الفصل الرابع

التقسيمات الجغرافية

(١) القشتالتان وليون

لم تكن أسبانية في الماضي مملكة واحدة كما هي الآن، بل كانت أقسامًا شتى، وممالك مستقلة بعضها عن بعض. وبعد أن غلب الغرب على جميعها، ولم يبق موضع قدم منها لم يستولوا عليه، بقيت صخرة لاذ بها ملك يقال له «بلاي» دخل في كهف منها بثلاثمائة رجل، فلم يزل العرب يقاتلونه حتى مات أصحابه جوعًا، وترامت طائفة منهم إلى الطاعة، فلم يزالوا ينقصون حتى بقي في ثلاثين رجلًا، معهم عشر نسوة أصرّوا على الامتناع في ذلك الكهف، الذي كان يصعب الوصول إليه، وجعلوا يقتاتون من العسل الذي كان النحل يمجه في خروق الصخرة، فاستخف بهم المسلمون وتركوهم وقالوا ما في رواية «أخبار مجموعة: ثلاثون علجًا ما عسى أن يكون أمرهم!؟ فهؤلاء بعد رجوع المسلمين عنهم عادوا فخرجوا من الصخرة غير خاضعين، واعصوصب حولهم كل من نزع به في تلك الأرض عرق الأنفة عن الخضوع للأجنبي، ورأس بلاي هذا تلك العصابة التي لم تزل تنمو وتغلظ، حتى صارت إمارة حقيقية، ثم مملكة يحسب حسابها. ثم تكونت منها سلطنة قشتلة التي هي أول حكومة أسبانيولية استقلت عن الغرب بعد أن دانت لهم جميع الجزيرة الأيبيرية.

ثم لما بدأ العرب يتراجعون إلى الجنوب، بسبب الفتن التي كانت تقع بينهم وبين البربر، وتقع فيما بينهم بعضهم مع بعض، جعلت قشتالة تسترد شيئًا فشيئًا من البلدان التي كان المسلمون قد استعمروها، وصار المسلمون يجلون عن الشمال إلى الجنوب، فلذلك انقسمت قشتالة إلى ما يقال له «قشتالة القديمة» و«قشتالة الجديدة» وجميع قشتالة Royaume de deux Castilles واقعة بين جبال «استورياس» Asturies و«بسقاية» Biscaye من الشمال، ومملكتي «أراغون» و«بلنسية» من الشرق، ومملكة «مرسية» بالأندلس من الجنوب، و«الأسترامادور» و«ليون» من الغرب. فأما «قشتالة القديمة» Castilla la Vieja فهي إلى الشمال وأما «قشتالة الجديدة» Castilla la Heuva فهي إلى الجنوب. والبسيط المرتفع الأيبيري الذي يقول له الأسبانيول «ميزيتا» Mescta يشتمل على القشتاليين وليون والأسترامادور. وليس في هذا البسيط شيء ينطبق على ما يتخيله الناس، وما تسير به الأخبار عن خصب أسبانية، وكرم تربتها. وطيب نجعتها، واعتدال هوائها. والحقيقة أن أسبانية التي كسبت تلك الشهرة، وقيل إنها جنة الله في أرضه، هي مقاطعات أسبانية الجنوبية والشرقية، وقطعة من وادي أبره لا غير. ومتوسط ارتفاع هذا البسيط الذي نحن في صدده عن سطح البحر هو ٨٠٠ متر يحده من الشمال جبال أشتورياس Asturias وجبال قنتبرية Cautabres ومن الشرق الجبال المسماة بالأيبيرية ومن الجنوب شارات مورينا. وقولنا أنه ليس مطابقًا للصفة التي يتخيلها الناس عن أسبانية لا ينفي أن يكون فيه أودية عميقة، ذات زرع وضرع، وإن كان يوجد بجانبها بسائط، هي في الحقيقة غير قابلة للسكي، من قسوة هوائها، وكزازة أرضها.
وأما تقسيمات قشتالة القديمة التي أوتادها جبال قنتبرية في الشمال والتي ريّها بواسطة «الوادي١ الجوفي» أي «دورو» Douro ووادي «إبره» ووادي «بسيورقة» Pisuerga فهي ست مقاطعات:
  • الأولى: «برغش» Burgos ومساحتها ١٤١٩٦ كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها نحو من ٣٥٠ ألف نسمة.
  • والثانية: «آبلة» Avila، ومساحتها ٨٠٤٧ كيلو مترًا مربعًا. وعدد سكانها ٢١٠ آلاف نسمة.
  • والثالثة: «سقوبية» Segovle ومساحتها ١٠٣١٨ كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها زهاء ١٧٠ ألف نسمة.
  • والرابعة: «شورية» Soria ومساحتها ١٠٣١٨ كيلو مترًا مربعًا وعدد سكانها ١٦٠ ألف نسمة.
  • والخامسة: «لوكروني» Logrono ومساحتها ٥٠٤١ كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها ١٩٠ ألف نسمة.
  • والسادسة: «شنت أردم» أو «شنت أندر» Santander ومساحتها ٥٤٦٠ كيلو مترًا مربعًا، وعدد سكانها نحو من ٣٠٠ ألف نسمة.
أما قشتالة الجديدة فهي في قلب أسبانية تتوسطها شارات «وادي الرمل» Guadarrama واعلى قنة فيها ترتفع عن سطح البحر ٢٣٨٥ مترًا وهي إلى الشمال من قشتالة الجديدة، وأما شارات مورينا فهي منها إلى الجنوب الغربي، وفيها يمر «وادي تاجة» Tago و«وادي شقر» Xucar و«وادي مَنْزَانارس» Manzanares و«وادي يانة» Guadiana وهي تشتمل على المقاطعات الآتية:
مقاطعة «مجريط» Madrid ومساحتها نحو من ٨٠٠٠ كيلو متر مربع، وعدد سكانها ٨٨٠ ألف نسمة. و«طليطلة» ومساحتها ١٥٣٣٤ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها نحو من ٤١٥ ألف نسمة. و«سيودادريال» Ciudad-Real ومعناها البلدة الملكية، وهي محدثة بعد مجيء العرب، ومساحتها ١٩٧٤١ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٣٨٠ ألف نسمة. و«قونلة» Cuonla ومساحتها ١٧١٩٣ كيلو مترًا مربعًا، وأهلها ٢٧٠ ألفًا. و«وادي الحجارة» Guadalajara ومساحتها ١٢١٩٢ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٢١٠ آلاف.
وأما مملكة «ليون» Leon فكانت حدودها من الشمال الأشتورياس، ومن الشرق والجنوب الشرقي قشتالة القديمة، ومن الجنوب نحرًا «الأسترامادور» L’Estremadure ومن الغرب غاليسية — وبلاد البرتغال، وليون اليوم هي عبارة عن المقاطعات التالية:
نفس ليون ومساحتها ١٥٣٧٧ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٤٠٠ ألف نسمة. «طلمنكة» Salamanquaو ومساحتها ١٢٣٢١ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٣٣٥ ألفًا. «زمورة» Zamora ومساحتها ١٠٦١٥ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٢٨٠ ألفًا. و«بلد الوليد» Valladolid ومساحتها ٨١٤١ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها ٢٨٥ ألفًا و«بالنسية» Palencia — هي غير بلنسية Valencia التي على البحر المتوسط — ومساحتها ٨٤٣١ كيلو مترًا مربعًا، وسكانها نحو من ٢٠٠ ألف نسمة.
ولقد كانت هذه المقاطعات التي في قلب أسبانية تعد من فيافي بني أسد، لولا ما ساق إليها العرب من مياه، وشقوا من جداول، واتخذوا من وسائل، حتى اهتزت ورَبَت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج، وكانوا إذا عدموا الينابيع المتفجرة، التي تلزم لأجل الري، يبادرون إلى إنشاء البرك، والمصانع الهائلة، يجمعون إليها المياه السائلة في الشتاء، على نمط ما كانوا يعملون في اليمن، وذلك مثل البركة التي في «منسا» Mansa وهي تحريف المصنع، وأما بعد رحيل العرب فقد تهدمت المصانع وطمست تلك القنيّ، ورجعت هذه الأرضون إلى قسوتها الأولى، وتبدلت من خضرتها غَبَرَة وصارت تلك الغلات من حنطة وحبوب وزعفران سدادًا من عوز، في أماكن معلومة، وبقي ذلك إلى العصر الحاضر الذي عمّت به المدنية، وامتدت السكك الحديدية، فعاد الأهالي يعتنون بهذه الأراضي، ويستدرون خيراتها، لأنهم أصبحوا قادرين على إخراجها إلى الخارج، بواسطة السكك الحديدية، وصاروا يميرون بحنطتهم بلاد البرتغال، وقويت رغبتهم في زراعة قصب السكر، والشمندر. وقد كان في أسبانية من عشرين سنة أكثر من ثمانين معملًا للسكر.

(٢) بلاد البشكنس

أما بلاد البشكونس فهي ثلاث مقاطعات:
  • الأولى: «غيبوسكوه» Guèpuzco،
  • والثانية: «بسقاية» Biscaye أو Vizcaya.
  • والثالثة: «أَلَبة» بالتحريك Alava.
ومساحة جميعها ٧٠٧٥ كيلو مترًا وعدد سكانها نحو من سبعمائة ألف. وهم أمة مستقلة بنفسها، تسكن إلى الشرق من جبال قنتبرية، على أبواب فرنسا، وأصل اسم هذه الأمة هو «الباسقونغادوس» Vascongados ومنه اشتق اسمها الحالي «الباسك» أو «الباسكس» Les Basques. وكان العرب يقولون لهم الباشكونس، ومنهم من يقيم على حدود «نَبَاره» Navarre ومجموعهم يقارب مليونًا أو أكثر. ومنهم جمٌ في أرض فرنسا، ولغة الجميع واحدة مختصة بهم. ومنهم من يتكلم بالأسباني أو الإفرنسي، ولكن نحوًا من نصف مليون لا يتكلمون بغير لغة الباشكونس. وهم من أشد أمم الأرض استمساكًا بقوميتهم، واحتفاظًا بخصوصيتهم، يزعمون أنهم أقدم أمة في أوروبا، ولا نزاع في أنهم هم بقايا الشعب الأيبيري القديم، والثمالة الخالصة المحضة التي لم تدخل عليها شائبة من ذلك الشعب القديم. أشداء جبليون، موثقو الخَلْق، تغلب عليهم السمرة، إلا من كان منهم في أعالي الجبال فيغلب عليهم اللون الأشقر، شُمّ الأنوف، محدّدو الأذقان، شعورهم مائلة إلى السواد، وكان لهم زيّ خاص بهم لا يعرفون سواه، ولكن قد بدأ هذا الزي يضمحل، ولم يبق منه إلا طاقية من الصوف يقال لها البوانه Laboina لا يزالون يلبسونها على رؤوسهم، وهي زرقاء في مقاطعة غيبوسقوه، وحمراء في بسقاية وبيضاء في أَلبَة. والبشكونس الذين في أرض فرنسا أيضًا يحافظون عليها. وأما من جهة عاداتهم القديمة فمنهم من تركها، ومنهم من لا يزال يعض عليها بالنواجذ، مثل أهل بسقاية. وتجدهم يستعملون محاريثهم القديمة، وعجلات تجرها البقر، وعليها نِبرٌ مزخرف مغطى بجلد ضان. وعندهم نوع من الرقص في أعيادهم ومواسمهم يسمونه «أوريسكو» Aurréscu يجرونه على صوت مزمار صغير يسمى «دولسينيه» Dulsinya مع قرع الطبول.

والبشكونس من أشد أمم الأرض حبًا بالحرية وأنَفَة عن قبول الضيم، وكما كانوا يردّون غارات العرب من الجنوب، كانوا يردّون غارات الفرنج من الشمال وكانت مواقع بلادهم الجبلية تساعدهم على رد غارات هذه الأمم العظيمة، فإن مساكنهم أكثرها في الجبال تحيط بها الأوعار، والأرض كما يقال تقاتل مع أهلها.

وهم الذين أوقعوا بجيش شارلمان وهو منصرف عن سرقسطة بعد أن عجز عن أخذها. وسيأتي في كتابنا هذا عند الوصول إلى التاريخ تفصيل جميع ما وقع بين البشكونس والعرب. ولم يخضع البشكونس لملوك ليون، وملوك نَبَارة، وملوك قشتالة في الآخر، إلا على شرط احترام هذه الدول لعاداتهم وقواعدهم. وكانت لهم امتيازات يقال لها «فُيُورس» Fueros ولم تزل امتيازاتهم هذه محفوظة، إلى أن جرت الحروب الداخلية المسماة بالكارلوسية، والتي آخرها كان سنة ١٨٧٦ فمن بعدها أزالت الحكومة الأسبانية امتيازاتهم وأخضعتهم للخدمة العسكرية، ولقانون احتكار الملح، واحتكار الدخان.
وهم يسمون أنفسهم بغير الاسم الذي يسميهم به الأسبان، أي الباسقونغادوس، الذي جاء منه اسم الباشكونس، الذي كان يسميهم به العرب. فاسمهم هم بلغتهم هو «أوسكالدوناك» Euscaldunac ولا يعرف معنى هذه الكلمة. وفي لغتهم لا يضعون أل التعريف قبل الاسم بل بعده. وهذا الاصطلاح ليس بنادر، بل اللغة السويدية واللغة الدانمركية واللغة البلغارية واللغة الرومانية فيها ذلك. وليس في هذه اللغة المثنى بل عندهم المفرد والجمع. وعلامة الجمع هي الكاف (K) وكذلك لا يوجد عندهم فرق بين المذكر والمؤنث في التعبير. وقد غلب ذلك على لسانهم حتى إذا تكلم البشكونسي بالإفرنسية يقول. هذا المرأة Ce Femme بدلًا من هذه المرأة. وأما من جهة الأفعال فربما كان بينهم بعض المشابهة مع العرب، فإنه إذا أراد البشكونسي أن يقول مثلًا: «أنا أجيء». يقول «أنا عمال أجيء» وإذا أراد أن يقول لك «ستأكل» قال «عليك أن تأكل» وكذلك هم مثل العرب في كثرة المترادفات في لغتهم، برغم أن لغتهم في أصلها فقيرة، وهي لم تكمل إلا بالألفاظ الكثيرة الأجنبية، من غشقوني، وافرنسي، وأسبانيولي، وعربي. بحيث إذا تجرد هذه اللسان من هذه الألفاظ الداخلة عليه لا يبقى منه إلا ما يعبّر عن الأشياء المادية والمحسوسة، فهو في هذا أشبه بالتركي. وليس عند الباشكونس لفظة تعبر مثلًا عن «الروح» واسم الله عندهم «السيد الذي في العلى» وعندهم «الإرادة» يعبر عنها بلفظة تفيد «الفكر والشهوة والتمني» وقد اجتهد كثير من العلماء في درس لغة الباشكونس، ولكن صعوبة هذا الدرس جاءت من كثرة اختلاف لهجات هذه الأمة، فإن القرية الواحدة لا تتلكم بلهجة القرية التي تجاورها، فصارت اللهجات لا تحصى. وهذا شأن كل لغة الكتابة فيها نادرة، وشأن كل شعب تغلب عليه الأميّة. ومع هذا فقد أحصى الأمير لويس بونابرت ٢٥ لهجة باشكونسية، يمكن إعادتها إلى ثمانية أصول بالتحليل الدقيق. وهذه الأصول الثمانية تتلخص في ثلاثة عامة. أما الأصول الثمانية فهي: اللابوردي، والسولتي، والنباري الأدنى الشرقي، والنباري الأدنى الغربي، والنباري الأعلى الشمالي، والنباري الأعلى الجنوبي، والغيبوشقي، والبسقائي، ويمكننا أن نرّد أيضًا هذه اللهجات المختلفة إلى شرقي وغربي، فالسولتي والنباري الأدنى هما الشرقي، والبِسقائي هو الغربي. واللهجات الأخرى هي المتوسطة بينهما. وبلاد الباشكونس لا تخلو من أجناس غريبة عنها، وليس فيها مقاطعة خالية من الغرباء غير «غيبوسقوه» وبلاد نبارة نصفها أو أقل من الباشكونس. وأما بيّونة وبنبلونة وبلباو فلا يتكلمون فيها بلغة الباشكونس، وقد بدأت هذه اللغة تنحل وتضمحل بغلبة الأسبانيولي والإفرنسي عليها. ولا عجب في ذلك، فإن مكتوباتها نادرة، ولم يعثر الباحثون على كتب بهذه اللغة ترجع إلى أعلى من القرن العاشر للمسيح، قيل إنهم وجدوا صحيفة قديمة من سنة ٩٨٠ فيها تحديد مقاطعة بيّونة Bayonne، وقيل إن هذه الصفحة نفسها ليست بوثيقة لا يعترضها الشك.
وقد كشف أحد الرهبان اليسوعيين جدولًا فيه ثمانية عشر كلمة من لغة الباشكونس، وذلك في كتاب مخطوط لزائر افرنسي زار كنيسة سنت ياقو في القرن الثاني عشر، وأقدم كتاب عند الباشكونس طبع سنة ١٥٤٥، وهو ديوان شعر مشتمل على قصائد دينية، وأخرى غرامية. وقد طبعوا أيضًا ترجمة الإنجيل إلى هذه اللغة سنة ١٥٧١، وذلك على نفقة مجلس نبارة وجميع ما هو مكتوب بلغة الباشكونس يبلغ ستمائة مجلد لا أكثر. وأكثر الذين كتبوا هذه الكتب هم مؤلفون تلقوا ثقافة افرنسية أو قشتالية ومعظمها في مواضع دينية، وعن حياة القديسين. نعم يوجد من الباشكونس من تلقوا ثقافة أسبانيولية أو افرنسية، وأجادوا الكتابة، لكن باللغة الافرنسية واللغة الأسبانية، وقد جمع بعض المؤلفين كثيرًا من قصص الباشكونس وتقاليدهم وأخبارهم. واحسن المجاميع في هذا الموضوع هو ما كتبه يوليان فيسون Viuson الذي له على الباشكونس بحث في الإنسيكلوبيدية الافرنسية الكبرى.٢
أما الباشكونس الذين في أرض فرنسا فهم يسكنون مقاطعات لابورد La bourd ونباره السفلى La basse Navarre وسول Soule ومساحة هذه المقاطعات الثلاث هي ستة آلاف كيلو متر مربع. فأما المقاطعات التي يسكنونها في أسبانية فقد تقدم ذكرها. وهي جزء من ثلاثين من مساحة الجزيرة الأيبيرية بحسب تعريف اليزي «ركلوس» الجغرافي الشهير Lisée Reculs وبلادهم فيها قابلية زراعية، وفيها معادن كثيرة كالقصدير والرصاص والحديد ولكنهم من جهة الزراعة لم يكونوا ممن بلغ شأوًا عاليًا. ومن الباشكونس مهاجرون كثيرون إلى أميركة كل سنة، فلهذا عددهم يقل في بلادهم الأصلية يومًا فيومًا.

