الفصل الثالث

(الوقت بعد الغروب، في سرادق محمد بك أبو الدهب بالصالحية، حيث دارت رحى الحرب بينه وبين علي بك. في الوجه محمد بك راقد على سرير وعثمان الجاسوس التركي يكبس قدميه. في أحد جوانب السرادق جماعة من البكوات يتحدثون ويلعبون الشطرنج. في الجانب الآخر خادمان مصريان مشغولان بتنظيف ملابس محمد بك أبو الدهب …)

أحد الخادمَين (للآخر) :
ولدي زعزوع أنصتْ
أصغ للحقِّ المبين
نحن في أيام جهلٍ
وبلاءٍ وجنون
نحن فوضى من مراح الشـ
ـاة للخدْر المصون
في زبون من حروب
الأهل في إثر زبون
ورءوسٌ في الصواني
نُزِعَتْ منها العيون
وعزيزٌ هان ما كان
ببالٍ أن يهون
أصبحَ الناسُ على الـ
ـوادي بلا دنيا ودين
حركات كالسكونْ
وحياةٌ كالمَنُون
وقفَ الحاكمُ من
كل رخيصٍ وثمين
مثلَ ما قد وقف الد
ائن من مال المَدين
وشريك الشعبِ في
كدِّ يديه والجبين
وشريكًا في الأواني
وشريكًا في الصحون
الآخر :
يا شيخُ هذا بلدٌ
أحمالُهُ بلا عدد
من سُلَفٍ وكُلف
ومن نكوسٍ وفِرد
وكلَّ يومٍ مطرٌ
من الضرائب الجُدُد
وتلِدُ الفِردة ما
لا يعلمون من ولد
على الحمار فِرْدَة
وفِرْدَة على الوتد
وفردة على اللجام
وهو حبل من مسد
وفردة على برادع
الحصير واللبد

(مستمرًّا):

يا شيخ لي نعجةٌ غرامي
وكل همي كانا إليها
الأول :
ما صنعت ما الذي دهاها
الثاني :
قد ضربوا فردة عليها
فضقتُ ذرعًا بذاك حتى
ذبحتُ شاتي وطفلتيها
الأول :
ما قد دهاك دهاني
ومثل شأنك شاني
أتيت طنطا لشغلي
وكان تحتي أتاني
خرجتُ منها مع الليل
مُسبلًا طيلساني
فمرَّ فوق طريقي
من لا أرى ويراني
أغًا عليه سلاح
في صورة الشيطان
فصاح بي قف ترجَّل
لقد سرقت أتاني
الثاني :
وما جرى؟
الأول :
قلت له
بل الأتان لي أنا
فقال ذاك أمس
إلا أنها اليوم لنا
بل هي لي وحدي فَدعـ
ـها ليَ وامض من هنا
ثم رماني بيدٍ
كأنها كفُّ النَّمر
ثم اعتلى ظهر الأتان
الثاني :
ثم؟
الأول :
لكن لم يسر
حتى سمعت هَدَّةً
وصرخةً من النَّهَر
وأَبْصَرَتْ عيني وراءَ
الليل آية القَدَر
حمارتي تجبرتْ
مثل تجبُّر البشرْ
فأغرقت راكبها
وغرقت على الأثر
مميش بك (لعثمان بك في تهكم واستهزاء) :
لقد رأيناك ضحَى اليـ
ـوم تَجي من الجبل
فوق حصان كالـ
ـغزال رقَّةً وكالحَمَلْ
عثمان بك (وفي غضب) :
كذبتمو قد كان تحـ
ـتي سيد الخيل (بطل)
لا حَمَلٌ ولا غزال هـ
ـو لكن الوعل
كالأُفعوان في الشعـ
ـاب والشهاب في القُلَلْ
مميش بك :
وقد تمايلتَ على السر
ج تمايلَ الثَّمِلْ
وقد تدلَّى بطنك
الضخمُ عليه وانسدل
كأنك المحمل والحصـ
ـان تحتك الجمل
عثمان بك :
مميش عِبت حصاني
ولم تدع لي اعتبارا
هذا جزاؤك عندي
خذ هاك مني عيارا

(ويطلق عليه غدارته)

محمد بك :
عثمان
عثمان بك :
ملْكي
محمد بك :
لا تُرَعْ
قد كان من حزب علي
كفيتنيه فتولَّ
اليوم ما كان يلي
هيوا احملوا جثته
هيوا اذهبوا بالرجل

(يخرج به البكوات والخدم)

(عثمان الجاسوس وهو يكبس قدم محمد بك)

عثمان (لنفسه) :
خدمتُه واللهِ ما
خدمتُ إلا دُولتي
كبَّسته واللهِ ما
كبَّست إلا حاجتي
خادمُ تركيا أنا
ما أنا خادم الغبي
كم من حرير في نواحي
صُدرتي وذهب
هاتيك ألقابي وتلـ
ـك شُرُطي ورتبي
مما بلغتُ في رضا اللـ
ـه وطاعة النبي
وتحت أعلام السلا
طين السيوف القُضُب
أقمتُ في مصر سنيـ
ـن أنزوي وأختبي
وأنا حينًا ماهنٌ
وأنت أحيانًا صبي
أرمي أخًا على أخٍ
وأصدم ابنًا بأب
لم آل حكم الغُزِّ
جُهد الباحث المنقَّب

