الفصل الثاني

أقوال العرب عن جغرافية الأندلس

(١) قول ابن حوقل

قال ابن حوقل الذي خرج راحلًا من مدينة السلام سنة ٣٣١، ووصف جميع ما شاهده؛ وأما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، وطولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة، وتغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال من الرقيق الفاخر والخصب الظاهر، إلى أسباب التملك الفاشية من أكثرهم، ولما هم بها من رغد العيش وسعته وكثرته. يملك ذلك أهل مهنهم وأرباب صنائعهم لقلة مؤنهم وصلاح بلادهم. ويساوي ملكهم بقلة شغله وسقوط تكلفه بشيء يحذره وحال يخافه، إذ لا خوف عليه ولا رقبة لأحد من أهل جزيرته مع عظم مرافقه وجباياته ووفور خزائنه وأمواله. ومما يدل بالقليل منه على كثيره أن سكة دار ضربه على الدنانير والدراهم ضريبتها في كل سنة مائتا ألف دينار، يكون، عن صرف سبعة عشر بدينار، ثلاثة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف درهم، هذا إلى صدقات البلد وجباياته وخراجاته وأعشاره وضماناته ومراصده والأموال المرسومة الواردة والصادرة والجوالي والرسوم على بيوع الأسواق. ومن أعجب أحوال هذه الجزيرة بقاؤها على من هي في يدهم من صغر أحلام أهلها وضعة نفوسهم ونقص عقولهم وبعدهم من البأس والشجاعة والفروسية والبسالة ولقاء الرجال ومراس الأنجاد والأبطال، وعلم موالينا١ عليهم السلام بمحلها في نفسها ومقدار جباياتها ومواقع نعمها ولذاتها.٢
فأما مغرب هذه الجزيرة، فمن مدخل هذا الخليج المذكور٣ ومصب مائه عند البحر المحيط من نواحي «لبلة» (niebla) و«جبل العيون» (Gibraleon) آخذًا على «ألب» Hielba و«شلب» Silves إلى أن يتصل «بشنترة» Cintre ذاهبًا على «سمورة» Zamora وليون Léon وأربونة Narbonne من بلاد جليقية٤ إلى أقاصي (بياض بالأصل). ومشرقها فمن مشرق جليقية إلى الخليج الرومي على نواحي «سرقصة» وضواحي «وسكة»٥ وطرطوشة وجميع بلاد الأفرنجية من جهة البر، وجنوبها الخليج المذكور من تجاه جزيرة صقيلية إلى بلاد بلنسية ومرسية والمرية ومالقة والجزيرة إلى ركن البحر المحيط وأول أرضها المعمورة على الخليج الرومي، فمن أشبيلية إلى طرطوشة وهي آخر المدن التي على البحر المتصلة ببلاد الأفرنجة، ومن جهة البر ببلاد (علجسكس) وهي بلاد حرب من النصارى، ثم تتصل ببلد (بسكونس) وهي أيضًا نصارى، ثم ببلاد الجلالقة، فتنتهي الأندلس إلى حدين: حد إلى دار الكفر، وحد إلى البحر. وما ذكرته من المدن على البحر وغيره فمدن كبار عامرة ولم تزل الأندلس في أيدي بني مروان إلى هذه الغاية. ومن مشاهير مدنها القديمة جيان Jian والأسبانيول يلفظونها الآن خيان (بالخاء على عادتهم في قلب الجيم خاء) وطليطلة (Toledo) ووادي الحجارة (والأسبانيون يكتبونها هكذا Guadalajara وكان العرب يسمونها أيضًا مدينة الفرج) وجميعها قديمة ولم يحدثوا بها بالإسلام غير مدينة بجانة (Pechina) وهي المرية (نقل القلقشندي في صبح الأعشى عن تقويم البلدان أن مدينة مرسية هي إسلامية محدثة بنيت في أيام الأمويين) وهي على حدود رستاق والبيرة وشنترين على ظهر البحر المحيط. وبالأندلس قلاع كثيرة ترد إلى مصر والغرب وأكثر جهازهم الرقيق من الجواري والغلمان، من سبي أفرنجة وجليقية والخدم الصقالبة.
وجميع من على وجه الأرض من الصقالبة الخصيان من جلب٦ الأندلس، لأنهم بها يخصون، ويفعل ذلك بهم تجار اليهود عند قرب البلد. وجمع ما يسبى إلى خراسان من الصقالبة فباق على حالته، ومقد على صورته؛ وذلك أن بلد الصقالبة طويل فسيح، والخليج الآخذ من بحر الروم ممتدًا على القسطنطنية وأطرابزندة يشق بلدهم بالعرض، فنصف بلدهم بالطول يسبيه الخراسانيون، والنصف الشمالي يسبيه الأندلسيون، من جهة جيليقية وأفرنجة وأنكبردة Lombardia وقلورية Galabra وبهذه الديار من سبيهم الكثير باق على حاله.
وريو Rio٧ كورة عظيمة خصيبة، ومدينتها «أرجدونة» ومنها كان عمر ابن حفصون الخارج على بني أمية، وفحص البلوط متصل بديار ابن حفصون كورة واسعة خصيبة. وأسقفة رستاق حسن ومدينته غافق.٨ وبالأندلس غير ضيعة فيها الألوف من الناس لم تمدن. وهم على دين النصرانية روم، وربما عصوا في بعض الأوقات ولجأ قوم منهم إلى حصن، فطال جهادهم لأنهم في غاية العتو والتمرد، وإذا خلعوا ربقة الطاعة صعب ردهم إلا باستئصالهم، وذلك شيء يطول. وماردة وطليطلة من أعظم مدن الأندلس وأشدها منعة٩ وثغور الجلالقة «ماردة» و«نفزة»١٠ و«وادي الحجارة» و«طليطلة». ومدينة الجلالقة مما يلي ثغور الأندلس يقال لها «سمور» (Zamora). وعظيم الجلالقة بمدينة يقال لها «ليون» Léon فيها سلطانهم وعدتهم بعد سمورة، ومدينة يقال لها «أوبيت» (Ovido) وهي بعيدة عن بلد الإسلام، وليس في أصناف الكفر الذين يلون الأندلس (يريد أن يقول أنهم يجاورون الأندلس) أكثر عددًا من الأفرنج، غير أن الذين يلون المسلمين منهم فئة ضعيفة شوكتهم، قليلة عدتهم، وفيهم إذا ملكوا طاعة، وحسن نصيحة، ومحاسن كثيرة، وإليهم يرغب أهل الأندلس عن الجلالقة بأولادهم، والجلالقة أصدق محاسن، وأقل طاعة، وأشد قوة، وأكثر بأسًا وبسالة، وفيهم غدر. وهم في عرض طريق الأفرنجة.
وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة، وليس بجميع المغرب عندي لها شبيه في كثرة أهل وسعة رقعة، وفسحة أسواق، ونظافة محال، وعمارة مساجد، وكثرة حمامات وفنادق. ويزعم قوم من أهلها أنها كأحد جانبي بغداد: وذلك أن عبد الرحمن بن محمد١١ ابتنى في غربها مدينة تعرف بالزهراء في سفح جبل يعرف بجبل «بطلش»١٢ وخط فيها الأسواق، وابتنى الحمامات والخانات والقصور والمتنزهات واجتلب إلى ذلك بناء العامة، وأمر مناديه بالنداء: ألا من أراد أن يبني دارًا أو يتخذ مسكنًا بجوار السلطان فله أربعمائة درهم، فتسارع الناس إلى العمارة، فتكاثفت وتزايدوا فيها، فكادت أن تتصل الأبنية بين قرطبة والزهراء، وانتقلوا ببيت مالهم وديوانهم وخزائنهم. وقد نقل جميع ذلك وأعيد إلى قرطبة تطيرًا منهم بها، وتشاؤمًا بموت رجالهم فيها، ونهب سائر ذخائرهم.
وسمعت من غير ثقة ممن يستنبطن حالهم أن لعبد الرحمن بن محمد، مما اتجه له جمعه من مال الأندلس وجباياتها، من حقوقها وغير واجبها إلى سنة ٣٤٠ نحو عشرين ألف ألف دينار، ولست أشك على ما يوجبه النظر، وتواطأ به الخبر، في ما جمعه الحكم بعد هلاك أبيه، من خدمه والمصادرين الذين كانوا في جملته، وإلى وقتنا هذا عن أسباب الأندلس ولوازمها وجباياتها وخراجها وأعشارها وصدقاتها وجواليها١٣ تمام أربعين ألف ألف دينار. وليس لهذا المال في وقتنا هذا بموضع من مواضع الأرض نظير، غير ما في يد أبي تغلب الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان، فإنه مما يعلمه الخاص والعام بالعراق وديار ربيعة، جمع من تركة أبيه ما يضاهيه ويزيد عليه زيادة بينة.
وقرطبة وإن لم تكن كأحد جانبي بغداد فهي قريبة من ذلك ولاحقة به إن شاء الله، وهي مدينة حصينة ذات سور من حجارة ومحال حسنة، وفيها كان مسكن سلطانهم قديمًا، وداره داخل سورها، وأكثر أبواب هذه الدار مشرعة في البلد من غير جهة. ولها بابان يشرعان في نفس السور إلى الطريق الآخذ على الوادي من الرصافة، والرصافة مساكن أعالي البلد متصلة بأسفلها من ربضها، مشتبكة أبنيتها، محيطة بها، مستديرة عليها من شرقها وشمالها وغربها. فأما الجنوبية منها فهو إلى واديها، وعليها الطريق المعروف بالرصيف، والأسواق والبيوع والخانات والحمامات ومساكن العامة بربضها١٤، ومسجد جامعها جليل في نفس المدينة، والحبس منه قريب، وقرطبة هذه بائنة بنفسها عن مساكن أرباضها ظاهرة، ودرت بها في غير يوم في قدر ساعة، وقد قطعت الشمس خمسة عشر دقيقة ماشيًا.

وللزهراء أيضًا مسجد جامع دون جامع البلد في المحل والقدر والكبر، وعلى سورها سبعة أبواب حديد، وليس لها نظير بالمغرب فخامة حال، وسعة تملك، وابتذالًا لجيد الثياب والكسى، وفراهة كراع، وكثرة حلي، وإن لم يكن لها في عيون كثير من الناس حسن بارع، فليس لجيوشهم حلاوة في العين، ولا علم بأفانين الفروسية وقونينها، ولا بالشجاعة وطرقها. وأكثر ظفر جيوشهم في القتال بالكيد، ومما يدل على ذلك أني لم أر قط بها أحدًا أجرى فرس فاره أو برذون هجين، ورجلاه في الركب، ولا يستطيعون ذلك، ولا بلغني عن أحدهم، وكل ذلك لخوفهم من السقوط إلى فشل فيهم عند لقائهم وتواطؤهم على نزع أرجلهم من ركبهم، ولم تطبق قط جريدة عبد الرحمن، ولا من سبقه من آله، خمسة آلاف فارس، فمن يقبض رزقه ويختم عليه ديوانه لأنه مكفي المؤونة بأهل الثغور، مما ينوبه من كيد العدو الذي يجاوره من الروم، ولا عدو عليه سواهم، وقلما يكترث لهم، وربما طرقه في الأحايين مراكب الروس والترك والصقالبة والبجناكية، وهم جيل من أجيال الترك المجاورين لأرض الخزر والبلغار، فأنكوا في أعمال الأندلس وربما انصرفوا خاسرين.

وبالأندلس غير مجلب من التجارة كالزيبق والرقيق والحديد والرصاص، وضروب من الفرش، كقطع الأرمني الحسن. وعندهم تعمل اللبود المشهورة في جميع الأرض بالجودة والصبغ الحسن، ولهم من الألوان والأصباغ والحشائش التي يلون بها الحرير وأنواع الصوف والثياب ما ليس في بلد من بلدان الأرض له نظير حسنًا وكثرة. فأما أسعارهم فتضاهي النواحي الموصوفة في الرخص، وكثرة فواكههم مع طيبة فيها كالمباحة التي لا ثمن لها. وملابسهم نظيفة، إلى طيب عيش يناله عوامهم وقل من يصير إليه أهله من أهلها إلا على الفاره من المركوب، ولا يعرف فيهم المهنة والمشي إلا أهل الصنائع والأرذال، وأكثر ركوبهم البغال وفيها يتفاخرون وبها يتكاثرون. ولهم منها نتاج في جزائرهم١٥ لم أر مثله في معادن البغال المذكورة، ومواضعها المشهورة، كأرمينية والران، ونتاج برزعة، وباب الأبواب،١٦ وشروان شاه، لأنها توضع عندهم، وتنجب في بلدهم، ويجلب إليهم أيضًا منها شيء حسن الشية، عظيم الخلق، كثير الثمن والطالب من ميورقة، وهي جزيرة في بحرهم منقطعة تلي ناحية الفرنجة، واسعة الخير، كثيرة الثمار، رخيصة الماشية، لكثرة المراعي، غزيرة النتائج والمواشي، معدومة الجوالح، قليلة الآفة، فليس بها عاهة ولا وحش يؤذيهم في سائمتهم، ورأيت منها غير بغل بيع بخمسمائة دينار، وإليها ترغب ملوكهم وإياها يتوطؤن، ويؤثرون فيما يركبون. فأما ما تبلغ قيمته منها مائة والمائتي دينار فأكثر من أن يحصى. وليس ذلك لأنها أزيد على البغال الموصوفة في حسن السير وسرعة المشي، بل لعظم خلقها، وحسن شياتها، واختلاف ألوانها، وجمال مناظرها وعلو ظهورها، وصحة قوائمها.
ذكر المسافات بها من قرطبة إلى «مراد»١٧ مرحلة، ومن مراد إلى «غرغيره»١٨ يوم، ثم إلى أشبيلية يوم، وهي مدينة كثيرة الفواكه والكروم، والتين خاصة، وهي على وادي قرطبة (أي الوادي الكبير). ومن أشبيلية إلى «لبلة»١٩ يومان. وهي مدينة صالحة القدر، عليها سور. ومنها إلى «جبل٢٠ العيون» يومان، وهي مدينة قديمة أزلية كثيرة الخير، ومن جبل العيون إلى «ألب»٢١ ثلاثة أيام، وهي أيضًا مدينة قديمة ذات سور، ومن ألب إلى «أخشنبة»٢٢ وهي مدينة مشهورة عظيمة كثيرة الخير، أربعة أيام، ومن أخشنبه إلى مدينة «شلب»٢٣ ستة أيام، ومن شلب إلى «قصر أبي٢٤ دانس» خمسة أيام، وهي مدينة صالحة خصيبة، ومنها إلى المعدن، وهو فم النهر، إلى مدينة «لشبونة»٢٥ يوم، ومن لشبونة إلى شنترين٢٦ يومان، ومن شنترين إلى «يابرة»٢٧ أربعة أيام، ومن يابرة إلى «جلبانة» يومان، ومن جلبانة إلى «ألبش» يوم، ومن ألبش إلى «بطليوس»٢٨ عدوة النهر، يوم، ومن بطليوس إلى «قنطرة٢٩ السيف» أربعة أيام، ومن قنطرة السيف إلى «ماردة»٣٠ يومان، ومن ماردة إلى «مدلين»٣١ يومان، ومن مدلين إلى «ترجيلة»٣٢ يومان، ومن ترجيلة إلى «قصراش»٣٣ يومان. ومن قصراش إلى «مكناسة» يومان. ومن مكناسة إلى «مخاضة البلاط» يوم، ومن مخاضة البلاط إلى «طلبيرة»٣٤ خمسة أيام، ومن طلبيرة إلى طليطلة ثلاثة أيام. ومن قرطبة إلى بطليوس في جهة المغرب على الجادة ست مراحل. ومن قرطبة إلى بلنسية اثنتا عشرة مرحلة. ومن قرطبة إلى المرية، فرضة بجانة، سبعة أيام، ومن المرية إلى مرسية خمسة أيام.
وجميع هذه المدن المذكورة مشهورة بالغلات والتجارات والكروم والعمارة والأسواق والعيون والحمامات والخانات والمساجد الحسنة، وفيها ما يزيد على بعضها في المحال والجباية والارتفاع والولاة والقضاة والمحلفين على رفع الأخبار، وتأمل الأحوال، وليس بها مدينة غير معمورة، ذات رستاق فسيح إلى كور، إلا ولها ضياع كثيرة، وأكارة واسعة، وماشية وسائمة، وعدة وكراع وعبيد. ومن قرطبة إلى كركويه،٣٥ مدينة فيها منبر ولها أسواق وبها حمامات وفنادق، أربعة أيام، وفي كل ليلة ينزل بقرية آهلة، ومن كركويه إلى «قلعة رباح»٣٦ يوم، وهي مدينة كبيرة ذات سور من حجارة، ولها واد كبير هي عليه، منه شربهم ويزرعون عليه، وبها أسواق وحمامات ومتاجر، والطريق على قرى ذات عمارة.

ومن قلعة رباح إلى «ملقون» مرحلة، وهي مدينة على نهر، لها سور من تراب، وهي دون قلعة رباح في الكبر، ونهرها يعرف باسمها، ومنه شرب أهلها. ومنها إلى «أبلش» مرحلة، وهي قرية فيها فندق وعين منها شربهم آهلة، ومن أبلش إلى طليطلة مرحلة، وطليطلة مدينة كبير جليلة مشهورة، أكبر من بجانة، ذات سور منيع، وهي على وادي تاجه، وعليه قنطرة عظيمة، ويقال إن طولها خمسون باعًا، ويصير واديها إلى الوادي المنصب إلى شنترة.

ومن طليطلة إلى «مغام»٣٧ مرحلة، وهي قرية كبير بها معدن الطفل الأندلسي، ومن مغام إلى «الغرا» مرحلة، وهي مدينة كبيرة ذات سوق ومحال وتكون نحو وادي آش. ومن الغرا إلى وادي الحجارة، وهي مدينة كبيرة، وثغر مشهور الحال مسور بحجارة، وهي ذات أسواق وفنادق وحمامات وحاكم ومحلف وبها تسكن ولاة الثغور كأحمد بن يعلى وغالب، وعليها أكثر جهاد جليقية، ومنها إلى «شعراء القوارير» مرحلة، وبها منهل تنزله الرفاق، ومن شعراء القوارير إلى «مدينة سالم» مرحلة، ومن مدينة سالم إلى مدينة غالب بن عبد الرحمن، ولها سور عظيم ورساتيق وإقليم واحد وماشية، رفهة في جميع أسبابها، وهي أكثر الأندلس حربًا وغزوًا. انتهى كلام ابن حوقل.

(٢) قول ياقوت الحموي

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان:

قال ابن حوقل التاجر الموصلي، وكان قد طوف البلاد، وكتب ما شاهده: أما الأندلس فجزيرة كبيرة، فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر، في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال. وعرض فم الخليج الخارج من البحر المحيط قد اثني عشر ميلًا، بحيث يرى أهل الجانبين بعضهم بعضًا ويتبينون زروعهم وبيادرهم. قال: وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس. وإلى «طبرقة» إلى «جزائر مزغناي» ثم إلى «أنكور» ثم إلى «سبتة» ثم إلى «أريلي» ثم إلى البحر المحيط. وتتصل الأندلس في البر الأصغر من جهة جليقية، وهو جهة الشمال، ويحيط بها الخليج المذكور من بعض مغربها وجنوبها، والبحر المحيط من بعض شمالها وشرقها من حد الجلالقة على كورة «شنترين»٣٨ إلى «لشبونة»٣٩ ثم إلى جبل الغور، ثم إلى ما لديه من المدن إلى جزيرة جبل طارق، المحاذي لسبته، ثم إلى «مالقة» ثم إلى «المرية» فرضة «بجانة»٤٠ ثم إلى بلاد «مرسية»٤١ ثم إلى «طرطوشة»٤٢ ثم تتصل ببلاد الكفر مما يلي البحر الشرقي في ناحية أفرنجة، ومما يلي الغرب ببلاد «علجسكس»٤٣ وهم جيل من الأنكبرد٤٤ ثم إلى بلاد «بسكونس»٤٥ ورومية الكبرى في وسطها، ثم ببلاد الجلالقة حتى تنتهي إلى البحر المحيط.
ووصفها بعض الأندلسيين بأتم من هذا وأحسن. وأنا أذكر كلامه على وجهه قال: هي جزيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلث، قد أحاط بها البحران المحيط والمتوسط، وهو خليج خارج من البحر المحيط، قرب سلا من بر البربر، فالركن الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس،٤٦ وعنده مخرج البحر المتوسط الذي يمتد إلى الشام، وذلك من قبلي الأندلس، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة «أربونة»٤٧ ومدينة «برديل»٤٨ وهي اليوم بيد الأفرنج بإزاء جزيرتي «ميورقة» و«منورقة» مجاورة من البحرين المحيط والمتوسط ومدينة أربونة تقابل البحر المتسوط، ومدينة برديل تقابل البحر المحيط. والركن الثالث هو ما بين الجنوبي والغربي من حيز جليقية، حيث الجبل الموفى على البحر، وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو البلد الطالع على بريطانية٤٩. فالضلع الأول منها أوله حيث مخرج البحر المتوسط الشامي من البحر المحيط، وهو أول الزقاق في موضع يعرف بجزيرة طريف من بر الأندلس يقابل قصر مصمودة بإزاء سلا في الغرب الأقصى من البر المتصل بأفريقية وديار مصر، وعرض الزقاق ههنا اثنا عشر ميلًا، ثم تمر في القبلة إلى الجزيرة الخضراء من بر الأندلس المقابلة لمدينة سبتة. وعرض الزقاق ههنا ثمانية عشر ميلًا. وطوله في هذه المسافة إلى ما بين جزيرة طريف وقصر مصمودة إلى المسافة لتي ما بين الجزيرة الخضراء وسبتة نحو العشرين ميلًا. ومن ههنا يتسع البحر الشامي إلى جهة المشرق، ثم يمر من الجزيرة الخضراء إلى مدينة «مالقة»٥٠ إلى حصن «المنكب»٥١ إلى مدينة «المرية»٥٢ إلى قرطاجة٥٣ الخلفاء، حتى تنتهي إلى جبال «قاعون»٥٤ الموفى على مدينة «دانية»٥٥ ثم ينعطف من دانية إلى شرقي الأندلس، إلى حصن «قليره»٥٦ إلى بلنسية. ويمتد كذلك شرقًا إلى «طركونة»٥٧ إلى «برشلونة»٥٨ إلى «أربونة» إلى البحر الرومي، وهو الشامي، وهو المتوسط.
figure
مرور العرب لأول مرة من المغرب إلى الأندلس سنة ٧١٠ ب.م.
والضلع الثاني مبدؤه كما تقدم من جزيرة «طريف»٥٩ إلى «طرف الأغر»٦٠ إلى جزيرة «قادس»٦١ وههنا أحد أركانها. ثم يمر من قادس إلى بر المائدة،٦٢ حيث يقع نهر أشبيلية في البحر، ثم إلى جزيرة «شلطيش»٦٣ إلى وادي «يانة»٦٤ إلى «طبيرة»،٦٥ ثم إلى «شنترية»٦٦ إلى «شلب»،٦٧ وهنا عطف إلى أشبونة وشنترين، وترجع إلى طرف العرف، مقابل شلب. وقد يقطع البحر من شلب إلى طرف العرف مسيرة خمسين ميلًا، وتكون أشبونة وشنترة وشنترين على يمين من حوز طرف العرف، وهو جبل منيف داخل في البحر نحو أربعين ميلًا، وعليه كنيسة الغراب٦٨ المشهورة، ثم يدور من طرف العرف مع البحر المحيط فيمر على حوز «الريحانة» وحوز «المدرة» وسائر تلك البلاد مائلًا إلى الجوف،٦٩ وفي هذا الحيز هو الركن الثاني.
والضلع الثالث ينعطف في هذه الجهات من الجنوب إلى الشرق، فيمر على بلاد جليقية وغيرها حتى ينتهي إلى مدينة برديل (Bordeaux) على البحر المحيط المقابل لأربونة على البحر المتوسط، وهنا هو الركن الثالث، وبين أربونة وبرديل الجبل الذي فيه هيكل الزهرة الحاجز بين الأندلس وبين بلاد أفرنجة العظمى، ومسافته من البحر نحو يومين للقاصد. ولولا هذا الجبل لالتقى البحران، ولكانت الأندلس جزيرة منقطعة عن البر، فاعرف ذلك! فإن بعض من لا علم له يعتقد أن الأندلس يحيط بها البحر في جميع أقطارها لكونها تسمى جزيرة، وليس الأمر كذلك، وإنما سميت جزيرة بالغلبة، كما سميت جزيرة العرب وجزيرة «أقور»٧٠ وغير ذلك وتكون مسيرة دورها أكثر من ثلاثة أشهر، ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مقدار يومين كما ذكرنا وفي هذا الجبل المدخل المعروف بالأبواب٧١ الذي يدخل منه من بلاد الأفرنج إلى الأندلس، وكان لا يرام ولا يمكن أحدًا أن يدخل منه لصعوبة مسلكه فذكر بطليموس أن قلو بطرة، وهي امرأة كانت آخر ملوك اليونان، أول من فتح هذه الطريق وسهلها بالحديد والخل.
قلت: ولولا خوف الإضجار والإملال لبسطت القول في هذه الجزيرة، فوصفها كثير، وفضائلها جمة، وفي أهلها أئمة وعلماء، وزهاد، ولهم خصائص كثيرة، ومحاسن لا تحصى، وإتقان لجميع ما يصنعونه، مع غلبة سوء الخلق على أهلها، وصعوبة الانقياد.٧٢ وفيها مدن كثيرة، وقرى كبار، يجيء ذكرها في أماكنها من هذا الكتاب حسب ما يقتضيه الترتيب إن شاء الله تعالى، وبه العون والعصمة.. انتهى كلام ياقوت في المعجم.

(٣) قول الشريف الإدريسي

وقال الشريف الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق» وهو أشهر جغرافية عربية – الكلام الآتي:

الجزء الأول من الإقليم الرابع مبدأوه من المغرب الأقصى حيث البحر المظلم، ومنه يخرج خليج البحر الشامي مارًا إلى المشرق، وفي هذا البحر المرسوم بلاد الأندلس المسماة باليونانية «أشبانية» وسميت جزيرة الأندلس بجزيرة لأنها شكل مثلث، وتضيق من ناحية المشرق حتى يكون بين البحر الشامي والبحر المظلم المحيط بجزيرة الأندلس ٥ أيام. ورأسها العريض نحو من ١٧ يومًا. وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية انتهاء المعمور من الأرض، محصور في البحر المظلم، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم٧٣ ولا وقف بشر منه على خبر صحيح، لصعوبة عبوره، وظلام أنواره وتعاظم أمواجه، وكثرة أهواله، وتسلط دوابه، وهيجان رياحه، وبه جزائر كثيرة، ومنها معمورة ومغمورة. وليس أحد من الربانين يركبه عرضًا ولا ملججًا، وإنما يمر منه بطول الساحل، ولا يفارقه. وأمواج هذا البحر تندفع منفلقة كالجبال، لا ينكسر ماؤها، وإلا فلو تكسر موجه لما قدر أحد على سلوكه. والبحر الشامي٧٤ فيما يحكى كان بركة منحازة مثل ما هو عليه الآن بحر طبرستان٧٥ لا تتصل مياهه بشيء من مياه البحر.
وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار. وأهل الأندلس أيضًا يكابدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة، إلى أن كان زمان الإسكندر٧٦ ووصل إلى أهل الأندلس، فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس، فأحضر الفعلة والمهندسين، وقصد مكان الزقاق وكان أرضًا جافة، فأمر المهندسين بوزن الأرض، ووزن سطوح ماء البحرين، ففعلوا ذلك فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بشيء يسير، فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام، ونقلها من أخفض إلى أرفع. ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين طنجة وبلاد الأندلس، فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض، وبنى عليها رصيفًا بالحجر والجيار أفراغًا، وكان طول البناء ١٣ ميلًا، وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد، وبنى رصيفًا آخر يقابله مما يلي أرض طنجة. وكان بين الرصيفين سعة ستة أميال فقط. فلما أكمل الرصيفين حفر للماء من جهة البحر الأعظم، فمر ماؤه بسيله وقوته بين الرصيفين، ودخل البحر الشامي، ففاض ماؤه، وهلكت مدن كثيرة كانت على الشطين معًا، وغرق أهلها، وطغى الماء على الرصيفين نحو ١١ قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر، في جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهورًا بينًا، طوله على خط مستقيم (هنا لم نتبين الكتابة) وقد رأيناه عيانًا، وجرينا على طوله مع هذا البناء. وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة، ووسط هذا البناء يوافق الموضع الذي فيه حجر الأيل على البحر.
وأما الرصيف الآخر الذي بناه الإسكندر في جهة بلاد طنجة، فإن الماء حمله في صدره، واحتفر ما خلفه من الأرض،٧٧ وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتى الناحيتين. وطول هذا المجاز المسمى بالزقاق ١٣ ميلًا، وعلى طرفه من جهة المشرق المدينة المسماة بالجزيرة الخضراء، وعلى طرفه من ناحية المغرب المدينة المسماة بجزيرة طريف. ويقابل جزيرة طريف في الضفة الثانية من البحر المسمى مرسى القصر المنسوب لمصمودة، ويقابل الجزيرة الخضراء في تلك العدوة مدينة سبتة. وعرض البحر بين سبتة والجزيرة الخضراء ١٨ ميلًا، وعرض البحر بين جزيرة طريف وقصر مصمودة ١٣ ميلًا وهذا البحر في كل يوم وليلة يجزر مرتين، ويمتلئ مرتين، فعلًا دائمًا، ذلك تقدير العزيز الحكيم.
وأما على ضفة البحر الكبير من المدن الواقعة في هذا البحر المرسوم فهي «طنجة» و«سبتة» و«نكور» و«بادس» و«المزمة» و«مليلة» و«هنين» و«بنو وزار» و«وهران» و«مستفانم» فأما مدينة سبتة فهي تقابل الجزيرة الخضراء، وهي سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض معمورة، طولها من المغرب إلى المشرق نحو ميل، ويتصل بها من جهة المغرب، وعلى ميلين منها، جبل موسى وهذا الجبل منسوب لموسى بن نصير، وهو الذي كان على يديه افتتاح الأندلس في صدر الإسلام، وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة، وقصب سكر، وأترج يتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد، لكثرة الفواكه بها. ويسمى هذا المكان الذي جمع هذا كله (بليونش).٧٨ وبهذا الموضع مياه جارية، وعيون مطردة، وخصب زائد، ويلي المدينة من جهة المشرق جبل عال يسمى «جبل المنية»٧٩ وأعلاه بسيط، وعلى أعلاه سور بناه محمد بن أبي عامر عند ما أجاز إليها من الأندلس وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل فمات عند فراغه من بنيان أسوارها، وعجز أهل سبتة عن الانتقال إلى هذه المدينة المسماة بالمنية، فمكثوا في مدينتهم، وبقيت المنية خالية، وأسوارها قائمة، وقد نبت حطب الشعراء فيها. وفي وسط المدينة بأعلى الجبل عين ماء لطيفة لكنها لا تجف البتة، وهذه الأسوار التي تحيط بمدينة المنية تظهر من عدوة الأندلس لشدة بياضها. ومدينة سبتة سميت بهذا الاسم لأنها جزيرة منقطعة، والبحر يطيف بها من جميع جهاتها، إلا من ناحية المغرب، فإن البحر يكاد يلتقي بعضه ببعض هناك، ولا يبقى بينهما إلا أقل من رمية سهم، واسم البحر الذي يليها شمالًا بحر الزقاق، والبحر الآخر الذي يليها في جهة الجنوب يقال له بحر بسول، وهو مرسى حسن يرسي فيه فيكن من كل ريح.

وبمدينة سبتة مصايد للحوت ولا يعدلها بلد في إصابة الحوت وجلبه، ويصاد بها من السمك نحو من مائة نوع، ويصاد بها السمك المسمى بالتنين الكبير، وصيدهم له يكون زرقًا بالرماح وهذه الرماح لها في أسنتها أجنحة بارزة تنشب في الحوت ولا تخرج، وفي أطراف عصيها شرائط القنب الطوال، ولهم في ذلك دربة وحكمة سبقوا فيها جميع الصيادين.

ويصاد بمدينة سبتة شجر المرجان الذي لا يعدله صنف من صنوف المرجان المستخرج بجميع أقطار البحار. وبمدينة سبتة سوق لتفصيله وحكه وصنعه خرزًا وثقبه وتنظيمه، ومنها يتجهز به إلى سائر البلاد، وأكثر ما يحمل إلى «غانة» وجميع بلاد السودان، لأنه في تلك البلاد يستعمل كثيرًا. ومن مدينة سبتة إلى قصر مصمودة في الغرب ١٣ ميلًا وهو حصن كبير على ضفة البحر، تنشأ به المراكب والحراريق التي يسافر فيها إلى بلاد الأندلس، وهي على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس ومن قصر مصمودة إلى مدينة طنجة غربًا ٢٠ ميلًا. ومدينة طنجة قديمة أزلية، وأرضها منسوبة إليها، وهي على جبل عال مطل على البحر، وسكنى أهلها منه في سند الجبل إلى ضفة٨٠ البحر، وهي مدينة حسنة لها أسواق وصناع، وفعلة وبها إنشاء المراكب، وبها أقلاع وحط، وهي على أرض متصلة بالبر فيها مزارع وغلات وسكانها برابر ينسبون إلى صهاجة. ومن مدينة طنجة ينعطف البحر المحيط الأعظم آخذًا في جهة الجنوب إلى أرض «تشمس» وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة يشرف على نهر «سفدر» وبينها وبين البحر نحو ميل، ولها قرى عامرة بأصناف من البربر، وقد أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم. ومن تشمس إلى قصر عبد الكريم، وهو على مقربة من البحر، وبينه وبين طنجة، يومان، وقصر عبد الكريم مدينة صغيرة على ضفاف نهر «لكس» وبها أسواق على قدرها يباع بها ويشترى، والأرزاق بها كثيرة والرخاء بها شامل. ومن مدينة طنجة إلى مدينة «أزيلا» مرحلة خفيفة جدًا، وهي مدينة صغيرة جدًا، وما بقي منها الآن إلا نزر يسير، وفي أرضها أسواق قريبة، وأزيلا هذه، يقال أصيلا، عليها سور. وهي متعلقة على رأس الخريج المسمى بالزقاق، وشرب أهلها من مياه الآبار. وعلى مقربة منها في طريق القصر مصب نهر سقدد، وهو نهر كبير عذب تدخله المراكب، ومنه يشرب أهل تشمس التي تقدم ذكرها. وهذا الوادي أصله من مائين يخرج أحدهما من بلد «دنهاجة» من جبل «البصرة» والماء الثاني من بلد كتامة، ثم يلتقيان، فيكون منهما نهر كبير. وفي هذا النهر يركب أهل البصرة في مراكبهم بأمتعتهم حتى يصلوا البحر فيسيروا فيه حيث شاءوا. وبين تشمس والبصرة دون المرحلة على الظهر. والبصرة٨١ كانت مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالحصين، ولها قرى وعمارات وغلات، وأكثر غلاتها القطن والقمح، وسائر الحبوب بها كثيرة، وهي عامرة الجهات، وهواؤها معتدل، وأهلها أعفاء، ولهم جمال وحسن أدب. وعلى نحو ١٨ ميلًا مدينة «باب أقلام»٨٢ وهي من بناء عبد الله بن إدريس، بين جبال وشعار متصلة، والمدخل إليها من مكان واحد. وبالجملة فإنها خصيبة وكثيرة المياه والفواكه، وعلى مقربة منها مدينة «قرت» وهي على سفح جبل منيع، لا سور عليها، ولها مياه كثيرة وعمارات متصلة. وأكثر زراعاتهم القمح والشعير وأصناف الحبوب. وكل هذه البلاد منسوبة إلى بلاد طنجة ومحسوبة منها. وفي جنوب البصرة على نهر «سبو» الآتي من ناحية فاس قرية كبيرة كالمدينة الصغيرة يقال لها «ماسنة» وكانت قبل هذا مدينة لها سور وأسواق وهي الآن خراب. وعلى مقربة منها مدينة «الحجر» وكانت مدينة محدثة لآل إدريس، وهي على جبل شامخ الذرى، حصينة منيعة، لا يصل أحد إليها إلا من طريق واحد، والطريق صعب المجاز، يسلكه الرجل بعد الرجل، وهي خصيبة رفهة كثيرة الخيرات، وماؤها فيها، ولها بساتين وعمارات، ومن مدينة سبتة السابق ذكرها بين جنوب وشرق إلى حصن «تطاون» مرحلة صغيرة، وهو حصن في بسيط الأرض، وبينه وبين البحر الشامي خمسة أميال. وتسكنه قبيلة من البربر تسمى مجكسة.٨٣ ومنه إلى «أنزلان» وهو مرسى فيه غمارة، نحو من ١٥ ميلًا وأنزلان مرسى عامر، وهو أول بلاد غمارة. وبلاد غمارة جبال متصلة بعضها ببعض كثيرة الشجر والغياض وطولها نحو من ثلاثة أيام. ويتصل بها من ناحية الجنوب جبال «الكواكب» وهي أيضًا جبال عامرة كثيرة الخصب، وتمتد في البرية مسيرة ثلاثة أيام حتى تنتهي قرب مدينة فاس. وكان يسكنها غمارة إلى أن طهر الله منهم الأرض، وأفنى جمعهم، وخرب ديارهم، لكثرة ذنوبهم، وضعف إسلامهم وكثرة جرأتهم، وإصرارهم على الزنا المباح، والمواربة الدائمة، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، وذلك من الله جزاء الظالمين. وبين سبتة وفاس على طريق «زجان» ثمانية أيام. وعلى مقربة من أنزلان حصن «تقساس» على البحر، وبينهما نصف يوم، وهو حصن معمور في غمارة، لكن أهله بينهم وبين غمارة حرب دائمة، ومن تقساس إلى قصر «تاركا» وله مرسى. ومنه إلى حصن «مسيكاسه» نصف يوم. وهو لغمارة. ومن مسيكاسة إلى حصن «كركال» ١٥ ميلًا، وهو أيضًا لغمارة. ومن حصن كركال إلى مدينة «بادس» مقدار نصف يوم، وبادس مدينة متحضرة فيها أسواق وصناعات قلائل، وغمارة يلجأون إليها في حوائجهم، وهي آخر بلاد غماره، ويتصل بها هناك طرف الجبل، وينتهي طرفه الآخر في جهة الجنوب، إلى أن يكون بينه وبين بلد بني «تاوده» أربعة أميال، وكان بهذا الجبل قوم من أهل «مزكلدة» أهل جرأة وسفاهة وتجاسر على من جاورهم، فأبادهم سيف الفتنة، وأراح الله منهم. ومن مدينة بادس إلى مرسى «بوزكور» ٢٠ ميلًا، وكانت مدينة فيما سلف لكنها خربت ولم يبق لها رسم، وتسمى في كتب التواريخ «نكور» وبين بوز كور وبادس جبل متصل يعرف بالأجراف، ليس فيه مرسى، ومن بوزكور إلى المزمة ٢٠ ميلًا، وكانت به قرية عامرة ومرسى توسق المراكب منه. ومن المزمة إلى واد بقربها، ومنه إلى طرف «ثغلال» ١٢ ميلًا. وهذا الطرف يدخل في البحر كثيرًا، ومنه إلى مرسى «كرط» ٢٠ ميلًا وبشرقي كرط واد يأتي من جهة «صاع» ومن كرط إلى طرف جون داخل في البحر ٢٠ ميلًا، ومن كرط إلى مدينة «مليلة» في البحر ١٢ ميلًا، وفي البر ٢٠ ميلًا.

ومدينة مليلة مدينة حسنة متوسطة ذات سور منيع وحال حسنة على البحر، وكان لها قبل هذا عمارات متصلة وزراعات كثيرة، ولها بئر فيها عين ألزلية كثيرة الماء ومنها شربهم، ويحيط بها من قبائل البربر بطون بطوية.

ومن مليلة إلى مصب الوادي الذي يأتي من «آقرسيف» ٢٠ ميلًا، وأمام مصب هذا النهر جزيرة صغيرة. ويقابل هذا الموضع من البرية مدينة «جراو» ومن مصب وادي آقرسيف إلى مرسى «تافركنيت» على البحر، وعليه حصن منيع صغير ٤٠ ميلًا. ومن تافركنيت إلى حصن تابحريت ثمانية أميال، وهو حصن حصين، حسن عامر آهل وله مرسى مقصود. ومن تابحريت إلى «هنين» على البحر ١١ ميلًا ومنها إلى «تلمسان» في البر ٤٠ ميلًا. وفيما بينهما مدينة «ندرومة» وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة، ذات سور وسوق، موضعها في سند، ولها مزارع ولها واد يجري في شرقيها، وعليه بساتين وجنات وعمارة وسقي كثير.

وهنين مدينة حسنة صغيرة في نحر البحر، وهي عامرة، عليها سور متقن وأسواق وبيع وشراء، وخارجها زراعات كثيرة، وعمارات متصلة، ومن هنين على الساحل إلى مرسى «الوردانية» ستة أميال، ومنها إلى جزيرة «القشقار» ثمانية أميال، ومنها إلى جزيرة «إرشقول» ويروي «أرجكون» وكانت فيما سلف حصنًا عامرًا له مرسى وبادية وسعة في الماشية والأموال السائمة، ومرساها في جزيرة فيها مياه ومواجل كثيرة للمراكب، وهي جزيرة مسكونة، ويصب بحذائها نهر ملوية ومن مصب الوادي إلى حصن «أسلان» ستة أميال على البحر، ومنه إلى طرف خارج في البحر ٢٠ ميلًا، ويقابل الطرف في البحر جزيرة الغنم، وبين جزائر الغنم وأسلان ١٢ ميلًا. ومن جزائر الغنم إلى بني وزار ١٧ ميلًا، وبنو وزار حصن منيع في جبل على البحر، ومنه إلى «الدفالي» وهو طرف خارج في البحر ١٢ ميلًا، ومن طرف الدفالي إلى طرف «الحرشة» ١٢ ميلًا، ومنه إلى «وهران» ١٢ ميلًا. وقد ذكرنا وهران وأحوالها فيما صدر من ذكر الإقليم الثالث، والله المستعان.

فلنرجع الآن إلى ذكر الأندلس ووصف بلادها، ونذكر طرقاتها، وموضوع جهاتها، ومقتضى حالاتها، ومبادئ أوديتها، ومواقعها من البحر، ومشهور جبالها وعجائب بقعها، ونأتي من ذلك بما يجب بعون الله تعالى فنقول:

أما الأندلس في ذاتها فشكل مثلث يحيط بها البحر من جميع جهاتها الثلاث، فجنوبها يحيط به البحر الشامي، وغربها يحيط به البحر المظلم، وشمالها يحيط به بحر الأنقليشيين٨٤ من الروم. والأندلس طولها من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى بهيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميل، وعرضها من كنيسة «شنت ياقوب»٨٥ التي على أنف بحر الأنقليشيين إلى مدينة المرية التي على بحر الشام ستمائة ميل.
figure
مدينة شانت باقب أفدس بلدة عند الاسبانيين.
figure
منتزه في شانت باقب.
وجزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى الشارات٨٦ وفي جنوب هذا الجبل تأتي مدينة طليطلة. ومدينة طليطلة مركز لجميع بلاد الأندلس وذلك أنها منها إلى مدينة قرطبة، بين غرب وجنوب، تسع مراحل، ومنها إلى لشبونة غربًا تسع مراحل، ومن طليطلة إلى شنت ياقوب على بحر الأنقليشيين تسع مراحل، ومنها إلى «جاقة»٨٧ شرقًا تسع مراحل، ومنها إلى مدينة بلنسية بين شرق وجنوب، تسع مراحل، ومنها أيضًا إلى مدينة المرية على البحر الشامي تسع مراحل.
figure
برج سرافوس (بلنسية).

ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم مدينة الملك ومدارًا لولاتها، وبها وجدت مائدة سليمان بن داود، مع جملة ذخائر يطول ذكرها. وما خلف الجبل المسمى بالشارات في جهة الجنوب يسمى أشبانية، وما خلف الجبل في جهة الشمال يسمى قشتالة. ومدينة طليطلة في وقتنا هذا يسكنها سلطان الروم القشتاليين.

figure
منتزه النخل (بلنسية).
والأندلس المسماة أشبانية أقاليم عدة، ورساتيق جملة، وفي كل إقليم منها عدة مدن نريد أن نأتي بذكرها مدينة مدينة بحول الله تعالى. ولنبدأ الآن منها بإقليم البحيرة٨٨ وهو إقليم مبدأه من البحر المظلم، ويمر مع البحر الشامي، وفيه من البلاد جزيرة طريف، والجزيرة الخضراء، وجزيرة قادس، وحصن «أركشن»٨٩ و«بكة»٩٠ و«شريش»،٩١ و«طشانة»،٩٢ «مدينة ابن السليم»،٩٣ وحصون كثيرة كالمدن عامرة، وسنأتي بها في موضوعها.
ويتلوه إقليم «شذونة»،٩٤ وهو من إقليم البحيرة شمالًا، وفيه من المدن مدينة «أشبيلية»،٩٥ ومدينة «قرمونة»،٩٦ و«غلسانة»،٩٧ وحصون كثيرة. ويتلوه إقليم الشرف، وهو ما بين أشبيلية و«لبلة»٩٨ والبحر المظلم، وفيه من المعاقل «حصن القصر»٩٩ ومدينة لبلة و«ولبة»١٠٠ وجزيرة «شلطيش»١٠١ وجبل العيون. ثم يليه إقليم «الكتبانية»١٠٢ وفيه من المدن قرطبة و«الزهراء»١٠٣ و«استجة»١٠٤ و«بيانة»١٠٥ و«وقبرة»١٠٦ و«اليسانة»١٠٧ وبه جملة حصون كبار سنذكرها بعد هذا. ويلي إقليم الكنبانية إقليم «أشونة»١٠٨ وفيه حصون عامرة كالمدن، منها لورقة وأشونة وهو أقليم صغير. ويليه مع الجنوب إقليم «رية»١٠٩ وفيه من المدن مدينة مالقة و«أرشذونة»١١٠ و«مربلة»١١١ و«ببشطر»١١٢ و«ليسكنصاد»١١٣ وغير هذه من الحصون. ويتلو هذا الإقليم «البشارات»١١٤ وفيه من المدن «جيان»١١٥ وجملة حصون وقرى كثيرة تشف على ستمائة قرية، يتخذ بها الحرير. ثم إقليم «بجانة»١١٦ وفيه من المدن «المرية»١١٧ و«برجة»١١٨ وحصون كثيرة منها «مرشانة»١١٩ و«برشانة»١٢٠ و«طرجالة»١٢١ و«بالش»١٢٢ ويتلوه في جهة الجنوب إقليم «البيرة»١٢٣ وفيه من المدن «أغرناطة»١٢٤ و«وادي آش»١٢٥ و«المنكب»١٢٦ وحصون وقرى كثيرة.
figure
صورة مرسى قرطاجنة.
ومنها إقليم «فريرة»١٢٧ وهو يتصل بإقليم البشارات، وفيه مدينة «بسطة»١٢٨ وحصن «تشكر»١٢٩ الموصوف بالمنعة. وفيه حصون كثيرة وسنأتي بها بعد. ثم كورة «تدمير»١٣٠ وفيها من المدن «مرسية»١٣١ و«أوريولة»١٣٢ و«قرطاجنة»،١٣٣ و«لورقة»١٣٤ و«مولة»١٣٥ و«جنجالة»١٣٦ ويتصل بكورة «كونكة»١٣٧ وفيها «الش»١٣٨ و«القنت»١٣٩ و«شقورة»١٤٠ ويليه إقليم «أرغيرة» (؟) وفيه من البلاد «شاطبة»١٤١ و«شقر»١٤٢ و«دانية»١٤٣ وفيه حصون كثيرة.
figure
مدينة قرطاجنة.
ويليه إقليم مرباطر وفيه من البلاد «بلنسية»١٤٤ و«مرباطر»١٤٥ و«بريانة»١٤٦ وحصون كثيرة. ويليه مع الجوف إقليم «القواطم»١٤٧ وفيه من البلاد «الفنت»١٤٨ و«شنت١٤٩ ماريه» المنسوبة لابن رزين. ويتصل به إقليم «الولجة»١٥٠ وفيه من البلاد «سرتة»١٥١ و«قلعة رباح»١٥٢ و«فتة»١٥٣ ويلي هذا الإقليم إقليم «البلالطة».١٥٤ وفيه حصون كثيرة منها ومن أكبرها «بطروش»١٥٥ و«غافق»١٥٦ وحصن ابن هارون (؟) وغيرها دونها في الكبر.
figure
الساقية العتيقة (الش).
ويلي هذا الإقليم غربًا إقليم «الفقر» (؟) وفيه من البلاد «شنت١٥٧ مارية» و«مارتلة»١٥٨ و«شلب»١٥٩ وحصون كثيرة وقرى. ويلي هذا الإقليم إقليم «القصر»١٦٠ وفيه القصر المنسوب «لأبي دانس» وفيه «يابرة»١٦١ و«بطليوس»١٦٢ و«شريشة»١٦٣ و«ماردة»١٦٤ و«قنطرة١٦٥ السيف» و«قورية».١٦٦
figure
غيضة من غياض الش.
ويليه إقليم البلاط وفيه مدينة «البلاط»١٦٧ ومدلين.١٦٨ ويلي هذا الإقليم إقليم بلاطة١٦٩ وفيه «شنترين» و«لشبونة» و«شنترة» ويليه إقليم الشارات وفيه «طلبيرة»١٧٠ و«طليطلة»١٧١ و«مجريط»١٧٢ و«الفهمين»١٧٣ و«وادي الحجارة»١٧٤ و«أقليش»١٧٥ و«وبذة»١٧٦ ويليه أيضًا إقليم «أرنيط»١٧٧ وفيه من البلاد «قلعة أيوب»١٧٨ وقلعة «دروقة»١٧٩ ومدينة «سرقسطة»١٨٠ و«وشقة»١٨١ و«تطيلة»١٨٢ ثم يليه إقليم الزيتون وفيه «جاقة»١٨٣ و«لاردة»١٨٤ و«مكناسة»١٨٥ و«أفراغه»١٨٦ ويليه إقليم «البرتات»١٨٧ وفيه «طرطوشة»١٨٨ و«طركونة»١٨٩ و«برشلونة»١٩٠ ويلي هذا الإقليم غربًا إقليم «مرمرية»١٩١ وفيه حصون خالية، ومما يلي البحر حصن «طشكره»١٩٢ و«كشتالي»١٩٣ و«كتندة»١٩٤ فهذه كلها أقاليم أشبانية المسمى جملتها بالأندلس.
figure
مرسى القنت.
figure
منتزه راميرو (القنت).
فأما جزيرة «طريف»١٩٥ فهي على البحر الشامي، في أول المجاز المسمى، بالزقاق، ويتصل غربها ببحر الظلمة. وهي مدينة صغيرة، عليها سور تراب، ويشقها نهر صغير، وبها أسواق وفنادق وحمامات، وأمامها جزيرتان صغيرتان تسمى إحداهما «القنتير»١٩٦ وهما على مقربة من البر. ومن جزيرة طريف إلى الجزيرة الخضراء ثمانية عشر ميلًا، تخرج من الجزيرة إلى «وادي١٩٧ النساء» وهو نهر جار، ومنه إلى الجزيرة١٩٨ الخضراء وهي مدينة متحضرة لها سور حجارة مفرغ بالجيار، ولها ثلاثة أبواب ودار صناعة داخل المدينة، ويشقها نهر يسمى نهر العسل، وهو حلو عذب، ومنه شرب أهل المدينة، ولهم على هذا النهر بساتين وجنات بكلتي ضفتيه معًا. وبالجزيرة الخضراء إنشاء وإقلاع وحط، وبينها وبين مدينة سبتة مجاز البحر، وعرضه هنالك ثمانية عشر ميلًا. وأمام المدينة جزيرة تعرف بجزيرة «أم حكيم» وبها أمر عجيب، وهو أن فيها بئرًا عميقة كثيرة الماء حلوة، والجزيرة في ذاتها صغيرة مستوية السطح، يكاد البحر يركبها١٩٩ والجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحت من الأندلس في صدر الإسلام، وذلك في سنة ٩٠ من الهجرة، وافتتحها موسى بن نصير من قبل المروانيين، ومعه طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي، ومعه قبائل البربر. فكانت هذه الجزيرة أول مدينة افتتحت في ذلك الوقت، وبها على باب البحر مسجد يسمى بمسجد الرايات، ويقال إن هناك اجتمعت رايات القوم للرأي، وكان وصولهم إليها من جبل طارق وإنما سمي جبل طارق لأن طارق٢٠٠ بن عبد الله بن ونموا الزناتي لما جاز بمن معه من البرابر وتحصنوا بهذا الجبل، أحس في نفسه أن العرب لا تثق به، فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها، فتبرأ بذلك عما اتهم به.
figure
صورة طرا كونة من كتلونية.
وبين هذا الجبل والجزيرة الخضراء ستة أميال، وهو جبل منقطع عن الجبال، مستدير، في أسفله من جهة البحر كهوف، وفيها مياه قاطرة جارية، وبمقربة منه مرسى يعرف بمرسى الشجرة. ومن الجزيرة الخضراء إلى مدينة أشبيلية خمسة أيام. وكذلك من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة خمس مراحل خفاف، وهي مائة ميل. ومن الجزيرة الخضراء إلى مدينة أشبيلية طريقان طريق في الماء، وطريق في البر، فأما طريق الماء فمن الجزيرة الخضراء إلى الرمال في البحر، إلى موقع نهر «برباط»٢٠١ ٢٨ ميلًا، ثم إلى موقع نهر «بكة»٢٠٢ ستة أميال، ثم إلى الحلق المسمى «شنت٢٠٣ بيطر» ١٢ ميلًا، ثم إلى «القناطر»٢٠٤ وهي تقابل جزيرة قادس ١٢ ميلًا، وبينهما مجاز سعته ستة أميال.
figure
صورة طراكونة متنزه المحطة.
ومن القناطر تصعد في النهر إلى رابطة «روطة»٢٠٥ ٨ أميال، ثم إلى «المساجد»٢٠٦ ٦ أميال ثم إلى مرسى «طبرشانة»٢٠٧ إلى «العطوف»٢٠٨ إلى «قبطور»٢٠٩ إلى «قبطال».٢١٠ وقبطور وقبطال قريتان في وسط النهر، ثم إلى جزيرة ينشتالة٢١١ ثم إلى الحصن الزهر٢١٢ إلى مدينة أشبيلية فذلك من أشبيلية إلى البحر ٦٠ ميلًا. وأما طريق البر فالطريق من الجزيرة إلى «الرتبة» ثم إلى نهر «برباط»٢١٣ إلى قرية «فيسانة»٢١٤ وبها المنزل. وهي قرية كبيرة، ذات سوق عامرة، وخلق كثير. ومنها إلى مدينة «ابن السليم»٢١٥ إلى جبل «منت»٢١٦ ثم إلى قرية «عسلوكة»،٢١٧ وبها المنزل. ثم منها إلى «المدائن»٢١٨ إلى «زيرد٢١٩ الحبالة» وبها المنزل، ثم إلى أشبيلية مرحلة.
figure
صورة سرقسطة أو الثغر الأعلى «منظر عمومى».
ومدينة أشبيلية مدينة كبيرة عامرة ذات أسوار حصينة، وأسواق كثيرة، وبيع وشراء، وأهلها مياسير، وجل تجارتها بالزيت، يتجهز بها منها إلى أقصى المشارق والمغارب، برًا وبحرًا، وهذا الزيت عندهم يجثم من «الشرف»٢٢٠ وهذا الشرف هو مسافة أربعين ميلًا، وهذه الأربعون ميلًا كلها تمشي في ظل شجر الزيتون والتين، أوله بمدينة أشبيلية وآخره بمدينة «لبلة»٢٢١ وكله شجر الزيتون وسعته ١٢ ميلًا وأكثر، وفيه فيما يذكر ثمانية آلاف قرية عامرة آهلة بالحمامات والديار الحسنة. وبين الشرف وأشبيلية ثلاثة أميال. والشرف سمي بذلك لأنه مشرف من ناحية أشبيلية ممتد من الجنوب إلى الشمال. وهو تل تراب أحمر، وشجر الزيتون مغروسة به من هذا المكان إلى قنطرة لبلة. وأشبيلية على النهر الكبير، وهو نهر قرطبة.

ومدينة لبلة مدينة حسنة أزلية، وهي متوسطة القدر، ولها سور منيع، وبشرقيها نهر يأتيها من ناحية الجبل، ويجاز عليه في قنطرة إلى مدينة لبلة. وبها أسواق وتجارات ومنافع جمة. وشرب أهلها من عيون في مرج من ناحية غربيها. وبين مدينة لبلة والبحر المحيط ستة أميال.

وهناك على ذراع من البحر تطل مدينة «ولبة»٢٢٢ وهي مدينة صغيرة متحضرة، عليها سور من حجارة، وبها أسواق وصناعات، وهي مطلة على جزيرة «شلطيش»٢٢٣ وجزيرة شلطيش يحيط بها البحر من كل ناحية، ولها من ناحية الغرب اتصال بأحد طرفيها إلى مقربة من البر، وذلك يكون مقدار نصف رمية حجر. ومن هناك يجوزون لاستقاء الماء لشربهم، وهي جزيرة طولها نحو من ميل وزائد، والمدينة منها في جهة الجنوب، وهناك ذراع من البحر يتصل به موقع نهر لبلة، ويتسع حتى يكون أزيد من ميل، ثم لا يزال الصعود فيه في المراكب إلى أن يضيق ذلك الذراع حتى يكون سعة النهر وحده مقدار نصف رمية حجر، ويخرج النهر من أسفل جبل عليه مدينة ولبة، ومن هناك تتصل الطريق إلى مدينة لبلة. ومدينة شلطيش ليس لها سور ولا حظيرة، وإنما هي بنيان يتصل بعضه ببعض، ولها سوق وبها صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعه أهل البلاد لجفائه، وهي صنعة المراسي التي ترسي بها السفن والمراكب الحمالة الجافية، وقد تغلب عليها المجوس٢٢٤ مرات، وأهلها إذا سمعوا بخطور٢٢٥ المجوس فروا عنها وأخلوها. ومن مدينة شلطيش إلى جزيرة قادس ١٠٠ ميل، ومن جزيرة قادس المتقدم ذكرها إلى جزيرة طريف ٦٣ ميلًا. ومن جزيرة شلطيش مع البحر مارًا في جهة الشمال إلى حصن «قسطلة»٢٢٦ على البحر ١٨ ميلًا وبينهما موقع نهر يانة، وهو نهر ماردة وبطليوس، وعليه حصن «مارتلة»٢٢٧ المشهور بالمنعة والحصانة. وحصن قسطلة على نحر البحر، وهو عامر آهل، وله بساتين وغلات شجر التين كثيرة، ومنه إلى قرية «طبيرة»٢٢٨ على مقربة من البحر ١٤ ميلًا، ومن القرية إلى مدينة «شنت٢٢٩ مارية» الغرب ١٢ ميلًا.

ومدينة شنت ماريه على معظم البحر الأعظم، وسورها يصعد ماء البحر فيه إذا كان المد، وهي مدينة متوسطة القدر، حسنة الترتيب، لها مسجد جامع ومنبر وجماعة وبها المراكب واردة وصادرة، وهي كثيرة الأعناب والتين.

ومن مدينة شنت ماريه إلى مدينة شلب ٢٨ ميلًا، ومدينة شلب حسنة، في بسيط من الأرض، وعليها سور حصين، ولها غلات وجنات، وشرب أهلها من واديها الجاري بجنوبها، وعليه إرحاء البلد، والبحر منها غربًا على ثلاثة أميال، ولها مرسى في الوادي، وبها الإنشاء، والعود بجبالها كثير، يحمل منها إلى كل الجهات. والمدينة في ذاتها حسنة الهيئة، بديعة المباني. مرتبة الأسواق، وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن وغيرها، وهم يتكلمون بالكلام العربي الفصيح، ويقولون الشعر وهم فصحاء نبلاء، خاصتهم وعامتهم. وأهل بوادي هذا البلد في غاية من الكرم، لا يجاريهم فيه أحد. ومدينة شلب على إقليم الشنشين،٢٣٠ وهو إقليم به غلات التين الذي يحمل إلى أقطار الغرب كلها، وهو تين طيب علك لذيذ شهي. ومن مدينة شلب إلى بطليوس ثلاث مراحل. وكذلك من شلب إلى حصن «مارتلة» ثلاثة أيام. ومن مارتلة إلى حصن ولبة مرحلتان خفيفتان. ومن مدينة شلب إلى حلق «الزاوية»٢٣١ ٢٠ ميلًا وهو مرسى وقرية ومنه إلى قرية «شقوش»٢٣٢ على مقربة من البحر ١٨ ميلًا ومنه إلى طرف الغرب، وهو طرف خارج في البحر الأعظم ١٢ ميلًا، ومنه إلى «كنيسة الغراب»٢٣٣ ٧ أميال.

وهذه الكنيسة من عهد الروم إلى اليوم لم تتغير عن حالها، ولها أموال يتصدق بها عليها، وكرامات يحملها الروم الواردون عليها، وهي في طرف خارج في البحر وعلى رأس الكنيسة عشرة أغربة لا يعرف أحد فقدها وعهد زوالها، وقسيسو الكنيسة يخبرون عن تلك الأغربة بغرائب يتهم المخبر بها ولا سبيل لأحد من المجتازون بها أن يخرج منها حتى يأكل من ضيافة الكنيسة، ضريبة لازمة وسيرة دائمة، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون عنها، وورثها الخلف عن السلف، أمر معتاد متعارف دائم، والكنيسة في ذاتها كنيسة عامرة بالقسيسين والرهبان، وبها أموال مدخرة، وأحوال واسعة وأكثر هذه الأموال محبسة عليها في أقطار الغرب وبلاده وينفق منها على الكنيسة وخدامها وجميع من يلوذ بها، معما يكرم به الأضياف الواردون على الكنيسة المذكورة، قلوا أو كثروا.