وقد فحص الأطباء مثل الدكتور بروكا والدكتور فالسكو من مجريط جماجم الباشكونس من سبعين سنة، وأخذوا منها عددًا كبيرًا من مقابر تلك البلاد، كما أنهم ميزوا جماجم الأحياء، فوجدوا أن هذه الأمة فيها نوعان من الجماجم، منها النوع الذي يزيد طوله على عرضه بنحو الربع، ومنها الذي يتساوى طوله بعرضه. ويقال عن أخلاق الباشكونس أنهم كثيرو الخيالات، سريعو الانفعالات، وأن عندهم خرافات قديمة لم يتخلصوا منها حتى الآن، ولكن فطرتهم الأصلية مبنية على الاستقامة، وعندهم حسن معاشرة ومخالقة، إلا أنهم بطّاشون عند الغضب، ومع أن الرصانة غالبة على طباعهم، فإنهم يحبون الألعاب، ويتلذذون بالمآكل والمشارب وحسن الوفادة، وإكرام الضيف عندهم مما لا يفوقهم فيه أحد. ونساؤهم حلائل أمينات، وأمهات مربيات، إلا أن التدين عندهن بالغ درجة الوسواس، لا سيما عند البنات اللواتي يئسن من المحيض، وكثيرًا ما ينتهي أمر العانس من هؤلاء بالجنون. والباشكونسيّ بطبيعته ذكي الفؤاد، شهم، عزيز النفس، صعب المقادة، وإذا تعلم وتهذّب ففيه قابلية كبيرة للترقي، أما خرافاتهم القديمة فمنها أن الإنسان إذا رأى امرأة يوم الاثنين تحت نافذة بيته ففي ذلك الأسبوع يحصل له بلاء، وإذا صاح الديك في أول الليل فيكون هذا الصياح علامة على كون الديك أحس بمرور الساحرات وهو خطر يتلافونه بأخذ قبضة من الملح وذرها في أرض البيت، والمتزوج يوم عرسه يجتهد أن يمسك بذيل من ثوب زوجته ويضعه تحت ركبته حتى يكون فيما بعد هو السيد في البيت، وكان للباشكونس اعتقاد عظيم بالسحر، وكانت السحرة عندهم في كل مكان، وكانت لهم اجتماعات يتداعون إليها، ويعتقدون أن هؤلاء السحرة لهم علاقات مع الشيطان وأنهم يدفعون شره، ولكن هذه الخرافات قد بدأت تضمحل شيئًا فشيئًا.

figure
حصن بوترون في بيلباو من بلاد الباشنكس.

وقد كان للباشكونس دور مهم في حروب استرداد الأندلس من أيدي المسلمين وبهذا السبب تميزت بينهم عائلات كثيرة، ورأست وعزّت وبزّت، وبتوالي الزمن صارت نبيلة. ففي قشتالة وليون الملك هو المالك لجميع الأرض، أما في نبارة، حيث مواطن الباشكونس، فالملك يشاركه في ملك الأراضي هؤلاء النبلاء الذين ساعدوه على طرد المسلمين، ولهذا عندهم هناك ثلاث طبقات: النبلاء، والعامة، والطبقة المتوسطة بينهما. وفي «ألبه» الأهالي ينقسمون إلى نبلاء وإلى عامة، وذلك لأن منهم من حارب المسلمين، ومنهم من خضع لهم، فالذين خضعوا لهم هم المعدودون من صنف العامة.

ولهذا حصل التمايز بينهما، أما في «بسقاية» و«غويبوسقوه» و«لابورد» حيث لم يتمكن المسلمون، ولم تكن لهم ولاية، فجميع الأمة معدودة من النبلاء، لأنه ليس فيها من أسلم، ولا من خضع للإسلام. والنبلة في هذه المقاطعات يقال لها نبالة أرض، لا نبالة دم، والفرق بينهما أن الذين أخرجوا المسلمين بالحرب صارت لهم حقوق متأثلة، واستولوا على الأراضي التي كانت صارت إلى العرب، وأقاموا فيها أكّارين من عبيدهم وجنودهم، فصار هؤلاء بكرور الأيام عائلات نبيلة ذوات إقطاع، وأما نبلاء الأرض فهم الذين توارثوا أراضيهم من القديم، وحفطوها خلفًا عن سلف، لأنه لم يقع عليها فتح، وأما القوانين والأعراف التي يمشي الباشكونس عليها فهي عبارة عن عادات واصطلاحات قديمة مختلطة بقوانين جديدة ولكل ناحية عادات تختلف عن غيرها، وأكثرها يدور حول الامتيازات التي نالها بعض الأهالي، وتملكوا بها الأراضي في حروبهم مع العرب. وهذا هو خلاصة ما يقال عن الباشكنس، إحدى الأمم الأيبيرية وأقدمها، ونزيد عليه أن باشكنس فرنسا وباشكنس أسبانية عقدوا سنة ١٩٠٢ مؤتمرًا في «فونتارابية» سموه مؤتمر اتحاد الباشكنس.

(٣) عود إلى ليون وقشتالة

ثم نعود إلى تفصيل ما أجملناه عن ليون والقشتاليين بقدر الإمكان فنقول:

الحدود بين فرنسا وأسبانية من جهة الشمال الغربي هي وادي «بيداسوا» Bidassoa الذي يجري بين «هنداي» Hendaye و«فونترابية» Fontarabie وهناك جزيرة اسمها جزيرة الحجل، في وسط النهر اتفقت فرنسا وأسبانية من قديم الزمان على جعلها منطقة متحايدة، وفيها تلاقى الكردينال مازارين مع الدون «دوهارو»، لأجل عقد صلح البرانس، وتقرير زواج بنت فيليب الرابع ولويس الرابع عشر، وفي هذه الجزيرة نفسها انعقد سنة ١٤٦٤ مؤتمر بين لويس الحادي عشر ملك فرنسا، وهنري الرابع ملك قشتالة، وفيها أيضًا ودّع فرنسوا الأول ملك فرنسا أولاده وعانقهم وهم ذاهبون رهائن إلى مجريط، بحسب معاهدة سنة ١٥٢٦ وفي هذه الجزيرة أيضًا تقررت بين فرنسا وأسبانية مصاهرة مزدوجة، وذلك سنة ١٦١٥ بعقد نكاح إيزابلة ابنة هنري الرابع ملك فرنسا على فيليب الرابع ملك أسبانية وعقد نكاح حنّة النمساوية أخت فيليب الرابع هذا على لويس الثالث عشر.
figure
مدينة ايرون.
ويوجد على وادي بيداسوا جسر مشترك طوله ١٣٠ مترًا، والنقطة المتوسطة منه هي الحد الفاصل بين المملكتين، فإذا تجاوزته إلى الغرب فأنت في مقاطعة «غينبوسكو» من بلاد الباشكونس. وأول مدينة تستقبلك هي مدينة «إيرون» Irun وعدد سكانها بضعة عشر ألف نسمة، وهي بلدة عصرية ذات موقع جميل على الضفة اليسرى لوادي بيداسوا. ثم على مسافة عشرين كيلو مترًا من هناك تصل إلى مدينة «سان سيباستيان» Saint-Sebastien والباشكونس يقولون لها «دونوستيا» Donostiya ويقولون لها أيضًا «أيروشولو» Eruchulo وهي قاعدة مقاطعة «غينبوسكوا» وموقعها من أبدع المواقع. وفيها كانت تصيف العائلة الملوكية في أسبانية، ونبلاء الأسبانيول يقصدونها للنزهة، وعدد سكانها يقرب من خمسين ألف نسمة. وهي قسمان، قديم وجديد، وحولها جبال يصعد إليها المتنزهون، وعليها حصون منها جبل «ايقلدو» Igueldo وجبل «العليا» Ilia وعلى خمسين كيلو مترًا من هناك مدينة «طولوزه» Tolosa وهي بلدة صغيرة، سكانها ستة آلاف نسمة، وموقعها بهيج، وفيها معامل للورق، وهي على نهر «أورية»، وبالقرب منها على مسافة عشرين كيلو مترًا بلدة «زومَرّاقة» Zumarraga وهي بلدة على نهر أوروله Urola، ولها أيضًا منظر بديع. ومن هذه البلدة خرج «ميكال لوبّس دوليكازبي» De Ligazpé فاتح جزر الفيلبيين سنة ١٥٦٩، وله فيها تمثال، وبالقرب منها بلدة صغيرة يقال لها «فرغاره» Vergara والبلاد هناك كلها جبال وأودية، إلى أن يصل المسافر إلى بسيط «أَلَبة» Alava ولألبة ذكر كثير في كتب العرب. وهذا البسيط تنحدر إليه جداول أهمها نهير يقال له «زادوره» وقاعدة مقاطعة ألبة مدينة «فيتورية» وكانت معروفة عند العرب، ويقال إنهم كانوا يقولون لها سنت مرية؟ وهي بلدة صناعية، سكانها ٣٥ ألفًا، يقال أن بانيها هو «ليوفيجلد» ملك البيزيقوت Leovigilde بناها سنة ٥٨١ بعد يوم كان له على الباشكونس، ثم إن الأذفونش الثامن ملك قشتالة انتزعها من يد النباريين سنة ١١٩٨ وفيها تمثال لرجل يقال له «ماتيومورازه» من زعماء الباشكونس، كان يدافع عن امتيازاتهم. والبلدة قسمان عتيق وجديد، والعتيق هو القسم الأعلى. وفي هذه البلدة، أي فيتورية، جرت معركة بين الإنجليز والفرنسيس في ٢١ يونيو سنة ١٨١٣ وكانت هذه المعركة ختام حرب أسبانية في زمان نابليون الأول. ثم هناك بلدة يقال لها «كستيلو» وبلدة أخرى يقال لها «أرغانزون» وهما من البلاد الصغيرة القديمة. ثم بلدة «ميرانده» وهذه سكانها خمسة آلاف نسمة، وفيها حصن قديم وهي على نهر إبره.
ومن جهة البحر يوجد بلدة يقال لها «غوتارية» Guetaria وبلدة يقال لها «زوميا» Zumaya على مصب نهر أورله، وبلدة يقال لها «سيستونه» Cestona وفي تلك الناحية دير كبير منسوب إلى القديس أغناطيوس لويوله Ignacio de Loyola مؤسس رهبانية الجزويت، وهو مبني في مكان البيت الذي ولد فيه لويوله. وعلى البحر مرسى يقال له «ديفا» Deva سكانه ثلاثة آلاف، وبلدة أخرى اسمها «ليكتيو» Lequeitio سكانها أربعة آلاف، ولها مرسى بديع. ثم بلدة «موتريكو» Motrico   وأهلها صيادو سمك، وفيها تمثال من رخام للجنرال «داميان» المولود في موتريكو، والمقتول في واقعة طرف الأغر سنة ١٨٠٥ ثم بلدة «أونداروه» Ondarroa وهي مرسى سكانه صيادو سمك أيضًا، وبلدة «الزولة» Alzola وفيها حمامات معدنية تنفع لأجل مرض المثانة، وبلدة «الجويبار» Elgoibar وبلدة أخرى اسمها «إيبار» وفي كلتيهما معامل للسلاح. ثم بلدة دورنغو Durango ولها واد خصيب وفيها كنيسة «سان بطرودو طبيره» من أقدم كنائس الباشكونس، وبلدة يقال لها «آموريبيطة» Amorebieta وبلدة يقال لها «غرنيقه» Guernica وسكانها ٣٥٠٠، ولها موقع في غاية الجمال، وكانت في القديم قاعدة لمقاطعة «بسقاية».
figure
بيلباو.
وهناك وادٍ بديع يقال له «مينداكا» Mundaca وكان للإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث قصر للنزهة في تلك البقعة. ثم بلدة «برميو» Bermeo وسكانها عشرة آلاف، وفيها بيمارستان للمجانين يخص ثلاث مقاطعات الباشكونس. ثم بلدة «بيلباو» Bilbao وسكانها ٩٥ ألفًا، وهي على نهر «نرفيون» Nervion وهي قاعدة مقاطعة بسقاية، تحيط بها جبال مغطاة بالحراج، وتبعد عن البحر ١٢ كيلو مترًا ولها تجارة واسعة، وهي قسمان. المدينة الجديدة، والمدينة القديمة. فالقديمة هي على الضفة اليمنى للنهر، والجديدة هي على الضفة اليسرى. وعلى النهر خمسة جسور، وقد أصلحوا النهر حتى صارت البواخر التي محمولها أربعة آلاف طن تدخل فيه. ولهذه البلدة مرسى على البحر عند مصب النهر يقال له «العبرة» El-Ebra وهذه المدينة معدودة من المدن الغنية، بسبب معادن الحديد التي بجانبها، وفيها مبانٍ جديرة بالذكر، ومعاهد خيرية، منها ملجأ للعميان وللخرس، وفيها معامل، ويقال إن باني هذه المدينة هو «لوبِس دوهارو» Haro أمير بسقاية، وذلك سنة ١٣٠٠.
figure
الحمام في بيلباو.
وفي تلك الناحية بلدة «أرانغورن» Arenguren وفيها معامل للورق، وبلدة «كارانزا» Carranza وفيها ينابيع معدنية والمهم هناك هو مدينة «سانت اندر» Santander وهي مدينة بحرية سكانها سبعون ألفًا. وهي قاعدة مقاطعة بهذا الاسم، وهي بلدة قديمة، كانت تنتهي إليها طريق رومانية، وكان العرب يقولون لها «شنت أدرم» وأحيانًا «شنت اندر» وهي قسمان: القسم الأعلى، وهو المدينة القديمة، وأزقتها ضيقة، والقسم الأدنى، وهو المدينة الجديدة ومرساها بديع، وتجارتها واسعة، وهي من أهم المرافئ البحرية في شمالي أسبانية.