(يفيق محمد بك ويتمطى ويتثاءب)

محمد بك :
ماذا يقولون عنا
في مصر يا عثمان؟
عثمان :
عهد الأميرِ رخاءٌ
وغبطةٌ وأمان
فمصرُ راض بنوها
والناسُ فيها لسانُ
يقول إن أميري
يحبه السلطان
محمد بك :
والأمراءُ أمِنهم
مخالفٌ غضبانُ؟
عثمان :
الأمراء جميعًا
ببابكم أعوان
لا يذكرون عليًّا
وبيته مذ بانوا
فما لغيرك صِيتٌ
ولا لغيرِكَ شان
محمد بك :
صدقت هم حيث كـ
ـان الجديد في مصر كانوا

(يقبل جندي ويقول لمحمد بك):

مولاي عندي أخبارُ سوءٍ
وقَفْن في فيَّ فهو حائر
محمد بك :
أنت رسولٌ؟
الجندي :
أجل
محمد بك :
فخبِّر
بيِّنْ إلامَ القتال صائرْ؟
الرُّسلُ لا يُسألُونَ عما
بعد المناعي ولا البشائر
الجندي :
مولايَ
محمد بك :
ماذا؟ عجِّل. تكلَّم
الجندي :
دارتْ على جيشنا الدوائر
محمد بك :
وما الذي كان من عليٍّ؟
الجندي :
أُعِينَ في أمره بضاهرْ
محمد بك :
وفاز؟
الجندي :
في أول التلاقي
بقوة الشام والعشائر
محمد بك :
إذن هلكنا؟
جندي آخر (وهو داخل) :
لا يا أميري
بل أنتَ ناجٍ بل أنتَ ظافر
محمد بك :
من قال ذا؟
الجندي :
شاهدا عيانٍ
محمد بك :
من أين؟ مِمَّن؟
الجندي :
من العساكر

(يدخل الجنديان ويتبعهما خدم يحملون صينية كبيرة)

الجندي :
ها هما
محمد بك :
مرحبًا
الجنديان :
عوافٍ حياةٌ
محمد بك :
أوجزا
الجنديان :
نحنُ موجزان المقالا
هُزِمَ الجيشُ صُبْحَ أمس ولكن
عادَ نجمُ العدو ظهرًا فمالا
فحملنا عليه حملةَ صدقٍ
وحوينا الرجال والأموالا
محمد بك (لأحدهما) :
زِدْ، أبِنْ
الجندي :
ما قَصَّر الجيشانِ ضربًا وطِعانا

(يقبل البكوات)

محمد بك (للجندي) :
وأبو مَيْلَة؟١
الجندي :
غشَّى
ساحةَ الحربِ دُخانا
أحد البكوات :
قد رأينا من هنا
ظُلمته واللمعانا
وسمعنا من هنا
رَجَّته والدَّوَرانا
محمد بك :
اختراعي مدفعي
قد ظهر اليوم وبانا
ومُرادٌ؟
الجندي :
كان كالليث
لحاظًا وجنانا
شد بالزِأرة والوثبة
في الحرب قُوانا
كلما انهار حِصَانٌ
تحته احتلَّ حصانا
محمد بك :
ثم؟
الجندي :
رمى بنفسه
على عليٍّ في الرحى
محمد بك :
ثم؟
الجندي :
تجالدا فلم
يدعه حتى جُرحا
محمد بك :
أين هو الآن؟
الجندي :
على آثارنا
على سرير ليِّنٍ مُظلَّل
يخدمهالناسُ ويُعْنَونَ به
كالولد الممهَّد المدلَّل
محمد بك (همسًا لعثمان) :
عثمانُ هذا عَلوي
لا تنسَ رأسه غدًا

(محمد بك للجندي):

تلك رءوس شيعته، ومن سعى لنصرته، من بيته وعِزوته

(يأخذ الجيش في العودة من ميدان القتال في أزياء شتى بين الضجيج المتواصل من الطبل والزمر، وتقبل طائفة طائفة فيمر بخيمة محمد بك، وكلما طافت به جماعة خرج إليهم البيك فينثر عليهم الذهب وهو يقول)