ومن كنيسة الغراب إلى القصر مرحلتان. وكذلك من شلب إلى القصر أربع مراحل، و«القصر»٢٣٤ مدينة حسنة متوسطة على ضفة النهر المسمى «شطوبر»٢٣٥ وهو نهر كبير تصعد فيه السفن والمراكب السفرية كثيرًا. وفي ما استدار بها من الأرض كلها أشجار الصنوبر، ولها الإنشاء الكثير، وهي في ذاتها رطبة العيش خصيبة كثيرة الألبان والسمن والعسل واللحوم. وبين القصر والبحر ٢٠ ميلًا. ومن القصر إلى «يبورة»٢٣٦ مرحلتان.
ومدينة يبورة كبيرة عامرة بالناس، ولها سور وقصبة ومسجد جامع، وبها الخصب الكثير الذي لا يوجد بغيرها من كثرة الحنطة واللحم وسائر البقول والفواكه، وهي أحسن البلاد بقعة، وأكثرها فائدة، والتجارات إليها داخلة وخارجة، ومن مدينة يبورة إلى مدينة بطليوس مرحلتان في شرق. ومدينة بطليوس مدينة جليلة في بسيط الأرض، وعليها سور منيع، وكان لها ربض كبير، أكبر من المدينة في شرقيها فخلا بالفتن. وهي على ضفة نهر «يانة»٢٣٧ وهو نهر كبير ويسمى النهر الغؤر، لأنه يكون في موضع يحمل السفن، ثم يغور تحت الأرض حتى لا يوجد منه قطرة فسمي الغؤر لذلك، وينتهي جريه إلى حصن مارتلة، ويصب في قريب من جزيرة شلطيش. ومن مدينة بطليوس إلى مدينة أشبيلية ٦ أيام على طريق حجر بن أبي خالد، إلى جبل العيون،٢٣٨ إلى أشبيلية. ومن مدينة بطليوس إلى مدينة قرطبة على الجادة ٦ مراحل. ومن بطليوس إلى مدينة ماردة على نهر يانة شرقًا ٣٠ ميلًا، وبينهما حصن على يمين المار إلى ماردة.
ومدينة ماردة كانت دار مملكة «لماردة»٢٣٩ بنت هرسوس الملك، وبها من البناء آثار ظاهرة، تنطق عن ملك وقدرة، وتعرب عن نخوة وعزة، وتفصح عن غبطة. فمن هذه البناآت أن في غربي المدينة قنطرة كبيرة ذات قسي، عالية الذروة، كثيرة العدد، عريضة المجاز. قد بنى على ظهر القسي أقباء تتصل من داخل المدينة إلى آخر القنطرة، ولا يرى الماشي بها. وفي داخل هذا «الداموس»٢٤٠ قناة ماء تصل المدينة. ومشى الناس والدواب على تلك الدواميس. وهي متقنة البناء، وثيقة التأليف، حسنة الصنعة. والمدينة عليها سور حجارة متجورة من أحسن صنعة وأوثق بناء. ولها في قصبتها قصور خربة. وفيها دار يقال لها دار الطبيخ، وذلك أنها في ظهر مجلس القصر، وكان الماء يأتي دار الطبيخ في ساقية، هي الآن بها باقية الأثر، لا ماء بها، فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة، فترفع على الموائد. ثم إذا فرغ من أكل ما فيها وضعت في الساقية، فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبخ، فيرفعها بعد غسلها. ثم تمر بقية ذلك الماء في سروب القصر. ومن أغرب الغريب جلب الماء الذي كان يأتي إلى القصر على عمد مبنية تسمى «الأرجالات»،٢٤١ وهي أعداد كثيرة باقية إلى الآن قائمة على قوام، لم تخل بها الأزمان ولا غيرتها الدهور، ومنها قصار ومنها طوال، بحسب الأماكن التي وجب فيها البناء، وأطولها يكون غلوة سهم، وهي على خط مستقيم. وكان الماء يأتي عليها في قنى مصنوعة، خربت وفنيت، وبقيت تلك الأرجالات قائمة يخيل إلى الناظر إليها أنها من حجر واحد، لحكمة إتقانها، وتجويد صنعتها. وفي وسط هذه المدينة احتاء قوس، يدخل عليه الفارس بيده علم قائم، عدة أحجاره ١١ حجرًا فقط، في كل عضادة منها ثلاثة أحجار، وفي القوس أربعة أحجار حنيات، وواحد قفل، فكانت الجملة ١١ حجرًا. وفي الجنوب من سور هذه المدينة قصر آخر صغير، وفي برج منه كان مكان مرآة، كانت الملكة ماردة تنظر إلى وجهها فيها. ومحيط دوره ٢٠ شبرًا، وكان يدور على حرفه، وكان دورانه قائمًا. ومكانه إلى الآن باق. ويقال إنما صنعته ماردة لتحاكي به مرآة ذي القرنين التي صنعها في منار الإسكندرية.
ومن مدينة ماردة إلى قنطرة السيف٢٤٢ يومان. وقنطرة السيف من عجائب الأرض. وهو حصن منيع على نفس القنطرة. وأهلها متحصنون فيه، ولا يقدر لهم أحد على شيء. والقنطرة لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط. ومن مدينة قنطرة السيف إلى مدينة «قورية»٢٤٣ مرحلتان خفيفتان، وقورية الآن مدينة في ملك الروم، ولها سور منيع، وهي في ذاتها أزلية البناء واسعة الفناء من أحصن المعاقل، وأحسن المنازل. ولها بواد شريفة خصيبة، وضياع طيبة عجيبة، وأصناف من الفواكه كثيرة، وأكثرها الكروم وشجر التين.
ومن قورية إلى «قلمرية»٢٤٤ ٤ أيام. ومدينة قلمرية مدينة على جبل مستدير، وعليها سور حصين ولها ٣ أبواب، وهي في نهاية من الحصانة، وهي على نهر «منديق»٢٤٥ وجريه على غربيها، ويتصل جري هذا النهر إلى البحر، وعلى مصبه هناك حصن «منت ميور»٢٤٦ ولها على النهر أرحاء. وعليه كروم كثيرة وجنات ولها حروث كثيرة متصلة بالغربي منها إلى ناحية البحر، ولها أغنام ومواش، وأهلها أهل شوكة في الروم، ومن القصر المتقدم ذكره إلى مدينة «لشبونة»٢٤٧ مرحلتان، ومدينة لشبونة على شمالي النهر المسمى تاجة وهو نهر طليطلة، وسعته أمامها ستة أميال ويدخله المد والجزر كثيرًا، وهي مدينة حسنة ممتدة مع النهر، ولها سور، وقصبة منيعة، وفي وسط المدينة حمامات حارة في الشتاء والصيف، ولشبونة على نحر البحر المظلم وعلى ضفة النهر من جنوبه، قبالة مدينة لشبونة، حصن المعدن، وسمي بذلك لأنه عند هيجان البحر يقذف هناك بالذهب والتبر، فإذا كان زمن الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض، وقد رأيناه عيانًا. ومن مدينة لشبونة كان خروج المغررين٢٤٨ في ركوب بحر الظلمات، ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، كما تقدم ذكرهم، ولهم بمدينة لشبونة بموضع من قرب الحمة، درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلى آخر الأبد. وذلك أنه اجتمع ثمانية رجال، كلهم أبناء عم، فأنشأوا مركبًا حمالًا، وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح٢٤٩ الشرقية فجروا بها نحو من ١١ يوما، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج، كدر الروائح كثير التروش٢٥٠ قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلاعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية الجنوب ١٢ يومًا، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل، وهي سارحة لا راعي لها، ولا ناظر إليها، فقصدوا الجزيرة فنزلوا بها، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري، فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها، فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب ١٢ يومًا إلى أن لاحت لهم جزيرة، فنظروا فيها إلى عمارة وحرث فقصدوا إليها ليروا ما فيها، فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك، فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر، فأنزلوا بها في دار، فرأوا رجالًا شقرًا زعرًا شعور رؤوسهم شعورهم سبطة، وهم طوال القدود، ولنسائهم جمال عجيب، فاعتقلوا منها في بيت ثلاثة أيام، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفي ما جاءوا، وأين بلدهم، فأخبروه بكل خبرهم، فوعدهم خيرًا، وأعلمهم أنه ترجمان الملك، فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك، فسألهم عما سألهم عنه، فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس: من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب، ويقفوا على نهايته. فلما علم الملك ذلك ضحك، وقال للترجمان خبر القوم أن أبي أمر قومًا من عبيده بركوب هذا البحر، وأنهم جروا في عرضه شهرًا، إلى أن انقطع عنهم الضوء، وانصرفوا من غير حاجة، ولا فائدة تجدي. ثم أمر الملك الترجمان أن يعدهم خيرًا، وأن يحسن ظنهم بالملك، ففعل. ثم صرفوا إلى موضع حبسهم، إلى أن بدأ جري الريح الغربية، فعمر بهم زورق، وعصبت أعينهم. وجري بهم في البحر برهة من الدهر. قال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها، حتى جيء بنا إلى البر، فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار، وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال، من شدة الأكتاف، حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بأجمعنا فأقبل القوم إلينا، فوجدونا بتلك الحالة السيئة فحلونا من وثاقنا، وسألونا فأخبرناهم بخبرنا، وكانوا برابر، فقال لنا أحدهم: أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم؟ فقلنا: لا. فقال: إن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين. فقال زعيم القوم وأسفى! فسمي المكان إلى اليوم «أسفى». وهو المرسى الذي في أقصى المغرب، وقد ذكرناه قبل هذا. ومن مدينة لشبونة Lisbonne٢٥١ مع النهر إلى مدينة شنترين Santaren٢٥٢ شرقًا ثمانون ميلًا والطريق بينهما لمن شاء في النهر أو في البر، وبينهما فحص «بلاطة»، ويخبر أهل لشبونة وأكثر أهل الغرب أن الحنطة تزرع بهذا الفحص، فتقيم بالأرض أربعين ثم يومًا تحصد، وأن الكيل الواحد منها يعطي مائة كيل، وربما زاد ونقص.
ومدينة شنترين على جبل عال كثير العلو جدًا، ولها من جهة القبلة حافة عظيمة ولا سور لها، وبأسلفها ربض على طول النهر، وشرب أهلها من مياه عيون، ومن ماء النهر أيضًا، ولها بساتين كثيرة وفواكه عامة، ومباقل، وخير شامل، ومن مدينة شنترين إلى مدينة بطليوس٢٥٣ أربع مراحل، وعلى يمين طريقها مدينة يلبش،٢٥٤ وهي في سفح جمال فائق، ومنها إلى بطليوس ١٢ ميلًا. ومن ماردة٢٥٥ إلى حصن «كركوي»٢٥٦ ثلاث مراحل، ومن كركوي إلى مدينة «قلعة رباح»٢٥٧ على ضفة نهر يانة. وهذا النهر يأتي من مروج فوقها، فيمر بقرية يانة٢٥٨ إلى قلعة رباح، ثم يسير منها إلى حصن «أرندة»٢٥٩ ومنه إلى ماردة، ثم يمر بمدينة بطليوس فيصير منها إلى مقربة من «شريشة»،٢٦٠ ثم يصير إلى حصن «مارتلة»٢٦١ فيصب في البحر المظلم.
ومن قلعة رباح٢٦٢ إلى قلعة «أرلية»٢٦٣ يومان، وهو حصن منيع، ومنه إلى طليطلة مرحلة. ومن قلعة رباح في جهة الشمال إلى حصن البلاط٢٦٤ مرحلتان ومن حصن البلاط إلى مدينة «طلبيرة»٢٦٥ يومان. وكذلك من مدينة «قنطرة السيف»٢٦٦ إلى المخاضة أربعة أيام، ومن المخاضة إلى طلبيرة يومان، وكذلك من مدينة ماردة إلى حصن مدلين٢٦٧ مرحلتان خفيفتان، وهو حصن عامر آهل، وفيه خيول ورجال لهم سرايا وطرقات في بلاد الروم. ومن حصن مدلين إلى «ترجالة»٢٦٨ مرحلتان وهما خفيفتان، ومدينة ترجالة كبيرة كالحصن المنيع، ولها أسوار منيعة وبها أسواق عامرة وخيل ورجل يقطعون أعمارهم في الغارات على بلاد الروم، والأغلب عليهم اللصوصية والخداع. ومنها إلى حصن «قاصرس»٢٦٩ مرحلتان خفيفتان، وهو حصن منيع ومحرس رفيع، فيه خيل ورجل يغاورون في بلاد الروم. ومن مكناسة إلى مخاضة البلاط يومان. ومن البلاط إلى «طلبيرة»٢٧٠ يومان، ومدينة طلبيرة على ضفة نهر تاجه، وهي مدينة كبيرة، وقلعتها أرفع القلاع حصنًا، ومدينتها أشرف البلاد حسنًا، وهو بلد واسع الساحة، شريف المنافع، وبه أسواق جميلة الترتيب، وديار حسنة التركيب، ولها على نهر تاجه أرحاء كثيرة، ولها عمل واسع المجال، وإقليم شريف الحال، ومزارعها زاكية، وجهاتها حسنة مرضية، أزلية العمارة، قديمة الآثار، وهي من مدينة طليطلة على سبعين ميلًا.
ومدينة طليطلة من طلبيرة شرقًا وهي مدينة عظيمة القطر، كثيرة البشر حصينة الذات، لها أسوار حسنة، فيها حصانة ومنعة وهي أزلية، من بناء «العمالقة»٢٧١ وقليلًا ما رؤي مثلها إتقانًا، وشماخةً٢٧٢ بنيان، وهي عالية الذرى، حسنة البقعة زاكية الرقعة، وهي على ضفة النهر الكبير المسمى «تاجه» لها قنطرة من عجيب البنيان، وهي قوس واحدة والماء يدخل تلك القوس كله بعنف وشدة جري، ومع آخر القنطرة ناعورة ارتفاعها في الجو ٩٠ ذراعًا، وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة، والماء يجري على ظهرها فيدخل المدينة. ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم دار مملكتهم، وموضع قصدهم، ووجد أهل الإسلام فيها عند افتتاح الأندلس ذخائر كادت تفوق الوصف كثرة، فمنها أنه وجد بها ١٧٠ تاجًا من الذهب مرصعة بالدر، وبأصناف الحجارة الثمينة، ووجد بها ألف سيف مجوهر، ملكي، ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق. ووجد بها من أنواع آنية الذهب ما لا يحيط به تحصيل، ووجد بها مائدة سليمان بن داود، وكانت في ما يذكر من زمردة وهذه المائدة اليوم في مدينة رومة.
ولمدينة طليطلة بساتين محدقة بها وأنهار جارية مخترقة، ودواليب دائرة، وجنات يانعة، وفواكه عديمة المثال، لا يحيط بها تكييف ولا تحصيل، ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة، وقلاع منيعة، تكنفها. وعلى بعد منها في جهة الشمال الجبل العظيم المتصل المعروف بالشارات، وهو يأخذ من ظهر مدينة سالم إلى أن يأتي قرب مدينة قلمرية. في آخر المغرب. وفي هذا الجبل من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد، ولا يوجد شيء من أغنامه وأبقاره مهزولًا، بل هي في نهاية السمن، ويضرب بها في ذلك المثل، في جميع أقطار الأندلس. وعلى مقربة من طليطلة قرية تسمى بمغام،٢٧٣ وجبالها وترابها الطين المأكول، الذي ليس على قرارة الأرض مثله، يتجهز به منها إلى أرض مصر وجميع بلاد الشام والعراقات وبلاد الترك، وهو نهاية في لذاذة الأكل، وفي تنظيف غسل الشعر.٢٧٤ ولطليطلة في جبالها معادن الحديد والنحاس، ولها من المنابر في سفح هذا الجبل مجريط،٢٧٥ وهي مدينة صغيرة، وقلعة منيعة معمورة، وكان لها في زمن الإسلام مسجد جامع، وخطبة قائمة، ولها أيضًا مدينة الفهمين،٢٧٦ وكانت مدينة متحضرة، حسنة الأسواق والمباني، وبها مسجد جامع، ومنبر وخطبة، وهي كلها اليوم مع طليطلة في أيدي الروم، وملكها من القشتاليين، وينتسب إلى الأذفونش الملك.
وفي الشرق من مدينة طليطلة إلى مدينة وادي الحجارة ٥٠ ميلًا وهي مرحلتان ومدينة وادي الحجارة حصينة حسنة كثيرة الأرزاق والخيرات، جامعة لأشتات المنافع والغلات، وهي مدينة ذات أسوار حصينة، ومياه معينة، ويجري منها بجهة غربيها نهر صغير، لها عليه بساتين وكروم، وجنات وزراعات، وبها من غلات الزعفران الشيء الكثير، يتجهز به منها، ويحمل إلى سائر العمالات والجهات. وهذا النهر يجري إلى جهة الجنوب، فيقع في نهر تاجه الأكبر فيمده. ونهر تاجه المذكور يخرج من ناحية الجبال المتصلة بالقلعة٢٧٧ والفنت٢٧٨ فينزل مارًا مع المغرب إلى مدينة طليطلة،٢٧٩ ثم إلى طليبرة،٢٨٠ ثم إلى المخاضة،٢٨١ ثم إلى القنطرة٢٨٢ ثم إلى قنيطرة محمود٢٨٣ ثم إلى مدينة شنترين،٢٨٤ ثم إلى لشبونة،٢٨٥ فيصب هناك في البحر. ومن مدينة وادي الحجارة إلى مدينة سالم شرقًا ٥٠ ميلًا. ومدينة سالم٢٨٦ هذه مدينة جليلة في وطاء من الأرض، كبيرة القطر كثيرة العمارات والبساتين والجنات، ومنها إلى مدينة شنت مارية ابن رزين٢٨٧ أربع مراحل خفاف، ومنها إلى الفنت أربع مراحل. وبين شنت مارية والفنت مرحلتان، وشنت مارية والفنت مدينتان عامرتان، بهما أسواق قائمة، وعمارات متصلة دائمة، وفواكه عامة وكانا في الإسلام منازل القواطم.٢٨٨ ومن مدينة سالم إلى مدينة قلعة أيوب٢٨٩ ٥٠ ميلًا شرقًا، وهي مدينة رائقة البقعة، حصينة شديدة المنعة، بهية الأقطار كثيرة الأشجار والأثمار. وعيونها مخترقة، وينابيعها مغدودقة، كثيرة الخصب، رخيصة الأسعار، وبها يصنع الغفار المذهب، ويتجهز إلى كل الجهات. ومن مدينة قلعة أيوب إلى قلعة دروقة٢٩٠ ١٨ ميلًا. ودروقة مدينة صغيرة متحضرة، كثيرة العامر غزيرة البساتين والكروم، وكل شيء بها كثير رخيص. ومن دروقة إلى مدينة سرقسطة ٥٠ ميلًا. وكذلك من مدينة قلعة أيوب إلى مدينة سرقسطة٢٩١ ٥٠ ميلًا.
ومدينة سرقسطة قاعدة من قواعد مدن الأندلس، كبيرة القطر، آهلة ممتدة الأطناب، واسعة الشوارع والطرقات، حسنة الديار والمساكن، متصلة الجنات والبساتين، ولها سور مبني من الحجارة حصين، وهي على ضفة النهر الكبير المسمى إبره،٢٩٢ وهو نهر كبير، يأتي بعضه من بلاد الروم، وبعضه من جهة جبال قلعة أيوب، وبعضه من نواحي قلهرة،٢٩٣ فتجتمع مواد هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة٢٩٤ ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة، إلى أن تنتهي إلى حصن جبره،٢٩٥ إلى موقع نهر الزيتون، ثم إلى طرطوشة فيجتاز بغربيها إلى البحر.
ومدينة سرقسطة هي المدينة البيضاء، وسميت بذلك لكثرة جصها وجيارها، ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة، وإن جلبت إليها وأدخلت المدينة ماتت وحيًا بلا تأخير. ولمدينة سرقسطة جسر عظيم يجتاز عليه إلى المدينة، ولها أسوار منيعة، ومبان رفيعة، ومنها إلى وشقة٢٩٦ ٤٠ ميلًا. ومن وشقة إلى لاردة٢٩٧ ٧٠ ميلًا. ومدينة لاردة مدينة صغيرة متحضرة. ولها أسوار منيعة، وهي على نهر كبير ومن مكناسة٢٩٨ إلى طرطوشة٢٩٩ مرحلتان وهما ٥٠ ميلًا، ومدينة طرطوشة مدينة على سفح الجبل، ولها سور حصين، وبها أسواق وعمارات، وصناع وفعلة، وإنشاء المراكب الكبار من خشب جبالها، وبجبالها يكون خشب الصنوبر الذي لا يوجد له نظير في الطول والغلظ، ومنه تتخذ السواري والقرى٣٠٠ وهذا الخشب الصنوبر الذي بجبال هذه المدينة أحمر صافي البشرة، دسم لا يتغير سريعًا، ولا يفعل فيه السوس ما يفعله في غيره، وهو خشب معروف منسوب. ومن طرطوشة إلى موقع النهر في البحر ١٢ ميلًا، ومن مدينة طرطوشة إلى مدينة طركونة٣٠١ ٥٠ ميلًا.
ومدينة طركونة على البحر، وهي مدينة اليهود، ولها سور رخام، وبها أبنية حصينة وأبراج منيعة، ويسكنها قوم قلائل من الروم، وهي حصينة منيعة، ومنها إلى برشلونة٣٠٢ في الشرق ٦٠ ميلًا، ومن مدينة طركونة غربًا إلى موقع نهر إبره ٤٠ ميلًا، وهذا الوادي ههنا يتسع سعة كثيرة، ومن موقع النهر إلى رابطة «كشطالي»٣٠٣ غربًا على البحر ١٦ ميلًا، وهي رابطة حسنة، حصينة منيعة، على نحر البحر الشامي، يمسكها قوم أخيار، وبالقرب منها قرية كبير ويتصل بها عمارات ومزارع، ومن رابطة كشطالي غربًا إلى قرية «يانة» Ianna قرب البحر ٦ أميال، ومنها إلى حصن «بنشكله»٣٠٤ ٦ أميال، وهو حصن منيع على ضفة البحر، وهو عامر آهل، وله قرى وعمارات ومياه كثيرة. ومن حصن بنشكله إلى عقبة «أبيشة»٣٠٥ ٧ أميال، وهو جبل معترض عال على البحر والطريق عليه لا بد من السلوك على رأسه، وهو صعب جدًا. ومنه إلى مدينة «بوريانه»٣٠٦ غربًا ٢٥ ميلًا ومدينة بوريانه مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب والأشجار والكروم، وهي في مستو من الأرض، وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال. ومن بوريانه إلى «مرباطر»٣٠٧ وهي قرى عامرة وأشجار ومستغلات، ومياه متدفقة، ٦٠ ميلًا، وكل هذه الضياع والأشجار على مقربة من البحر. ومنها إلى «بلنسية» غربًا ١٢ ميلًا.
ومدينة بلنسية قاعدة من قواعد الأندلس، وهي في مستو من الأرض، عامرة القطر، كثيرة التجار والعمار، وبها أسواق وتجارات، وحط وإقلاع، وبينها وبين البحر ٣ أميال مع النهر، وهي على نهر جار ينتفع به، ويسقي المزارع، ولها عليه بساتين وجنات، وعمارات متصلة. ومن مدينة بلنسية إلى مدينة سرقسطة ٩ مراحل على «كتندة»٣٠٨ وبين بلنسية وكتندة ٣ أيام، ومن كتندة إلى «حصن الرياحين» مرحلتان، وهو حصن كثير الخلق عامر بذاته. ومن حصن الرياحين إلى «القنت»٣٠٩ يومان، ومن مدينة بلنسية إلى جزيرة «شقر»٣١٠ ١٨ ميلًا، وهي على نهر شقر وجزيرة شقر المذكورة حسنة البقاع، كثيرة الأشجار والأثمار والأنهار، وبها ناس وجلة، وهي على قارعة الطريق الشارع إلى مرسية. ومن جزيرة شقر إلى «شاطبة»٣١١ ١٢ ميلًا. ومدينة شاطبة مدينة حسنة، ولها قصاب، يضرب بها المثل في الحسن والمنعة ويعمل بها من الكاغد ما لا يوجد له نظير بمعمور الأرض، ويعم المشارق والمغارب. ومن شاطبة إلى «دانية»٣١٢ ٢٥ ميلًا، وكذلك من شاطبة إلى بلنسية ٣٢ ميلًا، وكذلك من بلنسية إلى مدينة دانية، على البحر مع الجون ٦٥ ميلًا ومن بلنسية إلى حصن «قلييرة»٣١٣ ٢٥ ميلًا، وحصن قلييرة قد أحدق البحر به، وهو حصن منيع، على موقع نهر شقر، ومنه إلى مدينة دانية ٤٠ ميلًا ومدينة دانية على البحر عامرة حسنة، لها ربض عامر، وعليها سور حصين، وسورها من ناحية المشرق في داخل البحر، قد بني بهندسة وحكمة، ولها قصبة منيعة جدًا، وهي على عمارة متصلة وشجرات تين كثيرة وكروم، وهي مدينة تسافر إليها السفن، وبها ينشأ أكثرها، لأنها دار إنشاء السفن، ومنها تخرج السفن إلى أقصى الشرق، ومنها يخرج الأسطول للغزو، وفي الجنوب منها جبل عظيم مستدير يظهر من أعلاه جبال «يابسة»٣١٤ في البحر، ويسمى هذا الجبل جبل قاعون.٣١٥
ومن مدينة شاطبة إلى بكيران غربًا ٤٠ ميلًا، وحصن «بكيران»٣١٦ حصن منيع عامر كالمدينة، وله سوق مشهودة، وحوله عمارات متصلة، تصنع به ثياب بيض تباع بالأثمان الغالية، ويعمر الثوب منها سنين كثيرة، وهي من أبدع الثياب عتاقة ورقة، حتى لا يفرق بينها وبين الكاغد في الرقة والبياض. ومن بكيران إلى دانية ٤٠ ميلًا. ومن حصن بكيران إلى مدينة «الش» ٤٠ ميلًا. ومدينة ألش٣١٧ مدينة في مستو من الأرض، ويشقها خليج يأتي إليها من نهرها، يدخل المدينة من تحت السور، فيتصرفون فيه، ويجري في حمامها، ويشق أسواقها وطرقاتها، وهو نهر مليح سبخي، وشرب أهل المدينة من الخوابي، يجلب إليها من خارجها، ومياهها المشروبة من مياه السماء. ومن مدينة الش إلى مدينة «وريوالة»٣١٨ ٢٨ ميلًا، ومدينة أوريولة على ضفة النهر الأبيض هو نهرها ونهر مرسية، وسورها من ناحية الغرب على جريته، ولها قنطرة على قوارب، يدخل إليها منها، ولها قصبة في نهاية من الامتناع، على قمة جبل، ولها بساتين وجنات، ورياضات دانية، وبها من الفواكه ما لا تحصيل له، وبها رخاء شامل، وبها أسواق وضياع. وبين أوريولة والبحر ٢٠ ميلًا. وبين أوريولة ومدينة مرسية ١٢٠ ميلًا، ومن مدينة أوريولة إلى «قرطاجنة» ٤٥ ميلًا.
ومن مدينة دانية المتقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة «لقنت»٣١٩ غربًا على البحر ٧٠ ميلًا. ولقنت مدينة صغيرة عامرة، وبها سوق ومسجد جامع ومنبر ويتجهز منها بالحلفاء إلى جميع بلاد البحر. وبها فواكه وبقل كثير وتين وأعناب ولها قصبة منيعة عالية جدًا في أعلى جبل،٣٢٠ يصعد إليه بمشقة وتعب، وهي أيضًا مع صغرها تنشأ بها المراكب السفرية والحراريق. وبالقرب من هذه المدينة وبالقرب منها، جزيرة تسمى «ابلناصة»٣٢١ وهي على ميل من البر، وهي مرسى حسن، وهي مكمن لمراكب العدو، وهي تقابل «طرف الناظور»،٣٢٢ ومن طرف الناظور إلى مدينة القنت ١٠ أميال، ومن مدينة القنت في البر إلى مدينة ألش مرحلة خفيفة، ومن مدينة القنت إلى «حلوق بالش»٣٢٣ ٥٧ ميلًا وبالش مع مراسي أفواه أودية تدخلها المراكب ومن بالش إلى جزيرة الفيران٣٢٤ ميل. وبين هذه الجزيرة والبر ميل ونصف، ومنها إلى طرف «القيطال»٣٢٥ ١٢ ميلًا، ومنه إلى «برتمان٣٢٦ الكبير»، وهو مرسى، ٣٠ ميلًا، ومنه إلى مدينة «قرطاجنة»٣٢٧ ١٢ ميلًا. ومدينة قرطاجنة، وهي فرضة مدينة مرسية. وهي مدينة قديمة أزلية، لها مرسى ترسي بها المراكب الكبار والصغار، وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع، ولها إقليم يسمى «الفندون»٣٢٨ وقليل ما يوجد مثاله في طيب الأرض، وجودة نمو الزرع فيه، ويحكى أن الزرع فيه يثمر بسقي مرة واحدة، وإليه المنتهى في الجودة.
ومن مدينة قرطاجنة على الساحل إلى «شجانة»٣٢٩ ٢٤ ميلًا، وهو مرسى حسن وعليه بقربه قرية، ومنه إلى حصن «آقلة»٣٣٠ ١٢ ميلًا، وهو حصن صغير على البحر، وهو فرضة «لورقة»، وبينهما في البر ٢٥ ميلًا. ومن حصن آقلة إلى وادي «بيرة»٣٣١ في قعر الجون ٤٢ ميلًا. وعلى مصب النهر جبل كبير وعليه حصن بيرة المطل على البحر، ومن الوادي إلى الجزيرة المسماة «قربنيرة»٣٣٢ ١٢ ميلًا، ثم إلى «الرصيف» ستة أميال، ثم إلى «الشامة البيضاء» ثمانية أيام، ثم إلى طرف «قابطة٣٣٣ ابن أسود» ستة أميال. ومن طرف القابطة إلى المرية ١٢ ميلًا. ومن مدينة قرطاجنة إلى مرسية في البر ٤٠ ميلًا.
ومدينة مرسية قاعدة أرض تدمير. وهي في مستو من الأرض، على النهر الأبيض، ولها ربض عامر آهل، وعليها وعلى ربضها أسوار حصينة، وحظائر متقنة والماء يشق ربضها، وهي على ضفة النهر المعروف، ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب. ولها أرحاء طاحنة في المراكب، مثل طواحن سرقسطة. التي هي تركب في مراكب تنتقل من موضع إلى موضع، وبها من البساتين والأشجار والعمارات ما لا يوجد بتحصيل، ولها كروم، وبها شجر التين كثير، ولها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال، ومن مدينة مرسية إلى مدينة بلنسية خمس مراحل، ومن مرسية إلى المرية على الساحل ٥ مراحل، ومن مرسية إلى قرطبة عشر مراحل، ومن مرسية إلى حصن شقورة،٣٣٤ ٤ مراحل، ومن مرسية إلى «جنجالة»٣٣٥ ٥٠ ميلًا. ومدينة جنجالة متوسطة القدر، حصينة القلعة، منيعة الرقعة، ولها بساتين وأشجار وعليها حصن حسن، ويعمل بها من وطاء الصوف ما لا يمكن صنعه في غيرها بإتقان الماء والهواء، ولنسائها جمال فائق وحصافة.
ومن جنجالة إلى «كونكة» يومان، وهي مدينة أزلية صغيرة، على منقع ماء مصنوع قصدًا، ولها سور، وليس لها ربض، ويصنع بها من الأوطية المتخذة من الصوف كل غريبة. ومن قونكة إلى قلصة٣٣٦ ثلاثة مراحل شرقًا، وقلصة حصن منيع يتصل به أجبل كثيرة، بها شجر الصنوبر الكثير ويقطع بها الخشب ويلقى في الماء، ويحمل إلى دانية وإلى بلنسية في البحر، وذلك أنها تسير في النهر من قلصة إلى جزيرة شقر، ومن جزيرة شقر إلى حصن «قالييره» وتفرغ هناك على البحر، فتملأ منها المراكب، وتحمل إلى دانية، فتنشأ منها السفن الكبار، والمراكب الصغار، ويحمل إلى بلنسية منه ما كان عريضًا، فيصرف في الأبنية والديار. ولا تزال عادة إرسال الخشب في النهر إلى جزيرة شقر إلى قلييرة إلخ إلى يومنا هذا. ومن قلصة إلى شنت مارية ثلاثة مراحل، وكذلك من قلصة إلى «الفنت» أيضًا مثل ذلك، ومن «قونكة»٣٣٧ إلى «وبذي»٣٣٨ ثلاث مراحل و«وبذي» و«اقليش»٣٣٩ مدينتان متوسطتان، ولها أقاليم ومزارع عامرة، وبين وبذي وأقليش ١٨ ميلًا، ومن أقليش إلى شقورة ٣ مراحل وشقورة حصن كالمدينة، عامر بأهله، وهو في رأس جبل عظيم متصل، منيع الجهة، حسن البنية، ويخرج من أسفله نهران، أحدهما نهر قرطبة، المسمى بالنهر الكبير، والثاني هو النهر الأبيض الذي يمر بمرسية، وذلك أن النهر الذي يمر بقرطبة يخرج من هذا الجبل من مجتمع مياه كالغدير، ظاهر في نفس الجبل، ثم يغوص تحت الجبل، ويخرج من مكان في أسفل الجبل، فيتصل جريه غربًا إلى جبل «نجدة»،٣٤٠ إلى «غادرة»،٣٤١ إلى قرب مدينة «أبذة»،٣٤٢ إلى أسفل مدينة «بباسة»،٣٤٣ إلى حصن «أندوجر»،٣٤٤ إلى «القصير»،٣٤٥ إلى «قنطرة اشتشان»،٣٤٦ إلى قرطبة إلى حصن «المدور»٣٤٧ إلى حصن «الجرف»٣٤٨ إلى حصن «لورة»٣٤٩ إلى حصن «القليعة»٣٥٠ إلى حصن «قطنيانة»٣٥١ إلى «الزرادة»٣٥٢ إلى أشبيلية، إلى «قبطال»٣٥٣ إلى «قبتور»،٣٥٤ إلى «طبرشانة»،٣٥٥ إلى «المساجد»،٣٥٦ إلى قادس، ثم إلى بحر الظلمات.
وأما النهر الأبيض الذي هو نهر مرسية فإنه يخرج من أصل الجبل، ويحكي أن أصلهما واحد، أعني نهر قرطبة ونهر مرسية. ثم يمر نهر مرسية في عين الجنوب إلى حصن «أفرد»،٣٥٧ ثم إلى حصن «موله»،٣٥٨ ثم إلى مرسية، ثم إلى أوريوالة إلى المدور، إلى البحر، ومن شقورة إلى مدينة «سرتة»٣٥٩ مرحلتان كبيرتان، وهي مدينة متوسطة القدر، حسنة البقعة، كثيرة الخصب، وبالمقربة منها حصن …،٣٦٠ ومن حصن … إلى طليطلة مرحلتان. ومن أراد من مرسية إلى المرية سار من مرسية إلى قنطرة «أشكابة»٣٦١ إلى حصن «لبرالة»٣٦٢ إلى حصن «الحمة»٣٦٣ إلى مدينة «لورقة»،٣٦٤ وهي مدينة غراء حصينة، على ظهر جبل ولها أسواق وربض في أسفل المدينة، وعلى الربض سور، وفي الربض السوق، والرهادرة،٣٦٥ وسوق العطر، وبها معادن تربة صفراء، ومعادن مغرة، تحمل إلى كثير من الأقطار، ومن حصن لورقة إلى مرسية ٤٠ ميلًا، ثم من لورقة إلى «آبار الرتبة»٣٦٦ إلى «حصن بيرة»٣٦٧ مرحلة، وهذا الحصن حصن منيع، على حافة مطلة على البحر. ومن هذا الحصن إلى «عقبة شقر»،٣٦٨ وهي عقبة صعبة المرقى، لا يقدر أحد على جوازها راكبًا، وإنما يأخذها الركبان رجالة، ومن العقبة إلى «الرابطة»٣٦٩ مرحلة، وليس هناك حصن ولا قرية، وإنما بها قصر به قوم حراس للطريق، ومن هذه الرابطة إلى المرية مرحلة خفيفة.
ومدينة المرية كانت في أيام الملثم٣٧٠ مدينة الإسلام، وكان بها من كل الصناعات كل غريبة، وذلك أنه كان بها من طرز الحرير ٨٠٠ طراز، يعمل بها الحلل والديباج والسقلاطون والأصبهاني والجرجاني، والستور للكللة والثياب المعينة، والخمر والعتابي، والمعاجر، وصنوف أنواع الحرير، وكانت المرية قبل الآن يصنع بها من صنوف الآلات النحاس والحديد، إلى سائر الصناعات، ما لا يحد ولا يكيف وكان بها من فواكه واديها الشيء الكثير الرخيص، وهذا الوادي المنسوب إلى بجانة Bichèna بينه وبين المرية ٤ أميال، وحوله جنات وبساتين وأرحاء، وجميع نعمها وفواكهها تجلب إلى المرية، وكانت المرية إليها تقصد مراكب البحر من الإسكندرية والشام كله، ولم يكن بالأندلس كلها أيسر من أهلها مالًا. ولا أتجر منهم في الصناعات وأصناف التجارات تصريفًا وادخارًا.
والمرية في ذاتها جبلان وبينهما خندق معمور، وعلى الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة. والجبل الثاني منهما فيه ربضها ويسمى جبل «لاهم» Lahem والسور يحيط بالمدينة وبالربض. ولها أبواب عدة ولها من الجانب الغربي ربض كبير عامر يسمى ربض الحوض، وهو ربض له سور عامر بالأسواق والديار والفنادق والحمامات. والمدينة في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة التجارات، والمسافرون إليها كثيرون وكان أهلها مياسير، ولم يكن في بلاد أهل الأندلس أحضر من أهلها نقدًا، ولا أوسع منهم أحوالًا. وعدد فنادقها التي أخذها عد الديوان في التعيين ألف فندق، إلا ثلاثين فندقًا، وكان بها من الطرز أعداد كثيرة، قدمنا ذكرها. وموضع المرية من كل جهة استدارت به صخور مكدسة، وأحجار صلبة مضرسة، لا تراب بها، كأنما غربلت أرضها من التراب وقصد موضعها بالحجر، والمرية في هذا الوقت الذي ألفنا كتابنا فيه، صارت ملكًا بأيدي الروم، وقد غيروا محاسنها وسبوا أهلها. وخربوا ديارها، وهدموا مشيد بنيانها، ولم يبقوا على شيء٣٧١ منها. وللمرية منابر منها مدينة برجة٣٧٢ ودلاية.٣٧٣ وبين المرية وبرجة مرحلة كبيرة. وبين برجة ودلاية نحو من ٨ أميال. وبرجة أكبر من دلاية، ولها أسواق وصناعات وحروث ومزارع. ومن المرية لمن أراد مالقة طريقان، طريق في البر وهو تحليق٣٧٤ وهو ٧ أيام والطريق الآخر في البحر وهو ١٨٠ ميلًا. وذلك أنك تخرج من المرية إلى قرية البجانس٣٧٥ على البحر ستة أميال، ومن قرية البجانس يمر الطريق في البر إلى برجة ودلاية. ومن قرية البجانس إلى آخر الجون، وعليه برج مبني بالحجارة، مصنوع لوقيد النار فيه عند ظهور العدو في البحر،٣٧٦ ستة أميال، ومن هذا الطرف إلى مرسى البيرة ٣٢ ميلًا، ومنه إلى قرية «عذرة»٣٧٧ على البحر ١٢ ميلًا. وقرية عذرة مدينة صغيرة لا سوق لها، وبها الحمام والفندق، وبها بشر كثير، وبغربيها ينزل نهر كبير، منبعه من جبل شلير، ويجتمع بمياه برجه وغيرها فيصب عند عذرة في البحر، ومن عذرة إلى قرية «بليسانة»٣٧٨ ٢٠ ميلًا، وهي قرية آهلة على شاطئ البحر، ومنها إلى «مرسى الفروج»،٣٧٩ ١٢ ميلًا، وهو مرسى كالحوط صغير. ومنه إلى قرية «بطرنه»٣٨٠ ٦ أميال، ومنها معدن التونية التي فاقت جميع معادن التونية طيبًا، ومنها إلى قرية «شلبونة»٣٨١ ١٢ ميلًا، ومن شلبونة إلى مدينة المنكب في البحر ٨ أميال. و«المنكب»٣٨٢ مدينة حسنة متوسطة كثيرة مصايد السمك، وبها فواكه جمة، وفي وسطها بناء مربع قائم كالصنم أسفله واسع، وأعلاه ضيق، وبه حفيران من جانبيه متصلا، من أسفله إلى أعلاه وبإزائه من الناحية الواحدة في الأرض حوض كبير يأتي إليه الماء من نهر ميل، على ظهر قناطر كثيرة معقودة من الحجر الصلد فيصب ماؤه في ذلك الحوض، ويذكر أهل المعرفة من أهل المنكب أن ذلك الماء كان يصعد إلى أعلى المنار، وينزل من الناحية الأخرى، فيجري هناك إلى رحى صغيرة. كانت، وبقي موضعه الآن على جبل مطل على البحر، ولا يعلم أحد ما المراد بذلك؟
ومن مدينة المنكب في البر إلى مدينة أغرناطة ٤٠ ميلًا، ومن المنكب على البحر إلى قرية «شاط»٣٨٣ ١٢ ميلًا، وبقرية شاط زبيب حسن الصفة، كبير المقدار أحمر اللون، يصحب طعمه مرارة، ويتجهز به إلى كل البلاد الأندلسية. وهو منسوب إلى هذه القرية. ومن قرية شاط إلى قرية «طرش»٣٨٤ على ضفة البحر ١٢ ميلًا. ومنها إلى قصبة «مرية بليش»٣٨٥ ١٢ ميلًا، وهو حصن على ضفة البحر صغير المقدار ويصب بمرقبة منه جهة المغرب نهر الملاحة، هو نهر يأتي من ناحية الشمال، فيمر بالحمة، ويتصل بأحواز حصن صالحة،٣٨٦ فيقع فيه هناك جميع مياه صالحة، وتنزل إلى قرية «الفشاط»٣٨٧ وتصب هناك في غربي حصن مرية بلش في البحر، ومن مرية بلش إلى قرية «الصيرة» ولها طرف يدخل في البحر، ٧ أميال. ومن طرف قرية الصيرة إلى قرية «بزليانة»٣٨٨ ٧ أميال.
وهي قرية كالمدينة في مستو من الأرض، وأرضها رمل، وبها الحمام والفنادق وشباك يصاد بها الحوت الكثير، ويحمل منها إلى تلك الجهات المجاورة لها، ومن بزليانة إلى مدينة٣٨٩ مالقة ٨ أميال، ومدينة مالقة مدينة حسنة عامرة آهلة، كثيرة الديار، متسعة الأقطار، بهية كاملة سنية، أسواقها عامرة، ومتاجرها دائرة، ونعمها كثيرة، ولها فيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إلى رية وتينها يحمل إلى بلاد مصر والشام والعراق، وربما وصل إلى الهند، وهو من أحسن التين طيبًا، وعذوبًا، ولمدينة مالقة ربضان كبيران. ربض «فنتنالة»٣٩٠ وربض «التبانين»٣٩١ وشرب أهلها من مياه الآبار، وماؤها قريب الغور، كثير عذب ولها واد يجري في أيام الشتاء والربيع، وليس بدائم الجري. وسنذكرها بعد هذا بحول الله تعالى وقوته.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة المرية فنقول: إن الطريق من مدينة المرية إلى أغرناطة البيرة، فمن أراد ذلك خرج من المرية إلى «بجانة»٣٩٢ ستة أميال، ومدينة بجانة كانت المدينة المشهورة قبل المرية، فانتقل أهلها إلى المرية، فعمرت وخربت بجانة، فلم يبق منها الآن إلا آثار بنيانها، ومسجد جامعها قائم بذاته، وحول بجانة Pechina جنات وبساتين، ومتنزهات وكروم، وأموال كثيرة لأهل المرية وعلى يمين بجانة، وعلى ستة أميال منها «حصن الحمة»٣٩٣ والحمة في رأس جبل ويذكر المتجولون في أقطار الأرض أن ما مثل هذه الحمة في المعمور من الأرض وأتقن منها بناء ولا أسخن منها ماء، والمرضى والمعلون يقصدون إليها من كل الجهات فيلزمون المقام بها إلى أن تستقل عللهم، ويشفوا من أمراضهم وكان أهل المدينة في أيام الربيع يدخلون إليها مع نسائهم وأولادهم باحتفال من المطاعم والمشارب والتوسع في الإنفاق وربما بلغ المسكن بها في الشهر ثلاثة دنانير مرابطية، وأكثر وأقل. وجبال هذه الجهة كلها جص يحتفر ويحرق، وينقل إلى المرية، وبه جميع عقد بنيانهم وتجصيصهم، وهو بها وعندهم كثير، رخيص لكثرته. ومن مدينة بجانة إلى قرية «بني عبدوس»٣٩٤ ٦ أميال، ومنها إلى حصن «مندوجر»٣٩٥ ٦ أميال، وبه المنزل لمن خرج من المرية، وهي مرحلة خفيفة. وحصن مندوجر على جبل تراب أحمر، والجبل على ضفة نهر، والمنزل في القرية منها، ويباع بها للمسافرين الخبز والسمك، وجميع الفواكه، كل شيء منها في إبانه، ثم إلى حمة «غشر»٣٩٦ ثم إلى الحمة المنسوبة إلى «وشتن»،٣٩٧ ومنها إلى «مرشانة»،٣٩٨ وهو على مجتمع النهرين، وهو من أمنع الحصون مكانًا، وأوثقها بنيانًا، وأكثرها عمارة، ومنها إلى قرية «بلذوذ»،٣٩٩ ثم إلى «حصن القصير»،٤٠٠ وهو حصن منيع جدًا، على فم مضيق في الوادي، وليس لأحد جواز إلا بأسفل هذا الحصن، ومنه إلى خندق «فبير»،٤٠١ ثم إلى «الرتبة»،٤٠٢ ثم إلى قرية «عبلة»،٤٠٣ وبها المنزل. ومن قرية عبلة إلى حصن «فنيانة»،٤٠٤ ثم إلى قرية «حنصل»،٤٠٥ ثم إلى أول فحص عبلة، وطول هذا الفحص ١٢ ميلًا، وليس به عوج ولا أمت، وعن شمال المار جبل شلير الثلج، وفي حضيض هذا الجبل حصون كثيرة، منها حصن «فريرة»٤٠٦ ينسب إلى الجوز، وذلك أن بها من الجوز شيئًا ينفرط في غير رض ولا يعدله في طعمه شيء من الجوز من غيرها من الأقطار.
ومن حصن هذا الجبل حصن «دلر»،٤٠٧ وبه من الكمثرى كل عجيبة، وذلك أن الكمثرى به يكون منها في وزن الحبة الواحدة رطل أندلسي، وأما الأعم منها فكمثرتان في رطل واحد، ولها مذاق عجيب. ومن آخر فحص عبلة إلى خندق آش، ثم إلى مدينة وادي آش٤٠٨ وهي مدينة متوسطة المقدار، ولها أسوار محدقة، ومكاسب مؤنقة، ومياه متدفقة، ولها نهر صغير دائم الجري، ومنها إلى قرية «دشمة»٤٠٩ وبها المنزل. ومنها إلى «الرتبة» ثم إلى قرية «أفرافيدة»٤١٠ ثم إلى قرية «ود»٤١١ وهي قرى متصلة. ومنها إلى مدينة أغرناطة ٨ أميال. ومدينة وادي آش رصيف يجتمع به طرق كثيرة، فمن أراد منها مدينة بسطة خرج منها إلى جبل عاصم٤١٢ ثم إلى قرية …٤١٣ إلى مدينة بسطة وبينهما ٣٠ ميلًا. ومدينة بسطة٤١٤ متوسطة المقدار، حسنة الموضع، عامرة آهلة، لها أسوار حصينة، وسوق نظيفة وديار حسنة البناء، رائقة المغنى، وبها تجارات وفعلة لضروب من الصناعات، وعلى مقربة منها حصن «طشكر»٤١٥ الذي فاق جميع حصون الأندلس منعة، وعلوًا ورفعة، وطيب تربة وهواء. وليس لأحد موضع يصعد منه إلى هذا الحصن إلا موضعان، وبين الموضع والموضع ١٢ ميلًا، على طرق مثل شراك النمل، ومدارج النمل، وبأعلاه الزرع والضرع والحصاد والمياه وإليه الانتهاء في الخصب وجودة الحصانة. وكذلك من وادي آش إلى جيان ثلاث مراحل خفاف.
ومدينة جيان٤١٦ حسنة كثيرة الخصب، رخيصة الأسعار، كثيرة اللحوم والعسل، ولها زائد على ثلاثة آلاف قرية كلها يربي بها دود الحرير، وهي مدينة كثيرة العيون الجارية تحت سورها، ولها قصبة من أمنع القصاب وأحصنها يرتقي إليها على طريق مثل مدرج النمل، ويتصل بها جبل «كور».٤١٧ وبمدينة جيان بساتين وجنات، ومزارع وغلات القمح والشعير والباقلاء وسائر الحبوب، وعلى ميل منها نهر «بلون»٤١٨ وهو نهر كبير، وعليه أرحاء كثيرة جدًا، وبها مسجد جامع وجلة وعلماء. ومن مدينة جيان إلى مدينة «بياسة»٤١٩ ٢٠ ميلًا، وبياسة تظهر من جيان، وجيان تظهر من بياسة، وبياسة على كدية٤٢٠ تراب مطلة على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوار وأسواق ومتاجر، وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كثيرة. ومنها إلى «أبذة»٤٢١ في جهة الشرق ٧ أميال وهي مدينة صغيرة، وعلى مقربة من النهر الكبير، لها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جدًا، وفيما بين جيان وبسطة ووادي آش حصون كثيرة، عامرة ممدنة آهلة، لها خصب وغلال نافعة كثيرة، فمن ذلك أن بشرقي جيان وقبالة بياسة حصنًا عظيمًا يسمى شوذر (Joder) وإليه ينسب الخلاط الشوذري٤٢٢ ومنه في الشرق إلى حصن «طوية»٤٢٣ ١٢ ميلًا، ومنه إلى حصن «قيشاطة»٤٢٤ وهو حصن كالمدينة له أسواق وربض عامر، وحمام وفنادق، وعليه جبل يقطع به من الخشب التي تخرط منه القصاع والمخابي والأطباق وغير ذلك، مما يعم بلاد الأندلس وأكثر بلاد المغرب أيضًا. وهذا الجبل يتصل ببسطة، وبين جيان وهذا الحصن مرحلتان، ومنه إلى وادي آش مرحلتان، ومنه إلى أغرناطة مرحلتان ومن وادي آش المتقدم ذكرها إلى أغرناطة ٤٠ ميلًا.
ومدينة أغرناطة محدثة من أيام الثوار بالأندلس، وإنما كانت المدينة المقصودة البيرة (vera)، فخلت وانتقل أهلها إلى أغرناطة، ومدّنها وحصّن أسوارها وبنى قصبتها حيّوس الصنهاجي،٤٢٥ ثم خلفه ابنه بادس بن حيوس، فكملت في أيامه وعمرت إلى الآن. وهي مدينة يشقها نهر يسمّى «حدرو»٤٢٦ وعلى جنوبها نهر الثلج المسمى «شنيل»٤٢٧ ومبدأُه من جبل شلير، وهو جبل الثلج، وذلك أن هذا الجبل طوله يومان وعلوه في غاية الارتفاع، والثلج به دائمًا في الشتاء والصيف: ووادي آش وأغرناطة في شمالي الجبل، ووجه الجبل الجنوبي مطل على البحر، يرى من البحر على مجرى (… بياض بالأصل) ونحوه وفي أسفله من ناحية البحر برجة ودلاّية، وقد ذكرناهما في ما سبق. ومن أغرناطة إلى مدينة المنكّب على البحر ٤٠ ميلًا، ومن أغرناطة إلى مدينة «لوشة»٤٢٨ مع جرية النهر ٢٥ ميلًا. ومن المنكّب إلى مدينة المرية ١٠٠ ميل في البحر، ومن المنكّب إلى مدينة مالقة ٨٠ ميلًا.
ومدينة مالقة مدينة حسنة حصينة ويعلوها جبل يسمّى جبل «فأره»،٤٢٩ ولها قصبة منيعة وربضان، لا أسوار لها، وبها فنادق وحمامات، وبها من شجر التين ما ليس بأرض،٤٣٠ وهو التين المنسوب إلى ريّة. ومالقة قاعدة ريّة، ومن مالقة إلى قرطبة في جهة الشمال أربعة أيام، ومن مالقة أيضًا إلى غرناطة ٨٠ ميلًا. ومن مالقة إلى الجزيرة الخضراء مائة ميل، ومن مالقة إلى أشبيلية خمسة مراحل، ومن مالقة إلى «مُرْبَلّة»٤٣١ في طريق الجزيرة الخضراء ٤٠ ميلًا، ومُرْبَلّة مدينة صغيرة متحضّرة، ولها عمارات وأشجار تين كثيرة، وفي الشمال منها قلعة «بُبَشتر»،٤٣٢ وهي قلعة في نهاية الامتناع والتحصين، والصعود إليها على طريق صعب.
وأما ما بين مالقة وقرطبة من الحصون المانعة التي هي حواضر في تلك النواحي فمنها مدينة «أرشذونة»٤٣٣ و«أنتقيرة»٤٣٤، وبينها وبين مالقة ٣٥ ميلًا. وكانت أرشذونة هذه وأنتقيرة مدينتين أخلتهما الفتن في زمان الثوار بالأندلس. بعد دولة ابن أبي عامر القائم لدولة بني أمية. ومن أرشذونة إلى حصن «أشِر»٤٣٥ ٢٠ ميلًا وهو حصن حسن حصين، كثير العمارة آهل، وله سوق مشهورة، ومنه إلى باغُه٤٣٦ ١٨ ميلًا، وباغُه مدينة صغيرة القدر، لكنها في غاية الحسن، لكثرة مياهها، والماء يشق بلدها، وعليه الأرحاء داخل المدينة، ولها من الكروم والأشجار ما لا مزيد عليه، وهي في نهاية الخصب والرخاء. ويليها في جهة المشرق الحصن المسمى «بالقبذاق»٤٣٧ وبينها مرحلة خفيفة، وحصن القبذاق كبير عامر، وهو في سفح جبل ينظر إلى جهة الغرب، وبه سوق مشهورة، ومنه إلى حصن «بيّانة»٤٣٨ مرحلة صغيرة، وبيّانة حصن كبير في أعلى كدية تراب، قد حفّت بها أشجار الزيتون الكثيرة، ولها مزارع الحنطة والشعير. ومن حصن بيانة إلى «قبرة»٤٣٩ مرحلة خفيفة. وحصن قبرة كبير كالمدينة حصين المكان، وثيق البنيان، وهو على متصل أرض وطيئة وعمارات ومزارع. ومنه إلى مدينة قرطبة ٤٠ ميلًا، ويتصل به بين جنوب وغرب مدينة «اليسانة»٤٤٠ وهي مدينة اليهود، ولها ربض يسكنه المسلمون وبعض اليهود، وبه المسجد الجامع، وليس على الربض سور، والمدينة مدينة متحصّنة بسور حصين، ويطوف بها من كل ناحية حفير عميق القعر والسروب، وفائض مياهها قد ملأ الحفير، واليهود يسكنون بجوف المدينة، ولا يداخلهم فيها مسلم البتة وأهلها أغنياء مياسير، أكثر غنى من اليهود الذين بسائر بلاد المسلمين، ولليهود بها تحذّر وتحصّن من مضدّهم. ومن اليسانة إلى مدينة قرطبة ٤٠ ميلًا، ويلي هذه الحصون حصن «بُلاي» Aguilar De La Frontera٤٤١ وحصن «مُنّتُرك»٤٤٢ وهي في ذاتها حصون يسكنها البربر من أيام الأمويين، ومن حصن بُلاي إلى مدينة قرطبة ٢٠ ميلًا، وبالقرب من بُلاي حصن «شنت٤٤٣ ياله» وهو حصن على مَدَرَة، والماء منه بعيد. ومنه إلى أستجة٤٤٤ في الغرب ١٥ ميلًا. ومن حصن شنت ياله إلى قرطبة ٢٣ ميلًا. ومدينة أستجة على نهر أغرناطة المسمى شنيل وهي مدينة حسنة ولها قنطرة عجيبة البناء من الصخر المنجور، وبها أسواق عامرة، ومتاجر قائمة، ولها بساتين وجنات ملتفّة، وحدائق زاهية. ومن أستجة إلى قرطبة ٣٥ ميلًا ومن أستجة في جهة الجنوب إلى حصن أشونة٤٤٥ نصف يوم. وحصن أشونة حصن ممدّن كثير الساكن ومنه إلى «بَلشانة» Belicena ومدينة بلشانة Belicena حصن كبير عامر، له حصانة ووثاقة. يحيط به شجر الزيتون. ومن أستجة إلى مدينة قَرْمُونة Carmona ٤٥ ميلًا، وهي مدينة كبيرة يضاهي سورها سور أشبيلية وكانت فيما سلف بأيدي البرابر، ولم يزل أهلها أبدًا أهل نفاق، وهي حصينة على رأس جبل حصين منيع، وهي على فحص ممتد، جيد الزراعات، كثير الإصابة في الحنطة والشعير ومنه في الغرب إلى أشبيلية ١٨ ميلًا، وقد ذكرنا أشبيلية فيما سبق. ومن مدينة قَرْمونة إلى شريش Jerej من كورة شذونة Sidonia ٣ مراحل. وكذلك من مدينة أشبيلية إلى شريش مرحلتان كبيرتان جدًا.
ومدينة شريش متوسطة حصينة مسوَّرة الجنات، حسنة الجهات، وقد أطافت بها الكروم الكثيرة، وشجر الزيتون والتين، والحنطة بها ممكنة، وأسعارها موافقة ومن شريش إلى جزيرة قادس Cadix ١٢ ميلًا فمن شريش إلى القناطر ٦ أميال، ومن القناطر إلى جزيرة قادس ٦ أميال، ومن أشبيلية المتقدم ذكرها إلى قرطبة ٣ مراحل ولها ٣ طرق طريق «الزنبجيار» Az-Zanbadjar وطريق «لورة»  Lora وطريق الوادي، فأما طريق الزَّنْبجيار فقد ذكرناها، وهي من أشبيلية إلى قرمونة مرحلة. ومن قرمونة إلى أستجة مرحلة. ومن أستجة إلى قرطبة مرحلة. وأما طريق لورة فمن أشبيلية إلى منزل «أبان» Aban ثم إلى «مرلش» Marlich ثم إلى حصن «القليعة» Coléa وبه المنزل، وعند مسيرك من مرلش إلى القليعة تبصر حصن قطنيانه Cantillanna على الشمال والمنزل القليعة وهي ضفة النهر الكبير، يجاز إليها في المركب، ومن حصن القليعة إلى الغيران٤٤٦ إلى حصن لورة، وهو يبعد عن الطريق نحو رمية سهم، وعلى يمين المار حصن كبير عامر، على ضفة النهر الكبير، ومن لورة إلى قرية «صدف»٤٤٧ ويقابلها على يسار السالك على جبل عال حصن منيع، وقلعة متحصنة تسمى «شنت٤٤٨ فِيَلَة» وهي معقل للبربر من قديم الزمان.
ومن صدف إلى قلعة «ملبال»٤٤٩ وهي على نهر ملبال وهو نهر مدينة «فرنجلوش»٤٥٠ ومن هذه القنطرة إلى مدينة فرنجُلوش ١٢ ميلًا. ومن القنطرة إلى قرية «شُوشِبيل»٤٥١ وهي قرية كبيرة على نهر قرطبة المسمى بالنهر الكبير، ومنها إلى «حصن مُراد»٤٥٢ وبه المنزل، ومن حصن مراد إلى الخنادق إلى حصن المُدَوّر، ثم إلى السواني٤٥٣ ثم إلى قرطبة، وهي المنزل، وبين أشبيلية وقرطبة ٨٠ ميلًا على هذا الطريق، ومن حصن المدور الذي ذكرناه إلى فرنجولش ١٢ ميلًا، وهي مدينة حصينة منيعة، كثيرة الكروم والأشجار، ولها على مقربة منها معادن الفضة، بموضع يعرف بالمرج، ومنها إلى حصن «قسنطينة»٤٥٤ الحديد ١٦ ميلًا، وهذا الحصن حصن جليل، عامر آهل، وبجباله معادن الحديد الطيب المتفق على طيبه وكثرته، ومنه يتجهز إلى جميع أقطار الأندلس، وبقرب منه حصن «فِرّيش»٤٥٥ وبه مقطع للرخام الرفيع الجليل الخطير، المنسوب إليه، والرخام الفِرّيشي أجل الرخام بياضًا وأحسنه ديباجًا، وأشده صلابة، ومن هذا الحصن إلى «جبل العيون»٤٥٦ ٣ مراحل خفاف، ومن شاء المسير إلى قرطبة أيضًا من إشبيلية ركب المراكب، وسار صاعدًا في النهر إلى أرحاء «الذرّادة»، إلى عطف منزل «ابان»، إلى «قطنيانة»، إلى «لورة»، إلى حصن «الجرف»، إلى «شوشبيل»، إلى موقع نهر «ملبال»، إلى حصن «المدور»، إلى «وادي الرمان»، إلى أرحاء «ناصح»٤٥٧ إلى قرطبة، ومدينة قرطبة قاعدة بلاد الأندلس، وأم مدنها، ودار الخلافة الإسلامية.

وفضائل أهل قرطبة أكثر وأشهر من أن تذكر، ومناقبهم أظهر من أن تستر، وإليهم الانتهاء، في السناء والبهاء، بل هم أعلام البلاد، وأعيان العباد، ذُكروا بصحة المذهب، وطيب المكسب، وحسن الزي في الملابس والمراكب، وعلو الهمة في المجالس والمراتب، وجميل التخصص في المطاعم والمشارب، مع جميل الخلائق، وحميد الطرائق، ولم تخلُ قرطبة قط من أعلام العلماء، وسادات الفضلاء، وتجّارها مياسير، لهم أموال كثيرة، وأحوال واسعة، ولهم مراكب سنية، وهم عليّة، وهي في ذاتها مدن خمس، يتلو بعضها بعضًا، بين المدينة والمدينة، سور حاجز، وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات وسائر الصناعات، وفي طولها من غربيّها إلى شرقيّها ٣ أميال، وكذلك عرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود بشمالها ميل واحد. وهي في سفح جبل مطل عليها يسمى جبل العروس، ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة.

وفيها المسجد الجامع، الذي ليس بمساجد المسلمين مثله، بنية وتنميقًا، وطولًا وعرضًا، وطول هذا الجامع مائة باع مرسلة، وعرضه ٨٠ باعًا،٤٥٨ ونصفه مُسَقّف ونصفه صحن للهواء، وعدد قسيّ مُسَقّفِهِ ١٩ قوسًا، وفيه من السواري، أعني سواري مُسَقّفه، بين أعمدته، وسواري قِبلته، صغارًا وكبارًا، مع سواري القبة الكبرى وما فيها: ألف سارية. وفيه ١١٣ ثُرَيّا للوقيد، أكبرها واحدة منها تحمل ألف مصباح، وأقلّها تحمل ١٢ مصباحًا. وسقفه كله سماوات خشب مسمّرة في جوائز سقفه، وجميع خشب هذا المسجد الجامع من عيدان الصنوبر الطرطوشي،٤٥٩ ارتفاع حد الجائزة منه شبر وافر، في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع، في طول كل جائزة منها ٣٧ شبرًا، وبين الجائزة والجائزة غِلَظ جائزة. والسماوات التي ذكرناها هي كلها مسطحة، فيها ضروب الصنائع المنشأة من الضروب المسدّسة والمورّبى! وهي صنع الفصّ وصنع الدوائر والمداهن، لا يشبه بعضها بعضًا، بل كل سماء منها مُكتَفٍ بما فيه من صنائع قد أحكم ترتيبها، وأبدع تلوينها بأنواع الحمرة الزنجفرية، والبياض الاسفيذاجي، والزرقة اللازوردية، والزرقون الباروقي، والخضرة الزنجارية، والتكحيل النفسي، تروق العيون، وتستميل النفوس، بإتقان ترسيمها، ومختلفات ألوانها وتقسيمها. وسعة كل بلاطة منها، أعني من بلاطات مسقّفه ٣٣ شبرًا، وبين العمود والعمود ١٥ شبرًا، ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام. وقد عقد بين العمود والعمود على أعلى الرأس قسيّ غريبة، فوقها قسيّ أُخر، على عمد من الحجر المنجور متقنة. وقد جصّص الكل منها بالجصّ والجيّار، وركبت عليها نحور مستديرة ناتئة، بينها ضروب صناعات الفسفس بالمغرة. وتحت كل سماء منها إزار خشب فيه مكتوب آيات القرآن.
figure
عساكر العرب في حصار قرطبة وهم يتسلقون جدرانها سنة ٧١٢ ب.م.

ولهذا المسجد الجامع قبلة يُعجز الواصفين وصفها، وفيها إتقان يبهر العقول تنميقُها وكل ذلك من الفسيفساء المذهب والملّون، مما بعث صاحب القسطنطينية العظمى إلى عبد الرحمن المعروف بالناصر لدين الله الأموي. وعلى هذا الوجه، أعني وجه المحراب، سبع قسي قائمة على عمد، وطول كل قوس منها أشف من قامة، وكل هذه القسيّ مزجّجة صنعة القرط وقد أعيت المسلمين والروم بغريب أعمالها، ودقيق تكوينها ووضعها. وعلى أعلى الكل كتابان مسجونان بين بحرين من الفسيفساء المذهب، في أرض الزجاج اللازوردي وتحت هذه القسي التي ذكرناها كتابان مثل الأولين مسجونان بالفسيفساء المذهب في أرض اللازورد، وعلى وجه المحراب أنواع كثيرة من التزيين والنقش، وفي عضادتي المحراب ٤ أعمدة اثنان أخضران، واثنان لازورديان لا تقوّم بمال. وعلى رأس المحراب خصّة رخام قطعة واحدة مشبوكة محفورة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللازورد وسائر الألوان وعلى وجه المحراب مما استدار به حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريبة.

ومع يمين المحراب المنبر الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة خشب آبنوس وبقس وعود المجمر، ويحكى في كتب تواريخ بني أمية أنه صنع في نجارته ونقشه ٧ سنين، وكان عدد صناعه ستة رجال، غير من يخدمهم تصرفًا، ولكل صانع منهم في اليوم نصف مثقال محمدي. وعن شمال المحراب بيت فيه عُدد وطشوت ذهب وفضة ومسك لوقيد الشمع في ليلة ٢٧ رمضان المعظم. ومع ذلك ففي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله، فيه أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان، وهو المصحف الذي خطه بيمينه رضي الله عنه، وفيه نقط من دمه، وهذا المصحف يخرج في صبيحة كل يوم جمعة، ويتولى إخراجه رجلان من قَوَمَة المسجد. وأمامهم رجل ثالث بشمعة، وللمصحف غشاء بديع الصنعة، منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه، وله بموضع المصلى كرسي يوضع عليه ويتولى الإمام قراءة نصف حزب منه ثم يرد إلى موضعه.

وعن يمين المحراب والمنبر باب يفضي إلى القصر بين حائطي الجامع في ساباط متصل، وفي هذا الساباط ٨ أبواب منها ٤ تنغلق من جهة القصر، و٤ تنغلق من جهة الجامع. ولهذا الجامع عشرون بابًا مصفحة بصفائح النحاس وكواكب النحاس، وفي كل باب منها حلقتان في نهاية من الإتقان، وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفص المتخذ من الآجر الأحمر المحكوك، أنواعًا شتى، وأجناسًا مختلفة من الصناعات والترييش وصدور البُزاة. وفيما استدار بالجامع في أعلاه لتمدد الضوء ودخوله إلى المسقّف متكآت رخام، طول كل متكأ منها قدر قامة، في سعة ٤ أشبار في غلظ ٤ أصابع. وكلها صُنُع مسدّسة ومثمنة، مخرّمة منفوذة لا يشبه بعضها بعضًا.

وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة الغريبة الصنعة الجليلة الأعمال الرائقة الأشكال التي ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي٤٦٠ منها ٨٠ ذراعًا إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن بقدميه، ومن هناك إلى أعلاها ٢٠ ذراعًا ويصعد إلى أعلى هذه المنارة بدرجين أحدهما من الجانب الغربي والثاني من الجانب الشرقي إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لا يجتمعان إلا إذا وصلا أعلاها. ووجه هذه الصومعة كله مبطّن بالكذّان اللّكّي، منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة صنع مثّمنة تحتوي على أنواع من الصنع والتزويق والكتابة والملون، وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قسي دائرة على عمد الرخام الحسن. والذي في الصومعة من العمد بين داخلها وخارجها ٣٠٠ عمود بين صغير وكبير. وفي أعلى الصومعة بيت له أربعة أبواب مغلقة، يبيت فيه كل ليلة مؤذنان على توال. وفي أعلى الصومعة على القبة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهب، وتفاحتان من فضة، وأوراق سوسنية، تسع الكبيرة من التفاحات ٦٠ رطلًا من الزيت. ويخدم الجامع كله ٦٠ رجلًا وعليهم قائم ينظر في أمورهم، وهذا الجامع متى سها أمامه لا يسجد لسهوه قبل السلام، بل يسجد بعد السلام.

ومدينة قرطبة في حين تأليفنا هذا الكتاب طحنتها رحى الفتنة، وغيّرها حلول المصائب والأحداث، مع اتصال الشدائد على أهلها، فلم يبق بها منهم الآن إلا الخلق اليسير، ولا بلد أكبر اسمًا منها في بلاد الأندلس.

ولقرطبة القنطرة التي علت القناطر فخرًا في بنائها وإتقانها، وعدد قسيّها ١٧ قوسًا بين القوس والقوس ٥٠ شبرًا، وسعة القوس مثل ذلك ٥٠ شبرًا، وسعة ظهرها المعبور عليه ٣٠ شبرًا. ولها ستائر من كل جهة تستر القامة. وارتفاع القنطرة من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفوف الماء ٣٠ ذراعًا، وإذا كان السيل يصل الماء منها إلى نحو حلوقها. وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف سد مصنوع من الأحجار القبطية والعمد الجاشية٤٦١ من الرخام. وعلى هذا السد ثلاثة بيوت أرحاء، في كل بيت منها أربع مطاحن.٤٦٢

ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يحاط بها خُبْرًا.

ومن مدينة قرطبة إلى مدينة الزهراء ٥ أميال، وهي قائمة الذات بأسوارها ورسوم قصورها، وفيها قوم سكان بأهليهم وذراريهم، وهم قليلون، وهي في ذاتها مدينة عظيمة مدرجة البنية، مدينة فوق مدينة، سطح الثلث الأعلى يوازي على الجزء الأوسط، وسطح الثلث الأوسط يوازي على الجزء الأسفل، وكل ثلث منها له سور. فكان الجزء الأعلى منها قصورًا يقصر الوصف عن صفاتها. والجزء الأوسط بساتين وروضات والجزء الثالث فيه الديار والجامع. وهي الآن خراب في حال الذهاب.

ومن مدينة قرطبة إلى المرْية ٨ أيام. ومن قرطبة إلى أشبيلية ٨٠ ميلًا. ومن قرطبة إلى مالقة ١٠٠ ميل. ومن قرطبة إلى طليطلة ٩ مراحل، فمن أرادها سار من قرطبة في جهة الشمال إلى عقبة «أرلش»٤٦٣ ١١ ميلًا. ومنها إلى دار البقر٤٦٤ ٦ أميال «ثم إلى بطروش»٤٦٥ ٤٠ ميلًا. وحصن «بطروش» حسن كثير العمارة، شامخ الحصانة، لأهله جلادة وحزم على مكافحة أعدائهم، ويحيط بجبالهم وسهولهم شجر البلوط الذي فاق طعمه طعم كل بلوط على وجه الأرض، وذلك أن أهل هذا الحصن لهم اهتمام بحفظه وخدمته، لأنه لهم غلة وغياث في سني الشدة والمجاعة. ومن حصن بطروش إلى حصن «غافق»٤٦٦ ٧ أميال، وحصن غافق حصن حصين، ومعقل جليل، وفي أهله نجدة وحزم، وجلادة وعزم، وكثيرًا ما تسري إليهم سرايا الروم فيكتفون بهم في إخراجهم عن أرضهم، وإنقاذ غنائمهم منهم، والروم يعلمون بأسهم وبسالتهم فيناحرون٤٦٧ أرضهم ويتحامون عنهم. ومن قلعة غافق إلى جبل «عافور»٤٦٨ مرحلة، ثم إلى دار البقر مرحلة، ثم إلى قلعة «رباح»،٤٦٩ وهي قلعة حسنة، وقد سبق ذكرها. وكذلك الطريق من قرطبة إلى بطليوس.. من قرطبة إلى دار البقر المتقدم ذكرها مرحلة، ومنها إلى حصن «بِندر»٤٧٠ مرحلة، ثم إلى «زواغة» مرحلة، وزواغة حصن عليه سور تراب، وهو على كدية تراب، ومنه إلى نهر «أثنه»٤٧١ مرحلة، ومنه إلى حصن «الحنش»٤٧٢ مرحلة، وحصن الحنش منيع شامخ الذروة، مطل الغلوة شاهق البنية، حامي الأفنية. ومنه إلى مدينة ماردة مرحلة لطيفة، ثم إلى بطليوس مرحلة خفيفة. فذلك من قرطبة إلى بطليوس، ٧ مراحل. وبشمال قرطبة إلى حصن «ابال» مرحلة، وهو الحصن الذي به معدن الزيبق، ومنه يتجهّز بالزيبق والزنجفر إلى جميع أقطار الأرض، وذلك أن هذا المعدن يخدمه أزيد من ألف رجل، فقوم للنزول فيه وقطع الحجر، وقوم لقطع الحطب لحرق المعدن، وقوم لعمل أواني لسبك الزيبق وتصعيده، وقوم لشأن الأفران والحرق. قال المؤلف: وقد رأيت هذا المعدن فأُخبرت أن من وجه الأرض إلى أسفله نحو من مائتي قامة وخمسين قامة.٤٧٣ ومن قرطبة إلى أغرناطة ٤ مراحل وهي مائة ميل. وبين أغرناطة وجيّان ٥٠ ميلًا وهي مرحلتان.

وأما بحر الشام الذي عليه جنوب بلاد الأندلس، فمبدأه من الغرب، وآخره حيث أنطاكية، ومسافة ما بينهما ٣٦ مجرى. فأما عروضه فمختلفة، وذلك أن مدينة مالقة يقابلها من الضفة الأخرى «المزمّة» و«قادس» وبينهما عرض البحر مجرى يوم واحد بالريح الطيبة المعتدلة. وكذلك «المريّة» يوازيها في الضفة الأخرى «هُنين» وعرض البحر بينهما مجريان. وكذلك أيضًا مدينة «دانية» يقابلها من الضفة الأخرى «تَنس» وبينهما ٣ مجارٍ. وكذلك مدينة برشلونة تقابلها من عدوة الغرب الأوسط «بجّانة» وبينهما ٤ مجار في عرض البحر، والمجرى مائة ميل.

وأما جزيرة «يابسة» فإنها جزيرة حسنة كثيرة الكروم والأعناب، وبها مدينة حسنة صغيرة متحضّرة، وأقرب برّ إليها مدينة دانية، وبينهما مجرى. وفي شرقي جزيرة يابسة جزيرة ميّورقة،٤٧٤ وبينهما مجرى، وبها مدينة كبيرة، لها مالك وحارس ذو رجال وعدد وأسلحة وأموال، وبالشرقيّ منها أيضًا جزيرة مينورقة تقابل مدينة برشلونة، وبينهما مجرى، ومن مينورقة إلى جزيرة سردانية ٤ مجار. فهذا ما أردنا ذكره.

(٤) ما قاله عن إقليم الأندلس: أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب»

ذكر الأقاليم السبعة التي كان الجغرافيون الأولون يقولون بها، فذكر الأندلس في الإقليم الثالث فقال: الإقليم الثالث حده منتهى أرض الحبشة، مما يلي أرض الحجاز، إلى نصيبين، إلى أقصى الشام، إلى البحر الذي بين أرض مصر وبين الشام إلى وسط البحر الذي يلي الأندلس مما يلي المغرب.

ثم ذكر معرفة قسمة الأقاليم لبطليموس فقال: فأما بطليموس وقدماء اليونانيين فإنهم رأوا أن طباع الأقاليم وجبلّتها لا تكون إلا طرائق من المشرق إلى المغرب، متجاورة بعضها إلى بعض، من خط الاستواء إلى حيث يقع القطب الشمالي، خمسين درجة، وهو ضعف الميل وزيادة جزءين وكسر، وقد حد في قانونه عرض كل إقليم منها وساعات نهاره الأطول، على وسطه دون طرفيه، بقول من نقل عنه، فجعل وسط الإقليم الأول مدينة سبأ بمأرب من أرض اليمن، وجعل العرض ستة عشر جزءًا وربعًا وخمسًا، وساعات نهاره الأطول ثلاثة عشر سواء، وعرض الإقليم الثاني منتهى الميل، وهو ثلاثة وعشرون جزءًا وخمسة أسداس، وساعات نهاره الأطول ثلاث عشرة ونصف، والثالث إقليم إسكندرية، وعرضه ثلاثون جزءًا وسدس وخمس جزء، وساعاته أربع عشرة، والرابع إقليم بابل، وعرضه ستة وثلاثون جزءًا وعشر، وساعات نهاره الأطول أربع عشرة ونصف. والإقليم الخامس عرضه أربعون جزءًا، وتسعة أعشار، وثلث عشر ساعة، وساعاته خمس عشرة ساعة والإقليم السادس عرضه خمسة وأربعون جزءًا ونصف وسدس عشر، وساعات نهاره الأطول خمس عشرة ساعة ونصف، والإقليم السابع عرضه ثمانية وأربعون جزءًا ونصف وثلث عشر، ونهاره الأطول ست عشرة ساعة. وقد حدّ أقاصيها وأدانيها وبعض ما تشتمل عليه من البلاد المشهورة فقال: إن الإقليم الأول يمر على وسطه من المشرق إلى المغرب على المواضع التي يكون نهارها الأطول وعرضها ما ذكرناه وابتداؤه حيث يكون نهاره الأطول اثنتي عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة، وعرضه اثنا عشر جزءًا ونصف. وانتهاؤه حيث يكون نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربعًا وعرضه عشرين جزءًا وربعًا، ووسط هذا الإقليم مدينة سبأ، وما كان في مثل عرضها من مواضع الأرض، وابتداؤه من المشرق من أقاصي بلاد الصين الخ.

ولما وصل إلى الإقليم الرابع قال: ويمر الإقليم الرابع على وسطه من المشرق إلى المغرب على المواضع التي يكون نهارها الأطول وعرضها ما قد ذكرناه، وابتداؤه من الموضع الذي انتهت إليه ساعات الإقليم الثالث، وعرضه إلى حين يكون نهاره الأطول أربع عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة، وعرضه ثمانيًا وثلاثين درجة. ووسط هذا الإقليم بالتقريب مدينة أصبهان من مواضع، وابتداؤه من المشرق آخر أرض الصين وتبّت وبلخ وخراسان والجبال وأرض الموصل وشمال الشام، وبعض الثغور، وبحر الشام وجزيرة قبرص، وبلاد طنجة، إلى أن ينتهي إلى حد المغرب من دون البحر المظلم. ويمر الإقليم الخامس على وسطه من المشرق إلى المغرب على المواضع التي يكون نهارها الأطول وعرضها ما قدمنا ذكره. وابتداؤه من الموضع الذي انتهى إليه عرض الإقليم الرابع، ساعاته إلى حيث يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة وربعًا وعرضه ثلاث وأربعون درجة، ووسط هذا الإقليم بالتقريب مدينة مَرْو، وما كان في مثل عرضها من مواضع الأرض. فابتداؤه من المشرق داخل بلاد الترك وشمال خراسان وأذريبجان وكور أرمينية وبلاد الروم وسواحل بحر الشام الشمالية والأندلس إلى أن ينتهي إلى حد المغرب من دون البحر المظلم.

ثم نقل عن بطليموس قوله: لما انقسمت دائرة البروج بأربعة أقسام، وهي المثلثات، لأن كل قسم منها ثلاثة أبراج، على طبيعة من الطبائع الأربع، التي هي النار والأرض والهواء والماء، انقسم عامر الأرض بأربعة أقسام، كل قسم منها منسوب إلى قسم من المثلثات في الطباع، لأن كل محيط بطبع ما أحاط به على قدر طبيعته (إلى أن يقول) فلما كانت هذه الأشياء كذلك، كان موضع سكناها ينقسم إلى أربعة أرباع متساوية في العدد للمثلثات، ثم أتى على ذكر الربع المنسوب إلى «أوروفة» — يريد بها أوروبا — فقال: إن الأمم الكلية التي تسكن في هذه الأجزاء هي أهل بلاد الصقالبة وبلاد برطانية وغالاطية وجرمانية وباسترانية وإيطالية وغالية وأبولية وطورينية وقلطيقة وسبانية (إلى أن قال) عن طبائع أهل هذه البلدان: يجب أن يكون أهل هذه البلدان، في أكثر الأمر، بسبب رئاسة هذا المثلث، وبسبب الكواكب التي تشترك في تدبيره، غير خاضعين، محبين للحرية والسلاح والتعب، محاربين، أصحاب سياسة ونظافة، كبار الهمم، ولما كان المشتري والمريخ مشتركين فيهم، إذا كانا في الحال المنسوبة إلى العشيّات، وكانت الأجزاء المتقدمة من هذا المثلث مذكرة، والمتأخرة مؤنثة، عرض لهذه الأمم ألا يكون لهم غيرة في أمر النساء (إلى أن يقول): وأما بلاد إيطالية منها وبلاد أبولية — يريد نابولي — وبلاد غالية — جنوبي فرنسا ووسطها — وبلاد صقيلية، فإنها تشاكل الأسد والشمس ولذلك صار سكانها أصحاب سياسة، وأصحاب اصطناع المعروف، وأصحاب مؤاساة. وأما بلاد طورينية منها وبلاد قالتقي — يريد بها بلاد السلتيين Celtes وهم أمة كانت تجاور الغاليين والأيبيريين — وبلاد سبانية، فإنها تشاكل الرامي والمشتري ولذلك صار سكانها سليمي القلوب محبي النظافة. انتهى.

هذا ما جاء في كتاب الهمداني من جغرافي العرب وحكمائهم عن أسبانية، وأما قضية تأثير الكواكب في طباع سكان الأرض، وما نقله الهمداني عن بطليموس القلودي من هذا الباب فهو معدود اليوم من النظريات البالية، التي عدل الناس عنها، لا سيما أننا لا نراها مطردة ولا غالبة حتى نحكم بصحتها.

(٥) ما ذكره أبو العباس أحمد المقري: صاحب كتاب نفح الطيب عن بلاد الأندلس من الجهة الجغرافية

اعلم أعزك الله أنه لا يزال نفح الطيب من أعظم المراجع التي يعول عليها المحققون في أخبار الأندلس، برغم كل ما عليه من مآخذ ومغامز، وما فاته من مباحث ومسائل، وذلك لأن صاحبه اتصل بكتب كثيرة لم يتيسر لغيره الاطلاع عليها، وشافه في الشرق والغرب عددًا كبيرًا من الجِلّة وحاضرهم، وكان المقري نفسه مولعًا بأخبار الأندلس، متخصصًا فيها حافظًا من أنبائها، وكلام علمائها، ونظم شعرائها، ولا سيما من أقوال لسان الدين بن الخطيب، وزير بني الأحمر الشهير بما يكاد يكون من المعجزات، ولما كان قد رحل إلى المشرق، كأكثر علماء المغرب، وحج البيت الحرام خمس مرات، وزار المدينة المنورة، والبيت المقدس، انتهى في طوافه إلى دمشق الشام التي أخذت بمجامع فؤاده، فألقى بها عصا التسيار، وتعرف بكثير من علماء الشام وأدبائها وسراتها، فكان ذكر الأندلس أمامهم ملهج لسانه الدائم، وغرام قلبه الملازم، فأرادوه أولًا على تأليف كتاب يتضمن مرويّاته عن لسان الدين بن الخطيب، فصحت عزيمته على ذلك، وبدأ بكتابة هذا الكتاب سنة تسع وثلاثين وألف للهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. إلاّ أنه بعد ما بدأ به بدا له أن يتوسع في الموضوع، ولا يقتصر على أخبار لسان الدين وحده فكان عندما شرع بهذا التأليف سمّاه «عَرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب» ثم لما أجمع التوسع في الموضوع عاد فسمى كتابه «بنفح الطيب، من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب» وهو لعمري اسم لائق بمسماه ولفظ موافق لمعناه، ولا أظنه يوجد اسم ألذ للقارئ من اسم «نفح الطيب» كما أن الملابسة ظاهرة بين قوله «غصن الأندلس الرطيب» ومزايا الأندلس الطبيعية في كثرة جناتها وبساتينها ووفرة فواكهها ورياحينها، وما اتصفت به من الخصب والنماء، وجمعته من زكاء الأرض إلى خير السماء، ولما كان للسان الدين بن الخطيب في هذا الكتاب الحصة الكبرى في الآثار المروية، والأصوات المحكية، لم يكن من العجب أن يجعل اسمه فيه وقد كان في الأصل هو المقصود بالتأليف. هذا وقد كان تأليف المقري للنفح حينما كان مقيمًا بالشام، ولذلك قال عنه في المقدمة ما يلي:
وله بالشام تعلق من وجوه عديدة، هادية لمتأمله إلى الطريق السديدة،
  • أولها: أن الداعي لتأليفه أهل الشام، أبقى الله مآثرهم، وجعلها على مر الزمان مديدة.
  • ثانيها: أن الفاتحين للأندلس هم أهل الشام، ذوو الشوكة والنجدة الحديدة.
  • ثالثها: أن غالب أهل الأندلس من عرب الشام الذين اتخذوا بالأندلس وطنًا مستأنفًا وحضرة جديدة.
  • ورابعها: أن غرناطة نزل بها أهل دمشق، وسموها باسمها، لشبهها بها في القصر والنهر، والدوح والزهر، والغوطة الفيحاء.

وهذه مناسبة قوية العرى شديدة.

قد يكون كلام المقري هذا مما لا يعجب بعض الثائرين على السجع في أخريات هذه الأيام ولكنه ذو معنى كبير، وفيه تصريح خطير، ولذلك فإن ثورة هذه الفئة على السجع، والفاصلة، ليس من شأنها أن تقل من حد رغبتنا في نقل كلام يعود على وطننا الشامي بشقص كهذا من الفخر لم يوفره لغيره ثقة كبير، كأبي العباس أحمد المقري المغربي، إن لم يكن هو حجة في أخبار الأندلس فياليت شعري من يكون هو الحجة؟! فنحن رواة عنه، ونقلة من نصوص بأسجاعها وفواصلها وحروفها وحركاتها.

نعم إن «نفح الطيب» هو كتاب أدب، أكثر منه كتاب تاريخ، وقد قيل فيه، وكاد يلحق بالأمثال السائرة: إنه «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، الذي لم يقرأه فليس بأديب» ولكنه إلى هذا الوقت لا يزال عمدة المنقبين عن آثار الأندلس سواء في التاريخ أو في الجغرافية أو في الأدب أو في المحاضرة برغم كل ما فاته منها، ولا أزال أنا أستقي من منابعه برغم ما نقمت عليه في كتابي «مختصر تاريخ الأندلس» الذي حررته ذيلًا على «آخر بني سراج» Dernier Des Abencerrage الرواية التي من قلم شاتو بريان الكاتب الإفرنسي الشهير، وقد ترجمتها إلى العربية وأردفتها بتاريخ للأندلس ونشرتهما سنة ١٣١٥.

فيناسب أن أعيد هنا ما كنت قلته من ٤٠ سنة، وهو منقول بالحرف عن صفحة ٦٠ و٦١ و٦٢ و٦٣ من ذلك الكتاب، طبعته الثانية بمطبعة المنار وهو هذا (تحت عنوان) «تمهيد».

إنما حداني إلى تذييل هذه الرواية أمران:
  • الأول: إعانة القارئ على فهم الحوادث ومعرفة المواقع، بما تُفقد بدونه لذة المطالعة.
  • والثاني: ما رأيته من اختصار جرم الرواية، فآثرت إردافها بذيل يطيل من قدها، ويزيد في حجمها، ويكون فيه من حقائق الوقائع التاريخية ما لا يقصّر فكاهة عن موهوم الرواية الغرامية، فجاءت روايتنا ذيّالًا، وإن لم نرج أن تكون طاووسًا، وليست هذه أول مرة جرّت فيها الروايات أذيالًا، واتخذت القصص أذنابًا طوالًا.

وما أقصد بهذا الذيل استقصاء تاريخ الأندلس الإجمالي إلا ما اضطر إليه مساق الكلام. فقد كنت منذ نشأتي ممن لا يحبون التأليف فيما كثر فيه التأليف، وطال فيه المقال كأنما أعده تكرارًا لسابق، أو إعادة لصدى، وأراه خلوًا من كل براعة. وأخبار الأندلس مستفيضة في التواريخ شرقًا وغربًا، ومعروفة عند الأدباء بما لا يكون التأليف فيه سوى زيادة في عدد الكتب. وإنما يستحب الإنشاء في ما ندر فيه الكلام وعز البحث، وطمست الأعلام فإذا قرأته العامة، بل الخاصة، سقطت منه على جديد ذي طلاوة، ولم تسأمه النفوس، لعدم تداولها مطالعته المرة بعد الأخرى مدارسة كتب القواعد التي لا تتغير.

فأشد الأقسام عوزًا إلى البحث من تاريخ هذه البلاد — التي لا نزال نحسبها عربية لكون أحسن أيامها ما كان من أيام العرب فيها — إنما هو القسم الأخير، وأحوج طائفة من أخبارها إلى التدوين ما تعلق بدور الجلاء، وعصر الخروج من بلاد كانت مدة الضيافة فيها ثمانمائة سنة، وذلك لأن هذا الحادث الكبير الذي هو أضخم الحوادث في الإسلام وقع على حين خمول من القرائح العربية، وبعد مرور زمن العلم والفلسفة عند معشر الناطقين بالضاد، ولدى إقحاط البلاد بالأدمغة المتوقدة، وعقم الأمة عن الرؤوس المولدة، بحيث فاته من التأليف والكتابة فيه ما لم يكن ليفوته لو وقع قبل ذلك بقرنين أو ثلاثة، فإنه لا عطر بعد عروس.

نعم لا أنكر أن (كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للعلاّمة المقري هو من أوفى الكتب بأخبار الأندلس وآدابها: حقيبة أنباء، وقِمَطر حوادث وخزانة آداب، وكشكول لطائف، وديوان أشعار، وقد كان عهد تصنيفه على أثر النازلة الكبرى بباقي الأندلس، وامتصاص سؤر الكاس، وعفاء الأثر الأخير من سلطان المسلمين فيها، بحيث أمكن صاحبه ذكر سقوط مملكة غرناطة، واستيلاء الأسبانيول على الجميع، وختم الدولة الإسلامية في تلك الديار، ولكنه ككثير من مؤرخينا أو مؤلفينا الذين لا يرعون النسبة بين الأشياء ولا ينتبهون إلى قاعدة أن الحسن إنما هو تناسب الأعضاء، فقد بحث في هذا الخطب الجلل، والحادث العمم، بحثًا هو دون حقه بدركات، وأتى عليه كما يأتي على واقعة متوسطة البال، من الوقائع التي أشار إليها في بطن كتابه واستوعبه في أوراق يسيرة، كانت لطافتها تكون في كثافتها، فإن التناسب يقضي بإعطاء كل مقام من المقال ما يكافيه، ويقوم بحقه ويجيء على قدره. ولو فسح الفاضل المقري رحمه الله لواقعة سقوط مملكة غرناطة، وحادث انقراض أمر الإسلام بالأندلس، ما فسحه في تاريخه للنثر الكثير، الذي يغني عن كله بعضه من المخاطبات التي صدرت عن لسان الدين بن الخطيب، أو وجهت إليه، أو إلى غيره، أو الشعر الغزير الذي كثير منه حقيق بالإسقاط من ذلك المجموع، والقصص التي يرويها عن بعض المشايخ مع طول أناة غريب في الاستقصاء، مع أنه ليس فيها ما يرفع أقدارهم إلى السماء، لكان ذلك أجزل فائدة وأسنى موقعًا، وكانت الناس قد شفت غليلها من خبر هذه الطامة التي لكل الحوادث سلوان يسهّلها، وليس لها سلوان، كما قال أبو البقاء الرندي، ولكفينا مؤونة النقل عن كتب الإفرنج فيما يختص بالعرب، وحسبك أنه ذكر جميع وقائع السلطان أبي عبد الله بن الأحمر، وعمه الزغل، وذهاب تلك المملكة، وما جرى في ضمنه من الحروب وما حصر من المدن، في مسافة من التاريخ، استوعبت أطول منها رسالة، واحدة صادرة عن ذلك السلطان إلى الشيخ الوطّاسي صاحب فاس في موضوع أبرد ما فيه، مع طوله، أنه اعتذار عن سقوط آخر ممالك المسلمين بالأندلس على يده، بأن الخطب غير نادر المثال، وأن بغداد، دار خلافة بني العباس، قد أصابها ما أصاب غرناطة! فانظروا هل هذا مما يؤثر على طوله، أو مما ترتاح الأنفس إلى قبوله، على فرض صحة تمثيله؟ وإن كان العذر في ذلك ما يقال من أن صاحب النفح قد ألفه وهو نِضو أسفار، خالٍ من الأسفار، ليس لديه من العدة ما يستعين به على الإطالة، والأخذ بالأطراف، فسبحان الله! كم يتلهى بعض علمائنا بحفظ ما لا ينفع عن تعليق ما ينفع؟! وهذا الفاضل المقري قد أملى عن ظهر قلبه أربعة مجلدات كبار، أودعها من التاريخ والجغرافية والقصص والنكات، وحشاها من الشعر والنثر والتراجم والتصّوف. غثًا وسمينًا، ما لا أظن حافظة تتمكن من اختزانه بين صدغين، وتركنا في التاريخ المهم من تفصيل الوقائع الشداد، والمعارك التي سالت فيها أنهر الدماء، في دور النزع الأخير، عيالًا على الإفرنج، مضطرين إلى الأخذ من مصنفاتهم، فكنا وإياهم في أخذ تاريخنا عنهم كما كنا في أخذ لغتنا عن صحاح الجوهري.٤٧٥
ولا لشك أن في ديار المغرب من التواريخ عن كارثة الأندلس الأخيرة ما يستوفي شرحها٤٧٦ ولكنه لم يشتهر عندنا في المشرق غير نفح الطيب من متأخر التآليف، وهذه هي الحال معه، فلا عجب أن ساقنا حب الاستقصاء، واقتفاء أثر أبناء الجلدة، إلى أخذ أخبارنا عن الأجانب وتلونا: (هذه بضاعتنا ردت إلينا) ا.هـ.

هذا ما كتبته عن نفح الطيب يوم كنت في السابعة والعشرين من العمر، ولست من بعد مضي تسع وثلاثين سنة على ذلك القول براجع عنه اليوم من حيث الجوهر، وإن كنت أراني الآن أقل قسوة، وأكثر عطفًا على المقري وأعظم تقديرًا لما أملاه في كتابه، ولا عجب فالذي عند الشيخ من سعة الطبع، وقبول العذر، ليس عند الشاب.

ولنبدأ الآن وقد أردنا أن ننقل ما جاء في النفح من المعلومات الجغرافية عن الأندلس لنقارن بينها وبين معلومات سائر مؤلفي العرب كابن حوقل والإدريسي وياقوت وغيرهم. قال في الجزء الأول في صفحة ٦٣ من الطبعة الأولى المنسوبة إلى المطبعة الأزهرية المصرية ما يلي:

الباب الأول

في وصف جزيرة الأندلس، وحسن هوائها، واعتدال مزاجها، ووفور خيراتها واستوائها، واشتمالها على كثير من المحاسن واحتوائها، وكرم بقعتها التي سقتها سماء البركات بأنوائها، وذكر بعض مآثرها المجلوة الصور، وتعداد كثير مما لها من البلدان والكور، المستمدة من أضوائها، فأقول:

محاسن الأندلس لا تستوفى بعبارة، ومجاري فضلها لا يشق غباره، وأنَّى تجارى وهي حائزة قصب السبق، في أقطار الغرب والشرق؟! قال ابن سعيد: إنما سميت بالأندلس ابن طوبال بن يافث بن نوح لأنه نزلها كما أن أخاه سبت بن يافث نزل العدوة المقابلة لها وإليه تنسب سبته.٤٧٧ قال: وأهل الأندلس يحافظون على قوام اللسان العربي لأنهم إما عرب أو متعربون.٤٧٨ انتهى. وقال الوزير لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى في بعض كلام له أجرى فيه ذكر البلاد الأندلسية، أعادها الله تعالى للإسلام، ببركة المصطفى عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام ما نصه:
خص الله تعالى بلاد الأندلس من الربيع وغدق السقيا، ولذاذة الأقوات وفراهة الحيوان، ودرور الفواكه، وكثرة المياه، وتبحر العمران، وجودة اللباس، وشرف الآنية، وكثرة السلاح، وصحة الهواء، وابيضاض٤٧٩ ألوان الإنسان، ونبل الأذهان، وفنون الصنائع، وشهامة الطباع، ونفوذ الإدراك، وإحكام التمدن، والاعتمار بما حرمه الكثير من الأقطار، مما سواها. انتهى.
وقال أبو عامر السلمي في كتابه المسمى «در القلائد وغرر الفوائد»: الأندلس من الإقليم الشامي٤٨٠ وهو خير الأقاليم وأعدلها هواءً وترابًا، وأعذبها ماءً، وأحسنها حيوانًا ونباتًا، وهو أوسط الأقاليم، وخير الأمور أوساطها.
قال أبو عبيد البكري: الأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمنية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منافع سواحلها، فيها آثار عظيمة اليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة،٤٨١ وكان من ملوكهم الذين أثروا الآثار بالأندلس هرقلُس، وله الأثر في الصنم بجزيرة قادس وصنم جيليقية، والأثر في مدينة طرَّكونة٤٨٢ الذي لا نظير له.

قال المسعودي: بلاد الأندلس تكون مسيرة عمائرها ومدنها نحو شهرين، ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة. انتهى باختصار. ونحوه لابن اليسع إذ قال: طولها من أربونة إلى أشبونة، وهو قطع ستين يومًا للفارس المجد. وانتقد بأمرين: أحدهما أنه يقتضي أن أربونة داخلة في جزيرة الأندلس، والصحيح أنها خارجة عنها، والثاني أن قوله ستين يومًا للفارس المجد إعياء وإفراط، وقد قال جماعة أنها شهر ونصف. قال ابن سعيد: وهذا يقرب إذا لم يكن للفارس المجد. والصحيح ما نص عليه الشريف من أنه مسيرة شهر. وكذا قال الحجاري. وقد سألت المسافرين المحققين عن ذلك فعملوا حسابًا بالمراحل الجيدة أفضى إلى نحو شهر بنيف قليل. قال الحجاري في موضع من كتابه إن طول الأندلس من الحاجز إلى أشبونة ألف ميل ونيف اهـ. وبالجملة فالمراد القريب من غير مشاححة، كما قاله ابن سعيد وأطال في ذلك، ثم قال بعد كلام: ومسافة الحاجز الذي بين بحر الزقاق والبحر المحيط أربعون ميلًا، وهذا عرض الأندلس عند رأسها من جهة الشرق، ولقلته، سمّيت جزيرة، وإلاّ فليست بجزيرة على الحقيقة، لاتصال القدر بالأرض الكبيرة، وعرض جزيرة الأندلس في موسطها عند طليطلة ستة عشر يومًا.