ثم مدينة «أوردونية» وهي على وادي «نرفيون» وعدد سكانها ٣٥٠٠ وجميع مناظر تلك البلاد شائقة نظرًا لكثرة الجبال والأودية والغابات فيها.

ثم نعود إلى الجهة الداخلية، وهي التي يمر بها نهر ابره، فمن مدن هذه الجهة «بريفسكا» Briviesca وهي بلدة صغيرة سكانها ٣٥٠٠ اجتمع فيها نواب البلاد سنة ١٣٨٨ وقرروا أن ولي عهد قشتالة ينبغي أن يحمل لقب «برنس الأشتورياس» وبقربها بلدة «وأنيه» One وفيها دير للبندكتيين اسمه سان سلفادور، مبني سنة ١٠١١ وفيه أربعة قبور من قبور الملوك وهناك قرية «كينتانا بالاّ» Qnintanapalla التي فيها سنة ١٦٨٢ تزوج كارلوس الثاني ملك أسبانية بمارية لويز من آل بريون، في زمن لويس الرابع عشر. وقرية «توركمادة» التي ينسب إليها «تومادوتوركمادة» Torquemada رئيس ديوان التفتيش الشهير في أسبانية. وفي تلك البلاد مساكن كثيرة منحوتة في الجبال. ومن الأماكن المذكورة فيها قرية «دويناس» Duenas التي تلاقى فيها فرديناند ملك أراغون مع إيزابلا ملكة قشتالة قبل زواجهما.
figure
أحد البيوت المالية في بيلباو.
وعلى وادي دورو Duero الذي يقول له العرب «الوادي الجوفي» بلدة «أرانده» Aranda وهي صغيرة بديعة المنظر، وهناك مدينة «صان استبان» san Estevan de Gormaz وكان العرب يقولون لها «شنت استابين» وفيها حصن قديم من أيام حروب العرب. ومدينة «أوسما» Osma وهي بلدة أيبيرية عتيقة، كان لها ذكر في الدور العربي، وبالقرب منها على شفير واد عميق دِمَن حصن عربي قديم. وقرية «المازان» Almazan، وفيها مسارح نظر بديعة، وآثار أسوار قديمة، وقنطرة على الوادي الجوفي طولها ١٦٣ مترًا. ومدينة «الكامبو» Medina del Campo وهي صغيرة، وكان فيها قصر اسمه «قصر موتا» Castillo de la Mota مبني من سنة ١٤٤٠ كانت تؤثره الملكة إيزابلا ملكة قشتالة، زوجة فرديناند، وتقيم به وماتت فيه سنة ١٥٠٤.
ومن مدينة «الكانبو» أو «الكامبو» إلى «زمورة» ٩٠ كيلو مترًا بالسكة الحديدية، وبينهما بلدة «تورو» Toro مبنية على جبل شاهق مدهش فوق الوادي الجوفي.

(٤) برغش

وأما برغش Burgos، فهي مركز مقاطعة بهذا الاسم، وسكانها يزيدون على ثلاثين ألفًا، وهي مركز قيادة عسكرية، ومقر رئاسة أساقفة، وموقعها على يَفَاع من الأرض في القسم الشمالي من قشتالة، يسقيها نهر اسمه «أرلنسون» Arlençon تراه أكثر السنة شحيحًا، لكن له فيضانات مدهشة. وفي برغش حصن على رابية مشرفة على البلد، لم يبق منه إلا رسوم طامسة. وفي أسفل هذه الرابية الكنيسة الكبرى وهي من أبدع بدائع الصنعة القوطية في أسبانية.

ولبرغش سهل مريع يسقيه جدول اسمه «بيكو» وأقنية من أرلنسون. وهذه البلدة هي من أقرس مدن أسبانية بردًا، يتسلط عليها ريح الشمال، وقد يقع فيها الثلج في شهر يونيو وفي الشتاء يصح أن يقال فيها:

لا ينبح الكلب فيها غير واحدة
من الصقيع ولا تسري أفاعيها

وأما في القيظ فهي من أشدها حرارة، يهب عليها ريح الجنوب المحرق فيشوي الوجوه، وعليها يصدق المثل الذي يقال عن مجريط وهو: تسعة أشهر شتاء، وثلاثة أشهر جهنم الحمراء.

figure
مدينة برغش «منظر عمومى».
وفي برغش أبنية تعد من أجل ما يوجد في أسبانية، وأهمها الكنيسة الكبرى بدأ ببنائها الملك فرديناند الثالث الذي يقال له القديس فرديناند، وذلك سنة ١٢٢١ واستمروا يبنون فيها ويزخرفون ويزينون مدة ثلاثمائة سنة، فتأمل كم فيها من بدائع وتصاوير وتماثيل وتحاريم، تعد في الدرجة الأولى من درجات الفن. ويوجد غير الكنيسة الكبرى كنائس أخرى تقصدها السياح. مثل كنيسة سان نيقولا، وكنيسة سان اشتابين، وكلها على طرز البناء القوطي، وكذلك في هذه البلدة حصن قديم يقال له «كاستيليو» يصعدون إليه من باب عربي اسمه قوس سان اشتابين وكان يسكن فيه ملوك قشتالة. وفي هذا الحصن احتفل بزواج السيد لذريق دوبيفار المسمى بالقمبيدور الشهير في التاريخ الذي يجعله الأسبانيول بطلهم القومي، نظرًا لشجاعته وإقدامه. برغم أنه كان ظالمًا غدارًا، ناقص الذمام، عديم الوفاء، مما ثبت في التاريخ ثبوتًا لا ريب فيه، ولكن الشعب الأسباني تعامى عن ذلك وخلق لهذا الرجل محاسن لم تكن فيه، حتى يمكنه تمام الإعجاب به، وقد ولد لذريق البيفاري De Buver هذا سنة ١٠٢٦ ومات سنة ١٠٩٩.
وسنأتي على ذكره في قسم التاريخ، ونروي كيفية استيلائه على بلنسية، وإحراقه القاضي ابن حجاف في ساحة تلك البلدة، بحجة أنه خبأ عنه بعض خزائنه والحقيقة أنه إنما أراد إلقاء الرعب في قلوب أهل بلنسية. حتى لا يخفوا عنه شيئًا من الأموال التي كان يطمع فيها. وقد كانت ولادة هذا البطل الغشوم في برغش، ومكان البيت الذي ولد فيه لا يزال معروفًا. وفي دار البلدية مخدع فيه عظام السيد المذكور. وقد كانت من قبل مدفونة في دير «كاردينية» Cardena، وتقلبت هذه العظام على حالات شتى إلى أن جمعوها سنة ١٨٨٣ في دار البلدية في برغش. وبالقرب من دير كاردينية، كانت تسكن امرأة السيد، وهي المسماة «شيمانة» وكانت ابنة الكونت دياغو من «أوبيط»  Diego d’oviedo فإنها بعد أن مات زوجها وأخرجت من بلنسية سكنت في برغش إلى أن ماتت٣ سنة ١١٠٤.
ويقال أن باني برغش هو «رودريغس بورسالوس» Rodriguez Porcelos كونت قشتالة، بناها سنة ٨٨٤، وكانت من قبل تابعة للأشتورياس، ولكن الملك «أوردونيو» الثاني Ordono قتل ذرية بورسالوس، فاستقلت المدينة واتخذت لنفسها حكومة جمهورية، ثم في زمن «فرنان غونزاليز»  Farnen Gonzales صارت قاعدة قشتالة٤ ثم عندما اتحدت قشتالة وليون مملكة واحدة كانت هي مركز قشتالة القديمة. وفي برغش هذه هزم الفرنسيس في زمن نابليون الجيوش الأسبانية.
ومن مباني برغش المشهورة القصر المسمى «بالكردون» Caza del Cordôn وهو قصر بناه أمير الجيوش «فاليسكو» في أواخر القرن الخامس عشر على يد البناء المشهور المسلم محمد السقوبي Mahomat de Segovia وفي برغش دير للراهبات شهير أصله مقصف لملوك قشتالة، ثم حوله الأذفونش الثامن سنة ١١٨٧ ديرًا للراهبات، وكان فيه مائة من هؤلاء المتبتلات. ولم يبق الآن سوى ثلاثين. ويقال للواحدة منهن «سنيورة» أي سيدة، ولا يقال «أخت» كما يقال لغيرهن.
وفي هذا الدير كنيسة خزانة فيها راية عربية أخذها الأسبان من المسلمين في وقعة العقاب. وأما دير كوردينية فهو من أقدم الأديار، كان بناؤه سنة ٥٣٧ وبانيه سنشه Sancha أم الملك تيودوريق. وهناك دير آخر تاريخ بنائه يرجع إلى سنة ٥٩٣ في قرية صغيرة بقرب برغش يقال لها دير سيلوس Silos بانيه الملك «ريكاريد» Rècarèd وهو اليوم للبندكتيين.

(٥) بلد وليد

ثم بلد الوليد Valladolid وهذه اللفظة عربية محرفة عن «بلد الوالي». هكذا سماها العرب، فأضاف إليها الأسبان حرف الدال، فصار الإنسان يتوهم أنها بلد بناها رجل يقال لها الوليد، وهي الآن مركز مقاطعة بهذا الاسم. سكانها فوق السبعين ألفًا وموقعها في مرج أفيح، على الضفة اليمنى من وادي بسيورقة. وكانت هذه البلدة مقرًا لملوك قشتالة٥ وفيها تأهل فرديناند بإيزابلا سنة ١٤٦٩ وفيها مات كريستوف كولومب في ٢١ مايو سنة ١٥٠٦ وفيها أقام فيليب الثاني وفيليب الثالث، وكذلك نابليون الأول جعل فيها مركزه عندما فتح أسبانية، وفيها كنيسة كبرى بدأوا بها سنة ١٥٨٥ على يد «هريرة» من البنائين المشهورين، طول المسقوف من هذه الكنيسة ١٢٢ مترًا، وعرضها ٦٢ مترًا، وفيها مدرسة جامعة، عدد طلبتها يقارب خمسة آلاف، وأساتيذها خمسون، وفيها خزانة كتب تشتمل على ٣٥ ألف مجلد. منها ثلاثمائة مخطوط، وأمام المدرسة الجامعة تمثال للكاتب الأسبانيولي الشهير «ميشال دو سرفانتس» Cervantes صاحب كتاب «الدون كيشوط». وفي هذه البلدة متحف كان في أصله مدرسة يقال لها مدرسة «سانتا كروز» Santa Cruz وعلى باب هذه البناية القديمة صورة المطران «مندوزا» ساجدًا أمام القديسة «تريزة» وفي هذا المتحف مجموعة من تماثيل خشبية نادرة في بابها، لأشهر نحاتي أسبانية وفيه من نفائس التصاوير والتماثيل ما يدهش السائحين.
figure
الساحة الكبرى «بلد الوليد».
وفي هذه البلدة أيضًا كنيسة يقال لها كنيسة المجدلية، فيها قبر بانيها «الدون بدور دو لا غاسكا» De La gasca وفيها كنيسة يقال لها كنيسة «سانتا مارية لا أنطيقا» La Antigus هي من الكنائس الأثرية، ومدرسة يقال لها مدرسة «سان غريغوريو»، بناها البناء الشهير «فيغارني» في أواخر القرن الخامس عشر، على بابها شجرة نسب الملوك الكاثوليكيين أي فرديناند وإيزابلا والمطران الونزو دو برغش. وفي بلد الوليد أيضًا كنيسة سان بابلو، بدأوا ببنائها سنة ١٢٧٦ ثم جددها سنة ١٤٦٣ الكردينال «توركمادا» وفيها ست أو سبع كنائس غير التي ذكرت. وكلها من الأبنية الموصوفة بحسن الصنعة. وبالقرب من بلد الوليد بلدة «شنت طانكش»، وأصل اسمها في زمن الرومانيين «سبتيمانكة» Septimanca ثم انقلب إلى سيمنكاس Simaucas والعرب يقولن لها «شنت طانكش» وفيها حصن مودعة فيه أوراق دولة أسبانية من القديم، وهي ثمانون ألف أضبارة، تشتمل على ٣٣ مليون وثيقة.
وبالقرب من سيمنكاس مدينة قديمة صغيرة اسمها «طوردزلاس» Tordsillas ومن مدن تلك الجهة «أريفالو» Arévalo وهي بلدة قديمة صغيرة، سكانها أربعة آلاف نسمة، وكانت في الماضي معدودة من مفاتيح مملكة قشتالة. ثم مدينة «آبلة» Avila وسكانها٦ ١٢ ألف نسمة، وهي مركز مقاطعة بهذا الاسم، ومركز أسقف، وموقعها على سطح رابية منقطعة من الجهات الثلاث، وأمامها الجبال التي يقال لها شارات «مالاغون» من جهة الشرق، وشارات آبلة من جهة الشمال الغربي. وهواء هذه البلدة هو في غاية القسوة، وقد تنازع الأسبانيول والعرب هذه البلدة مدة أربعة قرون متوالية، ولم تدخل في حوزة المسيحيين نهائيًا إلا سنة ١٠٩٠ في زمن الأذفونش السادس، فحصنها الأذفونش، وجدد فيها أبنية كثيرة، وبقيت إلى القرن السابع عشر من أحفل مدن أسبانية وكان فيها جم غفير من الموريسك، أي العرب الذين نصّرهم الأسبانيول ظاهرًا، ولبثوا مسلمين باطنًا، وكانت هذه المدينة عامرة بهم، فلما طردوهم في سنة ١٦١٠، وهو الجلاء الأخير، سقطت هذه المدينة سقوطًا تامًا. وفي آبلة من الكنائس ما يعد في الطبقة الأولى بين كنائس أسبانية، على كثرة احتفال الأسبانيول بالكنائس، وبذلهم في بنائها ما عز وهان. ومن أشهرها كنيسة «سان سلفادور»  San Salvador وهي مبنية من الحجر المحبب، يخالها الناظر إليها حصنًا من الحصون. وهي من القرون الوسطى، وبابها بديع الصنعة، وفي داخلها تصاوير لأشهر المصورين، وفيها قبر المطران «ألفونسو دومادريغال» من عمل النحات الشهير «فاسكو زارزا» Zarza، وفيها كنيسة «سان بدرو» ودير «سانتو توماس» بناه الملوك الكاثوليكيون، أي فرديناند وإيزابلا سنة ١٤٨٢، وفيه قبر البرنس جوان الذي مات سنة ١٤٩٧ وكان الولد الوحيد لفرديناند وإيزابلا.
وسور آبلة القديم طوله ٢٤٠٠ متر، ولم يكملوه إلا سنة ١٠٩٩. وفي آبلة ماتت القديسة «تريزا» Teresa، ولها هناك دير مشيد في محل البيت الذي ولدت فيه سنة ١٥١٥، وهذه القديسة هي شفيعة آبلة. وفيها أيضًا كنائس أخرى متقنة مثل «سان سغوندو» Segundo و«سان فيسنت» Vicente نسبة إلى القديس فيسنت الذي يقال أنه في سنة ٣٠٣ للمسيح قتل من أجل عقيدته المسيحية. وهناك صخرة هي في داخل الدير، يقال إن القديس المذكور قتل عليها. وفي آبلة ساحة منسوبة إلى المنصور بن أبي عامر. وبالقرب من آبلة واد بهيج، يقال له «وادي البرش» Alberche، وفيه بلدة مشهورة بنوع من العنب يسمى البيلو Albillo ويقال لهذه البلدة «سبريروس» Cebreros.
figure
سور مدينة آبله.
ومن مدن قشتالة «فيلالبة» Villalba واقعة على واد متسع تحيط به أهاضيب من شارات وادي الرمل، وهي على حدود قشتالة الجديدة. وفي تلك الجهة قرية يقال لها «شارمارتين» Charmartin وهي التي فيها كان نابليون الأول عند ما استسلمت له مدينة مجريط.
ومن مدن قشتالة «أولميدو» Olmedo وهي صغيرة، ثلاثة آلاف نسمة، إلا أنها كانت ذات شأن في الماضي، وكانت مسكن نبلاء قشتالة، حتى ضرب المثل بها، فكانوا يقولون: من أراد أن يسود في قشتالة، فعليه أن يستند على أولميدو وأريفالو. ثم بلدة يقال لها «كوكو» Coco كان لها شأن عظيم في القديم، ولكنها اليوم قرية صغيرة. وبلدة سقوبية Segovia، وكل هذه البلاد قريبة من مجريط، والسكة الحديدية تمر على سقوبية ثم تدخل في نفق وادي الرمل، وطوله ٢٧٠٠ متر وإذا أفاض الإنسان من هذا النفق وقع نظره على سهل قشتالة الأفيح، فشاهد أجمل ما تقع عليه العين. وفي تلك الناحية دير الأسكوريال الشهير، ثم مجريط.