محمد بك :
خذوا خذوا خذوا خذوا
إني أنا أبو الدهَبْ
خذوا املأوا أيديَكم
من الشعاعِ المنسكِب
الجماعة :
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تُعطي وتهَب
أخجل جودك السُّحُبْ
الجيش والنظارة (يهتفون معًا) :
بني الوادي قفوا حيُّوا اللواء
وغطوا الأرضَ وردًا والسماء
رَجَوْتُم من وراءِ الحرب نصرًا
وهذا النصرُ بينَ يديْه جاءَ
هو الرمزُ المقدسُ فاتبعوه
وموتوا في القتالِ له فداءَ
عليه ضجَّةُ الفرح ابتهاجًا
بطلعته الحبيبة واحتفاءَ
كأن وراء هيكله خيالًا
من الشهداء والجَرحى تراءَى
على قدم حيُّوا العَلَمْ
حيُّوا الشعار حيوا الفخار
رمز الوطن مجد الديارْ
أحد القواد القادمين :
سيدي فُزت بالمُنى
هو ذا الجيش قد رَجَعْ
وهَبَ الله نصرَهُ
للمريدين والتَّبَع
وعليٌّ وجيشه
شبعَتْ منهما الضبُعْ
ليس يُدرى أمات أم
في يد الجُند قد وقع
محمد بك :
أحل أرى الجيش اقتربْ
نشوانَ بالغَ الأرَبْ
يرسل رنَّةَ الطَّرَبْ
فريق من الجند (يتغنون من خارج الخيمة) :
سلمتَ يا أبا الدهبْ
وعشتَ تُعطى وتهَبْ
أخجل جودُكَ السُّحُبْ
جماعة أخرى من الجنود والنظارة (يهتفون) :
يا عسكر النيل بالسلامهْ
يا عسكر النيل بالسلامهْ
ظفِرتَ بالنصر كلَّ حينٍ
وفُزتَ بالعزِّ والكرامَهْ
في يوم سلمٍ وفي قتالٍ
وفي رحيلٍ وفي إقامهْ
فما شهِدت القتال إلَّا
رفعت للضَّفَتَيْنِ هامهْ
أبليتُمو قادةً وجُندًا
بوركَ في الجندِ والزعامَهْ
قد شيَّد الله مجدَ مصرٍ
والجيشُ من مجدها الدعامهْ
جماعة آخرون :
هلمَّ خيلَ الوطن
تخايلي في الرَّسَن
اليوم أنت مطلقهْ
حمحمةً وطقطقهْ
محمد بك أبو الدهب (وينثر الذهب) :
خذوا خذوا خذوا خذوا
إني أنا أبو الدهب
خذوا املأوا أيديكم
من الشعاعِ المنسكب
الجماعة :
سلمت يا أبا الدهب
وعشت تعطي وتهب
أخجل جودك السحب
أحد البكوات :
ملِكي
محمد بك :
ما جرى؟
الأول :
تأمَّلْ أسيرٌ
سيدي من عواهل الشامِ كهْلُ
محمد بك :
من يسوقُ الرجالُ ضاهرٌ الشاميُّ
عانٍ عليه قيْدٌ وغُلُّ

(يدخل ضاهر يحوطه الجند)

ويحهم ذاك ضاهرٌ ما لجندي
قد غووْا ما لقادة الجند ضلُّوا
كثر الجندُ في الحديد عليه
وهو كالليثِ في الحديد يُدِلُّ

(محمد بك، ويتقدم منه):

ما أرى ضاهرٌ يُساقُ أسيرًا
أنتَ من ذَاكَ يا أمير أجلُّ
أيها الجند ضاهرٌ صار لي ضيفًا
فخلُّوا سبيلَ ضيفيَ خلُّوا
من فلسطينَ أنتَ ضاهرُ أم من
أرز لبنان أم لك الشام أصلُ؟
ضاهر :
كل هذا هناك مولاي أصل
واحدٌ يجمعُ الرجالَ وفصلُ
عرَبٌ كلنا ومنطقنا الفُصحى
وآباؤنا نِزارٌ وذُهلُ
محمد بك (للجند) :
ما صنعتم بسيفهِ؟
أحد الجند :
هو عندي
محمد بك :
هاته فهو محْرمٌ لا يحلُّ

(محمد بك ويناوله السيف)

خذ تقلَّد والله ليس لهذا الظُّفر
إلا يدَ الهصُور محلُّ
أنت خِلٌّ للبائسين وفيٌّ
وهو أيضًا لهم صديقٌ وخلُّ
ضاهر :
لستُ أنسَى لسيدي الفضلَ ما عشتُ
محمد بك :
وهل في رعاية الحق فضلُ
قد رددْنا على السموأل سيفًا
كان دونَ الوفاء أمسِ يُسَلُّ
ضاهر :
كيف أمشي في الشام أم في سواها
ألُبسُ العزَّ حين جارى يذلُّ
ذاك سيفي فأينَ إكرامُ ضيفي
ما ليَ اليوم غير ضيفيَ شُغْلُ
محمد بك :
من! عليٌّ؟
ضاهر :
أجل ومن كعليٍّ
ملكٌ ما له على الأرض مثلُ
سيدي قيلَ في خلالِكَ برٌّ
ليس يُحْصَى وفي سجاياك نُبْلُ
قد تركت الأمير في شدة الـ
ـكرب وغادرتُ جمعنا وهو فَلُّ
ما الذي أنتَ صانعٌ بعليٍّ؟
محمد بك :
غايةُ الخيرِ فهو للخيرِ أهلُ
هو في قصرِهِ كأمس المفدَّى
بينَ أولاده الأميرُ الأجلُّ
ضاهر :
أسروني ولو بقيت طليقًا
محمد بك :
ما الذي كنت صانعًا؟
ضاهر :
كنت تبلو
كيف أبني اللواء حول حليفي
وأرمُّ الصفوفَ إذ تضمحِلُّ
محمد بك :
بل ستبقى بمصر ضيفًا علينا
مصرُ دارٌ للأكرمينَ وأهلُ
ضاهر :
ورجالي
محمد بك :
سيلحقونك فيها
لك عندي وللعشيرة نُزْلُ
ضاهر (لنفسه) :
ذلك الغدرُ والمماليك فيهم
من قديم الزمان غدرٌ وخَتْلُ