واتفقوا على أن جزيرة الأندلس مثلثة الشكل، واختلفوا في الركن الذي في الشرق والجنوب في حيز أربونة، فممن قال إنه في أربونة. وإن هذه المدينة تقابلها مدينة برديل التي في الركن الشرقي الشمالي أحمد بن محمد الرازي، وابن حيان. وفي كلام غيرها أنه في جهة أربونة، وحقق الأمر الشريف، وهو أعرف بتلك الجهة لتردده في الأسفار برًا وبحرًا إليها، وتفرّغه لهذا الفن. قال ابن سعيد: وسألت جماعة من علماء هذا الشأن فأخبروني أن الصحيح ما ذهب إليه الشريف، وأن أربونة وبرشلونة٤٨٣ غير داخلتين في أرض الأندلس، وأن الركن الموفي على بحر الزقاق بالمشرق بين برشلونة وطرّكونة٤٨٤ في موضع يعرف بوادي «زنلقطو»، وهنالك الحاجز الذي يفصل بين الأندلس والأرض الكبيرة، ذات الألسن الكثيرة، وفي هذا المكان جبل البرت، الفاصل في الحاجز المذكور، وفيه الأبواب التي فتحها ملك اليونان بالحديد والنار والخل، ولم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة قبل ذلك في البر. وذكر الشريف أن هذه الأبواب في مقابلتها في بحر الزقاق البحر الذي بين جزيرتي ميورقة ومنورقة، وقد أخبر بذلك جمهور المسافرين لتلك الناحية. ومسافة هذا الجبل الحاجز بين الركن الجنوبي والركن الشمالي أربعون ميلًا قال: وشمال الركن المذكور عند مدينة برديل، وهي من مدن الأفرنجة، مطلة على البحر المحيط، في شمال الأندلس. قال ويتقهقر البر بعد تميز هذا الركن إلى الشمال في بلاد الفرنجة، ولهم به جزائر كثيرة، وذكروا من الركن الشمالي عند «شنت٤٨٥ ياقوه» من ساحل الجلالقة في شمال الأندلس، حيث تبتدئ جزيرة «برطانية٤٨٦ الكبيرة» فيتصور هنالك بحر داخل بين أرضين، من الناس من يجعله بحرًا منفردًا خارجًا من البحر المحيط، لطوله إلى الركن المتقدم الذكر عند مدينة برديل.٤٨٧ وذكر الشريف: أن عند شنت ياقوه في هذا الركن المذكور، على جبل بمجمع البحرين، صنمًا مطلًا مشبهًا بصنم قادس.

والركن الثالث بمقربة من جبل الأغن؟ حيث صنم قادس. والجبل المذكور يدخل من غربه مع جنوبه بحر الزقاق من البحر المحيط، مارًّا مع ساحل البحر الجنوبي إلى جبل البرت المذكور. انتهى.

والكلام في مثل هذا طويل الذيل. قال الشيخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي: بلد الأندلس في آخر الإقليم الرابع إلى المغرب، وهو عند الحكماء بلد كريم البقعة، طيب التربة، خصب الجنان، منبجس الأنهار الغزار، والعيون العذاب، قليل الهوام ذوات السموم، معتدل الهواء والجو والنسيم، ربيعه وخريفه ومشتاه ومصيفه على قدر من الاعتدال، وسِطَة من الحال، لا يتولد في أحدها فصل يتولد منه فيما يتلوه انتقاص، تتصل فواكهه أكثر الأزمنة، وتدوم متلاحقة غير مفقودة. أما الساحل منه ونواحيه فيبادر بباكوره. وأما الثغر وجهاته، والجبال المخصوصة ببرد الهواء، فيتأخر بالكثير من ثمره، فمادة الخيرات بالبلد متمادية في كل الأحيان، وفواكهه على الجملة غير معدومة في كل أوان. وله خواص في كرم النبات توافق في بعضها أرض الهند المخصوصة بكرم النبات وجواهره، منها أن المحلب وهو المقدّم في الأفاوية، والمفضّل في أنواع الأُشنان٤٨٨ لا ينبت بشيء من الأرض إلا بالهند والأندلس، وللأندلس المدن الحصينة، والمعاقل المنيعة، والقلاع الحريزة، والمصانع الجليلة ولها البر والبحر، والسهل والوعر، وشكلها مثلث، وهي معتمدة على ثلاثة أركان،
  • الأول: هو الموضع الذي فيه صنم قادس المشهور بالأندلس، ومنه مخرج البحر المتوسط الشامي، الآخذ بقبلي الأندلس.
  • والركن الثاني: هو بشرقي الأندلس، بين مدينة نربونة، ومدينة برديل، مما بأيدي الفرنجة اليوم، بإزاء جزيرتي ميورقه ومنورقة، بمجاورة من البحرين، البحر المحيط والبحر المتوسط، وبينهما البر الذي يعرف بالأبواب، مسيرة يومين. ومدينة نربونة تقابل البحر المحيط.٤٨٩
  • والركن الثالث: منها هو ما بين الجوف٤٩٠ والغرب من حيز جليقية، حيث الجبل الموفي على البحر، وفيها الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو الطالع على بلد برطانية.
قال: والأندلس أندلسان في اختلاف هبوب رياحها، ومواقع أمطارها، وجريان أنهارها: أندلس غربي، وأندلس شرقي. فالغربي منها ما جرت أوديته إلى البحر المحيط الغربي، وتمطر بالرياح الغربية، ومبتدأ هذا الحوز من ناحية المشرق مع المَفازة الخارجة مع الجوف، إلى بلد شنتمرية، طالعًا إلى حوز «اغريطة»٤٩١ المجاورة لطليطلة، مائلًا إلى الغرب، ومجاورًا للبحر المتوسط، الموازي لقرطاجنة الخلفاء، التي من بلد لورقة، وللحوز الشرقي المعروف بالأندلس الأقصى. وتجري أوديته إلى الشرق، وأمطاره بالريح الشرقية، وهو من حد جبل البشكنس، هابطًا مع وادي «أبره»٤٩٢ إلى بلد «شنت٤٩٣ مرية»، ومن جوف هذا البحر وغربه المحيط، وفي القبلة منه البحر الغربي، الذي منه يجري البحر المتوسط، الخارج إلى بلد الشام، وهو البحر المسمّى ببحر «تيران»٤٩٤ ومعناه الذي يشق دائرة الأرض، ويسمّى البحر الكبير. انتهى.
قال أبو بكر عبد الله بن عبد الحكم المعروف بابن النظّام: بلد الأندلس عند علماء أهله أندلسان: فالأندلس الشرقي منه ما صبّت أوديته إلى البحر الرومي المتوسط المتصاعد من أسفل أرض الأندلس إلى المشرق، وذلك ما بين مدينة تدمير إلى سرقسطة. والأندلس الغربي ما صبّت أوديته إلى البحر الكبير المعروف بالمحيط، أسفل من ذلك الحدّ، إلى ساحل المغرب. فالشرقي منهما يمطر بالريح الشرقية، ويصلح عليها؛ والغربي يمطر بالريح الغربية، وبها صلاحه، وجباله هابطة إلى الغرب، جبلًا بعد جبل. وإنما قسمته الأوائل جزئين لاختلافهما في حال أمطارهما، وذلك أنه مهما استحكمت الريح الغربية، كثر مطر الأندلس الغربي، وقحط الأندلس الشرقي. ومتى استحكمت الريح الشرقية كثر مطر الأندلس الشرقي، وقحط الغربي. وأودية هذا القسم تجري من الشرق إلى الغرب، بين هذه الجبال. وجبال الأندلس الغربي تمتد إلى الشرق، جبلًا بعد جبل، تقطع من الجوف إلى القبلة، والأودية التي تخرج من تلك الجبال يقطع بعضها إلى القبلة، وبعضها إلى الشرق، وتنصب كلها إلى البحر المحيط، بالأندلس القاطع إلى الشام، وهو البحر الرومي. وما كان من بلاد جوفي الأندلس من بلاد جليقية وما يليها، فإن أوديته تنصب إلى البحر الكبير المحيط بناحية الجوف٤٩٥ (وصفة الأندلس) شكل مركن على مثال الشكل المثلث:
  • ركنها الواحد: فيما بين الجنوب والمغرب، حيث اجتماع البحرين عند صنم قادس.
  • وركنها الثاني: في بلد جلّيقية، حيث الصنم المشبه صنم قادس، مقابل جزيرة بريطانية.
  • وركنها الثالث: بين مدينة نربونة، ومدينة برديل من بلد الفرنجة، بحيث يقرب البحر المحيط من البحر الشامي المتوسط فيكادان يجتمعان في ذلك الموضع فيصير بلد الأندلس جزيرة بينهما في الحقيقة، لولا أنه يبقى بينهما برزخ برية صحراء وعمارة مسافة مسيرة يوم للراكب منه المدخل إلى الأرض الكبيرة، التي يقال لها الأبواب، ومن قِبَلِهِ يتصل بلد الأندلس بتلك البلاد المعروفة بالأرض الكبيرة، ذات الألسن المختلفة.
قال: وأول من سكن بالأندلس على قديم الأيام، فيما نقلته الإخباريون، من بعد عهد الطوفان، على ما يذكره علماء عجمها، قوم يعرفون بالأندلش، معجمة الشين بهم سمّي المكان، فعرّب فيما بعد بالسين غير المعجمة، كانوا الذين عمروها، وتناسلوا فيها وتداولوا ملكها دهرًا، على دين التمجّس والإهمال والإفساد في الأرض، ثم أخذهم الله بذنوبهم، فحبس المطر عنهم، ووالى القحط عليهم، وأعطش بلادهم حتى نضبت مياهها، وغارت عيونها، ويبست أنهارها، وبادت أشجارها، فهلك كثرهم، وفرّ من قدر على الفرار منهم، فأقفرت الأندلس منهم وبقيت خالية، فيما يزعمون، مائة سنة وبضع عشر سنة، وذلك من حد بلد الفرنجة إلى حد بحر الغرب الأخضر وكان عدّة ما عمرتها هذه الأمة البائدة مائة عام وبضع عشرة سنة. ثم ابتعث الله لعمارتها الأفارقة،٤٩٦ فدخل إليها بعد إقفارها تلك المدة الطويلة، قوم منهم، أجلاهم ملك أفريقية تخفيفًا منهم، لإمحال توالي على أهل مملكته، وتردد عليهم، حتى كاد يفنيهم، فحمل منهم خلقًا في السفن مع قائد من قِبَله يُدعى أبطريقس، فأرسوا بريف الأندلس الغربي، واحتلوا بجزيرة قادس، فأصابوا الأندلس قد أُمطرت وأخصبت فجرت أنهارها، وانفجرت عيونها، وحييت أشجارها، فنزلوا الأندلس مغتبطين وسكنوها معتمرين وتوالدوا فيها، فكثروا، واستوسعوا في عمارة الأرض، ما بين الساحل الذي أرسوا فيه بغربيها، إلى بلد الأفرنجة من شرقيها، ونصبوا من أنفسهم ملوكًا عليهم، ضبطوا أمرهم، وتوالوا على إقامة دولتهم، وهم مع ذلك على ديانة من قبلهم من الجاهلية، وكانت دار مملكتهم «طالقة»؟ الخراب اليوم، من أرض أشبيلية، اخترعها ملوكهم وسكنوها، فاتسق ملكهم بالأندلس مائة وسبعة وخمسين عامًا، إلى أن أهلكهم الله تعالى ونسخهم بعجم رومة، بعد أن ملك من هؤلاء الأفارقة في مدتهم تلك أحد عشر ملكًا.
ثم صار ملك الأندلس إلى عجم رومة، وملكهم أشبان بن طيطش؟ وباسمه سميت الأندلس أشبانية. وذكر بعضهم أن اسمه أصبهان، فأحيل بلسان العجم، وقيل بل كان مولده بأصبهان، فغلب اسمها عليه؟٤٩٧ وهو الذي بنى أشبيلية، وكان أشبانية اسمًا خالصًا لبلد أشبيلية، الذي كان ينزله أشبان هذا ثم غلب الاسم بعده على الأندلس كله. فالعجم الآن يسمونه أشبانية، لآثار أشبان هذا فيه، وكان أحد الملوك الذين ملكوا أقطار الدنيا، فيما زعموا، وكان غزا الأفارقة، عندما سلطه الله عليهم في جموعه ففض عساكرهم، وأثخن فيهم، ونزل عليهم بقاعدتهم «طالقة»٤٩٨ وقد تحصنوا فيها منه، فابتنى عليهم مدينة أشبيلية اليوم واتصل حصره وقتاله لهم، حتى فتحها الله عليه وغلبهم، واستوت له مملكة الأندلس بأسرها، ودان له من فيها، فهدم مدينة طالقة ونقل رخامها وآلاتها إلى مدينة أشبيلية، فاستتم بناءها. واتخذها دار مملكته واستغلظ سلطانه في الأرض، وكثرت جموعه، فعلا، وعظم عتوّه. ثم غزا إيليا، وهي القدس الشريف، من أشبيلية، بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن فغنمها وهدمها وقتل فيها من اليهود مائة ألف واسترق مائة ألف، ونقل رخام إيليا وآلاتها إلى الأندلس وقهر الأعداء، واشتد سلطانه. انتهى.
وذكر بعض المؤرخين: أن الغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس أيام فتحها كمائدة سليمان ، التي أَلْفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة، وقُلَيْلة٤٩٩ الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة، وغيرهما من ظرائف الذخائر، إنما كانت مما صار لصاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس، إذ حضر فتحها مع بختنصر،٥٠٠ وكان اسم ذلك الملك بريان؟ وفي سهمه وقع ذلك ومثله، مما كانت الجن تأتي به نبي الله سليمان،٥٠١ على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام، انتهى.
وقال غير واحد من المؤرخين، كان أهل المغرب الأقصى يضرون بأهل الأندلس لاتصال الأرض، ويلقون منهم الجهد الجهيد في كل وقت، إلى أن اجتاز بهم الإسكندر،٥٠٢ فشكوا حالهم إليه، فأحضر المهندسين، وحضر إلى الزقاق، فأمر المهندسين بوزن سطح الماء من المحيط والبحر الشامي، فوجدوا المحيط يعلو البحر الشامي بشيء يسير فأمر برفع البلاد التي على ساحل البحر الشامي ونقلها من الحضيض إلى الأعلى، ثم أمر بحفر ما بين طنجة وبلاد الأندلس من الأرض، فحفرت حتى ظهرت الجبال السفلية، وبنى عليها رصيفًا بالحجر والجبار بناءً محكمًا، وجعل طوله اثنى عشر ميلًا، وهي المسافة التي كانت بين البحرين، وبنى رصيفًا آخر يقابله من ناحية طنجة، وجعل بين الرصيفين، سعة ستة أميال، فلما كمل الرصيفان حفر من جهة البحر الأعظم وأطلق فم الماء بين الرصيفين، فدخل في البحر الشامي، ثم فاض ماؤه فأغرق مدنًا كثيرة، وأهلك أممًا عظيمة، كانت على الشطين،٥٠٣ وطفا الماء على الرصيفين إحدى عشر قامة. فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في بعض الأوقات إذا نقص الماء، ظهورًا بيّنًا مستقيمًا، على خط واحد، وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة. وأما الرصيف الذي من جهة العدوة، فإن الماء حمله في صدره، واحتفر ما خلفه من الأرض اثنى عشر ميلًا. وعلى طرفه من جهة المغرب قصر الجواز، وسبتة، وطنجة. وعلى طرفه من الناحية الأخرى جبل طارق بن زياد، وجزيرة طريف، وغيرهما والجزيرة الخضراء، وبين سبتة والجزيرة الخضراء، عرض البحر انتهى ملخصًا. وقد تكرر بعضه مع ما جلبناه، والعذر بيّن، لارتباط الكلام بعضه ببعض.
وقال ابن سعيد: ذكر الشريف٥٠٤ أن لاحظ لأرض الأندلس في الإقليم الثالث قال: ويمر بجزيرة الأندلس الإقليم الرابع على ساحلها الجنوبي، وما قاربه من قرطبة وأشبيلية ومرسية وبلنسية، ثم يمر على جزيرة صقلية، وعلى ما في سمتها من الجزائر، والشمس مدبّرة له. والإقليم الخامس يمر على طليطلة، وسرقسطة، وما في سمتها إلى بلاد أرغون التي في جنوبها برشلونة، ثم يمر على رومية وبلادها، ويشق بحر البنادقة، ثم يمر على القسطنطينية، ومدبّرته الزهرة. والسادس على ساحل الأندلس الشمالي الذي على البحر المحيط وما قاربه، وبعض البلاد الداخلة في قشتالة وبرتقال وما في سمتها. وعلى بلاد برجان والصقالبة والروس، ومدبره عطارد، ويمر الإقليم السابع في البحر المحيط، الذي في شمال الأندلس، إلى جزيرة انقلطرة، وغيرها من الجزائر، وما في سمتها من بلاد الصقالبة وبرجان.٥٠٥ قال البيهقي: وفيه تقع جزيرة تولى، وجزيرتا أجيال والنساء. وبعض بلاد الروس الداخلة في الشمال والبلغار ومدبّره القمر. ا.هـ.

وقال بعض العلماء ما معناه إن النصارى أعطوا عن الآخرة بستانًا متصلًا من البحر المحيط بالأندلس إلى خليج القسطنطينية وعندهم عموم الشاه بلوط، والبندق، والجوز، والفستق، وغير ذلك مما يكون أكثر وأمكن في الأقاليم الباردة، والتمر عندهم معدوم، وكذا الموز وقصب السكر، وربما يكون شيء من ذلك في الساحل، لأن هواء البحر يدفئ. ا.هـ.

قال ابن حيان في المقتبس: ذكر رواة العجم أن الخضر عليه السلام وقف على أشبان المذكور وهو يحرث الأرض بفدن له أيام حراثته: فقال له: يا أشبان إنك لذو شأن، وسوف يحظيك زمان، ويعليك سلطان. فإذا أتت غلبت على إيليا، فارفق بذرية الأنبياء. فقال له أشبان: أساخر بي رحمك الله؟ أنَّى يكون هذا مني وأنا ضعيف ممتهين حقير فقير؟ ليس مثلي ينال السلطان! فقال له: قد قدّر ذلك فيك من قدّر في عصاك اليابسة ما تراه فنظر أشبان إلى عصاه فإذا بها قد أورقت فريع لما رأى من الآية، وذهب الخضر عنه، وقد وقع الكلام بخلده، ووفرت في نفسه الثقة بكونه، فترك الامتهان من وقته، وداخل الناس، وصحب أهل البأس منهم، وسما به جَدّه، فارتقى في طلب السلطان حتى أدرك منه عظيمًا، وكان منه ما كان، ثم أتى عليه ما أتى على القرون قبله. وكان ملكه كله عشرين سنة.

وتمادى ملك الأشبانيين بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكًا.

ثم دخل هؤلاء الاشبانيين من عجم رومة أمة يدعون البشتولقات وملكهم طلويش بن بيطه، وذلك زمن بعث المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، أتوا الأندلس من قبل رومة، وكانوا يملكون أفرنجة معها، ويبعثون عمالهم إليها، فاتخذوا دار مملكتهم بالأندلس مدينة ماردة،٥٠٦ واستولوا على مملكة الأندلس، واتصل ملكهم بها مدة، إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكًا، ثم دخل على هؤلاء البشتولقات أمة القوط، مع ملك لهم، فغلبوا على الأندلس، واقتطعوها من يومئذ من صاحب رومة، وتفردوا بسلطانهم، واتخذوا مدينة طليطلة دار مملكتهم وأقروا بها سرير ملكهم، فبقي بأشبيلية علم الأشبانيين، ورياسة أوليتهم (وقد كان عيسى المسيح عليه السلام) بعث الحواريين في الأرض يدعون الخلق إلى ديانته، فاختلف الناس عليهم، وقتلوا بعضهم واستجاب لهم كثير منهم. وكان من أسرعهم إجابة لمن جاءه من هؤلاء الحواريين خشندش ملك القوط، فتنصر، ودعا قومه إلى النصرانية وكان من صميم أعاظمهم، وخير من تنصر من ملوكهم، وأجمعوا على أنه لم يكن فيهم أعدل منه حكمًا، ولا أرشد رأيًا، ولا أحسن سيرة، ولا أجود تدبيرًا، فكان الذي أصل النصرانية في مملكته، ومضى أهلها على سنته إلى اليوم، وحكموا بها، والإنجيلات في المصاحف الأربعة التي يختلفون فيها من انتساخه، وجمعه، وتثقيفه. فتناسقت ملوك القوط بالأندلس بعده، إلى أن غلبتهم العرب عليها، وأظهر الله تعالى دين الإسلام على جميع الأديان.
فوقع في تواريخ العجم القديمة أن عدة ملوك هؤلاء القوط بالأندلس، من عهد «أتانا وينوس»٥٠٧ الذي ملك في السنة الخامسة من مملكة «فلبش٥٠٨ القيصري» لمضي أربعمائة وسبع من تاريخ الصفر٥٠٩ المشهور عند العجم، إلى عهد لذريق آخرهم، الذي ملك في السنة التاسعة والأربعين وسبعمائة من تاريخ الصفر، وهو الذي دخلت عليه العرب فأزالت دولة القوط، ستة وثلاثون ملكًا، وأن مدة أيام ملكهم بالأندلس ثلثمائة واثنتان وأربعون سنة. ا.هـ.

وقال جماعة: إن القوط غير البشتولقات، وإن البشتولقات من عجم رومة، وإنهم جعلوا دار ملكهم ماردة، واتصل ملكهم إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكًا، ثم دخل عليهم القوط، واتخذوا طليطلة دار مملكة، ثم ذكر تنصر ملكهم خشندش مثل ما تقدم، ثم ذكر أن عدّة ملوك القوط ستة وثلاثون ملكًا.

وذكر الرازي أن القوط من ولد ياجوج بن يافث بن نوح، وقيل غير ذلك. ا.هـ.

figure

وذكر الرازي في موضع آخر نحو ما تقدم وزيادة ونصه:

إن الأندلس في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة التي تقدم ذكرها التي هي ربع معمور الدنيا، فهي موسطة من البلدان، كريمة البقعة، بطبع الخلقة، طيبة التربة، مخصبة القاع، منبجسة العيون الثرّارة، منفجرة الأنهار الغزار، قليلة الهوام ذوات السموم، معتدلة الهواء أكثر الأزمان، لا يزيد قيظها زيادة منكرة تضر بالأبدان، وكذا فصولها في أعم سنيها تأتي على قدر من الاعتدال، وتوسط من الحال، وفواكهها تتصل طول الزمان، فلا تكاد تعدم، لأن الساحل ونواحيه، يبادر بباكوره، كما أن الثغر وجهاته، والجبال التي يخصها برد الهواء، وكثافة الجو، تستأخر بما فيها من ذلك، حتى يكاد طرفا فاكهتها يلتقيان، فمادة الخيرات فيها متصلة كل أوان.

ومن بحرها بجهة الغرب يخرج العنبر الجيد، المقدّم على أجناسه في الطيب، والصبر على النار، وبها شجر المحلب، المعدود في الأفاوية، المقدّم في أنواع الأُشْنان كثير واسع. وقد زعموا أنه لا يكون إلا بالهند، وبها فقط. وبها خواص نباتية يكثر تعدادها. انتهى.٥١٠
وقد ذكر غيره تفصيل بعض ذلك فقال: يوجد في ناحية «دلاية»٥١١ من إقليم «البشرة»٥١٢ عود الألنجوج، لا يفوقه العود الهندي ذكاءً وعطر رائحة وقد سيق منه إلى خيران٥١٣ الصقلبي صاحب المرية، وأن أصل منبته كان بين أحجار هناك «وبأكشونية»٥١٤ جبل كثيرًا ما يتضوّع ريحه ريح العود الذكي، إذا أرسلت فيه النار، وببحر «شدونة»٥١٥ وجد العنبر الطيب الغربي، وفي جبل «منت ليون» المحلب،٥١٦ ويوجد بالأندلس القُسط٥١٧ الطيب، والسنبل٥١٨ الطيب، والجنطيانة٥١٩ تحمل من الأندلس إلى جميع الآفاق وهو عَقّار٥٢٠ رفيع والمرّ الطيب بقلعة أيوب، وأطيب كهرباء الأرض بشدونة، درهم منها يعدل دراهم من المجلوبة. وأطيب القرمز قرمز الأندلس، وأكثر ما يكون بنواحي أشبيلية، ولبلة،٥٢١ وشدونة، وبلنسية، ومن الأندلس يحمل إلى الآفاق.
وبناحية لورقة من عمل تدمير يكون حجر اللازورد الجيد، وقد يوجد في غيرها وعلى مقربة من حضرة لورقة من عمل قرطبة معدن البلور، وقد يوجد بجبل «شحيران» وهو شرقي «بيرة» وحجر النجادي؟ يوجد بناحية مدينة الأشبلونة، في جبل هنالك يتلألأ فيه ليلًا كالسراج، والياقوت الأحمر يوجد بناحية حصن «منت ميور»٥٢٢ من كورة مالقة، إلاّ أنه دقيق جدًا لا يصلح للاستعمال لصغره، ويوجد حجر يشبه الياقوت الأحمر بناحية «بجانة»٥٢٣ في خندق يعرف بقرية «ناشرة» أشكالًا مختلفة كأنه مصبوغ، حسن اللون، صبور على النار، وحجر المغناطيس الجاذب للحديد يوجد في كورة تدمير. وحجر «الشادنة» يوجد بجبال قرطبة، كثير، ويستعمل ذلك في التذاهيب. وحجر اليهودي في ناحية حصن «البونت»٥٢٤ أنفع شيء للحصاة وحجر الموقشينا الذهبية في جبال «أبده»٥٢٥ لا نظير لها في الدنيا، ومن الأندلس تحمل إلى جميع الآفاق بفضلها. والمغنيسيا بالأندلس كثير. وكذلك حجر «الطّلْق»٥٢٦ ويوجد حجر اللؤلؤ بمدينة برشلونة، إلاّ أنه جامد اللون. ويوجد المرجان بساحل يبرة، من عمل المرية، ما لقط منه في أقل من شهر نحو ثمانين ربعًا.
ومعدن الذهب بنهر لاردة، يجمع منه كثير، ويجمع أيضًا في ساحل الأشبونة ومعادن الفضة في الأندلس كثيرة، في كورة تدمير، وجبال «جمة»٥٢٧ بيجانة، وبإقليم «كرتش» من عمل قرطبة معدن فضة جليل. و«بأشكونية»٥٢٨ معدن القصدير لا نظير له، يشبه الفضة، وله معادن بناحية أفرنجة وليون. ومعدن الزئبق في جبل البرانس، ومن هنالك يتجهز به إلى الآفاق. ومعادن الكبريت الأحمر والأصفر بالأندلس كثيرة. ومعدن التوتية الطيبة بساحل «البيرة»٥٢٩ بقرية تسمى «بطرنة»٥٣٠ وهي أزكى توتيا وأقواها في صبغ النحاس. وبجبال قرطبة توتيا وليست كالبطرنية. ومعدن الكحل أشبه بالأصفهاني بناحية مدينة طرطوشة، يحمل منها إلى جميع البلاد. ومعادن الشبوب والحديد والنحاس بالأندلس أكثر من أن تحصى.

وما ذكرت هنا، وإن تكرر بعضه مع ما سبق أو يأتي، فهو لجمع النظائر وما لم نذكره أكثر، والله تعالى أعلم.

ومن خواص طليطلة أن حنطتها لا تتغير ولا تسوس على طول السنين، يتوارثها الخلف عن السلف. وزعفران طليطلة هو الذي يعم البلاد، ويتجهز به الرفاق إلى الآفاق. وكذلك الصبغ السماوي ا.هـ.

وقال المسعودي في مروج الذهب بعد كلام ما نصه:
والعنبر كثير ببحر الأندلس، يجهّز إلى مصر وغيرها، ويحمل إلى قرطبة من ساحل لها يقال له «شنترين»٥٣١ و«شدونة»٥٣٢ تبلغ الأوقية منه بالأندلس ثلاثة مثاقيل ذهبًا، والأوقية بالبغدادي، وتباع بمصر أوقيته بعشرين دينارًا، وهو عنبر جيد، ويمكن أن يكون هذا العنبر الواقع إلى بحر الروم، ضربته الأمواج من بحر الأندلس إلى هذا البحر لاتصال الماء. وبالأندلس معدن عظيم للفضة ومعدن للزئبق٥٣٣ ليس بالجيد يجهّز إلى سائر بلاد الإسلام والكفر، وكذلك يحمل من بلاد الأندلس الزعفران وعروق الزنجبيل. وأصول الطيب خمسة أصناف المسك، والكافور، والعود، والعنبر، والزعفران، وكلها تحمل من أرض الهند وما اتصل بها إلا الزعفران والعنبر. ا.هـ.

وهو وإن تكرر مع ما ذكرته عن غيره فلا يخلو من فائدة والله تعالى أعلم.

وذكر البعض أن في بلاد الأندلس جميع المعادن الكائنات عن الثّيرات السبعة الرصاص من زحل، والقصدير الأبيض من المشترى، والحديد من قسم المريخ، والذهب من قسم الشمس، والنحاس من الزهرة، والزئبق من عطارد، والفضة من القمر.

وذكر الكاتب إبراهيم بن القاسم القروي المعروف بالرقيق بلد الأندلس فقال: أهله أصحاب جهاد متصل، يحاربون من أهل الشرك المحيطين بهم أمة يدعون الجلالقة، يتاخمون حوزهم، ما بين غرب إلى شرق، قوم لهم شدة، ولهم جمال وحسن وجوه، فأكثر رقيقهم الموصوفين بالجمال منهم، ليس بينهم وبينهم درب٥٣٤ فالحرب متصلة بينهم ما لم تقع هدنة. ويحاربون بالأفق الشرقي أمة يقال لهم الفرنجة، هم أشد عليهم من جميع من يحاربونه من عدّوهم، إذ كانوا خلقًا عظيمًا في بلاد كثيرة واسعة جليلة، متصلة العمارة، آهلة، تدعى الأرض الكبيرة، هم أكثر عددًا من الجليقيين، وأشدّ بأسًا، وأحدّ شوكة، وأعظم إمدادًا. وهذه الأمة يحاربون أمة الصقالبة المتصلين بأرضهم، لمخالفتهم إياهم في الديانة، فيسبونهم ويبيعون رقيقهم بأرض الأندلس، فلهم هنالك كثرة، وتخصيهم للفرنجة يهود٥٣٥ ذمتهم الذين بأرضهم، وفي ثغر المسلمين المتصل بهم، فيحمل خصيانهم من هنالك إلى سائر البلاد، وقد تعلم الخصاء قوم من المسلمين هناك فصاروا يخصون ويستحلون المثلة.

قال ابن سعيد: ومخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشام، هو بساحل الأندلس الغربي بمكان يقال له الخضراء، ما بين طنجة من أرض المغرب، وبين الأندلس فيكون مقدار عرضه هناك كما زعموا، ثمانية عشر ميلًا. وهذا عرض جزيرة طريف إلى قصر مصمودة بالقرب من سبتة. وهناك كانت القنطرة التي يزعم الناس أن الإسكندر بناها ليعبر عليها من بر الأندلس إلى بر العدوة، ويعرف هذا الموضع الزقاق، وهو صعب المجاز، لأنه مجمع البحرين، لا تزال الأمواج تتطاول فيه، والماء يدور، وطول هذا الزقاق الذي عرضه ثمانية عشر ميلًا، مضاعف ذلك إلى ميناء سبتة، ومن هناك يأخذ البحر في الاتساع إلى ثمانمائة ميل وأزيد، ومنتهاه مدينة صور من الشام، وفيه عدد عظيم من الجزائر، قال بعضهم: إنها ثمانٍ وعشرون جزيرة منها صقلية ومالطة وغيرهما. ا.هـ. وبعضه بالمعنى. وقال بعضهم عند وصفه ضيق بحر الزقاق قرب سبتة ما صورته: ثم يتسع كما امتدّ حتى يصير إلى ما ذرع له ولا نهاية.

وقال بعضهم: وكان مبلغ خراج الأندلس الذي كان يؤدي إلى ملوك بني أمية، قديمًا ثلاثمائة ألف دينار، دراهم أندلسية كل سنة قوانين. وعلى كل مدينة من مدائنهم مال معلوم فكانوا يعطون جندهم ورجالهم الثلث من ذلك مائة ألف دينار، وينفقون في أمورهم ونوائبهم ومؤن أهليهم مائة ألف دينار ويدخرون لحادث أيامهم مائة ألف دينار ا.هـ.

وذكر غيره: أن الجباية كانت بالأندلس أيام عبد الرحمن الأوسط، ألف ألف دينار في السنة، وكانت قبل ذلك لا تزيد على ستمائة ألف.٥٣٦ حكاه ابن سعيد وقال: أن الأندلس مسيرة شهر مدن وعمائر.٥٣٧
وقال قاضي القضاة ابن خلدون الخضرمي في تاريخه الكبير ما صورته: كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية من عدوتي البحر الرومي، وبالجانب الغربي منها، يسمى عند العجم الأندلوش، وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب، أشدهم وأكثرهم الجلالقة. وكان القوط قد تملكوه، وغلبوا على أهله لمئتين من السنين قبل الإسلام، بعد حروب كانت لهم مع اللطينيين، حاصروا فيها رومة، ثم عقدوا معهم السلم، على أن ينصرف القوط إلى الأندلس، فصاروا إليها، وملكوها،٥٣٨ ولما أخذ الروم واللطينيون بملة النصرانية، حملوا من وراءهم بالمغرب من أمم الفرنجة والقوط عليها، فدانوا بها. وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة، وكانت دار ملكهم، وربما تنقلوا ما بينها وبين قرطبة، وأشبيلية، وماردة، وأقاموا كذلك نحوًا من أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح، وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لذريق، وهو سمة لملوكهم، كما أن جرجير سمة لملوك صقليه ا.هـ.
ومن أشهر بلاد الأندلس غرناطة٥٣٩ وقيل إن الصواب أغرناطة بالهمز، ومعناه بلغتهم الرمانة، وكفاها شرفًا ولادة لسان الدين بها وقال «الشقندي»: أما غرناطة فإنها دمشق بلاد الأندلس، ومسرح الأبصار، ومطمح الأنفس، ولم تخل من أشراف أماثل، وعلماء أكابر، وشعراء أفاضل، ولو لم يكن لها إلا ما خصه الله تعالى به من المرج الطويل العريض، ونهر شنيل، لكفاها.
وفي بعض كلام لسان الدين ما صورته: وما لمصر تفخر بنيلها، وألف منه في شنيلها؟! يعني أن الشين عند أهل المغرب عددها ألف، فقولنا شنيل إذا اعتبرنا عدد شينه كان ألف نيل.٥٤٠ وفيها قيل:
غرناطةُ ما لها نظير
ما مصر، ما الشام، ما العراق
ما هي إلا العروس تُجْلَى
وتلك من جملة الصداق
وتسمى كورة «البيرة» التي منها غرناطة دمشق، لأن جند دمشق نزلوها عند الفتح، وقيل إنها سميت بذلك لشبهها بدمشق في غزارة الأنهار، وكثرة الأشجار، حكاه صاحب «منهاج الفكر» قال: ولما استولى الفرنج على معظم بلاد الأندلس انتقل أهلها إليها فصارت المصر المقصود، والمعقل الذي تنضوي إليه العساكر والجنود،٥٤١ ويشقها نهر عليه قناطر يجاز عليها. وفي قبليها جبل شلير، وهو جبل لا يفارقه الثلج، صيفًا ولا شتاء، وفيه سائر النبات الهندي، لكن ليس فيه خصائصه. ا.هـ.
ومن أعمال غرناطة قطر «لوشة»٥٤٢ وبها معدن للفضة جيد، ومنها، أعني لوشة، أصل لسان الدين بن الخطيب. وهذا القطر ضخم، ينضاف إليه من الحصون والقرى كثير، وقاعدته لوشة بينها وبين غرناطة مرحلة، وهي ذات أنهار وأشجار وهي على نهر غرناطة الشهير بشنيل.
ومن أعمال غرناطة الكبار عمل «باغة»٥٤٣ والعامة يقولون «بيغة» وإذا نسبوا إليه قالوا بيغي، وقاعدته باغة، طيبة الزرع، كثيرة الثمار، عزيزة المياه، ويجود فيها الزعفران.
ومن أعمال غرناطة «وادي آش»٥٤٤ ويقال وادي الأشات، وهي مدينة جليلة، قد أحدقت بها البساتين والأنهار، وقد خص الله أهلها بالأدب وحب الشعر وفيها يقول أبو الحسن بن نزار:
وادي الأشات يَهيجُ وَجْدي كُلّما
أذكرت ما أفضت بك النعماء
لله ظلُّك والهجيرُ مسلّطٌ
قد بَرْدَتْ لَفَحَاتِه الأنْدَاءُ
والشمس ترغب أن تفوز بلحظة
منه فَتطرِف طَرْفَهَا الأفياء
والنهر يبسم بالحباب كأنه
سلخ نَضَتْهُ حَيّةٌ رقشاء
فلذاك تحذَرُه الغصون فميلُها
أبدًا على جَنَباته إيماء
(ومن أعمال وادي آش) حصن «جليانة»٥٤٥ وهو كبير يضاهي المدن، وبه التفاح الجلياني الذي خص الله به ذلك الموضع، يجمع عظم الحجم، وكرم الجوهر، وحلاوة الطعم، وذكاء الرائحة، والنقاء، وبين الحصن المذكور ووادي آش اثنا عشر ميلًا.
ومن غرائب الأندلس أن به شجرتين من شجر القسطل، وهما عظيمتان جدًا، إحداهما بسند٥٤٦ وادي آش، والأخرى ببشرة٥٤٧ غرناطة، في جوف كل واحدة منهما حائك ينسج الثياب، وهذا أمر مشهور، قال أبو عبد الله بن جزي وغيره.
وكانت إلبيرة٥٤٨ هي المدينة قبل غرناطة، فلما بنى الصنهاجي مدينة غرناطة وقصبتها وأسوارها، انتقل الناس إليها، ثم زاد في عمارتها ابنه باديس بعده.
وذكر غير واحد أن في كورة سرقسطة الملح الاندراني الأبيض الصافي الأملس الخالص، وليس في الأندلس موضع فيه مثل هذا الملح. قال: وسرقسطة٥٤٩ بناها قيصر ملك رومة التي تؤرخ في مدته مدة الصفر قبل مولد المسيح على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام، وتفسير اسمها: قصر السيد. لأنه اختار ذلك المكان بالأندلس وقيل إن موسى بن نصير شرب من ماء نهر «جلق»٥٥٠ بسرقسطة فاستعذبه، وحكم أنه لم يشرب بالأندلس أعذب منه، وسأل عن اسمه فقيل جلق ونظر إلى ما عليه من البساتين فشبهها بغوطة جلق الشام، وقيل إنها من بناء الإسكندر والله أعلم. وبمدينة برجة، وهي من أعمال المرية، معدن الرصاص وهي على وادٍ مبهج، يعرف بوادي «عذراء»٥٥١ وهو محدق بالأزهار والأشجار، وتسمى برجة٥٥٢ بهجة، لبهجة منظرها، وفيها يقول أبو الفضل بن شرف القيرواني رحمه الله تعالى:
رياض تَعشّقها سُنْدُسٌ
تَوَشّتْ معاطفُها بالزهَرْ
مدامعُها فوق خدّيْ رُبا
لها نظرةٌ فَتَنت مَن نظَرْ
وكلُّ مكان بها جنة
وكلُّ طريق إليها سَقَرْ

وفيها أيضًا قوله:

حُطّ الرحال ببَرجه
وارتد لنفسك بَهْجَة
في قلعة كسلاح
ودَوحة مثل لُجّة
فحصنُها لك أمْن
ورَوْضُها لك فرْجة
كل البلاد سواها
كعُمرة وهي حَجّة

وبمالقة التين الذي يضرب المثل بحسنه، ويجلب حتى للهند والصين، وقيل إنه ليس في الدنيا مثله، وفيه يقول أبو الحجاج يوسف ابن الشيخ البلوي المالقي حسبما أنشده غير واحد، منهم ابن سعيد:

مالقة حُيّتَ ياتِينَها
الفُلكُ مِن أجلِك يا تينها٥٥٣
نَهَى طبيبي عنه في عِلّتي
ما لطبيبي عن حياتي نهى

وذيّل عليه الإمام الخطيب أبو محمد عبد الوهاب المنشي بقوله:

وحِمْص لا تنس لها تينها
واذكر مع التين زياتينَها

وفي بعض النسخ:

لا تنس لأشبيلية تينها
واذكر مع التين زياتينها

وهو نحو الأول لأن حمص هي أشبيلية لنزول أهل حمص من المشرق بها حسبما سنذكره. ونسب ابن جزي في ترتيبه لرحلة ابن بطوطة البيتين الأولين للخطيب أبي محمد عبد الوهاب المالقي، والتذييل لقاضي الجماعة أبي عبد الله بن عبد الملك فالله أعلم.

وقال ابن بطوطة: وبمالقة يصنع الفخار المذهب العجيب، ويجلب منها إلى أقاصي البلاد، ومسجدها٥٥٤ كبير الساحة، كثير البركة، شهيرها، وصحنه لا نظير له في الحسن، وفيه أشجار النارنج البديعة. انتهى. وقال قبله: إن مالقة إحدى قواعد الأندلس، وبلادها الحسان جامعة بين مرافق البر والبحر، كثيرة الخيرات والفواكه، رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير، ورمانها المرسي الياقوتي لا نظير له في الدنيا. وأما التين واللوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب. ا.هـ.

وبكورة أشبونة المتصلة بشنترين معدن التبر، وفيها عسل يجعل في كيس كتان. فلا يكون له رطوبة كأنه سكر. ويوجد في ريفها العنبر الذي لا يشبه إلا الشّحْري.

ومن أشهر مدن الأندلس مدينة قرطبة، أعادها الله تعالى للإسلام، وبها الجامع المشهور، والقنطرة المعروفة بالجسر، وقد ذكر ابن حيان أنه بنى على أمر عمر بن عبد العزيز٥٥٥ رضي الله عنه، ونصه: وقام فيها بأمره على النهر الأعظم بدار مملكتها قرطبة الجسر الأكبر الذي ما يعرف في الدنيا مثله. انتهى. وفيها يقول بعض علماء الأندلس.
بأربعٍ فاقَت الأمصارَ قُرْطُبَةٌ
منهن قنطرةُ الوادي وجامِعُها
هاتان ثنتان والزهراءُ ثالثة
والعِلمُ أعظمُ شيء وهو رابعها

وقال الحجاري في المسهب: كانت قرطبة في الدولة المروانية قبة الإسلام، ومجتمع أعلام الأنام، بها استقر سرير الخلافة المروانية، وفيها تمخضت خلاصة القبائل المعدّية واليمانية، وإليها كانت الرحلة في الرواية، إذ كانت مركز الكرماء، ومعدن العلماء وهي من الأندلس بمنزلة الرأس من الجسد، ونهرها من أحسن الأنهار، مكتنف بديباج المروج، مطرز بالأزهار، تصدح في جنباته الأطيار، وتنعر النواعير، ويبسم النوّار، وقرطاها الزاهرة والزهراء، حاضرتا الملك، وأُفقاهُ النعماء والسراء، وإن كان قد أخنى عليها الزمان، وغير بهجة أوجهها الحسان، فتلك عادته! وسل الخورنق والسدير وغُمدان، وقد أعذر بإنذاره، إذ لم يزل ينادي بصروفه: لا أمان! لا أمان! وقد قال الشاعر:

وما زلت أسمع أنّ الملو
ك تبني على قَدْر أخطارِها

انتهى.

وقال السلطان يعقوب المنصور بن السلطان يوسف بن السلطان عبد المؤمن بن علي لأحد رؤساء أجنادها: ما تقول في قرطبة؟ فخاطبه على ما يقتضيه كلام عامّة الأندلس بقوله: جوفها٥٥٦ شمام،٥٥٧ وغربيها قمام،٥٥٨ وقبلتها مدام، والجنة هي السلام. يعني بالشمام جبال الورد، ويعني بالقمام ما يؤكل، إشارة إلى محرث «الكنبانية».٥٥٩ ويعني بالمدام النهر.

ولما قال والده السلطان يوسف بن عبد المؤمن لأبي عمران موسى بن سعيد العنسي: ما عندك في قرطبة؟ قال له: ما كان لي أن أتكلم حتى أسمع مذهب أمير المؤمنين فيها. فقال السلطان: إن ملوك بني أمية حين اتخذوها حضرة مملكتهم لعلى بصيرة: الديار المنفسحة الكبيرة، والشوارع المتسعة، والمياني الضخمة المشيدة، والنهر الجاري، والهواء المعتدل، والخارج الناضر، والمحرث العظيم، والشعراء الكافية والتوسط بين شرق الأندلس وغربها. قال فقلت: ما أبقى لي أمير المؤمنين ما أقول!

قال ابن سعيد: ولأهلها رياسة ووقار، لا تزال سمة العلم والملك متوارثة فيهم، إلاّ أن عامتها أكثر الناس فضولًا، وأشدهم تشغيبًا، ويضرب بهم المثل، ما بين أهل الأندلس، في القيام على الملوك، والتشنيع على الولاة، وقلة الرضا بأمورهم، حتى أن السيد أبا يحيى أخا السلطان يعقوب المنصور قيل له لما انفصل عن ولايتها: كيف وجدت أهل قرطبة؟ فقال مثل الجمل، إن خففت عنه الحمل صاح، وإن أثقلته صاح، ما ندري أين رضاهم فنقصده، ولا أين سخطهم فنجتنبه، وما سلط الله عليهم حجّاج الفتنة، حتى كان عامتها شرًا من عامّة العراق٥٦٠ وإن العزل عنها لما قاسيته من أهلها عندي ولاية، وإني، إن كلفت العود إليها، لقائل: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين! انتهى.
وقال أبو الفضل التيفاشي: جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب المنصور يعقوب بين الفقيه أبي الوليد بن رشد، والرئيس أبي بكر بن زهر. فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة: ما أدري ما تقول؟ غير أنه إذا مات عالم بأشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مُطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى أشبيلية. قال وقرطبة أكثر بلاد الله كتبًا٥٦١ انتهى.

وحكى الإمام ابن بشكوال عن الشيخ أبي بكر بن سعادة أنه دخل مدينة طليطلة مع أخيه على الشيخ الأستاذ أبي بكر المخزومي. قال: فسألنا: من أين؟ فقلنا: من قرطبة. فقال: متى عهدكما بها؟ فقلنا: الآن وصلنا منها. فقال: أقربا إليّ أشمّ نسيم قرطبة فقربنا منه فشم رأسي وقبّلهُ وقال لي أكتب:

أقرطبة الغراء هل ليَ أوْبةٌ
إليك وهل يدنو لنا ذلك العهدُ
سقى الجانب الغربي منك غمامة
وقعقع في ساحات دوْحاتك الرعد
لياليك أسحارٌ وأرضُك روضة
وتُرْبُكِ في استنشاقها عنبر وردُ

وكتب الرئيس الكاتب أبو بكر بن القبطرنة للعالم أبي الحسين بن سراج بقوله:

يا سيدي وأبي، هوى وجلالةً
ورسولَ وُدِّي إن طلبت رسولا
عرِّج بقرطبةٍ إذا بُلِّغتها
بأبي الحُسين ونادِه تأميلا
وإذا سعدت بنظرةٍ من وجهه
اهدِ السلامَ لكفِّه تقبيلا
واذكر له شوقي وشكري مُجْملا
ولو استطعت شرحته تفصيلا
بتحية تُهدَى إليه كأنما
جرّت على زهر الرياض ذيولا

وفي باب اليهود بقرطبة يقول أبو عامر بن شهيد:

لقد أطْلعوا عند باب اليهو
د بَدرًا أبى الحُسنُ أن يُكْسفا
تراه اليهودُ على بابها
أميرًا فتحسبَهُ يوسُفا
واستقبحوا قولهم باب اليهود فقالوا: باب الهدى. وسنذكر قرطبة والزهراء والزاهرة ومسجدها في الباب المنفرد بها، إن شاء الله تعالى، وكذلك القنطرة.٥٦٢

ومن أعظم مدن الأندلس أشبيلية، قال الشقندي: من محاسنها اعتدال الهواء، وحسن المباني، ونهرها الأعظم الذي يصعد المد فيه اثنين وسبعين ميلًا ثم يحسر، وفيه يقول ابن سفر:

شقّ النسيمُ عَلَيْه جيْبَ قميصِهِ
فانساب من شَطّيْه يطلب تارَه
فتضاحكت وُرْقُ الحمام بدَوْحها
هُزءًا فضمَّ من الحيَاء إزارَهُ

وقيل لأحد من رأي مصر والشام: أيهما رأيت أحسن، أهذان أم أشبيلية؟

فقال بعد تفضيل أشبيلية: شرفها٥٦٣ غابة بلا أسد، ونهرها نيل بلا تمساح. ا.هـ.
ويقال إن الذي بنى أشبيلية اسمه «يوليس»٥٦٤ وأنه أول من سُمِّيَ «قيصر» وأنه لما دخل الأندلس أُعجب بساحاتها، وطيب أرضها، وجبلها المعروف بالشرف، فردم على النهر الأعظم مكانًا، وأقام فيه المدينة، وأحدق عليها بأسوار من صخر صلد وبنى في وسط المدينة قصبتين بديعتي الشأن، تعرفان بأخوين، وجعلها أم قواعد الأندلس، واشتق لها اسمها من «رومية يوليس»٥٦٥ انتهى. وقد تقدم شيء من هذا.

وكان الأولون من ملوك الأعاجم يتداولون بسكناهم أربعة بلاد من بلاد الأندلس: أشبيلية، وقرطبة، وقرمونة، وطليطلة، ويقسمون أزمانهم على الكينونة بها. وأما شرف أشبيلية فهو شريف البقعة، كريم التربة، دائم الخضرة فرسخ في فرسخ، طولًا وعرضًا، لا تكاد تشمس فيه بقعة، لالتفاف زيتونه.

واعلم أن أشبيلية لها كور جليلية، ومدن كثيرة، وحصون شريفة، وهي من الكور المجندة، نزلها جند حمص، ولواؤهم في الميمنة، بعد لواء جند دمشق وانتهت جباية أشبيلية أيام الحكم بن هشام إلى خمسة وثلاثين ألف دينار ومائة دينار. وفي إقليم «طالقة»٥٦٦ من أقاليم أشبيلية وجدت صورة جارية من مرمر، معها صبي، وكأن حية تريده، لم يسمع في الأخبار، ولا رؤى في الآثار، صورة أبدع منها، جعلت في بعض الحمامات، وتعشقها جماعة من العوام. وفي كورة ماردة حصن «شنت أفرج»٥٦٧ في غاية الارتفاع، لا يعلوه طائر البتة، لا نسر ولا غيره.
ومن عجائب الأندلس البلاط الأوسط من مسجد جامع «أقليش»٥٦٨ فإن طول كل جائزة منه مائة شبر واحد عشر شبرًا، وهي مربعة منحوتة، مستوية الأطراف.

وقال بعض من وصف أشبيلية إنها مدينة عامرة، على ضفة النهر الكبير المعروف بنهر قرطبة، وعليه جسر مربوط بالسفن، وبها أسواق قائمة، وتجارات رابحة، وأهلها ذوو أموال عظيمة، وأكثر متاجرهم الزيت، وهو يشتمل على كثير من إقليم الشرف. وإقليم الشرف على تل عال، من تراب أحمر، مسافته أربعون ميلًا في مثلها، يمشي به السائر في ظل الزيتون والتين. ولها فيما ذكر بعض الناس قرى كثيرة، وكل قرية عامرة بالأسواق، والديار الحسنة والحمامات وغيرها من المرافق.

وقال صاحب «منهاج الفكر» عند ذكر أشبيلية: وهذه المدينة من أحسن مدن الدنيا، وبأهلها يضرب المثل في الخلاعة، وانتهاز فرصة الزمان الساعة بعد الساعة. ويعينهم على ذلك واديها الفرج، وناديها البهج، وهذا الوادي يأتيها من قرطبة، ويجزر في كل يوم. ولها جبل الشرف،٥٦٩ وهو تراب أحمر، طوله من الشمال إلى الجنوب أربعون ميلًا، وعرضه من المشرق إلى المغرب اثنا عشر ميلًا، يشتمل على مائتين وعشرين قرية، قد التحفت بأشجار الزيتون واشتملت. انتهى.
ولكورة «باجة»٥٧٠ من الكور الغربية التي كانت من أعمال أشبيلية أيام بني عباد خاصّية في دباغة الأديم وصناعة الكتان. وفيها معدن فضة. وبها ولد المعتمد بن عباد، وهي متصلة بكورة ماردة.

ولجبل طارق حوز قصب السبق بنسبته إلى طارق مولى موسى بن نصير إذ كان أول ما حل به من المسلمين من بلاد الأندلس عند الفتح، ولذا شهر بجبل الفتح، وهو مقابل الجزيرة الخضراء، وقد تجون البحر هنالك مستديرًا، حتى صار مكان هذا الجبل كالناظر للجزيرة الخضراء، وفيه يقول مطّرف شاعر غرناطة:

وَأقْوَدَ قد أَلْقى على البحر مَتنَهُ
فأصبح عن قُود الجبال بمَعْزِلِ
يُعَرِّض نحو الأفْقِ وجهًا كأنما
تراقبُ عيناه كواكب مَنْزِلِ

وإذا أقبل عليه المسافرون من جهة سبتة في البحر، بان كأنه سرج. قال أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد: أقبلت عليه مرة مع والدي فنظرنا إليه على تلك الصفة فقال والدي: أجِزْ:

أنظر إلى جبل الفتح راكبًا مَتْن لُـج

فقلت:

وقد تفتّح مثل الأفنان في شكل سَرْج

وأما جزيرة طريف فليست بجزيرة، وإنما سميت بذلك الجزيرة التي أمامها في البحر مثل الجزيرة الخضراء، وطريف المنسوبة إليه بربري من موالي موسى بن نصير. ويقال إن موسى بعثه قبل طارق في أربعمائة رجل، فنزل بهذه الجزيرة في رمضان سنة إحدى وتسعين، وبعده دخل طارق. والله أعلم.

ومن أعظم كور الأندلس كورة طليطلة، وهي من متوسط الأندلس، وكانت دار مملكة بني ذي النون، من ملوك الطوائف، وكان ابتداء ملكهم صدر المائة الخامسة، وسماها قيصر بلسانه «بزليطلة» وتأويل ذلك: أنت فارح. فعربتها العرب، وقالت «طليطلة».٥٧١ وكانوا يسمونها وجهاتها في دولة بني أمية بالثغر الأدنى، ويسمون سرقسطة وجهاتها بالثغر الأعلى. وتسمّى طليطلة مدينة الأملاك لأنه فيما يقال ملكها اثنان وسبعون إنسانًا، ودخلها سليمان بن داود عليهما السلام، وعيسى بن مريم، وذو القرنين،٥٧٢ وفيها وجد طارق مائدة سليمان، وكانت من ذخائر أشبان ملك الروم الذي بنى أشبيلية، أخذها من بيت المقدس، كما مر.٥٧٣ وقومت هذه المائدة عند الوليد بن عبد الملك بمائة ألف دينار. وقيل إنها كانت من زمرد أخضر، ويقال إنها الآن برومة. والله أعلم بذلك. ووجد طارق بطليطلة ذخائر عظيمة٥٧٤ منها مائة وسبعون تاجًا من الدر والياقوت والأحجار النفيسة، وإيوان ممتلئ من أواني الذهب والفضة، وهو كبير، حتى قيل إن الخيل تلعب فيه فرسانها برماحهم لوسعه. وقد قيل أن أواني المائدة من الذهب، وصحافها من اليشم والجِزع. وذكروا فيها غير هذا، مما لا يكاد يصدقه الناظر فيه. وبطليطلة بساتين محدقة، وأنهار مخترقة، ورياض وجنان، وفواكه حسان، مختلفة الطعوم والألوان ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة، ورساتيق مريعة، وضياع بديعة، وقلاع منيعة، وبالجملة فمحاسنها كثيرة، ولعلنا نلم ببعض متنزهاتها فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وطليطلة قاعدة ملك القوطيين، وهي مطلة على نهر تاجة، وعليه كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها، وكانت على قوس واحد، تكنفه فرجتان من كل جانب، وطول القنطرة ثلاثمائة رباع، وعرضها ثمانون باعًا، وخربت أيام الأمير محمد، لما عصى عليها أهلها، فغزاهم واحتال في هدمها. وفي ذلك يقول الحكيم عباس بن فرناس:

أضْحت طليطلةٌ معطلةً
من أهلها في قبضة الصّقر
تُركت بلا أهل تؤَهلُها
مهجورةَ الأكنافِ كالقبر
ما كان يُبقي الله قنطرةً
نُصبت لحمْل كتائب الكُفر
وسيأتي بعض أخبار طليطلة.٥٧٥
ومن مشهور مدن الأندلس المرّية، وهي على ساحل البحر، ولها القلعة المنيعة المعروفة بقلعة خيران، بناها عبد الرحمن الناصر، وعظمت في دولة المنصور ابن أبي عامر، وولي عليها خيران، فنسبت القلعة إليه. وبها من صنعة الديباج ما تفوق به سائر البلاد. وفيها دار الصناعة.٥٧٦ وتشتمل كورتها على معدن الحديد والرخام. ومن أبوابها باب العقاب عليه صورة عقاب من حجر، قديم عجيب المنظر.
وقال بعضهم: كان بالمرية لنسج طرز الحرير ثمانمائة نول، وللحلل النفيسة والديباج الفاخر ألف نول، وللاسقلاطون كذلك، وللثياب الجرجانية كذلك، وللأصفهانية مثل ذلك، وللعنابي والمعاجر المدهشة، والستور المكللة. ويصنع بها من صنوف آلات الحديد والنحاس والزجاج ما لا يوصف.٥٧٧ وفاكهة المرّية يقصر عنها الوصف حسنًا، وساحلها أفضل السواحل،٥٧٨ وبها قصور الملوك القديمة الغريبة العجيبة. وقد ألف فيها أبو جعفر بن خاتمة تاريخًا حافلًا، سماه «بمزية المرّية على غيرها من البلاد الأندلسية» في مجلد ضخم، تركته من جملة كتبي بالمغرب. والله سبحانه المسئول في جمع الشمل، فله الأمر من بعد ومن قبل.

ووادي المرية طوله أربعون ميلًا في مثلها، كلها بساتين بهجة، وجنات نضرة وأنهار مطردة، وطيور مغردة. قال بعضهم: ولم يكن في بلاد الأندلس أكثر مالًا من أهل المرية، ولا أعظم متاجر وذخائر، وكان بها من الحمامات والفنادق نحو الألف، وهي بين الجبلين، بينهما خندق معمور، وعلى الجبل الواحد، قصبتها المشهورة بالحصانة، وعلى الآخر ربضها. والسور محيط بالمدينة والربض. وغربيها ربض لها آخر يسمى ربض الحوض، ذو فنادق وحمامات، وخنادق وصناعات، وقد استدار بها من كل جهة حصون مرتفعة، وأحجار أولية. وكأنما غربلت أرضها من التراب. ولها مدن وضياع عامرة متصلة الأنهار. انتهى.

وقال ابن اليسع عند ذكر مدينة «شنترة»:٥٧٩

إن من خواصها أن القمح والشعير يزرعان ويحصدان عند مضي أربعين يومًا من زراعته، وأن التفاح فيها دور كل واحدة ثلاثة أشبار وأكثر. قال لي أبو عبد الله الباكوري، وكان ثقة: أبصرت عند المعتمد بن عباد رجلًا من أهل شنترة، أهدى إليه أربعًا من التفاح، ما يُقِلُّ الحامل على رأسه غيرها، دور كل واحدة خمسة أشبار. وذكر الرجل بحضرة ابن عباد أن المعتاد عندهم أقل من هذا، فإذا أرادوا أن يجيء بهذا العِظَم وهذا القدر قطعوا أصلها وأبقوا منه عشرًا أو أقل، وجعلوا تحتها دعامات من الخشب. انتهى.

وبحصن «شنش»٥٨٠ على مرحلة من المرّية التوت الكثير، وفيها الحرير والقرمز، ويعرف واديها بوادي «طبرنش»٥٨١ وبغربي مالقة عمل «سهيل»٥٨٢ وهو عمل عظيم كثير الضياع، وفيه جبل سهيل، لا يرى نجم سهيل بالأندلس إلا منه.
ومن كور الأندلس الشرقية تدمير٥٨٣ وتسمى مصر أيضًا، لكثرة شبهها بها، لأن لها أرضًا يسيح عليها نهر في وقت مخصوص من السنة، ثم ينضب عنها، فتزرع كما تزرع أرض مصر، وصارت القصبة بعد تدمير مرسية، وتسمى البستان لكثرة جناتها المحيطة بها، ولها نهر يصب في قبليها.
واعلم أن جزيرة الأندلس، أعادها الله للإسلام، مشتملة على موسطة وشرق وغرب. فالموسطة فيها من القواعد الممصّرة التي كل مدينة منها مملكة مستقلة، لها أعمال ضخام، وأقطار متسعة: قرطبة، وطليطلة، وجيان، وغرناطة، والمرية، ومالقة: فمن أعمال قرطبة «أستجة» و«بلكونة» و«قبرة» و«رندة» و«غافق» و«المدّور» و«أسطبة» و«بيانة» و«أليسانة» و«القصير»٥٨٤ وغيرها. ومن أعمال طليطلة «وادي الحجارة»، و«قلعة رباح»، و«طلمنكة»٥٨٥ وغيرها. ومن أعمال جيان، «أبذة»، و«بياسة»، و«قسطلة»٥٨٦ وغيرها، ومن أعمال غرناطة «وادي آش»، و«المنكّب» و«لوشة»٥٨٧ وغيرها. ومن أعمال المرية «أندرش»٥٨٨ وغيرها. ومن أعمال مالقة «بلش» و«الحامة»،٥٨٩ وغيرهما. وببلش من الفواكه ما بمالقة، وبالحامة العين الحارة على ضفة واديها.
وأما شرق الأندلس ففيه من القواعد «مرسية» و«بلنسية» و«دانية» و«السهلة» و«الثغر الأعلى».٥٩٠ فمن أعمال مرسية «أوريولة» و«القنت» و«لورقة»٥٩١ وغير ذلك. ومن أعمال بلنسية «شاطبة» التي يضرب بحسنها المثل، ويعمل بها الورق الذي لا نظير له، و«جزيرة شقر» وغير ذلك وأما «دانية» فهي شهيرة، ولها أعمال، وأما «السهلة» فإنها متوسطة بين بلنسية وسرقسطة، ولذا عدها بعضهم من كور الثغر الأعلى، ولها مدن وحصون. ومن أعمال الثغر الأعلى سرقسطة. وهي أم ذلك الثغر. وكورة «لاردة» والقلعة، وتسمى بالبيضاء٥٩٢ وكورة «تطيلة» ومدينتها «طرسونة»٥٩٣ وكورة «وشقة» ومدينتها تمريط،٥٩٤ وكورة مدينة سالم، وكورة قلعة أيوب، ومدينتها بليانة، وكورة «برطانية»٥٩٥ وكورة «باروشة».٥٩٦
وأما غرب الأندلس ففيه «أشبيلية» و«ماردة» و«أشبونة» و«شلب»٥٩٧ فمن أعمال أشبيلية «شريش» و«الخضراء» و«لبلة»٥٩٨ وغيرها. ومن أعمال ماردة «بطليوس» و«يابرة»٥٩٩ وغيرها. ومن أعمال أشبونة «شنترين»٦٠٠ وغيرها. ومن أعمال شلب «شنت ريه»٦٠١ وغيرها.
وأما الجزر البحرية بالأندلس فمنها جزيرة «قادس»٦٠٢ وهي من أعمال أشبيلية. وقال ابن سعيد: إنها من كورة شريش ولا منافاة، لأن شريش من أعمال أشبيلية كما مر. قال: وبيد صنم قادس مفتاح. ولما ثار بقادس ابن أخت القائد أبي عبد الله بن ميمون، وهو علي بن عيسى قائد البحر بها، ظن أن تحت الصنم مالًا فهدمه فلم يجد شيئًا. ا.هـ.
وهي أعني جزيرة قادس في البحر المحيط. وفي المحيط الجزائر الخالدات٦٠٣ السبع، وهي غربي مدينة سلا، تلوح للناظر في اليوم الصاحي الصافي الجو من الأبخرة الغليظة، وفيها سبعة أصنام على أمثال الآدميين، تشير أن لا عبور ولا مسلك وراءها. وفيه بجهة الشمال جزائر السعادات،٦٠٤ وفيها من المدن والقرى ما لا يحصى ومنها يخرج قوم يقال لهم المجوس، على دين النصارى، أولها جزيرة برطانية٦٠٥ وهي بوسط البحر المحيط، بأقصى شمال الأندلس، ولا جبال فيها ولا عيون، وإنما يشربون من ماء المطر، ويزرعون عليه، وقال ابن سعيد: وفيه جزيرة «شلطيش»٦٠٦ وهي آهلة، وفيها مدينة، وبحرها كثير السمك، ومنها يحمل مملحًا إلى أشبيلية، وهي من كورة «لبلة» مضافة إلى عمل «أونبة».٦٠٧ ا.هـ.
وقال بعضهم لما جرى ذكر قرطاجنة من بلاد الأندلس: إن الزرع في بعض أقطارها يكتفي بمطرة واحدة، وبها أقواس من الحجارة المقربصة، وفيها من التصاوير والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات ما يحير البصر والبصيرة. ومن اعجب بنائها «الدواميس»٦٠٨ وهي أربعة وعشرون، على صفٍ واحد، من حجارة مقربصة، طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة، في عرض ستين خطوة، وارتفاع كل واحد أكثر من مائتي ذراع، بين كل داموسين أنقاب محكمة، تتصل فيها المياه من بعضها إلى بعض، في العلو الشاهق، بهندسة عجيبة، وإحكام بديع. انتهى.

«قلت»: أظن هذا غلطًا فإن قرطاجنة التي بهذه الصفة قرطاجنة أفريقية لا قرطاجنة الأندلس. والله أعلم.

وقال صاحب «مناهج الفكر» عندما ذكر قرطاجنة: وهي على البحر الرومي، مدينة قديمة بقي منها آثار، ولها فحص طوله ستة أيام، وعرضه يومان، معمور بالقرى. انتهى. وذكر قبل ذلك في «لورقة»٦٠٩ أنه بناحيتها يوجد حجر اللازورد، وفي البحر الشامي الخارج من المحيط جزيرتا ميورقة ومنورقة، وبينهما خمسون ميلًا وجزيرة ميورقة مسافة يوم بها مدينة حسنة٦١٠ وتدخلها ساقية جارية على الدوام، وفيها يقول ابن اللبانة:
بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها
وكساه حُلّة ريشِهِ الطاووس
فكأنما الأنهارُ فيه مدامةٌ
وكأنّ ساحات الديار كُؤسُ

وقال يخاطب ملكها ذلك الوقت:

وَغَمَرْت بالإحسان أرض مُيورقةٍ
وبنيت ما لم يَبْنِهِ الإسْكندَرُ
وجزيرة يابسة.٦١١ واستقصاء ما يتعلق بهذا الفصل يطول، ولو تُتبع لكان تأليفًا مستقلًا، وما أحسن قول ابن خفاجة:
إن للجنة بالأنْدلُسِ
مُجْتَلَى حُسْنٍ ورَيا نفس
فنا صيحتها من شنب
ودُحَى ليلتها من لَعَس
وإذا ما هبّت الريح صبًا
صِحتُ: وا شوقي إلى الأندلس!

وقال بعضهم في طليطلة:

زادت طُليطلةٌ على ما حدّثوا
بلد عليه نضرةٌ ونسيمُ
الله زيّنهُ فوشّح خضرَهُ
نهر المجرّة والغصونُ نجومُ
ولا حرج إن أوردنا هنا ما خاطب به أديب الأندلس أبو بحر صفوان بن إدريس الأمير عبد الرحمن ابن السلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي، فإنه مناسب ونصه:
مولاي أمتع الله ببقائك الزمان وأبناءه، كما ضمَّ على حبك أحناءهم وأحناءه، وأوصل لك ما شئت من المنّ والأمان، كما نظم قلائد فخرك على لبة الدهر نظم الجمان، فإنك الملك الهمام، والقمر التمام، أيامك غرر وحجول، وفرند بهائها في صفحات الدهر يجول، ألبست الرعية برود التأمين، فتناسقت فيك من نفيس ثمين، وتلقت دعوات خلدك لها باليمين، فكم للناس من أمن بك وإيناس، وللأيام من لوعة فيك وهيام وللأقطار من لبانات لديك وأوطار، وللبلاد من قراع على تملكك لها وجلاد!! يتمنون شخصك الكريم على الله ويقترحون، ويغتبقون في رياض ذكرك العاطر بمدام حبك ويصطحبون، كل حزب بما لديهم فرحون، محبة من الله ألقاها لك، حتى على الجماد، ونصرًا مؤزرًا تنطق به ألسنة السيوف على أفواه الأغماد، ومن أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها، ومن طوى حسن نية ختم الله له بالجميل إعادتها وإبداءها، ومن قدّم صالحًا فلا بد من أن يوازيه، ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه ولما تخاصمت فيك من الأندلس الأمصار، وطال بها الوقوف على حبك والاقتصار، كلها يفصح قولًا، ويقول أنا أحق وأولى، ويصيخ إلى إجابة دعوته ويصغي، ويتلو إذا بشر بك: ذلك ما كنا نبغي. تنمّرت حمص غيظًا، وكادت تفيض فيضًا وقالت: ما لهم يزيدون وينقصون، ويطمعون ويحرصون؟ إن يتبعون إلاّ الظن وإن هم إلاّ يخرصون! أَلهم السهم الأسدّ، والساعد الأشدّ، والنهر الذي يتعاقب عليه الجزر والمدّ؟ أنا مصر الأندلس والنيل نهري، وسمائي التأنس والنجوم زهري، إن تجاريتم في ذلك الشرف،٦١٢ فحسبي أن أفيض في ذلك الشرف، وإن تبجحتم بأشرف اللبوس، فأي إزار اشتملتموه «كشنتبوس»؟٦١٣ إلى ما شئت من أبنية رحاب، وروضى يستغنى بنضرته عن السحاب، وقد ملأت زهراتي وهادًا ونجادًا، وتوشح سيف نهري بحدائقي نجادا، فأنا أولاكم بسيدنا الهمام وأحق، الآن حصحص الحق!
فنظرتها قرطبة شذرًا، وقالت: لقد كثرت نذرًا، وبذرت في الصخر الأصم بذرًا، كلام العدي ضرب من الهذيان، وإني للإيضاح والبيان متى استحال المستقبح مستحسنًا، ومن أودع أجفان المهجور وسنا، أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا؟! يا عجبًا للمراكز تقدّم على الأسنة، وللأثغار٦١٤ تفضل على الأعنة! إن ادعيتم سبقًا فما عند الله خير وأبقى، لي البيت المطهر الشريف، والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف، في بقيعي محل الرجال الأفاضل، فليرغم أنف المناضل، وفي جامعي مشاهد ليلة القدر، فحسبي من نباهة القدر، فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى، ولا أرضى له أن يوطئ غير ترابي نعلًا، فأقرّوا لي بالأبوَّة، وانقادوا لي على حكم النبوّة، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، وكفوا عن تباريكم ذلكم خير لكم عند باريكم.

فقالت غرناطة: لي المعقل الذي يمتنع ساكنه من النجوم، ولا تجري إلا تحته جياد الغيث السجوم، فلا يلحقني من معاند ضرر ولا حيف، ولا يهتدي إليّ خيال طارق ولا طيف، فاستسلموا قولًا وفعلًا، فقد أفلح اليوم من استعلى، لي بطاح تقلدت من جداولها أسلاكًا، وأطلعت كواكب زهرها فعادت أفلاكًا، ومياه تسيل على أعطافي كأدمع العشاق، وبرد نسيم يردد ماء المستجير بالانتشاق، فحسني لا يطمع فيه ولا يحتال، فدعوني فكل ذات ذيل تختال، فأنا أولى بهذا السيد الأعدل، وما لي به من عوض ولا بدل، ولم لا يعطف عليّ عنان مجده ويثني، وإن أنشد يومًا فإياي يعني:

بلاد بها عَقّ الشباب تمائمي
وأول أرض مَسّ جلدي تُرابها

فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون، وتتأخرون في ميداني وتتقدمون؟ تبرأوا إليّ مما تزعمون، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون.

فقالت مالقة: أتتركوني بينكم هملًا، ولم تعطوني في سيدنا أملًا؟ ولِمَ ولي البحر العجاج، والسبل الفجاج، والجنات الأثيرة، والفواكه الكثيرة؟! لديّ من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل، ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل، فما لي لا أعطى في ناديكم كلامًا، ولا أنشر في جيش فخاركم أعلامًا؟! فكأنّ الأمصار نضرتها ازدراء، فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراء، لأنها موطن لا يحظى منه بطائل، ونظن البلاد تأولت فيها قول القائل:

إذا نطق السفيهُ فلا تُجبْهُ
فخيرٌ من إجابته السكوتُ

فقالت مرسية: أمامي تتعاطون الفخر، وبحضرة الدر تنفقون الصخر، إن عدّت المفاخر، فلي منها الأول والآخر، أين أوشالكم من بحري، وخرزكم من لؤلؤ نحري؟ وجعجعتكم من نفثات سحري؟ فلي الروض النضير، والمرأى الذي ما له نظير، ورتقائي التي سار مثلها في الآفاق، وتبرقع وجه جمالها بغرة الأصفاق، فمن دوحات، كم لها من بكور وروحات، ومن أرجاء، إليها تمد أيدي الرجاء. فأبنائي في الجنة الدنيوية مودعون، يتنعمون فيما يأخذون ويَدَعون، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يَدّعون، فانقادوا لأمري، وحاذروا اصطلاء جمري، وخلّوا بيني وبين سيدنا أبي زيد، وإلا ضربتكم ضرب زيد، فأنا أولاكم بهذا الملك المستأثر بالتعظيم، وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم.

فقالت بلنسية: فيم الجدال والقراع، وعلام الاستهام والاقتراع، وإلام التعريض والتصريح، وتحت الرغوة اللبن الصريح؟! أنا أحوزه من دونكم، فأخمدوا نار تحرككم وهدونكم، فلي المحاسن الشامخة الأعلام. والجنات التي تلقى إليها الآفاق يد الاستسلام، وبرصافتي وجسري أعارض مدينة السلام، فأجمعوا على الانقياد لي والسلام، وإلا فعضوا بنانًا، واقرعوا أسنانًا. فأنا حيث لا تدركون وأنّي؟ ومولانا لا يهلكنا بما فعل السفهاء منا!

فعند ذلك ارتمت جمرة تدمير بالشرار، واستدّت أسهمها لنحور الشرار، وقالت: عش رجبًا، تر عجبًا! أبَعَد العصيان والعقوق، تتهيأن لرتب ذوي الحقوق؟! هذه سماء الفخر، فمن ضمنك أن تعرجي؟ ليس بعشك فادرجي، لك الوصف والخيل. آلآن؟ وقد عصيت قبل أيتها الصانعة الفاعلة، من أدراك أن تضربي وما أنت فاعلة، ما الذي يجديك الروض والزهر؟ أم يفيدك الجدول والنهر؟ وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ هل أنت إلا محط رحل النفاق، ومنزل ما لسوق الخصب فيه من نفاق، ذراك لا يكتحل الطرف فيه بهجوع، وقراك لا يسمن ولا يغني من جوع، فإلامَ تبرز الإماء في منصة العقائل؟ ولكن اذكري قول القائل:

بلنسية، بيني عن القلب سَلْوةً
فإنك روض لا أحِنُّ لزَهْرك
وكيف يُحب المرء دارًا تقسّمَتْ
على صارِمَى جوعٍ وفتنة مشرِكِ؟

بيد أني أسأل الله تعالى أن يوقد من توفيقك ما خمد، ويسيل من تسديدك ما جمد، ولا يطيل عليك في الجهالة الأمد، وإياه سبحانه نسأل أن يرد سيدنا ومولانا إلى أفضل عوائده، ويجعل مصائب أعدائه من فوائده، ويمكن حسامه من رقاب المشغبين، ويبقيه وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويصل له تأييدًا وتأييدًا، ويمهد له الأيام حتى تكون الأحرار لعبيد عبيده عبيدًا، ويمد على الدنيا بساط سعده، ويهبه ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده.

آمين! آمين! لا أرض بواحدة
حتى أضيف إليها ألف آمينا
ثم السلام الذي يتعانق عبقًا ونشرًا، ويتألق رونقًا وبشرًا، على حضرتهم العلية، ومطالع أنوارهم السنية الجلية، ورحمة الله تعالى وبركاته٦١٥ (انتهى).
ولما ألمّ الرحالة ابن بطوطة في رحلته بدخوله بلاد الأندلس، أعادها الله تعالى للإسلام قال: فوصلت إلى بلاد الأندلس حرسها الله تعالى حيث الأجر موفور للساكن، والثواب مذخور للمقيم والظاعن … إلى أن قال عند ذكره غرناطة ما نصه:
قاعدة بلاد الأندلس، وعروس مدنها، وخارجها لا نظير له في الدنيا، وهو مسيرة أربعين ميلًا، يخترقه نهر شنيل المشهور وسواه من الأنهار الكثيرة، والبساتين الجليلة، والجنات، والرياضات، والقصور، والكروم، محدقة بها من كل جهة، ومن عجيب مواضعها «عين الدمع»٦١٦ وهو جبل فيه الرياضات والبساتين، لا مثل له بسواها. انتهى.

وقال الشقندي: غرناطة: دمشق بلاد الندلس، ومسرح الأبصار، ومطمح الأنفس، ولم تخل من أشراف أماثل، وعلماء أكابر، وشعراء أفاضل، ولو لم يكن بها إلا ما خصها الله تعالى به من كونها قد نبغ فيها النساء الشواعر، كنزهون القَلْبميّة، والركونية، وغيرهما، وناهيك بهما في الظرف والأدب. انتهى.

ولبعضهم، يتشوق إلى غرناطة، فيما ذكره بعض المؤرخين، والصواب أن الأبيات قيلت في قرطبة كما مر والله أعلم.

أغرناطة الغراء، هل لِي أوبة
إليك وهل يدنو لنا ذلك العهد
سقى الجانب الغربي منك غمامةٌ
وقَعْقَع في ساحات رَوْضتك الرعد
لياليك أسحارٌ، وأرضك جنةٌ
وتُربُك في استنشاقها عنبر وَرْدٌُ

وقال ابن مالك الرعيني:

رعى الله بالحمراء عيشًا قَطَعْتُهُ
ذهبت به للأنس والليلُ قَدْ ذَهّبْ
ترى الأرض منها فِضّة فإذا اكتست
بشمسِ الضُّحى عادت سبيكتُها ذَهبْ

وهو القائل:

لا تظنوا أن شوقي خمدا
بعدكم، أو أن دمعي جمدا
كيف أسلو عن أُناس مثلهم
قَلَّ أن تُبصر عيني أحدًا
وغرناطة من أحسن بلاد الأندلس، وتسمى بدمشق الأندلس، لأنها أشبه شيء بها، ويشقها نهر «حَدَرُّه»٦١٧ ويطل عليها الجبل المسمى بشلير، الذي لا يزول الثلج عنه شتاءً ولا صيفًا٦١٨ ويجمد عليه، حتى يصير كالحجر الصلد، وفي أعلاه الأزاهر الكثيرة، وأجناس الأفاوية الرفيعة. ونزل بها أهل دمشق، لمّا جاءوا إلى الأندلس، لأجل الشبه المذكور. وقرى غرناطة فيما ذكر بعض المتأخرين مائتان وسبعون قرية٦١٩ وقال ابن جزي مرتب رحلة ابن بطوطة، بعد ذكر كلامه ما نصه: قال ابن جزي: لولا خشيت أن أُنسب إلى العصبية، لأطلت القول في وصف غرناطة، فقد وجدت مكانه، ولكن ما اشتهر كاشتهارها لا معنى لإطالة القول فيه. ولله در شيخنا أبي بكر ابن محمد بن شبرين السبتي، نزيل غرناطة حيث يقول:
رعى الله من غِرناطة مُتبَوَّأً
يَسُرّ حزينًا أو يُجيرُ طَريدًا
تبرّم منها صاحبي عندما رأى
مسارِجها بالثلجِ عُدْن جليدًا
هو الثغْرُ، صان الله من أهِلت به
وما خيرُ ثغرٍ لا يكون بَرودا؟

وقال ابن سعيد، عندما أجرى ذكر قرية نارجة، وهي قرية كبيرة تضاهي المدن قد أحدقت بها البساتين، ولها نهر يفتن الناظرين، وهي من أعمال مالقة: أنه اجتاز مرة عليها مع والده أبي عمران موسى، وكان ذلك زمان صباغة الحرير عندهم وقد ضربوا في بطن الوادي بين مقطعاته خيمًا، وبعضهم يشرب، وبعضهم يغني ويطرب، وسألوا: بِمَ يعرف ذلك الموضع؟ فقالوا الطراز، فقال والدي اسم طابق مسماه، ولفظ وافق معناه.

