لذلك التجديد. فنصر يقدم كل التراث في سياقه التاريخي، وبالتالي سيكونون هم خارج هذا التراث، لذلك سعوا ليكون الدكتور نصر حامد أبو زيد خارج الحياة، ولكنا نسعى ألا يكون. أرجو ألا يكون هذا مخلًّا. فنرحب به وليتفضل.

نصر أبو زيد: أشكر الزميلين، الصديقين العزيزين على إتاحة هذه الفرصة، لهذا الحوار الذي أرجو أن أتعلم منه، أكثر مما أعلمكم شيئًا، لأنني أعتقد أن تبادل الأفكار والحوار، حول الأفكار، هو الذي يُثري العقل ويُثري الوجدان.

التساؤل الذي أحاول أن أطرحه الآن حول:

هل هناك دولة دينية في الإسلام؟

هل هناك مفهوم للدولة الدينية في الإسلام؟

طبعًا الإجابة عند كثيرين: نعم، الإسلام دين ودولة. وهي إجابة بسيطة وحاسمة وقاطعة ولا تحتمل الخلاف، لكن الدراسة العلمية والأكاديمية، حين نطرح سؤالًا، يجب أن يتحول السؤال إلى مجموعة من الأسئلة الفرعية.

فمثلًا: قبل أن نجيب عن السؤال «هل هناك دولة دينية في الإسلام؟» نتساءل هل قامت في تاريخ الإسلام دولة دينية؟ أيضًا سنجد أن هناك إجابات جاهزة، سيقول لك البعض: نعم، دولة الرسول، عليه الصلاة والسلام، في المدينة بعد أن هاجر إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، واستطاع التغلب على اليهود الذين كانوا موجودين في المدينة، أقام الدولة الدينية.

وهذا يستدعي سؤالًا: هل ما كان في المدينة كان دولة دينية، بالمعنى الذي يسعى إليه البعض الآن من إقامة دولة دينية؟ أي دولة يحكمها رجال الدين أو الفقهاء أو ولاية الفقيه في الفكر الشيعي؟

هذا يستدعي منا أن ندرس التاريخ، تاريخ الدولة في الإسلام، قبل أن نُجيب عن السؤال كانت دولة دينية، وقبل أن نجيب على السؤال هل هناك مفهوم للدولة الدينية في الإسلام.

إذًا لكي نحل الإشكالات اللاهوتية، الدينية، لا بد أن نرجع إلى التاريخ الاجتماعي للمسلمين؛ لأن كثيرًا من الأفكار، هي أفكار أنتجها البشر في سياق تطورهم الاجتماعي، لكنها بعد ذلك أصبحت جزءًا من العقيدة وجزءًا من الدين، ولذلك من المهم من الناحية المنهجية أن نختبر الأفكار في سياقها التاريخي، لنرى هل هذه الفكرة جزء من العقيدة أم أنها من الأفكار الاجتهادية، التفسيرية التأويلية، التي أضيفت بعد ذلك إلى مجال العقيدة، وأصبحت جزءًا من الدين.

يعلمنا التاريخ؛ تاريخ الدعوة الإسلامية، أنه لمدة تزيد على العشر سنوات كان الرسول في مكة، يدعو إلى عقيدة التوحيد، وكان المسلمون مستضعَفين، بل كانوا كثيرًا ما يلجئون إلى القبائل لتحميهم من تعصب قريش، أكثر من عشر سنوات في مكة ليس هناك مفهوم للدولة. كانت الدعوة تتركز على ثلاثة أمور: عقيدة التوحيد، الإنذار بالوعيد، بالعقاب الأخروي، بجهنم، بالصاعقة، الساعة، الحاقة، القارعة، تخويفًا لقريش. وإلى جانب هذا الإنذار هناك أنواع من الجنة للمسلمين الذين يدخلون دائرة الإيمان، كما في سورة الرحمن.

ولو قرأنا معظم القرآن، ومعظمه نزل في مكة، فلن نجد هناك أي إشارة ولا أي دلالة لمفهوم دولة، أو حكم، أو … إلخ. العقيدة، التوحيد، الأخلاق، الثواب والعقاب، وكل السور المكية تدور حول هذه المحاور، ولذلك علماء القرآن، قالوا: كيف نفرق بين المكي والمدني؟ قالوا: يغلب على المكي الإنذار.

ولذلك سنجد حتى على مستوى اللغة، أن لغة القرآن في مكة هي لغة ذات طبيعة إيقاعية حادة، فيها إيقاع وفيها رنين، والجُمل قصيرة جدًّا، يعني لو أخذنا أي مثال من السور المكية، فسنجد أن هناك حرصًا على ما يسمى الفاصلة. لماذا؟ لأن ما كان مقصودًا من القرآن كان هو التأثير، بكل أدوات التأثير الفنية، واللغوية والإيقاعية، والتصويرية بما في ذلك الحروف المُقطعة، في أوائل السور مثل «حم»؛ لأن هذه الحروف المقطعة في أوائل السور، تُثير الدهشة والاستغراب بسبب غموضها، ماذا تعني، ونحن نعرف حتى الآن لم تُقدم إجابة واحدة عن معاني الحروف المقطعة في أوائل السور. إنما كان المقصود إذًا أن تجذب الانتباه.

كان لا بد لكي تستمر الدعوة أن يهاجر الرسول من مكة مدينته، إلى مدينة أخرى، هنا المؤرخ من حقه أن يطرح أسئلة، وليس في هذا مصادرة على ما حدث في التاريخ. يتساءل المؤرخ: ماذا لو أن الرسول لم يجد استجابة لدعوته بين أهل المدينة؟ دعونا ننظر إلى التاريخ: في البداية، كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة. وتوجه الرسول إلى الطائف. إذًا سعي الرسول، عليه السلام، لكي يحقق دعوته، كان يحاول أن يجد له بين العرب، داخل الجزيرة العربية، أو خارجها، من يتبنى هذه الدعوة، من يحمي هذه الدعوة. لم يجد هذه النُّصرة إلا من أهل يثرب، وبالتالي كانت المعاهدة، وكان الحلف، الذي دلت عليه الآيات إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (سورة ٤٨ الفتح: ١٠) هذه البيعة حدثت في موسم الحج.

وحين نقرأ نص البيعة، نستطيع أن نفهم أن هذه سياسة، سياسة دنيوية، «نبايعك على أن نحميك مما نحمي به أولادنا ونساءنا» إذًا بكل المقاييس، الموجودة في التاريخ، بكل المقاييس القبلية، لحماية قبيلة من قبيلة أخرى.

إذًا عوامل تاريخية إنسانية هي التي جعلت الهجرة للمدينة، إنما الرسول، عليه السلام، توجه إلى الطائف وتوجه إلى الحبشة، الدفعة الأولى من الهجرة توجهت إلى الحبشة. إذًا وجد البيئة المناسبة لتقبل الدعوة في يثرب، وهنا بدأت إجراءات للهجرة، وكان الرسول آخر من غادر مكة، وترك علي بن أبي طالب في فراشه، وجميع المسلمين قبل ذلك قد غادروا مكة.

هذا العقل السياسي، هو عقل النبي، عليه الصلاة والسلام. الهجرة إلى المدينة واستقرار الرسول في المدينة، وقدرته على السيطرة على المدينة، خلقت تطورًا في الوحي، كلمة تطور في الوحي هذه لا يتقبلها كثيرون، خلي بالكم، كما لو أننا نتحدث عن تطور في العقل الإلهي، لا، نحن نتحدث عن تطور في الوحي، وليس عن تغير في العقل الإلهي؛ لأن منطقة العقل الإلهي هذه لا يصح أن يزعم أحد أنه يتحدث فيها، أو أنه يملك الأداة العلمية عن الحديث فيها؛ لأن هنا ممكن أن يأتي سؤال: ماذا لو أن الرسالة لم تكن في مكة؟ لو أن الله أرسل رسوله في الهند؟ كان الوحي سيكون باللغة الهندية، وليس هذا لأن الله سبحانه وتعالى يتغير علمه، وإنما لأن الغرض من الوحي هو نفع البشر، بدليل أن فيه أكثر من رسالة قبل ذلك بلغات مختلفة، غير اللغة العربية، نحن نقول بأن الوحي ظاهرة تاريخية، بما أنه ظاهرة تاريخية، هي تطور في التاريخ.

إذًا استقر المسلمون في المدينة، وسيطروا على المدينة. أصبح الرسول هو القائد السياسي للمدينة، من خلال مجموعة من التحالفات، ومن هنا بدأ المسلمون يتساءلون، فحين يتساءل المسلمون ينزل الوحي. فبدأت آيات التشريع تنزل، وبدأت لغة القرآن تتغير في أسلوبها، سنجد أن لغة القرآن في المدينة، آيات أطول، إذا نظرتم إلى آية الدَّين في سورة البقرة، فسنجدها آية طويلة جدًّا جدًّا؛ خاليةً من الإيقاع، خالية من اللغة الحادة، سنجد أن القرآن حين نقرأ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ (سورة ٥ المائدة: ٣) سنجد أنها لغة تعتمد على العطف، بنيتها اللغوية واضحة؛ لأنها لغة قانونية، ليس فيها هذه اللمسة الشعرية. لو قارنا مثلًا بين «حُرمت عليكم الميتة» ولاحظوا العطف «والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله والمنخنقة والموقوذة والمتردية … إلخ» الجملة في بنائها تعتمد على العطف، أي تعتمد على ما يسمى البنية الأفقية، لا تخلق أي ارتباك في المعنى. إنما تعالوا مثلًا نقرأ سورة النجم ونشوف إمكانيات الدلالة: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (سورة ٥٣ النجم: ١–٩) نقف هنا مثلًا «ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى»، من الذي دنا ومن الذي تدلى؟ هل محمد أم جبريل؟ نجد ما يُسمى في اللغة «غموضًا في مرجعية الضمائر» هذا الغموض يخلق إمكانيات ويعطي للغة عمقًا، لا نجده على نفس المستوى في «حُرمت عليكم الميتة … إلخ» لماذا؟ لأن هذه لغة قانونية، وهذه لغة تعبيرية. وهو القرآن وكله من عند الله.

إذًا في المدينة بدأت تنزل بعض الآيات التي تنظم حياة المسلمين في هذا المجتمع نتيجة للتساؤلات التي بدأ المسلمون يطرحونها، ماذا نفعل في كذا؟ طبيعي المجتمع الجديد، بمنهجية جديدة يحاول أهل هذا المجتمع أن يتميزوا عن المجتمعات الأخرى.

ننظر إلى مسألة تغيير القِبلة، لكي ندرك ما يُسمى ﺑ «تطور الوحي»، الرسول وهو في مكة لم يشأ أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة؛ لأن الكعبة كانت بيت الأوثان، ثم إنه كان في صراع مع قريش الذين يعتبرون الكعبة بيتًا مقدسًا، كان يتوجه إلى بيت المقدس، أي إلى قبلة اليهود، لكن حين ذهب إلى المدينة، وحدث الصدام مع اليهود، نزلت الآية قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (سورة ٢ البقرة: ١٤٤) فتحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام.

إذًا فيه عوامل تاريخية، هي التي تحدد مرجعية فهمنا نحن للوحي، كيف نفهم الوحي؟ لا بد أن نعود إلى السياق. السياق يقول لنا إن الرسول في المدينة لأسباب تاريخية، كان لا بد أن يجمع بين صفتين، صفة النبي وصفة القائد السياسي، هذه مسألة مرتهنة بشخص الرسول، وبالظروف التاريخية التي فرضت أن يكون قائدًا سياسيًّا.

لكن هل كان يتصرف كقائد سياسي دائمًا، من منظور النبوة، أم أن للسياسة تكتيكًا واستراتيجياتٍ، قد تتفق أو تختلف مع الوحي الإلهي المُنزل المقدس، هنا الخلاف الشديد جدًّا جدًّا مع الذين لا يريدون أن يفهموا مفهوم «تاريخية الوحي».

سنجد مثلًا الخلافات مع اليهود، لماذا كان على النبي أن يحكِّم أحد الصحابة في مصير اليهود حين أخلفوا حلفهم معه وتآمروا عليه وحين استطاع السيطرة عليهم؟ لو كانت المسألة ليست مسألة سياسة، كان من شأنه أن يسأل ربه حكمه في اليهود ثم تصبح مسألة دينية، لكنه أتى بحَكَم، كان يهوديًّا وأسلم، وسأله: ماذا نفعل؟ وهو الذي قال: يُقتل الرجال ويُسبى النساء. إذًا اللجوء إلى التحكم تكتيك سياسي.

وهذا الفهم يُجنبنا الدخول في قضايا يطرحها المستشرقون، يقول لك: انظر إلى محمد قد ذبح اليهود في المدينة. فإذا فهمنا أن هذا سياق سياسي، وأنه لو كان اليهود هم الذين سيطروا على محمد لكانوا هم الذين ذبحوه وجميع المسلمين. نصبح هنا أن نستطيع أن نُفسر التاريخ بدون أن نقع في التبرير. إذًا الرسول، عليه الصلاة والسلام، كان زعيمًا سياسيًّا، وكان نبيًّا، وهذه صفة لم تتحقق لأحد من بعده.

مفهوم الدولة، ليس هناك في القرآن ما يمكن أن يُؤخذ منه، أو يُستنبط منه مفهوم ما يسمى الدولة الدينية. وكان الصحابة دائمًا يسألون النبي في أي سلوك، في أي تصرف يقوم به، «أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟» هذا سؤال متكرر، بل حين أراد أن يخرج في غزوة الخندق، أراد النبي أن يخرج ليقاتلهم في مكان، فيسألوه يا رسول الله: «أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟» قال: «هو الرأي والمشورة.» قالوا: «نبني خندقًا.» إذًا كأن الجيل الأول من المسلمين الذين يسمون باسم «الصحابة» كان يدرك أن هناك مجالين، مجالًا للعقل وللخبرة، ومجالًا للرأي والمشورة، ومجالًا للوحي. ولا يجب الخلط بين المجالين إطلاقًا.

مفهوم الدولة الدينية بدأ بعد ذلك، بدأ بأول خلاف حدث بين المهاجرين والأنصار، من الذي يحكم، اختيار خليفة، اختيار حاكم بعد النبي للمسلمين.

أريد أن أرجع بقصة شديدة الدلالة، على مسألة أن هذه اختيارات سياسية، وليست وحيًا، في فتح مكة، المفروض في قوانين القتال العربي، أنه إذا انتصرت قبيلة على قبيلة فإنها تُستباح القبيلة، لكن النبي لم يفعل ذلك بأهل مكة؛ لأن عواطفه الإنسانية أيضًا، ومن هنا قوله: «من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن» ولم يسمح باستباحة مكة، ودي كانت قوانين الحرب، أحس الأنصار، أهل يثرب، قالوا: «وجد محمد أهله». يعني: محمد عاد إلى مكة، وعليه العوض فينا، «وجد محمد أهله»، خاصة بعد أن أتى وقال لهم:

«ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.»