(يشير محمد بك إلى جماعة من رجاله فيخرجون بضاهر)

(يقبل مراد في جماعة من الجند)

محمد بك :
ما أرى؟ ما ترون؟
أحد الحاضرين :
هذا مرادٌ
محمد بك :
هو ذا جرَّ ذيلَه إدْلالَا
مراد بك :
التحياتُ للأمير
محمد بك :
مرادٌ
مرحبًا مرحبًا تعالَ تعالَا
مراد بك :
ألف بشرى مولاي
محمد بك :
أهلًا وسهلًا
أُدنُ منِّي أعانق الرئبالَا

(يعانقه)

مراد بك :
قد بلغتَ الآمالَ
محمد بك :
لم لا وما علَّقتُ إلا بسيفك الآمالا
كيف كان القتالُ؟ أينَ تركتَ الجيش؟
مراد بك :
خلفي مُظفرًا مختالا
بعد حين يَمُرُّ من ها هنا
الجيشُ على سيدي رِعالًا رعالَا
محمد بك :
وعليٌّ
تركتُه في يد الآسينَ
قد ناءَ بالجراح ثقالا
بعد حين يأتي به الجُندُ محمولًا
مُسَجًّى إذا استطاعَ انتقالا

(جماعة من الجند)

(يتغنون خارج السرادق)

سلمت يا أبا الدهَبْ
وعشتَ تُعطي وتَهَبْ
أخجل جودُك السُّحُبْ

(يخرج محمد بك في جماعته لتحيتهم)

(في هذه الأثناء يتقدم مصطفى اليسرجي جريحًا من مراد بك زاحفًا على الأرض)

مراد بك :
يا لعجائب الحياة ما أرى
هذا اليسرجيُّ
مصطفى اليسرجي :
اليسرجِي مصطفى
مراد بك :
أنتَ الذي برزتَ لي من ساعة
مصطفى :
أجل لألقَى من حُسامك الردى
مراد بك :
لقد جُرحتَ من يدي لِمْ لَمْ تَمُتْ
مصطفى :
إني أحسُّ أجلي الآن دنا
مولاي لا تقطع حديثي وانتظرْ
عجائبُ الحياة فوقَ ما تَرَى
مراد بك :
وهل عجائبُ الحياة غير ما
يجري هنا الآن؟
مصطفى :
أجل وما جَرَى
مراد بك :
فمُتْ إذن وأعفني
مصطفى :
لا بل أقمْ
واسمع فقد يُنجيك ما أروِي هنا
مراد بك :
سرٌّ؟
مصطفى :
أجلْ وقد ينالُك الأذى
من أن أموت أنا والسرُّ مَعَا
مراد بك :
إذن فقم إبقَ تأخَّر ساعةً
قل ما لديكَ ثم مُت كيف تشا
مصطفى :
أهكذا ربَّاك جافٍ خَشنٌ
من المماليك مُضيَّعُ الوفا
ليتك عشتَ راعيًا في وطن
مُهذبِ الفتية صالح النَّشَا
مراد بك :
دَع الفضولَ واحترس يا مصطفى
أنت غبيٌّ لست تدري مَن أنا
أما كفاك أمسِ أن أخرتني
أنا وقدمت عليًّا فاشترى
مصطفى :
أنت تُحبُّها؟
مراد بك :
أجل
مصطفى :
أنت
مراد بك :
أجل
مصطفى :
حَذَارِ
يا مرادُ مِنْ هذا الهَوى
مراد بك (مضطربًا) :
ولِمْ؟ وما آمالُ؟ أهْيَ من دمي؟
أم هي لحمي؟
مصطفى :
هي والله هُمَا
مراد بك :
أختي؟
مصطفى :
أجل أختك
مراد بك :
يا لي ولها
من هول ما كنتُ عليه مُقدما
مصطفى :
مراد أنت في صعيدٍ واحدٍ
ضربت بالسيف المُربِّي والأبَا
مراد بك :
ومن أبوها وأبي أنت؟
مصطفى :
أجل
أنا الذي باعَ الفتاةَ والفتَى
أنا الشقيُّ بائعُ ابنيْه
مراد بك :
أبي
ما بعتنا إلا لندركَ الغنَى
مصطفى :
مراد أدركني
مراد بك :
فداك يا أبي
رُوحي وإن قلَّت لك الروحُ فدَى
مصطفى :
انظر مرادُ أنا في النزع وما
يُغني المُفدُّون إذا النزعُ أتى
سُقتُ لك الرقَّ وسقتَ الموتَ لي
والرقُّ والموتُ على حدٍّ سَوا
مراد بك :
أُعفُ أبي عني أتعفو يا أبي؟
مصطفى :
القلبُ عنك وعن السيفِ عَفَا
بل اعف أنت يا مراد عن أب
باعَكَ طفلًا كبديعة الدُّمَى
ما رحمَ الدمعَ بعينيْكَ ولا
رقَّ لذلك البُكى ولا رثى
مراد بك :
وا أسفي! وا ندمي!
أبي عليك قد غُمى
أفق أبي تكلَّم
مصطفى :
مراد! لا يقوى فمِي