وهذه البلدة هي اليوم عاصمة أسبانية، وسكانها يزيدون على ثلاثمائة ألف وفيها مدرسة جامعة، ومركز أسقفية، وموقعها على ٦، ١، ٣١ من الطول الغربي من خط نصف النهار الباريزي، وعلى ٤٠، ٢٤، ٣٠ من العرض الشمالي، وهي تعلو عن سطح البحر ٦٤٠ متر.

(٦) مجريط Madrid

قال ياقوت في معجم البلدان: مجريط بفتح أوله، وسكون ثانيه، وكسر الراء، وياء ساكنة، وطاء: بلدة بالأندلس ينسب إليها هارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي الأديب القرطبي، أصله من مجريط، يكنى أبا نصر، سمع من أبي عيسى الليثي وأبي علي القالي، روى عنه الخولاني، وكان رجلًا صالحًا صحيح الأدب، وله قصة في القالي ذكرتها في أخباره من كتاب الأدباء — يعنى كتابه معجم الأدباء — ومات المجريطي لأربع بقين من ذي القعدة سنة ٤٠١ قاله ابن بشكوال. ا.ﻫ.

ومن غريب الأمور أن ياقوت ذكر مجريط في مكانين من كتابه، ففي الأول ذكرها في صفحة ٣٨٨ من الجزء السابع من معجمه، الطبعة الأولى المصرية المصححة بقلم الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي، ثم في صفحة ٣٩٤ من الجزء نفسه، عاد فذكر مجريط هي نفسها وترجمها غير الترجمة الأولى فقال: مجريط بالفتح ثم السكون وكسر الراء، وياء، وآخره طاء مهملة: مدينة بوادي الحجارة، اختطها محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. ينسب إليها سعيد بن سالم الثغري، ساكن مجريط، يكنى أبا عثمان. سمع بطليطلة من وهب ابن عيسى، بوادي الحجارة من وهب بن مسرة وغيرهما، وكان فاضلًا، وقصد السماع عليه، ومات لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة ٣٧٦ قال ابن القرضي انتهى نقلًا عن بغية الملتمس.

والذي يلوح لنا أنه كتب عن مجريط أولًا، وانتهى منها، ثم تلقى معلومات جديدة عنها فبدلًا من أن يلحقها بما تقدم له في شأن مجريط، عاد فترجمها مرة أخرى وينسب إلى مجريط عدد من أهل العلم في الإسلام منهم أبو محمد عبد الله بن سعيد المجريطي٧ وعبد الرحمن٨ بن عبد الله بن حماد المجريطي. وهارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي القرطبي، أصله من مجريط، وأبو العباس يحيى بن محمد بن فرج بن فتح، المعروف بابن الحاج٩ المجريطي، توفي بقرطبة سنة ٥١٥ وأبو يعقوب يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حماد١٠ المجريطي، توفي بمجريط نفهسا سنة ٤٧٣ وعبد الرحمن بن عيسى بن عبد الرحمن بن الحاج المجريطي، سكن قرطبة، وكان يكنى بأبي الحسن.١١ وأبو الحسن غربيب بن خلف بن قاسم الخطيب القيسي المجريطي نزيل مالقة، كان من أهل العلم، وله تصنيف.
وأعظم المنسوبين إلى مجريط أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الفلكي الكيماوي الشهير. وممن ينتسب إلى مجريط سعيد بن سالم المجريطي المعروف بأبي عثمان الثغري الذي ذكره ياقوت، وينسب إلى مجريط أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن بن عيسى بن عبد الرحمن بن الحاج، كان ساكنًا في قرطبة. وتولى قضاء جيان، وقضاء مرية، وقضاء غرناطة، ثم تولى قضاء قرطبة بعد أبي الوليد بن رشد، وكان قاضيًا جليلًا، توفي١٢ سنة ٥٩٨.

وأما أبو يعقوب يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حماد المجريطي الذي قلنا إنه توفي بمجريط سنة ٤٧٣، فإذا كان القشتاليون استولوا على مجريط سنة ١٠٨٣ فينبغي أن تكون وفاته وقعت في مجريط بعد استرداد الأسبانيول لهذه البلدة. وأخبرني مهندس أسبانيولي مدقق متخصص بعلم الآثار اسمه فرناندس من أهل قرطبة أنه لما استولى الأسبان على مجريط كان فيها أربعة جوامع.

كان بناء مجريط في زمن العرب ضرورة عسكرية، لأنهم جعلوها قلعة في وجه القشتاليين، ولولا القلعة ما تكونت ثمة بلدة، إذ ليس إلا بلد محل، وماء ضحل، وبقيت في أيدي العرب مدة طويلة إلى أن تمكن الأسبانيول من إرجاعها سنة ١٠٨٣ وذلك على يد الأذفونش السادس، وكانت القلعة العربية في مكان القصر الملوكي الحالي وهذا القصر هو أفخم بناء في هذه العاصمة الآن، وكان الشروع ببنائه سنة ١٧٦٤.

هذا، ولما دخلها الأسبانيول حولوا مسجدها الكبير إلى كنيسة باسم السيدة العذراء وأعطوا مجريط امتيازات كثيرة، وصارت لذلك العهد مدينة لا بأس بها، تمتد إلى باب «لاتينه» Latina وباب «سرداه» Cerrada، وباب «وادي الحجارة»، وباب «سانتو دومينكو» Sato Domingo، وباب «سان مارتين» San Martin، وباب «الصول» Del Sol، ووقع بين أهل مجريط وأساقفة أسبانية دعوى على مشاعات البلدة، فصدر الحكم بأن تكون المراعي لرجال الكنيسة وأن تكون الغابات للمدينة.
وفي سنة ١٣٢٩ جمع فرديناند الرابع أول مجلس للأمة الأسبانية في مجريط وفي سنة ١٣٨٣ التجأ إلى أسبانية لاوون ملك أرمينية شريدًا، فولوه على مجريط، ولكن بعد وفاته رجعت البلدة إلى حكم قشتالة، وفي سنة ١٣٩٠ حصلت في مجريط فتن متتابعة أيام كان الملك هنري الثالث صغيرًا فانتقلت العائلة المالكة إلى سقوبية. ثم تجددت هذه الفتن في زمن هنري الرابع بين سنتي ١٤٥٤ و١٤٧٤، ولم تستقر أحوال مجريط إلا في زمن الملوك الكاثوليكيين، أي فرديناند وإيزابلا سنة ١٤٧٧ وفي زمن شارلكان ثارت مجريط عليه، وانضمت إلى الحزب الذي كان يأبى الانقياد للحكم المركزي، إلا أن هذا الحزب انتهى أمره بالفشل، فدخل شارلكان مجريط سنة ١٥٢٤ بعد ذلك بسنة، لما وقع فرنسوا الأول ملك فرنسا أسيرًا في يد الإمبراطور شارلكان، بعد معركة «بايفه» Pavia جيء به إلى مجريط، واعتقلوه مدة في البرج المسمى «لوجانس» Lujanes ثم نقلوه إلى القصر Alcazar، وكان عدد أهالي مجريط في أوائل القرن السادس عشر لا يتجاوز ثلاثة آلاف نسمة.

والذي فكر في جعل مجريط عاصمة أسبانية هو فيليب الثاني، وذلك سنة ١٥٦٠ وقبلها كانت العاصمة طليطلة. وكان في طليطلة كرسي الأسقف الأكبر، فكانت هذه المدينة عاصمة أسبانية في الدين والدنيا، وكان الاحتكاك الدائم لا يخلو من حوادث تبعث على الاختلاف، فأخذ فيليب الثاني يفكر في الانتقال إلى مركز آخر يتوسط المملكة مع جميع الجهات، فلم يجد أفضل من مجريط، على علاتها، وقحولة أرضها، وعطلها من أكثر المواهب الطبيعية التي تقوم بها عمارة البلدان، فإنه فكر في سرقسطة، فوجدها منحرفة إلى الشمال. وفي برغش وليون، فلم يجد فيهما التوسط اللازم الذي جعله نصب عينيه، وفي قرطبة وأشبيلية، فوجدهما ضاربتين في الجنوب، وكان مراده على كل حال أن يغادر طليطلة فرارًا من مجاورة أحبار الكنيسة فاختار مجريط، برغم وقوعها في أرض قليلة الخيرات، لا تجري فيها أنهار ولا تمتاز بزرع ولا ضرع، كما أن هواءها جامع بين الأضداد، فمن نواقح البرد القارس، إلى لوافح الحر المحرق، ففي أيام الشتاء قد تنزل درجة الحرارة في الميزان إلى ١١ تحت الصفر ويتجمد الماء أكثر فصل الشتاء، وفي الصيف تصعد الحرارة إلى الدرجة ٤٣ في الظل، كأنه حر الساحل الجنوبي، ثم إن هواء مجريط، إما أن يكون شديدًا عاصفًا، يصرع الرجل الماشي في الشارع، وإما أن ينقطع تمامًا، حتى لا يطفئ المصباح، فتقلبات الأحوال الجوية في هذه العاصمة أعجوبة من الأعاجيب، ومن أمثالهم: لا تترك معطفك قبل ٢٠ مايو.

ولما انتقل فيليب الثاني إلى مجريط كان فيها ٢٥٠٠ بيت، و٢٥ ألف نسمة، فضاقت على رجال الدولة والجند. وصدرت الأوامر بإنزال الأمراء والقواد وأصحاب المناصب في البيوت الكبيرة، فمن ذلك الوقت امتنع الناس عن بناء الدور الفيحاء، وصار الأغنياء منهم يعتمدون السكنى في المنازل الحقيرة، حتى لا ينزل رجال الدولة في دورهم. فلذلك بقيت مجريط لا تتقدم إلى الأمام مدة طويلة، مع أن الفن لذلك العهد كان بلغ أوج الترقي، واستمرت هذه الحالة على مجريط إلى أن جاء آل بوربون ملوكًا على أسبانية، فشرع كارلس الثالث، أفضل ملوك هذه العائلة، في عمارة مجريط والاعتناء بشأنها. ولما استعفي كارلس الرابع من عرش أسبانية سنة ١٨٠٨ جاء يوسف بونابرت، وأخذ يوسع شوارع مجريط، ويهدم حاراتها القديمة، والأديار التي كانت تضيق بها الأرض بما رحبت ثم ذهب حكم نابليون، وأعيد حكم آل بربون، وجاء فرديناند السابع، فأخذ يعتني بتوسيع مجريط وتزيينها، إلى أن كسبت شكل عاصمة حقيقية.

وأشهر ساحة في مجريط هي التي يقال لها «باب الشمس» Peurta Del Sol ومن هذه الساحة يمتد شارعان، أحدهما المسمى شارع «القلعة» Alcala وهو أوسع شوارع المدينة وأبهاها، وبه تسير جميع المواكب في الاحتفالات، والثاني شارع «جيرونيمو» وفيه أعظم المخازن وأغناها.

وفي مجريط أكاديمية للفنون النفيسة، وفيها متحف المدفعية وفيه آثار ونفائس كثيرة. وفيه قاعة تسمى القاعة العربية، جمعوا إليها ما قدروا عليه من مخلفات العرب، من رايات، وعمائم، وأثواب، وأحذية، وسيوف، ومن جملتها سيف أبي عبد الله بن الأحمر، آخر ملوك غرناطة. وقد اشتمل هذا المتحف أيضًا على غنائم كثيرة مما حازه الأسبانيول في فتح أميركة، وتلك المستعمرات الواسعة، وكذلك في هذا المتحف تذكارات كثيرة من أيام حروب الكرلوسيين.

وحروب الكرلوسيين تشغل من تاريخ أسبانية حيزًا كبيرًا، بحيث لا يفهم القارئ، حقيقة تاريخ أسبانية في القرن الماضي بدون أن يعرف قضية الكرلوسيين هذه. فلذلك رأينا تلخيصها فيما يلي:

الدون كارلوس البريوني المولود سنة ١٧٨٨ المتوفى سنة ١٨٥٥ كان ابن كارلس الرابع، ملك أسبانية، وأخا فرديناند السابع. فلما حمل نابيلون الأول فرديناند هذا على الاستعفاء اعتقله، كان الدون كارلس مع أخيه في الاعتقال، فلما عاد فرديناند إلى الملك، بعد سقوط نابليون سنة ١٨١٤ عاد الدون كارلس أيضًا مع أخيه ونظرًا لكون فرديناند لم يعقب ولدًا، كان كارلس هو ولي العهد الشرعي، وحوله اجتمع رجال الكنيسة والرهبان والنبلاء الذين يكرهون مبادئ الثورة، وجميع من كان من أنصار الملكية المطلقة، وأصحاب الامتيازات والاقطاعات، فصار الدون كارلس يناوئ أخاه الملك، ولم يتمكن فرديناند من العرش في وسط هذه الهزاهز إلا بواسطة جيش أنجدته به فرنسا سنة ١٨٢٣، واشتدت العداوة بين الأخوين، فتزوج فرديناند بمارية كرستينا من ملوك الصقليتين، وولد له منها الأميرة إيزابلا، فصارت هي في نظر أبيها وارثة الملك. وحال أن قانون أسبانية كان يحصر الإرث في الذكور، فأدى الأمر إلى الحرب بين حزب الملك وحزب الدون كارلس، ومزقت هذه الحروب الأمة الأسبانية تمزيقًا، واتفقت فرنسا وإنكلترة، فعضدتا الملك فرديناند في وجه أخيه ثم مات الملك سنة ١٨٣٣ فقامت مقامه زوجته الدونة مارية، وعضدتها فرنسا وإنكلترة، فانهزم كارلس إلى البرتغال، لمصاهرة بينه وبين الدون ميكال ملك البرتغال. إلا أن حزب الدون كارلس كان كبيرًا وثارت معه المقاطعات التي كانت تكره النظام المركزي، فاشتعلت نار الفتنة في الأستورياش، وبلاد الباشكونس، ونباره، وأراغون، وكتلونية. واشتدت الحرب الأهلية في أسبانية، إلى أن وقع الخلف أخيرًا بين زعماء حزبه، ففشلوا، واضطر كارلوس إلى الفرار سنة ١٨٣٩، والتجأ إلى فرنسا في زمن الملك لويس فيليب، واعتقل فيها.