حتى لم يأخذ أسرى. وعرف النبي، عليه السلام، الهمس الذي دار بين الأنصار، فقرر أن يعود معهم إلى المدينة. لماذا؟ لأنه لو كان قد استجاب ربما لعواطفه الشخصية، وظل في وطنه، لانقسم المسلمون قسمين. ولذلك خاطب أهل المدينة، وقال لهم: «ماذا لو عاد الناس إلى منازلهم بالشاة والبعير، وعدتم بمحمد في ركابكم؟»

هذه عقلية السياسي، عرف أنهم غضبوا، قال لهم تعالوا سيعود الناس بالشاة والبعير، لكنكم ستعودون بي، «بمحمد في ركابكم». إيه رأيكم بقى، ترجعون بمحمد ولا ترجعون بغنائم الحرب؟ هذا قائد سياسي مُحنك، يعرف كيف يقود دولة، هل فعل ذلك بالوحي؟ لماذا نحرم محمدًا من العقلية، ونتصور أنه في كل شيء أنه كان يعني يشتغل بالريموت كنترول، لماذا نتصور هذا؟ لماذا نحرم هذه الشخصية من قوتها العقلية الجبارة؟ ليه؟

علشان نصور محمدًا في التلفزيون، طبعًا لا يظهر في التلفزيون، إنما: كان في عرس، وفي العرس الناس كانت تشرب خمرًا، فكبس عليه النوم. يعني كأنه مش إنسان، مش بشر، مفيش حيوية. كيف اختارت خديجة هذا الرجل إذا كان بهذه الصفات؟ هل هناك امرأة ثرية غنية من أصل، تتزوج رجلًا كل ما يشوف فرح ينام؟ قليل من العقل في قراءة التاريخ. ماذا يُعجب المرأة في رجل من هذا النمط؛ لم يفعل كذا ولم يفعل كذا … وكذا؟

ولماذا سُمي الأمين إذًا؟ كيف، إن لم يكن معروفًا في كل بيت من بيوت مكة؟ إزاي واحد يشتهر باسم الأمين وهو يعيش في جبل، يرعى الأغنام، إذا وجد قومًا يسهرون ويحاول يسهر يكبس عليه النوم، علشان ربنا لا يريد له أن يرى هذه المساخر. فكيف سُمي الأمين، من أين أتته الشهرة؟ كيف كان يتاجر؟

فيه محاولة لتزييف وعي المسلمين حتى بشخصية نبيهم. محمد كان تاجرًا وكان يسافر في رحلة الشتاء ورحلة الصيف، وكان يذهب إلى الشام، وكان يذهب لليمن، وكان تاجرًا، وحين نفهم تاجرًا؛ يعني بيعرف قوانين السوق، يعني بيعرف البضاعة، ماذا يكسب وماذا يخسر. ليس ممكنًا أن يكون محمد الذي تصوره لنا الكتب الدينية المتأخرة. هذا النبي أصبح رئيس دولة، وأصبح رئيس دولة يعرف كيف يقود هذه الدولة بعقله، وليس في كل خطوة بما يُسمى الوحي. تاريخ محمد، قصة محمد، اللي عايز يفهم شخص النبي يرجع لكتب السيرة، لا يقرأ الكتب التي تصور محمدًا لا علاقة له بالحياة، رجلًا أخرويًّا، ناسكًا، زاهدًا. طبعًا نحن لا نقول عن محمد إنه رجل كان مجردًا من الأخلاق لأنه تاجر. لا، إنما رجل يعرف قوانين الحياة، ويعرف قوانين الواقع، وأنا لا أستطيع أن أصدق أنه هو اللي حكم في قضية الحجر الأسود، التي كانت القبائل ستتقاتل عليها، وهو نكرة في المجتمع. لن أصدق أنهم كانوا واقفين مستنيين كده، أول واحد يدخل عليهم، ده تصوير بشع للقبائل العربية، أنهم أوقفوا بناء الكعبة وأنهم قالوا أول واحد داخل علينا نحكِّمه، ده كلام فارغ. لا علاقة له بالتاريخ ولا علاقة له بفهم التاريخ، هذه أساطير، التي نسميها في علم تحليل الخطاب، «أسطرة التاريخ» كي يتحول التاريخ إلى أسطورة.

إذًا الرسول كان نبيًّا، وكان قائدًا لدولة، وهذه صفة لم تجتمع إلا له، وكان يقود الدولة طبقًا، لفهمه لقوانين الواقع، ولقوانين الصراع، وإمكانياته لاستثمار هذا الصراع لصالحه. وليس في هذا إدانة للنبي. وده اللي يخلينا نحط أصابعنا في عين المستشرقين. الذين يقولون إن محمدًا دبح اليهود، طبعًا اليهود لو كانوا في وضع محمد، كانوا طبعًا دبحوا المسلمين، هذه كانت قوانين الممارسات السياسية في هذه العهود.

بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، حصل النزاع بين أهل مكة وأهل المدينة، حول من يحكم، اسمعوا الحوار الذي تم فيما يسمى سقيفة بني ساعدة، الحوار الذي دار:

الأنصار قالوا: نحن أولى بهذا الأمر، نحن الذين آويناه ونحن الذين نصرنا الدين.

أهل قريش قالوا: نحن أهله وعشيرته وقبيلته، ولن ترضى لكم العرب بهذا الأمر.

لأن الحوار كله كان يدور حول أمر الحكم وليس النبوة.

الأنصار قالوا: منا أمير ومنكم أمير.

يعني بالتبادل.

رفضت قريش.

طيب: منكم الأمراء ومنا الوزراء.

رفضت قريش. يعني رفضوا تبادل السلطة، ورفضوا المشاركة في السلطة أيضًا. يعني كانت قريش تصر على الاستئثار بالسلطة.

كان الحوار كله لما نقرؤه هو حوار حول الدولة لم تأتِ فيه سيرة الدين إطلاق. لم يتجرأ أحد في هذا الاجتماع أن يقول: «الخلافة في قريش إلى يوم القيامة»، هذه كلها أحاديث اتعملت بعد ذلك في الدولة العباسية، يعني لما أرادت الدولة العباسية أن تبرر نفسها، خُلق حديث الخلافة في قريش.

مفهوم الدولة الدينية ليس له وجود في تاريخ الدولة التي تُسمى «الإسلامية». لماذا؟ ببساطة شديدة: لأن أبا بكر كان خليفة رسول الله، ولما جاء عمر لم يعجبه هذا اللقب، لسببين: لأنه لا أحد يخلف الرسول، والثاني لأن سيقول خليفة خليفة رسول الله! فسمى نفسه «أمير المؤمنين». الإمارة سلطة دنيوية وليست دينية.

كلما نشأ أمر كان هناك أهل الحل والعقد، يقولون رأيهم في هذا الأمر. حين يشيرون إلى سنة النبي في ذلك العصر، يشيرون إلى ما كان يمكن أن يفعله النبي لو كان في مثل هذه الحالة. يعني نوعًا من استلهام الزعيم السياسي الأول.

بدأ مفهوم الدولة الدينية في عصر عثمان بن عفان، واحنا عارفين إن اختيار عثمان بن عفان كان نتيجة للجنة شكلها عمر بن الخطاب من ستة، لو شفتم لجنة الستة وانتماءهم القبلي، هتعرفوا إنهم يمثلون كل الأجنحة القبلية؛ لأن عمر لم يكن يريد أولًا: أن يتحمل مسئولية خليفة، وواضح أنها كانت مشكلة عملية اختيار خليفة بعد عمر، فترك الأمر بين عثمان وبين علي؛ لأن الصراع بين الفرعين من قريش كان له قِدم.

ولما نقرأ في تاريخ الطبري؛ لماذا هؤلاء الستة، وأن أحدهم كان غائبًا، وقال عمر: «فإذا لم يتفقوا بعد ثلاثة أيام فاقتلوهم، ويعود الأمر شورى للمسلمين». يعني احبسوهم ثلاثة أيام في دار من الدور، إذا بعد ثلاثة أيام لم يخرجوا متفقين، كان عامل فرقة «انتحارية»، قال إذا لم يتفقوا فاقتلوهم، ويُترك الأمر شورى للمسلمين، يعني يفتح الأمر للمسلمين.

طيب. إذا كانوا ثلاثة ضد ثلاثة؟ قال عليكم بالجانب الذي فيه فلان؛ واحد من الستة. لا بد للدارس أن يسأل: ليه؟ إيه الحكمة في تعيين هؤلاء الستة؟ هذه الأسئلة مش عيب، مش قلة أدب، في الدراسة العلمية؛ لأنه لم يكن هذا السلوك مجردًا، إن احنا نقول: وكان عمر بن الخطاب حكيمًا فاختار ستة، ونخطب. لا لازم نسأل، ليه اختار ستة؟ ليه معملشي زي أبو بكر؟ وأبو بكر حين عيَّن عمرَ استشار المسلمين أيضًا، يعني عمل استشارات جانبية. لماذا؟ لأن الجميع يعرف أن هذا منصب سياسي.

انتهى الأمر باختيار عثمان بن عفان ونحن نعرف جميعًا أحداث الفتنة وما أدت إليه، والمصريون قاموا بدور ملعون في الحكاية دي؛ لأنه الخطاب الذي تمسك به المصريون، إنهم راحوا يشتكون للخليفة من تعسف واليه، فالخليفة قال لهم كلامًا طيبًا، وبعدين وهم راجعين بعد الحج، لقوا البريد، فشكُّوا في الراجل اللي شايل البريد، فمسكوه فوجدوا معه خطابًا مختومًا بخاتم الخليفة. يعني: فلان وفلان … إلخ اقتلهم. رجعوا للخليفة تاني، فقال لهم: لا لم أكتب هذا الخطاب، وهذه مشكلة في التاريخ حتى الآن. فخيَّروه: إما أنك تعزل من تتهمهم بأنهم كتبوا هذا الخطاب، واحنا عارفين إن عثمان بن عفان أقام أهله على رقاب الناس. ونرجع لكتب التاريخ تاني، وليس للكتب المتأخرة، فكتب التاريخ أنه فعل كذا، وأخذ عليه المسلمون كذا، مذكور في تاريخ الطبري.

فقالوا له أنت مُخير في ثلاثة أمورٍ: إما أن تعزل هؤلاء الذين يكتبون ويختمون بدون علمك. أو أن تعزل نفسك، أو نقتلك. فقال: «والله ما جعلتم لي من خيار، أما أن أعزل أوليائي فكأنكم قد توليتم الأمر بدلًا مني.» زي بعض الرؤساء يقول لك أنا محبش حد يلوي ذراعي، الرؤساء بتوعنا يعني، عيب إنك تقول له يعمل أيه، لا يصح، هو أنت رئيس، أنت مواطن تاخد على دماغك. أما الخلافة فلا أخلع قميصًا، قمصنيه الله، أول مرة يدعي حاكم أن الخلافة أتته من الله.

زي أنور السادات، كان يقول «منذ وليت عليكم»، عمره ما قال منذ انتخبتموني، أبدًا. منذ وليت عليكم. «عصر ولايتي». وكان مُصِرًّا يستخدم مفردات الولاية، ويستخدم «وليت» بالمبني للمجهول، علشان يبقى الفاعل هو الله. ولما البترول طلع في سيناء، قال «ربنا أنعم عليَّ بالبترول»، لم يقل على الشعب المصري، هذه الممارسات لها تاريخ.

فقال لهم عثمان «كأنكم توليتم الأمر من بعدي إذا عزلت ووليت طبقًا لرأيكم فكأنكم توليتم الأمر، أما أن أخلع الأمر فلن أخلع قميصًا ألبسنيه الله أو قمصنيه الله»، حسب الروايات. فكانت النتيجة أنه قُتل.

إذًا المسلمون اللي عملوا ده، لو كانوا يعرفون أنها دولة دينية، إذًا فإنهم كانوا يقتحمون قدس الأقداس، أن يُقتل خليفة، خلي بالكم أن عمر قُتل أيضًا.

إذًا المسلمون كانوا فاهمين إن ده منصب سياسي. إصرار الخلفاء بعد ذلك على الشورى الشكلية، والمبايعات الشكلية، أنتوا عارفين طبعًا، كيف أخذ معاوية البيعة ليزيد، في الجامع أوقف وراء كل قائد من قادة القبائل سيافًا بخنجر، وواحد قال أبايع يزيد ومعرفش أيه، وكل واحد في جنبه الخنجر، بايعوا جميعًا. ولما قال مالك بن أنس «لا بيعة لمكره» أنتوا عارفين أيه اللي جرى له، كان عمل فتوى قال: «لا يمين لمُكره ولا بيعة لمُكره»، وده كان ضد الدولة الأموية؛ لأن من يبايع والخنجر في جنبه لا تصح بيعته. كان صراعًا سياسيًّا، الإمام مالك عارف إنه صراع سياسي، المسلمون عارفون إنه صراع سياسي، لكن كان لا بد من المحافظة على ما سُمي؛ شكل البيعة. لكن من أول معاوية فضل المُلك وراثيًّا، مالوش أي علاقة بالبيعة، مُلك، ملك عضوض، زي ما بيقول المعتزلة.

الدولة العباسية كذلك، وراثة. لكن كل دولة كانت تحاول أن تعمل لنفسها مشروعية؛ لأن كل هذه الدول، الأموية والعباسية، مُفتقدة الشرعية، الشرعية بالمعنى السياسي. فكيف تلجأ الدولة لتأسيس مشروعيتها؟ تنسب نفسها إلى مشروعية عليا، أي مشروعية دينية. وهنا بدأت حكاية الخلافة في قريش، وهنا بدأ الشيعة يقولون: الخلافة في علي وأبنائه. مش قريش على عمومها، علي وأبناؤه، حتى الاختلاف حول هذه المسألة، يؤكد أنها كانت مسألة دنيوية، مسألة سياسية، وليست مسألة دينية، كان الدين غطاءً، يُقدم لتبرير دولة لا مشروعية لقيامها يكرهها المسلمون، لم يكره المسلمون دولة كما كرهوا الدولة الأموية.

الحسن البصري، فقيه، زاهد، متصوف، بلغ بهم الأمر أنهم حرَّموا أن يُذكر اسم علي في المساجد، فكان الحسن البصري حين يريد أن يحكي حديثًا نبويًّا رواه علي، يقول: «قال أبو زينب»، حتى لا يذكر اسم علي، ومع ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي يستدعيه، الحسن البصري إمام الأئمة، والرواية تقول ووضع النطع٢ على السيف، وأحضر الحسن البصري وقال له:

«ما رأيك في علي؟»

يعني الرجل يتحاشى أنه يجيب سيرة علي، يقوم يبعت له الحاكم يقول له: «ما رأيك في علي؟»

فقال له: لقد سُئل من هو خير مني عند من هو شر منك، إذ سأل فرعونُ موسى، ما بال القرون الأولى؟ فموسى قال له: علمها في كتاب عند ربي، لا يضل ربي ولا ينسى.