(ويموت مصطفى)

مراد بك :
ماتَ انتَهَى ربِّ ارحمِ

(مراد بك يلقي عليه عباءته ويرجع باكيًا)

(تدخل آمال فيلمحها مراد بك ويقول لنفسه):

آمال أختيا
أجلْ أجلْ هيا
لأكفينَّها
تلك الضواريا
آمال (لنفسها) :
ما لَه مضطربًا يرمقُني
بالرضا حينًا وحينًا بالغَضَب
ما به؟
مراد بك :
آمال
آمال :
مهلًا سيدي
ادعُني حينَ تُنادي باللقبْ
مراد بك :
اسمعي آمال أختي
آمال (لنفسها) :
أخته؟
ربِّ من أينَ متى هذا النَّسَبْ

(ثم لمراد بك):

كيفَ من نبَّاك؟
مراد بك :
نبَّاني أبي
أنَّنَا يا أختُ من أمٍّ وأبْ
آمال :
وأبي، أينَ أبي؟ أين مضى؟
مراد بك :
هو هذا جُثَّة
آمال :
مات أبي
مراد بك :
احملي الجُثَّةَ يا أختُ معي
هيِّ نحْجُبْها هلمِّي نحجُب
آمال (بعد أن تقف أمام الجثة وتتأملها) :
حنَانيْكَ ربِّي أبي رمةٌ
يَمُرُّ عليها الترابُ الخشنْ
أبي كيف صرت وراءَ التراب
إلى جسد بالبِلَى مرتَهَنْ
أبي ما لأذنكْ قد أبطأَتْ
وكنتَ إليَّ سريعَ الأذُنْ
وما بالُ حظيَ منك الصدود
وكان نصيبي اللقاءَ الحسَنْ
وأين يدٌ سمحةٌ طالما
مسحتَ بها عبراتي الهُتُن
أحقٌّ أبي دهمتْكَ المنون
أجل وجَرَتْ فيك كبرى السُّنَنْ
ذهبت كما ذهب الأولون
قتيل الحياة جريح الزمن
مراد أخي
مراد بك :
أختُ لا تحزني
فماذا يَرُدُّ البكا والحزَنْ
آمال :
أحقٌّ أخي أنه قد قضى
وأنا فقدنا الذرا والركُنْ
قضى في معارك لم يجنها
غريب التراب غريب الوطن

(ثم مخاطبة الجثة):

تمنَّيت أني أقيكَ الرَّدَى
بنفسي ومن يدفعُ الموتَ مَنْ
وأجعل غُسلك ماء الشئون
وأصنَعُ من هُدب عيني الكفن
وأختطُّ بين حنايا الضلوع
صوانًا ولحدًا لهذا البَدَن
جُعِلتُ الفدا لكَ مما دهاكَ
وممَّن رَمَاكَ وممَّنْ طَعَنْ
وليتَ جراحَك بي يا أبي
مراد بك :
رويدِك أختُ أقلِّي الشجن
ولا تكثري حسرات الصديق
ولا تُشمتي الكاشحَ المضطغنْ
آمال :
وكيف مراد وهذا أبوك
لَقًى في التراب كأن لم يكن

(يخرج مراد بك وآمال بالجثة)

(يؤتى بعلي بك مجروحًا محمولًا على سرير من جريد فيوضع في ناحية من الساحة)