ثم نزل عن دعواه لشخصه وخلفه ابنه الدون المسمى كارلس أيضًا، فأخذ هذا يثير حزبه على ابنة عمه، وجرت وقائع وحروب في أيامه، كما جرت في أيام أبيه. وما زال يقاتل ويثير الفتنة إلى أن مات. فخلفه أخوه الدون جوان. ثم خلف الدون جوان ولده الدون كارلس أيضًا، وذلك سنة ١٨٦٨، وسماه حزبه كارلس السابع، ودخل أسبانية، وأثار الفتنة، نظير عمه وجده، وتغلب على عساكر الدولة الأسبانية، وقام بتشكيل وزارة، وأوشك أن يستولي على العرش، واستمرت هذه الحالة مدة أربع سنوات، إلى أن تغلبت الدولة الأسبانية في الآخر عليه، فانهزم إلى الخارج، فصار يجول في الأقطار إلى أن مات. وانتهت الشحناء الكارلوسية.

ثم نعود إلى ذكر مدينة مجريط فنقول: أنه فيها دار لمجلس النواب، يقال لها دار المؤتمر Palacio del Congreso وهي بناء فخم، أنشأه المهندس. نرسيزو بشكوال Pascual. وأمام الرتاج اسدان من سكب الرمل ومدافع غنمهما الأسبان من المراكشيين في واقعة تطوان سنة ١٨٦٠. وفي مجريط متحف يقال له متحف البرادو Prado، بدأوا به سنة ١٧٨٥، وهو قسمان، أحدهما للتماثيل، والآخر للتصاوير. وفيه آثار أيدي مشاهير المصورين والنحاتين، ممن تقدم لنا ذكرهم في الفصل المتعلق بالفن، ومن غيرهم. فهم من أحفل متاحف أوروبا بلا نزاع، يختلف إليه عشاق الفن ما شاؤا أن يختلفوا، ولا يزالون يرون فيه أشياء جديدة. وفيها جنة النبات Gardin Botanique، وقد بدأوا بها سنة ١٧٧٤ إلا أن دليل بديكر يجعلها دون حديقة النباتات التي في بلنسية، ودون حدائق النباتات التي في البرتغال.

وفي مجريط ساحة يقال لها ساحة الشرق، في نهايتها ملهى التمثيل الملوكي. وأما قصر مجلس الشيوخ فإنه في طرف من المدينة، بينما مجلس النواب هو في الطرف الآخر.

وأما خزانة الكتب الوطنية ففيها عدا الكتب، وعدا الوثائق التاريخية متحف يقال له متحف الفن الحديث، ومتحف آخر يقال له متحف الآثار القومية. وقد بدأوا ببناء دار الكتب هذه سنة ١٨٦٦، وانتهوا منها سنة ١٨٩٤، وأمام رتاجها تماثيل المشاهير من رجال أسبانية، وفي داخلها تماثيل ملوكهم وملكاتهم. وأول من جمع هذه الكتب في مجريط هو الملك فيليب الخامس، وذلك من مائتين وخمس وعشرين سنة. وسنة ١٨٦٦ اشترت الحكومة مجموعة كتب مخطوطة كانت تخص دوق أوشونة، وأضافتها إلى هذه المكتبة. ومجموع ما تشتمل عليه من الكتب هو ستمائة وخمسون ألف مجلد، منها ثلاثون ألف مخطوط، وألفان وسبعة وخمسون كتابًا طبعت في بداية عهد الطباعة. وفيها عشرون ألف ورقة من الوثائق. وثلاثون ألف صورة يدوية. وفيها ثمانمائة طبعة من كتاب الدون كيشوط. والبناء هو سبع طبقات من الحجر والحديد، وفي قاعة القراءة ٣٢٠ كرسيًا. ولما ذهبت إلى مجريط سنة ١٩٣٠ كنت أذهب كل يوم إلى هذه المكتبة، وفيها اطلعت على كتب كثيرة تتعلق بالأندلس، ثم اقتنيت أكثرها فيما بعد ذلك، ونسخت بخط يدي يومئذ قسمًا من كتاب أخبار مجموعة، وهو أول تاريخ عربي لمسلمي الأندلس، يصل إلى زمان الناصر، وقسمًا من كتاب القضاة بقرطبة، لأبي عبد الله محمد الخشني.

وأما خزانة الآثار القومية ففيها مائتا ألف وثيقة، جمعت من كل الأطراف، ولا سيما من كنيسة آبلة. وتحت المكتبة أقباء ملأى بالآثار القديمة التي قبل التاريخ وعظام بشرية، وهناك مكان للعاديات الشرقية، ومنسوجات قبطية، وآنية أصلها من قبرص، وكثير من المصنوعات الأيبيرية، والتماثيل العتيقة، مما يحار له العقل. ويقضي السائح الأيام والأشهر وهو يقضي منه العجب، ويوجد قاعات لآثار القرون الوسطى: من كتابات، وقطع فنية، ونواويس. ومن هناك قاعة خاصة بآثار العرب. والآثار المسيحية التي يطلق عليها اسم الطراز المدجن، والأسبانيول يقولون المدجَّر، وأكثر هذه الآثار العربية مأخوذة من أشبيلية وقرطبة وسرقسطة وغرناطة وفي القاعة العربية أسطرلابان عربيان، أحدهما تاريخ صنعه سنة ١٠٦٧ مسيحية، وهو أقدم أسطرلاب معروف اليوم. وفيها تحت الزجاج مجموعة عظيمة من الصحون والآنية العربية. وإلى الحائط الغربي من القاعة العربية قوسان من باب الجعفرية، في سرقسطة، وقطع من البهو الملوكي في الجعفرية المذكورة، وباب عربي جيء به من ليون، وحوض للوضوء جيء به من مدينة الزهراء في قرطبة، وآثار من جامع بناه محمد الثالث في غرناطة وإلى الحائط الجنوبي باب عربي من خشب وجدوه في «دروقه»، وإلى الحائط الشرقي مجموعة من الزليج، وفي الوسط فوارة أشبه بفوارة قاعة الأسود في الحمراء، وفورتان من قرطبة، ويوجد سيوف عربية، وخواتم، وآنية من العاج، وغير ذلك من نفيس صناعات العرب. ومما يوجد في هذا المخزن مفاتيح مدينة وهران يوم دخلها الأسبانيول سنة ١٥٠٩.

وفي الطبقة الأولى من خزانة الآثار هذه توجد آثار مكسيكية قديمة، حازها الأسبانيول يوم فتحوا تلك البلاد، وآثار غريبة، وآنية خزفية، ومنسوجات من أميركا الجنوبية، وفسيفساء من صنعة أميركا الشمالية القديمة وغير ذلك مما وجدوه في المكسيك وكولومبية وكوبا وغيرها.

ومكتبة مجريط هي من أغنى مكاتب أوروبا بلا نزاع، سواء في الكتب، أو في الآثار أو في التحف النفيسة، وفيها أيضًا نفائس من صنعة فارس وتركية والهند، وتماثيل صينية، ومصنوعات من العاج من عمل الصين، وفيها أيضًا من صناعة اليابانيين وبلاد الفيليبين، وفيها معرض للمسكوكات القديمة، من زمان قرطاجنة فما بعدها، وغير ذلك مما لا يكاد يحيط به العقل.

وفي مجريط تمثال لكريستوف كولومب منصوب في ساحة منسوبة إليه. وتمثال للملكة إيزابلا الكاثوليكية، وتماثيل أخرى لأعاظم الرجال. وفيها متحف للعلوم الطبيعية أنشأوه سنة ١٧٧١، يوجد فيه كثير من الحيوانات والطيور والحشرات والهوام والبقايا المتحجرة. ولما كانت مجريط خالية من الماء في وسطها فقد جروا إليها قناة يقال لها «لوزويا» Lozoya، وأنشأوا خزانًا يفضي إليه الماء في أعلا نقطة من المدينة، وهذا الخزان يسع ١٨٠ ألف متر مكعب من الماء، وهناك برج عال ارتفاعه ٣٧ مترًا تتفرق منه المياه على الحاضرة. وأوسع ساحة في مجريط هي الساحة التي يقال لها «ساحة الشرق» Plaza de Oriente أنشأها يوسف بونابرت لما كان ملكًا على أسبانية ولكثرة ما أنشأ من الساحات صاروا يقولون له “Rey Plazueles” ومعناه ملك الساحات. وقد هدم لأجل توسيع هذه الساحة عدة أديار وكنيسة وخمسمائة بيت. وفيها أربعون تمثالًا لملوك القوط والأسبان. وفي مجريط دار للسلاح مشهورة، وكان أصلها في بلد الوليد، فنقلها فيليب الثاني إلى مجريط، وفيها أسلحة من جميع الأنواع، منها ما جاء هدية من اليابان إلى فيليب الثاني، ومنها أسلحة مكسيكية. وفيها رايات باقية من زمن شارلكان وفيليب الثاني، وكذلك دروع ومغافر كانت لشارلكان وفيها أيضًا عمامة وأسلحة منسوبة لخير الدين بربروس، قيل إنهم أخذوها في موقعة تونس سنة ١٥٣٥، وفيها أسلحة علي باشا أمير البحر التركي، مع ثيابه وراية تركية، مما أخذه الأسبان في واقعة ليبنط الشهيرة سنة ١٥٧١، وفيها رايات لمشاهير قواد أسبانية. وخيمة من مصنوعات تركية، كانت لفرنسوا الأول ملك فرنسا وقد أخذها الأسبانيول في وقعة «بافيا» التي أسر فيها، وفيها سيوف باركها البابوات لأن أصحابها جاهدوا في المسلمين، مثل الملك هنري الرابع صاحب قشتالة، والإمبراطور شارلكان وفيليب الثاني، وفيليب الثالث، وفيليب الرابع، وفيها أسلحة تركية من صنعة القرن السادس عشر والسابع عشر، وبقايا غنائم أخذوها يوم فتحوا وهران سنة ١٧٣٢، وفيها أسلحة شارلكان يوم نازل تونس، ويوم انكسر عن مدينة الجزائر، وفيها أسلحة كانت للملك فرديناند الكاثوليكي، وقلما وجد سلاح لملك من ملوك أسبانية إلا ومنه بقية في هذا المخزن.

وفي مجريط دار يقال لها أكاديمية التاريخ، بنيت سنة ١٧٣٨، وفيها متحف يحتوي على أسلحة أيبيرية قديمة، وعلى مجموعة مسكوكات، ومن جملة ما فيها راية عربية كانت من قبل في كنيسة سان أشتبان. وأما من جهة الكتب ففيها ٤٤ ألف مجلد، من أصلها ألفان من المجلدات المخطوطة، وأكثرها عائد لتاريخ أسبانية.

وأما الكنائس فحدّث عنها ولا حرج، ففي أسبانية تكون القصبة لا يتجاوز سكانها عشرة آلاف نسمة، ولا تعدم فيها كنيسة متقنة تستحق أن يقصد السياح إليها، فكيف تكون يا ليت شعري! حاضرة المملكة التي جلس فيها ملوك أسبانية من ثلاثمائة سنة؟ وأشهرها الكنيسة الكاتدرائية التي يقال لها كنيسة سيدة المدينة Nuestra Senoira de la Almudena.

هذا وقد ترددت في أثناء مقامي بمجريط على مكتبة أكاديمية التاريخ، وعثرت فيها على كتب كثيرة. وقطفت من أزهارها. ونسخت بقدر ما أمكنني الوقت، وإني لذاكر الآن بعض الكتب التي استجلبت نظري، من أسفار تلك المملكة وهي: «تاريخ العلماء» الأندلس، لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي، وكتاب «الحلل الموشية في الأخبار المراكشية». و«الروضة الغناء في أصول الغناء» و«تفريج الكرب عن كروب أهل الأرب. في معرفة لامية العرب» لمحمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد بن زاكور، و«نظم الدر والعقبان، في شرف بيت بني زيان، وذكر ملوكهم الأعيان، ومن ملك من أسلافهم في ما مضى من الزمان»، و«عمدة الطبيب في معرفة النبات»، لابن بطلان، و«نزهة المشتاق، في اختراق الآفاق» للشريف الإدريسي، الذي نقلنا عنه كل ما قاله عن الأندلس في كتابنا هذا وكتاب «فتوح أفريقية» وكتاب «القواعد المسطرة، في علم البيطرة» لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل بن محمد الفزاري. وكتاب «فضالة الإخوان في طيبات الألوان»، لأبي الحسن علي بن محمد بن القاسم بن محمد بن أبي بكر بن الوزير التجيبي الأندلسي. و«تقييد الرسائل» من إنشاء الفقيه القاضي الكاتب ابن المطرف ابن عميرة. و«عقد الجمان، في تاريخ أهل الزمان» لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد بن موسى العيني. و«الروض الهتون، في أخبار مكناسة الزيتون»، لمحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن غازي العثماني المكناسي. و«نتيجة الاجتهاد، في المهادنة والجهاد»، لأحمد بن المهدي الغزالي الفاسي. وكتاب «الاكتفا في أخبار الخلفا»، لأبي مروان عبد الملك بن الكرديوس. وكتاب «الدرة المضية، في اللغة التركية»، لزين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر العيني. و«القوانين الكلية، لضبط اللغة التركية»، لشمس الدين محمد بن نور الدين علي بن زين الدين. وكتاب «استخراج ملح المعادن». وكتاب «تأيُّد الملة». و«الذخيرة» لابن بسام، ورسالة بفضل الأندلس لأبي الوليد إسماعيل بن محمد الشقندي. و«حكاية الجارية تودور»، وما كان من حديثها. وكتاب الجغرافية في مساحة الأرض وعجائب الأسقاع والبلدان. وقصة الست زمرد الستورية. و«التكملة» لابن الأبار. ودفتر لرسم الكتب الموضوعة في خزائن يمني المحراب من الجامع الأعظم (يريد جامع قرطبة). ودفتر لرسم الكتب الموضوعة في خزائن يسرى المحراب من الجامع الأعظم. وكتاب «فوائد الموائد» تأليف يحيى بن عدي، وقيل تأليف جمال الدين أبي الحسن المعروف بالجزار. وكل هذه الكتب نظرت فيها بقدر ما وسع الوقت وكتاب فوائد الموائد كثير النكات، يقرأه الإنسان للتسلية. أوله: «الحمد لله الذي جعل الطعام رزقًا للعباد، وقوامًا للأجساد، وسببًا لذم البخلاء ومدح الأجواد، أحمده على ما منح من طيبات رزقه، ومعرفة الكرام من خلقه، رازق الأطعمة الشهية، ومسخر النفوس السخية، إلخ». وأجل كتاب رأيته في هذه المكتبة هو «الفلاحة في الأرضين»، لأبي زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوام الأشبيلي. وهو جزءان، وعدة صفحاته ٨٤١. ويندر أن يكون في هذا الفن كتاب أجل قدرًا منه. وقد قرأت في مجلة المجمع العلمي العربي التي تصدر في دمشق أنه مترجم إلى الإفرنسية وقد نسخت من هذا الكتاب عدة صفحات ورأيته ينقل كثيرًا عن الفقيه الإمام أبي عمر أحمد بن محمد بن حجاج في كتابه «المقنع» وهو المؤلَّف سنة ست وستين وأربعمائة، نقل فيه صاحبه عن الرازي، وإسحق بن سليمان، وثابت بن قرة وغيرهم. وكذلك نقل أبو زكريا يحيى بن محمد بن العوّام الأشبيلي صاحب كتاب الفلاحة هذا عن كتاب الشيخ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الفصًال الأندلسي، الذي بنى كتابه على تجاربه الخاصة، ونقل عن كتاب الحكيم الشيخ أبي الخير الأشبيلي، وهذا مبني على تجارب المؤلف وعلى آراء جماعة من الحكماء والفلاحين. ونقل عن كتاب الحاج الغرناطي. وكتاب بن أبي الجواد، وكتاب غريب بن سعد، ونقل عن حكماء اليونان، وأيضًا عن كتاب الفلاحة النبطية المشهور المبني على أقوال جلة من الحكماء منهم آدم، وصغريت، وينبوشاد وأخنوخا، وماسي، ودونا، وكانتري، وغيرهم. وأما تاريخ ابن الفرضي، ورسالة الشقندي في فضل الأندلس، فقد نقل عنهما صاحب النفح ما شاء.