علم علي عند الله. إلى هذا الحد كانت الممارسات السياسية، حتى المفكرون الذين يتحاشون الصدام بأي شكل من الأشكال، مع سلطة الدولة. وعُذِّب الحسن البصري، رغم أنه لا يريد أن يدخل في صدام، مع الدولة.

هذا الأمر تكرر تاني في عصر السادات، يعني بعد انتفاضة يناير، احنا أسميناها «انتفاضة ثورية»، هو أسماها «انتفاضة حرامية»، كنا نُستَدعى إلى مباحث أمن الدولة، ويسألك: «انتفاضة يناير انتفاضة شعبية ولا انتفاضة حرامية؟» يعني نوعًا من الاختبار، القرآن مخلوق ولا مش مخلوق، فتقول له: «معرفش، أنت بتتكلم عن أيه بالظبط؟ انتفاضة أيه؟» والبعض مننا يجاوب: «انتفاضة! هو كان فيه انتفاضة في مصر؟» وأنا فاكر إن عبد الرحمن الأبنودي قال لضابط مباحث: أنت أيه رأيك؟ كان الضباط يضحكون مثلكم كده، مسخرة من المساخر. تحدد وضعيتك أنت مع الحاكم أم ضده حين تُسأل. إذا قلت انتفاضة حرامية يبقى أنت من المعارضة، وإذا قلت انتفاضة شعبية يبقى أنت هتدخل تاخد لك طريحة في الحجرة اللي جنبهم. نفس المسألة القديمة، ممارسات سياسية، تأخذ غطاءً دينيًّا.

ندخل شوية في علم الكلام، الذي يناقش مشكلة الإمامة والخلافة، الآمدي، متأخر، يقول لك: «والإمامة ليست من أصول الدين»، مش أصل من أصول العقيدة؛ لأن علم الكلام اسمه «علم أصول الدين»، خلي بالكم، والفقه له علم أصول الفقه، فالآمدي يقول وليس مبحث الإمامة مبحثًا من أصول الدين. «وإنما لما درج المتكلمون على مناقشته، أدخلته في كتابي». إذًا أحد علماء الكلام، الأشاعرة، وأنا أتكلم عن الآمدي، مش هقول معتزلي ولا ابن رشد: «إن الإمامة ليست أصلًا من أصول الدين».

وزي ما تفضل الدكتور عبد السلام، إن الخوارج قالوا: «إذا قام العدل فلا حاجة للدولة». يعني إذا الأمر مستقرٌّ بين الناس، لا حاجة لإمام؛ لأن مهمة الإمام في الوعي الإسلامي: أن يُقيم العدل بين الناس. يعني سياسة الرعية، والكتب التي تكلمت عنها «السياسة الشرعية في إقامة الراعي والرعية». إذًا هو أمر سياسي.

في علم الكلام هي قضية أساسية في الفكر الشيعي، أي إن مفهوم: «الإسلام دين ودولة مفهوم شيعي». لأنه يجب أن يتولى شأن الدولة الإمام عند الشيعة. والإمام هذا هو وارث العلم النبوي، وهو الوحيد المسموح له بحق التأويل، أو من يضعه موضع التأويل. فمفهوم الدولة الدينية مفهوم شيعي، وليس مفهومًا سنيًّا. لكن تعمل إيه بقى دولة السنة الأموية والعباسية؟ تعمل لنفسها مرجعية دينية أيضًا.

إذا انتقلنا إلى الدولة العباسية، الدولة العباسية قامت بنوع من التعاون السياسي مع العلويين، وبعدين حصل الانشقاق مرة أخرى، فكانوا العباسيين. فالعباسيون يعملون مرجعية ضد الدولة الأموية إزاي؟ عبر مرجعية ابن عباس، ولذلك شخصية ابن عباس، في التراث العربي الإسلامي، يجب أن ننظر إليها بأنها شخصية أُعيد في عصر الدولة العباسية أسطرتها، تأسطرت؛ بقت أسطورة. خلي بالكم إن عبد الله بن عباس. الرسول، عليه السلام، توفي وهو عنده ثماني سنوات، وفي بعض الروايات عشر سنوات. عيل يعني، يعني لا يلحق أن يبقى حبر الأمة، ويقول: خذوا علمكم عن ابن عباس، وابن عباس تروى على لسانه: «ما من آية من القرآن إلا وأعلم متى نزلت، وأين نزلت، وفي أي مكان نزلت، أفي جبل أم في أرض أم في سماء.» معقول؟ وأنت عندك ثماني سنوات؟ لكن الدولة العباسية عايزة تعمل لها مشروعية.

علي بن أبي طالب شخصية وعلاقته بالرسول مش بس علاقته بأنه زوج ابنته، ولكن علاقة الصلة الحميمية منذ بدء الدعوة، علي أول من آمن من الفتيان، ودوره في الدعوة معروف. يعملوا إيه بقى العباسيون، يعملوا أساطير حول شخصية ابن عباس، وابن عباس ليس صحابيًّا، لأني أنا لا أؤمن بأن الصحابي من كان طفلًا وقت موت الرسول، تعريف كلمة صحابي، لا بد أن يُشترط فيه الصحبة، مش كل واحد شاف الرسول كده مرة في موسم الحج يبقى صحابي. تم إعادة ووضِعت على لسان ابن عباس بقى بلاوي متلتلة، لا تُختبر. يعني من ضمن الناس اللي شتموني قال: «وهو يتجرأ على ابن عباس.» تقول له هو ابن عباس ده أيه؟ قريبك؟ ابن عباس ده بتاعنا كلنا، مش ملك حد. يعني ترجع للتاريخ، التاريخ هو المعيار، ابن عباس، مات الرسول وهو طفل. فمن أين أتته كل هذه المعرفة؟ كل ده نوع من «الصور النمطية» (قالها بالإنجليزية) المتأخرة وهذه عملية في التاريخ متكررة. من هنا لازم الباحث يبقى ناقدًا طول الوقت، الباحث الذي يفقد سلاح النقد، النقد هنا بمعنى تحليل المادة، بمعنى طرح تساؤل، لا تأخذ كل معلومة تقرؤها في كتاب أنها حقيقة مطلقة، المؤرخون يعطونك مادة للبحث للتساؤل حولها.

من هنا نفهم متى تم أسطرة شخصية عبد الله بن عباس، الدولة العباسية يعني إيه، العباس عم الرسول، ليس من الشخصيات التي لها في تاريخ الدعوة، فتتم عملية أسطرة الابن من أجل أن يقولوا العلم. خلي بالكم كل الصفات التي تُطرح عن ابن عباس عن «العلم، حبر هذه الأمة» هي الصفات الشيعية التي تُطلق على علي، «النبي مدينة العلم وعلي بابها»، كأنه فيه نوع من الحرب على خلق رموز لعمل مشروعية للبنية السياسية.

لما نيجي ندخل في الممارسات السياسية للدولة العباسية، سنجد من بعد عصر هارون الرشيد أنه تم الفصل بين الخلافة والسلطنة، الخلفاء أصبحوا لعبة في يد مجموعات العسكر الذين كانوا يستجلبونهم، سواء الترك أو السلاجقة أو البويهيون، وأصبحوا يلعبون بالخلفاء. ويجيبوا الخليفة ويخلعوا عينيه ويقطعوا رقبته ويجيبوا عيل تاني مكانه، فلا يعجبهم، فيرمونه في بئر … إلخ. وهنا طلع علم الكلام يبرر هذا، يعني فيه جزء من الفكر تبرير لما يحدث في الواقع.

حينما نصل إلى القرن الخامس الهجري، سنجد أن العلماء المسلمين بيقولوا إن الخليفة ليس من الضروري أن يكون هو السلطان القائم بأمر المسلمين. إنه يجوز للخليفة أن يُعيِّن سلطانًا، هذا السلطان هو الذي يحكم المسلمين. لكن الخليفة رمز، لا يحكم.

وبدأت فكرة الخليفة الذي لا يحكم ويُنيب سلطانًا عنه، حتى وصل السلاطين في عصر السلاجقة أن السلطان يُخطب له الجمعة مع اسم الخليفة، بل وصل بعضهم أنه يتزوج بنت الخليفة ويزوج ابنته للخليفة، بحيث إن ابنته المتزوجة من الخليفة خلفت، أو هو خلف من بنت الخليفة، يبقى الخلافة في عقبه. السلاجقة عملوا كده. ليه؟ لأن المسألة أصبحت مؤامرات بلاط.

وليس في هذا ما يجعلنا نخجل، تاريخ الأمم كله كده. لكن يجب أن نفهم تاريخنا بتبصر، ونكف عما يسمى منهج التبجيل، الذي يعوقنا عن الفهم العلمي والتحليل العلمي. إذًا مفهوم الدولة الدينية ليس له وجود.

إذا عدنا بسرعة للآيات التي يستند إليها رجال الإسلام السياسي، مثل وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (سورة ٥ المائدة: ٤٤). فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة ٥ المائدة: ٤٧). فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (سورة ٥ المائدة: ٤٥) التي يسمونها آيات الحاكمية، ونرجع للسياق: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ (سورة ٥ المائدة: ٤٣) يرد على اليهود، بالإضافة إلى أنه «يحكُم»، «حكَّم»، «حكَم»، المادة في القرآن كله تعني الفصل بين المتنازعين في حالة بعينها.

كلمة «حكم» في القرآن ليس معناها الحكم بالمعنى السياسي: «وكيف يحكمونك»، يحكمونك يسألون حكمك يعني «إيه رأيك». أو لما تختلف مع شخص فتقول له هنخلي الدكتور عبد السلام حكمًا.

فكلمة حكم في الإسلام في هذه الآيات وفي غيرها، لذلك جاءت «يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله»؛ لأن اليهود إذا سرقت امرأة عندهم في التوراة قطع يد السارق، ورجم الزانية. إنما عندهم امرأة سرقت أو رجل سرق، أو امرأة زنت، ولا يريدون تطبيق الحكم اللي عندهم في التوراة. فيقولون اسألوا محمدًا لعل عنده حكمًا أخف. محمد ليس لديه حكم، الحقيقة لم يكن عنده حكم.

القصة تجري كالتالي: إنه سأل على واحد من بني إسرائيل يكون أمينًا، فدلوه على شاب، فسأله ما حكم التوراة في هذا الأمر. فقال له حكمها كذا. فمحمد قال لهم حكمها كذا، نفس الحكم الذي بالتوراة. ولذلك صيغة استفهام «وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله». عندهم الحكم.

إذا أخذت أي آية بره السياق، وهذه هي مشكلة المنهج العلمي، إذا أخذت أي آية بره السياق ممكن تبقى سلاحًا للشيء ونقيضه.

يقول لك قوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ (سورة ٤ النساء: ٦٥) آه طبعًا، فيما شجر بينهم، واضح من سياق الآية خلاف ينشأ بين المسلمين. فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ خلي بالكم الحكم هنا هو القضاء، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اقرأ الآية كده كويس واعمل لها تحليل أسلوبي. هتفهم إنه خلاف ينشأ، ثم يحكمون الرسول، كيف لن يقبلوا حكم الرسول وهو الحاكم وهو النبي؟ كيف؟ هات النبي معانا بقى هنا واحنا نقبل حكمه في أي مشكلة. لكن النبي ليس معنا. يعني الآية تتحدث عن حكم النبي في وقائع هو حاضرها. لا تتحدث عن الحكم بالمعنى السياسي، بالدولة والمؤسسات والدستور والبرلمان … إلخ.

ولذلك منهج فهم القرآن بالعودة إلى سياقه في النص خطر بالنسبة لهم، ليه؟ لأن دي الثروة التي يعتمدون عليها في الأيديولوجيا. لأن هذه الآيات حين تقف في المسجد وتقول، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، تقوم الناس تقول الله أكبر، هؤلاء الحكام كفرة؛ لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله. ليه؟ لأنه خطاب ديماجوجي، خطاب وراءه مصالح بالبلايين، وليست مصلحة الدين. بل حرق الدين من أجل تحقيق غايات سياسية.

يعني إذا رجعنا إلى الآيات التي يُستند إليها في مفهوم الدولة الدينية فسنجد أنها كلها آيات في سياقها، سواء أسباب النزول، أو سياقها داخل القرآن، أو في تركيبها اللغوي، تتحدث عن «الحكم» أي: القضاء في أمر بعينه.

مفهوم الدولة الدينية نشأ متأخرًا. أنتوا عارفين طبعًا الخلافة التركية كيف قامت، إنه سليم الأول لما فتح مصر، كان المماليك جابوا عيل من العباسيين، بعد التتار لما غزوا بغداد، قتلوا الخليفة، تبقى حد ابن عم الخليفة، المماليك في مصر كانوا عايزين مشروعية دينية، فجابوا ابن العم اللي محدش عارف هو من أين، ونصبوه خليفة، لكن اللي بيحكموا المماليك. السلطان سليم الأول لما فتح مصر أخذ هذا العيل، فنقل الخلافة والسلطنة إلى تركيا، لعبة سياسية.

لما جاء كمال أتاتورك وألغى الخلافة، وده جزء من التاريخ لازم تعرفوه، هو بدأ بالفصل بين الخلافة والسلطنة، قال الخليفة هو خليفة المسلمين كلهم، احنا عايزين سلطان لتركيا، يعني يتفرغ لشئون تركيا. هذا الفصل بين الخلافة والسلطنة، قُوبل بارتياح عام عند المسلمين جميعًا، ليه؟ لأنهم أحسوا إنه مهم إنه يبقى فيه أمير للمؤمنين أو خليفة للمسلمين، وليس رئيس بلد بعينها. بعد كده ألغى كمال أتاتورك الخلافة؛ لأنه كان منصبًا لا قيمة له.

زي ما ذكر الدكتور عبد السلام، كرد فعل لهذا، نشأ مفهوم إعادة الخلافة، ونشأت جمعية الإخوان المسلمين سنة ثمانٍ وعشرين لإعادة الخلافة.

زي ما شفنا في التاريخ، الخلافة منصب سياسي، ولم يكن أبدًا، أبدًا منصبًا دينيًّا، حياة الخلفاء معروفة في الكتب، مجالس الخمر، والشراب، ومجالس الشعر، بلاط، زي أي بلاط ملكي، ولم يكن خليفة يدعي أنه يحكم باسم الله.

لكن كان أحيانًا الدولة الأموية ادعت أنها جاءت إلى الحكم بإرادة الله، ودي فكرة الجبر، إنما جئنا بقدر الله، بل وأظن عبد الملك بن مروان، كان فيه أحد الثوار في القصر فاتنرفز عليه عبد الملك بن مروان، فأمر بقطع رقبته، وكان الثوار الذين معه يحيطون بالقصر، فيعملوا أيه! فطلع فقيه، يفتي، فقال: ألقوا بجثته وقولوا لهم قُتل بقضاء الله السابق. ومن هنا نشأ المعتزلة علشان يردوا على فكرة قضاء الله السابق، وعن حرية الفعل الإنساني، ومسئولية الإنسان عن الفعل. كل دي أفكار، لكن أفكار ذات طابع سياسي، ذات بُعد سياسي.