وقد وجدتَ مكان القولِ ذا سَعَةٍ
فإن وَجَدْتَ لسانًا قائلًا فقُلِ
ثم قال أجز : بنارجةٍ حيثُ الطراز المُنَمْنَم
فقلت : أقِمْ فوقَ نهرٍ ثغره يتبسمُ
فقال : وسمعك نحو الهاتفاتِ فإنها
فقلت : لِما أبصرتْ مِنْ بهجةٍ تترنّم
فقال : أيا جنةَ الفِردوسِ لستُ بآدمٍ
فقلت : فلا يكُ حظِّي من جَناك التنَدُّمُ
فقال : يعز علينا أن نزورك مثل ما
فقلت : يزورُ خيالٌ من سُلَيْمَى مسلّمُ
فقال : فلو أنني أعطَى الخيارَ لما عَدَتْ
فقلت : محلّك لي عَيْنٌ بمرآكِ تنعَمُ
فقال : بحيث الصبا والطَّلُّ من نفثاتها
فقلت : وقَتْ لَسْعَ روضٍ فيه للنهر أَرْقَمُ
فقال : فوا أسفي! إن لم تكن ليَ عودةٌ
فقلت : فكن مالِكًا إني عليك مُتَمِّمُ٦٢٠
فقال : فأحسَب هذا آخرَ العَهْدِ بيننا
فقلت : وقد يَلْحَظُ الرحمنُ شَوْقي فيرحَمُ
فقال : سلام! سلامٌ لا يزال مُرَدَّدًا
فقلت : عليك! ولا زالت بك السُّحْب تَسْجُم!

انتهى.

وقال ابن سعيد: إن كورة بلنسية، من شرق الأندلس، ينبت بها الزعفران وتعرف بمدينة التراب، وبها كُمَّثْرَى تسمى الأرزة، في قدر حبة العنب، قد جمع مع حلاوة الطعم، ذكاء الرائحة، إذا دخل دارًا عرف بريحه، ويقال إن ضوء بلنسية يزيد على ضوء سائر بلاد الأندلس، وبها منارة ومسارح، ومن أبدعها وأشهرها الرصافة، ومُنْية ابن أبي عامر.

وقال الشرف أبو جعفر بن مسعدة الغرناطي من أبيات فيها:

هي الفِردوْس في الدنيا جَمالًا
لساكِنِها وكارهها البعوض

وقال بعضهم فيها:

ضاقَتْ بَلَنسيةٌ بي
وذادَ عَنِّي غُموضي
رقْصُ البراغيث فيها
عَلَى غِنَاءِ البَعُوض

وفيها لابن الزقاق البلنسي:

بلنسيةٌ إذا فكَّرتَ فيها
وفي آياتها أسنى البِلادِ
وأعظمُ شاهِدي منها عليْهَا
وأن جَمالها للعين بَادِي
كَسَاها ربُّها دِيبَاجَ حُسْن
لها عَلَمانِ مِنْ بَحْر ووادي

وقال ابن سعيد أيضًا: أنشدني والدي قال: أنشدني مروان بن عبد الله بن عبد العزيز ملك بلنسية لنفسه بمراكش قوله:

كأنَّ بلنسيةً كاعِبٌ
ومَلْبَسها سُنْدُسٌ أخضَرُ
إذا جئتَهَا سَتَرَتْ نفسَها
بأكمامِها فهْيَ لا تظهَرُ
وأما قول أبي عبد الله بن عياش: «بلنسية بيني» البيتين وقد سبقا، فقال ابن سعيد: إن ذلك حيث صارت ثغرًا يصاحبها العدو ويماسيها.٦٢١ ا.هـ.

وقال أبو الحسن بن حريق يجاوب ابن عياش:

بلنسية قرَارَةُ كلّ حُسن
حديث صحّ في شرق وغَرْب
فإن قالوا مَحلُّ غلاءِ سعر
ومسقطُ ديمتي طعن وضرْب
فقل هيَ جنةٌ حُفّت رُباها
بمكروهين مَنْ جوع وحرْب

وقال الرصافي في رصافتها:

ولا كالرّصافة من منزلٍ
سَقَتْهُ السحائب صَوْبَ الولي
أحِنُّ إليها ومن لي بها
وأين السَريُّ من الموصلي
وقال ابن سعيد: وبرصافة٦٢٢ بلنسية مناظر وبساتين ومياه ولا نعلم في الأندلس ما يُسمّى بهذا الاسم إلاّ هذه، ورصافة قرطبة. انتهى. ومن أعمال بلنسية قرية «المنصف» التي منها الفقيه الزاهد أبو عبد الله المنصفي وقبره كان بسبته يزار رحمه الله. ومن نظمه:
قالت ليَ النفسُ: أتاك الرّدَى
وأنت في بحر الخطايا مُقيم
فما ادّخرتَ الزادَ، قلت اقصري!
هل يُحْمَلُ الزاد لدار الكريم؟
ومن عمل بلنسية قرية «بطرنة»٦٢٣ وهي التي كانت فيها الوقعة المشهورة للنصارى على المسلمين. وفيها يقول أبو اسحق بن يعلى الطرسوني:٦٢٤
لبسوا الحديدَ إلى الوغى ولبِستمُ
حُللَ الحرير عليكمُ ألوانا
ما كانَ أقبحَهُم وأحسنكم بها!
لو لم يكن ببَطرَنة ما كانا
ومن عمل بلنسية «مينطة»٦٢٥ التي نسب إليها جماعة من العلماء والأدباء. ومن عمل بلنسية مدينة «أندة»٦٢٦ التي في جبلها معدن الحديد. وأما «رندة»٦٢٧ بالراء فهي في متوسط الأندلس، ولها حصن يعرف بأندة أيضًا. وفي أشبيلية، أعادها الله، من المتفرجات والمتنزهات كثير، ومن ذلك مدينة «طريانة»٦٢٨ فإنها من مدن أشبيلية ومتنزهاتها، وكذلك «تيطل» فقد ذكر ابن سعيد جزيرة تيطل في المتفرجات. وقال أبو عمران موسى بن سعيد في جوابه لأبي يحيى صاحب سبتة، لما استوزره مستنصر بني عبد المؤمن، وكتب إلى المذكور يرغبه في النقلة عن الأندلس إلى مراكش، ما نص محل الحاجة منه: وأما ما ذكر سيدي من التخيير بين ترك الأندلس، وبين الوصول إلى حضرة مراكش، فكفى الفهم العالي من الإشارة قول القائل:
والعِزُّ محمودٌ ومُلْتَمَسٌ
وألذّهُ ما كان في الوطن

فإذا نلت بك السماء في تلك الحضرة، فعلى من أسود فيها؟ ومن ذا أضاهي بها؟

لا رَقَت بي همةٌ إن لم أكن
فيك قد أملت كل الأمل

وبعدها فكيف أفارق الأندلس، وقد علم سيدي أنها جنة الدنيا، بما حباها الله به من اعتدال الهواء، وعذوبة الماء، وكثافة الأفياء، وأن الإنسان لا يبرح فيها بين قرة عين وقرار نفس؟

هي الأرضُ لا وِرْدٌ لديها مُكدّرٌ
ولا طلّ مقصورٌ ولا رَوْضَ مُجّدبُ

أفُق صقيل، وبساط مدبج، وماء سائح، وطائر مترنم بليل، وكيف يعدل الأديب عن أرض على هذه الصفة؟ فيا سموءل الوفاء، ويا حاتم السماح، ويا جذيمة الصفاء، كمِّل لمن أملك النعمة، بتركه في موطنه، غير مكدّر لخاطره بالتحرك من معدنه، متلفتًا إلى قول القائل:

وسوّلت لي نفسي أن أفارقها
والماء في المُزن أصفى منه في الغُدُر

فإن أغناه اهتمام مؤمله عن ارتياد المراد، وبلّغه دون أن يشدّ قتبًا ولا أن يُنضي عيسًا غاية المراد، أنشد ناجح المرغوب، بالغ المطلوب:

وليس الذي يستَتْبع الوَبْلَ رائدًا
كمن جاءه في دارِه رائدُ الوَبْل

ورب قائل إذا سمع هذا التبسط على الأماني: ماله تشططّ، وعدل عن سبيل التأدب وتبسَّط؟! ولا جواب عندي إلاّ قول القائل:

فهذه خِطَّة مازلت أرقبُها
فاليوم أبسطُ آمالي وأحتكِمُ

ومالي لا أنشد ما قاله المتنبي في سيف الدولة:

ومَن كنتَ بحرًا له يا عليّ
لم يقبل الدرّ إلا كبارا

انتهى المقصود منه.

وقال الحجاري: إن مدينة «شريش»٦٢٩ بنت أشبيلية، وواديها ابن واديها، ما أشبه سُعدَى بسعيد!! وهي مدينة جليلة، ضخمة الأسواق، لأهلها همم وظرف في اللباس وإظهار الرفاهية، وتخلّق بالآداب. ولا تكاد ترى بها إلاّ عاشقًا أو معشوقًا. ولها من الفواكه ما يعم ويفضل، ومما اختصت به إحسان الصنعة في المجبَّنات، وطيب جبنها يعين على ذلك. ويقول أهل الأندلس: من دخل شريش ولم يأكل بها المجبّنات فهو محروم. ا.هـ.

والمجبنات نوع من القطائف يضاف إليها الجبن في عجينها وتقلى بالزيت الطيب. وفي شلب يقول الفاضل الكاتب أبو عمرو بن مالك بن سيدمير.

أشَجاك النسيمُ حين يَهُبُّ؟
أم سنى البرق إذ يخُبُّ ويخبو؟
أم هَتوفٌ على الأراكة تشدو
أم هَتونٌ من الغمامة سكبُ؟
كلُّ هذاك للصبّابة داعٍ
أيُّ صَبٍ دُموعُه لا تَصُبُّ؟
أنا لولا النسيمُ والبَرق والوُرْ
قُ وصَوْبُ الغمام ما كنت أصبو
ذكرتني شلْبًا، وهيهاتَ مِنِّي
بعد ما استحكم التباعد شِلبُ!
وتسمى أعمال كورة «أشكونية» وهي متصلة بكورة أشبونة، وهي، أعني أشكونية، قاعدة جليلة، لها مدن ومعاقل، ودار ملكها قاعدة «شِلْب»٦٣٠ وبينها وبين قرطبة سبعة أيام. ولما صارت لبني عبد المؤمن مراكش أضافوها إلى كروة أشبيلية. وتفتخر شلب بكون ذي الوزارتين ابن عمار منها، سامحه الله. ومنها القائد أبو مروان عبد الملك بن بدران، وربما قيل ابن بدرون، الديب المشهور شارح قصيدة ابن عبدون التي أولها:
الدّهرُ يَفْجعُ بعد العَين بالأثرِ
فما البكاء على الأشباح والصُّور؟!

وهذا الشرح شهير بهذه البلاد المشرقية. ومن نظم ابن بدرون المذكور قوله:

العشقُ لذّتُهُ التّعنيقُ والقُبل
كما مُنغصهُ التثريب والعَذَلُ
يا ليت شِعري! هل يقضي وصالكم
لولا المُنى لم يكن ذا العمرُ يتصلُ

ومنها نحويُّ زمانه وعلامته، أبو محمد عبد الله ابن السيد البطليوسي، فإن شلبًا بيضتهُ، ومنها كانت حركته ونهضته، كما في الذخيرة. وهو القائل:

إذا سألوني عن حالتي
وحاولت عُذرًا فلم يُمكنِ
أقول: بخير، ولكنّه
كلامٌ يدور على الألسُن
وربّك يعلم ما في الصدور
ويعلم خائنةَ الأعينِ

وقال الوزير أبو عمرو بن الغلاس يمدح بطليوس بقوله:

بطليوس٦٣١ لا أنساك ما اتصلَ البُعدُ
فلله غَورٌ في جنابك أو نَجْدُ
ولله دوحاتٌ تَحفّكِ يُنعًا
تفجّر واديها كما شقق البرْدُ
وبنو الغلاس من أعيان حضرة بطليوس، وأبو عمرو المذكور أشهرهم، وهو من رجال الذخيرة والمسهب، رحمه الله تعالى. وفي شاطبة٦٣٢ يقول بعضهم:
نِعمَ ملقى الرحلِ شاطبة
لِفتى طالت به الرحل
بلدةٌ أوقاتها سَحرٌ
وصبًا في ذيله بَلَلُ
ونسيمٌ عرفُهُ أرِجٌ
ورياضٌ غصنها ثِملُ
ووجوهٌ كُلُّها غُرَرٌ
وكلامٌ كلّه مُثُلُ

وفي برجة يقول بعضهم:

إذا جئت برجةَ مستوفزًا
فخذ في المقام وخَلّ السّفرْ
فكلُّ مكان بها جنةٌ
وكلّ طريق إليها سَفَرٌ

واعلم أنه لو يكن للأندلس من الفضل سوى كونها ملاعب الجياد للجهاد، لكان كافيًا، ويرحم الله لسان الدين بن الخطيب، حيث كتب على لسان سلطانه إلى بعض العلماء العاملين ما فيه إشارة إلى بعض ذلك ما نصه: من أمير المسلمين فلان إلى الشيخ كذا ابن الشيخ كذا وصل الله له سعادة تجذبه، وعناية إليه تقربه وقبولًا منه يدعوه إلى خير ما عند الله ويندبه، سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله المرشد المثيب، السميع المجيب، معوّد اللطف الخفي، والصنع العجيب المتكفل بإنجاز وعد النصر العزيز والفتح القريب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي القدر الرفيع والعز المنيع والجناب الرحيب، الذي به نرجو ظهور عبدة الله على عبَدَة الصليب، ونستظهر منه على العدو بالحبيب، ونعدّه عدتنا لليوم العصيب، والرضا عن آله وصحبه الذين فازوا بمشاهدته بأوفى النصيب، ورموا إلى هدف مرضاته بالسهم المصيب، فإنا كتبناه إليكم، كتب الله تعالى لكم عملًا صالحًا يختم الجهاد صحائف بره، وتتمخض لأن تكون كلمة الله هي العليا جوامع أمره، وجعلكم ممن تهنى في الأرض التي فتح فيها أبواب الجنة مدة عمره، من حمراء غرناطة، حرسها الله تعالى، ولطف الله هامي السحاب، وصنعه رائق الجناب، والله يصل لنا ولكم ما عوَّده من صلة لطفه، عند انبتات الأسباب، وإلى هذا أيها المولى الذي هو بركة المغرب المشار إليه بالبنان، وواحده في رفعة الشأن المؤثر ما عند الله على الزخرف الفتان، المتفلل من المتاع الفان، المستشرف إلى مقام العرفان، من درج الإسلام والإيمان والإحسان، فإننا لما نؤثره من بركم الذي نعده من الأمر الأكيد ونضمره من ودكم الذي نحله محل الكنز العتيد، ونلتمسه من دعائمكم التماس العدة والعديد، لا نزال نسأل عن أحوالكم التي ترقت في أطوار السعادة، ووصلت جناب الحق بهجر العادة، وألقت إلى يد التسليم لله والتوكل عليه بالمقادة، فنسر بما هيأ الله تعالى لكم من القبول وبلغكم من المأمول، وألهمكم من الكلف بالقرب إليه والوصول، والفوز بما لديه والحصول، وعندما ردّ الله تعالى علينا الرد الجميل، وأنالنا فضله الجزيل، وكان لعثارنا المقيل، خاطبناكم بذلك لمكانكم من ودادنا، ومحلكم من حسن اعتقادنا، ووجّهنا إلى وجهة دعائكم وجه اعتدادنا، والله ينفعنا بجميل الظن في دينكم المتين، وفضلكم المبين، ويجمع الشمل بكم في الجهاد عن الدين، وتعرفنا الآن بمن له بأنبائكم اعتناء، وعلى جلالكم حمد وثناء، ولجناب ودكم اعتزاء وانتماء، بتجاول عزمكم بين حج مبرور ترغبون من أجره في ازدياد، وتجدون العهد منه بأليف اعتياد وبين رباط في سبيل الله وجهاد، وتَوْثير مهاد، بين ربا أثيرة عند الله ووهاد، يحشر يوم القيامة شهداؤها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، فرحين بما آتاهم الله من فضله، والله أصدق القائلين الصادقين، حيث لا غارة لعدو الإسلام تُتّقى، إلا لابتغاء ما لدى الله يرتقي، حيث رحمة الله قد فتحت أبوابها، وحور الجنان قد زينت أترابها، دار العرب الذين قرعوا باب الفتح، وفازوا بجزيل المنح، وخلدوا الآثار، وأرغموا الكفار، وأقالوا العثار، وأخذوا الثار، وأمنوا من لفح جهنم، بما علا على وجوههم من ذلك الغبار، فكتبنا إليكم هذا نقوّى بصيرتكم، على جهة الجهاد من العَزْمَين، ونهب بكم إلى إحدى الحسنيين، والصبح غير خاف على ذي عينين والفضل ظاهر لإحدى المنزلتين، فإنكم إن حججتم أعدتم فرضًا أديتموه، وفضلًا أرتديتموه، فائدته عليكم مقصورة، وقضيته فيكم محصورة. وإذا أقمتم الجهاد، جلبتم إلى حسناتكم عملًا غريبًا، واستأنفتم سعيًا من الله قريبًا، وتعدت المنفعة إلى ألوف من النفوس، المستشعرة لبأس البوس، ولو كان الجهاد بحيث يخفى عليكم فضله لأطنبنا، وأعنة الاستدلال أرسلنا. هذا لو قدمتم على هذا الوطن، وفضلكم غُفل من الاشتهار، ومن به لا يوجب لكم ترفيع المقدار، فكيف وفضلكم أشهر من مُحيا النهار، ولقاؤكم أشهى الآمال وآثر الأوطار؟! فإن قوي عزمكم، والله يقويه، ويعيننا من بركم على ما ننويه، فالبلاد بلادكم، وما فيها طريقكم وتلادكم وكهولها إخوانكم، وأحداثها أولادكم، ونرجو أن تجدوا لذكركم الله في رباها حلاوة زائدة، ولا تعدموا من روح الله فائدة، وتتكيف نفسكم فيها بكيفيات تقصر عنها خلوات السلوك إلى ملك الملوك، حتى تغتبطوا بفضل الله الذي يوليكم، وتروا أثر رحمته فيكم، وتخلّفوا فخر هذا الانقطاع إلى الله في قبيلكم وبنيكم، وتختموا العمل الطيب بالجهاد الذي يعليكم، ومن الله تعالى يدنيكم، فنبيكم العربي، صلوات الله عليه وسلامه، نبي الرحمة والملاحم، ومُعمِل الصوارم، وبجهاد الفرنج ختم عمل جهاده، والأعمال بالخواتم، هذا على بعد بلادهم من بلاده، وأنتم أحق الناس باقتفاء جهاده، والاستباق إلى آماده.

هذا ما عندنا حثثناكم عليه، ونَدَبْناكم إليه، وأنتم في إيثار هذا الجوار، ومقارضة ما عندنا بقدومكم على بلادنا من الاستبشار، بحسب ما يخلق عنكم من بيده مقادة الاختيار، وتصريف الليل والنهار، وتقليب القلوب وإجالة الأفكار، وإذ تعارضت الحظوظ فما عند الله خير للأبرار، والدار الآخرة دار القرار، وخير الأعمال عمل أوصل إلى الجنة وباعد من النار، ولتعلموا أن نفوس أهل الكشف والاطلاع، بهذه الأرجاء والأصقاع، قد اتفقت أخبارها، واتحدت أسرارها، على البشارة بفتحٍ قرُب أوانه، وأظلّ زمانه. فنرجو الله أن تكونوا ممن يحضر مدّعاه، ويكرم فيه مسعاه، ويسلف فيه العمل الذي يشكره الله ويرعاه، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.

ولما دخل الأندلس أمير المسلمين عليّ ابن أمير المسلمين يوسف بن ناشفين اللمتوني، ملك المغرب والأندلس، وأمعن النظر فيها، وتأمّل وصفها وحالها، قال: إنها تشبه عُقابًا مخالبه طليطلة، وصدره قلعة رباح، ورأسه جيّان، ومنقاره غرناطة وجناحه الأيمن باسط إلى المغرب، وجناحه الأيسر باسط إلى المشرق … في خبر طويل لم يحضرني الآن، إذ تركته مع كتبي بالمغرب، جمعني الله بها على أحسن الأحوال.

ومع كون أهل الأندلس سُبّاق حَلْبة الجهاد، مهطعين إلى داعيه من الجبال والوهاد، فكان لهم في الترف والنعيم والمجون، ومداراة الشعراء، خوف الهجاء، محل وثير المهاد. وسيأتي في الباب السابع من هذا القسم من ذلك وغيره ما يشفي ويكفي، ولكن سنح لي أن أذكر هنا حكاية أبي بكر المخزوميّ الهجّاء المشهور، الذي قال فيه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة: إنه كان أعمى شديد الشر، معروفًا بالهجاء، مسلطًا على الأعراض، سريع الجواب، ذكي الذهن، فطنًا للمعارض سابقًا في ميدان الهجاء، فإذا مدح ضعف شعره.

والحكاية هي ما حكاه أبو الحسن بن سعيد في الطالع السعيد إذ قال، حكاية عن أبيه فيما أظن: قدم المذكور، يعني المخزومي، على غرناطة أيام ولاية أبي بكر ابن سعيد، ونزل قريبًا مني، وكنت أسمع به: نار صاعقة يرسلها الله على من يشاء من عباده، ثم رأيت أن أبدأه بالتأنيس والإحسان، فاستدعيته بهذه الأبيات:

يا ثانيًا للمَعَرِّى
في حُسنِ نظْم ونثْر
وفرط ظرف ونُبْلِ
وغَوْصِ فهمٍ وفِكْر
صِل ثم واصل حفيًّا
بكل برٍ وشُكر
وليس إلاّ حديثٌ
كما زَهَا عِقدُ دُر
وشادن يتغنى
على ربابٍ وزمر
وما يسامح فيه الغفـ
ـور مِن كأس خَمْر
وبيننا عهد حِلف
لياسر حِلْف كفر
نعم فجدّده عهدا
بطيب سكر ويسر
والكأس مثلُ رَضاع
ومن كمثلك يَدري؟

ووجه له الوزير أبو بكر بن سعيد عبدًا صغيرًا قاده. فلما استقر به المجلس، وأفغمته روائح النّد والعود والأزهار، وهزت عطفه الأوتار، قال:

دارُ السّعيدي ذي؟ أم دار رضوان؟
ما تشتهي النفسُ فيها حاضرٌ دان!
سقَتْ أباريقها للندّ سُحب ندًى
تحدى برعدٍ لأوتار وعيدان
والبرق من كل دَن ساكب مطرًا
يُحيي به ميتَ أفكار وأشجانِ
هذا النعيم الذي كُنّا نحدّثه
ولا سبيل له إلاّ بآذانِ

فقال أبو بكر بن سعيد: وإلى الآن لا سبيل له إلا بآذان؟ فقال: حتى يبعث الله ولد زنا كلما أنشدت هذه الأبيات قال إنها لأعمى. فقال: أما أنا فلا أنطق بحرف. فقال: من صمت نجا.

وكانت نزهون بنت القلاعي حاضرة فقالت: وتراك يا أستاذ، قديم النعمة بمجرد ندّ وغناء وشراب، فتعجَب من تأنيه، وتشبهه بنعيم الجنة، ويقول ما كان يعلم إلا بالسماع، ولا يبلغ إليه بالعيان! ولكن من يجيء من حصن المدور، وينشأ بين تيوس وبقر، من أين له معرفة بمجالس النعيم؟! فلما استوفت كلامها تنحنح الأعمى، فقالت له: ذبحة! فقال: من هذه الفاضلة؟ فقالت عجوز مقام أمك! فقال: كذبت! ما هذا صوت عجوز … الخ. ثم قال:

على وجه نزهونَ من الحسن مَسحةٌ
وإن كان قد أمسى من الضوء عاريًا
قواصد نزهونٍ تواركُ غيرها
ومن قَصَد البحرَ استقل السواقيا

(وطوينا هنا بعض محاضرات لا صلة لها بموضوعنا من جغرافية البلاد إلى أن يقول):

والذي رأيته لبعض مؤرخي المغرب في سرقسطة أنها لا تدخلها عقرب ولا حية إلا ماتت من ساعتها، ويؤتى بالحيات والعقارب إليها حية، فبنفس ما تدخل إلى جوف البلد تموت. قال ولا يتسوّس فيها شيء من الطعام، ولا يعفّن، ويوجد فيها القمح من مائة سنة، والعنب المعلق من ستة أعوام، والتين والخوخ وحب الملوك٦٣٣ والتفاح والأجّاص اليابسة من أربعة أعوام، والفول والحمص من عشرين سنة، ولا يسوّس فيها خشب ولا ثوب، كان صوفًا أو حريرًا أو كتانًا. وليس في بلاد الأندلس أكثر فاكهة منها، ولا أطيب طعمًا، ولا أكبر جرمًا. والبساتين محدقة بها من كل ناحية ثمانية أميال، ولها أعمال كثيرة، مدن وحصون وقرى، مسافة أربعين ميلًا، وهي تضاهي مدن العراق في كثرة الأشجار والأنهار، وبالجملة فأمرها عظيم. وقد أسلفنا ذكرها.

واعلم أن بأرض الأندلس من الخصب والنضرة وعجائب الصنائع وغرائب الدنيا ما لا يوجد مجموعه غالبًا في غيرها. فمن ذلك ما ذكره الحجاري في المسهب أن السَّمور الذي يعمل من وبره الفراء الرفيعة، يوجد في البحر المحيط بالأندلس من جهة جزيرة برطانية، ويجلب إلى سرقسطة ويصنع بها. ولما ذكر ابن غالب وبر السمور الذي يصنع بقرطبة قال: هذا السمور المذكور هنا لم أتحقق ما هو، ولا ما عني به، إن كان هو نباتًا عندهم، أو وبر الدابة المعروفة، فإن كانت الدابة المعروفة فهي دابة تكون في البحر وتخرج إلى البر، وعندها قوة ميز. وقال حامد بن سمحون الطبيب، صاحب كتاب الأدوية المفردة: هو حيوان يكون في بحر الروم، ولا يحتاج منه إلا خصاه، فيخرج الحيوان من البحر في البر، فيؤخذ وتقطع خصاه ويطلق، فربما عرض للقناصين مرةً أخرى، فإذا أحس بهم وخشي أن لا يفوتهم، استلقى على ظهره وفرج بين فخذيه، ليرى موضع خصييه خاليًا، فإذا رآه القناصون كذلك تركوه. قال ابن غالب ويسمّى هذا الحيوان أيضًا «الجند بادستر» والدواء الذي يصنع من خصييه من الأدوية الرفيعة، ومنافعه كثيرة، وخاصيته في العلل الباردة، وهو حارّ يابس في الدرجة الرابعة.

«والقنلية»؟ حيوان أدق من الأرنب، وأطيب في الطعم، وأحسن وبرًا، وكثيرًا ما يلبس فراؤها، ويستعملها أهل الأندلس من المسلمين والنصارى، ولا يوجد في بر البربر، إلا ما جلب منها إلى سبتة، فنشأ في جوانبها. قال ابن سعيد: وقد جلبت في هذه المدة إلى تونس حضرة أفريقية.

ويكون بالأندلس من الغزال والأيّل وحمار الوحش وبقره وغير ذلك مما لا يوجد في غيرها كثيرًا. وأما الأسد فلا يوجد فيها البتة، ولا الفيل، ولا الزرافة وغير ذلك، مما يكون في أقاليم الحرارة. ولها سبع يعرف «باللب»٦٣٤ أكبر بقليل من الذئب، في نهاية من القحة، وقد يفترس الرجل، إذا كان جائعًا. وبغال الأندلس فارهة، وخيلها ضخمة الأجسام، حصون للقتال لحملها الدروع وثقال السلاح والعَدّو في خيل البر الجنوبي. ولها من الطيور الجوارح وغيرها ما يكثر ذكره ويطول، وكذلك حيوان البحر. ودوابّ بحرها المحيط في نهاية من الطول والعرض قال ابن سعيد: عاينت من ذلك العجب، والمسافرون في البحر يخافون منها، لئلا تقلب المراكب، فيقطعون الكلام، ولها نفخ بالماء من فيها يقوم في الجو، ذا ارتفاع مفرط.
وقال ابن سعيد: قال المسعودي في مروج الذهب: في الأندلس من أنواع الأفاوية خمسة وعشرون صنفًا: منها السنبل، والقرنفل، والصندل والقرفة، وقصب الذريرة، وغير ذلك. وذكر ابن غالب أن المسعودي قال: أصول الطيب خمسة أصناف: المسك، والكافور، والعود، والعنبر، والزعفران. وكلها من أرض الهند إلا الزعفران والعنبر، فإنهما موجودان في أرض الأندلس، ويوجد العنبر في أرض الشّحر: قال ابن سعيد: وقد تكلموا في أصل العنبر: فذكر بعضهم أنه عيون تنبع في قعر البحر، يصير منها ما تبلعه الدواب وتقذفه. قال الحجاري: ومنهم من قال إنه نبات في قعر البحر، وقد تقدم قول الرازي: إن المحلب، وهو المقدم في الأفاوية، والمفضل في أنواع الأشنان، لا يوجد في شيء من الأرض إلا بالهند والأندلس. قال ابن سعيد: وفي الأندلس مواضع ذكروا أن النار إذا أطلقت فيها فاحت بروائح العود، وما أشبهه. وفي جبل شلير أفاوية هندية. قال: وأما الثمار وأصناف الفواكه فالأندلس أسعد بلاد الله بكثرتها، ويوجد في سواحلها قصب السكر، والموز، ويوجدان في الأقاليم الباردة، ولا يعدم منها التمر. ولها من أنواع الفواكه ما يعدم في غيرها أو يقل كالتين القوطي والتين السفري بأشبيلية. قال ابن سعيد: وهذان صنفان لم تر عيني، ولم أذق لهما، منذ خرجت من الأندلس، ما يفضلهما. وكذلك التين المالقي والزبيب المنكّبي٦٣٥ والزبيب العسلي والرمان السفري٦٣٦ والخوخ والجوز واللوز وغير ذلك مما يطول ذكره.
وقد ذكر ابن سعيد أيضًا: أن الأرض الشمالية المغربية فيها المعادن السبعة، وأنها في الأندلس التي هي بعض تلك الأرض. وأعظم معدن للذهب بالأندلس، في جهة «شنت ياقور»٦٣٧ قاعدة الجلالقة على البحر المحيط. وفي جهة قرطبة الفضة والزئبق والنحاس في شمال الأندلس كثير، والصُّفر الذي يكاد يشبه الذهب، وغير ذلك من المعادن المتفرقة في أماكنها، والعين التي يخرج منها الزاج في لبلة مشهورة، وهو كثير مفضل في البلاد، منسوب لجبل طليطلة جبل الطفل٦٣٨ الذي يجهز إلى البلاد، ويفضل على كل طفل بالمشرق والمغرب.

وبالأندلس عدة مقاطع للرخام. وذكر الرازي: أن بجبل قرطبة مقاطع الرخام الأبيض الناصع اللون والخمري وفي «ناشرة» مقطع عجيب للعمد و«بباغة» من مملكة غرناطة مقاطع للرخام كثيرة غريبة، موشاة في حمرة وصفرة وغير ذلك من المقاطع التي بالأندلس من الرخام الحالك والمجزّع وحصى المرية يحمل إلى البلاد فإنه كالدر في رونقه، وله ألوان عجيبة. ومن عادتهم أن يضعوه في كيزان الماء وفي الأندلس من الأمتان التي تنزل من السماء القرمز الذي ينزل على شجرة البلوط فيجمعه الناس من الشعراء ويصبغون به فيخرج منه اللون الأحمر، الذي لا تفوقه حمرة.

قال ابن سعيد: وإلى مصنوعات الأندلس ينتهي التفضيل، وللمتعصبين لها في ذلك كلام كثير، فقد اختصت المرية ومالقة ومرسية بالموشّى المذهب الذي يتعجب من صنعته أهل المشرق إذا رأوا منه شيئًا وفي «نيشتالة»٦٣٩ من عمل مرسية تعمل البسط التي يغالى في ثمنها بالمشرق، ويصنع في غرناطة وبسطة من ثياب اللباس المحررة، الصنف الذي يعرف بالملبد المخثم، ذو الألوان العجيبة. ويصنع في مرسية من الأسرَّة المرصعة والحصر الفتانة الصنعة، وآلات الصُّفْر والحديد من السكاكين، والمقاص المذهبة، وغير ذلك من آلات العروس والجنديّ ما يبهر العقل، ومنها تجهز هذه الأصناف إلى بلاد أفريقية وغيرها، ويصنع بها وبالمرية ومالقة الزجاج الغريب العجيب، وفخّار مزجج مذهب، ويصنع بالأندلس نوع من المفضض المعروف بالمشرق بالفسيفساء، ونوع يبسط به في قاعات ديارهم، يعرف بالزليجي، يشبه المفضّض. وهو ذو ألوان عجيبة، يقيمونه مقام الرخام الملون، الذي يصرفه أهل المشرق في زخرفة بيوتهم، كالشاذروان وما يجري مجراه.
وأما آلات الحرب من التراس والرماح والسروج والألجم والدروع والمغافر، فأكثرهم أهل الأندلس، فيما حكى ابن سعيد، كانت مصروفة إلى هذا الشأن، ويصنع فيها في بلاد الكفر ما يبهر العقول. قال: والسيوف البردليات مشهورة بالجودة، وبرديل٦٤٠ آخر بلاد الأندلس من جهة الشمال والمشرق. والفولاذ الذي بأشبيلية إليه النهاية. وفي أشبيلية من دقائق الصنائع ما يطول ذكره. وقد أفرد ابن غالب في «فرحة الأنس» للآثار الأولية التي بالأندلس من كتابه مكانًا فقال: منها ما كان من جلبهم الماء من البحر الملح إلى الأرحى٦٤١ التي «بطركونة» على وزنٍ لطيف، وتدبير محكم، حتى طحنت به، وذلك من اعجب ما صنع. ومن ذلك ما صنعه الأولون أيضًا من جلب الماء من البحر المحيط إلى جزيرة قادس، من العين التي في إقليم الأصنام، جلبوه في جوف البحر في الصخر المجوّف، ذكرًا في أنثى، وشقّوا به الجبال، فإذا وصلوا به إلى المواضع المنخفضة بنوا له قناطر على حنايا، فإذا جاوزها واتصل بالأرض المعتدلة رجعوا إلى البنيان المذكور، فإذا صادف مسبخة بنى له رصيف وأُجري عليه هكذا إلى أن انتهى به إلى البحر، ثم دخل به في البحر وأُخرج في جزيرة قادس، والبنيان الذي دخل عليه الماء في البحر ظاهر بيّن. قال ابن سعيد: إلى وقتنا هذا.
ومنها الرصيف المشهور بالأندلس، قال في بعض أخبار رومية: أنه لما ولى يوليش المعروف بجاشر، وابتدأ بتذريع الأرض وتكسيرها، كان ابتداؤه بذلك من مدينة رومية، إلى المشرق منها وإلى المغرب، وإلى الشمال وإلى الجنوب، ثم بدأ بفرش المبطلة، وأقبل بها على وسط دائرة، إلى أن بلغ بها أرض الأندلس، وركزها شرقي قرطبة، ببابها المتطامن المعروف بباب عبد الجبار، ثم ابتدأها من باب القنطرة قبليّ قرطبة، إلى شقندة، إلى أستجة، إلى قرمونة، إلى البحر، وأقام على كل ميل سارية قد نقش عليها اسمه، من مدينة رومية، وذكر أنه أراد تسقيفها في بعض الأماكن، راحة للخاطرين٦٤٢ من وهج الصيف، وهول الشتاء، ثم توقع أن يكون ذلك فسادًا في الأرض، وتغييرًا للطرق، عند انتشار اللصوص، وأهل الشر فيها في المواضع المنقطعة النائية عن العمران، فتركها على ما هي عليه.
وذكر في هذه الآثار صنم قادس الذي ليس له نظير إلا الصنم الذي بطرف جليقية. وذكر قنطرة طليطلة، وقنطرة السيف، وقطرة ماردة، وملعب مربيطر.٦٤٣
قال ابن سعيد: وفي الأندلس عجائب. منها الشجرة التي لولا كثرة ذكر العامة لها بالأندلس ما ذكرتها، فإن خبرها عندهم شائع متواتر، وقد رأيت من يشهد بخبرها ورؤيتها، وهم جمٌ غفير، وهي شجرة زيتون، تصنع الورق والنّوْر والثمر من يوم واحد معلوم عندهم، من أيام السنة الشمسية.٦٤٤
ومن العجائب: السارية التي بغرب الأندلس، يزعم الجمهور أن أهل ذلك المكان إذا أحبوا المطر أقاموها، فمطر الله جهتهم؟ ومنها صنم قادس، طول ما كان قائمًا، كان يمنع الريح أن تهب في البحر المحيط، فلا تستطيع المراكب الكبار على الجري فيه، فلما هدم في أول دولة بني عبد المؤمن، صارت السفن تجري فيه؟ وبكورة «قبرة» مغارة ذكرها الرازي، وحكى أنه يقال إنها باب من أبواب الريح، لا يدرك لها قعر؟ وذكر الرازي أن في جهة قلعة «ورد» جبلًا فيه شق في صخرة، داخل كهف، فيه فأس حديد متعلق من الشق الذي في الصخرة، تراه العيون وتلمسه اليد، ومن رام إخراجه لم يطق ذلك، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في شق الصخرة، ثم يعود إلى حالته.٦٤٥ وأما ما أورده ابن بشكوال من الأحاديث والآثار في شأن فضل الأندلس والمغرب، فقد ذكرها ابن سعيد في كتابه المغرب، ولم أذكرها أنا. والله أعلم بحقيقة أمرها.
وكذلك ما ذكره ابن بشكوال من أن فتح القسطنطينية إنما يكون من قِبَل الأندلس قال: وذكره سيف عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والله أعلم بصحة ذلك. ولعل المراد بالقسطنطينية رومية والله أعلم. قال سيف: وذلك أن عثمان ندب جيشًا من القيروان إلى الأندلس، وكتب لهم:

أما بعد، فإن فتح القسطنطينية إنما يكون من قِبَل الأندلس، فإنكم إن فتحتموها، كنتم الشركاء في الأجر والسلام. ا.هـ.

قلت عهدة هذه الأمور على ناقلها، وأنا برئ من عهدتها،٦٤٦ وإن ذكرها ابن بشكوال وصاحب المغرب وغير واحد، فإنها عندي لا أصل لها، وأي وقت بعث عثمان إلى الأندلس؟ مع أن فتحها بالاتفاق إنما كان زمان الوليد! وإنما ذكرت هذه للتنبيه عليه لا غير. والله أعلم.
قال ابن سعيد: وميزان وصف الأندلس؛ أنها جزيرة قد أحدقت بها البحار، فأكثرت فيها الخصب والعمارة من كل جهة، فمتى سافرت من مدينة إلى مدينة لا تكاد تنقطع من العمارة، ما بين قرى ومياه ومزارع، والصحاري فيها معدومة.٦٤٧ ومما اختصت به أن قراها في نهاية من الجمال، لتصنع أهلها في أصناعها وتبييضها، لئلا تنبو العيون عنها، فهي كما يقول الوزير بن الخمارة فيها:
لاحَت قُراها بَيْنَ خُضْرَة أيْكها
كالدُّر بين زَبرْجدٍ مَكنونٍ

ولقد تعجبت لما دخلت الديار المصرية من أوضاع قراها التي تكدر العين بسوادها، ويضيق الصدر بضيق أوضاعها. وفي الأندلس جهات تقرب فيها المدينة العظيمة الممصرة من مثلها. والمثال في ذلك أنك إذا توجهت من أشبيلية فعلى مسيرة يوم وبعض آخر، مدينة شريش، وهي في نهاية من الحضارة والنضارة، ثم يليها الجزيرة الخضراء كذلك، ثم مالقة. وهذا كثير في الأندلس. ولهذا كثرت مدنها، وأكثرها مسوّر من أجل الاستعداد للعدّو، فحصل لها بذلك التشييد والتزيين، وفي حصونها ما يبقى في محاربة العدو ما ينيف على عشرين سنة، لامتناع معاقلها، ودربة أهلها على الحرب، واعتيادهم لمجاورة العدو بالطعن والضرب، وكثرة ما تتخزّن الغلة في مطاميرها، فمنها ما يطول صبره عليها نحوًا من مائة سنة.

قال ابن سعيد: ولذلك أدامها الله تعالى من وقت الفتح إلى الآن، وإن كان العدو قد نقصها من أطرافها، وشارك في أوساطها، ففي البقية منعة عظيمة، فأرض بقي فيها مثل أشبيلية، وغرناطة، ومالقة، والمرّية، وما ينضاف إلى هذه الحواضر العظيمة الممصرة، الرجاء قوي فيها بحول الله وقوته. انتهى. قلت قد خاب ذلك الرجاء،٦٤٨ وصارت تلك الأرجاء للكفر مَعْرجًا، ونسأل الله تعالى، الذي جعل للهم فرجًا، وللضيق مخرجًا، أن يعيد إليها كلمة الإسلام، حتى يستنشق أهله منه فيها أرجا. آمين!
(ومن غرائب الأندلس) البيلتان٦٤٩ اللتان بطليطلة، صنعهما عبد الرحمن، لما سمع بخبر الطلسم الذي بمدينة أرين من أرض الهند. وقد ذكره المسعودي، وأنه يدور بأصبعه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فصنع هو هاتين البيلتين خارج طليطلة، في بيت مجوف، في جوف النهر الأعظم، في الموضع المعروف بباب الدباغين ومن عجبهما أنهما يمتلئان وينحسران مع زيادة القمر ونقصانه، وذلك أن أول انهلال الهلال يخرج فيهما يسير ماء، فإذا أصبح، كان فيهما سبعهما من الماء، فإذا كان آخر النهار كمل فيها نصف سبع ولا يزال كذلك بين اليوم والليلة نصف سبع حتى يكمل في الشهر سبعة أيام وسبع ليال، فيكون فيهما نصفهما، ولا تزال كذلك الزيادة نصف سبع في اليوم والليلة، حتى يكمل امتلاؤها بكمال القمر، فإذا كان في ليلة خمسة عشر، وأخذ القمر في النقصان، نقصتا بنقصان القمر كل يوم وليلة نصف سبع. فإذا كان تسعة وعشرون من الشهر لا يبقى فيهما شيء من الماء. وإذا تكلف أحد حين ينقصان أن يملأهما، وجلب لهما الماء، ابتلعتا ذلك من حينهما حتى لا يبقى فيهما إلا ما كان فيهما في تلك الساعة. وكذا لو تكلف عند امتلائهما إفراغهما، ولم يبق منهما شيئًا، ثم رفع يده عنهما، خرج فيهما من الماء ما يملأهما في الحين. وهما أعجب من طلسم الهند، لأن ذلك في نقطة الاعتدال، حيث لا يزيد الليل على النهار. وأما هاتان فليستا في مكان الاعتدال، ولم تزالا في بيت واحد، حتى ملك النصارى، دمرهم الله! طليطلة، فأراد الفنش٦٥٠ أن يعلم حركاتهما، فأمر أن تقلع الواحدة منهما لينظر من أين يأتي إليهما الماء، وكيف الحركة فيهما، فقلعت، فبطلت حركتهما، وذلك سنة ٥٢٨.

وقيل أن سبب فسادهما حنين اليهودي الذي جلب حمام الأندلس كلها إلى طليطلة في يومٍ واحد، وذلك سنة ٥٢٧، وهو الذي أعلم الفنش أن ولده سيدخل قرطبة ويملكها، فأراد أن يكشف حركة البيلتين، فقال له: أيها الملك، أنا أقلعهما وأردهما أحسن مما كانتا، وذلك أني أجعلهما تمتلئان بالنهار وتحسران في الليل. فلما قلعت لم يقدر على ردها، وقيل أنه قلع واحدة ليسرق منها الصنعة فبطلت، ولم تزل الأخرى تعطي حركتها. والله أعلم بحقيقة الحال.

وقال بعضهم في أشبيلية: إنها قاعدة بلاد الأندلس، وحاضرتها، ومدينة الأدب واللهو والطرب، وعلى ضفة النهر الكبير، عظيمة الشأن، طيبة المكان، لها البر المديد والبحر الساكن، والوادي العظيم، وهي قريبة من البحر المحيط، إلى أن قال: ولو لم يكن لها من الشرف إلا موضع الشرف المقابل لها، المطل عليها، المشهور بالزيتون الكثير، الممتد فراسخ في فراسخ، لكفى، وبها منارة٦٥١ في جامعها، بناها يعقوب المنصور، ليس في بلاد الإسلام أعظم بناءًا منها. وعسل الشرف يبقى حينًا لا يترمل ولا يتبدل، وكذلك الزيت والتين. وقال ابن مفلح: إن أشبيلية عروس بلاد الأندلس لأن تاجها الشرف، وفي عنقها سمط النهر الأعظم، وليس في الأرض أتم حسنًا من هذا النهر، يضاهي دجلة والفرات والنيل، تسير القوارب فيه للنزهة والسير والصيد تحت ظلال الثمار، وتغريد الطيار، أربعة وعشرين ميلًا، ويتعاطى الناس السرح من جانبيه عشرة فراسخ، في عمارة متصلة، ومنارات مرتفعة، وأبراج مشيدة، وفيه من أنواع السمك مالا يحصى، وبالجملة فهي قد حازت البر والبحر، والزرع والضرع وكثرة الثمار من كل جنس، وقصب السكر. ويجمع منها القرمز الذي هو أجل من اللك الهندي وزيتونها يخزن تحت الأرض أكثر من ثلاثين سنة، ثم يعتصر فيخرج منه أكثر مما يخرج منه وهو طري. انتهى ملخصًا.
ولما ذكر ابن اليسع الأندلس قال: لا يتزود فيها أحد ما حيث سلك، لكثرة أنهارها وعيونها، وربما لقي المسافر فيها في اليوم الواحد أربع مدائن، ومن المعاقل والقرى ما لا يحصى، وهي بطاح خضر، وقصور بيض. قال ابن سعيد: وأنا أقول كلامًا فيه كفاية: منذ خرجت من جزيرة الأندلس، وطفت في بر العدوة، ورأيت مدنها العظيمة كمراكش وفاس وسلا وسبته، ثم طفت في أفريقية، وما جاورها من المغرب الأوسط، فرأيت بجاية وتونس، ثم دخلت الديار المصرية، فرأيت الإسكندرية والقاهرة والفسطاط. ثم دخلت الشام فرأيت دمشق وحلبًا وما بينهما لم أر ما يشبه رونق الأندلس في مياهها وأشجارها، إلا مدينة فاس بالمغرب الأقصى ومدينة دمشق بالشام. وفي حماة مسحة أندلسية. ولم أر ما يشبهها من حسن المباني والتشييد والتصنيع إلا ما شيد بمراكش في دولة بني عبد المؤمن،٦٥٢ وبعض أماكن في تونس وإن كان الغالب على تونس البناء بالحجارة كالإسكندرية، ولكن الإسكندرية أفسح شوارع وأبسط وأبدع، ومباني حلب داخلة فيما يستحسن لأنها من حجارة صلبة، وفي وضعها وترتيبها إتقان، انتهى. ومن أحسن ما جاء من النظم في الأندلس قول ابن سفر المريني والإحسان له عادة:
في أرض أندلس تلتذ نعماءُ
ولا يفارق فيها القلبَ سرّاءُ
وليس في غيرها بالعَيش منتفعٌ
ولا تقوم بحق الأنس صهباء
وأين يُعْدَلُ عن أرضٍ تَحضُّ بها
على المدامة أمواه وأفياء؟
وكيف لا يُبهِج الأبصار رؤيتُها
وكل رَوْض بها في الوَشى صَنْعَاء؟
أنهارها فضةٌ، والمسك تربتها
والخزّ روضتها والدرّ حصباء
وللهواء بها لطفٌ يرق به
من لا يرق وتبدو منه أهواء
ليس النسيم الذي يهفو بها سحرًا
ولا انتثار لآلي الطّل أنداء
وإنما أرجُ الندّ استثار بها
في ماء وردٍ فطابت منه أرجاء
وأين يبلغ منها ما أصنفه؟
وكيف يحوي الذي حازته إحصاء؟
قد مُيزت من جهات الأرض حين بدت
فريدةً وتولّى ميزها الماء
دارت عليها نطاقًا أبحرٌ خفقتْ
وجدًا بها إذ تبدت وهي حسناء
لذاك يبسم فيها الزهرُ من طَربٍ
والطيرُ يشدو وللأغصان إصغاء
فيها خلعت عِذاري ما بها عِوضٌ
فهي الرياضُ وكل الأرض صحراء

ولله در ابن خفاجة حيث يقول:

إن للجنة بالأندلس
مُجتلى مرأى وريا نفس
فسنى صُحبتها من شَنَب
ودُجى ظلمتها من لعس
فإذا ما هبّت الريحُ صبًا
صِحت: وا شوقي إلى الأندلس!
وقد تقدمت هذه الأبيات. قال ابن سعيد: قال ابن خفاجة هذه الأبيات وهو بالمغرب الأقصى، في بر العدوة، ومنزله في شرق الأندلس بجزيرة شقر. وقال ابن سعيد في المغرب ما نصه: قواعد من كتاب الشهب الثاقبة، في الإنصاف بين المشارقة والمغاربة، أول ما تقدّم الكلام على قاعدة السلطنة بالأندلس فنقول: إنها مع ما بأيدي عبّاد الصليب منها، أعظم سلطنة، كثرت ممالكها، وتشعبت في وجوه الاستظهار للسلطان إعانتها، وندع كلامنا في هذا الشأن وننقل ما قاله ابن حوقل النصيبي في كتابه، لما دخلها في مدة خلافة بني مروان بها، في المائة الرابعة، وذلك أنه لما وصفها قال: وأما جزيرة الأندلس فجزيرة كبيرة، طولها دون الشهر، في عرض نيّف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية، والشجر والثمر، والرخص والسعة في الأحوال، من الرقيق الفاخر، والخصب الظاهر، إلى أسباب التملك الفاشية فيها، ولما هي به من أسباب رغد العيش، وسعته وكثرته، يملك ذلك منهم متهانهم، وأرباب صنائعهم، لقلة مؤنتهم، وصلاح معاشهم وبلادهم. ثم أخذ في عظم سلطانها، ووصف وفور جباياته، وعظم مرافقه، وقال في أثناء ذلك: ومما يدل بالقليل منه على كثيره، أن سكة دار ضربه على الدراهم والدنانير، دخلها في كل سنة، مائتا ألف دينار، وصرف الدينار سبعة عشر ردهمًا، هذا إلى صدقات البلد وجباياته، وخراجاته وأعشاره، وضماناته، والأموال المرسومة على المراكب الواردة والصادرة، وغير ذلك.٦٥٣
وذكر ابن بشكوال أن جباية الأندلس بلغت في مدة عبد الرحمن الناصر خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا من السوق، والمستخلص٦٥٤ سبعمائة ألف وخمسة وستون ألف دينار٦٥٥ ثم قال ابن حوقل: ومن أعجب ما في هذه الجزيرة بقاؤها على من هي في يده، مع صغر أحلام أهلها، وضعة نفوسهم، ونقص عقولهم، وبعدهم من البأس والشجاعة، والفروسية والبسالة، ولقاء الرجال، ومراس الأنجاد والأبطال، مع علم أمير المؤمنين بمحلها في نفسها، ومقدار جباياتها، ومواقع نعمها ولذاتها. قال علي بن سعيد مكمل هذا الكتاب: لم أر بدًا من إثبات هذا الفصل، وإن كان على أهل بلدي فيه من الظلم والتعصب ما لا يخفى، ولسان الحال في الرد أنطق من لسان البلاغة، وليت شعري إذ سلب أهل هذه الجزيرة العقول والآراء، والهمم والشجاعة، فمن الذين دبروها بآرائهم وعقولهم، مع مراصدة أعدائها المجاورين لها من خمسمائة سنة ونيف؟ ومن الذين حموها ببسالتهم من الأمم المتصلة نهم، في داخلها وخارجها، نحو ثلاثة أشهر، على كلمة واحدة، في نصرة الصليب وإني لأعجب منه إذ كان في زمان قد دلفت فيه عبّاد الصليب إلى الشام والجزيرة وعاثوا كل العبث في بلاد الإسلام، حيث الجمهور والقبة العظمى، حتى إنهم دخلوا مدينة حلب، وما أدراك! وفعلوا فيها ما فعلوا، وبلاد الإسلام متصلة بها من كل جهة، إلى غير ذلك مما هو مسطور في كتب التواريخ.

ومن أعظم ذلك وأشده أنهم كانوا يتغلبون على الحصن من حصون الإسلام التي يتمكنون بها من بسائط بلادهم، فيسبون ويأسرون، فلا تجتمع همم الملوك المجاورة على حسم الداء في ذلك، وقد يستعين به بعضهم على بعض، فيتمكن من ذلك الداء الذي لا يطب.

وقد كانت جزيرة الأندلس في ذلك الزمان بالضد من البلاد التي ترك وراء ظهره، وذلك موجود في تاريخ ابن حيان وغيره. وإنما كانت الفتنة بعد ذلك. الأعلام بينة، والطريق واضح.٦٥٦ فلنرجع إلى ما نحن بسبيله.
كانت سلطنة الأندلس في صدر الفتح على ما تقدم من اختلاف الولاة عليها من سلاطين أفريقية، واختلاف الولاة داع إلى اضطراب، وعدم تأثل الأحوال وتربية الضخامة في الدولة:٦٥٧ ولما صارت الأندلس لبني أمية، وتوارثوا ممالكها، وانقاد إليهم كل أبي فيها، وأطاعهم كل عصيّ، عظمت الدولة بالأندلس، وكبرت الهمم، واستتبت الأحوال، وترتبت القواعد. وكانوا صدرًا من دولتهم يخطبون لأنفسهم بأبناء الخلائف. ثم خطبوا لأنفسهم الخلافة، وملكوا من بر العدوة ما ضخمت به دولتهم، وكانت قواعدهم إظهار الهيبة، وتمكن الناموس من قلوب العالم، ومراعاة أحوال الشرع في كل الأمور، وتعظيم العلماء، والعمل بأقوالهم، وإحضارهم في مجالسهم، واستشارتهم، ولهم حكايات في تاريخ ابن حيان، منها ما هو مذكور من توجه الحكم على خليفتهم، أو على ابنه أو أحد حاشيته المختصين وأنهم كانوا في نهاية من الانقياد إلى الحق، لهم أو عليهم، بذلك انضبط لهم أمر الجزيرة.
ولما خرقوا هذا الناموس، كان أول ما تهتك أمرهم ثم اضمحل.٦٥٨
وكانت ألقاب الأول منهم الأمراء أبناء الخلائف، ثم الخلفاء أمراء المؤمنين. إلى أن وقعت الفتنة بحسد بعضهم لبعض، وابتغاء الخلافة من غير وجهها الذي رتبت عليه.٦٥٩ فاستبدت ملوك الممالك الأندلسية ببلادها، وسُمّوا بملوك الطوائف. وكان فيهم من خطب للخلفاء المروانيين، وإن لم يبق لهم خلافة. ومنهم من خطب للخلفاء العباسيين المجمع على إمامتهم،٦٦٠ وصار ملوك الطوائف يتباهون في أحوال الملك حتى في الألقاب، فآل أمرهم إلى أن تلقبوا بنعوت الخلفاء، وترفّعوا إلى طبقات السلطنة العظمى، وذلك بما في جزيرتهم من أسباب الترفه والضخامة، التي تتوزع على ملوك شتى فتكفيهم، وتنهض بهم للمباهاة.

ولأجل توثبهم على النعوت العباسية قال ابن رشيق القيرواني:

مما يزهّدني في أرض أندلس
تلقيب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكةٍ في غير موضعها
كالهِرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد

وكان عباد بن محمد بن عباد قد تلقب بالمعتضد، واقتفى سيرة المعتضد العباسي أمير المؤمنين. وتلقب ابنه محمد بن عباد بالمعتمد. وكانت لبني عباد مملكة أشبيلية، ثم انضاف إليها غيرها. وكان خلفاء بني أمية يظهرون للناس في الأحيان على أبهة الخلافة، ولهم قانون في ذلك معروف إلى أن كانت الفتنة، فاذدرت العيون ذلك الناموس، واستخفّت به. وقد كان بنو حمّود من ولد إدريس العلوي، الذين توثبوا على الخلافة في أثناء الدولة المروانية بالأندلس، يتعاظمون، ويأخذون أنفسهم بما يأخذها خلفاء بني العباس، وكانوا إذا حضرهم منشد لمدح، أو من يحتاج إلى الكلام بين أيديهم، يتكلم من وراء حجاب، والحاجب واقف عند الستر يجاوب بما يقوله له الخليفة. ولما حضر ابن مقانا الأشبوني أمام حاجب إدريس بن يحيى الحمودي، الذي خطب له بالخلافة في مالقة، وأنشده قصيدته المشهورة النونية التي منها قوله:

وكأن الشمس لما أشرقت
فانتشت عنها عيون الناظرينْ
وجه إدريس بن يحيى بن علي
بن حمود أمير المؤمنينْ

وبلغ فيها إلى قوله:

انظرونا نقتبس من نوركم
إنه من نور رب العالمينْ
رفع الخليفة الستر بنفسه وقال: انظر كيف شئت. وانبسط مع الشاعر وأحسن إليه. ولما جاء ملوك الطوائف صاروا يتبسطون للخاصة، وكثير من العامة، ويظهرون مداراة الجند وعوام البلاد، وكان أكثرهم يحاضر العلماء والأدباء، ويحب أن يشهر عند ذلك. عند مباديه في الرياسة. ومذ وقعت الفتنة بالأندلس، اعتاد أهل الممالك المتفرقة الاستبداد على إمام الجماعة، وصار في كل جهة مملكة مستقلة يتوارث أعيانها الرياسة، كما يتوارث ملوكها الملك، ومرنوا على ذلك، فصعب ضبطهم إلى نظام واحد، وتمكن العدو منهم بالتفرق، وعداوة بعضهم لبعض، بقبيح المنافسة والطمع إلى أن انقادوا إلى عبد المؤمن وبنيه، وتلك القواعد في رؤوسهم كامنة، والثوار في المعاقل تثور، وتروم الكرّة، إلى أن ثار ابن هود، وتلقب بالمتوكل، ووجد القلوب منحرفة عن دولة بر العدوة،٦٦١ مهيأة للاستبداد. فملكها بأيسر محاولة، مع الجهل المفرط، وضعف الرأي. وكان مع العامة كأنه صاحب شعوذة، يمشي في الأسواق، ويضحك في وجوههم، ويبادرهم بالسؤال، وجاء للناس منه ما لم يعتادوه من سلطان، فأعجب ذلك سفهاء الناس وعامتهم العمياء، وكان كما قيل:
أمورٌ يضحك السفهاء منها
ويبكي من عواقبها الحليمُ

فآل ذلك إلى تلف القواعد العظيمة، وتملك الأمصار الجليلة، وخروجها من يد الإسلام، والضابط فيما يقال في شأن أهل الأندلس في السلطان، أنهم إذا وجدوا فارسًا يبرع الفرسان، أو جوادًا يبرع الأجواد، تهافتوا في نصرته، ونصبوه ملكًا من غير تدبير في عاقبة الأمر، إلام يؤل؟ وبعد أن يكون الملك في مملكة قد توورثت وتدوولت، ويكون في تلك المملكة قائد من قوادها، قد شهرت عنه وقائع في العدو، وظهر منه كرم نفس للأجناد، ومراعاة، قدموه ملكًا في حصن من الحصون، ورفضوا عيالهم وأولادهم إن كان لهم ذلك بكرسيي الملك، ولم يزالوا في جهاد وتلاف أنفس، حتى يظفر صاحبهم بطلبته. وأهل المشرق أصوب رأيًا منهم في مراعاة نظام الملك، والمحافظة على نصابه، لئلا يدخل الخلل الذي يقضي باختلال القواعد، وفساد التربية، وحل الأوضاع، ونحن نمثل في ذلك بما شاهدناه.

لما كانت هذه الفتنة الخيرة بالأندلس، تمخضت عن رجل من حصن يقال له أرجونة، ويعرف الرجل بابن الأحمر، كان يكثر مغاورة العدو من حصنه، وظهرت له مخايل وشواهد على الشجاعة، إلى أن طار اسمه في الأندلس، وآل ذلك إلى أن قدمه أهل حصنه على أنفسهم، ثم نهض فملك قرطبة العظمى، وملك أشبيلية، وقتل ملكها الباجي، وملك جيان، أحصن بلد بالأندلس، وأجلّه قدرًا في الامتناع، وملك غرناطة ومالقة، وسموه بأمير المسلمين. فهو الآن المشار إليه بالأندلس والمعتمد عليه.

وأما قاعدة الوزارة بالأندلس فإنها كانت في مدة بني أمية مشتركة في جماعة يعينهم صاحب الدولة للإعانة والمشاورة ويخصهم بالمجالسة، ويختار منهم شخصًا لمكان النائب المعروف بالوزير، فيسميه بالحاجب، وكانت هذه المراتب لضبطها عندهم كالمتوارثة في البيوت المعلومة٦٦٢ لذلك، إلى أن كانت ملوك الطوائف، فكان الملك منهم، لعظم اسم الحاجب في الدولة المروانية، وأنه كان نائبًا عن خليفتهم يسمّى بالحاجب.٦٦٣ ويرى أن هذه السمة أعظم ما تنوفس فيه وظفر به، وهي موجودة في أمداح شعرائهم وتواريخهم، وصار اسم الوزارة عامًا لكل من يجالس الملوك، ويختص بهم، وصار الوزير الذي ينوب عن الملك، يعرف بذي الوزارتين،٦٦٤ وأكثر ما يكون فاضلًا في علم الأدب، وقد لا يكون كذلك، بل عالمًا بأمور الملك خاصة.

وأما الكتابة فهي على ضربين، أعلاهما كاتب الرسائل، وله حظ في القلوب والعيون عند أهل الأندلس، وأشرف أسمائه الكاتب. وبهذه السمة يخصه من يعظمه في رسالة. وأهل الأندلس كثيرو الانتقاد على صاحب هذه السمة، لا يكادون يغفلون عن عثراته لحظة، فإن كان ناقصًا عن درجات الكمال، لم ينفعه جاهه، ولا مكانه من سلطانه، من تسلط الألسن، والطعن عليه وعلى صاحبه.

والكاتب الآخر كاتب الزمام،٦٦٥ هكذا يعرفون كاتب الجهبذة، ولا يكون بالأندلس وبرّ العدوة، لا نصرانيًا ولا يهوديًا البتة، إذ هذا الشغل نبيه، يحتاج إلى صاحبه عظماء الناس ووجوههم. وصاحب الأشغال الخراجية في الأندلس أعظم من الوزير، وأكثر أتباعًا وأصحابًا، وأجدى منفعة، فإليه تميل الأعناق، ونحوه تمدّ الأكفّ، والأعمال مضبوطة بالشهود والنظار.

ومع هذا إن تأثلت حالته، واغترّ بكثرة البناء والاكتساب، نكب وصودر. وهذا راجع إلى تقلب الأحوال، وكيفية السلطان.

وأما خطة القضاء بالأندلس فهي أعظم الخطط عند الخاصة والعامة، لتعلقها بأمور الدين، وكون السلطان لو توجّه عليه حكم حضر بين يدي القاضي، هذا وصفها في زمان بني أمية ومن سلك مسلكهم، ولا سبيل أن يتسم بهذه السمة إلا من هو وال للحكم الشرعي في مدينة جليلة، وإن كانت صغيرة، فلا يطلق على حاكمها إلاّ مسدّد خاصة، وقاضي القضاة يقال له قاضي القضاة وقاضي الجماعة.

وأما خطة الشرطة بالأندلس فإنها مضبوطة إلى الآن، معروفة بهذه السمة، ويعرف صاحبها في ألسُن العامة بصاحب المدينة، وصاحب الليل، وإذا كان عظيم القدر عند السلطان، كان له القتل لمن وجب عليه دون استئذان السلطان، وذلك قليل، ولا يكون إلا في حضرة السلطان الأعظم. وهو الذي يحدّ على الزنا وشرب الخمر، وكثير من الأمور الشرعية راجع إليه، قد صارت تلك عادة تقرر عليها رضا القاضي، وكانت خطة القاضي أوقر وأتقى عندهم من ذلك.

وأما خطة الاحتساب فإنها عندهم موضوعة في أهل العلم والفِطن، وكأن صاحبها قاض، والعادة فيه أن يمشي بنفسه راكبًا على الأسواق، وأعوانه معه، وميزانه الذي يزن به الخبز في يد أحد الأعوان، لأن الخبز عندهم معلوم الأوزان، للربع من الدرهم رغيف، على وزن معلوم. وكذلك للثُمن، وفي ذلك من المصلحة أن يرسل المتاع الصبي الصغير، أو الجارية الرعناء، فيستويان فيما يأتيانه به من السوق مع الحاذق، في معرفة الأوزان.

وكذلك اللحم تكون عليه ورقة بسعره، ولا يجسر الجزار أن يبيع بأكثر أو دون ما حد له المحتسب في الورقة، ولا يكاد تخفى خيانته، فإن المحتسب يدس عليه صبيًا أو جارية يبتاع أحدهما منه، ثم يختبر الوزن المحتسب، فإن وجد نقصًا قاس على ذلك حاله مع الناس، فلا تسأل عما يلقى! وإن كثر ذلك منه، ولم يتب بعد الضرب والتجريس في الأسواق نفي من البلد. ولهم في أوضاع الاحتساب قوانين يتداولونها ويتدارسونها كما تتدارس أحكام الفقه، لأنها عندهم تدخل في جميع المتاعات، وتتفرع إلى ما يطول ذكره. وأما خطة الطواف بالليل وما يقابل من المغرب أصحاب أرباع في المشرق، فإنهم يعرفون في الأندلس بالدرابين، لأن بلاد الأندلس لها دروب بإغلاق تغلق بعد العتمة، ولكل زقاق بائت فيه له سراج معلق، وكلب يسهر، وسلاح معدّ وذلك لشطارة عامتها، وكثرة شرهم، وإعيائهم في أمور التلصص، إلى أن يظهروا على المباني المشيدة، ويفتحوا الأغلاق الصعبة، ويقتلوا صاحب الدار، خوف أن يقرّ عليهم، أو يطالبهم بعد ذلك، ولا تكاد في الأندلس تخلو من سماع: دار فلان دُخلت البارحة، وفلان ذبحه اللصوص على فراشه. وهذا يرجع التكثير منه والتقليل إلى شدة الوالي ولينه، ومع إفراطه في الشدة، وكون سيفه يقطر دمًا، فإن ذلك لا يعدم وقد آل الحال عندهم إلى أن قتلوا على عنقود سرقه شخص من كرم، وما أشبه ذلك ولم ينته اللصوص.

وأما قواعد أهل الأندلس في ديانتهم فإنها تختلف بحسب الأوقات والنظر إلى السلاطين، ولكن الأغلب عندهم إقامة الحدود، وإنكار التهاون بتعطيلها، وقيام العامة في ذلك وإنكاره، إن تهاون فيه أصحاب السلطان، وقد يلج السلطان في شيء من ذلك ولا ينكره، فيدخلون عليه قصره المشيد، ولا يعبئون بخيله ورجله، حتى يخرجوه من بلدهم. وهذا كثير في أخبارهم.

وأما الرجم بالحجر للقضاة والولاة للأعمال، إذا لم يعدلوا، فكل يوم. وأما طريقة الفقراء على مذهب أهل الشرق في الدورة التي تكسل عن الكدّ، وتخرج الوجوه للطلب في الأسواق فمستقبحة عندهم إلى النهاية. وإذا رأوا شخصًا صحيحًا قادرًا على الخدمة يطلب، سبّوه وأهانوه، فضلًا عن أن يتصدقوا عليه، فلا تجد بالأندلس سائلًا إلا أن يكون صاحب عذر.

وأما حال أهل الأندلس في فنون العلوم فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التميز، فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجهد أن يتميز بصنعة، ويربأ بنفسه أن يرُى فارغًا، عالة على الناس، لأن هذا عندهم في نهاية القبح. والعالم عندهم معظّم من الخاصة والعامة، يشار إليه، ويحال عليه، ويَنْبُه قدره وذكره عند الناس، ويكرم في جوار أو ابتياع حاجة وما أشبه ذلك. ومع هذا فليس لأهل الأندلس مدارس تعينهم على طلب العلم، بل يقرأون جميع العلوم في المساجد بأجرة، فهم يقرأون لأن يعلموا، لا لأن يأخذوا جاريًا. فالعالم منهم بارع لأنه يطلب ذلك العلم بباعث من نفسه، يحمله على أن يترك الشغل الذي يستفيد منه، وينفق من عنده، حتى يعلم، وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء، إلا الفلسفة والتنجيم، فإن لهما حظًا عظيمًا عند خواصهم، ولا يتظاهرون بها خوف العامة، فإنه كلما قيل يقرأ الفلسفة، أو يشتغل بالتنجيم، اطلعت عليه العامة اسم زنديق، وقيّدت على أنفاسه، فإن زلّ في شبهة رجموه بالحجارة، أو حرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان، أو يقتله السلطان تقربًا لقلوب العامة. وكثيرًا ما يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن إذا وجدت، وبذلك تقرّب المنصور بن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه، وإن كان غير خال من الاشتغال بذلك في الباطن، على ما ذكره الحجاري، والله أعلم.

وقراءة القرآن٦٦٦ بالسبع ورواية الحديث عندهم رفيعة، وللفقه رونق ووجاهة ولا مذهب لهم إلا مذهب مالك،٦٦٧ وخواصهم يحفظون من سائر المذاهب ما يباحثون به بمحاضر ملوكهم ذوي الهمم في العلوم. وسمة الفقيه عندهم جليلة، حتى أن المسلمين كانوا يسمون الأمير العظيم منهم الذي يريدون تنويهه بالفقيه، وهي الآن بالمغرب بمنزلة القاضي بالمشرق، وقد يقولون للكاتب والنحوي واللغوي فقيه، لأنها عندهم أرفع السمات.٦٦٨ وعلم الأصول عندهم متوسط الحال. والنحو عندهم في نهاية من علو الطبقة، حتى أنهم في هذا العصر فيه منهم كأصحاب عصر الخليل وسيبويه، لا يزداد مع هرم الزمان إلا جدة، وهم كثيرو البحث فيه وحفظ مذاهبه، كمذاهب الفقه. وكل عالم في أي علم لا يكون متمكنًا من علم النحو، بحيث لا تخفى عليه الدقائق، فليس عندهم بمستحق للتمييز، ولا سالم من الازدراء، مع أن كلام أهل الأندلس الشائع في الخواص والعوام كثير الانحراف عما تقتضيه أوضاع العربية، حتى لو أن شخصًا من العرب سمع كلام الشلوبيني أبي عليّ المشار إليه بعلم النحو في عصرنا الذي غرّبت تصانيفه وشرّقت، وهو يقرئ درسه، لضحك بملء فيه، من شدة التحريف الذي في لسانه. والخاص منهم إذا تكلم بالإعراب وأخذ يجري على قوانين النحو استثقلوه واستبردوه،٦٦٩ ولكن ذلك مراعى عندهم في القراءات والمخاطبات في الرسائل. وعلم الأدب المنثور من حفظ التاريخ والنظم والنثر، ومستظرفات الحكايات، أنبل علم عندهم، وبه يتقرب من مجالس ملوكهم وأعلامهم ومن لا يكون فيه أدب من علمائهم فهو غفل مستثقل. والشعر عندهم له حظ عظيم وللشعراء من ملوكهم وجاهة، ولهم عليهم حظ ووظائف، والمجيدون منهم ينشدون في مجالس عظماء ملوكهم المختلفة، ويوقع لهم بالصلات على أقدارهم، إلاّ أن يختل الوقت، ويغلب الجهل في حين ما، ولكن هذا الغالب. وإذا كان الشخص بالأندلس نحويًا أو شاعرًا فإنه يعظُم في نفسه لا محالة، ويستخف ويظهر العُجب، عادة قد جبلوا عليها.

وأما زي أهل الأندلس فالغالب عليهم ترك العمائم، لا سيما في شرق الأندلس، فإن أهل غربها لا تكاد ترى فيهم قاضيًا ولا فقيهًا مشارًا إليه إلاّ وهو بعمامة. وقد تسامحوا بشرقها في ذلك، ولقد رأيت عزيز بن خطاب أكبر عالم بمرسية حضرة السلطان في ذلك الأوان، وإليه الإشارة، وقد خطب له بالملك في تلك الجهة؛ وهو حاسر الرأس، وشيبه قد غلب على سواد شعره.

وأما الأجناد وسار الناس فقليل منهم من تراه بعمة، في شرق منها أو في غرب وابن هود الذي ملك الأندلس في عصرنا، رأيته في جميع أحواله ببلاد الأندلس وهو دون عمامة، وكذلك ابن الأحمر الذي معظم الأندلس الآن في يده، وكثيرًا ما يتزيا سلاطينهم وأجنادهم بزيّ النصارى المجاورين لهم،٦٧٠ فسلاحهم كسلاحهم، وأقبيتهم في الأشكرلاط وغيره كأقبيتهم، وكذلك أعلامهم وسروجهم. ومحاربتهم بالتراس والرماح الطويلة للطعن، ولا يعرفون الدبابيس، ولا قسيّ العرب، بل يعدّون قسي الإفرنج للمحاصرات في البلاد، أو تكون للرجالة عند المصافقة للحرب، وكثير ما تصبر الخيل عليهم أو تمهلهم لأن يؤثروها.

ولا تجد في خواص الأندلس وأكثر عوامهم من يمشي دون طيلسان، إلاّ أنه لا يضعه على رأسه منهم إلاّ الأشياخ المعظمون. وغفائر الصوف كثيرًا ما يلبسونها حمرًا وخضرًا، والصفر مخصوصة باليهود، ولا سبيل ليهودي أن يتعمم البتة. والذؤابة لا يرخيها إلاّ العالم، ولا يصرفونها بين الأكتاف، وإنما يسدلونها من تحت الأذن اليسرى، وهذه الأوضاع التي بالمشرق في العمائم لا يعرفها أهل الأندلس، وإن رأوا في رأس مشرقي داخل إلى بلادهم شكلًا منها أظهروا التعجب والاستظراف، ولا يأخذون أنفسهم بتعليمها، لأنهم لم يعتادوا ولم يستحسنوا إلاّ أوضاعهم. وكذلك في تفصيل الثياب.

وأهل الأندلس أشدّ خلق الله اعتناءً بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك مما يتعلق بهم، وفيهم من لا يكون عنده إلاّ ما يقوته يومه، فيطويه صائمًا، ويبتاع صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعة على حالة تنبو العين عنها. وهم أهل احتياط وتدبير في المعاش، وحفظ لما في أيديهم، خوف ذل السؤال، فلذلك قد ينسبون للبخل. ولهم مروآت على عادة بلادهم، لو فطن لها حاتم لفضل دقائقها على عظائمه. ولقد اجتزت مع والدي على قرية من قراها، وقد نال منا البرد والمطر أشد النيل، فأوينا إليها وكنا على حال ترقب من السلطان، وخلوّ من الرفاهية، فنزلنا في بيت شيخ من أهلها من غير معرفة متقدّمة فقال لنا: إن كان عندكم ما أشتري لكم به فحمًا تسخنون به، فإني أمضي في حوائجكم، وأجعل عيالي يقومون بشأنكم، فأعطيناه ما اشترى به فحمًا. فأضرم نارًا، فجاء ابن له صغير ليصطلي، فضربه، فقال له والدي: لمَ ضربته؟ فقال: يتعلم استغنام أموال الناس، والضجر للبرد من الصغر. ثم لما جاء النوم قال لابنه: أعط هذا الشاب كساءك الغليظة يزيدها على ثيابه. فدفع كساءه إليّ. ثم لما قمنا عند الصباح وجدت الصبي منتبهًا، ويده في الكساء، فقلت ذلك لوالدي فقال: هذه مروآت أهل الأندلس، وهذا احتياطهم أعطاك الكساء وفضلك على نفسه، ثم أفكر في أنك غريب، لا يعرف هل أنت ثقة أو لص، فلم يطب له منام حتى يأخذ كساءه، خوفًا من انفصالك بها وهو نائم. وعلى هذا الشيء الحقير فقس الشيء الجليل.

انتهى كلام ابن سعيد في المغرب باختصار يسير. ولله دره، فإنه أبدع في هذا الكتاب ما شاء، وقسمه إلى أقسام، منها: كتاب وشي الطرس، في حلي جزيرة الأندلس. وهو ينقسم إلى أربعة كتب:
  • الكتاب الأول: كتاب حلي العرس، في حلي غرب الأندلس.
  • الكتاب الثاني: كتاب الشفاه اللعس، في حلي موسطة الأندلس.
  • الكتاب الثالث: كتاب الأنس، في حلي شرق الأندلس.
  • الكتاب الرابع: كتاب لحظات المريب، في ذكر ما حماه من الأندلس عيّاد الصليب.
والقسم الثاني: كتاب الألحان المسلية في حلي جزيرة صقلية. وهو أيضًا ذو أنواع. والقسم الثالث: كتاب الغاية الأخيرة في حلي الأرض الكبيرة. وهو أيضًا ذو أقسام. وصوّر رحمه الله تعالى أجزاء الأندلس في كتاب وشي الطرس. وقال أيضًا: إن كلًا من شرق الأندلس وغربها ووسطها يقرب في قدر المساحة بعضه من بعض، وليس فيها جزء يجاوز طوله عشرة أمتار ليصدق التثليث في القسمة، وهذا دون ما بقي بأيدي النصارى. وقدّم رحمه الله كتاب حلي العرس، في حلي غرب الأندلس، لكون قرطبة قطب الخلافة المروانية، وأشبيلية التي ما في الأندلس أجمل منها فيه. وقسمه إلى سبعة كتب، كل كتاب منها يحتوي على مملكة منحازة عن الأخرى:
  • الكتاب الأول: كتاب الحلة المذهبة، في حلي مملكة قرطبة.
  • الكتاب الثاني: كتاب الذهبية الأصيلية، في حلي المملكة الأشبيلية.
  • الكتاب الثالث: كتاب خدع الممالقة، في حلي مملكة مالقة.
  • الكتاب الرابع: كتاب الفردوس، في حلي مملكة بطليوس.
  • الكتاب الخامس: كتاب الخلب، في حلي مملكة شلب.
  • الكتاب السادس: كتاب الديباجة، في حلي مملكة باجة.
  • الكتاب السابع: كتاب الرياض المصونة، في حلي مملكة أشبونة.

وقد ذكر رحمه الله تعالى في كل قسم ما يليق به، وصوّر أجزاءه على ما ينبغي. فالله يجازيه خيرًا، والكلام في الأندلس طويل عريض.

وقال بعض المؤرخين: طول الأندلس ثلاثون يومًا، وعرضها تسعة أيام، ويشقها أربعون نهرًا كبارًا، وبها من العيون والحمامات والمعادن ما لا يحصى، وبها ثمانون مدينة من القواعد الكبار، وأزيد من ثلثمائة من المتوسطة، وفيها من الحصون والقرى والبروج ما لا يحصى كثرة، حتى قيل إن عدد القرى التي على نهر أشبيلية اثنا عشر ألف قرية. وليس في معمور الأرض صقع يجد المسافر فيه ثلاث مدن وأربعًا من يومه إلا بالأندلس.

ومن بركتها أن المسافر لا يسافر فيها فرسخين دون ماء أصلًا. وحيثما سار في الأقطار يجد الحوانيت في الفلوات والصحاري والأودية ورؤس الجبال لبيع الخبز والفواكه والجبن واللحم والحوت وغير ذلك من ضروب الأطعمة.