علي بك (لنفسه) :
ويحي تفرَّق عسكري وخيامي
وطوَى الزمانُ وريْبُهُ أعلامي
أحتالُ والأحداثُ تُفسدُ حيلتي
وأروم والأيام دون مرامي
لما طَوَت مُلكَ الكنانة راحتي
لم يكفني فطلبت مُلكَ الشام
صيَّرتُ حربَ الترك وجهَ سياستي
حتى اقتنيتُ عداوة الأقوام
وكفرت إحسان الذين خدمتهم
حتى تجرَّأ خادمي وغلامي
في الصالحية مالَ صرحُ مطامعي
وكذاك ركنُ بنايةِ الأوهام
النصرُ غابَ وكان طاف برايتي
حينًا وحامَ على شباةِ حسامي
وحُمِلت في سُرُرِ الجريد ببلدةٍ
وطئتْ جواهرَ عرشها أقدامي
قد عشتُ بالدنيا العريضةِ حالمًا
حتى انتبهتُ فلم أجد أحلامي
دنيا أردتُ من العروش حُطامهَا
جعلَتْ سرير القشِّ كلِّ حُطامي
بالأمس جلَّلَت الترابَ مواكبي
واليومَ لا خلفي ولا قدامي
اليومَ أرسفُ في دمي وجراحتي
وغدًا أجرُّ منيَّتي وحمامي
أنا قد جعلتُ الغُزَّ مهبط نعمتي
وخصَصْتهم بمنازل الإكرام
فلُدغتُ من صِلَّيْن منهم عقَّنِي
هذا وذاك أضاعَ حقَّ ذمامي
وتتابعَ الأمراءُ في أثريْهما
يستمرئون عداوتي وخصامي

(يقبل محمد بك أبو الدهب في حاشيته)

محمد بك أبو الدهب :
يا ويحَ لي ماذا جرى
هذا أبي وسيدي
سيعلمُ المُغرى به
كيف عقابي في غدِ

(ويتظاهر بالأسف ويتقدم لملاقاة الجريح)

يا أسفا عَلى (علِي)! يا أسفا
على أبي وسيدي ومَوئلي!
يا أسفا على الكريم المفضل
أحد البكوات (همسًا) :
ماذا يقول؟ سيَّدُهُ!
شلَّتْ يده شلَّت يده
علي بك (لمحمد بك) :
محمد اسمعْ
مراد غادرْ
اقضِ عليه
وأنتَ قادرْ
محمد بك :
لا بل تعيش سيدي
وبيديك تقتله
سيدي انس اليوم وافكر في غد
علي بك :
ليس للمغلوب غيرَ الذل غد
محمد بك :
بل غدًا تبرأ من جُرحك
علي بك :
لا
قلما قام من الجرح الأسد
أحد الحاضرين (همسًا لآخر) :
الذئبُ جرَّب في المُرَبِّي ظُفْرَه فأصابهُ
لا تحوِ دارُك أرقمًا حتى تحطَّم نابه
علي بك (لمحمد بك) :
محمد اطلب لي قليل ماءٍ
إني أحس حرقة الظماءِ
محمد بك :
مولاي لا باس
فداؤك الناس

(محمد بك لعثمان ويناوله حقًّا)

عثمانُ جئْ بالشراب
أغثهُ بالعُنَابِ
علي بك :
عجلْ وأطفئْ لهيبي
أسرع وخَفِّفْ عذابي

(يذهب عثمان ثم يعود بالماء)

(علي بك لمحمد بك ويتأمل الكأس)

أغريتَ في الصبح بيَ عقورًا
ما أنا من جرحهِ بصاحِ
والآن أرسلتَ كلب سوءٍ
يدُسُّ لي السُّمَّ في القَراح
وهكذا تجرحُ الأفاعي
وتُفرغُ السُّمَّ في الجراح

(علي بك لعثمان)

عثمانُ ما دَسَسْتَ لي في الكاس
عُشْبَ القفار أم تُرَابَ الماس
السم أحيانًا طبيبٌ آس

(ويشرب)

محمد بك (لعلي بك) :
أبي وأميري
كفى سوء ظَنِّ
علي بك :
محمدُ نَلْ كلَّ
ما شئتَ منِّي
وما لي ألومُكَ
والسُّمُّ فنِّي
أخذت الخيانة
والغدر عني

(محمد بك يبتعد في حاشيته فيختلط بالأمراء الآخرين)

(علي بك وقد لمح آمال ومراد بك قادمين)

أرى ويحَ لي ماذا أرى؟
توالَتْ جراحاتي وطالَ عذابي
مرادٌ وآمالٌ. عدوِّي وزوجتي
فيا زمني هل من جديدٍ مصاب؟!
يُعذبُني يا رب أني أراهما
قد اختلطا من جيئةٍ وذهاب
إذن هي تهوى النذلَ وهو يحبها
إذن ليس ما خُبِّرتُه بكذابِ
إذن فمرادٌ لم يَثبْ بيَ وحدَه
ولم يقتحم ستري ويَسطُ ببابي
ولكن أعارته الخبيثة نابها
وما في ذراها من نقيع لعاب
أجلْ هَدَمَا عُشِّي معًا وتعاونا
على ثلم محرابي وهتك حجابي
آمال (لنفسها) :
إلهي أعنْ زوجي وبُلَّ جراحَه
فما باله مستوفزًا لعتابي
رماني بعين قلِّبت عن كراهة
وعن نظرات كالشَّرار غضاب
تُرى ظنَّ بي سوءًا تُرى ارتابَ في أخي
ففكر في جُرمي وكيف عقابي
له العذر في حال أضاعت صوابه
فإني أنا الأخرى أضعت صوابي