نشأت مشكلة الدولة الدينية، مع إنهاء الخلافة الشكلية، اللي إحنا عارفين تاريخها كويس جدًّا في تركيا، نشأت جماعة الإخوان المسلمين، وبدأ ما يُسمى تيار الإسلام السياسي. تيار الإسلام السياسي تم تغذيته وضخه أكبر ضخة أيديولوجية، نقل دم، بقيام دولة إسرائيل ١٩٤٨م؛ لأنها قامت على أساس ديني، الأيديولوجية الصهيونية التي تقول دولة لليهود.

ولعلكم تذكروا إن في نفس السياق، قام المسلمون في الهند يطالبون بدولة لهم فكانت باكستان سبعة وأربعين. إذًا في ثمة وراء مفهوم الدولة الدينية، ضغوط وأيديولوجيات، خلقت هذا المفهوم، إحنا عارفين دور بريطانيا في عمل فتنة بين المسلمين والهندوس في الهند، والتاريخ أيضًا يعلمنا، ولم يغادروا الهند إلا بعد ما أوقعوهم في بعض، وكان لا بد أن المسلمين يستقلون بدولة مع أن المسلمين ليسوا موجودين في منطقة واحدة، المسلمين موجودين على الجانبين وبينهم «بلوك» كبير من الهندوس، فاستقلت دولة الباكستان على أساس ديني، وبعدها انشقت عنها بنجلاديش. إذًا فكرة قيام دول على أساس عرقي أو ديني بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت قائمة، وهاجس إقامة الخلافة موجود منذ سنة ١٩٢٨م.

ضخ الدم مع قيام الدولة الصهيونية في إسرائيل، من الطبيعي إذا كان اليهود يريدون دولة لهم، المسلمون يقولوا احنا عايزين دولة إسلامية، نحن مسلمون هويتنا هي الإسلام، زي ما الضخة الكبرى جاءت سنة ١٩٦٧م، الخطاب السياسي والخطاب الثقافي كله حوَّل الصراع بين العرب وإسرائيل إلى صراع حضاري ديني، وبالتالي بمنطق لا يفل الحديد إلا الحديد، وتم تفسير انتصار إسرائيل تم لأنها دولة دينية، لأنها دولة قامت على أساس الدين والعقيدة، وفي هذا السياق قال الشيخ محمد متولي الشعراوي إنه سجد لله شكرًا لهزيمتنا في سبعة وستين، ليه؟ على الأقل الدولة الدينية هزمت الدولة الكافرة بنت الكلب بتاعة عبد الناصر.

إذًا مفهوم الدولة الدينية هنا مفهوم مسمم، وبعد سبعة وستين، وتابع ذلك انتصار الثورة الإيرانية في القضاء على الشاة، وأصبح هاجسًا فكريًّا عامًّا، حتى كثير من المفكرين التقدميين، بدءُوا يراجعوا مقولاتهم في مسألة أن الإسلام يمكن أن يكون أداة من أدوات الثورة، ناس كتير جدًّا راجعوا مقولاتهم، وعادوا على أعقابهم. الإسلام عمل ثورة في إيران، وبدأ الحديث عن الإسلام الثورة، من غير ما نعود للسياق التاريخي، لمفهوم الدولة الدينية في الإسلام.

أظن أن أنا اقتربت من أني أجاوب على الجزء الفرعي من السؤال، إنه لم تكن هناك دولة دينية في الإسلام، كانت هناك دول سياسية، تحاول أن تجد لها مشروعية أيديولوجية زائفة، باسم الإسلام، وبتوظيف الرموز الدينية.

مفهوم الدولة الدينية المعاصر مفهوم سياسي، له تاريخ منذ بداية الحرب العالمية الأولى حتى الآن، وكل الضخ الذي يحدث في مفهوم هذه الدولة الدينية هو ضخ سياسي، ساعدت الدول، الأنظمة السياسية، في السودان وفي مصر وفي العراق لا نستثني أحدًا على رأي الشاعر، في تقوية هذا الاتجاه؛ لأن كل الأنظمة العربية، أنظمة لا مشروعية لها. يا انقلاب عسكري، يا وراثة، إذا كان حد عنده فكرة عن دولة عربية إسلامية ليست كده يقول لي، يعني يصحح معلوماتي. إما وراثة وإما انقلاب عسكري، فمفيش مشروعية، المشروعية في حالة الوراثة، مشروعية وهمية، المشروعية في حالة الانقلاب العسكري تعتمد على القوة.

حين تغيب المشروعية عن الدولة، وده جزء من تكوين الدولة أنه يبقى لها مشروعية، كيف تحكم الناس بدون مشروعية؟ فكل الأنظمة السياسية العربية، وجدت لنفسها مشروعية في الدين.

أعطيكم بعض الأمثلة، بسرعة: عندكم في السودان طبعًا المسألة مش عايزة شرح. من قبل كده، لا أقصد التطور الأخير، من قبل كده من دستور ثمانية وستين. في مصر فيه خناقات مستمرة من أول علي عبد الرازق، علي عبد الرازق في الإسلام وأصول الحكم أراد أن يقول هذا الذي أقوله الآن، ويؤصله، بأنه مفيش حاجة اسمها دولة دينية، فتآمر ضده القصر، والأزهر، والأحزاب، مش بس معملوش معاه زي ما عملوا معايا، دول سحبوا منه الشهادة. اللي هيه العالمية، يعني وصموه بأنه أمي. أخذوا منه شهادته، وكان يعمل قاضيًا في المنصورة، ففقد وظيفته. طبعًا أصبح وزيرًا للأوقاف بعد ذلك.

لماذا؟ لأنه أيضًا المفهوم خطر، لأن الملك فؤاد كان عايز يبقى خليفة المسلمين، والإنجليز كانوا عايزين يعملوا الخلافة في مصر فتبقى تحت سيطرتهم، وكان في السعودية حد عايز يبقى خليفة، وكان في لبنان حد عايز يبقى خليفة. يعني الخلافة لما ضاعت من تركيا، كل حاكم عربي كان نفسه يبقى الخليفة، وده الصراع الذي كان يطعن فيه، وبيقضي عليه نهائيًّا علي عبد الرازق.

الدستور طول الوقت في مصر دائمًا يحوم حول: دين الدولة الإسلام ولغتها اللغة العربية، والناس في مجلس النواب، تقول: «احنا عندنا مسيحيين»، يعني مفيش داعي، فيقولوا: لا، ما هو المسيحيون مسلمين حضاريًّا ومسيحيين دينًّا. ومكرم عبيد هو نائب مصطفى النحاس. في النهاية كان فيه مناخ ديمقراطي يسمح، أو يجعل مثل هذه التنازلات غير ذات خطر؛ لأنه كان فيه أحزاب كان فيه قوى، ثورة تسعة عشر، زي ما كلنا احنا عارفين، كان فيه فتنة بين الأقباط في مصر وبين المسلمين، حتى طلع شعار من أنبل الشعارات، «الدين لله والوطن للجميع»، هذا الشعار يُهاجم الآن بشدة، على أنه شعار علماني كافر.

مع ثورة اثنين وخمسين. وده النقد اللي لازم نقدمه، وأنا ابن ثورة اثنين وخمسين، أنا ابن طموحاتها وأحلامها، وانتصاراتها وهزائمها، الجيل اللي شاف ثمانية وأربعين وستة وخمسين وسبعة وستين، وهزيمة ثلاثة وسبعين، لأن السياسة حولتها إلى هزيمة. وعاش كل الهزائم المستمرة حتى عاصفة الصحراء الأخيرة. لكن لازم نتعلم ننقد التاريخ، لازم، علشان نستبصر، ونقدر نرى المستقبل، وإلَّا مش هنشوف، وهتظل غمامة العاطفة.

اثنين وخمسين استخدمت الإسلام، خاصة بعد ما حصل الصدام مع الإخوان المسلمين، القومية كانت قائمة على أساس إسلامي، وميشيل عفلق وضع الإسلام كمحور أساسي في البناء القومي، ثم ادعوا على الرجل بعد ما مات أنه كان أسلم في السر، ميشيل عفلق. الاشتراكية كانت تُعلَّم باسم الإسلام. فلما جت هزيمة سبعة وستين أسقطت كل الأقنعة، ولم يعد سوى الإسلام. لكن الإسلام المؤدلج. الإسلام المستخدم غطاء لإعطاء شرعية للدولة. فكان من الطبيعي أن يكون النزاع على الشرعية بين الإخوان وبين الدولة، الإسلام.

من هنا لازم نفهم الصراع القائم ده مش إنه صراع على الإسلام، دول ناس مسلمين ودول ناس كفرة، لا، ده صراع على الاستخدام النفعي الأيديولوجي للإسلام، وعلى جعل الإسلام بمنأى عن هذا الصراع الأيديولوجي النفعي.

ليس هناك في الإسلام دولة دينية، فيه في الإسلام شرائع وأحكام، نعم. يجب أن تُفهم في سياقها. الإسلام أساسًا قوة أخلاقية وروحية. للأسف الشديد، المجتمعات الإسلامية محرومة منها لحساب الإسلام السياسي. كل مظاهر التدين موجودة عندنا، الجلابية والذقن والسبحة وزبيبة الصلاة، والحج وإقامة موائد الرحمن، لكن من غير العاطفة العميقة، وراء ده كله تاجر يسرق أموال المسلمين، يأخذ أموال المسلمين يضعها في بنوك الكفرة بالربا، ثم يهرب وراء الفلوس. ويقول لك «الرزق في التجارة»، ويُسمي ذلك تجارة. الشاب الذي يرى أن الشكل الوحيد لتعبيره عن إسلامه، أنه يضرب من يتصور أنه عدو الإسلام، لما يقف يصلي، الروحانية المرتبطة بالدين مُفتقدة.

علشان كده باقول إنه في مفهوم الدولة الدينية بيحدث نوع من تحويل الإسلام من طاقة روحية إلى قوة عراك مادية، وهنا يفقد الإسلام جوهره الحقيقي؛ لأنه يتحول إلى أداة، يتحول إلى وقود، بنزين، يحرق من أجل أن تمشي عربة السياسة علشان توصل إلى سدة الحكم. وهذا هو الخطر الحقيقي على الإسلام؛ لأن الإسلام يعيش إذا عاشه المسلمون، وليس إذا استخدمه المسلمون. وفرق كبير جدًّا بين أن المسلمين يعيشون الإسلام وبين أنهم يستخدمون الإسلام من أجل أن يعملوا حاجات تانية.

الإسلام مُستخدم في كل الأنظمة السياسية، ومستخدم بامتياز، والنظام مثلًا العراقي لما دخل في الحرب ضد إيران، دخل في لعبة الشيطان الأكبر، والأصغر والعفاريت والجن، وده من الرموز الإسلامية. نحن نقول جُربت العلمانية؟ لا لم تُجرب العلمانية، لم يحدث أن أقيم مجتمع علماني في العالم العربي، وأنا أعتقد وأصر وأدفع الثمن لهذا الإصرار أن العلمانية هي الشيء الوحيد اللي بيحمي الدين، إنه حتى المتطرفون الدينيون يمارسون تطرفهم بحرية في المجتمعات العلمانية، بمعنى أن قاعدته الحرية، طالما أنك لا تتدخل في حرية الآخرين. لما نقول مجتمعًا مدنيًّا، أساس المجتمع المدني العلمانية.

ولازم نتعلم الشجاعة نعلم الناس ونعلم تلامذتنا ونعلم شعوبنا أن العلمانية مهياش بالضرورة معاداة الدين. وأنه فيه أكثر من علمانية، لكن للأسف العلمانية اختصرت، اختصرها رجال الدين، ورجال الدين هم الذين يتكلمون في الفكر السياسي ويتكلمون في الفكر الاجتماعي والديني والطبي، يعني أنت عايز تعمل عملية مرارة لازم تروح تسأل الشيخ، يعني حلال ولَّا حرام أروح أعمل عملية؟ مع أن الرسول كان يُسأل: يا رسول الله أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟ الرأي والمشورة يبقى بقى معلييش، سيبنا احنا بقى نتصرف. بمعنى أنه قد يكون هناك رأي أفضل من رأي النبي. إنما الآن لا تستطيع أن تتحرك، الست لازم متسافرش إلا بمحرم، وإذا قل السفر معرفشي عن كام ميل لازم تاخد معاها محرم، حتى الستات اللي هم بالمعنى التقليدي للفقه «القواعد من النساء» اللي هم لا ينطبق عليهن الأحكام دي كلها، يقولك لا، لازم الست تمشي بمحرم. وتقسيم المجتمع إلى نساء وإلى رجال، وإلى أقباط ومسلمين، وكل هذه التقسيمات الزائفة. لا أعتقد أن لها أساسًا في الدين، ولا لها أساسًا في العقيدة.

أرجو ألا أكون أطلت؛ لأن هذا الموضوع له تفاصيل كثيرة جدًّا جدًّا، وأرجع أشكركم تاني كلكم طبعًا، بأن بعضكم أكيد أصابه الصداع، وأشكر الدكتور عبد السلام، والأخ باقر، على أن أتحتوا لي هذه الليلة، وأرجو أن يكون في هذا الكلام اللي أنا قلته بعض النفع، ومش بعض الكفر. لأني لا أريد إن أحدًا يكفر، الحقيقة يهمني قوي إن الناس كلهم يبقوا مؤمنين، وتبقى متمثلة روح الإسلام، اللي أنا شفته في أبويا وفي أمي، وفي جيل لم يكن يفرق في الدين بين مسيحي ومسلم.

وأمي الله يرحمها لما أخذت الليسانس بامتياز وإني هتعين معيد، وهي كانت فاهمة إن معيد ده يعنى هيبقى باسم الله ما شاء الله كده، متعرفش اللي جرى بعد كده طبعًا، الحمد لله أنها لم ترَ هذه الأيام، فكانت عاملة ندرين اتنين، وأنا معرفش، ندر للسيد البدوي لأني أنا من طنطا، وندر لكنيسة العذراء. فكنت دايمًا بحب أشاكسها، فقلت لها طيب السيد البدوي ده مسلم زينا وبعدين من بلدنا، وبعدين العذراء دي مسيحية ومن أهل مصر مش من أهل طنطا. قالت يا ابني كلهم أولياء.

لأن هذه السيدة أنا أعتقد أنها أحسن تدينًا من كثير من هؤلاء الذين يتطاولون علي المواطن المسيحي، أو يتطاولون على مقدسات مواطن آخر؛ لأنه مختلف عنهم في الدين، ومختلف عنهم في العقيدة. الآن أنا عمري ما رفعت صوتي على أمي، يعني كبرت وبقيت أستاذًا في الجامعة، فتنظر إليَّ، فأبدي أو أظهر أو أتظاهر بأنني خجلان. الآن الولد بيعتقد أنه قيِّم على أمه؛ لأنه بيعتقد أن الإسلام جعل الرجال قوامين على النساء. وأدخلَ في النساء أمه، أنا عمري ما فكرت في أمي كنساء، وما أظنش إن أحدًا يفكر في أمه إنها نساء، دي أم مش نساء. فتقول أمي ولا تقول النساء. فكيف يأتي شاب ويقول لأمه، وأنا أعرف حالات، اسمعي كلامي، الرجال قوامون على النساء. لم يكن محمد يجرؤ يقول لآمنة كده لو كانت عايشة.