(٧) الاسكوريال L’escurial

ومن ضواحي مجريط قرية الاسكوريال Escorial أو Escurial ومعناها معدن الحديد، والقرية قسمان: القرية القديمة تسمى «أباجو»، والقرية الجديدة وتسمى «الريبة» وعدد سكان هذه ثلاثة آلاف نسمة. وهي مصيف لأهل مجريط، وفيها الدير الشهير الذي يسميه الأسبانيون Rial Monasterio de San Lorenzo del Escorial وهو الذي بناه فيليب الثاني، وذلك أنه في حصار مدينة سان كنتين سنة ١٥٥٧ أصابت مدافعه كنيسة باسم القديس «لورنزو» وهو جندي روماني من أصل أسبانيولي، توفي شهيدًا فأراد فيليب أن يعوض القديس من هدم تلك الكنيسة المبنية على اسمه ببناء دير عظيم، جعل فيه أيضًا مدفن والده شارلكان، الذي كان تخلى عن الملك من تلقاء نفسه، واختار العزلة والنسك، وصح فيه قول المتنبي:
ويمشي به العكاز في الدير راهبًا
وما كان يرضي مشى أشقر أجردا

وكان فيليب الثاني يريد أن يقتفي أثر أبيه في التنسك والاعتزال، فبعد أن بحث نحوًا من سنتين عن مكان لهذا الغرض أصابه في جوار مجريط بقرية الاسكوريال، فاستدعى إليه المهندس الطليطلي الشهير «جوان بوتيستا»، وبدأ بالعمل سنة ١٥٥٩، ولكن المهندس مات بعد أن بدأوا بالبناء، فخلفه عليه «جوان دوهربره» الذي هو من تلاميذه، وكان الأول تعلم البناء في رومة، وأما الثاني فكان تحصله في بروكسل. وكان فيليب الثاني يشترك بنفسه في الشغل، ويأخذ ويعطي مع الصناع، ولا يتركهم يعملون شيئًا بدون رأيه وقد بذل همة فوق تصور العقل لأجل إكمال هذه البنية التي قل أن يوجد مثلها في الدنيا. وقد انتهوا من العمل ووضع الصليب على القبة سنة ١٥٨١، وآخر حجر وضع في هذا الدير كان وضعه في ١٣ سبتمبر سنة ١٥٨٤، وأما المقبرة الملوكية فما تمت إلا في زمن فيليب الرابع، حفيد فيليب الثاني. وقد خمنوا نفقات هذه البنايات الكبرى بستة عشر مليونًا وخمسمائة ألف بسيطة. وطرز هندسة هذا الدير هو طرز عصر التجدد الثاني في إيطالية، وهو الذي يعتمد في جلاله على مجرد تناسب الأقسام، وليس في الأسكوريال شيء من الزينة ولا الزخرف، وجميع تلك الجدران لا يتخللها غير نوافذ صغيرة. وإذا نظرت إلى هذا البناء العظيم حسبت أنه قلعة أو سجن. ولما أراد فيليب الثاني أن يزين داخل الدير بالتصاوير التي لا بد منها نظرًا للمذهب الكاثوليكي، استجاد بعض مصوري إيطالية المشاهير مثل «تيبالدي» و«كامبيازو» و«زوكارو» وأما من أسبانية فقد استدعى «جوان فرناندس» و«نافاريت اللكروني».

وقد انتقد الكثيرون من أساطين الفن بناء الأسكوريال، وقالوا إنه ليس له من مزية غير السعة والكثرة، وأنه ليس فيه ذوق ولا قوة توليد، ولا فضل اختراع وكل ما هناك فهو خطوط هندسية مستقيمة، تسود عليها بساطة زائدة، يمجها الطبع. وقد علل بعضهم هذه البساطة الزائد بكون فيليب الثاني كان هو الآمر الناهي في اختيار الأشكال التي لم يكن يستحسن منها إلا البسيط الساذج. وكان كلما جاءه المهندسون بشيء من الزخرف رفضه فجاءت بنايته هذه أشبه في يبوستها وجهامة منظرها بالبرية التي تحيط بها. أما طول البناية فهو ٢٠٦ أمتار والعرض هو ١٦١ مترًا، ولها أربعة أبراج. وفي وسطها كنيسة ذات قبة عالية وبرجين عظيمين، في كل منهما جرس كبار وإلى الشرق والشمال من هذه الكنيسة المقر الملوكي، وإلى الغرب ساحة خارجية، وإلى الجنوب الدير الحقيقي وحواشيه وأماكن القديسين.

وللأسكوريال رتاج عظيم، عليه تمثال القديس لورانزو، يعلو أربعة أمتار، ورأسه ويداه من المرمر، وفي يده اليمنى مشواة من النحاس المذهب، إشارة إلى كيفية استشهاد القديس، الذي يقال إنه أميت على آلة مثلها. وفي الكنيسة ست أسطوانات، عليها تماثيل ملوك العهد القديم، وجميع الرؤوس والأيدي من الرخام الأبيض، والتيجان والصوالجة من النحاس المذهب. وقبة الصليب ترتفع ٩٥ مترًا، والكنيسة في غاية الاتساع، وفيها ٤٨ مذبحًا وعلى حيطانها تصاوير الوقائع الدينية الكبرى، مثل البشارة، والحمل، وولادة عيسى، وعبادة الملائكة له، وملوك المجوس، وبني إسرائيل في البادية، واليوم الآخر، وهزيمة بني إسرائيل للعمالقة، وغير ذلك.

وأما مقبرة الملوك فهي مجاورة للمذبح الأعظم، وذلك حتى تقام القداسات اليومية على عظام الملوك المدفونين. وفي هذه المقبرة زخرف كثير، مخالف لقاعدة البساطة التي كان فيليب الثاني قد جعلها إمامًا له في بناء هذا الدير. والسبب في ذلك هو أن هذه المقبرة قد أكملها خلفاؤه من بعده، والمدافن واقعة ضمن محاريب في الحيطان، وكل مدفن فيه ناووس من الرخام الأسود، عليه كتابة باسم الدفين. وفي هذه المقبرة ستة وعشرون ناووسًا، ولم يبق منها غير قليل خاليًا، وليس جميع الملوك مدفونين هنا، بل فيليب الخامس، وفرديناند السادس، ونساؤهما، ليسوا فيها. وهناك مقبرة أخرى فيها أجساد الأمراء والأميرات، ممن لم يصل إلى العرش.

وفي هذا الدير خزانة كتب عظيمة، واقعة في بهو طوله ٥٢ مترًا، فوق الرتاج الذي منه الدخول إلى المقر الملوكي. وفي هذه الخزانة من نوادر الكتب والآثار ما يستحق كل اعتبار. ومن ذلك كتب الصلاة التي كان يصلي بها شارلكان وفيليب الثاني، ومخطوط أسبانيولي يتضمن قصيدة فيرجيل الشاعر الروماني التي تسمى «إينايد» Eneide، والأناجيل الأربعة، في مجموعة كتب لكونراد الثاني، قيصر ألمانية، وأنجزت في زمن هنري الثالث، وتاريخها سنة ١٠٥٠، ومخطوط فيه رؤيا يوحنا، تاريخه القرن الخامس عشر. وفيها مصحف شريف بخط مغربي مذهب كبير الحجم اتصل بالأسبانيول سنة ١٥٩٤، وقد سألت عنه بعد زيارتي للأسكوريال، السيد الشريف الأجل، مؤرخ المغرب في هذا العصر، مولاي عبد الرحمن بن زيدان، حفظه الله، لأني وجدت مكتوبًا على الصوان البلوري، الذي فيه هذا المصحف أنه مأخوذ من السلطان زيدان، صاحب المغرب. فأجابني مولاي عبد الرحمن بأن السلطان الذي أخذ منه هذا المصحف ليس من العائلة الشريفة السجلماسية بل من الملوك السعديين، وذلك أن بعض قرصان الأسبانيول غنموا مركبًا من البحر لهذا السلطان، وكان فيه أمتعة نفيسة، وكتب من جملتها هذا المصحف. وقد قرأت في تاريخ الاستقضا للناصري السملاوي، في الجزء الثالث، في صفحة ١٢٨ ما يلي:

وقال منويل: «إن قراصين الأسبانيول غنمت في بعض الأيام مركبًا للسلطان زيدان فيه أثاث نفيسة، من جملتها ثلاثة آلاف سفر من كتب الدين والأدب والفلسفة وغير ذلك».

ومن جملة آثار خزانة الأسكوريال تآليف الملك الأذفونش الملقب بالحكيم من القرن الثالث عشر، وكرة أرضية، كان فيليب الثاني يستعملها في مطالعاته الفلكية. وفي هذه الخزانة صورة لفيليب الثاني، يوم كان في الواحدة والسبعين من العمر، وصورة لشارلكان يوم كان في التاسعة والأربعين، وصورة لفيليب الثالث، وصورة أيضًا لكارلس الثاني، وهو ابن أربع عشرة سنة. ثم إنه يوجد في الخزانة قسم للكتب الخطية، لا يمكن الاطلاع عليه إلا بإذن خاص من إدارة الأسكوريال.

وأما القصر الملوكي الذي في الاسكوريال فإنه إن كان فيه شيء من الزخرف، فهذا قد حصل بعد موت فيليب الثاني. فأما هو فلم يكن بنى لنفسه إلا غرفة صغيرة يشاهد منها المذبح الأكبر في الكنيسة، وغرفتين بجانبها، ولا تزال فيها المفروشات التي كانت في أيام فيليب الثاني، ولا تزال في غرفته الخاصة المائدة التي كان يكتب عليها مع أدواتها، وهناك الكرسي التي كان يمد عليه رجله. وفي هذه الغرفة كان يستقبل سفراء الدول. وفيها مات، وذلك في اليوم السابع عشر من سبتمبر سنة ١٥٩٨، على أثر مرض برح به، وكان وهو يجود بروحه ينظر إلى مذبح الكنيسة الكبير، كما أنه كان في يده نفس المصلوب الذي كان في يد والده شارلكان يوم فاضت روحه.

وللأسكوريال حديقة تتفتح أبوابها الساعة الثانية بعد الظهر. ولها منظر من أبدع المناظر، لا تبلع العينان مَدَّهُ على سهل قشتالة الجديدة، ومجريط، ووادي الرمل.

ولما زرت أسبانية سنة ١٩٣٠ أي من ست سنوات، ذهبت إلى الأسكوريال أنا واثنان من شبان المغرب النجباء، وسرواته الأدباء، وهما السيدان العالمان الفاضلان أحمد بلا فريج، ومحمد الفاسي الفهري، وكان معنا السنيور دوزميت يواكين، من شبان نبلاء الأسبانيول، فطوفنا في الأسكوريال مدة ساعات، وجلسنا في خزانة الكتب، حيث رأيت من الكتب العربية ما لا يوجد في كثير من المكاتب وهناك تعارفنا مع الأستاذ المستشرق العلامة القسيس آسين بلاسيوس المشهور، وتحادثنا معه في مختلفة المواضيع، وسألناه عن سبب ذهابه إلى أن رواية دانتي، الشاعر الإيطالي الأكبر، المسماة بالمهزلة الإلهية، هي فكرة مسروقة من رسالة الغفران، لأبي العلاء المعري، فأدلى إلينا بآرائه في الموضوع، وبيّن لنا أن التشابه الواقع في عدة من النقط لا يمكن أن يكون من قبيل وقع الحافر على الحافر، وقال أيضًا إن رسالة الغفران كانت مترجمة إلى اللاتينية، ككثير من الكتب العربية، فيترجح أن يكون دانتي قد اطلع عليها. ثم سألناه عن رأيه في علماء غرب الأندلس، فرأينا له في حقهم رأيًا عظيمًا، وذكر منهم عددًا من جملتهم أبو محمد بن حزم، برغم كون ابن حزم طعن كثيرًا في النصرانية، وأن آسين بلاسيوس ليس نصرانيًا فحسب، بل هو قسيس مستمسك بدينه. وأما لسان الدين بن الخطيب فقال لنا أنه لا يعجبه. وذكر لنا آسين بلاسيوس أنه تلميذ «قُدَيره» المستشرق الأسبانيولي الذي أصله من العرب، والذي طبع في مجريط كتب ابن بشكوال، وابن الأبار وغيرهما، وله تحقيقات كثيرة، وإليه يرجع الفضل في تجديد العناية بالعربية في أسبانية.

شقوبية Ségovie١٣

ومن مدن قشتالة المعدودة «مدينة شقوبية» Ségovia وهي مدينة عالية سكانها اليوم ١٥–١٦ ألف نسمة، وهي مركز مقاطعة منسوبة إليها، ومركز أسقف، وإنما أهميتها هي بكونها من أقدم المدن الأيبيرية، وأنها تشتمل على آثار قديمة ذات عظمة، منها القناة الرومانية المعلقة، وفيها كنائس وقلاع باقية من القرون الوسطى، وموقعها أشبه بموقع طليطلة، وذلك أنها مبنية على قمة صخرية، علوها مائة متر، ولها شوارع ضيقة، معوّجة، معرجة، غريبة الشكل، والقصر Alcazar في أعلى القمة، وبالقرب منه الكنيسة. وللبلدة نهر يقال له «أريسمة» يجري في جانبيها، ولها أسوار قديمة من زمان الأيبيريين، ثم جددها الرومانيون. ولها أرباض مثل «سان دورانزو» و«سان مرقس» و«سان ميلان» مبنية في سفوح الجبل الذي هي عليه.
figure
شقوبيةّ «منظر عمومى».
أما القناة المعلقة، التي هي مع جدران طركونة، أعظم مآثر الرومان في أسبانية فالمظنون أنه كان بناؤها في أيام أغسطس قيصر، ثم تجددت في أيام قلاقيانوس، أو تراجانوس، كما يظهر من الكتابات الباقية، والماء مجلوب من شارات «فنفريا» Fuenfria، وهو يجري في البداية مكشوفًا على مسافة ١٦ كيلو مترًا، إلى أن يصل إلى شرقي شقوبية، حيث بنيت له خزانات، ومن هنا يكون مجراه على جسر طوله ٨١٨ مترًا، منه على مسافة ٢٧٦ مترًا قسم مبني طبقًا على طبق، ولهذا القسم ١١٩ قوسًا، وهو الواصل بين جانبي الوادي العميق، وارتفاع أركان الجسر هو من سبعة أمتار إلى ٢٨ مترًا ونصف، وجميع البناء هو من الحجر المحبب. ولما حاصر العرب شقوبية سنة ١٠٧١ انهدم في أثناء الحصار خمس وثلاثون قوسًا، وبقيت مهدومة إلى زمن الملكة إيزابلا، فأمرت بتجديدها. وهذه القناة المعلقة تمر فوق ساحة يقال لها إلى اليوم ساحة «السويقة» La Plaza Del Azoquejo هي في مدخل المدينة العليا وهذه الساحة هي أهم مركز للبيع والشراء واسمها عربي كما لا يخفى. وفي شقوبية ساحات أخرى، وفيها كنائس متعددة، منها كنيسة سان ميكال، بنيت سنة ١٥٥٨، والكنيسة الكاتدرائية، بدأوا بها سنة ١٥٢٢، وانتهوا منها سنة ١٥٧٧، بناها المعلم «جوان خيل أونتانون» باني كنيسة طلمنكة، وابنه «لذريق بن خيل» وطول هذه الكنيسة ١٠٥ أمتار، وعرضها ٤٨ مترًا. أما القصر في شقوبية فهو من بناء الأذفونش السادس، وكان قد تهدم ثم تجدد.
وبالقرب من شقوبية بلدة يقال لها «سان إيلدفونسو» San Ildefouso سكانها أربعة آلاف نسمة، في موقع بديع، يقصدها الناس للاصطياف، يقال إن بانيها هنري الرابع، جعل فيها هناك مكانًا ينزل فيه عندما كان يذهب إلى الصيد، وذلك سنة ١٤٥٠، وبالقرب من هذه البلدة قرية يقال لها «لاغرنجة» La Granja وكانت مكانًا لفيليب الخامس أول ملوك البوربون في أسبانية، وقد بنى فيها قصرًا وحدائق على نسق وطنه فرنسا. وكان يجلس فيها خلفاؤه. مثل فرديناند السابع. وبالقرب من هناك بلدة «أرانجويز» Aranjuez وهي بلدة سكانها ستة آلاف نسمة، يمر عليها جدول من نهر تاجه، فيسقي البسائط التي حواليها. وهذه البلدة قديمة من زمن الرومانيين، وكانت تصطاف فيها الملكة إيزابلا الكاثوليكية. وقد بنى فيها الإمبراطور شارلكان مكانًا ينزله عند الصيد، فصارت هذه البلدة مركزًا لاصطياف ملوك أسبانية إلى زمن كارلس الرابع، الذي تخلى هناك عن الملك لابنه سنة ١٨٠٨ ومن ذلك الوقت أهملت الأبنية الملوكية هناك، ولم يبق للنزهة غير الجنان البديعة التي تحدق بها، ومن الغريب أنهم كانوا يقيّظون فيها، مع أن الحرارة ربما تصعد فيها إلى درجة ٤٧ من ميزان سنتيغراد. والحقيقة أن أحسن فصل في أرانجويز هو فصل الربيع. وهي بالنسبة إلى ملوك أسبانية أشبه بفرساي بالنسبة إلى ملوك فرنسا، وبوتسدام بالنسبة إلى ملوك بروسية. والقصر الملوكي في أرانجويز هو من القصور الملوكية المعدودة، فيه كثير من التحف والتصاوير وبديع الصنعة.١٤