(وتتقدم من علي بك):

سيدي مولاي
علي بك :
من؟ أنت؟
آمال :
أجل
علي بك :
أُعزبي
عَنِّيَ خلِّيني اعزُبي
الأقاويلُ إذن صادقةٌ
الرواياتُ إذن لم تكذبِ
آمال :
ما أذاعوا سيدي ما نقلوا؟
علي بك :
خبَّروني امرأتي تعبَثُ بي
آمال :
مع مَنْ أعبثُ! مَعْ هذا الفتَى؟
مع شقيقي وابن أمي وأبي
علي بك (لمراد بك) :
مراد
مراد بك :
مولاي
علي بك :
اعزُبِ
لا بل تعالَ اقتربِ
مراد بك :
أبي
علي بك :
سؤالٌ يا فتَى
أَصْغِ إليَّ أجب
مرادُ كنتَ لا ترى
غيري فما غرَّكَ بي
أنتَ الذي اشتريتُه
بفضتي وذهبي
ولم أقصِّر معه
عن واجب المؤدِّب
مراد بك :
مولايَ خلِّني إلى
ضميريَ المُعذب
أُعفُ فأنتَ أهلُه
هبْ لي جرائمي هب
علي بك :
مرادُ
مراد بك :
مُرْ
علي بك :
أوصيك خيرًا
بالملاك الطيِّب
أما تراها أصبَحَتْ
من غير زوجٍ وأبِ

(ثم مستمرًّا):

مرادُ بنيَّ أصخْ أصْغِ لي
تعلَّم من الذاهبين استفد
مراد بك :
تكلم أبي هات قل سيدي
وبيِّن كدأبك سُبْلَ الرَّشَدْ
علي بك :
بناء المماليك واهي الأساس
وسلْطانهم مُضمحلُّ العمَدْ
وضيعتهم بعد طولِ الإباء
عوى الذئب فيها وصاح الأسد
إذا فَسَدَ الخُلْقُ في أمة
فقل كلُّ شيءٍ لهم قد فَسَد
وصاحبُكم ذَهَبَتْ نفسُهُ
فكلُّ عنايته بالجَسَدْ
يحبُّ النساء ويَهوَى الطعام
ويبني القصورَ ويُغني الولد
بفضل التعاونِ سُدنا البلاد
ولولا تعاوُنُنا لم نَسدْ
إذا قام بانٍ إلى غاية
تعثر بالهادم المجتهد
وأُولِعَ بالعُصبة العاملينَ
رجالٌ كسالَى مُنوا بالحَسَد
فلم يَرَ واحدُهم همةً
وفضلًا لآخرَ إلا حقَد
يمينًا مرادُ لمَا في البلاد
سِوَاكَ يليقُ لحكم البلد
يَلُمُّ المماليكَ من فرقة
ويوقظُ من حزمهم ما رَقَدْ
ويُرجعُ للطاعة المارقينَ
ويكسرُ من شرَّة المستبدْ
فثِبْ بالغبيِّ غدًا ثبْ به
وقم أنت فاحم الحمى بعد غَدْ

(ويغمى عليه)

مراد بك :
ويحَ للمجد حلَّ بالماجد المـ
ـوتُ وأخنى على الكريم الحمامُ
رحمتاهُ له مضى وتولَّى
واستردت جمالَها الأيامُ
آمال :
مات! لا يا مرادُ قل هو حيٌّ
قل أخي تلك ضجعةٌ ومنامُ
فرحى يا عليُّ ما أنتَ راءٍ
مأتمٌ بين ناظريْكَ يقامُ
فرحى مثل يوم نحرٍ عليهِ
من دم البر لمحة وابتسام
ضحت الحادثات فيه بكبش
فُجِع الشرق فِيهِ والإسلام
قد أُصبنا من العيون كلانا
أدركتني وأدركتك السهام
أحد البكوات (لآخر) :
أرأيتُم أسمعتُم جرأةٌ
تلك يا ويحَ مراد ويحَ لهْ
ما له استهتر في مواقفه
ومضى يفعلُ فعلَ السَّفَلَهْ
انظروا فهو عليها مُقبلٌ
وهي بالسمع إليه مُقبلهْ
تركا المقتولَ لم يكترثا
لدمٍ من حوله قد جلَّلهْ
أتُرى يطمع أن يخلُفَهُ
وهي هل تطلبُ زوجًا بدلَهْ
آمال (وتلتفت خوفًا) :
مراد أخي
مراد بك :
لبيك آمال
آمال :
ما لنا رمتْنَا عيونُ القوم من كلِّ جانب
وإني لثكلى مرَّتَين وما دَرَوْا
تولَّى أبي عنِّي ولم يبق صاحبي
مراد بك :
كذاك فضولُ الناس شُغلٌ بحاضر
كما قد شغلناهم وشُغلٌ بغائب
ومن ألسُن تجري بسوءٍ وهَمُّها
فوائدُ عند الغير أو في مصائب
آمال :
صدقتَ مرادُ انظر تأمل فضولَهُم
لقد رمقونا بالعيون الشواغبِ
يَرَوْنَ عجيبًا أننا ها هنا معًا
وأنك تمشي يا أميرُ بجانبي
أحد البكوات (يتقدم) :
مرادُ من الحسناءُ؟
مراد بك :
ما أنت؟ ما الذي
يهمُّك من أمرِ الحسانِ الكواعبِ