تروح تاخد حقنة في المستشفى فتلاقي طبيبة، فتقول لك لا، أصل أنا مبديش حقن للرجالة، واضطررت مرة أني آخذ حقنة علشان لو أنت تأخرت ساعتين عن الحقنة، واضطررت مرة وأنا في مدينة نائية خارج القاهرة، فقلت لها أنا مش راجل أنا مريض، يا سيدتي الدكتورة أنا مش جاي آخذ الحقنة باعتباري راجل، أنا جاي آخذ الحقنة باعتباري مريض، أنتوا مبتميزوش اللغة. يعني لو راجل ميت أدامك في الشارع وبينزف تقولي لا، ده راجل ما أديلوش حقنة توقف النزيف. ده اسمه جثة، ده فرق بين جثة تُقال على الذكر والأنثى. الاثنان جثث. وكذلك المريض. إزاي دخلتِ كلية الطب، واتخرجتِ. وتقولي مبديش حقن للرجالة. يعني أيه مبتديش حقن للرجالة. يعني واحد بتنقذيه هتقولي لا ده دكر. ده معناه إن فيه هنا — وأشار إلى دماغه — خلل. إن فيه هنا حالة كبت، إنك لا تفكرين في الرجل إلا كذكر، وكانت ليلة سوداء؛ لأن لو جوزها نزل وأنا عمال أديها المحاضرة، كان شرَّحني. ليه؟ لأنه فيه مفاهيم، مين اللي قال إنك لما تقلع جسمك عريان أمام طبيبة تبصلك إزاي، هي طبيبة تبصلك. جسمك ده علشان تشوف تشريحه.

أصبح كما أقول أن الذين يريدون مصادرتنا، ليس فقط مصادرة عقولنا، ودمائنا. مفاهيم عمالة تعشش في المجتمعات، ولا بد أننا — وأنا أجلس هنا بين اثنين يعملون ويدرسون في نفس المجال — نقاوم؛ لأن المسألة ليست فقط علمية، بل أيضًا مقاومة من أجل مجتمعات إنها تستطيع أن تجد لنفسها مكانًا تحت الشمس. إنها تعيش في القرن الواحد والعشرين.

مش ممكن إننا في القرن الواحد والعشرين أن نقول: إذا سقطت الذبابة في إناء أحدكم، فليغمسها فيه، فإن في نصفها الدواء وفي النصف الآخر الداء. ونختلف بقى، وسألني — أظن — طالب سوداني ما رأيك في هذا الحديث، فقلت له: شوف يا ابني، إذا أنت فقير اغمسها وكل؛ لأنه مفيش طبق عسل تاني، هتعمل إيه يعني، إنما إذا أنت عندك طبق ثاني في المطبخ، يا أخي بلاش قرف. لأنه عايز يأخذ فتوى. لو أني معايا ساندوتش ممعيش غيره، ووقع مني على الأرض، مش هرميه، هطلعه، وأنفخ فيه وآكله. لكن عندي خمس ست ساندوتشات بقى. المسألة هنا لا تُؤخذ من الدين، لا تكون الفتوى دينية، إنما الفتوى فيما يسمى مفهوم المصلحة، كما طرحه علماء المسلمين، مصلحة المسلمين، مصلحة الأمة.

دي المصلحة التي جعلت حسن البنا حينما كان فيه فكر مع حسن البنا — لأن الفكر الديني أيضًا هو جزء من فكرة الظلمة والنور — لما سألوه إن ناس ضربوا بعض في مسجد في الإسماعيلية بالأحذية، لأنهم اختلفوا صلاة التراويح ثمانية أم اثنين وعشرين. فسألوا حسن البنا، في ذلك الوقت كان لسه الخطاب منور، مكانشي جاء عصر الظلمة — لأن الخطاب الديني زي أي خطاب، منور في النور، مضلم في الضلمة، مش خطاب له لوحده كده قانون — فقال لهم: الحل اقفلوا الجامع بعد صلاة العشاء، الناس تروح تصلي التراويح في بيوتها. ليه؟ لأن منع الفتنة بين المسلمين فرض، وصلاة التراويح سنة.

الأسئلة

السؤال الأول (غير موجود في تسجيل الفيديو).
نصر أبو زيد: الظاهرة الدينية مركزها النص الديني، فإذا كنت تؤسس منهجًا لدراسة الظاهرة الدينية في سياقها التاريخي، فمن الضروري أن يكون نفس المنهج صالحًا لدراسة النص الديني في سياقه، وكلمة في سياقه هنا، هو السياق التاريخي بمعناه العام، الثقافي، الاجتماعي. وهو سياق متطور وليس سياقًا ساكنًا، ولا لحظة واحدة، هيكشف لنا المعنى، وإذا انكشف المعنى لا نقدر نعمل عمليات الإسقاط، اللي يعملها سواء التيار الإسلام السياسي أو تيار الإسلام اليساري التقدمي، والمصطلحات اللي احنا عارفينها كلها.

ودراسة السياق ليست مشكلة سهلة ولا بسيطة، كما يبدو؛ لأن البعض أحيانًا يلخص مشكلة السياق في أسباب النزول والمكي والمدني. لأ، السياق بمعناه التاريخي، بمعنى ما قبل الإسلام، والإسلام، وما بعده. يعني تضع الإسلام كظاهرة والنصوص الدينية كظاهرة في سياق ما قبل وما بعد. وهذا سيفرز وعيًا علميًّا، بالظاهرة الدينية وبالنصوص الدينية. والوعي العلمي من شأنه أنه يقلل ويحجم من التأويلات الأيديولوجية النفعية، سواء يمين أو يسار أو … إلخ.

الشق الثاني من السؤال مرتبط بالمنازلة السياسية، احنا دايمًا بنتكلم عن المنازلة الفكرية، لأنه احنا بنشتغل في الفكر، مبنشتغلش في السياسة، لكن طبعًا لا بد من منازلة سياسية، مفيش شك، وسيظل على المستوى السياسي فيه فشل، وتظل أرضية الشارع السياسي مفتوحة لهذه التيارات من خلال المساجد، من خلال المدرسة اللي بيعملها، من خلال الجمعية اللي بيعملها، من خلال جمعية تحفيظ القرآن، من خلال كثير من المؤسسات التي يخلقها، دي مهمة الأحزاب السياسية، وحتى الآن فيه فشل عام، ونجاحه مش مرهون بذكائه العملي، إنما نجاحه مرهون بأنه بيخاطب وعيًا ضحلًا، ليه الأحزاب فاشلة؟ لأن مفيش مساحة للحركة بين الجماهير.

يعني أُعطي لجماعات الإسلام السياسي مساحة للحركة داخل الجماهير من سنة ثمانية وعشرين، لم تنقطع إلا سنوات محدودة، وتحولت أيضًا إلى حركة سرية، موجودة بين الجماهير بشكل سري، يعني هو الحزب الوحيد المتواصل، وسنة اثنين وخمسين الثورة لم تلغه، تركته وقالت ده جمعية دينية، فيه درجة من التواصل، وفي نفس الوقت طول الوقت نظام اثنين وخمسين يتعاون معهم، يعني السادات في السبعينيات بعد «ثورة التصحيح» بأقل من ستة أشهر أخرجهم من السجون. يعني هو أُتيحت له مساحة من الحرية، لا أعتقد أنها أُتيحت لحزب سياسي آخر؛ لأن حزب الوفد اللي كان هو أكبر حزب شعبي، من سنة اثنين وخمسين لم تقم له قائمة، إلا مع «الديمقراطية ذات الأنياب والأظافر» على حد تعبير السادات، وعاد الوفد حزبًا مترهلًا، وبيتحالف مع الإخوان المسلمين، علشان مالوش جماهيرية … إلخ.

الأحزاب الأخرى حتى لا نظلم، لم تأخذ حرية حركة، يعني حرية عقد الاجتماعات، غير ممكنة، حرية تأسيس فروع، غير ممكنة، لا يوجد دعم مالي من الدولة، أُوقف بعد إلغاء الاتحاد الاشتراكي غير المأسوف عليه، أنا أقول هذا الكلام من أجل أن نكون فاهمين إيه اللي بيحصل.

لكن يظل مطلوبًا عمل سياسي إلى جانب العمل الفكري، مطلوب توعية، ومؤسسات المجتمع المدني مقدمة، وليست هي الغاية، هي مقدمة ممكن أن تؤسس عليها أحزاب فيما بعد. خلي بالك الأحزاب في مصر الآن ليست مفتوحة، حرية تكوين الأحزاب، يعني لكي تعمل حزبًا في مصر لازم تعملك مشكلة، أعتقد أن ده أساس الديمقراطية بشكل معقول، واستقرت الديمقراطية في الوعي، والناس بدأت تشارك؛ لأن الناس لا تشارك في العمل السياسي، يمكن يكون ده الحل، لو أنت شايف كل السياسيين باستثناء التجمع في مصر، كلهم يتعاونون مع الإسلاميين، يعني الوفد، حزب العمل الاشتراكي. طبعًا أنت عارف القوميين، عملوا اجتماعات واتفاقيات، والناصريون أيضًا فريق منهم يعمل تحالفات؛ لأن العمل السياسي يظل قائمًا على أني عايز أخطف لي كم كرسي في المجلس. لكن هذه ليست مشكلة العمل السياسي. لكن أنا متفق معك فيها.

الصوفية: وهنا اختلافي مع دكتور عبد السلام، الصوفية، ليست بمنأًى عن إنها جزء من الظاهرة السياسية، ليس صحيحًا. يعني الإمام الغزالي صوفي كبير، لكن كان صوفيًّا جزءًا من مشروع الدولة السنية في حربها ضد الدولة الشيعية، ولذلك هو حاول بهمة، أنه يعمل تركيبة زواج كاثوليكي كده بين الأشعرية والصوفية، فيعمل حركة تصوف سني من أجل أن يضرب حركة التصوف التي كانت مرتبطة أكثر بالحركة الباطنية الشيعية. فالحقيقة حتى الخطاب الصوفي ليس بمنأى بأن تكون له دلالات سياسية، في علاقته بالدولة. والإسلام الصوفي، على الأقل في مصر، لا أعرف في السودان الوضع أيه الآن.

الصوفية في مصر اختفت من وعي الناس بسبب حركية الإسلام السياسي، بكل أبعادها الروحية، حتى الموالد لم يعد يذهب إليها الناس. وفي الموالد هذه كانت فيه احتفالات دينية؛ لأن مفهوم الإسلام أصبح حركة احتجاج، وليس احتفالًا ولا شعائر، وحتى لما يصمموا يصلُّوا العيد خارج المسجد بيكون من أجل تحدي الحكومة. من أجل أن يعملوا نوعًا من المُضايقة لجهاز الأمن. فيه تغير حصل لكن حتى التصوف، والحلاج وهؤلاء، مثل ما الدكتور عبد السلام قال في الكتاب، إنها كانت لها مدلولات سياسية، ولها مغزًى سياسي عميق، وأظن عندكم التصوف في السودان لم يكن خاليًا من العوامل السياسية.

السؤال الثاني: في بداية المحاضرة أعود بك إلى أشياء أساسية في صلب المحاضرة. في البداية ذكرت الرسول في الرسالة وقبل الرسالة وبعدها، ذكاءه الفطري، إدراكه بالحياة. بعد هذا استمر الرسول على هذا الذكاء الفطري والإدراك بالحياة ولهذا تُطرح أسئلة من قِبل الصحابة، فيكون الرد: «أنتم أدرى بشئون دنياكم»، إلى أن جاء الوقت والرسول على فراش الموت، ففيه رواية تقول إنه أخذت روحه مثل الشعرة من العجين، ورواية أخرى تقول إنه عانى معاناة شديدة، لا أعرف أيهما أصح. أرجو أن تربط هذا بالجزء الثاني من السؤال، القرآن وعوامل الوحي، الأشياء الأساسية التي تفسر بها النص، أنا لاحظت أنك، أن عوامل اللغة سواء في الشرق أو في الغرب، أنه لا نحتاج أن نطبقها على واقعنا. لكن هنالك أشياء أساسية في الاقتصاد، إنك تكون واضحًا وتتجنب الأمور وتكون صلة بالموضوع.

في حين أنك ذكرت في القرآن الحروف «كهيعص» و«حم» هذا النوع من القسم، ما هو موقفي كمسلم، هل آخذ الجانب بتاع المداراة أم التعرض. بالنسبة لي كمسلم هل آخذ الجانب الروحي أم العقلي، أو أتخذ الإسلام كمطية كما هو شائع الآن؟ بين الاثنين أفتكر أن كثيرًا من الناس الأمور مختلطة عليهم، كما هي مختلطة عليَّ الآن.

نصر أبو زيد: الجزء الأول الخاص باللغة، طبعًا في محاضرة عامة الجمهور من مرجعيات مُختلفة، لا تستطيع أن تدخل في مشكلات اللغة بشكل مكثف، ليس كل الناس متخصصين في «اللينجويستكس»، إنما الشرط الذي ذكرت عن الاتصال، شرط قائم في اللغة الاتصالية ذات البُعد الواحد، اللغة كلها اتصال، لكن مستويات الاتصال تختلف، وتختلف — وأنا مش عايز أصدع الناس — بحسب نوع الشفرة المستخدمة، الشفرة هنا لا تعني شيئًا لا يعرفه أحد، فاللغة عبارة عن أنظمة شفرات مختلفة، اللغة ليست نظام شفرة واحدة، بل شفرات مختلفة.

أُعطي أمثلة سريعة؛ ربما تكون أحيانًا مُضحكةً.

يعني مثلًا في الإعلانات في التليفزيون؛ الإعلان، لازم اللغة والشفرة تكون واضحة جدًّا، وتُوظف فيها أدوات لغوية مفهومة لقطاع كبير جدًّا من البشر، ولذلك لغة الإعلان أو شفرة الاتصال بامتياز. بمعنى أن لازم المُعلن؛ لأنه يريد أن يبيع بضاعته أن يوصل رسالته لأكبر عدد ممكن من الناس، وهو هنا يستخدم لغة بسيطة جدَّا، وأحيانًا يركب اللغة والصورة والرقص والإيقاع مع بعض، لكي يكون التأثير هنا قويًّا.