وذكر صاحب الجغرافيا أن جزيرة الأندلس مسيرة يومًا طولًا، في ثمانية عشر يومًا عرضًا، وهو مخالف لما سبق. وقال ابن سيده:

أخذت الأندلس في عرض الإقليمين الخامس والسادس من البحر الشامي في الجنوب، إلى البحر المحيط في الشمال، وبها من الجبال سبعة وثمانون جبلًا. ا.هـ.

ولبعضهم:

لله أندلسٌ وما جَمعت بها
من كلِّ ما ضمَّت لها الأهواءُ
فكأنّما تلك الديار كواكبٌ
وكأنما تلك البقاع سماءُ
وبكل قطرٍ جدولٌ في جنةٍ
ولِعَت به الأفياء والأنداءُ

وقال آخر:

حبذا أندلسٌ من بلدٍ
لم تزل تُنْتِجُ لي كلَّ سرور
طائرٌ شادٍ، وظلٌ وارفٌ
ومياهٌ سابحاتٌ في قصور

وقال آخر:

يا حُسنَ أندلسٍ وما جمعت لنا
فيها من الأوطار والأوطانِ
تلك الجزيرةُ لستُ أنسى حسنها
بتعاقب الأحيان والأزمان
نَسجَ الربيعُ نباتها من سُندسٍ
موشيةٍ ببدائع الألوان
وغدا النسيم بها عليلًا هائمًا
بزُيوعها، وتلاطم البحران
يا حُسنها والطلّ ينثر فوقها
دُرَرًا خلاَلَ الورد والريحان
وسواعدُ الأنهار قد مُدت إلى
نُدمائها بشقائق النعمان
وتجاوبتْ فيها شوادي طيرها
والتفّت الأغصان بالأغصان
ما زُرتها إلا وحيَّاني بها
حَدقُ البهارِ وأنمُلُ السُّوْسان
من بعدها ما أعجبتني بلدةٌ
مع ما حللتُ به من البلدان

وحكى بعضهم أن بالجامع في مدينة أقليش بلاطًا فيه جوائز منشورة مربعة مستوية الأطراف، طول الجائزة منها مائة شبر وأحد عشر شبرًا. وفي الأندلس جبل من شرب من مائة كثر عليه الاحتلام من غير إرادة ولا تفكر، وفيها غير ذلك مما يطول ذكره. والله أعلم. انتهى.

(٦) ما قاله المسعودي في مروج الذهب عن الأندلس

وصاحب الأندلس كان يدعى لذريق، هذا كان اسم ملوك الأندلس، وقد قيل إنهم كانوا من الأسبان، وهم أمة من ولد يافث ابن نوح، واتصلت هنالك، والأشهر عند من سكن الأندلس من المسلمين أن لذريق كان من ملوك الأندلس الجلالقة، وهم نوع من الإفرنجة، وأخو لذريق الذي كان بالأندلس قتله٦٧١ طارق مولى موسى بن نصير حين افتتح بلاد الأندلس، ودخل إلى مدينة طليطلة، وكانت قصبة الأندلس ودار مملكتهم، ويشقها نهر عظيم تاجُه، يخرج من بلاد الجلالقة «والوسقيد»٦٧٢ وهي أمةٌ عظيمة، لهم ملوك، وهم حرب لأهل الأندلس كالجلالقة والإفرنجة. ويصب هذا النهر في البحر الرومي٦٧٣ وهو موصوف بأنه من أنهار العالم، وعليه على بعد من طليطلة قنطرة عظيمة تدعى قنطرة السيف، بنتها الملوك السالفة، وهي من البنيان المذكور والموصوف، أعجب من قنطرة سنجة٦٧٤ من الثغر الجزري، مما يلي سميساط من بلاد سرحة.
ومدينة طليطلة ذات منعة، وعليها أسوار منيعة، وأهلها بعد أن فتحت وصارت لبني أمية قد كانوا عصوا على الأمويين، فأقامت مدة سنين ممتنعة، لا سبيل للأمويين إليها فلما كان بعد الخمس عشرة وثلثماية، فتحها عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وعبد الرحمن هذا هو صاحب الأندلس في هذا الوقت،٦٧٥ وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وقد كان غيّر كثيرًا من بنيان هذه المدينة حين افتتحها. وصارت دار مملكة الأندلس قرطبة إلى هذا الوقت.

ومن قرطبة إلى مدينة طليلطلة نحو من سبع مراحل، ومن قرطبة إلى البحر مسيرة نحو من ثلاثة أيام، ولهم على بحر تونس من الساحل مدينة يقال لها أشبيلية.

وبلاد الأندلس مسيرة عمائرها ومدنها نحو من شهرين، ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة. وتدعى بنو أمية بالخلائف، ولا يخاطبون بالخلفاء، لأن الخلافة لا يستحقها عندهم إلا من كان مالكًا للحرمين، غير أنه يخاطب بأمير المؤمنين٦٧٦ وقد كان عبد الرحمن بن معاوية، أو هشام بن عبد الملك بن مروان سار إلى الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة، فملكها ثلاثًا وثلاثين سنة وأربعة أشهر. ثم هلك فملكها ابنه هشام بن عبد الرحمن سبع سنين. ثم ملكها ابنه الحكم بن هشام نحوًا من عشرين سنة، وولده ولاتها إلى اليوم، على ما ذكرنا أن صاحبها عبد الرحمن ابن محمد. وولّي عبد الرحمن في هذا الوقت فتاه الحكم، وكان أحسن الناس سيرة وأجملهم عدلًا. وقد كان عبد الرحمن صاحب الأندلس في هذا الوقت المقدم ذكره غزا سنة سبع وعشرين وثلثمائة في أزيد من مائة ألف فارس من الناس، فنزل على دار مملكة الجلالقة، وهي مدينة يقال لها سمورة، عليها سبعة أسوار من عجيب البنيان، قد أحكمتها الملوك السالفة، بين الأسوار فصلان وخنادق، ومياه واسعة، فافتتح منها سورين، ثم إن أهلها ثاروا على المسلمين، فقتلوا منهم، ممن أدرك الإحصاء، وممن عرف، أربعين ألفًا، وقيل خمسين ألفًا. وكانت الجلالقة والوسكيد على المسلمين وآخر ما كان بأيدي المسلمين من مدن الأندلس وثغورها مما يلي الإفرنجة مدينة أربونة، خرجت عن أيدي المسلمين من مدائن الألس وثغورها سنة ثلاثين وثلثمائة، مع غيرها مما كان في أيديهم من المدن والحصون. وبقي ثغر المسلمين في هذا الوقت، وهو سنة ست وثلاثين وثلثمائة من شرقي الأندلس، طرطوشة، وعلى ساحل بحر الروم مما يلي طرطوشة آخذًا في الشمال «إفراغه»٦٧٧ على نهرٍ عظيم، ثم لاردة. ثم بلغني عن هذه الثغور أنها تلاقي الإفرنجة وهي أضيق مواضع الأندلس. وقد كان قبل الثلثمائة ورد إلى الأندلس مراكب في البحر فيها ألوف من الناس أغارت على سواحلهم، زعم أهل الأندلس أنهم ناس من المجوس،٦٧٨ تطرأ إليهم في هذا البحر في كل مائتين من السنين، وأن وصولهم إلى بلادهم من خليج يعترض من بحر أوقيانوس، وليس بالخليج الذي عليه المنارة النحاس. وأرى، والله أعلم، أن هذا الخليج متصل ببحر مانطش٦٧٩ ونيطش، وأن هذه الأمة هم الروس الذين قدمنا ذكرهم في ما سلف من هذا، إذ كان لا يقطع هذه البحار المتصلة ببحر أوقيانوس غيرهم.

(٧) قول القلقشندي في صبح الأعشى عن الأندلس

قال في الجزء الخامس تحت عنوان «المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس» قال في تقويم البلدان: وجزيرة الأندلس على شكل مثلث: ركن جنوبي غربي، وهناك جزيرة قادس، وفم بحر الزقاق. وركن شرقي، بين طرّكونة، وبين برشلونة، وهي في جنوبيه، وبالقرب من بلنسية وطرطوشة وجزيرة ميورقة. وركن شمالي بميلة إلى البحر المحيط، حيث الطول عشر درجات ودقائق، والعرض ثمان وأربعون. وهناك بالقرب من الركن المذكور مدينة شنتياقوه، وهي على البحر المحيط في شمالي الأندلس وغربيها. قال: والضلع الأول من الركن الجنوبي الغربي — وهو عند جزيرة قادس — إلى الركن الشرقي الذي عند ميورقة، وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الجنوبي الممتد على بحر الزقاق. والضلع الثاني من الركن الشرقي المذكور إلى الركن الشمالي الذي عند شنتياقوه. وهذا الضلع هو حد الأندلس الشمالي، ويمتد على الجبل المعروف بجبل ألبرت٦٨٠، الحاجز بين الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة. وعلى ساحل الأندلس الممتد على بحر بَرْديل. والضلع الثالث من الركن الشمالي المذكور إلى الركن الجنوبي المقدّم الذكر، وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربي الممتد على البحر المحيط.

قال ابن سعيد: قال الحجاري: وطول الأندلس من جبل ألبرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة، وهو نهاية الأندلس الشرقية إلى أشبونة، وهي في نهاية الأندلس الغربية، ألف ميل. وعرض وسطه، من بحر الزقاق إلى البحر المحيط، عند طليطلة وجبل ألبرت، ستة عشر يومًا. قال في تقويم البلدان: وقد قيل: إن طوله غربًا وشرقًا من أشبونة، وهي في غرب الأندلس إلى أربونة، وهي في شرق الأندلس، مسيرة ستين يومًا، وقيل شهر ونصف. وقيل: شهر. قال: وهو الأصح.

واعلم أن جبل ألبرت المقدّم ذكره متصل من بحر الزقاق إلى البحر المحيط، وطوله أربعون ميلًا، وفيه أبواب فتحها الأوائل، حتى صار للأندلس طريق في البر وفي وسط الأندلس جبل ممتد من الشرق إلى الغرب، يقال له جبل الشارة، يقسمه بنصفين: نصف جنوبيّ ونصف شماليّ. اهـ. ثم ذكر القلقشندي أهم حواضر الأندلس وسنأثر عنه ما نجده جديرًا بالنقل، وذلك عند وصولنا إليها.

(٨) ما قاله ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب

في سنة أربع وثمانين افتتح موسى بن نصير أوروبا من المغرب، وبلغ عدد السبي خمسين ألفًا. ا.هـ. سمي الأندلس أوروبا، من باب تسمية البعض باسم الكل.

وذكر في حوادث سنة ٨٧ فتح سردانية من المغرب. وفي حوادث ٨٩ فتح جزيرتي ميورقة ومنورقة. وقال عن حوادث ٩٢: فيها افتتح إقليم الأندلس على يد طارق مولى موسى بن نصير، وتمم موسى فتحه في ثلاث سنوات. وذكر في حوادث سنة ١٧٢ موت صاحب الأندلس أبي المطرف عبد الرحمن بن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي الدمشقي المعروف بالداخل وقال إنه: فرَّ إلى المغرب عند زوال دولتهم، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف الفهري، متولي الأندلس، وهزمه، وملك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة. وامتدت أيامه، وكان عالمًا، حسن السيرة، وعاش اثنتين وستين سنة. وولى بعده ابنه هشام، وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربعمائة الخ.

(٩) قول المقدسي في جغرافيته الشهيرة المسماة «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»

ذكر المقدسي الأندلس في جملة إقليم المغرب، بدأ بأفريقية، أي مملكة تونس الحاضرة، وتقدّم إلى المغرب الأوسط، وكان يسمّى في ذلك الوقت إقليم تاهرت ثم تقدم إلى سجلماسة، وفاس، والسوس الأقصى. ثم ذكر جزيرة صقلية، وبعد أن عدد مدنها بدأ بالأندلس فقال: وأما الأندلس فنظيرها هيطل من جانب المشرق، غير أنّا لم نقف على نواحيها فنكوِّرها، ولم ندخلها فنقسمها. ويقال إنها ألف ميل. وقال ابن خرداذبة: الأندلس أربعون مدينة، يعني المشهور منها، لأن أحدًا لم يسبقنا إلى تفصيل الكور، ووضع القصبات، فبعض المدن التي ذكر هي قصبات، على قياس ما رتبنا.

وسألت بعض العقلاء منهم عن الرساتيق المحيطة بقرطبة، والمنسوبة إليها والمدن فقال: إنّا نسمي الرستاق إقليمًا، فالأقاليم المحيطة بقرطبة ثلاثة عشر مع مدنها، فذكر «أرجونة» «قَسْطلّة» «شَوْذَر» «مارتُش» «قنْبانُش» «فجّ ابن لَقيط» «بلاط مرْوان» «حصن بُلْكونة» «الشنيدة» «وادي عبد الله» «قرسيس» «المائدة» «جيّان» — وعلى ما دل آخر الاسم هي ناحية مدَّنها الجفر — «بَيْغو» «مارتُش» «قانت» «غَرْناتة» «مَنتِيشة» «بيّاسة» وسائر مدن أندلس المذكورة «طرطوشة» «بلنسية» «مُرسية» «بَجانة» «مالقة» «جزيرة جبل طارق» «شَذُنة» «إشبيلية» «أُخشنُبة» «مرية» «شَنْتَرين» «باحَة» «لَبْلَة» «قَرْمونة» «مَوْرور» «إستجة».

ثم عاد بعد قليل فذكر الأندلس بشيء من التفصيل فقال: قرطبة هي مصر الأندلس سمعت بعض العثمانية يقول: هي أجلٌ من بغداد. في صحراء يطل عليها جبل، ولها مدينة جوّانية، وربض الجامع في المدينة وأسواق. وأغلب الأسواق ودار السلطان في الربض. قدامها وادٍ عظيم، سطوحهما قراميد. الجامع من حجر وجير. سواريه رخام. حواليه مياض.

وللمدينة خمسة أبواب: باب الحديد، باب العطارين، باب القنطرة، باب اليهود، عامر. وقد دلت الدلائل، واتفقت الآراء على انه مصر جليل، رفق طيب، وأن ثمّ عدلًا، ونظرًا، وسياسة، وطيبة، ونعمًا ظاهرة، ودينًا، وأن ناحية الأندلس على سجية «هيطل»٦٨١ أبدًا ثم غزاة، أبدًا في جهادٍ ونفير٦٨٢ مع علمٍ كثير، وسلطان خطير، وخصائص، وتجارات، وفوائد.
وحدثني بعض الأندلسيين أنها ثلاثة عشر رستاقًا على خمسة عشر ميلًا «أرَجونة» مسورة، ليس لها بساتين وأشجار، لكنها بلد الحبوب، ولهم عيون، ومزارعهم على المطر، و«قسطلّة» على ثلاثة عشر ميلًا من أرجونة، وهي في سهلة كثيرة الأشجار والزيتون والكرمات، ومشاربهم من آبار، ويسقون البساتين بالسواقي. و«شَوْذَر» على ثمانية عشر ميلًا من قرطبة، وهي في سهلة كثيرة الزيتون جدًا، شربهم من أعين، «مارتُش» على خمسة عشر ميلًا من قرطبة، وهي جبلية، ليس لها غير الكرمات، ولهم أعين. و«قَنْبَانُش» على خمسة عشر ميلًا، وهي سهيلة، ذات مزارع أكثرها بموضع يقال له «قَنبانِية» مشاربهم من آبار. و«فج ابن لقيط» على خمسة وعشرين ميلًا في سهلة كثيرة المزارع، شربهم من آبار. و«بلاط مروان» على ثلاثين ميلًا، لها واد جرّار، سهيلة، ذات مزرع. و«بُرْيَانَةَ» ذات مزارع سهيلة، شربهم من آبار، وفيها حصن من حجارة، والربض حوله، والجامع في الحصن، والأسواق في الربض. وحصن «بُلكُونة» كثير الزيتون والأشجار، والعيون، مسوّرة بحجارة، شربهم من عينٍ واحدة وآبار، على أربعين ميلًا من قرطبة، و«الشنيدة» على جبل، كثيرة الكروم والمزارع والعنب، شربهم من أعينٍ وآبار، على يومين من قرطبة، المنزل فج ابن لقيط. و«وادي عبد الله» من نحو القبلة، على أربعين ميلًا من قرطبة. المنزل «وادي الرّمّان» سهيلة ذات مزارع وأنهار وأشجار. و«قرسيس» على ستين ميلًا من قرطبة، سهيلة كثيرة التين والأعناب والزيتون الكبير، شربهم من أعين. و«جيّان» على خمسين ميلًا من قرطبة، اسم الرستاق «أَوْلَبَة» ومدينة جيّان على جبل، كثيرة العين، قد خرب حصنها، غير أنها منيعة بالجبل، بها اثنتا عشرة عينًا، ثلاث عليها أرحية، تقوم بالأندلس، ومن ثمّ ميرة قرطبة، وثمارها كثيرة، وصِف ما شئت من طيبها ورُحبها، فإنها جنة الأندلس على ما حكي لي. ودلّ آخر الاسم على أنها ناحية بنيانهم بالحجارة، باردة كثيرة الرياح، وبكورتها حرّ، هي في عداد النواحي قياسًا على ما رتبنا. ومدّنها الجفر،٦٨٣ على الجبل، كثيرة الأودية والأرحبة، على عشرة أميال من جيان، كلها أشجار وثمار، وزيتون وأعناب، على وادٍ تجمع الفواكه. و«بَيْغو» وهي جبلية لها أودية تخر منها عيون تدير الأرحية، كثيرة التوت والزيتون والتين. و«مارتش» مسورة على جبل، شربهم من أعين، كثيرة التين والزيتون والكروم. «قانت» مسورة في قنبانية، لا بساتين لها زاكية. و«غرناطة» على وادٍ به منية، طوله ثلاثة عشر ميلًا للسلطان، فيه من كل الثمار حسن عجيب، سهيلة كثيرة المزارع. قلت: وما المنية؟ قال البستان.٦٨٤ «منتيشة» مسورة على واد كثيرة الزيتون والتين سهيلة. و«بيّاسة» مسورة في جبل، بناؤهم طين، وشربهم من أعين، كثيرة التين والكرمات. قلت: هل بقي لقرطبة غير هذه الرساتيق والمدن؟ قال: لا. قلت: فأشبيلية وبجانة … وذكرت عدة من البلدان. قال: هذه نواحٍ لها أقاليم، كما تقول: القيروان وتاهرت وسجلماسة وهم يسمون الرستاق إقليمًا. فعلمت أنها كور على قياسنا، وأنها إن لم تكن أجل من كور هيطل فليست بأقل منها.

فيحصل القول، وتثبت الدلائل، على أن مثل المغرب كمثل المشرق، كل واحدٍ منهما جانبان: فكما أن المشرق خراسان وهيطل يفصل بينهما جيحون، فكذلك المغرب والأندلس يفصل بينهما بحر الروم.

غير أنّا نعجز عن تكوير الأندلس، فتركناها على الجملة، ووصفنا كورة قرطبة لما كثر المخبرون عنها، واتضح عندنا أمرها. وعرضت كتابي على شيخ من مشايخهم فقال: على هذا القياس يجب أن تكون الأندلس ثماني عشرة كورة، فعدّ بجانة، مالقة، بلنسية، تُدمير، سرَقوسة،٦٨٥ يابسة، وادي الحجارة، تُطيلة، وَشْقَة، مدينة سالم، طُليطلة، إشبيلية، بَطليوس، باجة، قرطبة، شَذُونة، الجزيرة الخضراء، وسألت آخر فقال: صدق، وزاد لِبيرة، خُشُنُبة. ويجوز أن يكون بعض هذه البلدان نواحي، قياسًا على يلاق وكشّ والصفانيان. والله أعلم بالصواب.

ثم ذكر المقدّسي جمل شؤون هذا الإقليم فقال: هو إقليم جليل كبير طويل يوجد فيه أكثر ما يوجد في سائر الأقاليم، مع الرخص، كثير النخيل والزيتون، به مواضع الحرّ، ومعادن البرد، كثير اليهود، جيد الهواء والماء.

فأما الحر فإنك تجده من مصر إلى السوس الأقصى، إلا في مواضع، فإن بها جبلًا وبلدانًا باردة، والغالب على الأندلس البرد، كثير المجذّمين، والخصيان، والثقلاء، والبخلاء، قليل القصّاص، رُفق، يحبون العلم وأهله، ويكثرون التجارات والتغرب.

وأما المذاهب فعلى ثلاثة أقسام: أما في الأندلس فمذهب مالك وقراءة نافع. وهم يقولون: لا نعرف إلا كتاب الله وموطأ مالك. فإن ظهروا على حنفيّ أو شافعيّ نفوه، وإن عثروا على معتزليّ أو شيعي ونحوهما ربما قتلوه. وبسائر المغرب إلى مصر لا يعرفون مذهب الشافعي (رحه) إنما هو أبو حنيفة ومالك (رحمهما). وكنت يومًا أذاكر بعضهم في مسألة فذكرت قول الشافعي (رحه) فقال: اسكت! من هو الشافعي؟ إنما كانا بحرين: أبو حنيفة لأهل المشرق، ومالك لأهل المغرب، أفنتركهما ونشتغل بالساقية؟ ورأيت أصحاب مالك (رحه) يبغضون الشافعي قالوا: أخذ العلم عن مالك ثم خالفه.

وما رأيت فريقين أحسن اتفاقًا وأقل تعصبًا منهم، وسمعتهم يحكون عن قدمائهم في ذلك حكايات عجيبة، حتى قالوا إنه كان الحاكم سنة حنفيّ، وسنة مالكي. قلت: وكيف وقع مذهب أبي حنيفة (رحه) إليكم ولم يكن على سابلتكم؟ وقالوا: لما قدم وهب بن وهب من عند مالك (رحه) وقد حاز من العلوم والفقه ما حاز استنكف أسد بن عبد الله أن يدرس عليه، لجلالته وكبر نفسه، فرحل إلى المدينة ليدرس على مالك، فوجده عليلًا، فلما طال مقامه عنده قال له: ارجع إلى ابن وهب فقد أودعته علمي وكفيتكم به الرحلة، فصعب ذلك على أسد، وسأل: هل يعرف لمالك نظير؟ فقالوا: فتًى بالكوفة يقال له محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة. قالوا: فرحل إليه وأقبل عليه محمد إقبالًا لم يقبله أحد، ورأى فهمًا وحرصًا، فزقّه الفقه زقًا، فلما علم أنه قد استقل وبلغ مراده فيه، سيّبه إلى المغرب، فلما دخل اختلف إليه الفتيان، ورأوا فروعًا حيرتهم، ودقائق أعجبتهم، ومسائل ما طنت على أذن بن وهب وتخرج به الخلق، وفشا مذهب أبي حنيفة (رحه) بالمغرب قلت: فلم لم يفش بالأندلس؟ قالوا: لم يكن بالأندلس أقل منه ههنا، ولكن تناظر الفريقان يومًا بين يدي السلطان فقال لهم: من أين كان أبو حنيفة؟ قالوا: من الكوفة. فقال: مالك؟ قالوا: من المدينة. قال: عالم دار الهجرة يكفينا؟ فأمر بإخراج أصحاب أبي حنيفة. وقال: لا أحب أن يكون في عملي مذهبان. وسمعت هذه الحكايات من عدة من مشايخ الأندلس.

والقسم الثالث مذاهب الفاطميّ، وهي على ثلاثة أقسام: أحدها ما قد اختلف فيه الأئمة مثل القنوت في الفجر، والجهر بالبسملة، والوتر بركعة، وما أشبه ذلك. والثاني الرجوع إلى ما كان عليه السلف، مثل الإقامة مثنى التي ردّها بنو أمية إلى واحدة، ومثل لبس البياض الذي ردّه بنو العباس إلى السواد، والثالث ما تفرّد به مما لا يخالف الأئمة، وإن لم يعرف له قدمة، مثل الحيملة في الآذان، وجعل أول الشهر يومًا يرى فيه الهلال، وصلاة الكسوف بخمس ركعات وسجدتين في كل ركعة وهذه مذاهب الشيعة، ولهم تصانيف يدرسونها.

ونظرت في كتاب «الدعائم» فإذا هم يوافقون المعتزلة في أكثر الأصول ويقولون بمذهب الإسماعيلية. ولهم فيه سر لا يعلمونه ولا يأخذونه على كل أحد، إلا من وثقوا به، بعد أن يحلّفوه ويعاهدوه. وإنما سموا باطنّية لأنهم يصرفون ظاهر القرآن إلى بواطن، وتفاسير غريبة، ومعانٍ دقيقة. وهذه الأصول مذاهب الإدريسية وغلبتهم بكورة السوس الأقصى، وهي قريبة من مذاهب القرامطة.

وأهل المغرب والمشرق في مذاهب الفاطمي على ثلاثة أقسام: منهم من أقرّ بها واعتقدها. ومنهم من كفر بها وأنكرها. ومنهم من جعلها في اختلاف الأمة. وأكثر أهل أصقلية حنفيّون. وقرأت في كتاب صنفه بعض مشايخ الكرّامية بنيسابور أن بالمغرب سبعمائة خانقاه لهم، فقلت لا والله ولا واحدة!

وأما القراءات في جميع الإقليم فقراءة نافع حسب الرسوم، لا يشهد في هذه الأقاليم الستة إلا معدّل، وحضرنا يومًا٦٨٦ ملاكًا فأمرني أبو الطيب حمدان أن أكتب شهادتي، فهُنيت بذلك، ولا يأخذون الميت إلا من الرأس أو الرجلين، ويصلون كل ترويحة ويجلسون، ولا يسلخون الأغنام إذا شووها، ويدخلون الحمامات بلا مآزر إلا القليل، وبالمغرب رسومهم مصرية، إلا أنهم قل ما يتطلّسون وكثيرًا ما يجعلون الرداء بطاقين ثم يطرحونه على ظهورهم مثل العباة، أصحاب قلانس مصبّغة، والبربر ببرانس سود، وأهل الرساتيق بأكسية، والسوقة بمناديل، والتجار يركبون أحمرة مصرية وبغالًا، وكل مصاحفهم ودفاترهم مكتوبة في رقوق، وأهل الأندلس أحذق الناس في الوراقة، خطوطهم مدورة، وبه تجارات تحمل من برقة ثياب الصوف والأكسية، ومن أصقلية الثياب المقصورة الجيدة، ومن أفريقية الزيت والفستق، والزعفران، واللوز، والبرقوق، والمزاود، والأنطاع والقُرَب، ومن فاس التمور، وجميع ما ذكرنا، ومن الأندلس بز كثير، وخصائص وعجائب، ومن خصائص الإقليم المرجان، يخرج من جزيرة في البحر اسم مدينتها مرسى الخرز، يدخل إليها في طريق دقيق كالمهدية، من بحرها يرتفع القرن، وهو المرجان، لا معدن له غيرها. وهي جبال في البحر، يخرجون إلى جمعه في قوارب، ومعهم صلبان من خشب قد لفوا عليها شيئًا من الكتان المحلول، وربطوا في كل صليب حبلين، يأخذهما رجلان، فيرميان بالصليب. ويدير النواتي القارب، فيتعلق بالقرن ثم يجذبونه، فمنهم من يخرج عشرة آلاف إلى عشرة دراهم. ثم يجلى في أسواق لهم، ويباع جزافًا رخيصًا، ولا إشراق له قبل جليه ولا لون. وبتطيلة سمّور كثير.٦٨٧
وبالأندلس السَفَن٦٨٨ الذي يتخذ منه مقابض السيوف. ويقع إليهم من البحر المحيط عنبر كثير في وقت من السنة، ويرتفع من أصقليّة نوشاذر كثير أبيض. وسمعت أنه قد انقطع معدنه، واستغنى عنه أهل مصر بدخان الحمامات.

وأما الأرطال فكانت بغدادية في الإقليم كله، إلا الذي يوزن به الفلفل، فإنه يشف على البغدادي بعشرة دراهم. والآن هو المستعمل في أعمال الفاطميّ بالمغرب كله. والمكاييل قفيز القيروان اثنان وثلاثون ثمنًا، والثمن ستة أمداد بمدّ النبي . وقفيز الأندلس ستون رطلًا، والربع ثمانية عشر رطلًا. وفنيقة نصف القفيز. ومكاييل الفاطمي الدوّار، وهي التي تشف على ويبة مصر بشيء يسير قد ألجم رأسها بعارضة من حديد، وأقيم عمود من قاعها إلى العارضة فوقه حديد يدور على رأس الويبة، فإذا أترعها أدار الحديد، فمسحت فم الويبة، وصح الكيل. وأرطاله رصاص على كل رطل اسم أمير المؤمنين، فإن اجتمعت أرطال بموضع واحد بسيط صبّها، وطبع على كل رطل، ولو كانت عشرة.

وأما نقوده في جميع أعماله إلى أقصى دمشق فالدينار، يزّل عن المثقال بحبة، أعني شعيرة، والسكّة مدوَّرة الكتابة. وله ربع صغير يؤخذان بالعدد. والدرهم أيضًا زال له نصف يسمونه القيراط، وربع، وثمن، ونصف ثمن، يسمونه الخرنوبة، يؤخذ الجميع بالعدد. ولا يرخصون في المعاملة بالقطع، وسنجهم٦٨٩ من زجاج مطبوع، كما ذكرنا من الأرطال. ورطل مدينة تونس اثنتا عشرة أوقية، والوقية اثنا عشر درهمًا.

والعجائب بهذا الإقليم كثيرة، منها أبو قلمون، وهي دابة تحتك بحجارة على شط البحر فيقع منها وبرها، وهو في لين الخز، لونه لون الذهب، لا يغادر منه شيئًا، وهو عزيز الوجود، فيجمع وينسج منه ثياب تتلّون في اليوم ألوانًا، ويمنع السلطان من حمل ذلك إلى البلدان، إلا ما يخفى عنهم، ربما بلغ الثوب عشرة آلاف دينار.

بأصقليّة جبل تفور منه النار أربعة أشهر، في كل عشر سنين مرة، وسائر الأوقات يدخن، وحوله ثلوج متلبدة، إلا موضع الدخان.

بمدينة «إيكِجَا» عيون تخرج أوقات الصلاة ثم تغور. فإن قصدها رجل كان قد قتل نفسًا بغير حق لم يخرج له شيء.

فإن قال القائل: إنك تركت كثيرًا من العجائب في هذا الإقليم لم تذكرها. قيل له: إنما تركنا ما ذكره من قبلنا في تصانيفهم. ومن مفاخر كتابنا الإعراض عما ذكره غيرنا. وأوحش شيء في كتبهم ضد ما ذكرنا. ألا ترى أنك إذا نظرت في كتاب الجبهاني وجدته قد احتوى على جميع أصل ابن خرداذبه، وبناه عليه، وإذا نظرت في كتاب ابن الفقيه، فكأنما أنت ناظر في كتاب الجاحظ والزيج الأعظم، وإذا نظرت في كتابنا وجدته يسبّح وحده يتيمًا في نظمه. ولو وجدنا رخصة في ترك جمع هذا الأصل ما اشتغلنا به، ولكن لما بلّغنا الله تعالى أقاصي الإسلام، وأرانا أسبابه، وألهمنا قسمته، وجب أن ننهي ذلك إلى كافة المسلمين. ألا ترى إلى قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِأَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا لمن اعتبر وفوائد لمن سافر.

(١٠) مما قاله عن الأندلس لسان الدين بن الخطيب

وقال لسان الدين بن الخطيب السلماني عن مملكة غرناطة، وقوله هذا في الأحوال الاجتماعية يصدق على جميع الأندلس: أحوال أهل هذا القطر في الدين، وصلاح العقائد أحوال سنة، والنحل فيهم معروفة، فمذاهبهم على مذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة جارية. وطاعتهم للأمراء محكمة. وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائية جميلة. وصورهم حسنة. وأنوفهم معتدلة غير حادة. وشعورهم سود مرسلة. وقدودهم متوسطة معتدلة، إلى القصر. وألوانهم زهر مشربة بحمرة. وألسنتهم فصيحة عربية يتخللها أعراب كثير، وتغلب عليهم الأمالة٦٩٠ وأخلاقهم أبيّة في معاني المنازعات. وأنسابهم عربية، وفيهم من البربر والمهاجرة كثير. ولباسهم الغالب على طرقاتهم الفاشي بينهم الملف المصبوغ شتاءً، وتتفاضل أجناس البز بتفاضل الجدة والمقدار والكتان والحرير والقطن والموعر والأردية الإفريقية والمقاطع التونسية والمآزر المشقوقة صيفًا، فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتّحة في البطاح الكريمة، تحت الأهوية المعتدلة. أنسابهم حسبما يظهر من الإشتراءات والبياعات السلطانية والإجازات عربية يكثر فيها القرشي.٦٩١ والفهري.٦٩٢ والأموي.٦٩٣ والأنصاري.٦٩٤ والأوسي.٦٩٥ والخزرجي.٦٩٦ والقحطاني.٦٩٧ والحميري.٦٩٨ والمخزومي.٦٩٩ والتنوخي.٧٠٠ والغسّاني.٧٠١ والأزدي.٧٠٢ والقيسي.٧٠٣ والمعافري.٧٠٤ والكناني.٧٠٥ والتميمي.٧٠٦ والهذلي.٧٠٧ والبكري.٧٠٨ والكلابي.٧٠٩ والنمري.٧١٠ واليعمري.٧١١ والمازني.٧١٢ والثقفي.٧١٣ والسلمي.٧١٤ والفزاري.٧١٥ والباهلي.٧١٦ والعبسي.٧١٧ والعنسي.٧١٨ والعذري.٧١٩ والحجبي.٧٢٠ والضبي.٧٢١ والسكوني.٧٢٢ والتيمي.٧٢٣ والعبشمي.٧٢٤ والمري.٧٢٥ والعقيلي.٧٢٦ والفهمي.٧٢٧ والصريحي.٧٢٨ والجزلي.٧٢٩ والقشيري.٧٣٠ والكلبي.٧٣١ والقضاعي.٧٣٢ والأصبحي.٧٣٣ والمرادي.٧٣٤ والرعيني.٧٣٥ واليحصبي.٧٣٦ والتجيبي.٧٣٧ والصدفي.٧٣٨ والغافقي.٧٣٩ والحضرمي.٧٤٠ واللخمي.٧٤١ والجذامي.٧٤٢ والسلولي.٧٤٣ والحكمي.٧٤٤ والهمداني.٧٤٥ والمذحجي.٧٤٦ والخشني.٧٤٧ والبلوي.٧٤٨ والجهني.٧٤٩ والمزني.٧٥٠ والطائي.٧٥١ والأسدي.٧٥٢ والأشجعي.٧٥٣ والعاملي.٧٥٤ والخولاني.٧٥٥ والإيادي.٧٥٦ والليثي.٧٥٧ والخثعمي.٧٥٨ والسكسكي.٧٥٩ والزبيدي.٧٦٠ والثعلبي.٧٦١ والكلاعي.٧٦٢ والدوسي.٧٦٣ والحواري.٧٦٤ والسلماني.٧٦٥
هذا ويرد كثير من شهادتهم، ويقل من ذلك السلمي نسبًا والدوسي والحواري والزبيدي، ويكثر فيهم كالأنصاري والحميدي٧٦٦ والجذامي والقيسي والغساني. وكفى بهذا شاهدًا على الأصالة ودليلًا على العروبة.
وجندهم صنفان: أندلسي، وبربري. والأندلسي منهم يقودهم رئيس من القرابة وحصيّ٧٦٧ من شيوخ الممالك، وزيّهم في القديم شبه زيّ أقيالهم وأضدادهم من جيرانهم الفرنج: إسباغ الدروع، وتعليق الترسة، وجفاء البيضات، واتخاذ عراض الأسنة، وبشاعة قرابيس السروج، واستركاب حملة الرايات خلفه، كل منهم بصفة تختص بسلاحه، وشهرة يعرف بها. ثم عدلوا الآن عن هذا الذي ذكرنا إلى الجواشن المختصرة، والبيض المرهفة، والدرق العربية، والسهام اللمَطية،٧٦٨ والأسل العطفية.

والبربري يرجع إلى قبائله المرينية، والزنانية، والنجانية، والمغراوية، والعجيسية والعرب المغربية، إلى أقطاب ورؤوس يرجع أمرهم إلى رئيس على رؤسائهم، وقطب لعرفائهم، من كبار القبائل المرينية، يمت إلى ملك المغرب بنسب. والعمائم تقل في زي هذه الحضرة، إلاّ ما شذّ في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم والجند العربي منهم. وسلاح جموعهم العصى الطويلة المثناة بعصى صغار ذوات عرى في أوساطها، ترفع بالأنامل عند قذفها، تسمى «بالأمداس» وقسي الإفرنجة يحملون على التدريب بها على الأيام. والمواسم متوسطة، وأعيادهم حسنة مائلة إلى الاقتصاد: والغني بمدينتهم فاش، حتى في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيرًا من الأحداث كالخفافين ومثلهم. وقوتهم الغالب البُرّ الطيّب عامة العام، وربما اقتات في فصل الشتاء الضعَفة والبوادي والفعلة في الفلاحة الذرة العربية، ومثل أصناف القطاني الطيبة.

وفواكههم اليابسة عامة العام متعددة، يدّخرون العنب سليمًا من الفساد إلى شطر العام، إلى غير ذلك من التين، والزبيب، والتفاح، والرمان، والقسطل،٧٦٩ والبلوط، والجوز، واللوز، إلى غير ذلك مما لا ينفد ولا ينقطع، إلا مدة في الفصل الذي يزهد في استعماله.

وصرفهم فضة خالصة، وذهب إبريز طيب محفوظ، ودرهم مربع الشكل من وزن المهدي القائم بدولة الموحدين، في الأوقية منه سبعون درهمًا، يختلف الكتب فيه: فعلى عهدنا في شِق: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وفي شِقٍ آخر: «لا غالب إلا الله» غرناطة. ونصف، وهو القيراط، في شق: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وفي شق: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ ونصفه، وهو الربع، في شِق: هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَىٰ وفي شق: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ.

ودينارهم في الأوقية منه ستة دنانير وثلثا دينار، وفي الدينار الواحد ثُمن أوقية وخُمس ثُمن أوقية، وفي شق منه: «قل اللهُم مالك الملك (إلى) بيدك الخير» ويستدير به قوله تعالى: وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ وفي شق: «الأمير عبد الله يوسف بن أمير المسلمين أبي الحجاج بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن نصر أيّد الله أمره» ويستدير به: «لا غالب إلا الله» ولتاريخ تمام هذا الكتاب في وجه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ويستدبر به: «لا غالب إلا الله» وفي وجه: «الأمير عبد الله الغني بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر أيّده الله وأعانه» ويستدير بربع: «بمدينة غرناطة حرسها الله».

وعادة أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلل العصير، أوان إدراكه بما تشتمل عليه دورهم، والبروز إلى الفحوص بأولادهم وعيالهم، معوّلين في ذلك على شهامتهم. وأسلحتهم على أكتاد دوابهم، وانصال أمصارهم بحدود أرضهم، وحليهم في القلائد والدمالج والشنوف والخلاخل الذهب الخالص إلى هذا العهد في أولي الجدة، واللجين في كثير من آلة الراجلين فيمن عداهم، والأحجار النفيسة من الياقوت والزبرجد والزمرد، ونفيس الجوهر كثير ممن ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظل دولة، أو أصالة معروفة موفّرة.

وحريمهم حريم جميل موصوف بالحسن وتنعم الجسوم، واسترسال الشعور، ونقاء الثغور، وطيب النَّشر، وخفة الحركات، ونبل الكلام، وحسن المحاورة، إلا أن الطول يندر فيهن. وقد يبلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد، وللظاهرة بين المصبّغات، والتنافس بالذهبيات والديباجيات، والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية، نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر، ويكف كف الخطب، ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة، وأن يعامل جميع من بها بستره، ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته. انتهى. قلت: كيف لو عاش ابن الخطيب في عصرنا هذا! فماذا كان يقول يا ليت شعري!؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد!.

(١١) ما ذكره المقري في النفح عن أنساب عرب الأندلس

قال: إنه لما استقر قدم أهل الإسلام في الأندلس، وتتامّ فتحها، صرف أهل الشام وغيرهم من العرب هممهم إلى الحلول بها، فنزل بها من جراثيم العرب وساداتهم جماعة أورثوها أعقابهم، إلى أن كان من أمرهم ما كان. فأما العدنانيون فمنهم خندف ومنهم قريش. وأما بنو هاشم من قريش فقال ابن غالب في فرحة الأنفس: بالأندلس منهم جماعة كلهم من ولد إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ومن هؤلاء بنو حمّود ملوك الأندلس بعد انتثار ملك بني أمية. وأما بنو أمية فمنهم خلفاء الأندلس. قال ابن سعيد: ويعرفون هنالك إلى الآن بالقرشيين، وربما عموا نسبهم إلى أمية في الآخر، لما انحرف الناس عنهم، وذكروا أفعالهم في الحسين رضي الله عنه. وأما بنو زهرة فمنهم بأشبيلية أعيان متميّزون. وأما المخزوميون فمنهم أبو بكر المخزومي الأعمى الشاعر المشهور من أهل حصن المدور. ومنهم الوزير الفاضل في النظم والنثر أبو بكر بن زيدون، ووالده الذي هو أعظم منه، أبو الوليد ابن زيدون وزير معتضد بني عباد.

قال ابن غالب: وفي الأندلس من ينسب إلى جمح، وإلى بني عبد الدار، وكثير من قريش المعروفين بالفهريين من بني محارب بن فهر، وهم من قريش الظواهر، ومنهم عبد الملك بن قطَنَ سلطان الأندلس. ومن ولده بنو القاسم الأمراء الفضلاء، وبنو الجد٧٧٠ الأعيان العلماء. ومن بني محارب بن فهر يوسف بن عبد الرحمن الفهري، سلطان الأندلس، الذي غلبه عليها عبد الرحمن الأموي الداخل وجد يوسف عقبة بن نافع الفهري، صاحب الفتوح بأفريقية. قال ابن حزم: ولهم بالأندلس عدد وثروة.

وأما المنتسبون إلى عموم كنانة فكثير، وجلهم في طليطلة وأعمالها، ولهم ينسب الوشقيون الكنانيون الأعيان الفضلاء، الذين منهم القاضي أبو الوليد، والوزير أبو جعفر، ومنهم أبو الحسين بن جبير العالم صاحب الرحلة، وقد ذكرناه في محله.

وأما هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر فذكر ابن غالب أن منزلهم بجهة أريولة من كورة تدمير. وأما تميم بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر فذكر ابن غالب أيضًا أنهم خلق كثير بالأندلس، ومنهم أبو الطاهر صاحب المقامات اللزومية. وأما ضبة بن أدّ بن طابخة فذكر أنهم قليلون بالأندلس. فهؤلاء خندف من العدنانية.

وأما قيس عيلان بن إلياس بن مضر من العدنانية ففي الأندلس كثير منهم ينتسبون إلى العموم، ومنهم من ينتسب إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس، كعبد الملك بن حبيب السلمي الفقيه، صاحب الإمام مالك رضي الله عنه وكالقاضي أبي حفص بن عمر قاضي قرطبة. ومن قيس من ينتسب إلى هوزان بن منصور بن عكرمة. قال ابن غالب: وهم بأشبيلية خلق كثير، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن هوزان، قال ابن غالب: ولهم منزل بجوفي بلنسية، على ثلاثة أميال منها وبأشبيلية وغيرها منهم خلق كثير، ومنهم بنو حزم، وهم بيت غير البيت الذي منه أبو محمد بن حزم الحافظ الظاهري، وهو فارسي الأصل٧٧١ ومنهم من ينتسب إلى سعد بن بكر بن هوزان. وذكر ابن غالب أن منهم بغرناطة كثيرًا كبني جودي وقد رأس بعض بني جودي. ومنهم من ينتسب إلى سلول، امرأة نسب إليها بنوها وأبوهم مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان. ومنهم من ينتسب إلى كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان، ومنهم من ينتسب إلى نمير بن عامر بن صعصعة. قال ابن غالب: وهم بغرناطة كثير ومنهم من ينتسب إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومنهم بلج بن بشر صاحب الأندلس وآله وبنو رشيق. ومنهم من ينتسب إلى فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان. ومنهم من ينتسب إلى أشجع بن ريث ابن غطفان. ومن هؤلاء محمد بن عبد الله الأشجعي سلطان الأندلس.

وفي ثقيف اختلاف: فمنهم من قال إنها قيسية، وإن ثقيفًا هو قيس بن منبه ابن بكر بن هوزان، ومنهم بالأندلس جماعة، وإليهم ينتسب الحر بن عبد الرحمن الثقفي صاحب الأندلس وقيل إنها من بقايا ثمود. انتهى قيس بن عيلان وجميع مضر.

وأما ربيعة بن نزار فمنهم من ينتسب إلى أسد بن ربيعة بن نزار. قال في فرحة الأنفس: إن إقليم هؤلاء مشهور باسمهم، بجوفيّ مدينة وادي آش. انتهى. والأشهر بالنسبة إلى أسد أبدًا بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ومنهم من ينتسب إلى محارب بن عمرو بن وديعة بن بكير بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة. قال ابن غالب في فرحة الأنفس: ومنهم بنو عطية أعيان غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى النمر بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد كبني عبد البر الذين منهم الحافظ أبو عمر بن عبد البر، ومنهم من ينتسب إلى تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب، كبني حمديس أعيان قرطبة، ومنهم من ينتسب إلى بكر بن وائل كالبكريين أصحاب أونبة وشلطيش، الذين منهم أبو عبيد البكري صاحب التصانيف. انتهت ربيعة.

وأما إياد بن نزار، وقد يقال أنه ابن معدّ، والصحيح الأول، فينتسب إليهم بنو زهرة المشهورون بأشبيلية وغيرهم. انتهت العدنانية. وهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام.

واختلف في القحطانية، هل هم من ولد إسماعيل؟ أو من ولد هود؟ على ما هو معروف، وظاهر صنيع البخاري الأول، والأكثر على خلافه. والقحطانية هم المعروفون باليمانية، وكثيرًا ما يقع بينهم وبين المضرية وسائر العدنانية الحروب بالأندلس، كما كان يقع بالمشرق، وهم الأكثر بالأندلس، والملك فيهم أرسخ، إلا ما كان من خلفاء بني أمية، فإن القرشية قدمتهم على الفرقتين، واسم الخلافة لهم بالمشرق. وكان عرب الأندلس يتميزون بالعمائر والقبائل والبطون والأفخاذ، إلى أن قطع ذلك المنصور بن أبي عامر الداهية الذي ملك سلطنة الأندلس، وقصد بذلك تشتيتهم، وقطع التحامهم وتعصبهم في الاعتزاء، وقدّم القواد على الأجناد، فيكون في جند القائد الواحد فِرق من كل قبيل، فانحسمت مادة الفتن والاعتزاء بالأندلس، إلا ما جاءت على غير هذه الجهة.

قال ابن حزم: جماع أنساب اليمن من جرم بن كهلان، وحمير بن يشجب ابن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفَخشذ بن سام بن نوح، وقيل قحطان بن الهميسع بن تيهان بن نابت بن إسماعيل، وقيل قحطان بن هود ابن عبد الله بن رباح بن جارف بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام. والخلف في ذلك مشهور، فمنهم كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنهم الأزد ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، وإليهم ينتسب محمد بن هانئ الشاعر المشهور الألبيري، وهو من بني المهلّب. ومن الأزد من ينتسب إلى غسّان، وهم بنو مازن بن الأزد، وغسان ماء شربوا منه. وذكر ابن غالب أن منهم بني القيسعي من أعيان غرناطة، وكثير منهم بصالحة، قرية على طريق مالقة، ومن الأزد من ينتسب إلى الأنصار على العموم، وهم الجم الغفير بالأندلس.

قال ابن سعيد: والعجب أنك تعدم هذا النسب بالمدينة، وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذ عن العدد كثرة. ولقد أخبرني من سأل عن هذا النسب بالمدينة فلم يجد منه إلاّ شيخًا من الخزرج، وعجوزًا من الأوس. قال ابن غالب: وكان جزء الأنصار بناحية طليطلة، وهم أكثر القبائل بالأندلس في شرقها ومغربها. انتهى. ومن الخزرج بالأندلس أبو بكر عبادة بن عبد الله بن ماء السماء، من ولد سعد بن عبادة، صاحب رسول الله ، وهو المشهور بالموشحات. وإلى قيس بن سعد بن عبادة ينتسب بنو الأحمر سلاطين غرناطة، الذين كان لسان الدين بن الخطيب أحد وزرائهم، وعليهم انقرض ملك الأندلس من المسلمين، واستولى العدو على الجزيرة جميعًا كما يذكر. ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى الأوس أخي الخزرج، ومنهم من ينتسب إلى غافق بن عك بن عديان بن أزان بن الأزد. وقد يقال عك بن عدنان بالنون. فيكون أخا معدّ بن عدنان وليس بصحيح.

قال ابن غالب: من غافق: أبو عبد الله بن أبي الخصال الكاتب، وأكثر جهات شقورة ينتسبون إلى غافق. ومن كهلان من ينتسب إلى همدان،٧٧٢ وهو أوسلة ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، ومنزل همدان مشهور، على ستة أميال من غرناطة. ومنهم أصحاب غرناطة بنو أضحى. ومن كهلان من ينتسب إلى مَذْحِج. ومذحج اسم اكمة حمراء باليمن، وقيل اسم أم مالك وطيء بن أدد بن زيد بن كهلان. قال ابن غالب: بنو سراج الأعيان من أهل قرطبة ينتسبون إلى مَذحِج. ومنزل طيء بقبليّ مرسية. ومنهم من ينتسب إلى مراد بن مالك بن أدد. وحصن مراد بين أشبيلية وقرطبة مشهور. قال ابن غالب: وأعرف بمراد منهم خلقًا كثيرًا. ومنهم من ينتسب إلى عنس بن مالك بن أدد ومنهم بنو سعيد مصنفو كتاب المُغرب. وقلعة بني سعيد مشهورة في مملكة غرناطة. ومن مذحج من ينتسب إلى زبيد قال ابن غالب: وهو منبه بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد. ومن كهلان من ينتسب على مرة بن أدد بن زيد بن كهلان. قال ابن غالب: منهم بنو المنتصر العلماء من أهل غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى عاملة. وهي امرأة من قضاعة، ولدت للحرث بن عدي بن الحرث مرة بن أدد فنسب ولدها منه إليها. قال ابن غالب: منهم بنو سماك القضاة من أهل غرناطة. وقوم زعموا أن عاملة هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقيل هم من قضاعة.

ومن كهلان خولان بن عمرو بن الحرث بن مُرة. وقلعة خولان مشهورة بين الجزيرة الخضراء وأشبيلية. ومنهم بنو عبد السلام أعيان غرناطة. ومنهم من ينتسب إلى المعافرين يعفر بن مالك بن الحرث بن مرة، منهم المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس. ومنهم من ينتسب إلى لخم بن عدي بن الحرث بن مرة. منهم بنو عباد أصحاب أشبيلية وغيرها. وهم من ولد النعمان بن المنذر صاحب الحيرة. ومنهم بنو الباجي أعيان أشبيلية، وبنو وافد العيان. ومنهم من ينتسب إلى جذام، مثل ثوابة بن سلامة صاحب الأندلس، وبني هود ملوك شرق الأندلس. ومنهم المتوكل ابن هود الذي صحت له سلطنة الأندلس بعد الموحدين. ومنهم بنو مردنيش أصحاب شرق الأندلس. قال بن غالب: وكان لجذام جزء من قلعة رباح، واسم جذام عامر، واسم لخم مالك، وهما ابنا عدي.

ومن كهلان من ينتسب إلى كندة، وهو ثور بن عفير بن عدي بن مرّة بن أدد ومنهم يوسف بن هرون الرمادي الشاعر. ومنهم من ينتسب إلى تُجيب، وهي امرأة أشرس بن السكون بن أشرس بن كندة. ومن كهلان من ينتسب إلى خَثْعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ومنهم عثمان بن أبي نسعة٧٧٣ سلطان الأندلس. وقد قيل أنما ابن نزار بن معد ابن عدنان. انتهت كهلان.

وأما حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فمنهم من ينتسب إلى ذي رُعين. قال ابن غالب: وذو رُعين هم ولد عمرو بن حِمير في بعض الأقوال، وقيل هو من ولد سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جُثم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قَطن بن عَريب بن زُهير بن أيمن بن الهَميْسع بن حمير. قال: ومنهم أبو عبد الله الحناط الأعمى الشاعر. قال الجازمي في كتاب النسب: واسم ذي رُعين عَريم بن زيد بن سهل. وَوَصل النسب. ومنهم من ينتسب إلى ذي أصبْح. قال ابن حزم: هو ذو أصبح بن مالك بن زيد من ولد سبأ الأصغر ابن زيد بن سهل ابن عمرو بن قيس، ووَصل النسب. وذكر الحازمي أن ذا أصبح من كهلان. وأخبر أن منهم مالك بن أنس الإمام، والمشهور أنهم من حمير. والأصبحيون من أعيان قرطبة. ومنهم من ينتسب إلى يحصب قال ابن حزم: إنه أخوذي أصبح، وهم كثير بقلعة بني سعيد، وقد تُعرف من أجلهم في التواريخ الأندلسية بقلعة يحصب. ومنهم من ينتسب إلى هوزان بن عوف بن عبد شمس بن وائل بن الغوث. قال ابن غالب ومنزلهم بشرق أشبيلية والهوازنيون من أعيان أشبيلية. ومنهم من ينتسب إلى قُضاعة بن مالك بن حمير، وقد قيل إنه قضاعة بن معدّ بن عدنان، وليس بمُرض.

ومن قضاعة من ينتسب إلى مهرة، كالوزير أبي بكر بن عمار، الذي وثب على ملك مرسية،٧٧٤ وهو مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. ومنهم من ينتسب إلى خشين بن تنوخ، قال ابن غالب: وهو بن مالك بن فهم بن نمر بن وبرة بن تغلب قال الحازمي: تنوخ هو مالك بن فهر بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة. ومنهم من ينتسب إلى بَلِيّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. ومنهم البلويون الأشبيلية. ومنهم من ينتسب إلى جهينة بن أسود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. قال ابن غالب: وبقرطبة منهم جماعة. ومنهم من ينتسب إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن جلوان، كبني أبي عبدة الذين منهم بنو جهور ملوك قرطبة ووزراؤها. ومنهم من ينتسب إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن أسود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. ومنهم أعيان الجزيرة الخضراء بنو عذرة.
ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى حضرموت منهم الحضرميون بمرسية وغرناطة وأشبيلية٧٧٥ وبطليوس وقرطبة. قال ابن غالب: وهم كثير بالأندلس، وفيه خلاف، قيل: إن حضرموت هو ابن قحطان، وقيل هو حضرموت بن قبس ابن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بالجيم بن قَطَن ابن العريب بن الغرز بن نبت بن أيمن بن الهيسع بن حمير. كذا نسق النسب الحازمي ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى سلامان، ومنهم الوزير لسان الدين بن الخطيب حسبما ذكر في محله.

وقد رأيت أن أسرد هنا أسماء ملوك الأندلس من لدن الفتح إلى آخر ملوك بني أمية، وإن تقدم، ويأتي ذكر جملة منهم بما هو أتمّ مما هنا فنقول: طارق ابن زياد مولى موسى بن نصير، ثم الأمير موسى بن نصير، وكلاهما لم يتخذ سرير السلطنة ثم عبد العزيز بن موسى بن نصير، وسريره أشبيلية، ثم أيوب بن حبيب اللخمي وسريره قرطبة. وكل من يأتي بعده فسريره قرطبة، والزهراء والزاهرة بجانبيها، إلى أن انقضت دولة بني مروان، على ما ينبه عليه، ثم الحر بن عبد الرحمن الثقفي، ثم السمْح بن مالك الخولاني، ثم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، ثم عنبسة بن سحيم الكلبي، ثم عذرة بن عبد الله الفهري، ثم يحيى بن سلمة الكلبي، ثم عثمان بن أبي نسعة الخثعمي، ثم حذيفة بن الأحوص القيسي، ثم الهيثم بن عبيد الكلابي ثم محد بن عبد الله الأشجعي، ثم عبد الملك بن قَطَن الفهري، ثم بلج، ثم بشر ابن عياض القشيري، ثم ثعلبة بن سلامة العامليّ، ثم أبو الخطار بن ضرار الكلبي، ثم ثوابة بن سلامة الجذامي، ثم يوسف بن عبد الرحمن الفهري. وههنا انتهى الولاة الذين ملكوا الأندلس من غير موارثة، أفرادًا عددهم عشرون، فيما ذكر بن سعيد، ولم يتعدوا في السمة لفظ الأمير قال ابن حيان: مدتهم، منذ تاريخ الفتح من لذريق سلطان الأندلس النصراني، وهو يوم الأحد لخمس خلون من شوال سنة اثنتين وتسعين إلى يوم الهزيمة على يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وتغلب عبد الرحمن بن معاوية المرواني على سرير الملك بقرطبة، وهو يوم الأضحى لعشر خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين ومائة — ست وأربعون سنة وخمسة أيام. ا.هـ.

ثم كانت دولة بني أمية، أولهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ثم ابنه هشام الرضي. ثم ابنه الحكم بن هشام. ثم ابنه عبد الرحمن الأوسط. ثم ابنه محمد بن عبد الرحمن. ثم ابنه المنذر بن محمد. ثم أخوه عبد الله بن محمد. ثم ابن عمه عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله. ثم ابنه الحكم المستنصر، وكرسيهما الزهراء. ثم هشام ابن الحكم. وفي أيامه بني حاجبه المنصور بن أبي عامر الزاهرة. ثم المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر. وهو أول خلفاء الفتنة، وهدمت في أيامه الزهراء والزاهرة، وعاد السرير إلى قرطبة. ثم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر، ثم تخللت دولة بني حمود العلويين، وأولهم الناصر علي بن حمود العلوي الإدريسي. ثم أخوه المأمون القاسم بن حمود. ثم كانت دولة بني أمية الثانية وأولها المستظهر عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر. ثم المستكفي محمد ابن عبد الرحمن بن عبد الله. ثم المعتمد هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر، وهو آخر خلفاء الجماعة بالأندلس. وحين خلع أسقط ملوك الأندلس الدعوة للخلافة المروانية، واستبدت ملوك الطوائف كابن جهور في قرطبة، وابن عبّاد بأشبيلية، وغيرهما، ولم يعد نظام الأندلس إلى شخص واحد إلى أن ملكها يوسف بن تاشفين الملثم من بر العدوة، وفتك بملوك الطوائف، وبعد ذلك ما خلصت له ولا لولده علي ابن يوسف، لأن بني هود نازعوه في شرقها بالثغر، إلى أن جاءت دولة عبد المؤمن وبنيه. فما صفَت لعبد المؤمن بمحمد بن مردنيش الذي كان ينازعه في شرق الأندلس ثم صفت ليوسف بن عبد الرحمن بموت ابن مردنيش، ثم لمن بعده من بنيه، وحضرتهم مراكش. وكانت ولاتهم تتردد على الأندلس وممالكها، ولم يولّوا على جميعها شخصًا واحدً لعظم ممالكها، إلى أن انقرضت منها دولتهم بالمتوكل محمد بن هود من بني هود، ملوك سرقسطة، وجهاتها، فملك معظم الأندلس بحيث يطلق عليه اسم السلطان، ولم ينازعه فيها إلا زيان بن مردنيش في بلنسية من شرق الأندلس، وابن هلالة طبيرة من غرب الأندلس. ثم كثرت عليه الخوارج قريب موته ولما قتله وزيره ابن الرميمي بالمرية زاد الأمر إلى أن ملك بنو الأحمر. وكان عرب أهل الأندلس في المائة السابعة يخطبون لصاحب أفريقية السلطان أبي زكريا يحيى ابن أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص. ثم تقلصت تلك الظلال، ودخل الجزيرة الانحلال، إلى أن استولى عليها حزب الضلال. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

هوامش

(١) في النسخة التي عندنا من «المسالك والممالك» لابن حوقل وهي المطبوعة في ليدن سنة ١٨٧٣ يقول: وعلم موالينا عليهم السلام بمحلها في نفسها إلخ، وأما في نفح الطيب نقلًا عن ابن حوقل فيقول: مع علم أمير المؤمنين بمحلها في نفسها إلخ.
(٢) كلام ابن حوقل هنا لا يقره عليه أحد من أهل العلم الذين أجمعوا على وصف أهل الأندلس بخلاف هذه الأوصاف التي ينبزهم ابن حوقل بها، وأقروا بمكانة أهل الأندلس من سعة العقول وعلو الهمم وشدة البأس وسائر المناقب التي بلغوا بها ذرى أحسن مدنية وجدت في القرون الوسطى، إلا خصلتين كانتا بدون شك سبب بوارهم إحداهما كثرة الإنتقاض على ملوكهم وحب الشقاق فيما بينهم، والثانية شدة الانغماس في الترف الذي أدى إلى رجحان عدوهم عليهم في الحروب بما كان عليه من الخشونة والصبر والشدائد، والذي يظهر لنا أن ابن حوقل إنما أراد تصغير شأن أهل الأندلس يومئذ أغراء لبني العباس، وهو من أتباعهم بشن الغارة عليها وإعادتها إلى حضن الخلافة العباسية، فقال ما قاله على سبيل الدعاية لا غير، وإلا فإن كثيرًا مما قاله مخالف للمحسوس ومنقوض بالإجماع، وقد نقل المقري في نفح الطيب عن ابن سعيد مكمل هذا الكتاب ما يلي:

لم أر بدًا من إثبات هذا الفصل وإن كان على أهل بلدي فيه من الظلم والتعصب ما لا يخفى، ولسان الحال في الرد أنطق من لسان البلاغة، وليت شعري إذ سلب أهل هذه الجزيرة العقول والآراء والهمم والشجاعة، فمن الذين دبروها بآرائهم وعقولهم مع مراصدة أعدائها المجاورين لها من خمسمائة سنة ونيف؟ ومن الذين حموها ببسالتهم من الأمم المتصلة بهم في داخلها وخارجها نحو ثلاثة أشهر على كلمة واحدة في نصرة الصليب؟ وإني لأعجب منه إذ كان في زمن قد دلفت فيه عباد الصليب إلى الشام والجزيرة، وعاثوا كل العيث في بلاد الإسلام، حيث الجمهور والقبة العظمى، حتى أنهم دخلوا مدينة حلب. وما أدراك، وفعلوا فيها ما فعلوا وبلاد الإسلام متصلة بها من كل جهة، إلى غير ذلك مما هو مسطور في كتب التواريخ. ومن أعظم ذلك وأشده أنهم كانوا يتغلبون على الحصن من حصون الإسلام التي يتمكنون بها من بسائط بلادهم فيسبون ويأسرون فلا تجتمع همم الملوك المجاورة على حسم الداء في ذلك، وقد يستعين بعضهم على بعض فيتمكن من ذلك الداء الذي لا يطب، وقد كانت جزيرة ا لأندلس في ذلك الزمان بالضد من البلاد التي ترك وراء ظهره. وذلك موجود في تاريخ ابن حيان وغيره ا.ﻫ.

قلت: لم يقصد بن سعيد بما قاله عن تخاذل مسلمي الشام، الحروب الصليبية المعهودة التي تجلت فيها هذه الحالة بعينها لأن ابن حوقل عاش قبل الحروب الصليبية بمائة وخمسين سنة، وإنما قصد حروب الروم البيزنطيين التي كانت سجالًا بينهم وبين المسلمين. وحادثة حلب هذه كانت سنة ٣٥١ أي في عصر ابن حوقل، وسبي الدمشق من حلب بضعة عشر ألف صبي وصبية وفعل الأفاعيل، ولكن المسلمين في أمر التخاذل سواسية لا شرق منهم يقدر أن يندد بغرب ولا غرب يقدر أن يندد بشرق إلا من رحم ربك.
(٣) قوله المذكور يشير به إلى ما ورد له من كلام سابق عند ذكره لبلاد المغرب وذلك في الصفحة ٣٧ من كتاب المسالك والممالك طبعة ليدن، فإن ابن حوقل يقولفي تلك الصفحة ما يلي: فأما ناحية البربر الذين بنواحي طنجة وأزيلة والبصرة وظاهر قاص فأكثرهم في ضمن ولد إدريس بن عبد الله وهو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وهم في غاية من طيب العيش ورفاهيته وخصبه ورخص الأسعار وطيب الأهوية والأغذية، وكانت حالهم فيما تقدم أزيد من هذه الحال صلاحًا، وفي وقتنا هذا فقد تدانت أحوالهم وصلحت أمورهم وعمر طريقهم. ولم يزل أهل هذا النسب منظورًا إليهم مرعية حقوقهم عند بني أمية على سالف الدهر. وأدركت عبد الرحمن أبا المطرف بن محد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان يحافظ عليهم مرة ويسوقهم بالعصا مرة لما كان تظاهر به أبو العيش من قبح السيرة وخبث المعاملة لبني السبيل وكثرة الغيلة، وذلك أن عبد الرحمن هذا (يعني به الخليفة عبد الرحمن الثالث الأموي الملقب بالناصر وكان ابن حوقل من أبناء عصره) وأهله يملكون الأندلس ويحاذون هذه الناحية وبينهم أصل الخليج الخارج إلى بلد الروم عن قرب مسافة ما بين العدوتين، حتى أنهم ليرى بعضهم ماشية بعض وصور أشجارهم وزروعهم ويتبينون الأرض الملفوحة من الأرض البور وعرض الماء في ذلك يكون ١٢ ميلًا.
(٤) المعهود أن العرب كانوا يقولون جليقية لشمالي الأندلس، وقد يقولون لها غاليسية كما يقول الأسبانيول، وإذا كان كذلك فأربونة Narbonne ليست من بلاد جليقية المذكورة. والذي يظهر أن ابن حوقل أراد بجليقية هنا البلاد المسماة بلاد الغال من الأفرنجة وهي بلاد تقع أربونة فيها.
(٥) الغالب أن أهل الأندلس يقولون سرقسطة ووشقة ولكن ابن حوقل كثيرًا ما يتابع اللفظ الأسبانيولي فتجد بينه وبين جغرافي العرب بعض الاختلاف في الأسماء.
(٦) ذكر لافي بروفنسال في كتابه «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» أن لفظة صقالبة كان يطلقها العرب على الأرقاء الذين كانوا يشترونهم من أوروبا. وأصل ذلك أن الجيوش الجرمانية عندما كانت تغزو بلاد السلاف كانت تكثر من السبي منهم وإذا رجعت من غزواتها بالأسرى باعتهم من عرب أسبانية. ولما كان هؤلاء الأرقاء من جنس السلاف سماهم العرب صقالبة، وصارت لفظة الصقالبة تطلق على جميع هؤلاء المماليك. قال: وفي زمان الرحالة ابن حوقل في أواسط القرن العاشر كانوا يسمون في أسبانية صقالبة جميع المماليك الذين من أصل أوربي والذين كانوا يخدمون في الشرطة أو في الجند أو في قصر الخلافة. وقد ذكر أنه لما كان يجول في الأندلس، لعهد الحكم المستنصر ابن الناصر، لم يكن الصقالبة أي المماليك كلهم من الجنس السلافي بل كان منهم جم غفير من سبي «كلابره» و«لومباردية» و«كتلونية» و«غاليسية» وكان أكثر وصولهم إلى الأندلس بواسطة غزاة البحر من المغاربة والأندلسيين، وأما الذين منهم كانوا يرشحون لخدمة الحرم في القصور فقد كانوا يخصونهم. وكان تجار اليهود عندم كما قال دوزي معامل للخصي أهمها معمل فردون Verdune في فرنسا فكانوا بعد خصيهم يبيعونهم في الأندلس، ونظرًا لأنهم كانوا يأتون بهم صغارًا فكانوا يتعلمون العربية بسرعة وينشأون في الإسلام.. انتهى.
وأقول إن ترجمة لفظة سلاف بصقالبة آتية من كون أحد أصناف الأمة السلافية ومنهم من يسكن الآن في يوغسلافية، يقال لها الأسكلافون Escklavon أو الأسكلابون فعربها العرب اسقلابون، ثم جمعوها على صقالبة أو صقالب. قال المتنبي:
يجمع الروم والصقالب والبلغار فيها وتجمع الآجالا
(٧) الغالب على العرب أنهم يقولون «ريه» لا «ريو» فابن حوقل تابع فيها لفظ الأسبانيول.
(٨) سيأتي ذكرها كلها.
(٩) سيأتي إن شاء الله في القسم التاريخي من «الحلل السندسية» أخبار ثورات هاتين البلدتين على بني أمية وهم في عنفوان أمرهم وريعان قوتهم.
(١٠) نفزة بفتح فسكون فزاي بلدة بالأندلس جاء في معجم البلدان ما يلي: قال السلفي: نفزة بكسر النون قبيلة كبيرة منها بنو عميرة وبنو ملحان المقيمون بشاطبة ينسب إليها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن الفقيه النفزي أحد الأئمة على مذهب مالك وله تصانيف. وأبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن النفزي الأندلسي سمع مشايخنا ودخل نيسابور وأصبهان، وخرج من بغداد سنة ٦١٣ ودخل شيراز. وأبو عبد الله محمد بن سليمان الميالسي النفزي، وهو ابن أخت غانم بن الوليد بن عمرو بن عبد الرحمن المخزومي أبي محمد من الأندلس، روى عن خالد. مات في شوال سنة ٥٢٥ ومولده سنة ٤٣٤ قال أبو الحسن المقدسي: وأبو محمد عبد الغفور بن عبد الله بن محمد بن عبد الله النفزي، وله تصانيف مات في ربيع الآخر سنة ٥٣٩ وأبوه من أهل الرواية مات في سنة ٣٧. ا.ﻫ.
(١١) يريد به عبد الرحمن الثالث الأموي الملقب بالناصر أعظم ملوك ذلك القطر بل أعظم ملوك عصره.
(١٢) العرب يسمونه جبل العروس والمعروف أن قرطبة هي مبنية في سفوح شارات مورينا.
(١٣) الجوالي جمع جلية وهي ما يؤخذ من أهل الذمة المقيمين في دار الإسلام.
(١٤) سيأتي الكلام مفصلًا عن خطط قرطبة ومعه أطلس خاص بها على ما كانت عليه أيام العرب.
(١٥) لا سيما جزيرة ميورقة.
(١٦) يقال باب الأبوب للبلاد المسماة اليوم بطاغستان.
(١٧) هو عند الأسبان Moratalla.
(١٨) الإدريسي يقول عن هذا المحل الغيران.
(١٩) هي التي يقول لها الأسبان Niebla وهي وطن بني الجد الفهريين الذين هم اليوم بفاس ومازال يظهر منهم النوابغ سواء في الأندلس أو في المغرب. وكان نزوحهم من لبلة إلى مالقة ثم إلى أشبيلية ثم إلى فاس.
(٢٠) Gebraleon عند الأسبانيول.
(٢١) هي Huelva عند الأسبانيول وأكثر ما يقول لها العرب «أونيه».
(٢٢) عند الأسبان Osconba.
(٢٣) عندهم Selves.
(٢٤) Abidanis.
(٢٥) Lisbona و Lisbonne.
(٢٦) Santarem.
(٢٧) عند الأسبانيول Evora وهي بلدة سكانها اليوم 16 ألفًا ولكنها كانت ذات بال في أيام العرب ولا تزال عليها المسحة العربية إلى اليوم وهي من أعمال البرتغال وسنذكرها فيما بعد.
(٢٨) Badajoz كانت من حواضر الأندلس وسيأتي خبرها الوافي بقدرها.
(٢٩) عند الأسبانيول Alcantara.
(٣٠) ماردة هي Merida وهي أيضًا من أمهات الأندلس وسيأتي ذكرها.
(٣١) مدلين هي Medellin وكان الرومان يقولون لها Metellinum.
(٣٢) ترجيلة هي Trajillo.
(٣٣) قصراش هي Caseres.
(٣٤) Talavera de la Reina.
(٣٥) Caracuel وقال بيلاج الأوبيطي Pelage D’oviedo هي Caraqui – أي كما يلفظها العرب.
(٣٦) Calatrava.
(٣٧) مغام Magham.
(٣٨) Santarem.
(٣٩) Lisbonne.
(٤٠) Béchina.
(٤١) Marcie.
(٤٢) Tortose.
(٤٣) نظن أنه يعني بهذا الاسم الجبل الذي عندهم Cuskaldonac والأسبان يقولون Vascongados.
(٤٤) يريدون بهم اللومبارديين وقد جاء تعريفه الأنكبرده في معجم البلدان قال:
الأنكبرده بالفتح ثم السكون وفتح الكاف وضم الباء الموحدة وسكون الراء ودال مهملة وهاء بلاد واسعة من بلاد الإفرنج بين القسطنطينية والأندلس تأخذ على طرف بحر الخليج من محاذاة جبل القلال وتمر على محاذاة ساحل المغرب مشرقًا إلى أن تتصل ببلاد قلورية انتهى. قلت هذا الوصف لا ينطبق إلا على مملكة إيطالية الحاضرة الممتدة من جبل القلال غربًا وهو الجبل المشرف على مدينة نيس إلى بلاد كالبرة شرقًا وهي التي يعنيها بقوله قلورية. عليك لمعرفة جبل القلال بمراجعة كتابنا «غزوات العرب في أوروبا».
(٤٥) هم الباسك في شمالي أسبانية وجنوبي فرنسا والعرب يقولون لهم الباشكنس أو الباسكنس ولغتهم يقال لها Vascuence ومن هذه اللفظة قال لهم العرب ذلك لأن الفاء (V) هي دائمًا باء عن العرب.
(٤٦) على ربوة من الأرض كان هذا الصنم إلى جنوبي المكان المسمى الآن سان فرناندو وهو من بناء الفينيقيين وكان خبر بنائه محفورًا على أعمدة الفولاذ بأحرف فينيقية. وقد عمر فينيقيو صور قادس من منذ ١١٠٠ قبل المسيح ثم في سنة ٥٠١ قبل المسيح فتحها فينيقيو قرطاجنة.
(٤٧) Narbonne في جنوبي فرنسا.
(٤٨) Beaurdeaux.
(٤٩) جزيرة إنجلترا.
(٥٠) Malaga.
(٥١) Amonacar.
(٥٢) Almeria.
(٥٣) Cartagéne.
(٥٤) Caoun.
(٥٥) Dénia.
(٥٦) Cullera.
(٥٧) Tarracone.
(٥٨) Barcelonne.
(٥٩) Tarifa.
(٦٠) Trafalgar.
(٦١) Cadix.
(٦٢) Almeida.
(٦٣) Saltés.
(٦٤) Guadiana.
(٦٥) Tavira.
(٦٦) Cintra.
(٦٧) Silves.
(٦٨) يتكرر ذكر كنيسة الغراب في جغرافيات العرب وتحرير خبرها وجود أسطورة مآلها أن الرومان في صدر النصرانية قتلوا قديسًا مسيحيًا اسمه صان فنسان في بلنسية وطرحوا تجاليده في البرية لتأكلها الوحوش فجاء غراب وحفظه من أكل الضواري له ولا نعلم لأي سبب أريد نقل جثة هذا القديس من شرق الأندلس إلى غربها؟ وإنما نعلم أنه في أيام عبد الرحمن الداخل صدر الإذن للنصارى بنقلها إلى كنيسة في طرف مقاطعة الغرب على البحر المحيط.
(٦٩) الجوف في اصطلاح إخواننا المغاربة والأندلسيين هو الشمال وقد فكرت كثيرًا في وجه الاصطلاح فلم يظهر لي شيء يصح التعويل عليه ولا عثرت على نص يفيد سبب تسميتهم الشمال بالجوف وقد سألت أهل الذكر ممن أعتقد بعلمهم فأبدى كل واحد ما عنده: فالسيد علال الفاسي يظن أنه لما كان الجوف واقعًا شمالي مكة فقد غلب على أهل الحجاز أن يقولوا لكل شمال جوفًا ثم سرى هذا الاستعمال من الحجاز إلى المغرب والأندلس. وهو وجه وجيه لأن مدينة الجوف هي في وسط البرية إلى الشمال من الحجاز وإلى المغرب من العراق وإلى الشرق من الشام، وكما غلب على الناس جميعًا في الشام أن يقولوا للجنوب قبلة نظرًا لكون الكعبة هي إلى الجنوب من الشام يجوز أن يكون الحجازيون سموا الشمال جوفًا لكون الجوف ونواحيها هي في شماليهم وأنت ترى أنهم يقولون للشمال شامًا بغلبة الاصطلاح المبني على كون الشام هي إلى الشمال من الحجاز وفي كثير من الصكوك تجدهم يكتبون: يحده من القبلة كذا ومن الشام كذا وقد أجابني الأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي رئيس المجمع العلمي العربي بأنه يستحسن رأي الأستاذ علال الفاسي في هذه اللفظة ويقول إنهم في الحجاز يعبرون عن الشمال بالشام وإنه وجدت في أوراق الطابو التركية القديمة ما ورد فيه لفظة «يمني» بمعنى الجنوب فإنهم في الحجاز نفسه كما عبروا عن الشمال بالشام فقد عبروا عن الجنوب باليمن وهو شيء طبيعي بالنسبة لهم ثم قال الشيخ المغربي: إلا أنه يوجد في الأندلس بلدان باسم الجوف كما يظهر من معجم البلدان أحدهما في غربي الأندلس على البحر المحيط والآخر في إقليم أكشونية فإلى أي جوف انتسب هذا الاصطلاح؟ هل هو الجوف الذي في الشرق أم الجوف الذي في الأندلس؟ وأما الأستاذ الأب انسطاس الكرمي فقد أجابني بما يلي:

الجوف: الشمال وهو من اصطلاح المغاربة جاء في كتاب الإدريسي وفي اللمحة البدرية: وسبب هذه التسمية هو أن الذين سموا بهذا الاسم ريح الشمال أو الشمال نفسه هم سكان البلاد الواقعة في جنوبي بحر الروم فإذا هبت الشمال عندهم جاءتهم من «جوف» ذيالك البحر فلذلك عرفوها بهذا الاسم كأنهم أشاروا إلى أصل مهبها فحذفوا واكتفوا باللفظ الظاهر الإشارة إليه انتهى.