(٨) طليطلة Tolédo

هذه البلدة هي من أعظم مدن بلاد أسبانية قديمًا وحديثًا، ومركزها في وسط أسبانية وإن كانت أميل إلى الجنوب منها إلى الشمال، وأصل بنائها متوغل في القدم، يقال إنها كانت حاضرة الكاربيتانيين Carpetani، وقد ورد ذكرها في كتاب المؤرخ الروماني «تيتليف»، وهو يقول لها «طُليطُم» Toleteum، ويذكر أنها بلدة صغيرة، ولكنها منيعة بموقعها الطبيعي. استولى عليها الرومانيون سنة ١٩٢ قبل المسيح، وفي زمن القوط Visigoths جعلها الملك «أتانجلد» كرسيًا لملكه وذلك سنة ٥٦٧ للمسيح، وصارت هي حاضرة المملكة.

ولما وقع الانشقاق الديني في النصرانية بين الكاثوليكيين الذين يقولون بإلوهية عيسى، والأريوسيين الذين لم يكونوا يقولون بإلوهية عيسى، جرت في طليطلة مجادلات دينية شديدة، وانعقدت مجامع متعددة لفصل الخلاف، وكان لكل من الحزبين قوة هي كفؤ للأخرى، إلا أن الملك القوطي ريكاريد جحد المذهب الأريوسي سنة ٥٥٧ للمسيح، فسادت بعد ذلك الكثلكة في أسبانية كلها. ولم يلبث العرب بعدها أن فتحوا أسبانية، واستولوا على حاضرتها طليطلة، وغنموا فيها مغانم كثيرة، مما سيرد ذكره في القسم التاريخي من هذا الكتاب. ولكن العرب لم يتخذوها حاضرة لملكهم كالقوط لأنهم وإن كانوا وجدوها متوسط بالنسبة إلى أسبانية، فلم يجدوها متوسطة بالنسبة إلى القوة العربية، وقد كانوا لا يقدرون أن يبعدوا كثيرًا عن أفريقية، فلذلك جعلوا مركز الإمارة في أشبيلية، ثم في قرطبة وصارت قرطبة هي العاصمة مدة قرون متطاولة.

على أن طليطلة كان لها شأن عظيم في زمن العرب، وكانت هي المعقل الأعظم لهم في وجه الأسبانيول، وكانت تسمى بالثغر الأدنى، كان فيها أمير من قبل الخليفة وطالما انتقضت طليطلة على قرطبة، وطالما ساق عليها بنو أمية من قرطبة الجحافل الجرارة. وكانت تمتنع عليهم، وربما تغلب عليها الخلفاء بالحيلة، كما سيأتي خبره. وأخيرًا عندما جرت الثورة في قرطبة، وانتثر سلك الخلافة، استأثر بأمر طليطلة الأمراء بنو ذي النون، واستقلوا بها سنة ١٠٣٥. وفي جميع أدوارها كانت مدينة علم وصناعة، وفيها أحسن معامل السلاح ومناسج الحرير والصوف. وفيها صنعة الحفر والتنزيل على المعادن، وهي الصنعة الباقية إلى الآن من أيام العرب. ونفائس هذه الصنعة تباع في كل أوروبا. ولها في طليطلة تسعة معامل في يومنا هذا، والمترفون يتنافسون باقتناء ما يصنع بها من ساعات، وأسفاط، وعلب، ومحاجن، وأقلام، وسكاكين، وغير ذلك، من عمل اليد، وقد ورث الطليطليون كل هذا من العرب.

وقد بقيت طليطلة في أيدي العرب من سنة ٧١٢ مسيحية إلى سنة ١٠٨٥ أي زهاء أربعة قرون، وكانت في أيامهم كلها زاهرة باهرة. وغلبت العروبة على نصارى طليطلة، فلبثوا نصارى، ولكن اتخذوا اللغة العربية والثقافة العربية لأنفسهم وكانوا يقيمون صلواتهم، وما يسميه النصارى بالطقوس الكنيسية، وذلك باللغتين العربية والقوطية، وصار الأسبانيول يطلقون عليهم اسم «موزاراب» Mozarabes محرفة عن «نصف عرب» ومن الغريب أن رغبة أهل طليطلة في العربية، وصلت إلى أنهم بعد سقوط طليطلة في أيدي الأسبانيول الذين أرجعوها حاضرة لملكهم لم يزالوا مستمسكين بعروبتها، ولبث أخذهم، وعطاؤهم، وبيعهم، وشراؤهم، وجميع صكوك معاملاته، بالعربية١٥ إلى سنة ١٥٨٠، أي أن آثار العربية لم تندرس من طليطلة إلا قبل عهدنا هذا بثلاثمائة سنة لا غير. وكان ذلك بتكرار الأوامر الصادر من الحكومة بمعاقبة كل من يتكلم بالعربية، أو يكتب بها، ولولا ذلك لربما كانت بقيت العربية في طليطلة إلى يوم الناس هذا.
وقد جمع «أنجل غوانزاليز بالانسيه» أحد أساتيذ الأدب في مجريط Angel Gonzalez Palencia تحت عنوان «نصف العرب، أو موزاراب طليطلة، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر» عددا كبيرًا من الصكوك والوثائق، التي كانت تكتب في طليطلة لذلك العهد، فبلغ ذلك ثلاثة مجلدات، فيها ما يناهز ألف صفحة بالقطع الكبير مع ترجمتها بالأسبانيولي. وإليك بعض أمثلة من هذه الوثائق:
بجميع منافعه كله إلى آخرها، وعامة مرافقه على ضروب أنواعها، في قاعته، وفيما عليها، وبكل حق وملك، هو من هذا المبيع الموصوف وبه وله ومنسوب إليه، في داخله وخارجه، وبالدخول إليه والخروج عنه، لم يستبق البايع المذكور لنفسه، ولا لأحد بسببه، في شيء من جميع المبيع الموصوف كله، حقًا ولا ملكًا، قليلًا ولا كثيرًا، ولا منتفعًا بوجه من الوجوه كلها، ولا بسبب من الأسباب، إلا وخرج عنه للمبتاع المذكور، بالبيع الصحيح التام البت البتل١٦ الناجز الصريح الذي لم يتصل به شرط مفسد ولا ثنيًا ولا خبار. انتهى.
مثال آخر:
دفع الأرسيدياقن١٧ المذكور جميع الذهب الموصوف كله للبايع المذكور، وقبضه منه، وصار عنده وفي ملكه وذمته، وأنزله في جميع المبيع الموصوف كله منزلة ذي المال في ماله، وذي الملك في ملكه، بعد أن عرفا قدر هذا المبيع ومبلغه بمنتهى خطره، ولم يجهلا شيئًا منه، وعلى سنة النصارى في بيوعهم وأشريتهم، ومراجع إدراكهم. ا.ﻫ.
مثال ثالث:

شهد على أشهادهما بالمذكور فيه عنهما، من أشهاده به على أنفسهما، حسب نصه وسمعه منهما، وعرفهما بحال الصحة والجواز والطواعة. ا.ﻫ.

وإليك هذا الصك:

«اشترى ربي بواسحق بن نحميش اليهودي من جميلة بنت فرج زوجة البليوشي البنا جميع١٨ خصها وهو النصف من الكرم المعروف بالفوجال بحومة قرية جلنكش١٩ من قرى مدينة طليطلة وعلى الإشاعة فيه مع من يشركها بسائره وحده في القبلة الطريق وفي الجوف جبل لابن برطال، وفي الشرق كرم ابن فرنجيل٢٠ وفي الغرب الطريق وفيه بابه بثمن عدته ثلاثمائة مثقال من الصروف الجارية بطليطلة حين هذا التاريخ بما فيه عشر درهمًا٢١ بمثقال على سنة المسلمين في بيوعهم ومرجع الدرك. في رمضان المعظم عام خمسة وتسعين وأربعمائة.٢٢

وممن أشهده علي بن البليوشي بإجازته له وإمضائه له وإقراره ألا حق له في شيء من المبيع المذكور وبوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب، وإنه كان لوالدته جميلة إلى أن باعته حيث وصف.

إبراهيم علي بن سعيد بن الفتح الداني. وإبراهيم بن وهب (هناك كلمة غير مقروءة). و(هنا كلمة أخرى لا تقرأ) بن يوسف بن الربابي. ومحمد بن أحمد بن سعيد وعبد الرحمن بن أحمد بن عفيف الفهري وأحمد بن محمد (كلمة ممحوَّة). ومحمد بن عبد الله بن مظاهر الأنصاري. وأحمد بن يوسف الأنصاري. وإبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي … وسلمة بن يونس الأنصاري. ويحيى بن عبد الله … الغافقي»

وإليك هذا الصك:
اشترى عبيد بن أسد من خلف بن عبد الله جميع الكرم الذي له في أول منزل رزين. حده في القبلة نهر تاجه، وفي الجوف كرم يشت الحريري،٢٣ وفي الشرق كرم لأبي خالد، وفي الغرب غروسات السلطان٢٤ أيده الله، بثمن عدته ستون دينارًا، من البريزات٢٥ الجارية بطليطلة حين هذا التاريخ، وفي شهر نوفمبر الكاين في سنة ثلاثين ومائة وألف من تاريخ الصفر.٢٦
ومما وجب إلحاقه إلى المدخل للكرم الموصوف فوق هذا على باب الكروم٢٧ الذي لردريقة قسيس السلطان الذي هو من ليون والباب المذكور مشترك بينهما إذ كان الكرم في القرع واحد وعلى ذلك كله يقع الأشهاد.

عبد الرحمن بن زكريا: يوان بن خلف شاهد. سليم بن زكريا وكتب عنه. سليمان ابن عمر شاهد وكتب عنه. وعلي بن الحرير. عبد العزيز بن خير. وعبد الله ابتوال. وسليمان بن المدجالة. إليان بن سعيد. وعبد الملك بن عبد الملك وكتب عنه وعليه شهد عندي. وبخط عجمي جليانش بطريس تشتا. وبخط عجمي سيدا له ابن مشارك شاهد. وعلى كل اسم من العجمي معلم شهد عندي. وبالعربي أبو خالد بن أسطر. ا.ﻫ.

مثال آخر:

«اشترى خير بن ركوي من يحيى بن عبد السلام جميع الدار التي له بحومة رحبة القشالي٢٨ حد الدار في الشرق دار خلف بن جواد،٢٩ وفي الغرب دار جلبارت الفرنجي،٣٠ وفي القبلة دار أبي الحسن بن ذكري وفي الجوف دار مفرّج بن عثمان بثمن عدته أربعون دينارًا من الدينارات الجارية بطليطلة حين هذا التاريخ من شهر إبريل في سنة واحد وثلاثين ومائة وألف من تاريخ الصفر.
وشهود الأصل فيه: فرج بن عبد الله. ومسعود زرقون شهد وكتب. عبد الرحمن بن يحيى شاهد على ذلك. وعيسى بن الحسن شاهد وكتب عنه بأمره. وعيشون بن يحيى شاهد. هذيل بن حكم شاهد وكتب. زكري بن عثمان شاهد وكتب عنه. وبالأعجمي يشتش فليش٣١ بطره٣٢ يُشتسْ.

صحت هذه النسخة (إلخ) في العشر الأوسط من شهر سبتمبر سنة ثلاثين ومائتين وألف للصفر. يوان بن يليان الصقلي شهد. ويوانش بن مقايل بن عبد العزيز المشناري. وباطره بن عمر بن غالب بن القلاس.

مثال آخر:

«ابتاع يحيى بن خلف ويحيى بن قريش من بيطر وأنفونش٣٣ وزوجه يشته٣٤ جميع المنية٣٥ التي لها بمنزل مُشكة٣٦ المعروفة من قبل لابن سلمة، والمتصيرة إليهما بالابتياع، التي حدها في الغرب مضربة القرمادين، وفي القبلة المضربة المذكورة أيضًا وفي الشرق محجة سمرة إلى الكرمات، وفي الجوف المحجة السالكة من طليطلة إلى القرضيطة،٣٧ وفيها بابها، تخرج بين ذلك حصة لاشتافن من بيت قوبه، وحدها من المحجة الداخلة إلى الثانية، بثمن مبلغه من الدنانير اثنان وثمانين٣٨ دينارًا، من الدينارات الجارية بمدينة طليطلة، حرسها الله حين التاريخ كل دينار منه … عشرة وإلى ذك الكريم٣٩ المعروف بالقوجول بمنزل مشكة المبتاع منهما المذكورين ببطره أنفنش وزوجه بشته، والمتصير إلى يحيى، ويحيى بالابتياع من البايعين للمنية ببطره وزوجه زيادة وعوانًا إلى الدنانير المذكورة في عقب … إبريل التي من سنة ألف ومائة وثلاثة وثلاثين للصفر.

عبد الملك بن عامر. ولب … وعبد الله بن جلبرت. وخير بن يحيى. ومروان ابن غالب. يحيى بن معبد وكتب عنه وبأمره. السرقسطي كتب عنه بأمره وعمر بن عامر بن الليث. وعبد الرحمن بن غلمير بن عريب. وعبد العزيز بن سعيد وكتب عنه بأمره. وعبد الله القوطي وكتب عنه بأمره»

مثال أيضًا:

«اشترى ديمنقوس الأرجيقس وديمنقوس القس … كنيسة شنت لوقادية٤٠ خارج مدينة طليطلة حماها الله من ميقال … وزوجه بيليه … من الحصة التي له بدار الخازن، وبحوز المشاطر، وهو نصف خمسين ونصف القرية، بمبلغه من الثمن خمسة وأربعين دينارًا من السكة الجارية حين عقده، اشترى ديمنقوس والأرجيقوس وديمنقوس المذكوران جميع هذا النصف سهله ووعره عامره وغامره أنادره٤١ وقرالاته٤٢ وسدوده٤٣ وقنانره٤٤ وأرحاءه وبرجه، والمدخل إلى جميع الدار والمخرج منه وذلك كله في النصف من شهر مارس من سنة ألف ومائة وخمسة وأربعين.