ليس كل مستوى في الاتصال هو الوضوح، فالاتصال الديني، يعني اللغة الدينية الاتصالية، أحيانًا يكون الغموض يؤدي وظيفة من وظائفها، الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (سورة ٦٩ الحاقة: ١–٣) هذا شيء يقرع السمع، التأثير الاتصالي هنا يتم عن طريق المستوى الصوتي أولًا. ففيه مستويات من اللغة يبدأ بالمستوى الصوتي وينتهي بالمستوى الدلالي، فأحيانًا يكون فيه تركيز في الرسالة على المستوى الصوتي أكثر من المستوى الدلالي، وأحيانًا بيكون التركيز على المستوى الدلالي أكثر من المستوى الصوتي. وأحيانًا يكون هناك توظيف لمنظومة من المستويات اللغوية للاتصال، الأغنية هي اتصال، اللوحة الموسيقية هي اتصال، أنت بتفهم أيه من قطعة موسيقية لبيتهوفن، بتفهم أيه بالمعنى الاتصالي المباشر. ومع ذلك فهو اتصال، شكل من أشكال وأدوات الاتصال غير لغوية.

لذلك اللغة القانونية لا يجوز فيها المجاز؛ لأن اللغة القانونية فيها أذى ناس، فيها أحكام، لو استخدمت المجاز فيها، فستُوقع القاضي والمحامين في مشاكل. فلا بد أن تكون لغة على درجة عالية من الوضوح وعلى درجة عالية من الدقة، وبنية مثل التي قلتها؛ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ (سورة ٥ المائدة: ٣) هذا مستوى، مستوى تشريعي قانوني، يتطلب هذه اللغة.

لكن الحديث عن رحلة المعراج؛ اللي هو في سورة النجم، لا يمكن وصف هذه الرحلة بلغة على نفس النسق الاتصالي كما في التشريعات. لكن الإنسان يقرأ فتصله الرسالة بغموضها، أن هذه رحلة ليست مثل كل الرحلات، أنه حصل نوع من التماهي. الرسول نفسه في المعراج لم يعد البشر، ففيه تحول هنا يتم على مستوى اللغة بعملية استبدال الضمائر، أو عملية ما يُسمى مرجعية الضمائر. ليس من الضروري أن كل واحد يقرأ القرآن يكون فاهمًا أن الضمائر هنا حصل لها كذا، إنما أنت تتلقى الرسالة، فغموض الرسالة نفسه بيخلق فيك حوافز للتأمل.

من هنا تدخل عوامل التعبير بالاستعارة والمجاز، و«الأليجوري»، وكل أدوات التعبير الموجودة في اللغة. النص القرآني نص لغوي من هذه الزاوية، بمعنى أن له مستويات في التحليل لا نقدر أن نميز بينها.

فالوضوح والغموض في النصوص؛ فلا يوجد نص واضح تمامًا، ولا نص غامض تمامًا. ففيه مستويات من الوضوح ومستويات من الغموض، ومستويات الغموض يتم تأويلها من خلال مستويات الوضوح. من هنا فكرة المحكم والمتشابه في القرآن، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (سورة ٣ آل عمران: ٧) وهذا في كل النصوص. لو أنت أخذت مزامير داود في العهد القديم، وحاولت أنك تفهمها كما تفهم رسالة، أنت ممكن تفهمها إنها كلام في الجنس، لأن فيها من الغزل الشعري.

اللغة الدينية للمتصوف، ما هي لغة دينية أيضًا. يعني الغموض والوضوح هي مسألة أكثر تعقيدًا. مثل يعين لو أن القرآن واضح وضوحًا، وسأقول لك رأي الفقهاء، لو أن القرآن واضح كله لما احتاج إلى التأمل ولما احتاج إلى الاجتهاد، ولتباعدت عنه الخواطر؛ لأن النص الذي نكون كلنا فاهمينه لا نقف عنده كثيرًا. يعني لما واحد يقول «خمسة في ستة بتلاتين يوم»، طيب وأيه يعني! ما كلنا عارفين إن «خمسة في ستة بتلاتين يوم». إنما النص لما يتضمن درجات من الغموض يستوقفك. فهذه وظيفة من وظائف النص في اللغة الدينية.

كيف يُفسَّر، هذا يفتح المجال لتعددية التأويل، وهذا معناه أنه نص ثري، إنما «حُرمت عليكم الميتة والدم»، ليس فيه تأويل. وزي الفقهاء يقولوا: «حرمت عليكم» إن الدم يقع على ملابسك أو إنه حُرم عليكم أكل الدم، يعني هل الدم نفسه مُحرم في عينه، ولَّا أكله هو اللي حرام، وتدخل في أسئلة فرعية.

فمستويات اللغة، وهذا من الأشياء الغريبة في خطاب الإسلام السياسي، إنه فاهم أن القرآن كله واضح، ويروح العيل يشتغل سبَّاكًا ويطلع لك آية خابطك بها، ويمضي إلى سبيله.

والمشكلة الثانية: أنا مع الغموض أم مع الوضوح؟ لأ. أنت مع الدراسة العلمية للنص، في مستويات الوضوح ومستويات الغموض، التي فيه. أستخدمه كمطية أو أؤمن بحرفية ما فيه؟ الاثنان غلط. إنك تؤمن إيمانًا حرفيًّا بما فيه لكي تستخدمه كمطية. فنوع من الاحترام للنص الديني، القرآن، هو دراسته دراسةً بناءً على طبيعة بنيته وطبيعة أداته كنص رسالة؛ لأن الرسالة تتضمن إخفاءً وإظهارًا. يعني لما ترسل رسالة لبنت بتحبها، لا تستمر في أنك تقول لها «أحبك، أحبك أحبك» في الخطاب، تروح مقطاعاه وبعتاه لك في ظرف تاني على طول. إنما تقعد تقول لها: في يوم نظرت إلى القمر فوجدت معرفش القمر بيعمل إيه في السماء والنجوم حواليه عاملة إزاي. هل أنت تكلمها الآن أم تكلم القمر؟

وهذه هي اللغة، لو احنا استخدمنا اللغة بالمعنى اللي أنت بتطلبه، نضرب بعض كل يوم، يعني أنت مثلًا تقول لزوجتك في البيت، «يبدو أن الملح …» لأن لو قلت لها «إيه الأكل ده!» فتقولك: «يا أخي ابقى تعالَ اطبخ أنت». إنما تقوم تجد ما يسمى «كيفية فتح الحوار مع الآخر». يعني أما حضرتك تقعد في القطار أو في طيارة مع واحدة وعايز تعاكسها، أنت عايز تفتح الباب للحوار فتقول: «الله الجو جميل»، ما هي عارفة إن الجو الجميل، هو أنت هنا تنقل لها معلومات؟ هنا ليس نقل معلومات، فيه رسالة لفتح الخطاب. ده معنى أن الرسالة ليست باستمرار لا تكون بهذا الوضوح.

السؤال الثالث (جزء من الفيديو مقطوع هنا): لو وجدت الحركة … هل توجد من داخل الإسلام، أم من خارجه أم في شكل إجرائي ما بينهما؟
نصر أبو زيد: هو أنا هاختلف معك هنا في تحديد حركة الإسلام السياسي بأنها «حركة شعبية». إلا إذا قلنا عن «النازية» إنها حركة شعبية. تزييف وعي الشعوب أمر متكرر، هذه الحركة ليست حركة شعبية وإنما هي حركة سياسية، تلعب على أرض الوعي السياسي للشعوب، التي هي تُعمق تزييفه. لا توجد حركة شعبية، لا من الإسلاميين ولا العلمانيين، والليبراليين ولا الشيوعيين ولا الاشتراكيين ولا الفوضويين، ولا الخضراويين ولا الصفراويين. حركة شعبية لا توجد في العالم العربي والإسلامي.

والسبب بسيط، أنه في طول الوقت ممالأة، بين المثقفين والسلطة بمستويات مختلفة، النخبة، طول ما المثقف بيحسب نفسه من النخبة، وبيقترب أو بيبتعد عن النخبة العسكرية الحاكمة، بحسب الظرف الأيديولوجي، فلن يمكن تأسيس حركة.

الحل للخروج من الأزمة ليس هو حلًّا فكريًّا فقط، ولا حلًّا ثقافيًّا فقط، ولا من داخل الإسلام فقط ولا من خارج الإسلام فقط، وإنما هو حل يجب أن يبقى على جميع المستويات. يعني لا نستطيع أن نفصل السياسي عن الفكري عن الثقافي عن الفني عن الأدبي. لا بد مما يسمى «حركة شاملة». في ظل هيمنة المؤسسات الرسمية، ومحاولات النخبة أنها تظل متعلقة بالمؤسسة الرسمية، لن ينفع. يبقى لا بد من تخليق مؤسسات مستقلة، ليس مهمًّا كيف تبدأ المؤسسة سياسية أو اقتصادية أو … إلخ ليس مهمًّا. يعني تبدأ بحسب الظروف الملائمة لكل مجموعة بشرية في منطقة.

في مصر مثلًا، بدأت في الخمس سنوات الأخيرة تتشكل مجموعة من المؤسسات خارج نطاق مؤسسات الدولة. الجيل – للأسف الشديد – الذي أنتمي له سنًّا، والجيل السابق، أصبح بصورة أو بأخرى جزءًا من جهاز السلطة، مع تضخم الظاهرة الدينية، وممارسة الإرهاب، قدرت السلطة السياسية في مصر، تعمل الذي لم تستطع أن تعمله السلطات السابقة في أنها تستقطب المثقفين (التنويريين). فاشتغلوا معاها، سواء جيل الشيوعيين القدماء، أو الجيل الجديد الذي أنا أنتمي إليه، أنا فُوجئت فجأة، وزعلت جدًّا، أن جيلي هو الذي يحكم مصر، أنا لم أكن فاهمًا نفسي كبرت بهذه الصورة، يعني الوزراء، ومستشار رئيس الجمهورية ورؤساء المؤسسات الثقافية، جيلي، أصغر مني بعامين أكبر مني بعامين، قلت يا نهار أسود، ده أنت أصبحت من السلطة، اشمعنى أنت لم تفز بحاجة! يعني فيه جهاز ثقافي كامل في مصر، تم تجنيد المثقفين، والدكتور عبد السلام ربما يعرف الأسماء جيدًا. تم تجنيدهم في جهاز السلطة.

لكن الشعوب دائمًا ولَّادة، علشان كده احنا عايزين زيادة نسل، مش تحديد نسل — قالها بمزاح — فيه جيل تالٍ، أكبرهم يكون في الأربعينيات. فيه مؤسستان أو ثلاث قامت في مصر. اترك جانبًا المؤسسات الممولة من جهات. طلعت حاجة اسمها «لجنة الدفاع عن الحريات»، في الأول أسموها «لجنة الدفاع عن نصر أبو زيد» فقلت لهم بلاش «لجنة الدفاع عن نصر أبو زيد» افرض نصر أبو زيد مات؟ هتقفل اللجنة. فكانت فكرة الصديقة فريدة النقاش، فقلت لها ليس فيه داعٍ إن لجنة دفاع تأخذ اسم أحد. ليه؟ حتى يكون لها استمرار. وبعدين افرضي واحد بيكره نصر أبو زيد؟ لن يدخل معكم في اللجنة. يعني خلونا نبعد عن الشخصنة اللي احنا عايشين فيها طول العمر، بنقول الناصرية الساداتية.

ففعلًا أسموها «لجنة الدفاع عن الحريات»، ولأول مرة في تاريخ مصر بعد اثنين وخمسين، يجمعون تبرعات ضخمة جدًّا. طبعًا فيه بعض التبرعات سرقت، لكن دي ظاهرة عادية. وأنا قلت لهم ما تدوني التبرعات وأهرب وخلاص. أول مرة يتعمل فيلم سينما بالجهود الذاتية. ليس ممولًا من أي جهة، عن هذه القضية، وبدءُوا يخرجون مجلة، ولها أكثر من سنة، شغالة لم تتوقف، ونشأ حاجة اسمها لجنة المساعدة القانونية؛ ودي لجنة من عدد من المحامين الممتازين، وكل مهمتهم أنهم يدرسون القوانين ويقدمون مساعدات فعلًا للناس، فمثلًا هم عملوا ملف عن قضيتي، كل ما نُشر عنها، بيبعوها ﺑ ٥٠٠ جنيه، يبيعونه لمؤسسات، ودي فكرة كويسة في رأيي مش فكرة وحشة، عبد الصبور شاهين قال: «دول بيبيعوا الكتب ﺑ ٥٠٠ جنيه». وده نوع من التوثيق، وبعض المؤسسات محتاجة لهذه الوثائق. وبيدعموا من هذا، وأنا جلست مع المؤسس وقال لي إننا بنعمل كذا وكذا وكذا.

هذه اللجنة أصبحت تمثل قوة ضغط على الدولة المصرية، مؤسسات من هذا النوع شيء إيجابي، ليه؟ هذا ما سيخلق ما أسميه حركة شعبية، ما تراه حركة شعبية عند الإسلام السياسي، نشأت عن طريق المساجد. الناس كلها بتروح المساجد، هات تبرع، تبرع لأيه؟ علشان نبني مسجدًا، للفقراء. حين تذهب إلى الشقق وتجمع تبرعات، بصرف النظر عن الحجم، فأنت تعمل توعية للشخص الذي تطلب منه التبرع، إن في حاجة اسمها لجنة الدفاع عن الحريات، بتخلق نوع من الوعي.

علشان كده لما خرجت من مصر، فيه بعض الناس قالوا: «خرج وترك القضية». قلت هو «لا عنها وجدت القضية إذا كان وجودها مرتبطًا بوجودي». يعني لو أنت بتدافع لأن فيه واحد في خطر، إذا كنا لا ندافع عن مبدأ فلتذهب القضية في داهية إذًا. وكان هذا نوعًا من الاختبار، هل الناس ستظل تدافع عن الحريات بعد أنا ما تركت مصر، أم هم يدافعون عن الحريات حبًّا في الشيخ نصر؟

أنا في رأيي أن هذه المؤسسات، هي مؤسسات وسيطة بين المفكر وبين الدائرة الواسعة، لا تستطيع أن تقول إنه لازم أكتب كتبي ليقرأها العامة مثلًا، لأن في هذه الحالة لازم أعمل تبسيط، وهذا التبسيط يؤدي إلى إخلال، وهذا الإخلال يدخلنا في اللغة الوعظية، واللغة الوعظية تدخلنا في التكرار، ولا ننتج معرفة جديدة، المؤسسات المدنية تستطيع أن تضغط على الحكومات، زي ما أنت بترى في هذه المجتمعات — يشير إلى المجتمعات الغربية — إن المؤسسات لها قوة ضغط على الحكومات، ودائمًا الحكومات تميل إلى تثبيت الأشياء، ومؤسسات المجتمع المدني تحاول أن تغير وتدفع، وهذا هو الصراع الذي يدور في جو ديمقراطي.

لكن أنا لا أعتقد أنها حركات شعبية. بمعنى أن لها أرضية عميقة بين الجماهير، هي لأنها بترفع شعار الدين، والدين حلم وملجأ وملاذ بالنسبة للجماهير، يبدو للعين الناظرة من الخارج أنها حركة شعبية، لكنها ليست حركة شعبية، يعني هي نخبة، أكثر المتعصبين، هتلاقيهم خريجي كليات الطب والهندسة … إلخ؛ لأنه لا يوجد تعليم في هذه الكليات، طالب الطب بيتعلم فقط لو وضعت إيه في إيه يُخرج إيه، بس. يعني بياخد معلومات، لا يفكر فيها، هتلاقي أقل عدد الطلبة الإسلاميين في كلية الآداب؛ لأنه رغم فساد التعليم، ما زال الأستاذ يدخل، فيقول له لقد قال مين لا أعرف ماذا، وقد اختلف معه مين فقال إيه، يعني ما زال هناك جو أنه لا يوجد فكرة واحدة صحيحة وصائبة.