أما دوزي ففي كتابه «متمم المعاجم العربية» ذكر في صفحة ٥٣٥ ما يلي: جوفي: شمالي. هذا المعنى كثير الاستعمال لدى المؤلفين المغاربة ريح جوفي: ريح الشمال انتهى. قلت: أما في الأندلس فلا يكادون يعبرون عن الشمال إلا بالجوف.
(٧٠) هو إقليم الموصل وآمد وديار بكر وديار ربيعة وما إليها.
(٧١) ولذلك عرف حتى عند العرب بلفظة «البرتات» أي الأبواب بلغات الأفرنج.
(٧٢) وهذا هو الأمر الذي كان سبب ضياع هذا الفردوس على العرب فما حصله عرب الأندلس بحزمهم وحسن ترتيبهم أضاعوه بشدة إنشقاقهم واستمرار تشغيبهم ولله أمر هو بالغه.
(٧٣) خلفه بر اسمه أمريكا حاول العرب العبور إليه من قبل وقيل وصلوا إليه.
(٧٤) أي المتوسط.
(٧٥) أي بحر الخزر أو قزوين Caspienee.
(٧٦) من عادة مؤرخينا نقل روايات العامة ومن عادة العامة أنهم كلما رأوا أثرًا متوغلًا في القدم أو خبرًا أحاطت به الظلم نسبوه إلى الإسكندر أو إلى هرقل أو إلى العمالقة أو إلى الجن وهلم جرا.
(٧٧) علماء الجيولوجية يذهبون إلى أن اتصال البحر المحيط بالبحر المتوسط نتيجة زلازل ونوازل طبيعية بها الله تعالى مرج البحرين يلتقيان وإن ذلك لم يكن من عهد شديد التوغل في القدم بالنسبة إلى الأدوار الجيولوجية وعليه فتكون حكاية الإسكندر وفتحه بحر الزقاق ليمنع الغارات بين أهل السوس وأهل الأندلس هي من جملة الخرافات التي يروى مثلها في كل مكان عن الإسكندر. ولو كان منع الغارات والحروب بين الشعوب يقتضي أن يحال بين الفريقين المتغاورين ببحر لامتلأت كرة الأرض ترعًا وخلجًا وما الناس بعد ذلك ببالغي مرادهم من السلام لأنه قد يغير بعضهم على بعض بالسفن وكم من أمة أغارت على أمة أخرى وبينهما أبحر محيطة وأبعاد لا يكاد يتصورها العقل فالحادث الذي رووه عن الإسكندر هو غريب، وأغرب منه ذلك التعليل الذي جعلوا وصل ما بين البحرين من أجله.
(٧٨) مما أرويه عن بليونش هذه أنها جنة غناء ولكن طريقها في غاية الوعورة ولهذا قال أحدهم:
بليونش جنة ولكن
طريقها يقطع النياطا
كجنة الخلد لا يراها
إلا الذي جاوز الصراطا
(٧٩) دوزي يقرأ هذه الجملة «جبل المينا» لا جبل المنية ونحن نقول لا مانع من ذلك ولكن يكثر تسمية المصايف والمرتبعات عند العرب باسم «منية» بالكسر وفي مصر من هذه المنيات ما لا يحصى منها ما هو بالمفرد ومنها ما هو بالتثنية ومنها ما هو بالجمع. وقد عد الزبيدي في التاج نحوًا من مائة وتسعين منية بالمفرد. وزيادة على ثلاثين بالتثنية هكذا: منيتا طاهر وأمامه. منيتا فاتك ومزاح، منيتا السويد والطبل إلخ وعد عدة منيات أو منيات بالجمع هكذا: منى مرزوق، منى جعفر، منى مغنوج، منى غصين إلخ وكل هذا في بر مصر. وفي الشام بعض «منيات» أيضًا منها «المنى» بقرب طرابلس الشام وهي تلفظ بالإمالة على عادة الشام. وفي الأندلس عدة منى ذكر منها الزبيدي منية عجب، منها خلف بن سعيد المتوفى سنة ٣٠٥ ولم يذكر غيرها. ولكن لافي بروفنسال في كتابه «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» قال إن بالأندلس عدة أماكن اسم الواحد منها «منية» وإنما يلفظها الأندلسيون بالضم ويظن أن أصل اللفظة يوناني ثم دخلت في لغة القبط بمعنى ميناء أو محط أو دير. وكان في قرطبة «منية الناعورة» للخليفة الناصر وهو متنزه معروف، و«منية عبد الله» و«منية المغيرة» و«منية عجب» ولم يذكر ياقوت من منى الأندلس سوى منية عجب ولم يذكر من منى مصر إلا منية أبي الخصيب وبضع عشرة أخرى.
(٨٠) سند الجبل ما قابلك منه وعلا عن السفح فأما الآن فقد ارتفعت طنجة إلى أعلى الجبل وهي مدينة حسنة كما قال، عمرها الله بأهلها.
(٨١) بعد أن ذكر ياقوت البصرة المشرقية في معجم البلدان عاد فذكر البصرة المغربية فقال: بلد في المغرب في أقصاه قرب السوس خربت. قال ابن حوقل وهو يذكر مدن المغرب من بلاد البربر: والبصرة مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالمنيع ولها عيون خارجها عليها بساتين يسيرة وأهلها ينسبون إلى السلامة والخير والجمال وطول القامة واعتدال الخلق وبينها وبين المدينة المعروفة بالأقلام أقل من مرحلة وبينها وبين مدينة يقال لها تشمس أقل من مرحلة أيضًا. ولما ذكر المدن التي على البحر قال: ثم تعطف على البحر المحيط يسارًا وعليه من المدن قريبة منه وبعيدة «جرماية» و«ساوران» و«الحجي» على نحر البحر ودونها في البر مشرقًا «الأقلام» ثم البصرة وقال البشاري: البصرة مدينة بالمغرب كبيرة كانت عامرة وقد خربت وكانت جليلة. وكان قول البشاري هذا في سنة ٣٧٨. وقرأت في كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري الأندلسي: بين فاس والبصرة أربعة أيام قال: والبصرة مدينة كبيرة وتعرف البصرة الكتان كانوا يتبايعون في بدء أمرها في جميع تجاراتهم بالكتان وتعرف أيضًا بالحمراء لأنها حمراء التربة وسورها مبني بالحجارة والطوب وهي بين شرفين ولها عشرة أبواب وماؤها زعاق وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة وفي بساتينها آبار عذبة ونساء هذه البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق ليس بأرض المغرب أجمل منهن. قال أحمد بن فتح المعروف بابن الحزاز التهرتي يمدح أبا العيش عيسى بن إبراهيم بن القاسم:
قبح الإله الدهر إلا فينة
بصرية في حمرة وبياض
الخمر في لحظاتها والورد في
وجناتها والكشح غير مفاض
في شكل مرجي ونسك مهاجر
وعفاف سنى وسمت إباض
تيهرت، أنت خلية وبرقة
عوضت منك ببصرة فاعتاضي
لا عذر للحمراء في كلفي بها
أو تستفيض بأبحر وحياض
وقال: ومدينة البصرة مستحدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريبًا منه.
(٨٢) ورد ذكرها في نقلنا عن ياقوت هنا.
(٨٣) كان هذا في القرن السادس للهجرة وهو القرن الذي عاش فيه الشريف الإدريسي ولكن في القرن العاشر للهجرة عمرت تطاون بالأندلسيين بعد جلائهم الأخير وصارت من المدن الكبار المعدودة من القواعد زادها الله من فضله.
(٨٤) يريد بالأنقليش أو بالأنقليشيين الإنجليز وكان من عادة العرب أن يقلبوا السين والزاي شينًا في أكثر الأحيان.
(٨٥) العرب يقولون شنت ياقوب أو شنت ياقب والأسبان يقولون «سانتياغو دو كومبستله» Santiago De Compostela وهي أقدس كنيسة عند الأسبانيول وفيها قبر يعقوب أحد الحواريين.
(٨٦) Sierra وقد صارت الشارات تفيد معنى سلسلة جبال.
(٨٧) جاقة من بلاد سرقسطة بلدة فيها اليوم ٥٠٠٠ نسمة من السكان وهي مركز ناحية «سوبراربي»، ولها سور يرجع تاريخ بنائه إلى القرن العاشر وقد أنشئ خط حديدي بين جاقة Jaca وأولورون Oloron يختصر بنحو مائة كيلومتر المسافة بين باريز ومجربط.
(٨٨) Le lago de la Janda.
(٨٩) Arcos.
(٩٠) Becca.
(٩١) Jeres.
(٩٢) Tocina.
(٩٣) Grazalema وأظن اسمها محرفًا عن «قرية سالم» وهي الآن قرية كبير في برية تبعد عن رندة ٢٥ كيلو مترًا إلى الجنوب وقد زرتها بالسيارة لما كنت في رندة.
(٩٤) Sidonia.
(٩٥) Sevilla.
(٩٦) Garmona بلدة ذات موقع نادر في الدنيا مبنية على جبل مشرف على بسائط لا ينتهي البصر إلى مداها وقد زرتها بالسيارة من أشبيلية.
(٩٧) غلسانة هي اليوم عند الأسبانيول medina Sidonia.
(٩٨) Niebla.
(٩٩) Hisnalcasar.
(١٠٠) Hulba.
(١٠١) Saltes.
(١٠٢) La Campina.
(١٠٣) Medina az-zahra.
(١٠٤) Ecija.
(١٠٥) Baena.
(١٠٦) Cabra.
(١٠٧) Lucina.
(١٠٨) Usona.
(١٠٩) Rio. وليعلم القارئ أننا التزمنا ترجمة الأعلام العربية بما يقابلها من الأسماء الأسبانيولية وترجمة الأعلام الأسبانية بما كان يقوله لها العرب وتحرينا في ذلك جهد الطاقة ولم نبق في قوس البحث منزع ظفر حتى حققنا كل هذه الأسماء إلا ما ندر فإن معرفتنا بلساني العرب والأفرنج شرط في فهم جغرافية الأندلس وتاريخها وبدون ذلك لا تتحصل للقارئ صورة تامة عنها في ذهنه. ولم نكتب بترجمة الأعلام من العربي إلى الأسبانيولي ومن الأسبانيولي إلى العربي مرة واحدة بل ربما كتبنا اسم المكان الواحد باللغتين مرتين وثلاثًا لا نمل من ذلك حتى يرسخ في ذهن القارئ بالتكرار وإلا فإنه لا يحفظ هذه الأعلام المتبادلة من قرأها مرة واحدة.
(١١٠) Archidona وقد يكتبها العرب بالجيم.
(١١١) Marbella.
(١١٢) Bobachiero.
(١١٣) هذه اللفظة لم ندر حقيقتها.
(١١٤) Sierra.
(١١٥) Jaen وأصل اسمها في زمن الرومان Usiense وكان القشتاليون يقولن لها Gien.
(١١٦) Béchina.
(١١٧) Almeria.
(١١٨) Berja.
(١١٩) Merchana وهي من مقاطعة بجانة وقد درست ولا تزال منها بقايا في دسكرة يقال لها «ترك» Tarque.
(١٢٠) برشانة Purchina وهي أيضًا من مقاطعة بجانة.
(١٢١) Targela.
(١٢٢) Velez.
(١٢٣) Vera.
(١٢٤) Grenade.
(١٢٥) Guadix.
(١٢٦) Almonacar.
(١٢٧) Ferreira.
(١٢٨) Baza.
(١٢٩) Tixar.
(١٣٠) Todmir.
(١٣١) Murcie.
(١٣٢) Orihuela.
(١٣٣) Cartagéne.
(١٣٤) Lorca.
(١٣٥) Mola.
(١٣٦) Chinchilla.
(١٣٧) Cuenca.
(١٣٨) Elche.
(١٣٩) Alicante.
(١٤٠) Segora.
(١٤١) Chativa أو Jaliba.
(١٤٢) Se gur.
(١٤٣) Denia.
(١٤٤) Valence.
(١٤٥) Murviedro.
(١٤٦) Bricnne.
(١٤٧) دوزي يظن أن الاسم محرف بالنسخ وأن أصله «القواسم» ونحن نرجح أنه محرف عن «القواطن» وسيأتي الكلام على ذلك.
(١٤٨) Puenle.
(١٤٩) Albarracine.
(١٥٠) لم ندر أهو عربي أم معرب؟ وهي Walaja.
(١٥١) Zarruta.
(١٥٢) Calatrava.
(١٥٣) Puenta.
(١٥٤) البلالطة أي البلوطين نسبة إلى فحص البلوط.
(١٥٥) Pedroche.
(١٥٦) Gafic.
(١٥٧) Santa Maria.
(١٥٨) Martela.
(١٥٩) Silves.
(١٦٠) Cacer.
(١٦١) Evora.
(١٦٢) Badjoz.
(١٦٣) Xerex de Estramador وهي عند العرب شريشة إلا أنها غير شريش التي منها أبو العباس الشريشي شارح المقامات الحريرية.
(١٦٤) Merida.
(١٦٥) Alcantara.
(١٦٦) Coria.
(١٦٧) Albalat.
(١٦٨) Medellin.
(١٦٩) كورة البلاطة في أيام العرب كانت تشتمل على شترين Santarem ولشبونة Lisbonne أو Lisboa وشنترة Cintra ويقال لها في هذه الأيام «استرمادوره» البرتغالية.
(١٧٠) Talavera.
(١٧١) Toledo.
(١٧٢) Madrid.
(١٧٣) بلدة من أعمال طليطلة اسمها عربي منسوبة إلى بني فهم على ما ورد في معجم البلدان لياقوت وقد ذكرنا ما قال في موضع آخر.
(١٧٤) Guadalajara وقد يقول لها العرب مدينة الفرج محركة.
(١٧٥) Aclés.
(١٧٦) Huete.
(١٧٧) أظن أن أرنيط هي التي يقال لها Arenedo.
(١٧٨) Calatayud.
(١٧٩) Daroca.
(١٨٠) Saragosse.
(١٨١) Huesca.
(١٨٢) Tudela.
(١٨٣) Jaca.
(١٨٤) Lerida.
(١٨٥) Méquinensa.
(١٨٦) Fraguas.
(١٨٧) جبال البرتات هي جبال البرانس أو جبال البيرانه.
(١٨٨) Tortosa.
(١٨٩) Tarracona.
(١٩٠) Barcelone.
(١٩١) Marmaria.
(١٩٢) Tixar.
(١٩٣) Castello.
(١٩٤) Cutenda.
(١٩٥) Tariffa.
(١٩٦) لم نعرف اسمها بالأسباني.
(١٩٧) الأسبانيول يقولون Guadannasi وذلك أنهم حكوا في لفظها العرب وهؤلاء في الأندلس كانوا يميلون الألف كثيرًا.
(١٩٨) الأسبانيول بحسب عادتهم من قلب الجيم خاء والسين والزاي ثاء يقولون «الخثيرة» وقد ذكرت في إحدى مقالاتي عن رحلتي إلى الأندلس أن للقوم رغبة شديدة في حرف «الخاء» ثم طالعت بعد ذلك كتاب «السفر إلى المؤتمر» لصديقي العلامة أحمد زكي باشا المصري رحمه الله وفيه فصل عن رحلته إلى الأندلس سنة ١٨٩٣ فوجدته يقول في صفحة ٣٨٧ ما يلي:

لاحظت دوران حرف الخاء في غالب كلماتهم التي يكون فيها شين أو جيم أو سين بحيث لو سمعهم رجل من أهل المزاح لأستمنح السماح وقال أن لغة القوم تدور على حرف الخاء.