(ثم لآمال):

أأبصرتِ يا أختُ الفضوليَّ
البك (لنفسه) :
أخته
عجيب فلم نعلم له من أقارب

(لمراد بك):

وأينَ تُرى كانت؟ ومن ذا أتى بها؟
رواية غاوٍ أو مَقالةُ كاذِبِ

(مراد بك يهم ويلطمه بيده لطمة شديدة)

آمال (لمراد بك) :
ترفق أخي سامحهُ
البك (لنفسه) :
تدعوه يا أخي
إذن لم يكنْ فيما رواه بلاعب
مراد بك :
تعلَّم إذن أن الفضولَ وقاحةٌ
وأن عقابي عنك ليسَ بعازب
البك :
وأنت تعلَّم أن سيفي منيَّة
وغدارتي محشوَّةٌ بالمعاطب
مراد بك :
وقوسك؟
البك :
قوسي ليس يخطئ سهمها
مراد بك :
ورمحك؟
البك :
مثل الأفعوان المواثب
مراد بك :
وقلبُكَ إني لا أرى القلبَ حاضرًا
على أنه أمضَى سلاح المحارب
وإلا فذا صدري فضع فيه ما تشا
وسدِّد إليه ماضياتِ المضاربِ
البك :
وكيف اجترائي سيدي وابنَ سيدي
معاذَ أياديكم معاذَ المواهب
مراد بك :
إذنْ خلِّ شأنيْنا ولا تَشْتَغِلْ بنا
وطِرْ في فضاء الأرضِ ذاتِ المناكب
آمال :
مرادُ أخي
مراد بك :
آمال هذا محمدٌ
يلاحظنا في الجمعِ لحظَ المراقب
ولا بدَّ مِنْ إنبائه بالذي جَرَى
آمال :
وما ضرَّ سرْ قابلهُ كَلِّمْهُ خاطب
محمد (يقترب ويقول) :
مراد أرى شَغْبًا وأسمعُ ضجَّةً
بنيَّ أهذا موضعٌ للتصاخب
ونحن على موتٍ وحولَ جنازَةٍ
وفي مأتمٍ فخمٍ وشيكِ المواكبِ
مراد!
مراد بك :
أميري!
محمد بك :
تلك والله ريبة
مراد بك :
تفضل أميري واستمع ثم عاتب
محمد بك :
أما هذه عرس الكبير فما أتى بها
ها هنا بين ازدحام المناكب
مراد بك :
بلى يا أميري وهي أختيَ
محمد بك :
أخته! حنانيك ربي تلك إحدى العجائب
مراد بك :
أجل سيدي أختي اجتمعنا من النوَى
على قدرٍ من صنعةِ اللهِ غالب
ولم ندرِ قبلَ اليوم أنَّا قرابةٌ
وأنا التقيْنا في كريم المناصب
محمد بك :
ومن قال للصنوين هذا؟
مراد بك :
أبوهما
محمد بك :
وما هو؟ مَنْ؟
مراد بك :
بعضُ التِّجار الجوالب
محمد بك :
وأينَ فأدعوه فأُعْلِي محلَّه
وأرفعه وابْنيه فَوْقَ الكَواكب
مراد بك :
تعيش وتبقى، مات
محمد بك :
مات أبوكما؟
مراد بك :
أجل. هو ذا يَدمَى وراء العصائب
محمد بك :
جريح؟
مراد بك :
أجل لكن قَضى من جراحِهِ
محمد بك :
قتيلٌ؟
مراد بك :
أجل ثاوٍ وراءَ السباسب
محمد بك :
وما تصنعانِ الآنَ؟
مراد بك :
ما أنتَ آمرٌ
محمد بك :
هنالكَ حراسي وثَمَّ ركائبي
فخذها إلى الفُسطاط حتى تَجِي بها
إلى قصرِها محفوفةً بالرغائبِ
وبعد غد تجري على القصرِ نعمتي
ويأتيه برِّي كالغيوث السواكب
آمال (وهي منصرفة) :
وداعًا أبي!
محمد بك :
صبرًا جميلًا أميرتي
ولا تفعلي فعل البواكي النوادب
آمال :
عفا اللهُ عنه كان شيخًا مصلِّيًا
محبَّ اليتامى راغبًا في المثاوب
لقد طلب الدنيا بمصر فنالها
فولَّى إلى الأخرى وجوه المطالب
١  مدفع من صنع واختراع محمد بك أبو الدهب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