مسألة من داخل الإسلام أم من خارج الإسلام؟ سؤال في كثير من الأحيان يبدو إنه سؤال غير واقعي، زائف؛ لأن الفهم العلمي للإسلام هو فهم علمي لظاهرة. يعني المنهج لا يصبح، من جوه أم من بره. أنت مثلًا بتدرس النبات، لا تستطيع أن تقوم بدرسه من الداخل أم من الخارج، أنت لازم تدرس مكونات الظاهرة وتعرف بنيتها كويس جدًّا، فتقديم معرفة علمية بالإسلام وبالخطاب الإسلامي وبالتراث والإسلامي، ليس حلًّا من داخل الإسلام، إنما هو وعي بالإسلام، لجعل الإسلام مفهومًا أكثر كفاءة، وأكثر راهنية، لا يمكن أن تقدم حلًّا من خارج ثقافتك مائة في المائة. هنا هندخل فيما يسمى «التغريب»، بمعنى التبعية. إن لك ثقافتك ومن داخل هذه الثقافة، بدون العزلة عن المعرفة العامة في العامل كله، تحاول أن تقترح حلولًا، ليس بمعنى أننا شعوب لها تفصيلة معينة، بل بمعنى؛ أننا أصبحنا جزءًا من المجتمع الدولي الذي أصبح حضارة واحدة، لا توجد حضارتان الآن في العالم، لكن هناك ثقافات متعددة داخل الحضارة، لا تستطيع أن تقول إن الهندي العلماني يرى العالم بنفس الكيفية التي ينظر بها العلماني الأيرلندي مثلًا، أو العلماني في هولندا. ليه؟ لأنه يظل الذي يُشكل المفاهيم ورؤية العالم الثقافة، إلى جانب المشترك الإنساني العام، صحيح أن المُشترك هذا أصبح أكبر، لكن هذا لا يقلل من قيمة الثقافة واللغة بمعناها المحلي.

فأنت إذا اقترحت، يعني عندي نقاد يتحدثون عن — مثلًا — التفكيكية. ومجلات تخرج، حتى نجيب محفوظ نفسه قال: «أنا مش فاهم هما بيقولوا أيه بالظبط». لأنك تجيب منهج ثم تحاول أن تلوي عنق الظاهرة، وهو النص الأدبي، من أجل أن تعملها تفكيكية. طبعًا الأول البنيوية، وبعدين التفكيكية كرد فعل عليها، طبعًا مهم أنك تصبح عارف هذا كله، لكن مهم أيضًا أنك تكون عارف أن بنية النص الأدبي هنا لها قوانينها، التي ليس من الضروري أن التفكيكية التي قال بها الخواجة فلان الفلاني بالضبط، فتقوم مطبقها عليها. هنا الاستفادة من المعرفة الإنسانية، وفهم الخصائص المحلية للثقافة، ومن الخصائص المحلية للثقافة منها الدين، واللغة.

إياك أن تصدق أن الثقافة الغربية، ورغم أنه مفهوم عامٌّ جدًّا، أن الثقافات الغربية ثقافات منزوعة منها المسيحية، مستحيل، بمعنى أنها ليست موجودة كدين وكأصولية، لكن مُنبثة في بنيتها العميقة، جذور من الدين؛ لأنه لا يوجد مجتمع يعيش بدون دين، حتى الشيوعية وهي تلغي الدين عملت نفسها دين، اللي حصل أنها تحولت إلى عقيدة، بإطلاقيات العقيدة، بكل حسميات العقيدة، وهذا لأن الدولة السوفييتية كانت دولة دينية، لكن دينية بمعنًى آخر. ليه؟ لأنه الحزب — الشيوعي — يملك الحقيقة المطلقة.

فالرئيس لازم يموت لتنتقل السلطة، الاحتكار لسلطة النص، يعني كل التحليل اللي عملته في كتاب «نقد الخطاب الديني»، يعني لو أنت رفعت منه «الإسلامي»، «الإسلامي» وأخذت التحليلات؛ لأن أي ثقافة تستند إلى مرجعية نص ثابت المعنى، هي ثقافة دينية بامتياز، بهذا المعنى.

فلا تستطيع أن تستبعد في تحليلك للثقافة وطرح للحلول الظاهرة الدينية. باعتبارها مكونًا من مكونات الثقافة. وأيضًا حين ندخل في البنيوية أو التفكيكية أو السيميولوجيا، سنجد أن في جلستنا هذه شكلًا من أشكال البنية الدينية، لو أنا اقترحت مثلًا إننا نعمل دايرة؛ لأن الدايرة بتعطي إحساسًا بأن الناس كلها على نفس الدرجة من التساوي، لكن هذه الصفوف التي نجلس طبقًا لها، معناها أن فيه واحدًا بيعلم والآخر بيتعلم، طبعًا العدد وحجم الحجرة تحكم في هذا، لكن احنا لسه البنية الدينية حتى في سلوكنا غير المباشر تتضح فيه قوى أنه فيه هذه البنية الدينية.

الشيوعيون العرب في فترة محددة، التكفير — مثلًا — موجود في بنية الفكر الشيوعي، «الانحرافية»، يقول لك «الرفيق منحرف»، يعني كافر. تهمة التحريفية، هي نفسها المرتد، كأنك خرجت عن الشرح الذي قدمه فلان الذي قرأه هو، لكنك قرأت شرحًا آخر. فأنت قرأت المدرسة الفرنسية مثلًا، وهو متمسك بالمدرسة الروسية، فهو يقول لك يا أخي هذه تحريفية، فهو يقول لك يا أخي إحنا اتربينا على كده.

كل هذه بنية لا بد من تحليلها، وأنا أعتقد أن المنهج العلمي في التحليل، يحركنا إلى الفهم العلمي للظاهرة، ولا نخاف؛ لأن الدين ليس خطر، ونحن لسنا إزاء ظاهرة دينية، نحن إزاء ظاهرة سياسية تعطي لنفسها شرعية بالدين. كل ما يغيب عنا هذا البعد نتعامل معها كدين وربما ندخل في معاداة الدين، وهذا أعتقد يكون خطر شديد جدًّا.

السؤال الرابع: دكتور أبو زيد، تجربة تركيا العلمانية فهي قد حرمت الإنسان التركي من ممارسة دينه.
نصر أبو زيد تداخل هنا: «هل لغوا المساجد؟ قفلوها؟»
استكمل السائل: التعليم الديني في المدارس قد ضعف، وحسب ما نعرف أن العلمانية الغربية والديمقراطية، هي تحمي طرف المسيحيين. فالعلمانية التي تحكم الدول الإسلامية، وهي فصل الدين عن الدولة. هل هنمشي بهذه الطريقة؟
نصر أبو زيد: اسمح لي فيه طبعًا علمانيات، مثل علمانية بورقيبة مثلًا، كأنه يسخر من الصيام مثلًا، في التلفزيون. العلمانية الحقيقية هي علمانية تحترم الدين وتحترم الرأي الآخر، وتحترم حرية الإنسان في ممارسة ما يشاء، إذا فُرضت العلمانية بقوة العسكر عليه العوض فينا؛ لأن العسكر «أكستريم»، عسكر معناها تنفيذ الأوامر، علمانية يعني علمانية، مارش علمانية، قف علمانية، لليمين در علمانية، للشمال در علمانية، ونحن نتحدث عن تأسيس دولة مدنية، وليست علمانية تُفرض على الناس في الدولة.

أنا شخصيًّا ضد تعليم الدين في المدارس، فيه مؤسسات دينية، الناس تتعلم فيها الدين، والمؤسسات الدينية لازم يكون لها حريتها المطلقة. ضد تعليم الدين في التلفزيون، ضد استخدام أجهزة الإعلام المملوكة للدولة من أجل طوال النهار تخرج لي يشتموا المسيحيين مثلًا، في مجتمع فيه مسيحيين. فيه مؤسسات دينية نعم، انت عايز تتعلم الدين روح المسجد، وتتعلمه في البيت؛ لأنه لما الدولة تعلم الدين، هتعلم أيديولوجية الدولة من خلال الدين، احنا اتعلمنا الدين كلنا في الكتاتيب، وفي بيوتنا وفي المساجد، في المدارس طبعًا كان فيه القصص الديني. لكن تعليم الأيديولوجيا الدينية هذا خطر؛ لأنه في مصر مثلًا، يقول لك في كتب الدين، «وعليك أن تكون رفيقًا بالمسيحي»، طيب انت عندك مدرس رياضيات مسيحي، هل الطالب يبقى رفيقًا به بقى، يعامله باعتباره أدنى؟

لأن الدولة حين تتدخل، التعليم في نظر الدولة هو خلق المواطن المؤدلج طبقًا لأيديولوجية الدولة، هذا لا تستبعد منه الدين، كأدلجة للدين. لكن المؤسسات الدينية سواء المساجد أو البيت كمؤسسة، تعلم الدين أهلًا وسهلًا، فالمسلمات يتعلمن الدين في مؤسسات إسلامية في الأسرة، والمسيحي يتعلم دينه في مؤسساته، إنما فرض الدين سواء في أجهزة الإعلام الرسمية. لماذا لا يُعطى المسيحيون في مصر مثلًا نفس الفرصة المتكافئة التي تُعطى للمسلمين، ما المواطن المسيحي بيتفرج على التلفزيون، أنا أتكلم خصوصًا عن المجتمعات المتعددة الأديان. حين تستخدم الدولة هذا، فنبقى في الفصل، على أيامنا، فيقول حصة الدين، فيقوم الطلبة المسيحيون طالعين بره، فإذا كان في المدرسة مدرس مسيحي يقعد معهم ويعك لهم عكًّا؛ لأن مدرس رياضيات مثلًا، وده بيعمل هذا الانفصال.

أنا كنت أدرِّس في إحدى الكليات، مادة اسمها الدراسات الإسلامية، في كلية وليس في مدرسة ثانوي، وكانت أول سنة المادة تُدرس، والطلبة فيهم مسيحيون ومسلمون، فراحوا يسألون رئيس القسم، هل نحضر الدراسات الإسلامية أم لا؟ فرئيس القسم، وأنا مُنتدب، قال لهم اسألوا الأستاذ. أنا خرجت طبعًا كنت هضربه بعد كده، هضربه هضربه يعني قلة أدب. فالأولاد أتوا يسألوني، فقلت لهم آه طبعًا. أنتوا في جامعة، وليس مدرسة ثانوية، وبعدين وضعوني في مُشكل، الأولاد ما داموا سألوا يبقوا حساسين، فقلت أعمل الكورس أديان مقارنة.

وخرجت فعلًا للأستاذ أتخانق معاه، فقلت له: انت اللي عامل النظام، وانت اللي عامل الكورس، وبعدين الطلبة يسألوك فتقوم محولهم عليَّ وأنا راجل مُنتدب؟ هو انت متصور إني سأقول للمسيحيين لأ، لا تحضروا؟

تعليم الدين مُشكلة من المشكلات في المجتمع، ربما لا يكون مشكلة في السعودية، يمكن؛ لأن الأمريكان لهم مدارس، والبريطانيين لهم مدارس، ومفيش مسيحي عربي بيروح يشتغل في السعودية، إلا إذا كان واخد الجنسية الأمريكية. هذا قد يكون ليس بمشكلة في بعض المجتمعات، لكن أكيد مشكلة في المجتمعات متعددة الأديان. من حق المواطن المسيحي هو ليه لا يوجد ساعات إرسال بالوعظ المسيحي، طبعًا كل سنة يجيبوا قداس عيد الميلاد، بس كل سنة مرة. في المقابل برامج دينية على قناة التليفزيون بحوالي ٢٥ في المائة، إذا أضفت إلى هذا المادة الدينية في التمثيليات، وفي البرامج العادية.

يعني واحد هيسألوه في الهندسة الوراثية في برنامج عن المستقبليات، فجايبين أستاذ العلوم الوراثية في مجمع بحوث، فيسألونه، فيقول: «بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين»، خلاص دخلت في خطاب ديني، أنت هنا تعلم دينًا بالرغم من أنه سوف يتكلم في الهندسة الوراثية، الخطورة هنا قائمة. هذا ليس عداءً للأديان، وإنما محاولة أنك تخلق مجتمع متكافئ، بتعليم الدين عبر مؤسسات دينية، والتعليم الذي يكوِّن المواطنين لازم يبقى إلى حد كبير تعليم محايد، علماني؛ لا يستخدم الدين.

طبعًا فيه تخوف زي ما حضرتك قلت إنه جاء بانقلاب عسكري علماني، هيقوم مدخل كل المسلمين السجون ويعذبهم، ونرجع في الدائرة الجهنمية. أنا أتكلم عن مجتمع مدني وليس عسكر، العسكر يدافعون عنا، فنحن نؤيدهم بكل قوة، من أجل أن يحموا حدودنا، وعلشان يسهروا على راحتنا بس، مش يحكمونا. وده مش تقليل من شأن العسكر؛ لأن جزء من استراتيجية الحياة العسكرية؛ الطاعة، تصور أنك هتدخل معركة فتعمل سيمنار مع الجنود، غير ممكن طبعًا، انت داخل حرب، انت تقول له اعمل كذا فيقوم عامل كذا، إنما لو هتاخد رأيه ويقعد يقولك: لأ، والموضوع وكده تكون المسألة انتهت. فالحياة العسكرية هذه متطلباتها، لكنها هي كارثة لو تصبح هي السياسة أو تصبح هي الفكر، وكما قال القائد النازي كلما سمعت كلمة «الثقافة» تحسست مسدسي. الحكم العسكري يجب كلنا نبقى ضده. المشكل حينما يأتي عسكر يعملون أيديولوجية إحنا موافقين عليها، إحنا بنطنش. وهذه جريمة الجرائم، وأنا لا أدين حسن الترابي على فكره؛ لأن فكره هذا أمر يقبل الخلاف، أنا أدينه على النفعية، إنه يبرر هذه الديكتاتورية العسكرية، تحت أي بند من البنود، وإنه هنا يُستخدم، وسوف يدفع الثمن، هو غير واعٍ أنه سيدفع الثمن؛ لأنه لا أحد يتعلم من خبرة التاريخ؛ لأن العسكر «سلام سلاح»، لكن أن نُحكم بنفس منطق العسكر!