وقال: «وقد سمعتهم يقولون «الخثيرا» فسألت فأعلموني بأنها الجزيرة الخضراء» فقد توارد الخاطر مع الخاطر.
(١٩٩) قد يوجد الماء الحلو أحيانًا في وسط البحر إذا انقشعت عنه موجة الماء الملح شرب منه ركاب السفن.
(٢٠٠) لا نعلم لماذا ينسب الشريف الإدريسي طارق المنسوب إليه جبل الفتح بخلاف ما هو شائع، فإنه يجعله طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي والمشهور أن اسم أبيه زياد وأن عبد الله هو جده جاء في «البيان المغرب في أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي الجزء الأول المطبوع في «ليدن» بتصحيح المستشرق الشهير الهولاندي دوزي Dozy وذلك سنة ١٨٤٨ أن طارق هو ابن زياد بن عبد الله بن ولفو بن ودفحوم بن تبرغاسن بن ولهاص بن يطومت بن نفزاوة. وأجمع مؤرخو العرب على أنه ابن زياد.
(٢٠١) يقول دوزي في ترجمة كلام الإدريسي أن نهر برباط يمر بقرب الموضع المسمى اليوم Alola de los Gazules.
(٢٠٢) Becca وهي بقرب طرف الأغر.
(٢٠٣) Saneti Petri.
(٢٠٤) هي الجزائر التي يقال لها عند الأسبانيول Iles des lions.
(٢٠٥) بلدة محصنة على جون قادس والأسبانيول يكتبونها هكذا Rola.
(٢٠٦) يقول الأسبان للمساجد San Locar ويقال إن أصلها Solucar وإنها محرفة عن Solis Lucos.
(٢٠٧) Tebugena.
(٢٠٨) لم نعلمه.
(٢٠٩) Captor.
(٢١٠) Cabtal.
(٢١١) Jenechtelá.
(٢١٢) لم نعرفه هل يسميه الأسبان باسمه العربي أم له عندهم اسم آخر؟
(٢١٣) مر ذكره.
(٢١٤) Faisana.
(٢١٥) هذه التي يقال لها عند الأسبان «غرازاليما» Grasalema.
(٢١٦) Mont.
(٢١٧) لم نعرف هذه القرية ولا عرفنا هل هذا هو اسمها الحقيقي أم هو محرف؟
(٢١٨) ما أطلعنا على هذه المدائن.
(٢١٩) ولا على حقيقة هذا الاسم الآخر.
(٢٢٠) لا يزال يقال له الشرف إلى اليوم.
(٢٢١) Niebla وكان اسمها عند الرومان «أيليبوله» فتلفظ العرب بها أقرب إلى الاسم الروماني القديم.
(٢٢٢) Hueloa واسمها الروماني القديم «أونبة» Onba وهكذا كان يقول لها العرب وربما قالوا «ولبة».
(٢٢٣) Saltés.
(٢٢٤) يريد بالمجوس النورمانديين الذين كانوا يطرقون سواحل فرنسا وأسبانية وغيرهما وكانوا في الماضي مجوسًا ثم بعد طول ترددهم إلى البلدان الجنوبية استقروا في غربي فرنسا وتركوا العبث ولصوصية البحر ودخلوا في النصرانية.
(٢٢٥) استعمل الادريسي «الخطور» بالمعنى الذي تستعمله فيه العامة وهو الحضور أو السفر وأما في الفصيح فهو مصدر خطر الشيء بالبال.
(٢٢٦) Castella أو Casella.
(٢٢٧) Martola.
(٢٢٨) Tavira.
(٢٢٩) Santa Maria ويقال لها Santa Maria de Algaroe ويقال لها أيضًا «فارو» وهي من البرتغال.
(٢٣٠) Chinchin.
(٢٣١) يقول دوزي أن حلق الزاوية مقاطعة هناك.
(٢٣٢) Sagres.
(٢٣٣) تقدم ذكرها.
(٢٣٤) وهي الآن بلدة صغيرة ليس فيها أكثر من ٢٥٠٠ نسمة وفيها آثار قديمة ويقول لها الأسبانيول Alcacer do Jal.
(٢٣٥) Chelvubar وهذا الاسم هو اسم بلدة اليوم على هذا النهر.
(٢٣٦) ويقال لها أيضًا «يابره» بضم الباء وبالأسبانيولي Evora وهي الآن بلدة ليس فيها أكثر من ١٦ ألف نسمة وكانت هذه البلدة شهيرة في زمان الرومانيين واستولى عليها العرب سنة ٧١٥ مسيحية ثم استردها الأسبان سنة ١١٦٦ وكان يجلس فيها ملوك البرتغال أحيانًا وإذا دخل إليها الإنسان إلى هذه الساعة يظنها مدينة عربية لكثرة مباني العرب فيها وغلبة طرز الإنشاء العربي على مبانيها.
(٢٣٧) Guadiana.
(٢٣٨) Jibralion.
(٢٣٩) المعروف أن مدينة ماردة بنيت سنة ٢٣ قبل المسيح بناها بوبليوس كاريزيوس ونمت نموًا عظيمًا حتى صار يقال لها رومة الأسبانية وفي زمان القوط صارت قاعدة ولاية لوزبطانية وقيل أنه كان لها ٨٤ بابًا وخمسة حصون و٣٧٠٠ برج واستولى علهيا العرب بقيادة موسى بن نصير سنة ٧١٣ مسيحية واستردها الأسبانيول سنة ١٢٢٨ مسيحية ومنذ استردها الأسبانيول سقطت أهميتها وسنذكرها في الكلام على قواعد الأندلس.
(٢٤٠) الداموس هو الفترة أو ما يستتر الإنسان به.
(٢٤١) هذه اللفظة لم تمر بنا أصلًا مع اتساع اللغة والذي يظهر لنا أن عامة الأندلس استعملوها بمعنى «الأرجل» جمع «رجل» بكسر فسكون وقد يأتي جمعه أيضًا على «أرجال» فتكون الأرجالات جمع الجمع وذلك كما جمعوا «الرجل» بفتح فضم على رجال ثم جمعوا رجالًا على رجالات. ومعنى تسمية هذه الأعمدة التي يجري فوقها الماء «أرجالات» هو أن قنى الماء قائمة عليها وهي لهذه الأقنية أشبه بالأرجل.
(٢٤٢) هذه البلدة هي الآن صغيرة وموقعها على الضفة الجنوبية من نهر تاجه وشهرتها بالجسر الذي فيها وكان العرب لذلك يسمونها القنطرة والأسبان يقولون لها الآن Alcantara وكان ينسب إليها نظام فرسان القنطرة وكان هذا النظام تأسس سنة ١٨٧٦ مسيحية في قلعة سان يوليان دوبيرال لأجل حماية ثغور المسيحيين في وجه العرب فلما بدأ العرب يتراجعون بسبب فتنهم وتفرق كلمتهم تقدم هذا النظام إلى القنطرة وجعل مركزه فيها وصار رئيس فرسان القنطرة يجب أن يكون من بيت الملك وأما الجسر فهو روماني واقع إلى الشمال الغربي من البلد كان بناؤه سنة ١٠٥ بعد المسيح وهو من الحجر المحبب طوله ١٨٨ مترًا وعرضه ٨ أمتار وهو على ستة أقواس اثنان منها في الوسط فوهة كل منها ١٥ مترًا وعلوه ٥٨ مترًا وله برج علوه ١٣ مترًا. وفي بلدة القنطرة كنيسة اسمها سانتا ماريا المكبر Almocober بنيت في القرن الثالث عشر في محل جامع.
(٢٤٣) Coria قال ياقوت في معجمه هي من عمل ماردة وهي النصف بينها وبين زمورة مدينة الأفرنج.
(٢٤٤) Colmbre يقول لها العرب «قلمرية» قاعدة مقاطعة من مقاطعات البرتغال وعدد سكانها اليوم يناهز ٢٠ ألفًا وفيها مدرسة جامعة ومرصد فلكي وهي قسمان المدينة العليا والمدينة السفلى وهذه متصلة بنهر «منديق» Mondego وكان اسم قلمرية عند الرومان هو «آمينيوم» Aeminium ثم في القرن التاسع أطلقوا عليها اسم «كونمبريكا» Conimbrica وهي مدينة قديمة خربت وانتقل أهلها إلى هذه. وقد استولى عليها العرب فيما استولوا عليه من الجزيرة الأندلسية ثم استرجعها النصارى منهم سنة ٨٧٢ أي بعد فتح المسلمين لها بقليل ثم استردها المسلمون سنة ٩٧٨ مسيحية في زمن الحكم المستنصر الأموي رحمه الله على يد غالب مولاه وجاء في النفح أن الحكم عمرها واعتنى بها. ثم عاد النصارى فاستولوا عليها سنة ١٠٦٤ بعد سقوط الدولة الأموية في قرطبة وذلك على يد فرديناند الأول القشتالي الذي بقي يحاصرها ستة أشهر إلى أن ملكها، ثم آلت إلى البرتغال وصارت عاصمة ملكهم ولذلك العهد زحف إليها أبو يعقوب يوسف سلطان الموحدين ليسترجعها للإسلام فامتنعت عليه. وبقيت عاصمة للبرتغال إلى سنة ١٢٦٠ حينما جعلوا العاصمة في لشبونة ولكن الملك دنيس عوض قلمرية بنقل المدرسة الجامعة من لشبونة إليها. وفي زمن ياقوت الحموي (المتوفى سنة ٦٢٦) كان المسلمون قد فقدوها لأنه قال: وهي اليوم بيد الأفرنج خذلهم الله.
(٢٤٥) Mondego.
(٢٤٦) Montemayor.
(٢٤٧) لشبونة أو إشبونة Lisbonne أو Lisboa وسيأتي الكلام عليها مفصلًا.
(٢٤٨) قصة الأخوة المغرورين هذه قصة شهيرة صارت الآن معلومة عند أهل هذا العصر بعد أن بقيت مدة طويلة مدفونة في كتاب الإدريسي، هذا الذي لم تتداوله الأيدي، وإنما كان يطلع عليه بعض المستشرقين من علماء الأفرنج، وبعض المطلعين من العرب على خزائن الكتب. وقليلًا ما هم. وبقي الأمر كذلك إلى سنة ١٨٩٢، وكنت في باريز، وكان عمري ٢٢ سنة، فقرأت في جريدة النشرة الأسبوعية التي كان ينشرها الأستاذ العلامة إبراهيم الحوراني باسم جمعية الأميركيين في بيروت، وذلك مقالة مترجمة، عن مجلة أميركية، لا أتذكر الآن اسمها، يقول فيها بمناسبة كشف قارة أميركة: إنه شائع من جملة الأخبار كون العرب وصلوا إلى أميركة قبل كولمبوس وذلك بركوبهم البحر قاصدين الغرب من جهة الأندلس. ويقول: ليس عندنا نحن معلومات عن هذا الشأن تستند إليه وثائق خطية، وإنما هو كلام متواتر بين الناس، فكنا نود لو عرفنا ما عند العرب من هذا الموضوع، وأردف الأستاذ الحوراني ذلك بنداء إلى علماء العرب أن أفتونا بما عندكم عن هذه المسألة.
ففي الحال فكرت في هذه المسألة، وقلت أنا في باريز وأمامي المكتبة العمومية العظيمة، فيمكنني أن أبحث فيها ما شئت وذهبت إلى خزانة الكتب الكبرى Bibliotieque National وبمجرد وصولي أمام ذلك البحر الخضم من الكتب فكرت أن حادثًا كهذا لا يمكن أن ينشد إلا في كتب العرب المؤلفة عن الأندلس ورجحت أن أبدأ البحث في كتب الجغرافية على كتب التاريخ، وقلت في نفسي أن أشهر جغرافية عربية في القرون الوسطى هي جغرافية الشريف الإدريسي، فطلبت فهرس الكتب العربية، ووجهت نظري إلى كتب الجغرافية، فعثرت على كتاب «نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق» للسيد الإدريسي، وبدأت بتصفحه، ولم أكن طالعته من قبل، فما مضى ربع ساعة حتى عثرت على هذه الواقعة، وهي التي يسردها الإدريسي حسبما هو مكتوب في المتن. فكان ذلك عجبًا، لأن ما كنت أقدر له حتى أصل إليه أيامًا طوالًا، من بحث وتنقيب في مختلف الكتب، قد وصلت إليه في ربع ساعة. فنسخت ما ورد عن الأخوة المغرورين أو المغررين بتمامه، وذهبت فكتبت مقالة بعثت بها إلى جريدة ثمرات الفنون في بيروت أوردت فيها في عرض الجواب على سؤال النشرة الأسبوعية وسؤال علماء أميركة ما جاء في كتاب الشريف الإدريسي بالحرف. ثم علقت على ذلك توجيهًا للكلام يساعد على استخلاص المعنى، وهو أن الأخوة المغرورين خرجوا من أشبونة أولًا، إلى ناحية الغرب، في نحر البحر، وساروا ١٢ يومًا. فلم يجدوا شيئًا، فانعطفوا إلى ناحية الجنوب، فساروا ١٢ يومًا أخرى، فوصلوا إلى جزيرة لم يجدوا فيها إلا غنمًا لحومها مرة لا تؤكل، فانعطفوا أيضًا إلى الجنوب، وجروا ١٢ يومًا، إلى أن وصلوا إلى جزيرة وجدوا فيها بشرًا، وأخذوا إلى أمير الجزيرة، وجرى معهم ما جرى، كما هو وارد في الكتاب. وأزيد الآن هذا بيانًا فأقول: الذي يلوح لي أنهم وصلوا أولًا إلى جزيرة من جزائر الأنطيل، التي هي بين أميركة الشمالية، وأميركة الجنوبية، ومجموع هذه الجزائر هو بين ١٠ و٢٧ درجة من العرض الشمالي، وبين ٦٢ و٨٧ درجة من الطول، في غربي خط نصف النهار، المار بباريز، وكان أول وصول كريستوف كولومبوس إلى جزيرة من أميركا كهذه في ١٢ أكتوبر سنة ١٤٩٢، وجزر الأنطيل تنقسم إلى الأنطيل الكبرى، وهي إلى الشمال الغربي، والأنطيل الصغرى، وهي إلى الجنوب الشرقي، وهذه الجزر صغيرة لا تحصى، والذي يظهر أن الأخوة المغرورين بعد أن ساروا ١٢ يومًا خطًا مستقيمًا إلى الغرب، ولم يجدوا شيئًا، خافوا من التلف، فرجعوا إلى الجنوب، وكانوا لو صبروا وتابعوا جريهم خطًا مستقيمًا، وصلوا إلى ساحل القارة المسماة الآن بأميركا الشمالية، ولكنهم يئسوا من الوصول إلى البر من جهة السير نحرًا إلى الغرب، فساروا إلى الجنوب، لعلهم يجدون البر هناك، فوصلوا إلى الجزيرة التي وجدوا فيها الغنم، ولم يجدوا البشر، فحينئذ يئسوا، وعادوا جنوبًا إلى الشرق، فوصلوا إلى إحدى جزائر الخالدات أو جزائر أسور Acores وهذه الجزائر كما هو معلوم، مسكونة من قديم الزمان، وهي واقعة بين ٢٧ و٣٣ و٤٠ درجة من الطول الغربي، و٣٦ و٥٠ و٣٩ و٤٥ من العرض الشمالي. وهي أقرب قليلًا إلى أوروبا منها إلى أفريقية. وقد جاء في الأنسيكلوبيدية الأفرنسية الكبرى أن جزر آسور كان وصل إليها القرطاجنيون، ثم النورمنديون، ثم العرب. تجد هذا في الجزء الأول صفحة ٤٣١. ثم يقول أنهم لم يكشفوا هذه الجزائر إلا في القرن الخامس عشر، حينما وصل إليها البرتغاليون، وأن هؤلاء بدأوا باستعمارها سنة ١٤٤٤، ولم تنكشف جميع هذه الجزائر دفعة واحدة، بل الواحدة بعد الأخرى.
قال وإنه كان قد قصدها بعد البرتغال قوم من الفلمنك، ثم قال ولما طرد العرب من أسبانية إلتجأ منهم أناس إلى هذه الجزر؛ ونشروا فيها المدنية. أما الخالدات ويقال لها كناري Canaries فهي أقرب إلى أفريقية منها إلى أوروبا، وهي ممتدة من الشمال إلى الجنوب بين ٢٧ و٢٨ و٢٩ و٢٥ من العرض الشمالي، وممتدة من الشرق إلى الغرب بين الدرجة ١٥ و٤٠ و٢٠ و٣٠ من العرض الغربي عن باريز، وليس بين إحدى الخالدات المسماة فورت أفنطوره Fortaventura وبين رأس جنوبي من مراكش غير مائة كيلومتر لا غير وربما كان وصولهم إلى إحدى جزائر الخالدات أرجح، لأنهم من هناك ذهبوا بهم إلى مرسى أسفي (قرب) ما بين الخالدات ومراكش. وبالاختصار الأخوة المغرورون كانوا قد وطأوا البر الأميركي بأرجلهم، ولكنهم بقلة عددهم، وقلة الوسائل التي كانت في أيديهم، لم يتقدموا إلى الأمام. ويغلب على الظن أن كريستوف كولومبوس لم يكن يجهل قصة المغرورين هذه، وأنه سمع بنزولهم في إحدى الجزر بعد مسيرة ٢٤ يومًا في الأوقيانوس الأطلانطيكي، ناخرين الغرب ثم منعطفين إلى الجنوب، فاستنتج من ذلك أن وجود البر وراء بحر الظلمات أمرًا لا بد منه ولكن لا بد أيضًا من أن يكون الملججون في هذا البحر العظيم عددًا كبيرًا. وتكون معهم جميع الأقوات والأدوات والأسباب اللازمة، وأن يكونوا سائرين في عدة سفن، بعضها في أثر بعض. ولذلك بقي كولومبوس مدة طويلة، يراجع الملك فرديناند والملكة إيزابلة حتى أقنعهما بتزويده بكل ما طلبه، لعلمه أن السفر شاق وطويل، وأن أمامه أهوالًا. ولذلك كلفت رحلته هذه حتى كشف أميركا مبلغًا قدروه بثلاثمائة وستة وثلاثين ألفًا وخمسمائة فرنك أفرنسي. وهو مبلغ جسيم بالنسبة إلى ذلك الوقت، وسار بثلاث سفن كبيرة وكان سفره من جزيرة «شاليش» قبالة «أونبة» في غربي أسبانية، إلى جزر الخالدات، ومنها بقي يخوض بحر الظلمات ٣٢ يومًا، إلى أن وصل إلى إحدى الجزر وهي التي سماها سان سلفادور. ومن المحقق أن قضية وجود بر وراء بحر الظلمات، لم تكن تولدت في مخيلة كولومبس بل هي فكرة قديمة معروفة.
وكان كولومبس قد اطلع على كتاب «صورة الأرض» تأليف الكردينال بطرس دالي Pierre D’Ailly مطران كمبراي Combray، وهو تأليف كتبه هذا المطران سنة ١٤١٠، وحشر فيه معلومات كثيرة تتعلق بصورة الأرض، منها ما نقله عن التوراة، ومنها ما نقله عن اليونان، ومنها ما أخذه عن العرب، كما جاء في الأنسيكلوبيدية الكبرى الأفرنسية، في ترجمة كولومبس، وقد ورد في هذا الكتاب أن أرسطو وشارحه ابن رشد لم يكونا يعتقدان أنه يوجد بين ساحل إفريقية الغربي وساحل الهند الشرقي مسافة شاسعة البعد، فمطالعة كولمبوس هذا الكتاب بنوع خاص كانت تحمله على الاعتقاد بالوصول إلى الهند من طريق بحر الظلمات ولا تعبأ برواية الإدريسي عن عدة أيام السفر التي رواها عن المغرورين، فإنه إنما روى عن أفواه الناس، ولم يجتمع بالأخوة المذكورين. والأرجح أن سفرهم استمر أكثر مما قال، لأن كولمبوس بقي يلجج في الجزر الخالدات إلى أول جزيرة وطئها من أميركا مدة ٣٢ يومًا، وهذا ثابت تاريخًا، وغاية ما يستفاد من العبرة في قصة المغرورين، أن العرب حاولوا اختراق بحر المحيط، والوصول إلى البر الذي يقال له اليوم أميركا.
هذا وجاء في صبح الأعشى للقلقشندي عند ذكر ملوك مملكة «مالي» في السودان الغربي ما يلي: أنه تولى منهم الملك منسي موسى بن أبي بكر، قال في «العبر»: وكان رجلًا صالحًا، وملكًا عظيمًا له أخبار في العدل تؤثر عنه، وعظمت المملكة في أيامه إلى الغاية، وافتتح الكثير من البلاد، قال في «مسالك الأبصار»: حكي ابن أمير حاجب والي عنه أنه فتح بسيفه وحده أربعًا وعشرين مدينة من مدن السودان ذوات أعمال، وقرى وضياع. قال في «مسالك الأبصار» قال ابن أمير حاجب: سألته عن سبب انتقال الملك إليه فقال: إن الذي قبلي كان يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك فجهز مئتين من السفن وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين، وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته، أو تنفد أزوادهم، فغابوا مدة طويلة، ثم عاد منها سفينة واحدة، وحضر مقدمها، فسأله عن أمرهم فقال:. سارت السفن زمانًا طويلًا حتى عرض لها في البحر في وسط اللجة واد له جرية عظيمة، فابتلع تلك المراكب وكنت آخر القوم، فرجعت بسفينتي، فلم يصدقه. فجهز ألفي سفينة. ألفًا للأولاد، وألفًا للأزواد. واستخلفني، وسار بنفسه ليعلم حقيقة ذلك، وكان آخر العهد به وبمن معه قال في «العبر» وكان حجه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون.ا.ﻫ ومعناها أن هذا الحادث إن كان وقع فيكون في أول القرن الثامن من الهجرة وقد ورد هذا الخبر في الجزء الخامس من صبح الأعشى فليراجع هناك.
(٢٤٩) هذه اللفظة غير عربية ومعناها هبوب الريح.
(٢٥٠) هكذا في الأصل وربما كان المعنى مناسبًا لسياق الكلام الذي تقدمه فإن فعل ترش في العربي معناه ساء خلقه.
(٢٥١) Lisbonne.
(٢٥٢) Santaren مستعمرة رومانية كان يقال لها في زمن قيصر سكالابيس Scalabis فأطلق عليها اسم «بريزيديوم يوليوم» وقد تحول اسمها بعد النصرانية إلى سنتا أرين أي القديسة إيرينة وهي قديسة شهيدة عند الأسبانيول. والبلدة تعد مفتاح وادي تاجه وكان لها شأن عظيم في تاريخ البرتغال وقد استولى عليها العرب فيما استولوا عليه من البلدان ثم استرجعها منهم الأذفونش السادس ملك قشتالة سنة ١٠٩٣ وفي زمن أبي يعقوب يوسف سلطان الموحدين حاول المسلمون استردادها فردهم عنها الدون شانجه Don Sancho وفي هذه البلدة غرق في النهر البرنس الفونس ابن يوحنا الثاني ملك البرتغال وكان الابن الوحيد لأبيه وكان عروسًا وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة فذهب لاستقبال أبيه ممتطيًا جواده فرحًا فحملته غرارة الشباب على الخوض في النهر فأخذه النهر وكانت فاجعة عظيمة لا تزال مراثيها عن البرتغال محفوظة إلى اليوم. وقد وقعت هذه الفاجعة في ١٣ يوليو سنة ١٤٩١ هذا وقد سقطت مكانة شنترين اليوم فالآن جميع سكانها عشرة آلاف نسمة وفيها بعض آثار من زمن العرب وأسوار وقصر عربي يقولون له «الكازار» Alcaazr كما يقولون لكل قصر عربي وفيها برج يقال له برج «كباساس» Cabaças كان في أصله منارة مسجد. قال ياقوت الحموي عن شنترين: كلمتان مركبتان من شنت كلمة ورين كلمة ورين بكسر الراء وباء مثناة من تحت ونو مدينة متصلة الأعمال بأعمال باجه في غربي الأندلس ثم غربي قرطبة وعلى نهر تاجه قريب من انصبابه في البحر المحيط وهي حصينة بينها وبين قرطبة خمسة عشر يومًا وبينها وبين باجة أربعة أيام وهي الآن للأفرنج ملكت في سنة ٥٤٣.
(٢٥٣) Badajoz عاصمة بني الأفطس وسيأتي الكلام عليها تفصيلًا.
(٢٥٤) بالأسبانيولي Elvas استرجعها ملك ليون من العرب سنة ١١٦٦.
(٢٥٥) بالأسبانيولي Merida وهي من قواعد الأندلس مر ذكرها وسيأتي أيضًا.
(٢٥٦) Karacuel أو Caraqui.
(٢٥٧) Calatrava.
(٢٥٨) Ana.
(٢٥٩) Aranda.
(٢٦٠) شريشة الوارد ذكرها هنا يقال لها عند الأسبانيول Xeres de Estramadura وهي غير شريش البلدة المشهورة بقرب أشبيلية التي ينسب إليها الشريشي شارح مقامات الحريري وسيأتي ذكرها.
(٢٦١) يقول الأسبانيول لهذا الحصن Martola.
(٢٦٢) حرف الأسبانيول قلعة رباح إلى كالاترابة وسيأتي الكلام عليها.
(٢٦٣) عند الأسبانيول Aralia.
(٢٦٤) Balat.
(٢٦٥) Talavera وسيأتي الكلام عليها وهي من المدن المذكورة وقد خرج منها رهط من العلماء.
(٢٦٦) Alcantra وسيأتي الكلام عليها.
(٢٦٧) Medellin.
(٢٦٨) ترجالة يقول لها الأسبانيول Trugillo قال في دليل بديكر أنها اليوم قرية فيها ١٢٥٠ نسمة وفيها حصن من أيام العرب رممه الفرنسيس في زمن بونابرت لما كانوا في أسبانية.
(٢٦٩) يقول الأسبانيول لهذه البلدة Ceçares جاء في دليل بديكر أن سكانها ١٦٩٠٠ وأن القسم القديم منها مبني على رابية تحيط به أسوار وأبراج وأبواب وأن القسم الجديد هو في الجانب الأدنى منها ثم أن في القسم الأعلى كنيسة يقال لها «سان مانيو» مبنية مكان المسجد الجامع وفيه أيضًا مكان القصر الذي كان في أيام العرب ويوجد في هذه البلدة في شارع الدانه Aldana رقم ١٠ بيت عربي لا يزال محفوظًا على حاله.
(٢٧٠) يوجد في الأندلس ثلاث بلاد باسم طلبيرة هذه وقرية إلى الجنوب منها يقال لها طلبيرة البقعة Talavera La Vega ويوجد على ضفة وادي يانة بقرب بطليوس قرية يقال لها طلبيرة. وأما المقصود هنا فهي الكبرى ويقال لها طلبيرة رينه De La Reina وهي الآن بلدة صغيرة سكانها عشرة آلاف لكنها واقعة في بقعة جميلة على نهر تاجه ولها جسر مركب من ٣٥ قوسًا وفيها باب روماني قديم وفيها أبراج يقال لها «البراناس» من بناء العرب يعود تاريخها إلى سنة ٩٣٧ مسيحية ولعل اللفظة محرفة عن «البرانية» أي الأبراج البرانية. ومن طلبيرة هذه يذهبون إلى النزهة في شارات «غريدوس» وإلى وادي اللب Guadalupe. وبالقرب من طلبيرة بلدة قلصادة Colzada وهي بلدة ينسب إليها بعض أهل العلم من العرب.
(٢٧١) يقول دوزي عند شرح هذه اللفظة أن العرب كانوا يعنون بالعملاق كل عظيم الجثة. فكأنه يريد أن يقول أنه لا يجب أن يفهم أن العمالقة الساميين الذين هم من بلاد العرب والذين كانت الحروب بينهم وبين اليهود هم الذين بنوا طليطلة وإنما قصدوا بذلك شعبًا عظام الجثث وقد جرت العادة عند الناس أنهم كلما رأوا بناء عظيمًا شامخًا نسبوه إلى العمالقة أو إلى الجن أو إلى الإسكندر وما أشبه ذلك مما يهولهم من منظره.
(٢٧٢) المعروف في اللغة شمخ يشمخ شمخًا وشموخًا ولم نجد شماخةً وربما كانت هذه اللفظة من جملة خطأ النسخ.
(٢٧٣) عند الأسبانيول Magham وقد ذكر ياقوت هذه البلدة وقال أنه يقال لها أيضًا «مغامه» بالفتح فيهما وقال إنه ينسب إليها أبو عمران يوسف بن يحيى المغامي ومحمد بن عتيق بن فرج بن أبي عباس بن إسحق التجيبي المغامي المقرئ الطليطلي أبو عبد الله لقي أبا عمرو الداني وعليه اعتمد وروى عن أبي الربيع سليمان بن إبراهيم وأبي محمد بن أبي طالب المقرئ وغيرهم وكان عالمًا بالقراءة بوجوهها إمامًا فيها ذا دين متين وكان مولده لتسع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ٤٢٢ ومات بأشبيلية في منتصف ذي القعدة سنة ٤٨٥ وحبس كتبه على طلبة العلم الذين بالعدوة وغيرها. قال: وفيها معدن الطين الذي تغسل به الرؤوس ومنها ينقل إلى سائر بلاد المغرب.
(٢٧٤) الغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وطين وأشنان ونحوه. عن لسان العرب.
(٢٧٥) هي التي يقول لها الأسبان مدريد وهي اليوم عاصمة أسبانية ومن أهم مدن أوروبا وقد كانت مجريط في زمن الإدريسي خرجت من يد الإسلام ومثلها طليطلة فلذلك قال أنه كان لمجريط في زمن الإسلام مسجد جامع وخطبة قائمة وسنذكر طليطلة تفصيلًا ونؤيد ما يجب تأييده من كلام الإدريسي عنها ونرد ما هو من قبيل الأساطير مثل قوله: أن طليطلة هي من بناء العمالقة.
(٢٧٦) قال ياقوت في معجم البلدان: الفهميين كأنه جمع فهمي اسم قبيلة الفهميين بالأندلس من أعمال طليطلة انتهى ولم يذكر زيادة على ذلك ونحن نعلم أنه يقال الفهميون لفهم الجمرات بطن من لخم وأنه يوجد أيضًا في الأزد بطن اسمهم فهم بن غنم ابن دوس بن عدنان منهم جذيمة بن مالك بن فهم الملك الأبرص راجع تاج العروس.
(٢٧٧) يقول دوزي في ترجمته لكلام الإدريسي هنا إن المقصود بهذه القلعة هي قلعة كبريال وهي إلى الشمال الغربي من «الفنت».
(٢٧٨) الفنت هذه هي التي يقول لها الأسبانيول «البونت» Alpuente.
(٢٧٩) Toledo.
(٢٨٠) Talevera De La Reina.
(٢٨١) لا نعلم ماذا يقول الأسبانيول لهذا المكان.
(٢٨٢) هي قنطرة السيف بلدة معروفة ينسب إليها في زمن العرب جماعة من أهل العلم والأسبان يقولون Alcantra.
(٢٨٣) لم نعلم ماذا يقول الأسبانيول لهذه البلدة.
(٢٨٤) Santaren وهي مدينة مشهورة سيأتي ذكرها.
(٢٨٥) Lisboa عند البرتغال أو Lisbonne وسيأتي ذكرها.
(٢٨٦) Medinaceli عند الأسبانيول بحذف الميم.
(٢٨٧) عند الأسبانيولAlbarrazin.
(٢٨٨) غريب جدًا ذكر الإدريسي هؤلاء «القواطم» بدون التعريف عنهم بشيء ولذلك لم يفهم هذه اللفظة أحد من مترجمي كلام الإدريسي ومفسريه ونحن أشكل علينا أيضًا فهمها ولم يذهب فكرنا إلى أنها «الفواطم» بالفاء الموحدة لأنه لم يسمع أن قومًا من الفاطميين سكنوا بتلك الأرض واشتهروا بها واشتهرت بهم وكذلك من العادة أن يقال لهم «الفاطميون» أو «الطالبيون» أو «الهاشميون» ولم نسمع بقوم اسمهم الفواطم يسكنون في شمالي الأندلس فبقي علينا أن نعلم ما المراد بالقواطم بالقاف المثناة، فالعلامة دوزي يظن أنها محرفة عن «القواسم» لأنه كان في الفنت فخذ يقال لهم «بنو قاسم»، ولا يزال هذا الاسم Beni Cassim يطلق على مكان بشرقي الفنت إلى اليوم. قال دوزي: فيجوز أن يكون قيل لهم فيما بعد القواسم، ثم تحرفت القواسم هذه بطول الزمن إلى قواطم. قلنا: أن وجود أناس في تلك البقعة كان يقال لهم بنو قاسم لا شك فيه وقد رأيت في معجم البلدان ذكر مكان في تلك الناحية قال ياقوت عنه أنه من عمل بني قاسم. ثم إن دوزي نفسه يقول إن بني قاسم هؤلاء من ذرية عبد الملك بن قطن الفهري أمير الأندلس المشهور الذي كان قبل بني أمية فأنا أظن أن القواطم غير محرفة عن القواسم بل محرفة عن القواطن وذلك نسبة إلى عبد الملك بن قطن المذكور فإن ذرية هذا الرجل ينبغي أن يقال لها «القطنيون» فالناس استثقلوا جمع ذرية ابن قطن على القطنيين كما جمعوا بني فهم على الفهميين لثقل الأولى وخفة الثانية فاختاروا للأولى جمع التكسير وقالوا قواطن يريدون به بني قطن. ومثل هذا الجمع كثير عند العرب. وأما انقلاب نون قواطن إلى ميم بحيث صارت قواطم فإن بين النون والميم تبادلًا كثيرًا كما لا يخفى. فهذا وجه خطر ببالنا عن هذه اللفظة والله أعلم.
(٢٨٩) الأسبانيول يقولون لها «كلاتايود» Calatayud وهي بلدة على وادي شلون جاء في دليل بديكر أنه يشرف على هذه البلدة حصن اسمه قلعة أيوب بناه العرب في القرن الثامن للمسيح وأن أذفونش الأول ملك أراغون انتزع قلعة أيوب سنة ١١١٩ من أيدي العرب. والمشهور أن باني قلعة أيوب هو أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى بن نصير. وسنأتي على ذكرها تفصيلًا.
(٢٩٠) هذه البلدة هي على ٣٥ كيلو مترًا من قلعة أيوب، والأسبان يقولون لها «داروكة» Daroca جاء في دليل بديكر أن هذه البلدة ازدهرت في زمان العرب وكان لها سور طوله ثلاثة كيلو مترات وعليه ١١٤ برجًا وكان لدروقة قلعة مبنية على صخر عظيم من بناء العرب وسيأتي ذكرها بأوسع من هذا.
(٢٩١) Saragosse وهي من قواعد الأندلس الكبار كان العرب يسمونها بالثغر الأعلى وسنذكر عنها كل ما يلزم عند الوصول إلى مكانها من جغرافية الأندلس.
(٢٩٢) Ebro وسيأتي الكلام على هذا النهر ومنبعه ومجراه.
(٢٩٣) Calahorra وهي بلدة قديمة على ضفة نهر سيداكوس Cidacos اشتهرت بشدة أهلها في مقاومة الرومانيين ومنها إلى «شورية» ٩٩ كيلومتر.
(٢٩٤) Tudela.
(٢٩٥) Chibrana.
(٢٩٦) الأسبانيول يقولون لها Huesca وهي مدينة قديمة جدًا وكان الرومانيون يسمونها أوسكه Osca وعمرت في زمان العرب وبقيت في أيديهم إلى سنة ١٠٩٦ ثم صارت قاعدة لمملكة أراغون وهي على مسافة ٢٢ كيلو مترًا من سرقسطة وسكانها اليوم ١٣٠٠٠ نسمة وسيأتي ذكرها.
(٢٩٧) هذه البلدة هي من عمل كتلونية فيها اليوم ٢٣٠٠٠ نسمة والأسبان يقولون لها ليريده Ilerda وكان الرومانيون يسمونها إيلرده Herda وهي مدينة قديمة جدًا أيضًا وجدت فيها مسكوكات من زمان الأيبيريين وعليها رأس ذئب. وفي السنة ٤٩ قبل المسيح هزمت فيها جيوش قيصر جيوش أعدائه المنتسبين إلى بومبي. وكان استيلاء العرب عليها سنة ٧١٣ مسيحية واسترجعها الأسبان سنة ١١١٧ وسيأتي ذكرها.
(٢٩٨) الأسبان يلفظونها مكيننسة Mequinenza وهي من شارات ساحل كتلونية.
(٢٩٩) عند الأسبان تورتوزه Tortosa وكان الرومان يقولون لها درتوزه Dertosa وقال لها العرب طرطوشة وسيأتي ذكرها بما يليق من التفصيل.
(٣٠٠) السواري جمع ساري وهو الخشبة المعترضة في وسط السفينة ويكون عليه الشراع وهو معروف. وأما القرى فليس في اللغة بهذا المعنى بل القرى جمع قرية وهي البلدة. ولكن يوجد في اللغة «القرية» بتشديد الياء وهي عود الشراع الذي يجعل في عرضه من أعلاه والمعروف أنه يجمع على قرايا. ورد ذلك في تاج العروس وقال الزبيدي: والعامة تقول القرية بالتخفيف أي أن الإدريسي جرى في جمعه القرية على القرى مجرى العامة لأنه من بعد تخفيفها صار جمعها على قرى هو الأولى وقد لحظنا أن الإدريسي يستعمل كثيرًا من الألفاظ العامية ولحظ ذلك دوزي من قبل.
(٣٠١) Tarragona والأسبانيول يقولون لها طركونة كالعرب وهي مدينة بحرية سكانها ٢٤ ألفًا، مشرفة على البحر تعلوه إلى حد ١٦٠ مترًا وهي مدينة قديمة أيبيرية ولا يزال فيها مسكوكات من ذلك العهد. استولى عليها الرومانيون وحصنوها وجعلوها مرسى شهيرًا وصارت مركزًا لهم في أسبانية وأقام بها أغسطس الروماني سنة ٢٦ قبل المسيح وجعلها قاعدة للمقاطعة المسماة «أسبانية الطركونية» وفيها أبنية رومانية ومشهد للتمثيل وبعد النصرانية صارت مركز أسقفية ولما جاء القوط سنة ٤٧٥ للمسيح جعلوا عاليها سافلها واستولى عليها العرب سنة ٧١٣ واسترجعها الأسبانيول بعد ذلك بأربعمائة سنة وصارت تابعة لبرشلونة.
(٣٠٢) Barcelona وهي قاعدة كتلونية وأكبر مدن أسبانية وأوسعها تجارة وأكثرها صناعة وسيأتي ذكرها تفصيلًا.
(٣٠٣) دوزي يعتقد أن هذه الرابطة هي التي يقول لها الأسبانيول Castillo De Chiver وهي بقرب قلعة شيفر أو شيبر.
(٣٠٤) ويقول لها الأسبانيول «بنيسكولا» Penuscola وتسمى جبل طارق بلنسية لأنها في جزيرة متصلة بالبر بلسان من الرمل وكان هذا الحصن في يد العرب إلى سنة ١٢٣٣ إذ أخذه منهم جاك الأول ملك أراغون.
(٣٠٥) هي بالأسبانيول Abicha.
(٣٠٦) الأسبانيول يقولون لبوريانة Burriano أي بوريانة بالتشديد. وتأمل في ما ورد في دليل بديكر في كلامه على البلاد التي بين طرطوشة وبلنسية قال: إن قسطلون البلانة Castellon De La Plana هي مدينة زاهرة سكانها ٢٨ ألف نسمة وهي مركز تجارة للبرتقال ولها فرضة على البحر اسمها «غراو» والقطار الحديدي يمر منها في مكان اسمه المجر Migares على جسر ثلاثة عشر قوسًا راكب فوق قناة قسطلون المشتقة من النهر. وهذه التحفة البديعة من بدائع هندسة العرب تسقي تلك الأراضي منذ ستمائة سنة ثم تفيض من هناك إلى مدينة فيلاريال Villarreal وهي مدينة سكانها ١٦ ألفًا ويوجد فيها بساتين البرتقال وبينها بعض أشجار النخل والنساء تحمل هناك أباريق غريبة ترجع إلى عهد قديم، ثم إن مياه المجر هذا لا تزال تتوزع على الأراضي إلى بوريانه التي هي أيضًا من الأماكن المشهورة بالبرتقال.
(٣٠٧) Murbiter أو Merviedero.
(٣٠٨) الأسبانيول يقولون Ceulenda.
(٣٠٩) الأسبانيول يقولون Alicante.
(٣١٠) الأسبانيول يقولون Rio Jucar أي نهر شقر وعليه بلدة اسمها الصيرة والعرب يسمونها جزيرة شقر والصيرة وهي تحريف الجزيرة.
(٣١١) الأسبانيول يقولون لها Jatiba ويقلبون الجيم خاء على عادتهم.
(٣١٢) Denia ولا بد من لفظ الألف بالإمالة حتى يفهم الأسبانيولي أن المراد هو هذه البلدة. ومن المعلوم أن عرب الأندلس كان أكثر لفظهم بالإمالة. ولما كنت في الأندلس أردت الذهاب من القنت إلى دانية فلفظت هذه بغير إمالة لأجل قطع تذكرة السفر فلم يفهموا مني في بادئ الأمر.
(٣١٣) دوزي يقول أنه «كوليره» Cullera.
(٣١٤) يابسة هي جزيرة Ibiza أعلى قمة فيها تعلو ٤٧٥ مترًا.
(٣١٥) Càoun.
(٣١٦) حصن بكيران هو في جنوبي شاطبة والأسبانيول يكتبونه Bocayrant.
(٣١٧) Elche وهي ذات النخل وسيأتي الكلام عنها. وأظن بني الألشي في دمشق أصلهم منها.
(٣١٨) هي بالأسبانيولي أوريواله Orihuela والعرب يقولون لها أريوله وربما يضعون الواو بعد الألف ولكن وردت في جغرافية الإدريسي وغيره بزيادة ألف بعد الواو أي أريواله وتكررت على هذا الشكل ويقال لهذه البلدة تدمير باسم الأمير الذي كان فيها يوم أخذها منه العرب صلحًا.
(٣١٩) الأسبانيول يقولون آليكنت Alicante والعرب يقولون القنت بالألف واللام وأحيانًا لقنت بلام دون ألف وجميع هذه المدن سيأتي الكلام عليها في مواضعها.
(٣٢٠) الأسبانيول يقولون لهذه القصبة التي بأعلى الجبل حصن «سانتا برباره» Castillo De Santa Barbara.
(٣٢١) هنا خطأ في النسخ ولا يوجد ابلناصة وإنما الجزيرة اسمها بلانة وهي في جنوبي القنت.
(٣٢٢) طرف الناظور هو سانتا بولو Santa Polo.
(٣٢٣) بالش هي Bèlich ومرساها يقول له الأسبانيول Mar Menor.
(٣٢٤) اسم هذه الجزيرة عند الأسبان Isla Grosa.
(٣٢٥) القيطال Cap De Palos.
(٣٢٦) برتمان الكبير هو عند الأسبان Puerto Pormann وكان يقال له أيام الرومان Pertus Magnus.
(٣٢٧) أحسن مرسى في أسبانية وسيأتي ذكرها.
(٣٢٨) يظن دوزي أنه وقع تحريف لم يظهر معه أصل الكلمة.
(٣٢٩) Chadjena.
(٣٣٠) جاء في دليل بديكر عند ذكر مدينة لورقة قال أن سكانها ٣٠ ألف نسمة وكانت تسمى إلوكرو Ilucro في زمن الرومانيين فقال العرب لها لورقة وهي مبنية إلى الشمال الغربي من شارات كانو، ويشقها وادي «الأنطين» والبلدة القديمة لا تزال شوارعها ضيقة وهي تذهب صعدًا فوق الصخور إلى أن تتصل بحصن عربي لا يزال مائلًا وفيها كنيسة اسمها سنتا مارية مبنية في المكان الذي خيم فيه الأذفونش الملقب بالحكيم قبل أن أخرج هذه البلدة من أيدي العرب سنة ١٢٣٤ وإلى الشمال شارات كانو والخط الحديدي يمر في مكان يقال له «نوغلت» Nogalte كان ميدانًا للوقائع الشداد بين عرب غرناظة والمسيحيين وهناك على البحر مرسى آكيلاس. ا.ﻫ. فهذه هي آقلة التي يشير إليها الإدريسي.
(٣٣١) Vera جاء في كتاب «صفة مملكة غرناطة» المنقول عن «معيار الاختبار» لابن الخطيب ما يلي عن بيرة هذه وضبطها بفتح فسكون: «بلدة صافية الجو رحيبة الدور يسرح فيها البعير ويجم بها الشعير ويقصدها من مرسية وأحوازها العير فساكنها بين تجر وابتغاء أجر، وواديها نيلي الفيوض والمدود، مصري التخوم والحدود، إن بلغ إلى الحد المحدود، فليس رزقه بالمحصور ولا بالمعدود، إلا أنها قليلة المطر، مقيمة على الخطر، مثلومة الأعراض والأسوار، مهطعة لداعي البوار، خليفة الحسن المغلوب معللة بالماء المجدوب، آخذة بكظام القلوب، خاملة الدور، قليلة الوجوه والصدور، كثيرة المشاجرة والشرور، وذهل أهلها في الصلاة شائع في الجمهور، وسوء ملكة الأسرى من الذائع بها والمشهور».
(٣٣٢) Carbonéra.
(٣٣٣) Cap De Gata.
(٣٣٤) النهر الذي تشرب منه مرسية كان يقال له في القديم تادر Tader والأسبانيول يقولون له سيغوره Segura والعرب يقولون له شقورة وسيأتي الكلام على شقورة وغيرها تفصيلًا والإدريسي يسميه بالنهر الأبيض ودوزي يقول إن Guadalaviar الذي يمر ببلنسية هو النهر الأبيض وكذلك جاء في دليل بديكر ولكن تعريف Guadalaviar هو وادي الأبيار.
(٣٣٥) يقول الأسبانيول لهذه البلدة شنشيلة Chinchilla وهي على ٢٩٨ كيلو مترًا من مجريط وفيها يتلاقى خطان حديديان خط مرسية وخط قرطاجنة وهي مبنية على رابية عليها حصن وفي جوانبها كهوف يسكن فيها الناس ومنها يمتد الخط الحديدي إلى بلدة يقال لها «ألبره» على نحو ٤٠ كيلو مترًا من جنجالة ثم إلى محل يقال له عند الأسبانيول ألمنصا Almansa ولا شك أنه محرف عن المصنع. جاء في دليل بديكر أن هناك خزانًا بناه العرب طوله ألفا متر وعرضه ألفا متر وعمقه ثمانون مترًا وهو مبني على واد بين جانبيه سد وهو حصن عربي مبني على حجر أبيض مشرف على السهل. قلت ولقد مررت على جنجالة والمصنع في طريقي إلى مرسية وأنا بالقطار وشاهدت هذا الخزان في أثناء المسير. وقد ضبط ياقوت الحموي اسم شنشالة بالتاء فقال شنتجاله وبخط الأشتوى شنتجيل بالياء. وسيأتي ذكرها في موضعه.
(٣٣٦) الخط الحديدي من مرسية يمر على قرية اسمها «غرنجة» ثم على «قلصة» ويقول لها الأسبانيول كاللوزه Callosa وهي بلدة صغيرة منظرها لا يزال عربيًا مبنية بحذاء جندل كبير وفيها بيوت كثيرة منحوتة في الجندل وحولها برتقال ونخل ولم يعرف دوزي قلصه هذه فوضع عليها علامة وقال إن أحرفها غير بينة وكتبها هكذا: Calaca.
(٣٣٧) يأتي المسافر من مجريط قاصدًا إلى ساحل البحر عن طريق جنجالة فيمر ببلدة يقال لها «غيناف» Getafe على ١٤ كيلو مترًا من مجريط وبعد ذلك يمر ببلدة يقال لها «بنتو» Pinto ثم ببلدة يقال لها بلدمورو Valdemoro — ومن المعلوم أن المورو عند الأسبان هو المسلم — ثم إن الخط الحديدي يمر ببقعة مريعة مسقية يقال لها بقعة جرامة Jarama ومن هذه البقعة يصل المسافر إلى نهر تاجه وهناك بلدة يقال لها «أرنجويس» Arenjuez على مسافة ٥٠ كيلو مترًا من مجريط ومنها يصل إلى مدينة قونكة وهي بلدة قديمة جدًا كانت من مراكز العرب استرجعها من أيديهم الأذفونش الثامن سنة ١١٧٧ بعد حصار طويل وهي الآن قسمان المدينة القديمة والمدينة الجديدة وعدد سكانها ١٢ ألفًا والقديمة مبنية على صخور شامخة.
(٣٣٨) هي Huete.
(٣٣٩) أقليش هي Ucles.
(٣٤٠) Nadjda.
(٣٤١) Gadira.
(٣٤٢) Ubeda.
(٣٤٣) Baeza.
(٣٤٤) Andojar.
(٣٤٥) Al-Kosair.
(٣٤٦) Pont D’echtechàn.
(٣٤٧) Almodovar.
(٣٤٨) Aljorf.
(٣٤٩) Lora.
(٣٥٠) Alcolèa.
(٣٥١) Cantillana.
(٣٥٢) Az-Zarrada.
(٣٥٣) Cabtal.
(٣٥٤) Cabtor.
(٣٥٥) Trébugena.
(٣٥٦) يقول الأسبانيول للمساجد صان لوكار San-Locar ويقال أن أصلها Solus Lucos.
(٣٥٧) Ferez.
(٣٥٨) Mula.
(٣٥٩) يقول لها الأسبانيول Almonacid De Zorita.
(٣٦٠) موضوع في الأصل بعد لفظة حصن ثلاث نقط. ثم موضوع جملة «ومن حصن» وبعدها أيضًا ثلاث نقط. وبعدها جملة «إلى طليطلة» وهذا في النسخة المطبوعة في ليدن المترجمة إلى الأفرنسية بقلم دوزي وفي الحاشية مذكور أنه «حصن فنة» أو «قنة» أو «قبه» إشارة إلى أن اللفظة غير محققة. ثم أن دوزي يقول بعد هذا أن هذا البلد هو الذي يقال لها Hita Calatrava.
(٣٦١) قنطرة أشكابة هي Cantarilla.
(٣٦٢) Lebrilla.
(٣٦٣) الحمة يقول لها الأسبانيول Alhama وفي الأندلس حمات متعددة.
(٣٦٤) تقدم ذكرها وسيأتي مرة أخرى.
(٣٦٥) لم يظهر لنا معنى هذه اللفظة ونظنها من تحريف النساخ.
(٣٦٦) Ar-Rataba ومن يقرأ «الرتبة» يظنها لأول وهلة بالضم فالسكون أي المنزلة والحال أنها محركة بفتح الأول والثاني والثالث فالرتبة هي الخلل الذي بين الأصابع.
(٣٦٧) هي التي تقدم ذكرها وتلفظ بفتح أولها وهي غير البيرة المشهورة التي منها مدينة غرناطة.
(٣٦٨) Mujacar.
(٣٦٩) Arrabita.
(٣٧٠) أي أيام دولة المرابطين يوسف بن تاشفين ورهطه.
(٣٧١) إن الشريف أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسني المعروف بالشريف الإدريسي ولد سنة ٤٩٣ للهجرة وفق ١١٠٠ للميلاد وكانت ولادته في سبتة وقد توفي سنة ٥٦٠ للهجرة وفق ١١٦٦ للميلاد وقد حصل العلم في قرطبة ولذلك قيل له القرطبي ولما اتصل بخدمة دجار الثاني ملك صقيلية قيل له الصقيلي وقد صنع لذلك المذكور قبل وفاته بقليل صورة للأرض كانت أكمل ما عرف لذلك العهد وكرة أرضية من فضة وألف كتابه هذا «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» وقد أكمل تأليفه قبل سنة ٥٤٨. وأما استيلاء العدو على مدينة المرية فقد كان يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى سنة ٥٤٢ أي قبل تأليف كتاب الإدريسي هذا بست سنوات واستشهد في وقعة الاستيلاء عليها الإمام الرشاطي المحدث الكبير صاحب كتاب «اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في نسب الصحابة ورواة الآثار» وهو أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي الرشاطي المري جاء في نفح الطيب أنه بعد أخذ النصارى مدينة المرية هذه المرة رجعت إلى ملك المسلمين واستنقذها الله تعالى على يد الموحدين وبقيت في أيدي الإسلام سنين. وكان أول الولاة عليها حين استولى عليها أمير المسلمين عبد المؤمن بن علي رجلًا يقال له يوسف بن مخلوف فثار عليه أهل المرية وقتلوه وقدموا على أنفسهم الرميمي فأخذها النصارى منه عنوة وأحصي عدد من سبي من أبكارها فكان ١٤ ألفًا. قال في النفح: ولما أخذت المرية أقبل إليها السيدان أبو فحص وأبو سعيد ابنا أمير المؤمنين عبد المؤمن فحصرا النصارى بها وزحف إليه أبو عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس محاربًا لهما فكانا يقاتلان النصارى والمسلمين داخلًا وخارجًا. ثم رأى ابن مردنيش العار على نفسه في قتالهما مع كونهما يقاتلان النصارى فارتحل فقال النصارى ما ارتحل ابن مردنيش إلا وقد جاءهم مدد فاصطلحوا ودخل الموحدون المدينة وقد خربت وضعفت إلى أن أحيي رمقها الرئيس أبو العباس أحمد بن كمال واشتهر من ولاتها في مدة بني عبد المؤمن في المائة السابعة الأمير أبو عمران بن أبي حفص عم ملك أفريقية أبي زكريا ثم استبد بأمر المرية أحد بني الرميمي الذين أخذ النصارى البلدة من جدهم ثم آلت إلى بني الأحمر أصحاب غرناطة. ثم ذهبت فيما ذهب من ملكهم عندما انطوى بساط الأندلس والله غالب على أمره. انتهى ملخصًا وسنأتي على هذه الوقائع بتفصيل عندما نصل إلى التاريخ إن شاء الله.
(٣٧٢) Berja.
(٣٧٣) Dalias عند الأسبانيول. وسيأتي ذكر برجة ودلاية.
(٣٧٤) لعله يريد الارتفاع والدوران لأنه طريق في الجبال.
(٣٧٥) لم نهتد إلى معرفة هذه القرية ولا اهتدى دوزي.
(٣٧٦) عندما ذهبنا من مالقة إلى الجزيرة الخضراء بالسيارة الكهربائية على شاطئ البحر لم نكن نجتاز أكثر من خمسمائة متر حتى نرى برجًا مخروطي الشكل على أكمة مشرفة على البحر أشبه بمنارة مسجد. فهذه الأبراج كانت في القديم توقد في رؤوسها النيران إذا طرق العدو البلاد وكانت تقابلها أبراج في الداخل فمتى شاهد الناس النيران خفوا إلى محل الواقعة. وأما البرج الذي يذكره الإدريسي هنا فيقول له الأسبانيول Puenta Elema.
(٣٧٧) هذه القرية هي المرسى الذي ركب منه أبو عبد الله محمد بن الأحمر آخر ملوك المسلمين في الأندلس قاصدًا إلى المغرب فرسى به السفين بمرسى مليلة وهذا حسبما جاء في كتاب «أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر» الذي لم يذكر اسم مؤلفه وقد عثرنا على نسخة منه مطبوعة بمدينة منيخ الألمانية سنة ١٨٦٣ مع ترجمة ألمانية وحواش للمستشرق الألماني «مارك بوس موللر» وطبعناه مضافًا إلى الطبعة الثانية من كتابنا مختصر تاريخ الأندلس تذييلًا على ترجمتنا «لآخر بني سراج» وقد طبع كتابنا هذا أول مرة سنة ١٣١٥ وثاني مرة سنة ١٣٤٣ وسنأثر عنه وعن «أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر» عند الوصول إلى القسم التاريخي من «الحلل السندسية» لا سيما أن مؤلف هذا الكتاب قد ألفه سنة ٩٤٧ أي قبل تأليف نفح الطيب بنحو من ٩٣ سنة وكان حيًا في أثناء الكائنة الأندلسية على أثر سقوط غرناطة واحتضار حشاشة الإسلام في الأندلس كما يظهر من تاريخ كتابه. والأسبانيول يقولون لهذه القرية Adra.
(٣٧٨) هي عند الأسبانيول Torre De Mélicena.
(٣٧٩) هو المسمى Castillo De Ferro.
(٣٨٠) هيPaterna عند الأسبان..
(٣٨١) هي عند الأسبان Salobréna والعرب تقول لها في الغالب «شلوبانية» ونظرًا للإمالة في لهجة الأندلس فقد يقولون «شلوبينية» وهكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان. وأما لسان الدين بن الخطيب فكتبها بالألف لا بالياء وسنذكر وصفه لها وقال ياقوت: هي من أعمال كورة البيرة على شاطئ البحر كثيرة الموز وقصب السكر والشاه بلوط. قال: ينسب إليها أبو علي عمر بن محمد بن عمر الأزدي النحوي إمام عظيم مقيم بأشبيلية وهو حي أو مات عن قريب أخبرني خبره أبو عبد الله محمد بن عبدا لله المرسي يعرف بأبي الفضل وكان من تلاميذه.ا.ﻫ. قلت هو أبو علي الشلوبيني النحوي المشهور وكان يقال له أبو علي الشلوبين وقد مات ياقوت الحموي وهو حي بل أبو علي الشلوبين عاش بعد ياقوت ١٩ سنة لأن ياقوت مات سنة ٦٢٦ والشلوبين مات سنة ٦٤٥ بين يدي حصار الأسبانيول لأشبيلية قبل أخذهم إياها بقليل.
(٣٨٢) يقول لها الأسبانيول Almunécar.
(٣٨٣) شاط يقول لها الأسبانيول Jete.
(٣٨٤) يقول لها الأسبان Turrox.
(٣٨٥) إن دوزي يرى في لفظة «مرية» عند عرب الأندلس معنى البرج الذي «يرى» منه أو الذي توقد فيه النار إذا طرق العدو. فقول الإدريسي «مرية بلش» معناه البرج الخاص بهذا الأمر من أبراج بلش البحرية ويستشهد على صحة رأيه بقول البكري «مرية بجانة» وأما بلش هذه فهي بلش مالقة ويقال لها عند الأسبان Velez ويقال لهذه المرية Torre Del Marre.
(٣٨٦) الأسبان يسمونه Saliha أو Zalia وقد خرب من بعد جلاء العرب عن غرناطة.
(٣٨٧) Al-Fachat.
(٣٨٨) بزليانة عند الأسبانيول Las Ventas De Mesmiliana.
(٣٨٩) قال عنها ابن الخطيب في «معيار الاختبار» ما أقول في الدرة الوسيطة وفردوس هذه البسيطة أشهد لو كانت يومًا لكانت عيدًا في الأيام تبعث لها بالسلام مدينة السلام وتلقى لها يد الاستسلام محاسن بلاد الإسلام أي دار وقطب مدار وهالة أبدار وكنز تحت جدار إلخ، ويكتبها الأسبان Malaga وسيأتي وصفها مشبعًا.
(٣٩٠) ربض فنتانة في مالقة يقول له الأسبانيول Fontanella.
(٣٩١) ربض التبانين أي أصحاب التبن.
(٣٩٢) Bachana أو Bechina.
(٣٩٣) الحمة التي هي هنا هي Al Hamma.
(٣٩٤) بني عبدوس يكتبها الأسبانيول Benabdoux.
(٣٩٥) Monto-Jar.
(٣٩٦) هذه الحمة عرفها دوزي بأنها حمة أو جيجر Hamma Ujijar.
(٣٩٧) أما حمة «وشتن» فلم يعرفها ورجح تصحيف الاسم.
(٣٩٨) Merchena قال في دليل بديكر: مرشانة مدينة قديمة جدًا أهلها اليوم ١٢ ألف نسمة مبنية في مكان مرتفع حولها أسوار مشعثة فيها قصور أدواق أركوس «أركش» وهي ملتقى خطي الحديد بين غرناطة وأشبيلية.
(٣٩٩) هل بالأسبانيBolud.
(٤٠٠) Al-Kosair.
(٤٠١) خندق فبير هو Fabair.
(٤٠٢) Arrataba.
(٤٠٣) Abla.
(٤٠٤) Finana.
(٤٠٥) Conçol.
(٤٠٦) Ferreira.
(٤٠٧) Dilar.
(٤٠٨) Guadix وهي من مشهورات مدن الأندلس قال عنها لسان الدين: هي مدينة الوطن ومناخ من عبر أو قطن للناس ما ظهر ولله ما بطن وضع سديد وبأس شديد ومعدن حديد ومحل عدة وعديد وبلد لا يعتل فيه إلا النسيم ومرأى يخجل منه الصباح الوسيم كثيرة الجداول والمذانب مخضرة الجوانب إلى الفواكه الكثيرة والكروم الأثيرة والسقى الذي يسد الخلة ويضاعف الغلة وسندها (مكان من جبلها وسند الجبل هو ما دنا منه) معدن الحديد والحرير ومعقلها أهل للتاج والسرير وهي دار حساب وإرث واكتساب وماؤها فجاج الجليد وهواؤها يذكي طبع البليد إلا أن ضعيفها يضيق عليه المعاش وناقهها يتعذر عليه الانتعاش وشيخها يخطو على قصبة الارتعاش فهي ذات برد وعكس وطرد إلخ. وسنفي إن شاء الله بوصفها.
(٤٠٩) هي دجمة أو دشمة لا فرق كما يقال أرجدونة وأرشدونة والأسبان يكتبونها Déchima.
(٤١٠) Afraferida.
(٤١١) هي بالأسبانيولي Wod.
(٤١٢) لم يعرفه دوزي ولا نحن عرفنا عنه إلا أنه جبل عاصم.
(٤١٣) يروا: بروا: فروا: بروه غير محقق هذا الاسم.
(٤١٤) الأسبانيول يقولون بازه Baza وهي مدينة قديمة وقد ازدهرت كثيرًا في أيام العرب وسكانها الآن ١٤ ألف نسمة قال لسان الدين عن هذه البلدة: «بسطة بلد خصيب ومدينة لها من اسمها نصيب (أي بسطة) دوحها متدلدل وطيب هوائها غير متبدل وناهيك من بلد اختص أهله بالمران في معالجة الزعفران وامتازوا به عن غيرهم من الجيران يتخلل مدينتها الجدول المتدافع الناقع للغلل النافع، ثياب أهلها بالعبير تتأرج وحورها تتجلى وتتبرج وولدانها في شط أنهارها المتعددة تتفرج ولها الفحص الذي يسافر فيه الطرف سعيًا ولا تعدم السائمة به ريًا ولا رعيًا ولله در القائل:
في بلدة عودت نفسي بها
إذ في اسمها طه وياسين
ألجأني الدر إلى عالم
يؤخذ منه العلم والدين
إلا أن تربتها تفضح البناء، وإن صحبه الاعتناء، فأسوارها تسجد عند الإقامة وخندقها لا كسارها تلقامة، ورياحها عاصفة، ورعودها قاصفة، والعدو فيها شديد الفتكات، معمل الحركات، وساكنها دائم الشكاة، وحدها قليل، وعزيزها لتوقع المكروه ذليل ا.ﻫ. قال هذه الجمل الأخيرة لأنها يوم وصفها ابن الخطيب كانت ثغرًا من ثغور غرناطة. وفتحها فرديناند وإيزابلا سنة ١٤٨٩ قبل فتحهما غرناطة بأربع سنوات ولا تزال المدافع التي فتحها بها معروضة وكنيستها صان مكسيمو هي في مكان المسجد الجامع ولا تزال آثار القصر العربي دار الحكومة ماثلة والخط الحديدي يمر منها إلى وادي آش بين شارات بسطة وجبلكون ويدور حتى لا ينزل إلى الوادي العميق المسمى بالغور Gor.
(٤١٥) يقول له الأسبانيول Tixcar.
(٤١٦) سيرد ذكرها، والأسبانيول يقولون لجيان خيان على عادتهم في قلب الجيم خاء.
(٤١٧) Cour.
(٤١٨) Guadabellon.
(٤١٩) والأسبانيول يكتبونها Baeza وسيأتي ذكر هذه المدن كلها.
(٤٢٠) العرب يقولون كدية للتراب الغليظ الصلب.
(٤٢١) Ubeda بلدة قديمة من زمن الأيبيريين لكنها الآن ساقطة.
(٤٢٢) لم يعرف دوزي ما هو الخلاط الشوذري؟ ولا نحن عرفناه إلا أن يكون محرفًا عن الخليط وهو شراب من تمر وزبيب ويكون أهل هذه البلد يتقنونه فاشتهر بهم.
(٤٢٣) Toyo.
(٤٢٤) بالأسبانيولي «كيساده» Quesada والخط الحديدي يمتد من بياسة إلى أبدة إلى شوذر إلى قيشاطة.
(٤٢٥) سيأتي خبره في باب التاريخ.
(٤٢٦) الأسبانيول يقولون له «درّو» Darro.
(٤٢٧) Xenil.
(٤٢٨) الأسبانيول يقولون: لوجه ويسمونها بسان فرنسيسكو وموقعها جميل في سفح جبل على الضفة الجنوبية من نهر شنيل وكانت أعمر مما هي الآن في أيام العرب وكان يقال أن لوشة والحمة هما مفتاحا غرناطة. وقد استولى فرديناند وإيزابلا على لوشة بمساعدة جيش من الإنجليز وذلك سنة ١٤٨٨ ولا تزال في لوشة بقايا آثار العرب.
(٤٢٩) الأسبانيول يقولون للأكمة التي عليها حصن مالقة Gibral- Faro وليس بينه وبين البحر إلا مسافة أمتار معدودة، وقد صعدت إلى هذا الحصن ورأيته لا يزال على ما كان أيام العرب.
(٤٣٠) قال الشاعر:
مالقة حيـيـت يا تينها
السفن من أجلك يا تينها
نهى طبيبي عنه في علتي
ما لطبيبي عن حياتي نهى!
(٤٣١) هيMarbella على الطريق بين مالقة والجزيرة الخضراء وقد قطعنا هذه الطريق بالسيارة الكهربائية والذي أتذكره أننا بقينا ست ساعات من مالقة إلى الجزيرة.
(٤٣٢) يقول لها الأسبانيول Bobastro أو Barbxter.
(٤٣٣) وقد يكتبها العرب بالجيم أي أرجدونة وهكذا جاءت في «معيار الاختبار» لابن الخطيب الذي هجاها هجوًا مرًا فقال: شر دار، وطلل لم يبق منه إلا جدار، وقومها ذوو بطر وأشر، وشيوخها تيوس في مسالخ البشر … الخ.
(٤٣٤) Ontequera بلدة في سفح شارات توركالس بديعة الموقع وهي بلدة زراعية فيها من السكان ٢٣ ألفًا وفي رأسها حصن عربي قديم وفيها برج يسمى اليوم بلوطة وبقرب هذه البلدة كانت الواقعة التي هزم فيها أبو عبد الله الزغل سلطان غرناطة جيشًا إسبانيوليًا بقيادة سيفونتس وأغيلار وذلك سنة ١٤٨٣.
(٤٣٥) الأسبانيول يكتبون هذا الاسم هكذا: Isnajar.
(٤٣٦) اسم هذه البلدة في القديم إيباغنوم Epagnumm والعرب كانوا يقولون لها باغه والأسبانيول اليوم يقولون لها Priego.
(٤٣٧) بالأسبانيولي Alcabdzac ويقولون أيضًا Alkaudette.
(٤٣٨) إذا جاء المسافر من جيان إلى غرناطة بالسيارة مر بوادي «غراردية» الذي هو إلى الجنوب الشرقي ثم أنه يمر بشارات «اليسانة» ثم بشارات الأنوار حيث هناك منظر جميل من جهة جبل الثلج شلير ثم يمر بشارات البيرة حتى ينتهي إلى مرج غرناطة وأما الخط الحديدي فيمر بغياض الزيتون الخاصة بجيان وينتهي إلى بلدة يقال لها الدون جيميتو ثم يصل إلى «مرتوس» ثم إلى بلدة يقال لها «الكوديت» (ويقال لها النبذاق) ثم يمر بالناحية التي يسقيها وادي الجوز Guadajoz ثم يصل إلى «لك» و«بيانة» LuqueBaena فلك هي Luque قرية إلى الشمال وأما بيانة Baena فهي إلى الجنوب وهي بلدة سكانها ١٥ ألفًا. ومن هناك يمر الخط ببلدة «قبرة» Cabra وأصل اسمها في القديم «إيغابروم» Igabrum وسكانها ١١ ألف نسمة موقعها جميل وهي على الصبب الشمالي من شارات قبرة. ثم يقطع الخط نهر قبرة وشاراتها فيصل إلى اليسانة Lucena وهي اليوم بلدة سكانها ٢١ ألفًا.
(٤٣٩) تقدم ذكر «قبرة» مع بيانة واليسانة.
(٤٤٠) تقدم ذكرها في هذه الصفحة نفسها.
(٤٤١) وهو Aguilar De La Frontera.
(٤٤٢) يقول الأسبانيول لهذا الحصن Monturqne.
(٤٤٣) Santa Ella.
(٤٤٤) الأسبانيول يقولون أسيجه Eciga والخط الحديدي يخرج من قرطبة إلى وادي الجوز Guadajoz ثم إلى «وادي القصر» ثم إلى «كرلوطة» ثم إلى أستجة التي هي على ٥٦ كيلو مترًا من قرطبة وكان الرومان يقولون لها أستيجي Astigi وكان لها عظمة في زمان الرومانيين وأما الآن فهي بلدة صناعية سكانها ٢٢ ألف نسمة وشوارعها لا تزال ضيقة كشوارع المدن العربية وحرها شديد في الصيف وهذا هو السبب في ضيق شوارعها. وأما ضواحيها فعلى خصب عظيم وعلى مقربة منها بلدة يقال لها «لويزيانة» ثم إن الخط الحديدي على مائة كيلو متر من قطربة يصل إلى مدينة «مرشانة» Marchena وهي بلدة قديمة جدًا مبنية على محل عال وحولها أسوار وعلى ١٠٨ كيلو مترات بلدة يقال لها «بردي» Paradas وبعدها بلدة يقال لها الرحل Arahal وعلى مسافة ١٢٨ كيلو مترًا يصل الخط إلى «مورور» وهي على «وادي ياره» ويوجد بقرب شارات مورور حصن عربي ومقاطع للمرمر. ثم يصل الخط إلى أتريرة Utrera ثم إنه من أشبيلية إلى أتريرة يقطع وادي ياره Guadaira بإزاء الوادي الكبير فيمر بمكان يقال له حصن الفرح Aznalfarache ثم ببلدة «كورية» وأما أتريرة فبلدة فيها ١٥ ألف نسمة أهلها زراع ورعاة أغنام. ومن أتريرة يذهب الخط في سهول الوادي الكبير فيمر ببلدة يقال لها «قنطرلة» ثم ببلدة يقال لها عند الأسبانيول «لبريجة» وكان العرب يقولون لها «نبريشة» وأهلها ١١ ألف نسمة ولها كنيسة أصلها جامع. ومنها يمر المسافر بمكان يقال له الكرفو Elcurvo فيرى أثار حصن عربي قديم يقول له الأسبانيول «ملغاريجو» Melgarejo ومن هناك يصل إلى «شريش» والأسبانيول يسمونها خريس Jerez وذلك لأنهم يقلبون الجيم والشين خاءًا وسيأتي الكلام على شريش في مكانه.
(٤٤٥) عند الأسبانيول أوسينا Ossuna يخرج المسافر من قرطبة بالقطار الحديدي القاصد إلى مالقة فيمر على جسر فوق الوادي الكبير طوله ٢٠٠ متر ويخترق ناحية «كامبينا» Campina التي يسقيها وادي الجوز وبعد مسافة ٥٠ كيلو مترًا يمر ببلدة «ممتيلة» Momtilla ثم ببلدة «منت ميور» Montemayor ثم يتقدم إلى مدينة «أغيلار» Agiler وفيها حصن عربي هو حصن بلاي ثم يمر على بحيرتين اسم إحداهما «زونار» والأخرى «رينكون» وبالقرب منهما حصن عربي قديم وعلى مسافة ٧٦ كيلو مترًا بلدة «بنت شنيل» وعلى مسافة ١٠٠ كيلو متر بلدة الروضة Roda وفيها ملتقى الخطين الحديديين خط غرناطة — مالقة وخط أشبيلية — قادس. وكل هذه النواحي ملآى بشجر الزيتون ومن الروضة يذهب الخط الحديدي إلى مرشانة ثم إلى أشونة وهي بلدة رومانية قديمة أعطاها قيصر حقوق المدن الرومانية.
(٤٤٦) هذه التي يقول لها ابن حوقل «غرغيرة».
(٤٤٧) الصدف ككتف بطن من كندة قال الزيدي في تاج العروس في شرح القاموس: ينسبون اليوم إلى حضر موت وإذا نسبت إليهم قلت هو صدفي محركة كراهة الكسرة قبل ياء النسب قاله ابن دريد وأنشد:
يوم لهمدان ويوم للصدف
ولتميم مثله أو تعترف
وقال غيره: هو صدف بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير ابن سبأ. وينسب إليه خلق من الصحابة وغيرهم وقد نزلوا بمصر واختطوا بها ومنهم يونس بن عبد الأعلى الصدفي وغيره ا.هـ. وهذه القرية في الأندلس نزلها أناس من الصدف وعمرت بهم فقيل لها الصدف.
(٤٤٨) الأسبانيول يقولون لها: Siete Filla.
(٤٤٩) لم يعرفها دوزي ولا عرفناها نحن.
(٤٥٠) الأسبانيول يقولون لفرنجلوش Hornachuelos.
(٤٥١) Chouchabil.
(٤٥٢) هذا الحصن اسمه عند الأسبان Mratalla.
(٤٥٣) الأسبانيول أخذوا لفظة السانية فيما أخذوا من لغة العرب وهي الآلة الرافعة للماء وأصلها الغرب مع أدواته والسانية أيضًا الناقة يستقى عليها من البئر من فعل سنا ارتفع ويقال أيضًا سنوت الباب فتحته. والأسبانيول يكتبون السانية: Acéna.
(٤٥٤) قسنطينة الحديد Constantine De Fer.
(٤٥٥) Firriche.
(٤٥٦) Gibralèone.
(٤٥٧) Nacih.
(٤٥٨) يقول دوزي نقلًا عن لابورد Laborde في كتابه«وصف أسبانية» Description De L’Espagne: إن طول مسجد قرطبة في حالته الحاضرة هو ٦٢٠ قدمًا وعرضه ٤٤٠ قدمًا وهكذا قرر ماندوس Mandoz في كلامه عن هذا المسجد. وكان فيه أيام العرب ١٤٠٠ سارية أما الآن فهي ٨٥٠ سارية لا غير كما قال البارون شاك Schack قلت: أخبرني المهندس هرناندز الذي كان دليلي في قرطبة وهو من الموكلين بالجامع الأعظم أن طول المسجد هو ١٧٥ مترًا وأن عرضه ١٢٥ مترًا وأخذ القلم وحسب ذلك بالتربيع فوجد أن المسقف والصحن يتسعان لثمانين ألف مصلي، أما لافي بروفنسال المستشرق الإفرنسي صاحب «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» فقال إن: طول المسجد هو ١٨٠ مترًا وعرضه ١٣٠ وسنذكر فيما سيأتي أثناء الكلام على قرطبة كل ما يتعلق بهذا المسجد.
(٤٥٩) الصنوبر الطرطوشي مضرب الأمثال في الصلابة والثبات هذا وقد نقل المقري في النفح كلام الإدريسي هنا ملخصًا فقال: وقال بعض المؤرخين حين ذكر قرطبة ما ملخصه: هي قاعدة بلاد الأندلس ودار الخلافة الإسلامية، وهي مدينة عظيمة وأهلها أعيان البلاد وسراة البلاد في حسن المآكل والمشارب والملابس والمراكب وعلو الهمم وبها أعلام العلماء، وسادات الفضلاء، وأجلاد الغزاة وأنجاد الحروب، وهي في تقسيمها خمس مدن يتلو بعضها بعضًا، وبين المدينة والمدينة سور عظيم حاجز، وكل مدينة مستقلة بنفسها، وفيها ما يكفي لأهلها من الحمامات والأسواق والصناعات، وطول قرطبة ثلاثة أميال في عرض ميل واحد، وهي سفح جبل مطل عليها، وفي مدينتها الثالثة وهي الوسطى القنطرة والجامع الذي ليس في معمور الأرض مثله، وطوله مائة ذراع في عرض ثمانين، وفيه من السواري الكبار ألف سارية، وفيه مائة وثلاثة عشر ثريا للوقود، أكبرها تحمل ألف مصباح. وفيه من النقوش والرقوم ما لا يقدر أحد على وصفه، وبقبلته صناعات تدهش العقول، وعلى فرجة المحراب سبع قسيّ قائمة على عمد، طول كل قوس فوق القامة، قد تحير الروم والمسلمون في حسن وضعها. وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة اثنان أخضران، واثنان لازورديان. ليس لهما قيمة، لنفاستهما، وبه منبر ليس على معمور الأرض أنفس منه ولا مثله في حسن صنعته، وخشبه ساج وآبنوس وبقم وعود قاقلي، ويذكر في تاريخ بني أمية أنه أحكم عمله ونقشه في سبع سنين، وكان يعمل فيه ثمانية صناع، لكل صانع في كل يوم نصف مثقال محمدي، فكان جملة ما صرف على المنبر لا غير عشرة آلاف مثقال وخمسون مثقالًا. وفي الجامع حاصل كبير ملآن من آنية الذهب والفضة لأجل وقوده، وبهذا الجامع مصحف يقال إنه عثماني، وللجامع عشرون بابًا مصفحات بالنحاس الأندلسي، مخرمة تخريمًا عجيبًا بديعًا، يعجز البشر ويبهرهم، وفي كل باب حلقة في نهاية الصنعة والحكمة، وبه الصومعة العجيبة التي ارتفاعها مائة ذراع بالمكي المعروف بالرشاشي، وفيها من أنواع الصنائع الدقيقة ما يعجز الواصف عن وصفه ونعته. وبهذا الجامع ثلاثة أعمدة حمر مكتوب على الواحد اسم محمد، وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف، وعلى الثالث صورة غراب نوح، والجميع خلقة ربانية.
وأما القنطرة التي بقرطبة فهي بديعة الصنعة، عجيبة المرأى، فاقت قناطر الدنيا حسنًا. وعدة قسيها سبعة عشر قوسًا سعة كل قوس منها خمسون شبرًا، وبين كل قوسين.خمسون شبرًا. وبالجملة فمحاسن قرطبة أفضل المحاسن، وأعظم من أن نحيط بها وصفًا انتهى ملخصًا وهو وإن تكرر بعضه مع ما قدمته فلا يخلو من فائدة زائدة والله الموفق.
وما ذكره في طول المسجد وعرضه مخالف لما مر، ويمكن الجواب بأن هذا الذراع أكبر من ذلك، كما أشار إليه هو في أمر الصومعة، وكذلك ذكره في عدد السواري، إلا أن يقال: ما تقدم باعتبار الصغار والكبار، وهذا العدد الذي ذكره هنا إنما هو للكبار فقط كما صرح به والله تعالى أعلم. وأما الثريات فقد خالف في عدها ما تقدم، مع أن المتقدم هو قول ثقات مؤرخي الأندلس، ونحن جلينا النقل من مواضعه وإن اختلفت طرقه ومضموناته انتهى. قلت: أي من قرأ هذا التلخيص، وكان طالع جغرافية الشريف الإدريسي، يعلم أن هذا النقل الذي نقله المقري، إنما نقله عنه ولكن ملخصًا كما صرح هو بذلك. ولم نعلم سبب تحامي المقري نسبة هذا النقل والتصريح باسم الكتاب الذي نقل عنه. وعلى كل حال فظاهر للعيان أن الكلام ملخص عن «نزهة المشتاق في اختراقه الآفاق» غير أنه لا بد هنا من بعض ملاحظات: الأولى: أن هناك غلطًا في النسخ، إما في كتاب الإدريسي أو في كتاب نفح الطيب نفسه، مثل أن الجامع الأعظم طوله مائة ذراع في عرض ثمانين، والحال أن الإدريسي كما في نسخة باريز ونسخة أوكسفورد لم يقل مائة ذراع، وإنما قال مائة باع مرسلة في ثمانين باعًا. والفرق بين الباع والذراع غير خافٍ على أحد. وأنه يستحيل قول الإدريسي أن الجامع هو مائة ذراع في ثمانين، لأن الإدريسي عرف قرطبة بنفسه، ووصف المسجد الأعظم وصف من رأى لا من سمع، فلا يمكن أن يقع في خطأ فظيع كهذا. ولقد أشار المقري بأنه يمكن أن يكون هذا الذراع الذي ذكره الإدريسي أكبر من الذراع الذي حسب بموجبه غيره من المؤرخين، ممن ذكروا أن طول الجامع من القبلة إلى الجوف ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا وعرضه من الغرب إلى الشرق مائتان وخمسون ذراعًا، فمهما كان هذا الذراع يزيد على ذلك الذراع فيبقى البون شاسعًا، والصحيح أن الإدريسي إنما قال مائة باع في ثمانين، لا مائة ذراع في ثمانين. والملاحظة الثانية: هي في اختلاف عدد الثريات، فالإدريسي يقول مائة وثلاث عشرة ثريا، وهو مخالف لما قاله غيره، مثل ابن الفرضي مثلًا الذي قال أنها مائتان وثمانون ثريا، ومثل ابن سعيد الذي نقل عن ابن بشكوال فقال أنها مائتان وأربع وعشرون ثريا. وليس الاختلاف هنا بشيء فإن الثريات هي مما يزيد وينقص بحسب الوقت، لأنها آنية منقولة وليست من قبيل المساحة التي هي شيء ثابت محسوس. وتأويل هذا الفرق هو أنه يوم عرف الإدريسي مدينة قرطبة لم يكن في الجامع الأعظم أكثر من ١١٣ ثريا، فإن الإدريسي نفسه ذكر كون قرطبة لعهده قد انتقصت منها الحوادث بتوالي الفتن، ونزح أهلها إلى اليسير، فلا جرم أن النقص الذي لحق بأهلها وبكل شيء يخصها قد وصل إلى ثريات جامعها، فسقط عددها إلى النصف مما كانت كما سقط عدد الخدمة في الجامع فقد ورد في كلام ابن الفرضي أنه كان يتصرف في المسجد بين أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسدنة وموقدين مائة وتسعة وخمسون شخصًا. وروى غيره أنهم كانوا ثلاثمائة، والحال أن الإدريسي لا يذكر غير ستين شخصًا فيظهر أن هذا العدد هو الذي كان في زمانه، أي بعد تقلص العمران في قرطبة.
والملاحظة الثالثة: هي من جهة سقوط كلمات في النسخ أو اختلافها، ففي نسخة نفح الطيب يقول نقلًا عن الإدريسي إنه كان يعمل في المنبر ثمانية صناع. وفي نسختي باريز وأكسفورد يقول ستة، وفي نسخة نفح الطيب يقول: وفي الجامع حاصل كبير ملآن من آنية الذهب والفضة لأجل وقوده. وفي نسختي باريز وأكسفورد يزيد على الذهب والفضة لفظة المسك. وفي نسخة نفح الطيب يذكر أن الصومعة ارتفاعها مائة ذراع بالمكي المعروف بالرشاشي. والحال أنه في النسختين المذكورتين يذكر الرشاشي بدون المكي. والملاحظة الرابعة: هي أنه في نسخة نفح الطيب يقول: إن في الجامع ثلاثة أعمدة حمر، على الواحد اسم محمد وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف، وعلى الثالث صورة غراب نوح. وهذا لا يوجد في النسخة التي نقلنا عنها المطبوعة في ليدن وفقًا لنسختي باريز وأكسفورد، والخبر كله غريب، لأن التصوير مكروه، ولا سيما في المساجد. وقد أوردنا هذه الملاحظات لأجل الاستدلال على ما بين النسخ من الاختلافات فليكن الراوي من النسخ على حذر، ولا يجوز له أن يجزم بخبر إلا بعد أن ينخل رواياته نخلًا دقيقًا، ويقابل بينها بأجمعها فيعتمد على المتواتر الذي أجمع عليه الرواة أو الذي ترجح بالأقل لدى الجمهور وبالأخص على ما طابق المحسوس.
(٤٦٠) الذراع الرشاشي يقال أنه الذراع المكي وهو ثلاثة أشبار.
(٤٦١) قد ترجم دوزي «الأحجار القبطية» بالأحجار المصرية وقال عن «العمد الجاشية» لعلها مصحفة وأصلها «الخاشنة» ونحن نقول: لم يرد استعمال «الخاشنة» وإنما يقولون «الخشنة» وترى الأقرب أن تكون هذه اللفظة بالسين المهملة لا بالشين المعجمة وأنها «الجاسية» أي الصلبة.
(٤٦٢) لا تزال جدران المطاحن قائمة إلى الآن وإليها أشرت بقولي في القصيدة التي نظمتها يوم زرت قرطبة.
وتلك الطواحين الشهيرة لم تزل
كأن تركوها أمس لم تتغير
ومنها:
ولما رأيت المسجد الجامع الذي
بقرطبة من فوق فوق التصور
عضضت على كفي بكل نواجذي
وقلت لعيني اليوم دورك فاهمري
وسنذكرها كلها في محلها.
(٤٦٣) Arlech.
(٤٦٤) يقول الأسبان لدار البقر Castillo Del Bacar.
(٤٦٥) Bedroches جاء في دليل بديكر أن الخط الحديدي من مجريط إلى بطليوس يمر بقرية «غيتاف» Getafe وتكون وراءه جبال وادي الرمل Guadarrama ثم يصل الخط إلى بلدة «القدور» Algodor ومنها يتشعب خط كستيليجو — طليطلة. ثم يجتاز الخط شعاب جبال طليطلة الفاصلة بين وادي تاجة ووادي يانة ثم يمر ببلدة «الموناسيد» Almonacid وفيها حصن عربي، ثم ببلدة «ماسكاراك» Mascaraque ثم ببلدة «مورة» Mara وفيها بقايا حصن وهي على ٩١ كيلو مترًا من مجريط ثم ببلدة «أورغاز» Orgaz وفيها أيضًا حصن كبير ثم ببلدة «منسنيق» Manzanéque ثم «ايبانش» Ybenes وعن يمينه «وادي الأرزة» Guadalerza ثم ببلدة «أورده» Urda ثم يصل إلى بلدة ريال Giudad Real التي بقربها بلدة «الأرك» Alarcos وهذه الشهيرة بالوقعة التي انتصر فيها الموحدون على الأذفنش الثامن صاحب قشتالة سنة ١١٩٥ ثم يمر بأرض قلعة رباح ثم ببلدة «برتلانو» Puertellano ثم ببلدة اسمها «المدور» (غير حصن المدور الذي هو من عمل قرطبة) ثم ببلدة «صان كنتين» San Quintin ثم «ببلد نيباش» Valdepénas بقرب مشتى يقال له وادي الكذية ثم يصل بعد ٢٧١ كيلو مترًا من مجريط إلى المعدن Almaden وفيها حصن عربي وفيها معدن من أغنى معادن الزئبق في العالم ومن هناك يمر الخط بين «شيليون» Chillon و«بطروس» Pedroches بواد اسمه «وادي الميس» Guadalmez ويدخل في عمل قرطبة فيمر ببلدة «بلال قصر» Belalcasar ثم ببلدة «المورشون» Almorchon حيث يتشعب من الخط شعبة إلى قرطبة. وعلى مسافة ٤٠٨ كيلو مترات يصل إلى «مدلين» Medellin وعلى ٤٥١ كيلو مترًا يصل إلى ماردة ا.هـ. محصلًا. ثم قال دوزي: إن البلوط الذي نسبه الإدريسي إلى بطروس يترجح أنه الكستنا لا البلوط المعهود واستدل على ذلك بأن بطره القلعي يسمى الكستنا بطروش.
(٤٦٦) يقول الأسبان لغافق Ghafic.
(٤٦٧) في النسخة التي ترجم عنها دوزي يقول: «ينافرون أرضهم ويتحامون عنهم» ولا معنى هنا لجملة «ينافرون أرضهم» والأقرب أن تكون «يناحرون أرضهم» أي هم ساكنون في نحر أرضهم ولكنهم لشدة بأسهم تراهم يتجنبون التعرض لهم.
(٤٦٨) جبل عافور لم يعرفه دوزي ولا نحن اهتدينا له وإنما نعلم أن العرب تقول: وقع في عافور أي في شر وعفار ومثله وقع في عاثور.
(٤٦٩) Calatrava.
(٤٧٠) يظن دوزي أن «بنذر» مصحف عن «بنبذر» إذ هناك نهر بهذا الاسم Benbezar.
(٤٧١) لم نعلمه ولا عرفنا حقيقة الاسم.
(٤٧٢) هو الذي يقول له الأسبان Alenje.
(٤٧٣) نقل لافي بروفنسال كلام الإدريسي هذا إلى كتابه عن أسبانية.
(٤٧٤) أقمت بجزيرة ميورقة عشرين يومًا وجولت فيها، ولشدة ما استلطفتها أخذت عنها معلومات كثيرة، واقتنيت كتبًا من تاريخها بالأسبانيولي، وجمعت أسماء العلماء والأدباء الذين نبغوا من أهلها من عرب وأسبانيول، وعزمت أن أفردها بتاريخ هي وشقيقتها مينورقة ويابسة واسميه «الأصول المعرقة والغصون المورقة في محاسن جزيرة ميورقة» ولعله يكون جزءًا من هذه الموسوعة إن شاء الله.
(٤٧٥) إن الجوهري كان فارسيًا فلما ألف كتابه الصحاح في لغة العرب قيل إنه قال لهم: خذوا لغتكم عن هذا الرجل الأعجمي. فجعلت أنا هذه الجملة من قبيل المثال. ولما طبعت كتابي هذا طبعته الثانية بمطبعة المنار وكان الأستاذ الأكبر فقيد الإسلام في هذا العام السيد محمد رشيد رضا رحمه الله هو المتولي تصحيح الطبع أخذته الغيرة من جملتي هذه فعلق عليها في الحاشية ما يلي: يعني أخذ العرب لغتهم عن الجوهري وهو أعجمي النسب. ولكنه صار من العرب لغةً وأدبًا ودينًا وكتابه الصحاح أحد معاجم اللغة وقد ألف العرب قبله وبعده معاجم تغني عنه وليس فيه شيء لا يوجد في غيره. ا.هـ. قلت وهذا لا يمنع من أن تكون تلك الجملة قد قيلت وأن يكون المثال مطابقًا للحال.
(٤٧٦) كنت يومئذ أظن ذلك ولكني لم أجد هذه الضالة بعد البحث والاستقراء إلا ما كان من وجداني «أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر» وكتاب محمد بن عبد الرفيع الأندلسي المتوفى عام اثنين وخمسين وألف أي بعد الجلاء الأخير بخمس وثلاثين سنة اطلعت منه على فصل نقله عنه الشيخ أبو عبد الله محمد أبو جندار في كتابه «تاريخ رباط الفتح» وشيأ من «أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض».
وعلى كل حال فقول المستشرق «لافي بروفنسال» Lévi-Provençal في الإنسيكلوبيدية الإسلامية L’Encyclopédie De Lislam إن نفح الطيب هو الوثيقة الوحيدة التي في أيدينا عن حادثة خروج العرب النهائي من أسبانية ليس بصحيح.
(٤٧٧) هذه من الروايات التي هي أشبه بالأساطير.
(٤٧٨) هذا القول ليس كالذي قبله بل هو في غاية الصحة.
(٤٧٩) عندما كنت في غرناطة نازلًا في فندق الحمراء أحسن فنادقها كنت أسأل عن الأماكن والبقاع دليل ذلك الفندق وكان من الأدباء فقلت له ذات يوم: جئت إلى أسبانية من جهة فرنسا فكنت أظن أن سكان الصقع الشمالي منها أوضأ وجوهًا وأشرق جمالًا من سكان الجنوب فرأيت الأمر بالعكس إذ أني كنت كلما تقدمت إلى الجنوب أرى الوجوه. أحسن والقدود أرشق والنعمة أظهر. فأجابني فورًا: هذا صحيح يعلمه كل أحد وذلك لأننا نحن في الجنوب عرب.
(٤٨٠) يريد أنها موازية للشام وأنهما على خطٍ واحد ومن المعلوم أن القطر الشامي هو في الجغرافية مثال الاعتدال.
(٤٨١) لليونانيين في أسبانية آثار لا تنكر، لكنها لا تذكر بالقياس إلى آثار الفينيقيين والقرطاجنيين والرومان والذي يلوح لنا أن أبا عبيد البكري حمل أكثر ما في أسبانية القديمة من الآثار على تأثير اليونانيين، وهذا خطأ، أو أنه خلط بينهم وبين الفينيقيين والقرطاجنيين والرومان. والحقيقة أن اليونانيين جاءوا إلى السواحل الأسبانية من جهة البحر المتوسط، ويظن أن انتجاعهم لهذه السواحل وقع بين سنة ٦٣٠ وسنة ٥٧٠ قبل ميلاد المسيح، ولم ينحصر تبسطهم في سواحل البحر المتوسط، بل اخترقوا بحر الزقاق، وامتدوا على سواحل غاليسية وقنتبرية، ومع هذا فأكثر ما كانت لهم مستعمرات هو في السواحل الشرقية التي هي اليوم سواحل كتلونية إلى بلنسية ودانية. وكانوا يسمون مستعمراتهم هذه أمبورياس Ampurias وتوابعها، ومنها كانوا يتقدمون إلى الداخل لأجل التجارة مع الأيبيريين، وأكثر ما بقي عنهم من الآثار إنما وجد في خرابات أمبورياس وروزاس، وهي من آنية الزجاج، ومن الفخار الملون، ومن الحلي، ومن بعض التماثيل، مثل تمثال اسكولاب المحفوظ في متحف برشلونة، ووجدت أيضًا بعض قطع من الفسيفساء، ووجدت مسكوكات مضروبة في أمبورياس وروزاس اللتين يظهر أنهما أول المدن الإسبانية التي وقع فيها ضرب السكة، وكان لليونانيين في أمبورياس وروزاس ودانية معابد للآلهة ديانة Diane التي هي من معبودات آسيا في الأصل.
(٤٨٢) إن الذي أثر الآثار العظيمة في طركونة الباقية إلى يومنا هذا تدهش الناظر وتذهل الخاطر، إنما هو أغسطوس الروماني الذي أقام بها سنة ٢٦ قبل المسيح، فبنى فيها الهيكل العظيم لعبادة الآلهة رومة، وكانت فيها هياكل أخرى وأبنية يقصر عنها الوصف. وأما قادس فقد كان استولى عليها الفينيقيون، ثم آلت إلى الرومانيين، وسكن بها أناس من اليونانيين، وترك الجميع فيها آثارًا مذكورة. وهيكل قادس المشهور عند العرب بصنم قادس هو من آثار الفينيقيين.
(٤٨٣) أما أربونة Narbonne فغير داخلة في الجزيرة الأيبرية وأما برشلونة فهي داخلة فيها لأن كل ما هو جنوبي جبال البرانس هو داخل في الجزيرة.
(٤٨٤) كلا لجبال البرتات ليست بين طركونة وبرشلونة بل هي إلى الشمال منهما وهي الحاجز بين الأندلس والأرض الكبيرة.
(٤٨٥) Santiago.
(٤٨٦) Grande–Bretagne.
(٤٨٧) إن سكان أسبانيا الأصليين لم يتركوا كتابات تاريخية ولا جغرافية عن بلادهم، كما يصرح به الأستاذ رافائيل بالستر Ballester أحد علماء التاريخ في أسبانية الذي ألف أحسن تاريخ لتلك المملكة، ونشر كتابه سنة ١٩١٧، ثم أعيد طبعه مرارًا، لإقبال الناس عليه، بما فيه من تحقيق وتمحيص، واختصار لا يفوت معه معنى مهم، واجتناب الخوض في ما لم يثبت بطريقة علمية. فهو الذي يقول: إن جميع ما ورد من المعلومات القديمة عن أسبانية إنما جاء في كتب الرومان واليونان، وهي أيضًا معلومات ناقصة، ومنها ما ليس مستندًا إلى وثائق يركن إليها. ثم قال إن أقدم كتاب ورد فيه ذكر أسبانية هو كتاب الأوديسه Odyssée المنسوب إلى هوميروس، وهو ديوان شعر شهير، وقد جاء فيه ذكر أسبانية تحت اسم «سيكانيه» Sicania وأنها بقعة خصيبة في أقصى المغرب. وفي المائة الخامسة قبل المسيح كان اليونان يعرفون جنوبي أسبانية، ويسمون ذلك القطر ببلاد تارتسيد Tarteside ويعرفون أيضًا القسم الشرقي من أسبانية، ويقولون له «أيبيرية» نسبة إلى نهر أبره، وقد شمل هذا الاسم فيما بعد سائر شبه الجزيرة الأيبيرية. أما اسم «اسبيرية» Hespéria فيظهر أنه كان اسمًا شعريًا أطلقه اليونان على جميع الأقاليم الغربية. ولم يكن جغرافيو اليونان بادئ ذي بدئ يعرفون خليج غشقونية Gascogne، وكانوا يظنون أن أسبانية إنما هي على مساواة غالية، أي جنوبي فرنسا. وبقي الأمر كذلك إلى القرن الرابع قبل المسيح، فجاء سائح اسمه بيتياس Pythéas فاطلع على أن في شمالي أسبانية إلى الغرب بحرًا يجعل أسبانية عبارة عن شبه جزيرة.
ومن ذلك الوقت صار يقال لأسبانية شبه الجزيرة الأيبيرية. وأول ما عرف الأقدمون من أسبانية هو السواحل الجنوبية والشرقية، أي من جبال البيرانس إلى أعمدة هرقل التي هي بوغاز جبل طارق، وأما السواحل الجنوبية فكانت عندهم تنتهي برأس سان فنسان Saint-Vincent كما أن الساحل الشمالي كان ينتهي برأس أورتغال Ortegal فكان الأولون يتصورون سواحل أسبانية من جهة الجنوب تصورًا صحيحًا، أما من جهة الغرب فكانت في تخيلهم أقصر مما هي في الواقع. فأما أواسط أسبانية فلم تعرف إلا في المائة الثانية قبل المسيح. قال المؤرخ رافائيل بالستر: إن بين أسبانية وأفريقية تشابهًا عظيمًا من الجهة الجغرافية، وقال أيضًا إن أحسن وصف لأسبانية مما تركه الأقدمون هو ما جاء في كتاب سترابون الجغرافي اليوناني الذي وجد قبل المسيح بقرن واحد.
(٤٨٨) بضم أوله هو الحمض الذي يغسل به الأيدي وقد يكسر أوله.
(٤٨٩) سهو من الناسخ فإن نربونة تقابل البحر المتوسط.
(٤٩٠) المغاربة والأندلسيون يقولون للشمال الجوف كما تقدم الكلام عليه وسنعود إليه.
(٤٩١) أظن أنه المكان الذي يقول له الأسبانيول Agredas.
(٤٩٢) Ebro.
(٤٩٣) Santa Maria.
(٤٩٤) يكتب بالأفرنسية هكذا Tyrrhenienne وهو البحر الذي يفصل بين إيطالية وقورسقة وسردانية وصقلية.
(٤٩٥) تقدم لنا أن إخواننا المغاربة اصطلحوا على تسمية الشمال بالجوف، وأننا بحثنا كثيرًا حتى نعلم وجه هذه التسمية، لأنه ليس في كتب اللغة ما يدل على أن الجوف يعني به الشمال، بل الجوف في اللغة هو المطمئن من الأرض، وهو داخل الشيء: فمن الإنسان بطنه، ومن البيت داخله. ولا مناسبة بين الشمال والجوف في شيء. ومع هذا فلا تكاد في جميع كتب الأندلس تجد معنى الشمال معبرًا عنه بغير الجوف، مما حدانا أن نسأل إخواننا المعروفين بسعة الاطلاع في اللغة، وأصالة الرأي في توجيه معاني الألفاظ، وعما يرونه من وجه هذا الاصطلاح، فالسيد علال الفاسي من رؤوس أدباء المغرب، رأى كما تقدم الكلام عليه، أن الجوف بلاد واقعة في شمالي مكة فكما أن الجنوب يسمى بالقبلة في بلاد الشام، أصبح الجوف علمًا على الشمال بالنسبة إلى أهل الحجاز، ومن هنا غلب هذا الاستعمال في المغرب والأندلس. وقد استحسن هذا الرأي الأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي رئيس المجمع العربي في دمشق. وأما الأستاذ الأب انسطاس الكرملي فمال إلى القول بأن الذين أطلقوا الجوف على الشمال لا بد أن يكونوا أهالي شمالي أفريقية لأن الريح الشمالية تهب عليهم من جوف البحر المتوسط فصار كل شمالي عندهم جوفًا. ثم أنه جاءني جواب في هذا الموضوع من الأستاذ الشيخ خضر حسين التونسي يقول فيه: إن أهل تونس كما يسمون الجنوب بالقبلة، يسمون الشمال بالجوف. وتجد هذا الاستعمال فاشيًا في تحديد الأرضين، ويظهر أنه جاء إلى تونس من الأندلس، وكنت أخبرت الأستاذ الخضر عما ظهر للأستاذ علال الفاسي من جهة هذا الاستعمال ففي جوابه قال لي أنه قد خطر ذلك على باله، ولكن لم يطمئن إليه لأن هذه الكلمة بهذا المعنى لم تستعمل إلا بالمغرب والأندلس. ويظهر أن أصل استعمالها هو في الأندلس، فربما كان السبب فيه أن العرب دخلوا الأندلس من جهة الجنوب، فكان الجوف عندهم هو داخل البلاد، وهو في الشمال كما لا يخفى، فصار الشمال عندهم مرادفًا للجوف.
وأما كاتب هذه السطور فقد كنت من أول الأمر أظن أن العرب لما كانوا قد دخلوا الأندلس من الجنوب، وتوغلوا فيها إلى الشمال، وصلوا إلى ما يسمونه بالأرض الكبيرة، شمالي البرانس، وهي وسط القارة الأوروبية، لا طرفها كما هي أسبانية فصاروا يقولون للأرض الكبيرة جوفًا، ولما كانت الأرض الكبيرة هي في الشمال نحرًا، صار الشمال والجوف عندهم مترادفين. وقد جاءني من السيد علال الفاسي مؤخرًا كتاب يقول فيه: «وأما رأيكم فقد وجدت ما يستأنس له به في كلام ابن خلدون فقد جاء عنده في صفحة ٣٠٣ ما لفظه: «وقال هوروشيوش أن نيرون قيصر انتفض عليه أهل مملكته، فخرج عن طاعته أهل بريطانية من أهل الجوف، ورجع أهل أرمينية والشام إلى طاعة الفرس» ا.هـ.
وخلاصة القول أن الأستاذين عبد القادر المغربي وعلال الفاسي يميلان إلى القول بأن الجوف استعمل للشمال لوقوع بلاد الجوف في شمالي مكة، كما استعملت القبلة لمعنى الجنوب لوقوعها في شمالي الشام، وأن العلاّمة الكرملي يرى التسمية المذكورة بدأت عند أهل شمال أفريقية، لكون الرياح الشمالية تهب على بلادهم من «جوف» البحر المتوسط، وأن العلامة خضر حسين التونسي يذهب إلى رأي قريب من رأي هذا العاجز، وهو أن العرب جاؤوا الأندلس من الجنوب، فكان داخلها أو جوفها هو الشمال في نظرهم، وفي الواقع، فأطلقوا كلمة الجوف على كل ما هو شمالي. وإنما الفرق هو في أني أنا أظن أن الجوف عند العرب لم يكن جوف الأندلس نفسها، ولكن جوف القارة الأوربية كلها، لأن الأندلس في ذاتها هي طرف بالنسبة إلى القارة المذكورة، فالأندلس وجزر البحر المتوسط وإيطالية هي بالنسبة إلى أوروبا معدودة من الأطراف، والجوف هو وسط القارة. ولما كان هذا الوسط هو في الشمال بالنسبة إلى أهل المغرب وعرب الأندلس، فقد أطلق هؤلاء اسم الجوف على الشمال وكلام ابن خلدون فيه ما يدل على هذا، لأنه يذكر انتقاض أهل بريطانية، وهم أهل شمالي فرنسا وجزيرة انجلترا، ويعدهم أهل وسط أوروبا فهذه هي الآراء المختلفة في هذا التوجيه وللقارئ أن يختار منها ما يشاء.
(٤٩٦) أي أهل أفريقية. وهذا الرأي الذي قاله ابن النظّام معروف في أوروبا. قال رافائيل بالاستر في تاريخ أسبانية ما خلاصته: إن الذين عمروا أسبانية قبل الجميع هم الليقوريون Ligures والأيبيريون Ibères والسلتيون Celtes فأما أصل الليقوريين فمجهول، ولا يعرف وجودهم إلا من بعض أسماء البقاع، وكل ما يقال عن أصلهم فهو رجمٌ بالغيب: وأما الأيبريون فقد ذهب قوم إلى أن أصلهم هو من آسيا، وقيل إنهم من أصل سامي أفريقي، وذلك لشدة التشابه بين الأيبريين وبين قبائل الأطلس، والبرابر والطوارق، سواء في الملامح، أو في المنازع والأخلاق ومن المؤرخين من يرى أن الأيبيريين هم أجداد الباشكنس الحاليين، ويستدلون على هذا ببعض أدلة لغوية. أما السلتيون فهم شعب طرأ من آسيا على غربي أوروبا والوسط منها وقد انتجعوا أسبانية في القرن السادس قبل المسيح، وأقاموا بغربيها وموسطتها، وتلاقوا مع الأيبيريين، ولم يطرد أحد الفريقين الآخر. وكانت نتيجة تساكن هذين العنصرين تولد اسم «السلتيبير» Celtibères أي السلتي الأيبيري وهو اسم أطلق على الأيبيريين الذين في أواسط أسبانية وقد عرف هذا الاسم منذ سنة ٢١٨ قبل المسيح وبالاختصار كانت أسبانية لذلك العهد منقسمة إلى ما يلي:
القسم الشمالي الشرقي الذي يقطنه الباشكنس، مثل بيسقاية ونبارة، ووشقة، والفاردول Vardules في «قيبوسقوا» Guipuzacoa. الإيلرجيت Illergetes وفي لاردة. والكوزيتان Cosétanes في طركونة واللاسيتان Lacétanes في برشلونة والأوسيتان Ausétanes، والإنديجيت Indigétes في جرنده Géronne، والإيديتان Edetanes في بلنسية، والباستيتان Bastitans في لقنت ومرسية، والتردينان Turdetans والتردول Turdules والتارتيز Tarteses في الجنوب من بوغاز جبل طارق إلى وادي يانه Guadiana. ثم القسم المتوسط، وسكانه الأوريفان Orétans في جهات المانش. والكاربيتان Carpétans في طليطلة. والأريتاك Arévaques في شوريه Soria ونومانسيه Numaucia مع المقاطعات السلتيبرية الممتدة من الوادي الجوفي Dourv إلى أرض بالنسية Palencia (هي غير بلنسية Valencia) حيث يسكن الفاسيون Vacéens.
ثم القسم الثالث الذي يقطنه القنتبريون Cantabres أهل سنت اندر (أو شنت أدرم) والاستوريون Astures (أو الاشتوريون) والغاليسيون Gallaiques أهل غاليسيا Galicia وقبائل سلتية ساكنة بين البحر المحيط والوادي الجوفي والأمة التي يقال لها اللوزيتانيون Lusitaius وهم أقوى أمة ايبرية بين الوادي الجوفي ووادي يانة أي البرتغال وشمالي الاسترامادور. وإلى الشرق من لوزيتانية كان يسكن الفوتونيون Vettons وكان في جزيرتي ميورقة ومينورقة قوم يقال لهم «الجيمناز» Gimnèses وفي جزيرة يابسة قوم يقال لهم «البيتيوز» Pytieuses.
(٤٩٧) لم نعثر على شيء من هذا في كلام المحققين.
(٤٩٨) جاء ذكر طالقة هذه في معجم البلدان لياقوت قال: طالقة ناحية من أعمال أشبيلية بالأندلس. وقرأت أسماء علماء من العرب منسوبين إلى طالقة.
(٤٩٩) تصغير قلة بمعنى جرة.
(٥٠٠) المعروف أن الذي فتح بيت المقدس من ملوك بابل هو نبوكد نصر الثاني ابن نابوبول صر وكان قد خلف أباه سنة ٦٠٤ قبل المسيح وهو الذي حصر بيت المقدس مرتين سنة ٥٩٧ ثم سنة ٥٨٦ وسبى بني إسرائيل السبي الشهير المعروف بسبي بابل.
(٥٠١) هذه كلها من أساطير الأولين.
(٥٠٢) ومتى اجتاز بهم الإسكندر؟
(٥٠٣) بمقتضى هذه الأساطير يكون الإسكندر اتقى الضرر الأخف بالضرر الأشد.
(٥٠٤) يعنون بالشريف الشريف الإدريسي.
(٥٠٥) برجان بالجيم بلد من نواحي الخزر، قاله ياقوت في معجم البلدان، قال المنجمون هو في الإقليم السادس، وطوله أربعون درجة، وعرضه خمس وأربعون درجة، وكان المسلمون غزوه في أيام عثمان رضي الله عنه، فقال أبو نجيد التميمي:
بدأنا بجيلان فزلزل عرشهم
كتائب تزجى في الملاحم فرسانا
وعدنا لاشيان بمثل عداتهم
فعادوا جوالى بين روم وبرجانا
(٥٠٦) المعروف أن الذين بنوا ماردة هم الرومانيون، وذلك قبل المسيح بخمس وعشرين سنة لا غير، وسموها «أوغستا أميريتا» Augusta Emérita وكانت قاعدة ولاية «لوزيتانيا» ثم عظمت ونمت حتى صار يقال لها «رومة الأسبانيولية» ودخل عليها القوط وهي بهذه الحالة، وأما «الشتولقات» فلم نعرف من يعني بهم مؤرخونا؟ وهم معذورون في عدم تمحيص التاريخ في القرون الوسطى التي كان التاريخ القديم فيها لا يزال في مهد الطفولية سواء في الشرق أو في الغرب والمظنون أنهم يريدون بهم الفيزيقوط Visigots أما «أشبان» هذا فلم نعرفه، ولا عرفنا عنه شيئًا، ولا سمعنا بغزوه بيت المقدس ولا باخضرار العصا في يده. وجل ما عرفنا عن الذين كانوا يلون أسبانية قبل القوط أنهم من أمة «السويف» Suèves وهي أمة جرمانية زحفت من الشمال إلى الجنوب نظير القوط. ويقال أنها من نفس الجنس الجرماني الذي يقال له اليوم «سفاب» Swab وأن القوط نزعوا من أيديهم القسم الشمالي الغربي من أسبانية سنة ٥٨٥ قبل المسيح ومن ذلك الوقت كانت الدولة للقوط الملقبين «بالفيزيقوط» وربما كان العرب رأوا فيهم جنسًا آخر غير الجنس القوطي، على حين أنهم هم قوط الغرب، كما أن «الأوستروقوط» هم قوط الشرق. وكلا الفريقين استولى على إيطالية وتقدم إلى جنوبي فرنسة، ثم فتح القوط الغربيون أسبانية، كما ذكرنا، وتولى أول ملك منهم عليها سنة ٥٣١ ب.م واسمه «طوديش» Theudis ثم «طيوديجيزل» Théodigisèle سنة ٥٤٨ ثم «أجيلا» Agila سنة ٥٤٩ ثم «أتناجيلد» Atanagild سنة ٥٥٤ ثم «ليوبا» الأول Libua سنة ٥٦٧ ثم «ليوفيجيلد» Léowigild سنة ٥٧٢ ثم «هرمينيجلد» Herménigild سنة ٥٨٥ ثم «ريكاريد» Récarède سنة ٥٨٦ ثم «ليوبا» الثاني سنة ٦٠١ ثم «فيتريك» Vitceic سنة ٦٠٣ ثم «غندمار» Gondemar سنة ٦١٠ ثم «سيزبوط» Sisebut سنة ٦١٢ ثم «ريكاريد» الثاني سنة ٦٢١ ثم «سونتيلا» Suintila سنة ٦٢١ ثم «ريسيمر» Ricimer سنة ٦٥٢ ثم سيزيناند Sisenand سنة ٦٣١ ثم «شنتيلا» Chintila سنة ٦٣٦ ثم «طولغا» Tulga سنة ٦٤٠ ثم «شنداسنت» Chindasuinte سنة ٦٤٢ ثم «ريسيزوينت» سنة ٦٢٥ ثم «فامبا» Vamba سنة ٦٧٢ ثم «أرفيج» Ervige سنة ٦٨٠ ثم «أجيزا» Egiza سنة ٦٨٧ ثم «فيتيزا» Witiza سنة ٧٠٠ ثم «رودريك» أو «لذريق» Rodrique سنة ٧١٠.
والذي يلوح لنا من المقابلة بين هذه الروايات التي في بعض كتب العرب وبين تواريخ الإفرنج المعول عليها أن الذين يعنيهم ابن حيان بقولهم «البشتولقات» هم «الفيزيقوت» أو «الفيزيقوط» أنفسهم والمشابهة بين اللفظين ظاهرة فالفاء هي الباء والزاي هي الشين لأن من عادة العرب قلب السين والزاي شينًا بل يقال أن أوائل الأسبان أيضًا كانوا يقلبونهما شينًا فتصير اللفظة هي «البيشيقيوت» وأما اللام فطالما أدخلوها على الأعلام التي فيها «واو» مثل «بودوين» Baudwin   جعلوها «بلدوين» ومثل «بيوغراد» Beaugrade التي صارت «بلغراد» وعليه فتصير اللفظة «البشيقولت» ثم جمعوها على «بيشقولتات» ثم تعاورها التصحيف الذي لا يوجد أكثر منه في نسخ العرب للألفاظ الإفرنجية فإن الاسم الإفرنجي يجتاز عند العرب عقبتين الأولى هي اللفظ لأن العرب لا تقدر أن تتلفظ ببعض الحروف الإفرنجية ولو قطعت رؤوسها والثانية هي التحريف والتصحيف في النسخ فبعد أن يمر الاسم الإفرنجي بهاتين العقبتين يبعد جدًا عن أصله حتى يصعب رده إلى الأصل. وأنا أرى أن «طوليش بن بيطه» الذي ذكره ابن حيان أنه أول من ملك من «البشقولتات» إنما هو «طوديش» Theudis الذي ذكر مؤرخو الإفرنجة أنه أول من ملك من «الفيزيقوط» أو «البيزيقوط» في أسبانية. وكذلك «خشندش» الذي قال ابن حيان أنه هو أول من تنصر من ملوك القوط إنما هو «شنداسنت» الذي ملك عام ٦٤٢ وأن الاسم تحرف أولًا إلى «خنداشنت» ثم تصحف وتحرف فصار «خشندش» على أن مؤرخي الإفرنج يذكرون أن أول ملك تنصر من ملوك القوط هو ريكاريد الأول أي قبل عهد الذي سموه «خشندش» أو تصحف اسمه إلى خشندش بخمسين سنة وشيء. وأما «فيتيزا» الذي يسميه العرب في كتبهم «غيطشه» فإني معتقد أن الغين هنا هي تصحيف الفاء وأن العرب من البداية قالوا «فيطشه» لا «غيطشه» وذلك لأنهم لفظوا الزاي شينًا على عادتهم فصار «فيتيزه» هو «فيتيشه» ثم فخموا التاء فصار «فيطشه». وأما عدد ملوك «الفيزيقوط» فهو بحسب ما ذكر الإفرنج ٢٥ ملكًا كما ترى ورواية ابن حيان عن عدد ملوك «البشقولتات» الذين أعتقد أنهم هم هم هي أنهم ٢٧ ملكًا فالروايتان متقاربتان. وهناك ملاحظة، وهي أن المقري يروي فيما بعد قائلًا: وقال جماعة: إن القوط غير البشقولتات الخ وهذا دليل على وجود روايات أخرى بأن البشقولتات هم من القوط أنفسهم لا سيما أنه يروي عن هؤلاء أن عددهم ٢٧ ملكًا.
وفي كتابنا «غزوات العرب في أوروبا» نذكر مدينة طلوزة Toulouse ونقول أنها كانت قاعدة مملكة التكنوزاجيين Valces Tectosages وقلت في الحاشية أن هؤلاء هم جيل من الغولوا ولا نعلم هل هم الذين أرادهم صاحب نفح الطيب عند ذكر الأمم التي عمرت الأندلس وسماهم البشتلقات أم لا؟ وقد تكون اللفظة مصحفة عن تشتلقات وفي صبح الأعشى يذكر الشبنقات ويقول أنهم ملكوا الأندلس وبلاد الأندلس معًا وأن القوط خرجوا عليهم. انتهى. إلا أن العلامات كثيرة على كون المراد بالبشتلقات أو البشتقات هم أمة الفيزيقوط. هذا ويظهر أن المؤرخين من أسبانيين وغيرهم مختلفون في عدد ملوك القوط وفي أسمائهم وفي سني ملكهم وذلك كما ترى من سلسلة ملوك القوط التي ننشرها هنا مع صورة كل واحد منهم فإنك تراها مختلفة عن السلسلة الأولى التي نقلناها عن تواريخ ممحصة إفرنجية إلى أن السلسلة المصوّرة مبدوء فيها بملوك القوط وهم لا يزالون في غالية وهي منقولة عن مجموعة عظيمة مطبوعة في برشلونة بمطبعة «بونافيستا» Buenavista كانت قد أهديت إلى الوطني الكبير فقيد المغرب الحاج عبد السلام بنونه من عيون أعيان قطاون رحمه الله وقد أهدانا إياها أخوه الفاضل الحاج محمد العربي بنونه حفظه الله وما نشرناه في هذا الكتاب من التصاوير والرسوم منه ما أخذناه عن هذه المجموعة ومنه ما اقتفيناه في أثناء سياحتنا إلى الأندلس ومنه ما أرسلنا واستجلبناه منها فيما بعد.
(٥٠٧) أظن هذا الاسم محرفًا وأصله «أتاناجيلدوس» وهو من ملوك القوط، وقد مر بك.
(٥٠٨) فيلبس القيصر الروماني ملك من سنة ٢٤٤ للمسيح إلى سنة ٢٤٩ وكان عربي الأصل.
(٥٠٩) كان أشهر تاريخ هو التاريخ المسمى باليلياني Julien وذلك أنهم قسموا السنة إلى ١٢ شهرًا تبلغ عدة أيامها جميعًا ٣٥٥ يومًا فلزم حينئذ إضافة شهر جديد تكون أيامه ٢٢ أو ٢٣ يومًا، حتى تتم المطابقة مع السنة الشمسية. فكان هذا الشهر المضاف يأتي كل سنتين، ويكون دوره في آخر السنة بين ٢٣ و٢٤ فبراير وكانوا يسمونه «مرسدونيوس» Mercedonius فكان دور أربع سنوات يزيد باثني عشر يومًا على عدد الأيام التي في السنوات الأربع الشمسية وأخيرًا صار يأتي ١ يناير في ١٥ أكتوبر، فاضطر يوليوس قيصر إلى إصلاح الحساب، وأضاف إلى السنة شهرين، أحدهما ٣٣ يومًا، والآخر ٣٤ يومًا. ثم جاء الفلكي الإسكندري سوزستان Sosisthène فقرر للسنة ٣٦٥ يومًا، وبقيت ست ساعات لأجل تتمة الوقت الذي يقتضيه دوران الشمس حول الأرض، فألف من هذه الساعات يوم واحد كل أربع سنوات، فوضعوا هذا اليوم بعد ٢٣ فبراير.
وهكذا جرى إصلاح الحساب الأول، إلا أن سنة سوزستان نفسها بقيت ناقصة بإحدى عشرة دقيقة واثنتي عشرة ثانية عن السنة الشمسية، وبقيت الحال هكذا من سنة ٤٧ للمسيح إلى سنة ١٥٨٢ فتنبه لإصلاح هذا الخلل البابا غريغوريوس الثالث عشر، فأصلح الحساب اليولياني، وسمي الحساب الجديد بالحساب الغريغوري، ولكنه لم يسلم من الخلل أيضًا، بحيث لا يزال علماء الفلك والتقويم يفكرون في حساب آخر ينتهي إليه الضبط، ولكن صعوبة ترك التقليد تحول دون هذا المشروع في أوروبا، وسنة ١٩١٧ إذ كنت من أعضاء مجلس النواب العثماني في استانبول، تقرر عندنا في المجلس العمل بالتاريخ الغريغوري بكونه أصح من التاريخ العربي، فتم هذا القرار في مجلس النواب أو المبعوثين، وتقدم إلى مجلس الأعيان، فجاء الفلكي الشهير أحمد مختار باشا الغازي، واعترض على هذا التغيير، وقال: إن الحساب الغريغوري هو أيضًا غير سالم من الخطأ، فما الفائدة في العدول عن خطأ إلى خطأ آخر؟ وبين ببراهين علمية صحة نظره. وبذلك عدلت الدولة العثمانية يومئذ عن اتخاذ الحساب الغريغوري، وبقيت على الحساب الذي يقال له المارتي، وهو حساب عربي قد رفع منه الفرق بين الشمسي والقمري، ولكن تركيا بعد الحرب العامة عادت فاتخذت الحساب الغريغوري. أما في زمن أغسطس قيصر فقد وضع الرومان حسابين لمواسم الزراعة أحدهما يسمى كولوتيانوم Colotianum، والآخر فالنس Vallense ووجدوا مكتوبين على الحجارة.
وأما تاريخ الصغر فيقال إنه اصطلاح أسباني كان مبدأه أول يناير سنة ٣٨ قبل الميلاد، أي في زمن فتح أغسطس الروماني لأسبانية، وبقي مستعملًا فيها إلى أواخر القرن الخامس عشر.
(٥١٠) هذه الجملة من كلام الرازي قد تقدمت، لكن باختلاف قليل عما هي في هذا الموضع، ونحن أحببنا أن نحافظ بقدر الإمكان على نصوص المؤلفين الذين نقلنا عنهم.
(٥١١) برجة ودلاية هما من عمل المرية.
(٥١٢) الأسبان يقولون للبشرة أو البشرات Albuxara وهي جبال عالية مشرفة على البحر المتوسط.
(٥١٣) سيأتي خبره.
(٥١٤) قال ياقوت: أكشونية بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم الشين المعجمة وسكون الواو وكسر النون وياء خفيفة مدينة بالأندلس يتصل عملها بعمل أشبونة. وهي غربي قرطبة، وهي مدينة كثيرة الخيرات، برية بحرية، قد يلقي بحرها على ساحلها العنبر الفائق الذي لا يقصر عن الهندي.
(٥١٥) Sidonia.
(٥١٦) ضبطه بفتح أوله وهو بحر له حب يجعل فيه الطيب.
(٥١٧) بضم أوله فسكون وهو عود يتداوى به.
(٥١٨) السنبل هنا هو نبات طيب الرائحة يتداوى به ويسمى سنبل العصافير.
(٥١٩) الجنطيانة هو من العقاقير المعروفة في المغرب وأطباء المغرب يطلقونه على جذر النبات المعروف عند الصيادلة «بأوضْمى» هكذا كتب إلينا من فاس.
(٥٢٠) بفتح أوله وتشديد ثانيه والجمع عقاقير.
(٥٢١) Niebla قد كررنا تعريف هذه الأسماء بالعربي وبالأسبانيولي لأن القارئ لا يقدر أن يحفظها إلا بالتكرار، وإن لم ترسخ في ذهنه فلا يستطيع أن يفهم تاريخ الأندلس وجغرافيتها على وجههما. فالتكرار لازم إلا في التعريف بالأسماء المشهورة.
(٥٢٢) Montmayor.
(٥٢٣) Bechina.
(٥٢٤) قال ياقوت: حصن «البونت» بالضم والواو والنون ساكنان والتاء فوقها نقطتان حصن بالأندلس، وربما قالوا البنت، وقد ذكر. ينسب إليه أبو طاهر إسماعيل ابن عمران بن إسماعيل الفهري البنتي، قدم الإسكندرية حاجًا، ذكره السلفي، وكان أديبًا أريبًا قارئًا، وعبد الله بن فتوح بن موسى بن أبي الفتح بن عبد الله الفهري البنتي أبو محمد، كان من أهل العلم والمعرفة، وله كتاب في الوثائق والأحكام، وله أيضًا رواية توفي في جمادى الآخرة سنة ٤٦٢.
(٥٢٥) Ubeda من أعمال جيان.
(٥٢٦) بكسر فسكون وزان مثل هو حجر براق يتشظى إذا دق صحائف وشظايا يتخذ منه مضاوي للحمامات بدلًا عن الزجاج وأجوده اليماني ثم الهندي ثم الأندلسي.
(٥٢٧) لا أعلم هل هذه اللفظة هي دجمة أم جمة فإن كانت دجمة وقد سقطت الدال منها في النسخ فهي عند الأسبانيول هكذا Diegma وإن كانت جمة كما هي مكتوبة في النفح فلا يبعد أن تكون اسمًا عربيًا من أصله لا سيما أنه يوجد جبال كثيرة عند العرب باسم جمآه بالمد والهمز مؤنث أجم الذي لا قرن له ويقال بيت أجم أي لا شرفة له.
(٥٢٨) في غربي الأندلس كانت مقاطعة يقال لها أشكونية قاعدتها مدينة شلب.
(٥٢٩) Vera.
(٥٣٠) Baterna.
(٥٣١) Santarem في البرتغال.
(٥٣٢) Sidonia.
(٥٣٣) جاء في كتاب «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» للاوي بروفنسال ما محصله: كانت المعادن من قديم الزمان معروفة في أسبانية، وكان الرومان يستخرجون منها جانبًا كبيرًا، وذلك كالحديد والذهب والفضة والرصاص والنحاس، وكان الحديد مبذولًا. ولما دخل المسلمون إلى الأندلس لم يهملوا المعادن، بل وفروا لها أعظم جانب من العناية وكانوا يستخرجون الذهب من رمال نهر لاردة ونهر شقر ونهر التاجه. وكانت الفضة في نواحي مرسية والحمة وقرطبة بمكان يقال له المرج حسبما روى الإدريسي وفي «تطالقة» من عمل باجة كما قال ياقوت في المعجم ويوجد الحديد في شمالي الوادي الكبير بين قرطبة وأشبيلية، وروى الإدريسي أنه كان منه في قسطنطانية. وروى ياقوت أنه كان منه في فرّيش وكان على مسافة ١٢٥ كيلو مترًا إلى الشمال من قرطبة معدن زئبق مشهور، وكان هذا المعدن معروفًا عند الرومانيين، وتنبه له المسلمون واستغلوه، وجغرافيو العرب يقولون أنه في جبل البرانس ومنه في المحل الذي يقال له اليوم سيودادريال Ciudadreal فقد كان يوجد زئبق أيضًا هناك، وأيضًا في أبال بقرب قرطبة، وقال الإدريسي أنه رأى في هذا المعدن الأخير ألف عامل، منهم من كان مشغولًا باستخراج المادة من آبارها، ومنهم من كان ينقل الحطب لأجل التحمية، ومنهم من كان يصنع الآنية التي يستودع فيها المعدن بعد ذوبه، ومنهم من كانوا يبنون المواقد.
وكان عمق الآبار نحوًا من مائة ذراع.
وكان يوجد زئبق وتوتية بقرب شَلَوبين على ساحل البحر المتوسط، وكذلك ذكر المقري وجودهما في بطرنه. ويظهر أن المسلمين لم يعتنوا بمعادن التنك التي في «ريوتنتو» إلى الشمال الشرقي من «أنبه» ولكن كانوا يأخذون النحاس من «أشكونية» في الغرب وهي تابعة البرتغال اليوم. وكان عندهم الرصاص في «قبره» وعندهم الملح في سرقسطة، وكان عندهم الطفال بقرب طليطلة والكحل في نواحي طرطوشة وبسطة وكانت الأندلس موصوفة بالحجارة الثمينة، فكان الياسنت من مالقة وحجر الكهرباء في مرسية. وأما المرمر فلم يكن يكفي البلاد بل كانوا يستوردون من الخارج وكان معدن المرمر في جبال مورينا وفي مكابل ومن هذه قطعت أعمدة المرمر التي كانت في المرية وقد نقلت الآن إلى مجريط. وكان يوجد من الحديد في جزيرة شلطش بإزاء أنبه وهناك دار صناعة حسبما قال الإدريسي. وفي شلطش أيضًا مصايد للأسماك كان يحمل منها إلى أشبيلية، ويقول الإدريسي إنه كان من هذه المصايد في بزليانة بقرب مالقة وكان صيادو السمك في سواحل الأتلانتيك كما روى ياقوت في المعجم يبحثون عن العنبر الرمادي ولا سيما في سيتوبال وكان يقال لها الجون العنبري عند العرب وكان أيضًا يوجد في شذونة وكانوا يبحثون بقرب المرية.
(٥٣٤) الدرب كل مدخل إلى بلاد الروم قال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
(٥٣٥) تقدم الكلام في إحدى الحواشي أن تجار اليهود كانوا يخصون سبي الصقالبة، وأنه كان بحسب تعبير دوزي معمل للخصاء في فردون Verdun وقد نقل ذلك عنه لافي بروفنسال في كتابه «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» L’Espagine Musulmane Au xem Siècle.
(٥٣٦) سيأتي ذكر دخل الدولة الأندلسية في أيام الناصر والمستنصر، وذلك تفصيلًا عندما نصل إن شاء الله إلى قرطبة.
(٥٣٧) قال المؤرخ الأسبانيولي رافائيل بالستر في تاريخه المترجم إلى الإفرنسية المطبوع سنة ١٩٢٨، وذلك في الصفحة ٥٢ ما يلي: «كانت أسبانية الإسلامية من أغنى البلاد الأوربية وأحصاها سكانًا في عصر الخلفاء، وكان فيها ست حواضر كبرى، وثمانون مدينة معمورة جد العمران، وثلاثمائة مدينة من الدرجة الثانية، هذا عدا القرى التي لا تحصى والمزارع. وكان الذهب والمرمر مبذولين في القصور والجوامع، وكذلك العاج والحجارة الكريمة. وكانت مراسم الاحتفالات في قصور الخلفاء على غاية من الأبهة الشرقية، وقد كانت هذه الثروة، وهذه الأبهة هما ثمرة النمو الاقتصادي وتلك السعة التي كانت أسبانية تتمتع بها أوانئذ هي بفضل رقي الزراعة والصناعة والتجارة ا.هـ.».
قلنا أن الحواضر الست الكبرى لا بد من أن يعني بها قرطبة، وأشبيلية، وغرناطة، وبلنسية، وطليطلة، وسرقسطة. وأما الثمانون مدينة المعمورة جدًا فيعني بها المدن التي من درجة مالقة، والمرية، ومرسية، وجيان، وشاطبة، ودانية، وميورقة، وطرطوشة، وماردة، وبطليوس، وشنترين، وبرشلونة، وأشبونة وما في ضربها. وأما الثلاثمائة مدينة من الدرجة الثانية فهي من قبيل قبرة، وبيانة، وبياسة، والمدور، وقرمونة، وشلب، ولبلة، وشريش، ورندة، والجزيرة الخضراء، وبسطة، وبرجة، ودلاية، والش، وأوربوالة، والقنت، وقرطاجنة، وشقورة، وشنشالة، وأقليش، وطلبيرة، وقلعة رباح، ومجريط، ووادي الحجارة، ومدينة سالم، وشنتمرية ابن رزين، وقلعة أيوب، ودروقة، وبطيلة، ولاردة، وطركونة، ووشقة، وبربشتر، وفحص البلوط، ويابره، وشنترة، وقنطرة السيف، وجزيرة شقر، وقونكة، ومربيطر ولوشة، ووادي آش، وقرية سلامة، وقادس، ويلبش، وأبذة، وبجانة، وطشانة، وشنتمرية الغرب، وأشونة، وقلعة يحصب، وأسيجة، وأسترقة، وبلش، وقلعة حماد، ومورور، وأندوجر، والمنكب، وأندرش، وأندة، ولورقة، وأونبة، ومرتلة، ومدينة الزهراء، وما في ضربها. وكيفما اقتصد المخمن في تخمين عدد سكان الأندلس الإسلامية لعهد بني أمية، فلا يقدر أن ينزل ذلك عن ١٥ مليون نسمة، وقد يكون مناهزًا العشرين.
(٥٣٨) ما قاله ابن خلدون هنا هو الصحيح فإن أمة اسمها «الفيزيقوط» هي أحد أقسام القوط، ويقال إنها من أصل جرماني، هاجمت الرومان واقتتلت معهم في القرن الثالث للمسيح، فقرهم الروم أولًا، ثم أذنوا لهم في الإقامة على ضفاف الدانوب ومن ذلك الوقت صاروا أشبه بجيش روماني، وفي أوائل القرن الخامس ثار زعيم الفيزيقوط «ألاريك» Alaric طالبًا من رومة أن توليه القيادة العليا لجيوشها، فلما أبوا إجابة طلبه هذا نهب رومة وعاث، ومات سنة ٤١٠ فخلفه «آتولف» Ataulf ودخل إلى بلاد الغال، وانتصر فيها لهونوربوس الروماني على نظرائه، فكافأه بإقطاعه البلاد التي تغلب عليها، وكان السويفيون والفاندالس والألانيون خارجين في أسبانية عن طاعة رومة، فزحف إليهم «فاليا» زعيم القوط، وأدخلهم في الطاعة، ولكن بعد أن استتب الأمر للقوط في أسبانية خرجوا هم أنفسهم عن طاعة رومة في أيام زعيمهم المسمى أوريك سنة ٤٦٧، ولم يكن القوط في أسبانية أمة ذات عرق واحد، وإنما كانوا جيشًا من أصولٍ شتى يخضعون لرئيس، وفي سنة ٤٧٦ انحلت السلطنة الرومانية فبسط القوط سلطانهم على أكثر أسبانية، ولكنهم فقدوا مقاطعاتهم في غالية، لأن الفرنج Les Francs غلبوهم عليها، وكان للفرنج كاثوليكيين، وكان القوط قد تنصروا لكن على مذهب آريوس، أي كانوا لا يقولون بألوهية عيسى عليه السلام، فوقعت العداوة بين الفريقين من أجل اختلاف الدين، وانهزم القوط في واقعة عند بواتية Poitiers وقتل فيها أميرهم ألاريك الثاني، ولم يبق لهم في بلاد الغال سوى مقاطعة سبتيمانيا Septimanie التي قاعدتها أربونة. وفي القرن السادس للمسيح اشتدت الفتنة في أسبانية بين القوط بعضهم مع بعض، وقتل كثير من ملوكهم غيلة، فجاء تيودوريك ملك الأوستروقوط، أي القوط الشرقيين، من إيطالية، ووضع على عرش أسبانية أحد أولاده، ثم في سنة ٥٥٤ ثار رجل اسمه أتاناجيلد، وتغلب على المملكة، وجاءت عساكر إمبراطور الروم من القسطنطينية فأنجدته، ولما كانت سنة ٥٦٨ ثار الملك ليوفيجيلد، وتغلب على السويفيين، وجعل أسبانية كلها في حكم القوط، إلا أنه كان آريوسيّ المذهب، وكان أكثر أهل أسبانية كاثوليكيين، فثارت الأكثرية عليه؛ وأثاروا عليه ابنه هرمينيجلد، فساق عسكرًا وتغلب على ابنه وقتله، ولكن بعد موت ليوفيجيلد خلفه ابنه ريكاريد فترك هذا الآريوسية، مذهب أبيه، وتحول كاثوليكيًا في سنة ٥٨٧ وصارت في ذلك الوقت الكثلكة هي دين الدولة الأسبانية.
(٥٣٩) سنذكرها في مكانها إن شاء الله مطولًا.
(٥٤٠) إن المبالغة ولو جازت في الشعر فلا يجوز أن تصل إلى هذا الحد ولا سيما أن لسان الدين قال ذلك في النثر لا في النظم.
(٥٤١) كنت ذكرت في كتابي تاريخ الأندلس الذي جعلته ذيلًا على رواية «آخر بني سراج» في صفحة ٢٣٧ من الطبعة الثانية ما يلي: «قال بعض المؤرخين إن مملكة غرناطة لعهد السلطان أبي الحسن علي (والد أبي عبد الله آخر السلاطين المسلمين في الأندلس) كانت مشتملة على أربع عشرة مدينة عظيمة وسبع وتسعين قلعة عدا الأبراج والحصون والقرى العامرة. وورد في التاريخ العام للعلامة كنتو الشهير أن سلطنة غرناطة في تلك الأيام كانت تحتوي ثلاثين مصرًا، وثمانين مدينة صغيرة، وعددًا لا يحصى من الأبراج والحصون والدساكر وقد قدر بعض المؤرخين عدد بقية المسمين في الأندلس بأربعة ملايين نسمة».
(٥٤٢) Loja وسماها الأسبانيول صان فرانسيكو لوشة.
(٥٤٣) أصلها «باغو» ثم سماها الأسبانيول «بريغو» Priego.
(٥٤٤) تقدم عنها كلام والأسبانيول يقولون Guadis وسيرد ذكرها أيضًا.
(٥٤٥) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: جليانة بالكسر ثم السكون وياء وألف ونون حصن بالأندلس من أعمال وادي ياش حصين كثير الفواكه ويقال لها جليانة التفاح لجلالة تفاحها وطيبه وريحه، قيل إذا أكل وجد فيه طعم السكر والمسك، منها عبد المنعم بن عمر بن حسان الشاعر الأديب الطبيب، كان عجيبًا في عمل الأشعار التي تقرأ القطعة الواحدة بعدة قواف، ويستخرج منها الرسائل والكلام الحكمي مكتوبًا في خلال الشعر، وكان يعمل من ذلك دوائر وأشجارًا، وصورًا، سكن دمشق، وكانت معيشته الطب، يجلس باللبادين، على دكان بعض العطارين، كذلك لقيته، ووقفني على أشياء مما ذكرته، وأنشدني لنفسه ما لم أضبطه عنه. ومات بدمشق سنة ٦٠٣.
(٥٤٦) السند محركة: ما قابلك من الجبل، وعلا عن السفح، وفي وطني من جبل لبنان مكان بين عين عنوب وعيناب يقال له السند، يعلو عن الأولى وينخفض عن الثانية.
(٥٤٧) تقدم لنا أن الجبال التي في مملكة غرناطة كانوا يقولون لها البشرات.
(٥٤٨) قال ياقوت في المعجم: الألف فيه ألف قطع، وليس بألف وصل، فهو بوزن إخريطة، وإن شئت بوزن كبريته، وبعضهم يقول إيلبيرة، وربما قالوا لبيرة، وهي كورة كبيرة من الأندلس، ومدينة متصلة بأراضي كورة قبرة، بين القبلة والشرق من قرطبة، بينها وبين قرطبة تسعون ميلًا، وأرضها كثيرة الأنهار والأشجار، وفيها عدة مدن منها: قسطيلية، وغرناطة، وغيرهما تذكر في مواضعها. وفي أرضها معادن ذهب وفضة وحديد ونحاس، ومعدن حجر التوتيا في حصن منها يقال له شلويينية، وفي جميع نواحيها يعمل الكتان والحرير الفائق. انتهى. ثم ذكر ياقوت بعض العلماء الذين نبغوا من أهل إلبيرة، وسنذكر أسماءهم في متن هذا الكتاب، عندما نصل إلى ذكر إلبيرة وسننقل هناك ما ذكره لسان الدين بن الخطيب عن إلبيرة نقلًا عن الإحاطة في أخبار غرناطة، وكذلك سنذكر ما قاله غيره.
(٥٤٩) بناها أوغسطس قيصر، ومنها اشتق اسمه، وكان يقال لها قبل أن مصرها أوغسطس قيصر سلدوبة Salduba ويظهر أن العرب قالوا «السيدلابة».
(٥٥٠) سرقسطة واقعة على نهر «أبره» يشتق منه نهر جلق Gallégo جاريًا إلى الشمال، بينما نهرا شالون Jalon وهرفا Huerva يسيلان إلى الجنوب.
(٥٥١) سبق ذكرها وفي مرج دمشق قرية يقال لها عذرا.
(٥٥٢) وفي جبل لبنان قرية يقال لها برجة من إقليم الخروب. وفي إقليم سرقسطة قصبة اسمها برجة بضم أولها، وينسب إليها أناس من أهل العلم.
(٥٥٣) الفلك: السفينة، تذكر وتؤنث وتقال للمفرد وللجمع، فمن المفرد المذكر قوله تعالى: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ومن المفرد المؤنث قوله تعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ومن الجمع قوله تعالى: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ وقوله تعالى: حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم وكان سيبويه يقول: الفلك هي جمع تكسير للفلك التي هي واحد.
(٥٥٤) وهو الكنيسة الكاتدرائية الآن.
(٥٥٥) جاء في كتاب «أخبار مجموعة» في فتح الأندلس وذكر أمرائها والحروب الواقعة بها بينهم. وهو أقدم تاريخ لعرب الأندلس — ولم يعرف اسم مؤلفه — أن عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة ولى الأندلس السمح بن مالك، فكتب إلى عمر يعلمه أن مدينة قرطبة تهدمت من ناحية غربها، وكان لها جسر يعبر عليه نهرها ووصفه بحمله وامتناعه من الخوض فيه الشتاء عامة (قال) فإن أمرني أمير المؤمنين ببنيان سور المدينة فعلت فإن قيلي قوة على ذلك من خراجها بعد عطايا الجند، ونفقات الجهاد وإن أحب صرفت صخر ذلك السور فبنيت جسرهم. فيقال والله أعلم أن عمر رحمه الله أمر ببناء القنطرة بصخر السور، وأن يبنى السور باللبن، إذ لا يجد له صخرًا فوضع يدًا فبنى القنطرة في سنة إحدى ومائة.
(٥٥٦) أي شماليها.
(٥٥٧) لم يرد شمام مصدرًا لفعل شم، وإنما هو الشميم والشم والشميمي وعليه لا يصح شمام إلا إن كان مصدرًا لفعل شام، من باب المفاعلة. أو كان بالتشديد وأما كلام العامة فلا حاجة لتطبيقه على قواعد العربية.
(٥٥٨) قم الرجل: أكل ما على الخوان، ومثله اقتم، والمصدر هو القم والاقتمام، فأما القمام فلم يرد بمعنى الأكل بل بمعنى الكناسة. فلهذا أصاب صاحب النفح بقوله إن هذا من كلام عامة الأندلس.
(٥٥٩) Campaina قال ياقوت: ناحية بالأندلس قرب قرطبة ينسب إليها محمد ابن قاسم بن محمد الأموي الجالطي الكنباني، ذكر في جالطة بأتم من هذا.
(٥٦٠) وهم كانوا السبب في سقوط الأندلس لأن الفتنة التي أثاروها هي التي آلت إلى سقوط هيبة الخلافة وسقوط هيبة الخلافة آل إلى ظهور ملوك الطوائف وهؤلاء هم كانوا مبدأ اضمحلال الإسلام في الأندلس.
(٥٦١) نقل صاحب نفح الطيب عن أبي محمد بن حزم ما يلي: أخبرني تليد الخصي وكان على خزانة العلوم والكتب بدار بني مروان أن عدد الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير. ا.هـ. قلنا وكان عدا خزانة كتب دار الخلافة خزائن لا تحصى في قرطبة.
(٥٦٢) وسنذكرها نحن أيضًا عند الوصول إلى مبحث قرطبة.
(٥٦٣) يعني غابة الزيتون العظيمة المسماة بالشرف.
(٥٦٤) هو يوليوس قيصر وكان قد فتح أشبيلية سنة ٤٥ ق.م واتخذها حاضرة لأسبانية كما كان «بومي» اتخذ قرطبة. وليس يوليوس قيصر هو الذي بناها، بل هي بلدة عظيمة من قبل، واقعة على طريق التجارة الأعظم، من قادس إلى ماردة إلى طلنكة، وإنما ازداد قيصر اعتناءًا بها، ثم صارت سنة ٤١١ ب.م عاصمة للوندال، وفي سنة ٤٤١ عاصمة للقوط، وفي سنة ٥٥٧ انتقل «أتانا جيلد ملك القوط» منها إلى طليطلة، نظرًا لتوسطها في المملكة، ولكن بقي يقيم بها في الأحايين نائب الملك. واستولى العرب على أشبيلية تحت قيادة موسى بن نصير سنة ٧١٢ ب.م وسلموا قيادها في بداية الأمر إلى غيطشة أو فيطشة Vitiza وأعقابه لأنهم ذكروا لغيطشة ولاءه لهم عند الفتح.
(٥٦٥) سماها قيصر Colonia Julia Romula.
(٥٦٦) قال ياقوت: طالقة من أعمال أشبيلية بالأندلس.
(٥٦٧) الأسبانيول يقولون لشنت أفرج Santa Cruz أي الصليب المقدس.
(٥٦٨) عند الأسبانيول Uelès وأكثر سينات الأسبانيول يقلبها العرب شينًا مثل برسلونة التي هي عندهم برشلونة، وسيفيله التي يقولون لها أشبيلية، وسنتره التي يقولون لها شنترة، وواديس التي هي عندهم وادي آش. إلى ما لا يحصى من الأعلام إلا أن ذلك غير مطرد، فبعض الأعلام لا تزال سينها عندهم سينًا، وذلك مثل بلنسية ومرسية وسرقسطة وقادس وغيرها. ولقد أخبرني والدنا الفاضل البحاثة المدقق السيد محمد الفاسي من آل الجد الفهريين أن الأسبان القدماء كانوا أيضًا ينطقون بالسين شينًا في ألفاظ كثيرة مثل Burgos برغش Vargas بركاش اسم آل بركاش الوجهاء في رباط الفتح. ولذلك كان الأسبان في الماضي يكتبون السين المنطوق بها شينًا بحرف X فكانوا يكتبون مثلًا أشبيلية هكذا Xevilia وأرشيدونة Arxidona وشيلر Xolair وهلم جرا. قلت: وربما كان القوط أتوا بهذا النطق من الشمال لأنهم هم جرمانيون في الأصل، وكل حرف S في اللغة الجرمانية ينطق به شينًا، وهو عندهم اصطلاح قديم إلا في مقاطعة هنوفر، فهناك حرف S ينطق سينًا.
(٥٦٩) لا يصح أن يسمى الشرف جبلًا، ولقد مررت به في ذهابي من أشبيلية إلى رندة، فهو نشز ناهض قليلًا عن الأرض.
(٥٧٠) Beja.
(٥٧١) قال المؤرخ الروماني «تيت ليف»: طوليتوم Toletum مدينة صغيرة لكنها ذات موقع حصين.
(٥٧٢) هذا من أساطير الأولين.
(٥٧٣) لم نقرأ هذا في تاريخ يوثق به.
(٥٧٤) أما هذا فصحيح وإن تطرقت إليه المبالغة؛ كما هو المعتاد في مثل هذه الحوادث.
(٥٧٥) سيأتيك خبر طليطلة في الجزء الأول هذا.
(٥٧٦) المرية كانت مرسى الأسطول الإسلامي الأندلسي الذي بلغ أوج عظمته في أيام عبد الرحمن الناصر، وبقيت كذلك مدة من الزمن بعد ذهاب الناصر رحمه الله، وفي أيام مجاهد العامري وولده علي كانت دانية مرفأً عظيمًا للأسطول الإسلامي وكانت فيها دار صناعة وكانت دور صناعة في مدن بحرية أخرى مثل الجزيرة الخضراء وشلب والقنت وقستلون في كتلونية والمنكب ومالقة وقصر أبي دانيس في الجهة الغربية وجزيرة يابسة، وفي زمن الناصر أنشئت دار صناعة عظيمة في طرطوشة، وذلك لأن الصنوبر الطرطوشي مشهور بالصلابة.
(٥٧٧) نقل لاوي بروفنسال عن مؤلفي العرب ما ذكروه عن عظمة تجارة المرية، وأنها كانت أعظم ميناء في الأندلس، كما قال الشقندي، وذكر أنه كان فيها ألف إلا ثلاثين فندقًا مقيدة في ديوان الخراج، وأنها كانت مدينة صناعية من الدرجة الأولى، وفيها المناسج الحريرية وغيرها، ومعامل الحديد والنحاس والزجاج.
(٥٧٨) إلى يومنا هذا فواكه المرية مشهورة، ومنها يجلب إلى أوروبا أفضل العنب.
(٥٧٩) Cintra من مدن البرتغال.
(٥٨٠) لا نعلم أهي في الأصل شنشين Chinchin وقد حرفها النساخ إلى شنش، أم هي من الأصل شنش.
(٥٨١) يقول لها الأسبانيول Tabarnax قال عنها لسان الدين بن الخطيب في «معيار الاختبار» حاضرة البلاد المشرقية، وثنية البارقة الأفقية، ما شئت من تنجيد بيت، وعصر زيت، وإحياء أنس ميت، وحمام طيب، وشعر تنثر فيه دنانير أبي الطيب، إلا أنها محيلة الغيوث، عادية الليوث، ولو شكر الغيث شعيرها، أخصبت البلاد وعيرها.
(٥٨٢) هو اسم عربي من أصله والأسبانيول يقولون لهذا المكان «فوانجيرولا» Fuengirola قال لسان الدين في «معيار الاختبار»:

حصن حصين، يضيق عن مثله هند وصين، ويقضي بفضله كل ذي عقلٍ رصين، سبب عزه متين، ومادة قوته شعير وتين، قد علم أهله مشربهم، وأمنوا مهربهم، وأسهلت بين يديه قراه، ماثلة بحيث تراه، وجاد بالسمك واديه، وبالحب ثراه، وعرف شأنه بأرض النوب، ومنه يظهر سهيل من كواكب الجنوب. إلا أن سواحله بِلّ الغارة البحرية، ومهبط السرية غير السرية، ومسرح السائمة الأميرية، وخدامها كما علمت أولئك هم شر البرية. ا.هـ.