السؤال الخامس: ما هو تقييمك للتجربة الديمقراطية في الجزائر والانتخابات الجزائرية الأخيرة، لما فازت الاتجاهات الإسلامية، وفرضًا لو صارت العملية في مصر مثلًا مع الفكريات الموجودة الآن، افرض فازت الأحزاب الإسلامية بالأغلبية مع العلم أن المنهج الذي ينتهجونه منهج غير ديمقراطي إذًا العملية سيكون فيه قضية كبيرة من الانشقاق، لو آمنا بالديمقراطية الحالية مثلًا؟
نصر أبو زيد: طبعًا، تجربة الجزائر، ترد على السؤال، يعني لما الإخوة: جبهة الإنقاذ، واحد طلع على المنبر وقال؛ خلاص احنا كسبنا وهنلغي الديمقراطية، نزل الجيش، سنة كام كان هذا، سنة واحد وتسعين؟ هل حقن الجيش الدماء؟ هل كانوا الإسلاميين قادرين على إسالة دماء أكثر لو كانوا في الحكم؟

فيه هنا مُشكل وشرَك: عدم الثقة بالشعوب، إن احنا أوصياء على الشعوب، سواء كنا نخبة عسكرية أو نخبة فكرية. سأضم النخبة العسكرية والنخبة الفكرية معًا، متى سنقول إنه من حق الشعوب أنها تختار، وتغلط — على فكرة من أهم حقوق حرية الاختيار هو الحق في الخطأ — وتُخطئ وتدفع الثمن، وتتعلم.

شعب الجزائر دفع الثمن، دون أن يتعلم أي حاجة، دفع ثمن ديكتاتورية ألعن من الديكتاتورية التي كانت متوقعة من حكم الإسلاميين، الذين اختارهم الشعب بملء إرادته، وممكن واحد يقولك نصر أبو زيد هذا «مجنون». لكن أحيانًا من يريد أن يخرج بأمته من أزمتها، من أجل أن تدخل المستقبل، لا بد إنه يبقى مجنون شوية.

إذًا الشعب المصري، ياريت تقوم الديمقراطية، ديمقراطية لا أحد فيها يستخدم أحد، والمصريون انتخبوا الإسلاميين، أنا مين من أجل أن أقول إن الشعب المصري، «ده شعب ابن كلب صحيح»، فأنا منه. اختار الشعب ماشي الإسلاميين، والإسلاميون يمسكون الحكم، وشنقوا نصر أبو زيد، يخطفوه في صندوق ويرجعوه مصر وشنقوه في ميدان التحرير، ونصر أبو زيد هيموت، هيموت، هيموت بسلك كهرباء يقع عليه في الشارع، بمجاري مفتوحة، أنتوا طبعًا عارفين قصص المجاري اللي بيقع فيها الناس في مصر. يعني في مجتمعات العالم الثالث، وعلى قمتها مجتمعاتنا العربية الجميلة، تقدر تدخل المستشفى تأخذ حقنة بنسلين، تموت. لست محتاج لا لإرهابي ولا تكون مؤلف كتاب، ولا يحزنون. طفل وقع في فتحة مجاري مفتوحة وليس عليها غطاء والأم ماشية لم تجد ابنها في يدها، وفي التليفزيون المصري قالوا للوزير لو إن ده حصل في أي حتة في الدنيا كان الوزير يستقيل، قال: «يستقيل؟ هو كل ما عيل يموت وزير يستقيل؟» طيب هذا الطفل لا ألِّف «نقد الخطاب الديني» ولا نقد الشعراوي، ولا حاجة خالص.

دع جانبًا الموت، دع جانبًا الخوف على أنفسنا كأفراد، اثنين وخمسين سنة أنا سني، كويس قوي في المجتمعات العربية؛ لأن متوسط الأعمار كم عندنا؟ — أجاب د. عبد السلام: ٤٥ — طيب يبقى أخذت زيادة. لكن الشعب المصري هيتعلم؟ آه هيتعلم، وسيذوق «الإسلام هو الحل»، وسيكتشف أنه ليس الحل، فلا يتم خداعه مرة ثانية بأن الإسلام هو الحل، ويخرج من الأزمة، شعب قدر أن يختار، وقدر أن يدفع ثمن اختياره.

أوروبا خرجت بحربين عالميتين يا إخوانا، هذا بالإضافة إلى الحروب السابقة التي قامت في صراع الكنيسة مع الدولة … إلخ … يعني أوروبا لم تنتقل من عصورها الوسطى إلى عصر التنوير والإصلاح الديني والعصر الحديث، لا بكلام ديكارت، طبعًا ساهموا ليس هناك شك، لكن ليس هذا وحده ما فعل، إنما تجارب الشعوب، التي نحن جميعًا كنخب، الذين علمتنا الشعوب بفلوسها، احنا عاملين وصاية على هذه الشعوب.

فنقول: لا، لا، لا، أصل لو احنا فتحنا الديمقراطية، سيختاروا الإسلاميين، فما رأيك لو فتحنا الديمقراطية واختاروا الشيوعيين، الشيوعيون هيلغوا الديمقراطية، وأنا أؤكد لك ليس هناك حزب سياسي ولا مجموعة سياسية في العالم العربي تؤمن بالديمقراطية، إلا بشرط أنها توصلها هي للحكم، يبقى لازم نفتح الديمقراطية، وسيب الناس تختار ونبطل وصاية على الشعوب، مأساة.

أنت عمرك سمعت مثقفًا في العالم الغربي ده، بيتكلم باسم الشعب، أبدًا. بيتكلم باسم المجال اللي بيشتغل فيه، احنا الذين نتحدث باسم شعوبنا بس، فاهمين نفسنا «هيروز» أبطال، احنا خدم، ولازم نبقى فاهمين إن احنا خدم، إن احنا تعلمنا بفلوس الناس، الفلاحين والعمال، صرفوا علينا وتعلمنا. احنا خُدام.

الناس قالت نصر أبو زيد «كافر»، في ستين داهية نصر أبو زيد، يكتشفوا بعد كده نصر أبو زيد كان قديس ويعملوا له تمثال. وده حصل هو ده مش تاريخ، هذا تاريخ حصل.

إن الشعوب تتعلم بالتجربة وليس بالخطب، ولو قعدت تخطب، يا خلق هوه الإسلام ليس هو الحل، يقولك لأ، إزاي: عمر بن الخطاب، واللي فتحوا فارس، وفتحوا الأندلس، وكانت تأتيهم البركات والأموال، كل هذا بسبب الإسلام. يعني فيه شكل من أشكال الوعي الزائف، طبقة من الوعي، لا تستطيع أن تخترقها، ما الذي يحرق هذه الطبقة من الوعي؟ التجربة.

الجزائر أنا اعترضت أيامها أن الجيش نزل، وأهوه ما تزال الدماء تجري أنهارًا، ياريت الانتخابات الأخيرة أول مرة يبقى ستين في المائة، أو خمسة وخمسين في المائة، وهي نسبة مش وحشة في العالم العربي. كان فيه أمل في التجربة الديمقراطية في السودان، سنة ستة وثمانين. العسكر بيحموا الشعوب، تتضامن مع الحركة الشعبية، وتروح نازلة الشارع ومضلمة كل المصابيح المنيرة، وخلاص، ويأخذوا الحديث باسم الشعوب. يا ريت احنا، واحنا هنا بقول لنفسي وأقول للمثقفين، نؤمن عن إيمان حقيقي، بأن احنا بنشتغل في الفكر، وإن الفكر ليس شيئًا أرقى من المهن الأخرى، فأنت بتعمل في الفكر، فلازم تجيد كمان أي مهنة أخرى، وأن هذا لا يعطيك أفضلية، على أي مهنة أخرى. فالناس تختار وتغلط.

أنا هازعل من الشعب المصري طبعًا، هزعل خالص وأقول بقى كده يا شعب تعمل فيَّ المقلب ده وتخلي الإسلاميين يأتوا للحكم، طبعًا هزعل وده شيء طبيعي وإنساني، وإنما بعدين الشعب المصري هيخلص من حكم العسكر ومن حكم الإسلاميين، ويجيبوا الحكام ويبقوا عاقلين وكويسين، ويطلعوا مفكرين أحسن منا.

السؤال السادس: نورتنا يا دكتور، رد النص الديني أو التراث، إلى ماضيهم، وفهمه في سياقه التاريخي، وسياقه الاجتماعي، يشكل منهج قوي لفهم الظاهرة، ولفهم ما هو مُستمر منها لليوم والاستفادة منه إلى الأمام، لكن استخدام منهج في دراسة النص القرآني، أنا في رأيي أنه زي مسْك العصا من المنتصف، للخروج بمفاهيم داخل النص القرآني، مُغايرة لمفاهيم التيارات الأصولية الإسلامية، باعتقد إنه لتأسيس علمانية على المستوى الفكري، يمكن نكون محتاجين خطوة أكبر، بدراسة الظاهرة الدينية نفسها، إعادة الدين في سياقه التاريخي، والاجتماعي. تعطينا مساحة أوسع، لتأسيس مجتمع مدني ومجتمع علماني.

النقطة الثانية: يمكن يكون الإسلام في مصر وفي السودان، بالرغم إنه على المستوى المؤسسي هو الإسلام السني، على المستوى الشعبي هو الإسلام الصوفي، الإسلام الصوفي ما كان يسعى لوضع مشروعية دينية لسلطات زمنية.

نصر أبو زيد: «سيختلف معك الدكتور عبد السلام» أنا لسه قاري كتابه النهارده في القطار فعارف أنه هيختلف معاك، وأنا كمان هاختلف معك، لكن كمل.
السائل يستكمل: التيارات الأصولية الإسلامية الموجودة الآن، أو الإسلام السياسي، بتعتمد على بُعد شعبي، أو على بُعد جماهيري حتى على مستوى الوعي الزائف. التيارات العلمانية التي تعتمد على مؤسسات المجتمع المدني، تيار الإسلام السياسي، هو قائم على بنية تنظيمية سياسية، وعلى بنية حركية سياسية، فالمجابهة له على المستوى الجماهيري، ما بتكون هي مؤسسات المجتمع المدني، والدفاع عن الحريات، الجماهير تحتاج حركة على مستوى الفعل السياسي، فإلى أين هذا التوجه في مصر، وكيف دور المثقفين في دعم هذه الحركة والفاعلية؟
نصر أبو زيد: الجزء الأول من القضية التي طرحتها وهو، دراسة النص الديني، أو الظاهرة الدينية في سياقها، لا يوجد فرق بين دراسة النص الديني ودراسة الظاهرة الدينية إذا كنا نرجع أي ظاهرة للسياق، نفس المنهج واحد، وهو منهج ليس تبجيليًّا وليس سجاليًّا، ليس المقصود من هذا المنهج هو أن تُخرج مفاهيم مُعاكسة لمفاهيم الإسلام السياسي؛ لأن هذه لعبة خطر، وجُربت، ومنهج وضع الظاهرة والنصوص في سياقها، يستهدف كشف معناها التاريخي، وكشف معناها التاريخي يعوق أي قوى تستخدمها استخدامًا نفعيًّا، إذا تم تأسيسه.

لأن الظاهرة الدينية مركزها النص الديني، فإذا أنت أسست منهجًا لدراسة الظاهرة الدينية في سياقها التاريخي، فمن الضروري أن يكون نفس المنهج صالحًا لدراسة النص الديني، في سياقه. وكلمة سياقه هنا: هو السياق التاريخي بمعناه العام، الثقافي الاجتماعي، وهو سياق متطور وليس سياقًا ساكنًا، ولا لحظة واحدة. سوف يكشف لنا المعنى، وإذا انكشف المعنى لا نستطيع عمل عمليات الإسقاط، التي يعملها سواء تيار الإسلام السياسي، أو تيار الإسلام اليساري التقدمي.

ودراسة السياق ليست مشكلة سهلة ولا بسيطة، كما يبدو؛ لأن البعض أحيانًا يلخص مشكلة السياق في أسباب النزول، والمكي والمدني، لأ، السياق بمعناه التاريخي، بمعنى ما قبل الإسلام، والإسلام، وما بعده، يعني أن تضع الإسلام كظاهرة والنصوص الدينية كظاهرة، في سياق ما قبل وما بعد. وهذا سيفرز وعيًا علميًّا بالظاهرة الدينية وبالنصوص، والوعي العلمي من شأنه أن يقلل ويُحجِّم التأويلات الأيديولوجية، النفعية، سواء من يمين أو يسار أو … أو … إلخ.

الشق الثاني من السؤال مرتبط بالمنازلة السياسية، إحنا دايمًا نتكلم عن المنازلة الفكرية، لأن إحنا بنشتغل في الفكر، لا نعمل في السياسة. لكن طبعًا لا بد من منازلة سياسية، مفيش شك، وسيظل على المستوى السياسي هناك فشل، وتظل أرضية الشارع السياسي، مفتوحة لهذه التيارات، من خلال المسجد، من خلال المدرسة التي يقيمها، من خلال الجمعية التي يقيمها، جمعية تحفيظ القرآن، من خلال كثير من المؤسسات هو يخلقها، هذه مهمة الأحزاب السياسية، وحتى الآن هناك فشل عام.

نجاحه — يعني الإسلام السياسي — ليس مرهونًا بذكائه العملي، بقدر ما هو مرهون بأنه يخاطب وعي زائف، ليه الأحزاب فاشلة؟ لأنه مفيش مساحة للحركة بين الجماهير، يعني أعطي لجماعات الإسلام السياسي مساحة، للحركة داخل الجماهير من سنة ثمانية وعشرين، لم تنقطع إلا سنوات معدودة، وتحركت حركة سرية، يعني أيضًا موجودة بين الجماهير بشكل سري، يعني الحزب الوحيد المتواصل، منذ سنة ثمانية وعشرين، سنة اثنين وخمسين الثورة لم تلغه، وتركته وقالت هذه جمعية دينية، فهناك درجة من التواصل، وطوال الوقت نظام اثنين وخمسين يتعاون معهم.

والسادات سنة سبعين، بعد ثورة التصحيح بأقل من ستة أشهر، أخرجهم، يعني هو أتيحت له مساحة من الحرية لا أعتقد أنها أُتيحت لحزب سياسي آخر؛ لأن حزب الوفد، الذي كان أكبر حزب شعبي، منذ سنة ٥٢ لم تقم له قائمة، إلا مع الديمقراطية ذات الأنياب والأظافر على حد تعبير السادات. وعاد الوفد حزبًا مترهلًا، ويتعاون مع الإخوان المسلمين، يتحالف معهم؛ لأنه ليس له جماهيرية … إلخ.

الخاتمة

مقدم الندوة «باقر»: نصل لنهاية ليلتنا مع الدكتور نصر حامد أبو زيد، ونشكره مرة ثانية شكرًا شديدًا جدًّا، على إتحافنا بهذه المحاضرة، والنقاش الممتعين، واللذين توفرت فيهما معلومات وطرائف وأشياء جميلة كثيرة جدًّا جدًّا، والشكر لكم، الشكر للدكتور نصر، والسلام عليكم ورحمة الله.
١  ٢٤ يناير ١٩٩٦م، وكانت أمام جمعية سودانية بلندن.
٢  فراش من جلد يوضع تحت المحكوم عليه بالقتل وقت تنفيذ العقوبة قديمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