قلت: قوله البل بكسر أوله معناه مباح يقال هو «حل وبل» أي سواحل سهيل مباحة للغارات البحرية لكثرتها عليها.
(٥٨٣) هي البلدة التي يقال لها أوريولة وهي من عمل مرسية.
(٥٨٤) الأسبانيول يقولون لأستجة Eciga ولبلكونة Balcona ولقبره Cabra ولرندة Ronda ولغافق Gafic والمدور Almodovar ولأسطبة Estepa ولبيانة Baessa ولأليسانة Lucana وللقصير Alkosair.
(٥٨٥) الأسبانيول يقولون لوادي الحجارة Guadalajara ولقلعة رباح Calairava ولطلمنكة Salamanqua.
(٥٨٦) الأسبانيول يقولون لجيان خيان بالخاء وبدون تشديد، ويقول دوزي إن القشتاليين كانوا يقولون في القرون الوسطى جيان مخففة، وأن أصل هذا الاسم روماني، وهو أوسيانس Uciense فالعرب حذفوا آخر الاسم، فبقي أوسيان، فقلبوا السين شينًا، ثم غلبت الجيم الشين، وحذفوا الأول، فانتهى الأمر بأن صارت جيان، والله أعلم. ويقول الأسبانيول أبذه Ubeda ولبياسة Baeza ولقسطلة Castella وكل هذه الأسماء قد تقدم ذكرنا لها بالعربي وبالأسبانيولي وإنما نكررها لترسخ في ذهن القارئ.
(٥٨٧) لا يخفى أن غرناطة هي عند الأسبانيول Granada ووادي آش Ceiadix والمنكب Almunécar، ولا نعلم لماذا الأسبانيول قلبوا الياء راء، ولوشة هي عندهم Loja.
(٥٨٨) لا يخفى أن المرية هي من فعل رأى بحسب رأي دوزي، فقد قال إن هذا الاسم في أصله لم يكن علمًا وأنه صفة لبرج يكون مشرفًا على البحر، ترى منه مراكب البحر، وتراه المراكب من البحر. وهذا الرأي ليس ببعيد عن الصواب، لأنه في العربي يوجد فعل أراه إياه يريه إراءة وإيراء، أي جعله ينظر فيه فهو مر وهي مرية. فهذا في الأرجح أصل هذه اللفظة، وفيما بعد أدخلوا عليها التشديد بتحريف العوام. ومع هذا فالأسبانيول لا يلفظونها بالتشديد بل يلفظونها بفتح الأول وكسر الثاني فسكون فياء فألف هكذا Almeria وأما أندرش فيكتبونها Andarax وهي البلدة التي عينها فرديناند لأبي عبد الله بن الأحمر. بعد أن أخرجه من غرناطة، حتى يقيم بها قبل أن تحيل عليه وأخرجه إلى المغرب، وقد ذكرها لسان الدين في «معيار الاختبار» فقال عنها:

عنصر جباية، وكمن به أولو إباية، حريرها ذهب، وتربها تبر ملتهب، وماؤها سلسل، وهواؤها لا يلفي معه كسل إلا أنها ضيقة الأحواز والجهات، كثيرة المقابر والقهوات، عديمة الفرج والمتنزهات، ثقيلة المغارم، مستباحة المحارم، أعرابها أولو استطالة، فلا يعدم الزرع عدوانًا، ولا يفقد غير الشر نزوانا، وطريقها غير سوي وساكنها ضعيف يشكو من قوى. ا.هـ.

(٥٨٩) الأسبانيول يقولون لبلش مالقة Velez Malaga ويقولون للحامة Alahama.
(٥٩٠) مرسية هي Murcia وبلنسية Valencia ودانية Denia والسهلة Azaila والثغر الأعلى هي سرقسطة Zaragoza.
(٥٩١) كلها قد تقدم ذكرها وبعض وصفها.
(٥٩٢) أي سرقسطة.
(٥٩٣) قد تقدم ذكر هذه المدن وسيأتي الخبر عنها كلها.
(٥٩٤) Altorricon-Tamarite.
(٥٩٥) إن هذه الكورة هي المسماة بلطانية عند الأسبان وهي شمالي وشقة.
(٥٩٦) قال ياقوت: باروشة مدينة من غربي سرقسطة بقرب من أرض الفرنج.
(٥٩٧) هذه الأسماء هي Sèvilla وMerida وLisboa وSilves.
(٥٩٨) هذه الأسماء هي Xeres وAlgezira وNiebla.
(٥٩٩) هذه الأسماء هي Badajoz وEvora.
(٦٠٠) Santarem.
(٦٠١) Santamaria.
(٦٠٢) Cadix وليست بجزيرة تامة، وذلك لأنها ترتبط بالبر بخيط دقيق من التراب قليل العرض لا يزيد على أمتار معدودات، وهو أيضًا غير مستطيل.
(٦٠٣) Cauaries.
(٦٠٤) Açores.
(٦٠٥) بريطانية العظمى.
(٦٠٦) Saltes وهي جزيرة في غربي الأندلس ينسب إليها أبو محمد الشلطيشي وغيره من أهل العلم وسيأتي ذكرها.
(٦٠٧) Huelva.
(٦٠٨) الداموس هو القثرة أو ما يستتر به.
(٦٠٩) Lorca.
(٦١٠) الأسبانيول يقولون لهذه المدينة «بالما» Palma وأما العرب فكانوا يقولون للجزيرة ميورقة وللمدينة أيضًا ميورقة. وقد أقمت بهذه البلدة عشرين يومًا في أثناء سياحتي إلى الأندلس سنة ١٩٣٠ فرأيتها من أجمل بلاد الله وأخصبها.
(٦١١) Ibiza.
(٦١٢) هو غابة الزيتون التي تقدم ذكرها.
(٦١٣) Santiponce من قرى أشبيلية.
(٦١٤) الثغَر محركة وقد تسكن السير: الذي في مؤخر السرج.
(٦١٥) يرى القارئ أن صاحب النفح يأتي بالجغرافية والتاريخ والمحاضرات والمسامرات والنظم والنثر، كل ذلك في نسق، وأن الترتيب ليس هو الصفة الغالبة على تأليفه، بل هو في هذا سائر على قاعدة: إن الحديث شجون، ولقد رأينا الأولى أن نبقي نسقه على علاته، وأن لا نتصرف إلا ما ندر في ترتيبه وتبويبه.
(٦١٦) الأسبانيول يقولون لهذه العين Fuente del Avellano.
(٦١٧) الأسبانيول يقولون Darro.
(٦١٨) سيأتي ذكر غرناطة وقراها في محله.
(٦١٩) هذا هو الجبل الذي قال فيه القائل وقد حل بإحدى قراه:
يحل لنا ترك الصلاة بأرضهم
وشرب الحميا وهو شيء محرم
فرارًا إلى نار الجحيم فإنها
أخف علينا من شلير وأرحم
(٦٢٠) متمم كمعظم هو متمم بن نويرة بن حمزة التميمي اليربوعي الشاعر الصحابي أخو مالك بن نويرة الصحابي أيضًا رضي الله عنهما.
(٦٢١) هذا كان بعد انصداع الوحدة الأندلسية وانقسام البلاد بين ملوك الطوائف واستئساد طواغيت الأسبانيول.
(٦٢٢) الأسبان يقولون Ruzafa وهي إلى الجنوب الشرقي من البلدة.
(٦٢٣) هي مقلوبة عن طبرنة Tabernes.
(٦٢٤) نسبة إلى طرسونة من عمل سرقسطة.
(٦٢٥) Mongente وهي بلدة صغيرة قديمة واقعة في بقعة طيبة. جاء في دليل بديكر أنها من بناء العرب.
(٦٢٦) Onda قال ياقوت: بالضم فسكون، مدينة من أعمال بلنسية بالأندلس، كثيرة المياه والرساتيق والشجر، وعلى الخصوص التين، فإنه يكثر بها. وقد نسب إليها كثير من أهل العلم. ا.هـ. وذكر ياقوت بعضهم وسنذكرهم ونذكر كل من انتسب إلى أندة، وكانت أندة دار القضاعيين.
(٦٢٧) إن كانت رندة هي الشهيرة التي نعرفها فليست من متوسط الأندلس، بل هي من الجبال الجنوبية فيها، تارة كانت تعد من عمل قرطبة، وطورًا من عمل أشبيلية، وأخيرًا آلت إلى مملكة غرناطة، وهي التي منها أبو البقاء صالح بن شريف الرندي الشاعر الشهير صاحب مرثية الأندلس: لكل شيء إذا ما تم نقصان.
(٦٢٨) قال ياقوت: طريانة حاضر من حواضر أشبيلية، ينسب إليها الفقيه عبد العزيز الطرياني، كان نحويًا بارعًا، قرأ على أبي ذر مصعب بن محمد بن مسعود، قرأ عليه صديقنا الفتح بن عيسى القصري مدرس رأس عين. ا.هـ. قلت: وهي تكتب بالأسبانيولية هكذا: Triana جاء في دليل بديكر أنها مسكن الطبقة الدنيا من الشعب، وإليها ينسب الفخار الطرياني المشهور، وكان يصنع بها أحسن الزليج الأشبيلي وقد أحييت هذه الصناعة من جديد.
(٦٢٩) Xeres أو Jerez وقد كانوا يقولون لها Xeres de La Frontera ومعناه شريش الثغر، لأنها بقيت مدة طويلة في أواخر مقام العرب بالأندلس هي الثغر بين المسلمين الذين كانوا في مملكة غرناطة والأسبانيول الذين كانوا غلبوا على أشبيلية وهي اليوم ثالث بلدة في أسبانية من جهة الثروة، ومن أشهر مدن أوروبا في صنعة الخمر. وخمرها هو الذي يقال له «شري» Sherry عند الإنجليز والبلدة نظيفة خفيفة على الروح، والبيوت فيها لا تزال على طراز البناء العربي. ذهبت إليها صباحًا بسكة الحديد من أشبيلية، ورجعت منها بعد الغداء إلى أشبيلية. وكان استرداد الأسبان لشريش سنة ١٢٥١ على يد الملك فرديناند إلا أن العرب استرجعوها أول مرة. ثم عاد الأسبان فغلبوا عليها. ثم عاد العرب فأخذوها ثاني مرة بعد وقائع شداد. ثم عاد الأذفنش الملقب بالحكيم فاستولى عليها سنة ١٢٦٤ وبقيت في أيدي الأسبانيول من ذلك الحين. وسيأتي ذكرها مفصلًا متى وصلنا إلى كورة أشبيلية.
(٦٣٠) Silves قال ياقوت الحموي في معجمه: شلب بكسر أوله وسكون ثانيه، وآخره باء موحدة، هكذا سمعت جماعة من أهل الأندلس يتلفظون بها، وقد وجدت بخط بعض أدبائها: شلب بفتح الشين. وهي مدينة بغربي الأندلس، بينها وبين باجة ثلاثة أيام، وهي غربي قرطبة، وهي قاعدة ولاية أشكونية، وبينها وبين قرطبة عشرة أيام للفارس المجد. بلغني أنه ليس بالأندلس بعد أشبيلية مثلها، وبينها وبين شنترين خمسة أيام. وسمعت ممن لا أحصي أنه قل أن ترى من أهلها من لا يقول شعرًا، ولا يعاني الأدب، ولو مررت بالفلاح خلف فدانه وسألته عن الشعر فرض من ساعته ما اقترحت عليه، وأي معنى طلبت منه. وينسب إليها جماعة منهم محمد بن إبراهيم بن غالب بن عبد الغافر ابن سعيد العامري من عامر بن لؤي الشلبي، وأصله من باجة يكنى، أبا بكر، روى عن علي بن الحجاج الأعلم كثيرًا، وسمع من عبد الله بن منظور صحيح البخاري، وكان واسع الأدب، تولى الخطابة ببلده مدة طويلة، ومات لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ٥٣٢ ومولده سنة ٤٤٦ وأمر أن يكتب على قبره:
لئن نفذ القدر السابق
بموتي كما حكم الخالق
فقد مات والدنا آدم
ومات محمد الصادق
ومات الملوك وأشياعهم
ولم يبق من جمعهم ناطق
فقل للذي سره مصرعي
تأهب فإنك بي لاحق
انتهى. قلنا وينسب إلى شلب من العلماء جم غفير سنأتي بتراجمهم عند الوصول إلى ذكر المدينة.
(٦٣١) سيأتي ذكرها مفصلًا عند ذكر مدائن الغرب من الأندلس.
(٦٣٢) سيأتي ذكرها مفصلًا عند ذكر مدائن الغرب من الأندلس.
(٦٣٣) هذا الذي يقال له الكرز في الشرق وبالإفرنسية Cerise.
(٦٣٤) Loup.
(٦٣٥) قال لسان الدين بن الخطيب في «معيار الاختبار» عن المنكب: مرفأ السفن ومحطها، ومنزل عباد المسيح ومخطبها بلدة معقلها منيع وبردها صقيع، القصر مفتح الطيقان، والمسجد المشرف المكان، والأثر المنبئ عن كان وكان، كأنه مبرد واقف أو عمود في يد مثاقف، قد أخذ من الدهر الأمان، وتشبه بصرح هامان، وأرهقت جوانبه بالصخر المنحوت، وكاد أن يصل ما بين الحوت والحوت، (يريد بأحد الحوتين برج الحوت الذي بالسماء وبالثاني سمك البحر، كناية عن الارتفاع، أو كما يقولون: من السماك إلى السمك) غصت بقصب السكر أرضها واستوعب به طولها وعرضها، زبيبها فائق، وجنابها راتق، وقدمت إليها جبل الشوار بنسب الجوار منشأ الأسطول، فوعده غير ممطول، وأمده لا يحتاج إلى الطول (إلى أن يقول) هواؤها فاسد، ووباؤها مستأسد، التهبت فيها السماء وتغيرت بالسمائم المسميات والأسماء فأهلها من أجداث بيوتهم يخرجون، إلى جبالها يعرجون، والودك إليها مجلوب، والقمح بين أهلها مقلوب، والحرباء بعرائها مصلوب.
(٦٣٦) قالوا أنه لما اتسق الأمر لعبد الرحمن الداخل في الأندلس أرسل القاضي معاوية بن صالح إلى الشام ليأتيه بأخته أم الأصبغ فأبت عن الانتقال وقالت: كبرت سني وأشرفت على انقضاء أجلي ولا طاقة بي على شق القفار والبحار وحسبي أن أعلم ما صار إليه من نعمة الله. ولما صار معاوية بن صالح إلى عبد الرحمن أدخل إليه تحف أهل الشام وكان في تلك التحف من الرمان المعروف اليوم بالأندلس بالرمان السفري فجعل جلساء الأمير من أهل الشام يذكرون الشام ويتأسفون عليها وكان فيهم رجل يسمى سفر فأخذ من ذلك الرمان شيئًا لطف به وغرسه حتى علق وتم وأثمر، فهو اليوم الرمان السفري. نسب إليه.
(٦٣٧) Santiago وهي شنت ياقب أقدس مكان عند نصارى الأندلس.
(٦٣٨) الفصيح هو الطفال بالضم وبالكسر وهو الطين اليابس.
(٦٣٩) Jenechléla.
(٦٤٠) برديل هي التي يقال لها اليوم برودو Bordeaux التابعة لفرنسا كان اسمها الأصلي أيام الرومان بورديغاله Burdigala وكان لها شأن عظيم في أيام الرومانيين وصارت الحاضرة العلمية لبلاد الغال. ثم عندما زحف البرابرة من الشمال مثل الألبنيين Alains والسويفيين Suèves والفندال أخذ عمرانها يرجع إلى الوراء وسنة ٤١٣ للمسيح استولى عليها القوط ثم أخذها منهم الفرنج لعهد كلوفيس وسنة ٧٢٩ شن العرب عليها الغارة وذهب دوق أكيتانية التي كانت برديل تابعة له مستصرخًا شارل مارتل إلى أن جرت واقعة بلاط الشهداء التي محص فيها العرب وانقطع أملهم من التوغل في أوروبا.
(٦٤١) تجمع الرحى على أرح ورُحِيّ وأرحاء ونادرًا على أرحية.
(٦٤٢) لم يرد في فصيح اللغة «الخاطر» بمعنى المسافر وإنما هو من استعمال العوام وقد تابعهم فيه بعض المؤلفين.
(٦٤٣) كان يقال لبلدة مربيطر في الماضي سافنتو Saginto وهي مدينة أيبيرية استولى عليها القرطاجنيون في زمن أنيبال الذي جاء بعد سدروبال ونازعهم عليها الرومانيون فجرت وقائع هائلة فاستولى القرطاجنيون على سافنتو في أول الأمر إلا أنها سنة ٢١٤ قبل المسيح آلت إلى الرومانيين. والملعب العظيم الذي فيها هو من آثار هؤلاء.
(٦٤٤) لم نسمع بذكر شجرة كهذه في عصرنا الحاضر.
(٦٤٥) وهذا الفأس أيضًا لم نسمع بخبره في هذا الزمن.
(٦٤٦) قلت: إن هذا الخبر أقرب جدًا إلى العقل من خبر الزيتونة التي تورق وتثمر في يومٍ واحد، وكذلك من خبر الفأس الذي لا يقدر أحد أن يرفعه من المغارة … بل الخبر المروي عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه عدا قربه للعقل له آثار ترجع إليه. وفي آخر كتابي «غزوات العرب في أوروبا» الذي طبع سنة ١٣٥٢ فصل بقلم الأستاذ السيد عبد العزيز الثعالبي التونسي يتعلق بهذا الموضوع قال في أوله إن أول واضع لخطة الفتوحات الإسلامية في أوروبا هو الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنه حين ندب أخاه من الرضاع عبد الله بن سعد بن أبي سرح لفتح بلاد شمالي أفريقية ووافته البشائر بفوز جيوشه على جيوش جيجير والي جيطلة من قبل البيزنطيين ندب القائدين البحريين الجليلين عبد الله بن عبد القيس وعبد الله ابن نافع بن الحصين الفهريين وكانا على الأسطول فأمرهما بالمسير إلى الأندلس وكتب لهما وصية سياسية في ذلك تلك الوصية الخالدة التي يقول فيها: إن القسطنطينية تفتح من قبل الأندلس وإنكم إن فتحتم ما أنتم بسبيله تكونون شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر. وقد اتخذ ولاة شمالي أفريقية وقواد أجنادها هذه الوصية نبراسًا لسياستهم الإسلامية التي يسيرون عليها. وأول أمير شرع في إعداد الوسائل والمعدات لتنفيذ تلك الوصية الأمير حسان بن النعمان شيخ وزراء الدولة الأموية بعد أن دان له شمالي أفريقية بالطاعة فقد أنشأ بفناء قرطاجنة دار الصناعة لبناء السفن والأساطيل وصنع الأسلحة وجلب لها الصناع من قبط مصر وسار على منهاجه في ذلك مولاه طارق بن زياد بعد أن ولي المغرب فجاز بجيوشه أرض العدوة وناجز الأندلسيين سنة ٩٢ ثم تلاهما في ذلك إسماعيل بن أبي المهاجر الذي تقلد إمارة شمالي أفريقية في عهد عمر بن عبد العزيز فأغزى أساطيله جنوبي أوروبا سنة ١٠٥ وكانت قيادتها لعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي ولم يعد إلا بعد أن أثخن في إيطالية. وهذه الغزوة تعتبر كبشير لإنقاذ الإيطاليين من حكم البيزنطيين الطغاة. وفي ولاية عبيد الله بن الحبحاب لأفريقية جهز أسطولًا كبيرًا جعل إمارته لقائد جيوشه الموفق حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة الفهري فغزاها سنة ١٢٣ ونكل فيها بالبيزنطيين أشد تنكيل. ولو لم تحصل ثورة البربر ضد الحكم العربي بسبب تخميس أعشارهم لتملك شطوط إيطالية وطهرها من حكم البيزنطيين كما فعل ذلك من قبل حسان بن النعمان في شمالي أفريقية. وفي سنة ٢٠٧ بعد استقرار الدولة الأغلبية جهز زيادة الله الأكبر أسطولًا بإمارة قائده محمد بن عبد الله التميمي لمنازلة سردينية ثم أعاد عليها الكرة سنة ٢١٢ وكانت إمارة الجيوش في هذه المرة لقاضي القضاة الإمام أسد بن الفرات فملك «مازرة» وحاصر «سركوسة» وحول أسوارها وأدركت الإمام الشهادة رضي الله عنه سنة ٢١٣ فتولى القيادة العامة صاحب أسطول الأندلس القائد أصبغ المعروف بغرغلوسن: وبعد أن استقرت الأمور في البلاد المفتوحة قلد زيادة الله إمارة إيطالية لابن أخيه إبراهيم بن عبد الله بن الأغلب وما زال متواليًا للجهاد حتى فتح بلبرم ونابولي. ا.هـ. ومن شاء الاطلاع على تتمة البحث فليراجعه في كتابنا «غزوات العرب في أوروبا» ولقد قابلت روايات الشيخ الثعالبي بالكتب المعتمدة في التاريخ فلم أجد إلا ما يؤيدها قال أبو الفداء: في أيام عثمان فتحت أفريقية وكان المتولي لذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح ولما فتحت أفريقية أمر عثمان عبد الله بن نافع بن الحصين أن يسير إلى جهة الأندلس فغزا تلك الجهة وعاد عبد الله بن نافع إلى أفريقية، وسنة ثمان وعشرين استأذن معاوية عثمان في غزو البحر فسير معاوية إلى قبرص جيشًا وسار إليها أيضًا عبد الله بن سعد من مصر فاجتمعوا عليها وقاتلوا أهلها ثم صولحوا على جزية سبعة آلاف دينار في كل سنة. وجاء في تاريخ «البيان المغرب في أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي خبر غزو معاوية ابن حديج لجزيرة صقلية في مائتي مركب. ولم أجد شيئًا فيه نظر من كلام الأستاذ الثعالبي إلا إهماله ذكر موسى بن نصير في فتح الأندلس، وجعله طارق بن زياد مولى لحسان بن النعمان، والحال أن طارق كان مولى موسى بن نصير وهو الذي أغزاه الأندلس وأما قول المقري في النفح: وأي وقت بعث عثمان إلى الأندلس مع أن فتحها بالاتفاق إنما كان زمان الوليد. فليس بشيء لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمرهم بأن يغزوا الأندلس وكانوا في ذلك الوقت يحسبون جزائر غربي البحر المتوسط كلها من الأندلس فغزوها وأرادوا أن يعملوا بفكرة عثمان بغزو نفس الأندلس الكبيرة عند أول فرصة تلوح لهم فبقيت هذه الفكرة تتخمر في رؤوس عمال الخلافة على أفريقية إلى زمن موسى بن نصير عامل الوليد الأموي فخرجت من القوة إلى الفعل.
(٦٤٧) يريد بقوله إن الصحاري فيها معدومة، الأندلس القديمة، أي الولايات الجنوبية من أسبانية. فأما شمال أسبانية ففيه صحراء شاسعة واسعة جاء في دليل بديكر أن هذا البسيط المتوسط كان من جملة الصحاري لو لم يكن العرب أنشأوا له نظام ري جرّوا به المياه إليه لإحيائه ولا تزال بقايا آثارهم في ذلك مدهشة للناظرين.
(٦٤٨) نعم خاب ذلك الرجاء كما قال المقري وبعد أن كان في الأندلس خمسة عشر مليون مسلم لم يبق منهم فيها إلا خمسة عشر مغربيًا في جبل طارق يتعاطون البيع والشراء وبعد أن كان فيها خمسة عشر ألف مسجد أحدها مسجد قرطبة الذي يسع ثمانين ألف مصل لم يبق فيها إلا مسجد يسع ثلاثين مصليًا داخل دار بجبل طارق تخص حكومة المغرب صليت فيه يوم زرت الجبل المذكور وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.
(٦٤٩) البيلة هي صهريج منحوت من رخام أو حجر وكثيرًا ما يذكر في تواريخ المغرب أن فلانًا صنع في المسجد أو القصر بيلة أو بيلتين. وفي فاس بالمدرسة العنانية بدار الوضوء بيلة جلبها أبو عنان المريني.
(٦٥٠) Alphonse وقد يقول له العرب الأذفنش.
(٦٥١) يقال لهذه المنارة عند الأسبانيول الخيرالده La Giralda وهي أعجوبة أشبيلة جاء في دليل بديكر أن هذه المنارة كانت منارة الجامع الأعظم بناها المهندس العربي جابر ليعقوب بن يوسف سلطان الموحدين بين سنة ١١٨٤ للمسيح وسنة ١١٩٦ وقد وضع فيها بقايا أبنية قديمة لوجود كتابات رومانية لا تزال في حيطانها وهي مبنية من الطوب كلما ازداد ارتفاعها تزداد ضيقًا وهي في الغاية والنهاية من تناسب الخطوط وقاعدتها مربع يبلغ ١٣ مترًا و٥٥ من جهة إلى جهة وسمك الحائط من مترين وثمانية إلى مترين وثلاثين ومن جهتها يوجد تجويفان فيهما تصاوير ممحوة من رسم لويس بركاش Vargas. وعندما يبلغ العلو ٢٥ مترًا يصير السطح الأعلى للجدران بجانب النوافذ مغطى بشبكات من الطوب ومزينًا بمحاريب. وقد أفسد المنظر البديع الذي كان لهذه المنارة ما توجوها به في أيام العهد المسيحي فإن قسيس الكنيسة العظمى قد أزال القمة المخرمة التي كانت تنتهي بها المنارة وجعل مكانها أبنية مربعة تنتهي بقبة عليها كتابة وصورة امرأة تمثل «الإيمان» وكان هذا البناء الذي شوهوا به هذه المنارة سنة ١٥٦٨ وعلو «الخيرالدة» عن الأرض ٩٣ مترًا. ا.هـ.
هذا وقد صعدت إليها يوم زرت أشبيلية وهي من أبدع آثار العرب في أسبانية وإليها يقصد السياح من أقطار الأرض ويسرح النظر من أعلاها فيما لا نهاية له. ولكني لم أعلم من أين جاء اسمها هذا «الخيرالدة» إلا إن كان محرفًا عن «الخالدة» ويعقوب المنصور سلطان الموحدين كان من أعظم ملوك الإسلام وأفخمهم آثارًا وله في الرباط من العدوة جامع حسان الشهير كان قائمًا على ٤٠٠ سارية محيط كل منها ١٤ شبرًا وطولها أزيد من ٢٠ شبرًا ومساحة الجامع ٢٦٥٩ مترًا مربعًا وكانت له منارة علوها يزيد على ٦٠ مترًا ومحيطها ٢٤٠ شبرًا وكانت هذه المنارة أعجوبة من الأعاجيب وكانت أشبه شيء بمنار الإسكندرية ولا تزال ماثلة تشهد بعلو همة المنصور فليست منارة أشبيلية هي الفذة من آثاره الخالدة.
(٦٥٢) من أحسن ما كتب عن مآثر البناء الباهرة في المغرب كتاب اسمه «مراكش ومدن الصناعة الفنية» التي منها طنجة وفاس ومكناس والرباط ومراكش، فيه ٢٢٧ صورة لتلك الآثار الباهرة والمعالم الزاهرة مؤلفه — بيار شامبيون Peirre Champion Le Marco et ses Villes d’Art.
والقارئ يجد في هذا الكتاب من المنابر التي أنشأها يعقوب المنصور في المغرب مالا يقل حسنا وبداعة وفخامة عن منارة اشبيلية ويرى من مآثر المرينيين والسعديين والعائلة المالكة اليوم مالا تفى العبارات بأوصافة مهما ملك الكاتب من ناصية البيان وقد قال الأخوان الكاتبان جيروم وجان نارو من مشاهير كتاب فرنسا: إن من لم يشاهد في حياته مقبره الملوك السعديين في مراكش لم يدرك إلى أية درجة من الارتقاء بلغت المدينة الاسلامية.
(٦٥٣) نقلنا فيما تقدم جميع ما ذكره ابن حوقل عن الأندلس.
(٦٥٤) هو ما يقال له اليوم «الخزينة الخاصة» وكان لسان الدين بن الخطيب يقول «مستخلص السلطان».
(٦٥٥) قال لاوي بروفنسال في كتابه «أسبانية المسلمة في القرن العاشر» ما يلي:

أما من جهة مجموع دخل الخزانة في أيام خلافة بني أمية بالأندلس لعهد الناصر فقد وردت بشأنه شهادة يزيد قيمتها صدورها عن رجل هو أميل إلى التنزيل من قدر الأمويين منه إلى التعظيم من أمرهم وهو ابن حوقل الذي أقام مدة بقرطبة وذلك في النصف الثاني من القرن العاشر فهو يقول إن دخل خزانة الخلافة من أول تولي الناصر إلى سنة ٣٤٠ (٩٥١) بلغ عشرين مليون دينار ذهب وثلثمائة وأربعين مليون درهم من الفضة وهو مبلغ عظيم جدًا بالنسبة إلى ذلك العصر. ولقد كان هذا الدخل مضاعفًا في أيام الحكم المستنصر فبلغ إذ ذاك أربعين مليون دينار. ا.هـ. وسنعود إلى هذا البحث عند الكلام على التاريخ.

(٦٥٦) هذا البحث قد تقدم عند نقلنا عن ابن حوقل وهو عبارة عن مناقشة بين مسلمي الشرق والغرب كل فريق منهما يعير الآخر ويتهمه بخذلان قومه وقد أوردنا حكمنا في ذلك وقلنا إن الجميع في هذا المرض سواء وإنهم بعضهم ببعض أشبه من الماء بالماء ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(٦٥٧) أصاب الكاتب هنا المحز، ومما لا جدال فيه أن تعاقب الولاة المستمر على القيروان وبالتالي تعاقب أمراء الأندلس الذين كانوا يتولونها من قبلهم لا يكاد الواحد منهم يصل إلى قرطبة حتى يأتي الخبر بعزله قد كان الأصل الأصيل في اضطراب حيل الإدارة وفي وقوف الفتوحات العربية في أوروبا لأن الثبات والاطراد هما من أهم شروط النجاح. فلما صار الحكم إلى بني أمية في قرطبة واستقر بها ملكهم وتوطد سلطانهم عظمت الدولة في الأندلس ورسخت العزائم وسمت الهمم واستتبت القواعد كما قال. غير أن هناك ملاحظة لا بد منها وهي أن الجهاد العربي في أوروبا أيام وحدة الخلافة كان وراءه الجيوش الجرارة تزحف من أقاصي خراسان إلى فارس إلى العراق إلى الشام إلى مصر إلى المغرب فلا ينقطع مددها ولا يكاد يحصى عددها. فلما انفصلت الأندلس عن الخلافة العباسية انفردت الأندلس بنفسها ولم يبق لها معول في الجهاد إلا على مسلمي الأندلس وحدهم وهؤلاء دائرتهم محدودة ومادتهم منحصرة وليسوا أكفاء بأنفسهم لأمم النصرانية التي هي أمامهم كلجج البحر الأخضر. فمن بعد افتراق الأندلس عن الخلافة العباسية انقطع ما بينها وبين سائر بلاد الإسلام وأصبحت يتيمة غريبة مقطوعة الظهر إلا ما كان يرد عليها في الأحايين من مجاهدين ومهاجرين من المغرب الأقصى دون سواه وشتان بين هذا المدد المحدود والمدد العام الذي كان ينظم ما بين الشرق والغرب.
(٦٥٨) أمراء بني أمية في قرطبة كانوا على وجه الإجمال على استقامة في أمورهم ولم يخرج منهم من يجاهر بالفسق كما خرج من أمراء بني أمية في دمشق. وكانوا في الأندلس مذعنين للحق مقيمين لشعائر الإسلام متحلين بحلى التقوى ومجاهدين في سبيل الله ولم يتهتك أمرهم بسبب فسق أو ظلم أو إهمال للحكم، ولكن أراد الله أن يكون هشام بن الحكم المستنصر فسلًا ضعيفًا لا يقدر على إدارة أمور المملكة بنفسه فاستبد بالأمر الحاجب المنصور بن أبي عامر وحجر على الخليفة ولم يبق له شيئًا فأحفظ ذلك بني أمية وأعوانهم وكثيرًا من أبناء البيوتات العربية الذين غصوا بمكان العامريين ولم تتحمل نفوسهم هذا الاستئثار من هؤلاء بالدولة فصاروا قاعدين لهم كل مرصد حتى يثبوا عليهم ويعيدوا الأمر كما بدأ. وكان المنصور وابنه المظفر يعلمان ما يجيش في صدور الأموية وبيوتات العرب من الحقد عليهم فأخذا باستعمال البربر وعولا عليهم وأوقعا العداوة والبغضاء بين العرب والبربر وكان كل منهما من الحزم والتدبير بحيث استوسق له الأمر فلما جاءت دولة شنجول ابن المنصور وكان فسلًا فاسد التدبير تمكن الأمويون من إسقاطه واشتعلت الفتنة التي أسالت الدماء جداول في قرطبة ووقع بين العرب والبربر ما كان السبب في صدع وحدة الدولة وظهور ملوك الطوائف واستئساد طواغيت الأسبانيول واسترجاعهم كثيرًا من الحصون والمدن وباختصار رجع النصارى في الأندلس فكرّوا على المسلمين وكانوا أوشكوا أن يقلعوهم من الأندلس تمامًا لولا نصرة الدول المغربية كالمرابطين ثم الموحدين ثم بني مرين الذين نسأوا في أجل إسلام الأندلس نحوًا من ثلاثمائة سنة بالأقل.
(٦٥٩) يشير إلى استئثار العامريين بالأمر وغلبتهم على الخلافة وما آل إليه ذلك من الفتنة التي بددت شمل الأمة وأظهرت ملوك الطوائف.
(٦٦٠) مثل ابن مردنيش وغيره.
(٦٦١) عندما ظهرت ملوك الطوائف وأخذ بعضهم يغزو بعضًا والعدو يستفيد من الغازي والمغزو ويهتبل كل غرة، خاف المرابطون ومن بعدهم الموحدون أن يسقط الإسلام كله في الأندلس، فخفوا لنجدته وأجازوا إلى الجزيرة بالجيوش الجرارة واستولوا على أكثر ما كان بأيدي ملوك الطوائف. ولكن بعض هؤلاء كانوا يجاذبونهم الحبل مثل ابن هود مثلًا وطالما استظهروا بالأسبانيول على دول بر العدوة.
(٦٦٢) مثل بني أبي عبده وبني حدير وبني شُهيد وبني جَهْوَر وغيرهم مما سيأتي ذكره في محله.
(٦٦٣) الحاجب في زمن الحكم المستنصر كان في يده جميع أمور المملكة، ولذلك عندما مات ووراءه ولد صغير هشام الثاني غلب الحاجب على الأمر، وحجب الخليفة وأدى ذلك فيما بعد إلى الفتنة وسقوط الخلافة، ولقد كان الناصر أبصر بالعواقب فأبقى المملكة بدون حجابة مدة ثلاثين سنة ووزع الأعمال بين وزرائه فرارًا من حصر السلطة في الحاجب.
(٦٦٤) كان هذا اللقب من أوضاع بني العباس ومعناه وزارة القلم ووزارة السيف وأول من لقب به في الأندلس عبد الملك بن شهيد سنة ٣٢٧ في دولة عبد الرحمن الناصر.
(٦٦٥) ويقال له: صاحب الأشغال الخراجية، وكانوا يقولون أحيانًا لديوان المالية «ديوان الأزمة».
(٦٦٦) ما رأيت في التاريخ بلدًا من بلدان الإسلام يعني أهله بقراءة القرآن بوجوهها أكثر من الأندلس.
(٦٦٧) كان أهل الأندلس لأول الفتح على مذهب الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام الذين كانت لهم اليد الطولى في فتح الأندلس، وكانت الدولة الأموية تعول عليهم قبل الجميع، وبقي الأندلسيون على مذهب الأوزاعي إلى زمن هشام بن عبد الرحمن الداخل ففي ذلك الوقت رحل زياد بن عبد الرحمن بن زياد اللخمي المعروف بشبطون إلى الشرق، وسمع من مالك كتابه الموطأ ورحل جماعة غير شبطون كقرعوس بن العباس وعيسى بن دينار، وسعيد بن أبي هند، وغيرهم ممن رحل إلى الحج، فلما رجعوا إلى الأندلس وصفوا من فضل مالك، وسعة علمه وجلالة قدره، ما عظم به صيته بالأندلس وكان رائدهم في ذلك شبطون، وهو أول من أدخل موطأ مالك إلى الأندلسيين مكملًا متقنًا، وقيل إن الإمام مالكًا رضي الله عنه سأل بعض الحجاج الأندلسيين عن سيرة ملك الأندلس فوصفوا له سيرة الأمير هشام بن عبد الرحمن وأثنوا له عليه وكان مالك غير راض عن سيرة بني العباس ولا سيما بعد أن فعل أبو جعفر المنصور بعلوية المدينة الأفاعيل من الحبس والإهانة فقال الإمام مالك للأندلسيين: نسأل الله أن يزين حرمنا بمثل ملككم. فوصل الخبر إلى الأمير هشام مع ما علم من جلالة مالك وورعه فحمل الناس على مذهبه، وقد ذكرنا هذه القصة برواياتها في حواشينا على كتاب محاسن المساعي في مناقب الإمام أبي عمرو الأوزاعي، الذي طبعناه من ثلاث سنوات فمن شاء فليراجعها في ذلك الكتاب.
(٦٦٨) لم يبرح هذا الاصطلاح في المغرب إلى اليوم.
(٦٦٩) ولا أظن هذا الاستثقال خاصًا بأهل الأندلس.
(٦٧٠) قال ابن خلدون رحمه الله في مقدمته تحت عنوان «إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده»:

إن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها، حصل اعتقادًا، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء. أو لما تراه، والله أعلم، من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس، وإنما هو بما انتحله من العوائد والمذاهب، نغالط أيضًا بذلك عن الغلب، وهذا راجع للأول. ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله، وأظهر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم متشبهين بهم دائمًا؟

وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم. وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر، لأنهم الغالبون لهم، حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى، ولها الغلب عليها، فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم، حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت، حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء والأمر لله. ا.هـ.

قلت وقد نظرنا هذا بأعيننا في العصر الأخيرة عندما ظهر غلب الغرب على الشرق بأسباب كثيرة ليس هنا موضع ذكرها فتهافت ولاة الأمور في الشرق على تقليد الأوربيين لا في إتقان العلوم والصناعات وتنظيم أحوال الاجتماع وتسديد أمور الملك فقط، مما هو واجب حتمًا، بل تهافتوا على تقليدهم في أزيائهم وملابسهم ومآكلهم ومشاربهم.
وبدأ ذلك في أيام السلطان محمود العثماني. ولكن لم يبلغ في وقت من الأوقات حب هذا الاقتداء ما بلغه في هذا العصر، لا سيما بعد الحروب العامة، فما كادت تركية وإيران تسترجعان استقلالهما، حتى بدأنا بالتشبه بالأوربيين في الدقيق والجليل والكلي والجزئي وأصدرت الحكومة التركية أوامرها بلبس القبعة حتمًا. ودقت مئات من الأعناق على مجرد الاعتراض عليها. وجعلت الأحرف اللاتينية مكان الأحرف العربية برغم أن كتابة التركية بالأحرف اللاتينية قد انحرفت بهذه اللغة عن لهجتها الأصلية، واستبدلت بها لغة غير الأولى، ولم يكتفوا بهذا حتى لو أرادوا حمل الأتراك على طمس معالم كل قديم، وتحدثوا بإلغاء التاريخ التركي من أصله، ومنعوا الألحان الشرقية وآلات الطرب الشرقي، وتبدلوا بها الموسيقى الأوربية، وكادوا ينتقلون إلى منع المآكل الشرقية لو لم تكن الأذواق أصعب مراسًا من غيرها، وكل هذا من باب اقتداء المغلوب بالغالب، مما أشار إليه إمام علم الاجتماع ابن خلدون رحمه الله، وليس في الحقيقة بضرورة من الضرورات، ولقد ترقى اليابانيون، وبلغوا مبالغ الأوربيين في كل شيء، وربما بذوهم، ولم يزالوا يابانيين في أذواقهم وعاداتهم، ومآخذهم ومتاوكهم، وكل شيء توارثوه عن آبائهم.
(٦٧١) لا نعلم لماذا قال المسعودي إن أخا لذريق هو الذي قتله طارق بن زياد، على حين أن الرواية المشهورة هي أن لذريق نفسه هو الذي قتل في المعركة التي وقعت بين المسلمين والأسبانيول، وبها انهار ملك القوط بالأندلس، وقد جاء في كتاب «أخبار مجموعة» الذي هو أول تاريخ للأندلس بعد أن انهزم لذريق — وفي أخبار مجموعة يقول رذريق، وهي أقرب إلى الأصل — لم يدر أين وقع، إلا أن المسلمين وجدوا فرسه الأبيض، وكان عليه سرج له من ذهب مكلل بالياقوت والزبرجد، ووجدوا حلة من ذهب مكللة بالدر والياقوت، وقد ساخ الفرس في الطين، وفي السواخ وقع فيه وغرق العلج، فلما أخرج رجله ثبت الخف في الطين، والله أعلم ما كان من أمره، لم يسمع له خبر، ولا وجد حيًا ولا ميتًا. انتهى.
وقد جاء في بعض تواريخ الأسبان أن لذريق لم يقتل في المعركة، وأنه فر إلى شمالي أسبانية، وبقي يقاتل المسلمين إلى أن مات، ولكن الرواية الغالبة هي أن لذريق قتل في المعركة.
(٦٧٢) هذه اللفظة محرفة بالنسخ ولاشك بأن مراد المسعودي، بها أمة الباسك أو الباشكونس وكان يقال لهم قديمًا Vascongados.
(٦٧٣) أخطأ المسعودي في قوله أن نهر تاجه ينصب في البحر الرومي، والحقيقة أن مصبه في المحيط الأطلانطيكي، ولعله وقع منه سهو فحسب نهر تاجه هو نهر إبره الذي يمر بسرقسطة، فإن هذا ينصب في البحر الرومي.
(٦٧٤) لعله أراد سنجار، لأننا لا نعلم بلدًا اسمه سنجة في بلاد الجزيرة. وأما سنجار فهي منها وهي على نهر. ويوجد بلدة يقال لها سنجة، والعجم تقول لها سنكة ولكنها ليست في الثغر الجزري، بل في خراسان، ويقال لبلادها الغور. وقد كنا نقول لعل في جملة «الثغر الجزري» تصحيفًا، وحقها أن تكون «الثغر الخزري» نسبة إلى بحر الخزر ولكن ينفي ذلك قوله «مما يلي سميساط» والحال أن سميساط هي مدينة من الثغر الجزري بالعجم. فأما بلاد «سرحة» فلم نجد لها ذكرًا في بلاد الجزيرة. وإنما يوجد سرحة في اليمن. فالصحيح أنها سرجة بنقطة وهي بقرب سميساط، على شاطئ الفرات كما ذكر ياقوت في معجم البلدان.
(٦٧٥) أهم شيء في التاريخ، وهو الذي يقرب الوقائع إلى الذهن، ويجعل القارئ كأنه يراها بعينه، هو أن يكون المؤرخ معاصرًا للأشخاص الذين يصفهم، وللوقائع التي يرويها، لا سيما إذا كانوا من الرجال المشهورين في التاريخ، أو كانت الوقائع التي يتحدثون عنها من الحوادث التي اشتهر خبرها: فالمسعودي، كابن حوقل، كان معاصرًا للخليفة العظيم عبد الرحمن الناصر وهو يكتب تاريخه هذا سنة ٣٣٢، إلى بعد أن خرج ابن حوقل في سياحته، وبدأ بكتابه، بسنة واحدة: والواقعة التي محص فيها المسلمون في زمان عبد الرحمن في بلاد الجلالقة عند مدينة سمورة، وذكر المسعودي وقوعها سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وقتل فيها من المسلمين أربعون ألفًا، وقيل خمسون ألفًا هذه نفسها جاء خبرها في كتاب «أخبار مجموعة» ولكنه جعلها في عام ستة وعشرين وثلثمائة، ولم يذكر عدد شهداء المسلمين فيها، وإنما قال أنهم هزموا أقبح هزيمة وأتبعهم العدو أيامًا يأسرونهم ويقتلونهم في كل محلة فلم يكد ينجو منهم إلا قوم جمعوا أصحابهم على ألويتهم، وتخلصوا إلى بلدانهم. ثم إن المسعودي يذكر أن الثغر بين المسلمين والإفرنج سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، كان طرطوشة، على ساحل البحر الرومي، ثم يذكر غارات المجوس على الأندلس.
ثم هناك نقطة ذات بال وهي أن من ملك الحرمين الشريفين يحق له أن يدعي الخلافة. وهي من النظريات التي كانت تدور في ذلك العصر، ولا تزال إلى يوم الناس هذا.
(٦٧٦) ستعلم أن عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر عاد فنادى بنفسه خليفة، واطلق عليه مسلمو الأندلس هذا اللقب، وذلك بعد أن ضعف شأن الخلافة العباسية واستبد بهم الأعاجم، وتصدعت وحدة المملكة العربية. فرأى عبد الرحمن نفسه جديرًا بالخلافة، ولم يكبر ذلك أحد، لأنه كان أعظم ملوك عصره في عالمي الإسلام والنصرانية وسار على خطته ابنه الحاكم الملقب بالمستنصر، ولكن خلف من بعدهما خلفٌ أضاعوا الخلافة، وكان ذلك مبدأ ضياع الأندلس.
(٦٧٧) Fraguas ومن عادة العرب أن يجعلوا ألفًا قبل الاسم حتى لا يبدأوا بالساكن وقد قيل في طرابلس اطرابلس وفي غرناطة أغرناطة وفي فراغه إفراغه ولها نظائر.
(٦٧٨) هؤلاء هم النورمنديون وكانوا وقتئذ مجوسًا.
(٦٧٩) La Manche.
(٦٨٠) وربما قال العرب «ألبرتات» وهي لفظة إفرنجية معناها الأبواب وهذا الجبل هو البرانس أو البيرانة.
(٦٨١) هذا خلاف ما زعمه ابن حوقل. والصحيح في هذا المقام هو كلام المقدسي.
(٦٨٢) يقال هيطل لبلاد ما وراء النهر: بخارى وسمرقند وما جاورهما.
(٦٨٣) كذا ولم يظهر لنا مراد المؤلف هنا إلا أن يكون ثمة تحريف.
(٦٨٤) تقدم لنا ذكر لفظة المنية وماذا كانوا يعنون بها، وهذا نص يؤيد ما ذكرناه وهو أن المنية المتنزه أو البستان.
(٦٨٥) يعني سرقسطة وهو أقرب إلى لفظ الأسبانيول بها.
(٦٨٦) الملاك: الزواج.
(٦٨٧) المشهور أنه بسرقسطة ولكن تطيلة هي من عملها.
(٦٨٨) السفن محركة جلد أخش كجلود التماسيح يجعل على قوائم السيوف.
(٦٨٩) جمع سنجة وهي ما يوزن به كالأوقية والرطل.
(٦٩٠) عرب الأندلس كانوا يتكلمون بالأمالة، وسنأتي بأمثال من ذلك عند الوصول إلى هذا الموضوع.
(٦٩١) قرشه: جمعه من ههنا وههنا وضم بعضه إلى بعض. قال الفراء: ومنه قريش القبيلة وأبوهم النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي دون ولد كنانة ومن فوقه كذا في الصحاح. قال الزبيدي في تاج العروس: قلت وعند أئمة النسب كل من لم يلده فهر فليس بقرشي، قاله ابن الكلبي، وهو المرجوع إليه في هذا الشأن. وقيل سميت قريش بهذا الاسم حين غلب عليها قصي ابن كلاب، وكان يقال: تقرّش القوم إذا اجتمعوا، وكان قصي يسمى مجمعًا لجمعه قريش بالرحلتين، وقيل لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها، أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يومًا فقالوا تقرش. أو لأنه جاء إلى قومه يومًا فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد. أو سموا قريش بمصغر القرش، وهي دابة بحرية سيدة دواب البحر وكذلك قريش سادات الناس جاهلية وإسلامًا، وقيل سموا بذلك لأنهم كانوا أهل تجارة، لا أصحاب زرع وضرع، من قولهم فلان يتقرش المال، والنسبة إلى قريش قرشي ونادرًا يقال قريشي.
(٦٩٢) هو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وقريش كلهم ينسبون إليه.
(٦٩٣) نسبةً إلى بني أمية، وهما أميتان الأكبر والأصغر ابنا عبد شمس بن عبد مناف من قريش، والنسبة إليهم أموي بضم ففتح وأموي بالتحريك على التخفيف.
(٦٩٤) نسبةً إلى أنصار الرسول .
(٦٩٥) نسبة إلى الأوس وهو أوس بن قيلة أخو الخزرج.
(٦٩٦) نسبة إلى الخزرج وكان الخزرج والأوس أخوين، وهما ابنا قيلة، وهي أمهما، وأبوهما حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد من عرب اليمن.
(٦٩٧) نسبة إلى قحطان أبو عرب اليمن، وقالوا في نسبه قحطان بن عامر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
(٦٩٨) نسبة إلى حمير وهو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
(٦٩٩) نسبة إلى مخزوم وهو ابن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأولاده حي من قريش ومخزوم أيضًا قبيلة من عبس وهو بن مالك بن غالب بن قطيعة ابن عبس.
(٧٠٠) نسبة إلى تنوخ كصبور قبيلة من اليمن، قيل إنهم عدة قبائل اجتمعوا وتحالفوا وقيل تنوخ ونمر وكلب ثلاثتهم إخوة.
(٧٠١) نسبة إلى غسان كشداد وهو ماء نزل عليه قوم من الأزد بين رمع وزبيد من اليمن، فسموا به وهم بنو مازن بن الأزد بن الغوث من عرب اليمن.
(٧٠٢) نسبة إلى الأزد وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ، ويقال أزد شنوتة وأزد عمان وأزد السراة واستدرك الزبيدي على صاحب القاموس أزد بن عمران بن عمرو بن عامر، وقالوا أن الأزد افترقوا على سبع وعشرين قبيلة.
(٧٠٣) نسبة إلى قيس عيلان وهو أخو إلياس الذي هو خندف، وكلاهما ولد مضر وقد غلب هذا الاسم على العرب العدنانية، فالناس يقولون قيس ويمن.
(٧٠٤) نسبة إلى معافر حي من همدان من عرب اليمن.
(٧٠٥) نسبة إلى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وهم خمس قبائل بنو عبد مناة بن كنانة، وبنو عمرو بن كنانة، وبنو عامر بن كنانة، وبنو ملكان ابن كنانة، وبنو مالك بن كنانة، ثم بنو كنانة قبيلة أخرى في تغلب بن وائل، وقبيلة من كلب منهم خلف بن حامد الكناني من قضاة الأندلس.
(٧٠٦) تميم كأمير ابن مرّ بن أد بن طابخة أبو قبيلة من مضر مشهورة.
(٧٠٧) هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر حي من مضر.
(٧٠٨) نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أو إلى بني بكر بن عبد مناة بن كنانة ابن خزيمة أو إلى بكر بن عوف بن النخع أو إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب أو إلى بكر بطن من عذرة.
(٧٠٩) كلاب في قريش هو ابن مرة وفي هوزان ابن ربيعة بن صعصعة.
(٧١٠) النمر ككتف بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة، والنسبة إليه نمري بفتح الميم، والحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر المالكي الأندلسي هو نمري.
(٧١١) يعمر بطن من كنانة وربما كان هذا اللفظ هو اليعفري، لا اليعمري، وذلك لأننا نقلنا كلام لسان الدين بن الخطيب عن الإحاطة طبعة مصر، وهي طبعة مشحونة غلطًا وتصحيفًا وتحريفًا. وقد رددنا كثيرًا من ألفاظها إلى الأصل بالقرينة والاستدلال فإن كان هذا اللفظ هو اليعمري، فيوجد في العرب قبيلة اسمها يعمر جاء ذكرها في تاج العروس، إلا أنه لم ينسبها ولكن السويدي ذكر أنها من كنانة. وإن كان هو اليعفري فبنو يعفر هم بطن من حمير ويقال لهم الأوزاع.
(٧١٢) مازن بن مالك بن عمرو بن تميم وهم حي مشهور منهم أبو عثمان المازني النحوي وبنو مازن أيضًا من الخزرج، وبنو مازن بن منصور بن عكرمة من قيس عيلان. وبلادهم الطائف وجبالها.
(٧١٣) ثقيف كأمير أبو قبيلة من هوزان واسمه قسيّ بن منبه بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان.
(٧١٤) نسبة إلى سليم كزبير وهو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة من قيس عيلان، وهم قبيلة كبيرة منتشرة في الشرق والغرب، ومنهم أكثر عرب برقة.
(٧١٥) فزارة بلالام ابن ذبيان بن غضيب بن ريث بن غطفان، أبو قبيلة من غطفان منهم بنو العشراء وبنو غراب وبنو شمخ.
(٧١٦) نسبة إلى باهلة قبيلة من قيس عيلان، وباهلة اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان فنسب ولده إليها.
(٧١٧) نسبة إلى عبس اسم أصله الصفة وهو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس. وهم رهط الحطيئة الشاعر وعروة بن الورد وإليهم ينسب عنترة بن شداد، وفي بني هلال أحياء ينسبون إلى عبس.
(٧١٨) العنس بسكون النون بطن من كهلان وإليهم ينسب الأسود العنسي الذي كان في اليمامة وارتد هو مسيلمة الكذاب.
(٧١٩) عذرة بلالام قبيلة في اليمن وهم بنو عذرة بن سعد هذيم بن سعد بن ليث ابن سود بن أسلم بن ألحاف بن قضاعه وإخوته الحارث ومعاوية ووائل وصعب بنو سعد هذيم بطون كلهم عذرة وأمهم عائد بنت مر بن أد، وكذلك منهم سلامان ابن سعد في عذرة أيضًا كذا قاله ابن عبيد وهم مشهورون في العشق والعفة حتى ضرب المثل بالهوى العذري ومنهم جميل بن عبد الله بن معمر صاحب بثينة، ومنهم عروة بن حزام صاحب عفراء.
(٧٢٠) جاء في تاج العروي: والحجبيون محركة بنو شيبة لتوليهم حجابة البيت الشريف.
(٧٢١) ضبة ابن أدعم تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وأبناء ضبة ثلاثة سعد، وسعيد، مصغرًا، وباسل. فسعيد وباسل لا عقب لهما فانحصر جماع ضبة في سعد بن ضبة وهم جمرة من جمرات العرب.
(٧٢٢) السكون كصبور حي من العرب، وهو ابن أشرس بن ثور بن كندة.
(٧٢٣) في قريش تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، ومن تيم هؤلاء اثنان من العشرة المبشرين بالجنة، أبو بكر الصديق، وأبو محمد طلحة بن عبيد الله، وهما يجتمعان في عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، ويجتمعان مع رسول الله في مرة ابن كعب وفي قريش أيضًا تيم بن غالب بن فهر أخو لؤي بن غالب وفي بني بكر بن وائل، تيم بن قيس بن ثعلبة بن عكابة وفيهم أيضًا تيم بن شيبان بن ثعلبة وقيل إن تيم بن شيبان هذا هو من بني شيبان بن ذهل ثم في بني ضبة تيم إللات ابن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد، وفي الخزرج تيم اللات بن ثعلبة، قال في تاج العروس. والتيوم كثيرون.
(٧٢٤) نسبة إلى عبد شمس، وهم بطن من قريش، ويوجد في العرب عبشمس ابن سعد بن زيد بن مناة بن تميم، والعب هنا قيل ضوء الشمس، وقيل لعاب الشمس وقيل هو العبيء بالهمز يفتح فيكسر والنسبة أيضًا عبشمي قال الشاعر:
وتضحك مني شيجة عبشمية
كأن لم ترى قبلي أسيرًا يمانيًا
(٧٢٥) نسبة إلى مر وهو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر قبيلة مشهورة، وهناك مر بن عمرو بن الغوث بن جلهمة من طيء وإخوته ستة عشر، ويقال أيضًا مري نسبة إلى مرة بالتاء. وفي قريش مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ثم إنه يوجد في قيس عيلان قبيلة اسمها بنو مرة، وهو مرة بن عوف ابن سعد بن قيس عيلان.
(٧٢٦) نسبة إلى عقيل كزبير، وعقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر، وفي بني فزارة عقيل بن هلال، وفي أشجع أيضًا عقيل بن هلال.
(٧٢٧) نسبة إلى فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، رهط تأبط شرًا. وفهم أيضًا هم فهم الجمرات، بطن من لخم. وفي الأزد فهم بن غنم بن دوس، منهم جذيمة بن مالك بن فهم الملك الأبرش.
(٧٢٨) لم نقف حتى الآن على اسم قبيلة يقال لها الصريح، وغاية ما رأينا أنه في تاج العروس يقول: (والصريحان قبيلة) ولم يزد على هذه الكلمة شيئًا — ونظرًا لكثرة التحريف والتصحيف في طبعة الإحاطة التي أخذنا عنها فيغلب على ظننا أن (الصريحي) هنا إنما هو الصليحي باللام، فإذا كان كذلك فالصليح فخذ من همدان منهم القاضي محمد بن علي الهمداني الصليحي، وكانوا قائمين بدعوة العبيديين باليمن كما جاء في سبائك الذهب السويدي وذكر السلطان بن رسول صاحب أنساب العرب منهم أمراء.
(٧٢٩) نسبة إلى جزيلة كسفينة بطن من كندة.
(٧٣٠) نسبة إلى قشير كزبير وهو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوزان، وإلى هذه القبيلة ينسب الإمام أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة المشهورة.
(٧٣١) نسبة إلى كلب بن وبرة وهو أخو نمر وتنوخ كما في معارف ابن قتيبة وقال العيني: في طيء كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة.
(٧٣٢) قضاعة قبيلة من حمير من القحطانية. وعليه جرى ابن إسحاق والكلبي وغيرهما وذهب بعض النسابين إلى أن قضاعة من العدنانية وأنه بن معد بن عدنان. قال ابن عبد البر وعليه الأكثر. قال السويدي: والأشهر هو الأول. قلنا وهو المعتمد عليه. إلا أن النسابة جعفر بن حبيب قال: لم تزل قضاعة في الجاهلية والإسلام تعرف بمعد حتى كانت الفتنة بالشام بين كلب وقيس عيلان أيام مروان بن الحكم فمالت قضاعة إلى اليمن وانتمت إلى حمير. وذكر ابن الأثير في النساب هذا الاختلاف ونقل عن محمد بن سلام المصري وقد سئل أنزار أكثر أم اليمن؟ أنه قال: إن تمعددت قضاعة فنزار أكثر وإلا فاليمن. ومن الغريب أنه روى عن رسول الله حديثان كل منهما له طريق أحدهما يفيد أن قضاعة من اليمن والآخر أنها من معد بن عدنان. وهذا برهان على كثرة الوضع في الأحاديث. وقد رأيت كلًا منهما في كتاب أنساب العرب لابن رسول من سلاطين اليمن.
(٧٣٣) نسبة إلى ذي أصبح من حمير، قيل هو الحارث بن عوف بن مالك بن زيد ابن سدد بن زرعة وقال بن حزم، وهو ذو أصبح مالك بن زيد بن الغوث من ولد سبأ الأصغر. وإلى هذه القبيلة ينسب سيدنا مالك بن أنس أحد أصحاب المذاهب الأربعة. وجده الأقرب هو أبو عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان الأصبحي الحميري من التابعين.
(٧٣٤) نسبة إلى مراد كغراب وهو مراد بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، وفي المصباح: مراد قبيلة من مذحج قال الزبيدي: ومذحج هو مالك بن زيد المتقدم ذكره.
(٧٣٥) نسبة إلى ذي رعين كزبير قال الجوهري إنه من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ من عرب اليمن، ورعين حصن أو جبل فيه حصن، وفي اليمن مخلاف يقال له شعب ذي رعين.
(٧٣٦) نسبة إلى يحصب ذكر الحافظ بن حزم في جمهرة الأنساب: أن يحصب هو أخو ذي أصبح جد الإمام مالك، وقلعة يحصب بالأندلس سميت بمن نزلها من اليحصبيين من حمير، منها سعيد بن مقرون بن عفان، والنابغة ابن إبراهيم المحدثان، والقاضي عياض بن موسى صاحب الشفاء، وعبد الله بن محمد بن معدان اليحصبي الأندلسي كتب عنه السلفي.
(٧٣٧) تجيب بالضم كما جزم به أهل الحديث، وأكثر الأدباء: قال الزبيدي في تاج العروس: إن أهل الأنساب يميلون إلى فتحه وقال القاضي عياض: إنه بالفتح كما قيدناه عن شيوخنا، وذهب أبو محمد بن السيد النحوي إلى صحة الوجهين، وسمعت الأستاذ السيد رشيد رضا رحمه الله يلفظ تجيب بالضم نقلًا عن أحد مشايخه في الحديث والتاء في تجيب أصلية عند الخليل، وتابعه في ذلك الفيروز أبادي مجد الدين، ولكن الجوهري وابن فارس وابن سيدة ذهبوا إلى أنها زائدة، والقبيلة بطن من كندة، قال ابن قتيبة، ينسبون إلى جدتهم العليا، وهي تجيب بنت ثوبان بن سليم بن مذحج وقال ابن الجواني: هي تجيب بنت ثوبان بن سليم بن رها بن منبه بن حريث بن جلد ابن مذحج وهي أم عدي وسعد ابني أشرس بن شبيب بن السكون، قال ابن حزم: كل تجيبي سكوني ولا عكس. ومن تجيب كنانة بن بشر التجيبي قاتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهناك قبيلة أخرى اسمها تجوب منها عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فهو تجيبي من مراد ثم من حمير.
(٧٣٨) نسبة إلى صدف ككتف قيل هو صدف بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ، وينسب إلى صدف خلق من الصحابة وغيرهم، نزلوا بمصر واختطوا بها، ومنهم يونس بن عبد الأعلى الصدفي صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وقد نزل من الصدف قوم بالأندلس ولهم قرية بغربي الأندلس تقدم ذكرها والنسبة إلى الصدف صدفي بالتحريك كراهة الكسرة قبل ياء النسب.
(٧٣٩) بطن من عك قال أبو عبيد كان منهم في الإسلام أمراء ورؤساء، ويوجد الغافق بالألف واللام وهم بطن من أنمار بن أراش، وجاء في نفح الطيب أن أكثر أهالي شقورة من الأندلس ينتسبون إلى غافق، وإلى غافق ينسب عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس الذي استشهد في وقعة بلاط الشهداء.
(٧٤٠) نسبة إلى حضر موت وهو ابن سبأ الأصغر، وسميت به مدينة حضر موت ويقال للعرب الذين من حضر موت حضارمة. وقد انتسب إلى هذه البلدة أعيان كثيرون من كل قطر، وأورد في تاج العروس، من أسماء الحضرميين من فقهاء ومحدثين ما ملأ صحيفة كبيرة وابن خلدون إذا انتسب يقول عن نفسه الحضرمي.
(٧٤١) قبيلة من كهلان، جاء في انساب العرب لابن رسول من ملوك اليمن أن اسم لخم مالك بن عدي. قال: واختلف في لخم وجذام، فقال قوم: هم ابنا عدي بن عمرو بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال ابن إسحاق: وأكثر أهل النسب على أن لخم وجذام ابنا عدي بن عمرو بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال ابن الكلبي: لخم وجذام ابنا عدي بن عمرو بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قال ابن رسول: وكل هؤلاء قد أجمعوا أن لخمًا وجذامًا في قحطان: وقد روي عن النبي من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة بإسناد ليس بالقوي: الإيمان يمان آل لخم وجذام، صلوات الله على لخم وجذام، يقاتلون الكفار على رؤوس الشعف، ينصرون الله ورسوله. وقالت فرقة: إن قنص بن معد بن عدنان هو أبو لخم، واحتجوا بحديث روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتي بسيف النعمان بن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة وعنده جبير بن مطعم، فقال له عمرو يا جبير ممن كان النعمان بن المنذر؟ فقال كان من أشلاء قنص بن معد بن عدنان يعني من بقايا قنص. انتهى.
قلنا في هذه الرواية شك، وإن صحت عن جبير بن مطعم فيكون خطأ منه، لأن لخم وجذام هم من عرب اليمن، والقول بخلاف ذلك هو خرق للإجماع قال في سبائك الذهب: وقد كان للخميين ملك بالحيرة من العراق وإنه كان لبقايا لخم ملك بأشبيلية من الأندلس، وهي دولة بني عباد: وقال القضاعي في خطط مصر أنهم حضروا فتح مصر واختطوا بها، وفي صعيد مصر بنو سماك وبنو سهل وبنو شنوءة وبنو عدي وبنو راشد وأفخاذ كثيرة من لخم ومنهم بنو عمم الذين ينسب إليهم ملوك الحيرة رهط النعمان بن المنذر واسم عمم الأصلي هو عدي، ولما كانت عائلة محرر هذه السطور تنتسب إلى المناذرة فقد راجعت سلسلة نسبهم إلى لخم في سجل النسب الأرسلاني في المبدوء به سنة ١٤٢ للهجرة المتسلسل خلفًا عن سلف من ذلك التاريخ إلى الآن تحت تصديق القضاة والحكام، والعلماء الأعلام فوجدته يقول: إن الملك المنذر الذي لقبته العرب بالمغرور هو ابن الملك النعمان أبي قابوس بن الملك المنذر بن الملك المنذر، وهو ابن ماء السماء مارية ابنة ربيعة التغلبي أخت كليب والمهلهل بن الملك امرئ القيس ابن الملك النعمان الأعور ابن الملك امرئ القيس بن الأمير النعمان ابن الملك عمرو بن الملك امرئ القيس بن الملك عمرو، وهو بن أخت جذيمة الأبرش الذي زوجها من ابنه عدي حتى يملك على لخم، وعدي هو ابن نصر بن ربيعة بن المنذر بن تميم بن عمرو ابن سعد بن ذميل بن الحارث بن زيد بن الحارث بن إياد بن نصر بن فهم بن عامر بن زهير بن مالك بن جزيلة ابن مالك. وهو لخم بن عدي بن عمرو بن عبد شمس، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان جد العرب العرباء والله أعلم.
(٧٤٢) نسبة إلى جذام، وهي بضم الجيم وبالذال المعجمة، بطن من كهلان، ويقال أن جذام كان أخا لخم، وهذه هي الرواية المشهورة، وإنك لتجد هذين القبيلين دائمًا متلازمين. قال الجوهري: ويزعم نسابة مضر أن جذام من مضر وأنهم انتقلوا إلى اليمن فحسبوا من اليمن، ثم إن جذام هم في مقدمة العرب الذين فتحوا مصر مع عمرو ابن العاص، ذكر السويدي في سبائك الذهب نقلًا عن الحمداني قال: وبالأسكندرية من جذام ولخم أقوام ذوو عدد وعدد، وأهل شجاعة وإقدام وضرب بالسيف بالسهام، ولهم أيام معلومة، وأخبار معروفة، ووقائع في البر والبحر مشهورة. ومن جذام ملوك بني هود أصحاب سرقسطة.
(٧٤٣) سلول فخذ من قيس بن هوزان، وفي الصحاح والعباب قبيلة من هوزان هم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان، وسلول اسم أمهم، وهي ابنة ذهل ابن شيبان بن ثعلبة، وفي سلول هؤلاء قيل:
وإنا أناس لا نرى القتل سبة
إذا ما رأته عامر وسلول
(٧٤٤) نسبة إلى الحكم وهو مخلاف في اليمن نسب إلى الحكم بن سعد العشيرة من مذحج. قال الزبيدي في تاج العروس: ولبني الحكم بقية كثيرة باليمن منهم بنو مطير، وقال ابن الكلبي أن الحكم بن يتبع بن الهون بن خزيمة دخل في مذحج منهم رهط الجراح بن عبد الله الحكمي عامل خراسان.
(٧٤٥) نسبة إلى همدان بفتح فسكون، بطن من كهلان، واسم همدان هو أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ قال الزبيدي: والعقب من همدان في جشم بن خيران بن نوف بن همدان، والعقب من جشم في فخذين لصلبه بكيل وحاشد فمن بكيل في رومان وسوران وخيران، ومن حاشد في سبيع بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد ولهم بطون متسعة باليمن. انتهى.
وهم الذين نصروا عليًا في حرب صفين حتى قال رضي الله عنه.
فلو كنت بوابًا على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وإلى همدان ينسب الهمداني صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب، وكان علامة فيلسوفًا، وقد سمي بهمدان أحد حصون مملكة غرناطة والأسبانيول يقولون «هندين Alhendin» قلبوا الميم نونًا ولفظوا الاسم بالأمالة كما سمعوا من العرب الأندلسيين.
(٧٤٦) مذحج كمجلس هو مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، وقيل بل مذحج هو ابن يحابر بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. قال الزبيدي: وهم شعب عظيم منه بطون وأفخاذ.
(٧٤٧) نسبة إلى خشين كزبير وهو جابر بن خشين بن عاصم بن لؤي في نسب فزارة وأيضًا هناك خشين بن النمر بن وبره بن تغلب بن حلوان في قضاعة. ومن هؤلاء جرثوم بن ناشر الخشني رضي الله عنه، ومنهم بشر بن حيان التابعي، ومنهم محمد بن عبد السلام الخشني أبو عبد الله صاحب كتاب القضاة في قرطبة وولده محمد بن محمد وأبو ذر مصعب بن محمد بن مسعود الخشني الأندلسي النحوي المعروف بابن أبي الركب أخذ عنه الشريشي صاحب المقامات.
(٧٤٨) نسبة إلى بلي كرضيّ قبيلة معروفة وبلي هو ابن العمرو بن الحافي بن قضاعة والنسبة إلى بلي بلوي مثل علوي.
(٧٤٩) نسبة إلى جهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون الياء المثناه وفتح النون بعدها، حي من قضاعة يسكنون اليوم في سواحل الحجاز وعددهم كبير.
(٧٥٠) نسبة إلى مزينة كجهنة قبيلة من مضر. وهو بن أد بن طابخة. وهم رهط ابن أبي سلمى الشاعر صاحب المعلقة. وهم يسكنون اليوم حول المدينة المنورة.
(٧٥١) نسبة إلى طيء بفتح الطاء وتشديد الياء وهمزة في الآخر، قبيلة من كهلان كانت منازلهم باليمن فخرجوا على أثر خروج الأزد منها، وانتهى أمرهم بالاستيلاء على جبلي أجأ وسلمى الذين يعرفان الآن بجبلي طيء، قال السويدي في سبائك الذهب: وافترقوا في أول الإسلام في الفتوحات قال ابن سعيد: هم الآن أمم كثيرة تملأ السهل والجبل حجازًا وشامًا وعراقًا قال: وهم أصحاب الرئاسة في العرب إلى الآن في العراق والشام ومن بني طيء بنو نبهان، وبنو ثعل المشهورون بالإجادة في الرمي، وبنو جرم الذين أعقابهم في بلاد غزة، وبنو يولان بفتح أوله وسكون الثاني، ومنهم الثلاثة الذين يقال إنهم وضعوا الخط العربي. وكان منهم بنو الجراح أيام الفاطميين، وكانت لهم رئاسة على طيء ثم صارت الآن لآل عيسى بن مهنا. ومنهم بنو سنبس طائفة ببطايح العراق، وطائفة بدمياط من الديار المصرية، ومنهم بنو لام في العراق ومنهم بنو تيم الذين كان يقال لهم مصابيح الظلام، وهم الذين مدحهم امرؤ القيس. ومنهم بنو صخر في بلاد البلقاء. ومنهم آل فضل من ربيعة طيء ولهم رئاسة وإمارة، ومنهم بطون وأفخاذ لا يحصيها إلا خالقها كما أن الأعيان والأعلام المنسوبين إلى بني طيء لا يحصى عددهم. ومنهم حاتم الطائي الذي ضرب به المثل في الكرم، وأبو تمام الطائي والبحتري كلاهما أشعر شعراء المولدين. ومنهم محيي الدين بن عربي المتصوف الشهير ومنهم ابن مالك النحوي الجياني الأندلسي.
(٧٥٢) نسبة إلى أسد وهو أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكذلك أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وهي قبيلة أخرى.
(٧٥٣) نسبة إلى أشجع وهم حي من غطفان كانوا عرب المدينة، وكان سيدهم معقل ابن سنان. قال في العبر: أن منهم بالمغرب الأقصى حيًا عظيمًا في جهات سجلماسة.
(٧٥٤) نسبة إلى عاملة وهم حي باليمن من ولد الحارث بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ نسبوا إلى أمهم عاملة بنت مالك بن وديعة بن قضاعة، أم الزاهر، ومعاوية بن الحارث بن عدي نفسه، ومنهم عدي ابن الرقاع الشاعر قال الجوهري: ويزعم نساب مضر أنهم من ولد قاسط قال الأعشى:
أعامل حتى متى تذهبين
إلى غير والدك الأكرم
ووالدكم قاسط فارجعوا
إلى النسب الفاخر الأقدم
قال في تاج العروس: وشذ بن الأثير حيث جعل عاملة من العمالقة. ا.هـ.
وجاء في سبائك الذهب نقلًا عن أبي عبيد أن بني عاملة هم بنو الحارث بن مالك يعني ابن الحارث بن مرة بن أدد وأنه كان تحته عاملة بنت مالك بن وديعة بن عُفير ابن عدي قال الحمداني: وجبل عاملة من بلاد الشام وقيل إن هذه القبيلة من اليمن نزلت به فقيل له عاملة وقد يحذفون التاء فيقال جبل عامل وهو الواقع بين صيدا وصور من الشمال إلى الجنوب وبين البحر المتوسط وغور الحوله من الغرب إلى الشرق.
(٧٥٥) نسبة إلى خولان بطن من كهلان وبلاد خولان في اليمن من شرقيه وقد افترقوا في الفتوحات ومنهم بنو سعد وبنو بكر وبنو قيس وبنو الأصهب وبنو حبيب وبنو عمرو ومما أتذكره أنني رأيت في الجبل الأخضر من برقة مكانًا إلى الجنوب منه يقال له خولان.
(٧٥٦) نسبة إلى أياد وهم حي من معد إلا أنهم يسكنون اليمن قال ابن دريد: هما إيادان إياد بني نذار وإياد بن سود بن الحجر بن عمار بن عمرو.
(٧٥٧) نسبة إلى ليث وهو ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وفي التهذيب بنو ليث حي من كنانة.
(٧٥٨) بنو خثعم بطن من أنمار بن أراش قال في العبر: بلاد خثعم مع إخوتهم بجيلة بسروات اليمن والحجاز. وقال السلطان ابن رسول في كتابه انساب العرب. واختلف في خثعم وبجيلة فأكثر أهل النسب يقولون أنهما أبناء أنمار بن نزار بن معد ابن عدنان وأنهما لحقا باليمن وانتسبا عن جهل منهما إلى أنمار بن أراش بن العمرو بن غرث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
(٧٥٩) نسبة إلى سكاسك حي باليمن وهما قبيلتان الأولى من كندة وهو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد وولد لكندة أشرس وولد لأشرس سكسك ويقال له حميس وهو أخو السكون وحاشد ومالك بني أشرس. والقبيلة الثانية هم بنو زيد بن وائلة بن حمير وزيد هذا كان يلقب بالسكاسك.
(٧٦٠) نسبة إلى زبيد كزبير وهم بطن من مذحج وهو منبه الأكبر بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك وهو جماع مذحج وزبيد الأصغر هو منبه بن ربيعة بن سلمة بن مازن ابن ربيعة بن زبيد الأكبر قال ابن دريد: زبيد تصغير زبد وهو العطية. وينسب إلى زبيد عمرو بن معدي كرب الصحابي الفارس المشهور أسلم سنة تسع وشهد الفتوح واستشهد بالقادسية وقيل بنهاوند رضي الله عنه والقاضي أبو الهذيل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي ومحمد بن الحسين الزبيدي الأندلسي صاحب القالي ومحمد بن عبيد الله بن مذحج بن محمد بن عبد الله بن بشر الزبيدي الأشبيلي اللغوي نزيل قرطبة.
(٧٦١) نسبة إلى ثعلب ويوجد في العرب قبائل شتى باسم ثعلبة. فثعلبة في أسد. وثعلبة في تميم. وثعلبة بن ربيعة. وثعلبة في قيس، وثعلبتان في طيء وهما ثعلبة بن جذعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طيء وثعلبة بن رومان بن جندب المذكور، قال الزبيدي: وقرأت في أنساب أبي عبيد: الثعالب في طيء يقال لهم مصابيح الظلام كالربائع في تميم. ويوجد بطن اسمه ثعلبة في غطفان.
(٧٦٢) نسبة إلى ذي الكلاع وهما من اليمن أحدهما الأكبر. وهو يزيد بن النعمان الحميري من ولد شهال من وحاضة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر وذو الكلاع الأصغر هو أبو شراحيل سميفع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن ذي الكلاع الأكبر.
(٧٦٣) الدوس بن عدثان بن عبد الله وأخطأ بعضهم فظن أنه عدنان بالنقطة الموحدة والحال أنه بالثاء المثلثة وهم قبيلة من الأزد قال ابن الجواني النسابة: هو دوس بن عدثان بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن أزد منهم أبو هريرة الدوسي الصحابي المشهور، ودوس أيضًا قبيلة من قيس وهم بنو قيس بن عدوان بن عمرو بن قيس عيلان.
(٧٦٤) لم نجد في ما قرأناه إلى الآن قبيلة لها هذه النسبة وإنما ورد في تاج العروس: وحوار كغراب صقع بهجر، وكذلك بلد الحيرة بقرب الكوفة النسبة إليها حيرى وحاري وقد تكون هذه اللفظة من جملة الألفاظ التي حرفها النساخ فأصبح لا يعرف أصلها.
(٧٦٥) نسبة إلى سلمان بطن من مراد وهو سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد قال الرشاطي: وأهل الحديث يفتحون اللام. منهم عبيدة بن عمرو وقيل ابن قيس الكوفي السلماني أسلم في حياة النبي عليه السلام ولم يره وروى عن علي وابن مسعود. وإلى هذه القبيلة ينسب الوزير العلامة لسان الدين بن الخطيب الذي ننقل كلامه الآن. ويوجد بطن من جذام اسمهم السلمان بالألف واللام.
(٧٦٦) لعله يريد الحميدات وهم من بني أسد بن عزى ينسبون إلى حميد بن زهير بن الحرث بن راشد كما في التوشيح قاله الزبيدي في تاج العروس.
(٧٦٧) الحصي بالحاء المهملة المعروف بالعقل.
(٧٦٨) نسبة إلى قبيلة من البربر اسمها اللمط معروفة بنوع من الدرق إلى النهاية في المتانة ولكن الموصوف هنا هو السهام.
(٧٦٩) هو ما يقال له الكستنا.
(٧٧٠) لمولاي سليمان سلطان المغرب تأليف خاص في نسب بني الجد الذين يقال لهم اليوم بنو الفاسي.
(٧٧١) الإفرنج مجموعون على أنه من أصل أسبانيولي.
(٧٧٢) الأسبان يسمون هذا المكان «هندين» Hendin لأنهم قلبوا الميم نونًا ثم لفظوا الألف بالأمالة فصارت كالياء.
(٧٧٣) أكثر الإفرنج يجعلون عثمان بن أبي نسعة هذا الذي تزوج بابنة الكونت لود ملك غاليا بربريًا ولم نعلم سندهم في ذلك.
(٧٧٤) وهو الذي قتله المعتمد بن عباد صاحب أشبيلية لهجوه إياه هجوًا مقذعًا.
(٧٧٥) ابن خلدون صاحب التاريخ هو من حضارمة أشبيلية ولا تزال في أسبانيا وثائق خطبة تثبت أملاك بني خلدون في ذلك الصقع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