شهد عندي … بن يوانش شاهد. شهد عندي … بن عبد … شهد عندي، وعبد الرحمن بن …

مثال آخر:

«اشترى مرتين الأرجيد ياقن من يوسف بن يعيش اليهودي جميع الثلاثة جبال الكروم المتصلة التي له بمرطيلة، حدها في الشرق كرم بيطر والجزار، وفي الغرب كرم شلوط، وفي القبلة كرم … الطريق بثمن عدته … اثنتان وثلاثون دنانير الجارية بطليطلة حين التاريخ في شهر مارس الكاين في عام ثمانية وأربعين بعد ألف لتاريخ الصفر.

ويوصف بن … شاهد. وسيف بن العزاد شاهد. إبراهيم بن إسحق ومرتين الخيَّاط. عمر بن عبد الله، وعبد الله بن مرتين بن خير، وسعدان بن عبد الله، ويعقوب البرسلوني شاهد».

مثال آخر:

«اشترى ميقايل بن يقي من البيرة زوج فرننده منيوس، وبينهما منيوه وغنصالبه، وأختهما وابنتهما شولي جميع نصف الجنان المعروفة لهم بحومة الليثيق من نظر مدينة طليطلة، حماها الله، على الإشاعة، حده في الشرق نهر تاجه، وفي الغرب حده أرض بيضة للشيخ ابن مشقيق، وفي القبلة نهر تاجه أيضًا، وفي الجوف٤٥ المحجة السالكة، بثمن عدته مائتين دينارًا اثنتين من الفرود الجارية حين التاريخ، والمثقال الشرقية المأحوتية، دينارين وسدس في عقب فبرير سنة تسع وأربعين ومائة وألف لتاريخ الصفر.

سهل بن خلف بن علي، حسان بن جهيد وسلمة بن سعد وكتب عنه بأمره، عبد الله بن حسان»

مثال آخر:

«اشترى ديمنقه بن يحيى من سفيان بن أبي البقي ومفرّج بن خير، جميع حصتهما من المنية التي بمنزل مشكة، من نظر مدينة طليطلة حماها الله، وذلك الثلث من جميع هذه المنية التي تعرف في عهد الإسلام … مع ثلث البير وثلث ثمار القباوب؟ على البحيرة، وثلث الصهريج مع … والمدخل والمخرج إلى البير والصهريج، وحد هذا الثلث المذكور في الشرق كرم لأبي إسحاق القمراني مع القس ابن فرحون، وفي الغرب لورثة يحيى بن سرير رحمه الله، وفي القبلة فدان حُبس على شنت فليج٤٦ وفي الجوف الطريق الداخل إلى القرضيط، بعدد مبلغه من الذهب المرابطية٤٧ سبعة عشر مثقالًا، وفي أول شهر سبتمبر عام خمسين ومائة وألف تاريخ الصفر.
إن ثلث المنية المذكورة فوق هذا أن ثلثي أرضها أرض بيضا خاوية عن جميع الثمرات والكرم والغراسات، وجميع الثلث المذكور بغير تعليق٤٨ ولا اعتمار.

عمر بن سعيد شهد وخلف بن عمر كذلك، وسلامة بن مقيال شهد، وعبد الله بن عثمان نقطة، وعتبة بن وليد ورمان بن عامر، وخير بن مورن. وعبد العزيز بن أبي الحسن بن أبي رجال، ويعيش بن فيليش، وعبد الملك بن بهلول، وبهلول بن … وكتب عنهم بأمرهم، وعبد الله بن فرسان وكتب عنه، وعبد الرحمن بن عبد الرحمن شاهد، وعثمان بن عثمان شاهد وكتب عنه.

شهدوا الشهود على … بعد إقرار الفريقين في التاريخ المؤرخ إن شاء الله.

مثال آخر:

«اشترى يوانش بن ملوك بن استافن بن عبد الرحمن جميع الغرس مع الأرض البيضا المتصلة به المعهودين له بحومة بنال من عمل طليطلة حرسها الله، حدهما في الشرق الطريق الناهض إلى حصن مورة حرسها الله، وفي الغرب غرس بيطره شرانه الحداد، وفي الجوف غرس مرتين بلايس بثمن عدته أربعة مثاقيل ذهبًا مرابطيًا في شهر يولية من سنة إحدى وسبعين ومائة وألف لتاريخ الصفر.

يحيى بن علي بن يحيى شاهد، بيطره بن سهل، ومقيال بن يوانس شاهد، ومسعود بن يحيى بن عفان شاهد، فليس ابن مروان شاهد وكتب عنه لورانس بن … يوانس شاهد»

مثال آخر:

«اشترى بلدوين قيليار وزوجه مونينه من بيطره الخياط، من أهل مدينة شقوبية جميع حصته الواجبة له بالقسمة مع شركة بيطره تعليقس٤٩ وذلك النصف الذي بجهة الشرق من الميشون٥٠ والقرال٥١ المتصل به بحومة ربض الأفرنج، قرب القاعدة شنته مرية أم النور بمدينة طليلطلة حرسها الله، حد هذا النصف المبيع من الميشون والقرال، في الشرق حوانت السلطان أيده الله، وحوانت الأحباس، وفي الغرب النصف الثاني الذي لبيطره تعليقس قسيمة المبيع المذكور، وفي القبلة المحجة السالكة، وإليها يشرع باب الميشون المبيع المذكور، وفي الجوف حوانت السلطان أيده الله التي للفخارين بثمن عدته خمسون مثقالًا ذهبًا مرابطيًا٥٢ مالكية طيبة وازنة، في شهر يوليو من عام اثنين وسبعين ومائة وألف للتاريخ الصفر.
هو بر الأفرنجي وكتب عنه، وهربرت بلنك وكتب عنه، وبامين الأفرنجي وكتب عنه وغطارد٥٣ طليطلة وكتب عنه، وبيطره بن يوسف بن مروان، ومرتين بن استافن وعثمان بن سليمان بن ملك وكتب عنه، ويوليان بن يحيى وكتب عنه، وغونصلبه فرولس، وكتب عنه أبو علي بن روبين وكتب عنه. وبيطره قولونبيريانة، وكتب عنه وبياك مونس من سنت رمان وكتب عنه، ودون مينوه أدفونش قايد «مورة»٥٤ شاهد وكتب عنه بامرته».

مثال آخر:

«اشترى الوزير دون ميقايل ميطس، أعزه الله، من بهلول وأخيه بيطره أبي مرتين بن بهلول رحمه الله جميع الدار الكبيرة، والقوال المتصل بها، من جهة الغرب والقبلاريسا المتصلة أيضًا بها من جهة القبلة، حدود جميع ذلك كله في الشرق الطريق السالك وإليه يشرع الباب، وفي الغرب دار ابن طورنيو المسلم٥٥ أمين الفخارين، وفي القبلة دار بيطره البنا ابن بهلول، وفي الجوف دار تيقيت بن البائعين ودار سلمة بن حسان، بثمن عدته ثمانون مثقالًا ذهبًا مرابطيًا، في العشر الأول شهر أوغوشت من سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف لتاريخ الصفر.

وعبد الله بن داود شاهد. وباقي بن عمر بن باقي. وديمنقوه بن يحيى بن مرتين وبهلول بن عمر شاهد على النص. وعبد الله بن اليعص. ويوان بن عامر. وعامر بن تمام. وعبد الرحمن بن إبراهيم شاهد. ويحيى بن مفرّج وكتب. وعلي بن عيّاش وكتب عنه. وحكم بن شلمون وكتب عنه. ويوليان بن سلمة شاهد. وجنيد ابن عبد الملك بن ليون وكتب عنه. وبيطره بن عبد العزيز بن عطّاف بن لنبطار.

مثال آخر:

يشهد من تسمى أسفل هذا الكتاب من الشهداء أنهم حضروا وسمعوا من يوان الكراسي وزوجه أويانية، يقولا أنهما باعا من رودريقه أوردوناز الحصّار جميع الكرم الذي لهما بالوعد بحومة كنيسة شنت قليش، قبلي طليطلة، حرسها الله، وحده في الشرق كرم لبنت الشمنتاني، وفي الغرب كرم لولدين٥٦ سربي، وفي القبلة الجبل، وفي الجوف كرم القسكلي بثمن عدته ثلاثة مثاقيل ذهبًا مرابطيًا، ودفع البايع الثمن إلى البايعين، وأقرَّا أنهما قد اتصفا منه وأنزلا في المبيع وحقوقه إلخ. وكتب الاستدعا في شهر مايو من عام خمسة وسبعين ومائة وألف لتاريخ الصفر.

يعيش بن قريش شهد عندي، ومرتين بن رمانش شاهد وكتب عنه شهد عندي. شهدوا عندي الشهود بأعيانهم، وفي التاريخ وأنا عبد الرحمن بن يحيى بن حارث وبالله التوفيق.

مثال آخر:

«اشترى مرتين سلمة بن أبي حجة من مرتين باطرس قرعتين اثنين من جملة اثنين وثمانية قرعة بقرية الكلبيين والبمار من عمل مدينة طليطلة من أراض بور ومعمور وأنادر ومروج وأشواط٥٧ وبرادات وبكل حق، بثمن عدده أربعة مثاقيل ومرابطية، ورباعي مثقال ضرب المرية، في شهر نوفمبر الذي من عام سبعة وثمانين ومائة وألف للصفر.

شهود الأصل فيه … مجانت بن عثمان بن خلف. وعمر بن عبد الله شاهد. ويحيى بن سعيد شاهد كذلك. وبالعجمي سبربان بطرس تشتش. ديمنقه شربطول تشتش.

هذه النسخة إلخ. في العشر الأخير من نوفمبر سنة ثمان وعشرين ومائتين وألف للصفر.

اشتابن بن لازره. وشلبطور٥٨ بن سهل بن عبد الرحمن. ويحيى بن وليد ابن قاسم. وباطره بن عمر بن غالب بن القلاس».

ولا يمكننا أن نستقصي جميع الصكوك والحجج التي في هذه المجموعة التي تقع في ألف صفحة كبيرة، وإنما اقتبسنا منها بعض أمثلة لأجل تمثيل حالة طليطلة الاجتماعية، التي قيل فيها بحق إنها الحد الواصل بين الإسلام والنصرانية، والتخم الذي يجمع بين الشرق والغرب، ترى ذلك من اختلاط الأسماء فبينما الأب هو عمر إذ الابن هو بطره، وبينما الأب هو عبد العزيز إذ الابن هو ميقيال. وربما تجد بيطره بن يحيى بن أصبغ، واشتافن بن حسان، ومرتين بن عثمان، وشلبطور بن عبد الرحمن وهلم جرا. والسبب في ذلك هو أنه لما فتح العرب الأندلس، وأسلم من أهلها أناس كثيرون استعربوا اسمًا وفعلًا. ومنهم من لم يدخل في الإسلام، ولكنه استعرب وهو باق على نصرانيته. وأكثر ما تجلى هذا الوضع في مدينة طليطلة التي كان النصارى فيها يشبهون نصارى المشرق باستعمال كثير من العربية في صلواتهم وطقوسهم الدينية.

وقد تبدلوا بأسمائهم الأسبانيولية القديمة أسماء عربية كأسماء المسلمين إلى أن كان القسوس ورجال الكنيسة منهم يتسمون بأسماء إسلامية. وحسبك أن أحد مطارين طليطلة كان اسمه عبيد الله بن قاسم وكان له مقام عند الخليفة الناصر رحمه الله، كما أنه بعد أن استرجع النصارى طليطلة تنصر من مسلميها عدد كبير، نقل صاحب النفح عن ابن بسام في الباب الثامن من الجزء الثاني: أنه لما دخل الأذفونش طليطلة سار مع المسلمين سيرة حسنة في أول الأمر حتى استمالهم إليه. وعبارة ابن بسام هي هذه:

«وبسط الكافر العدل على أهل المدينة وحبب التنصر إلى عامة طغامها، فوجد المسلمون من ذلك ما لا يطاق حمله، وشرع في تغيير الجامع كنيسة في ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة». ا.ﻫ.

قلنا إنه تمهل قليلًا حتى أجرى بالفعل ما كان يضمره من أول ساعة دخوله إلى طليطلة، فأما بحسب الروايات التي بين أيدينا، والتي معناها أن طليطلة خرجت من يد الإسلام سنة ١٠٨٥ مسيحية فإن الجامع الأعظم تحول إلى كنيسة٥٩ ثاني سنة وقد رأينا في دليل بديكر أن الأذفونش السادس فتح طليطلة سنة ١٠٨٥، وكان المسلمون اشترطوا لتسليمها أن يبقى المسجد الأعظم لهم، ورضي الأذفونش بهذا الشرط، ولكن في السنة التالية نقض الأذفونش عهده، بناء على إلحاح الملكة كونزتانزة وبرنار رئيس الأساقفة. ا.ﻫ.

وكيف كان الأمر فقد تنصر كثير من مسلمي طليطلة، وبقي كثير من المسلمين على دينهم، لا سيما طبقة الخواص، ولكنهم لم يهجروا البلدة دفعة واحدة. وما خلت طليطلة من المسلمين تمامًا إلا بعد قرون متطاولة. ومن الغريب أن طليطلة رجعت إلى النصارى في الثلث الثالث من القرن الحادي عشر للمسيح، وأنه في أوائل القرن السابع عشر كان لا يزال فيه مسلمون في زي نصارى. وقد نقلنا في بحث مسلمي الأندلس في حاضر العالم الإسلامي في الجزء الثاني عن كتاب الأنوار النبوية في أنباء خير البرية، للعالم النسابة سيدي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي المتوفى في رجب عام اثنين وخمسين وألف، وصفه يوم كانوا بالأندلس لحالة المسلمين الذين كانوا مضطرين تحت خطر الحرق بالنار، أن يظهروا النصرانية وهم يبطنون الإسلام، وكيف كان والد المؤلف المذكور يعلم ولده الإسلام سرًا، ويوصيه بأن يكتم ذلك حتى عن والدته وعمه وأخيه، وجميع أقاربه، وأن لا يخبر أحدًا من الخلق بما يعلمه إياه في الخفاء. ثم كان يرسل والدته إليه فتسأله: ما الذي يعلمك والدك فيقول لها: لا شيء. فتقول له: أخبرني بذلك ولا تخف لأني عندي الخبر بما يعلمك. فيقول لها: أبدًا ما هو يعلمني شيئًا. قال: وكذلك كان يفعل عمي، وأنا أنكر أشد الإنكار ثم أروح إلى مكتب النصارى، وآتي الدار فيعلمني والدي، إلى أن مضت مدة، فأرسل إلى من أخوانه في الله والأصدقاء. فلم أقر لأحد قط بشيء، مع أنه رحمه الله تعالى قد ألقى بنفسه للهلاك لإمكان أن أخبر بذلك عنه فيحرق لا محالة. لكن أيدنا الله سبحانه وتعالى بتأييده إلخ. إلى أن يقول: فلما تحقق والدي رحمه الله تعالى أني أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب، فضلًا عن الأجانب، أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وعمي وبعض أصحابه الأصدقاء فقط، وكانوا يأتون إلى بيتنا فيتحدثون في أمر الدين وأنا أسمع، فلما رأى حزمي مع صغر سني فرح غاية الفرح، وعرفني بأصدقائه وأحبائه وإخوانه في دين الإسلام فاجتمعت بهم واحدًا واحدًا. ا.ﻫ.

وقد علقت على هذه الجملة بقولي: إن الإسلام بالأندلس حسبما يظهر من هذا الوصف كان أصبح شبيهًا بجمعية سرية تكتم أمرها أشد الكتمان، ولا يقدر واحد من المسلمين أن يبوح بإسلامه إلا لمن يكون قد ابتلى أمانته، وامتحن صدقه فكانوا يجتمعون سرًا إذا كان بعضهم واثقًا ببعض، ويتكلمون في أمر الدين في أشد الخفية. ثم نقلت عنه ما يلي:

وسافرت الأسفار لأجتمع بالمسلمين الأخيار من جيان، مدينة ابن مالك إلى غرناطة، وإلى قرطبة، وأشبيلية، وطليطلة، وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء أعادها الله تعالى للإسلام فتلخص لي من معرفتهم أني ميزت سبعة رجال، كانوا كلهم يحدثونني بأمور غرناطة، وما كان بها في الإسلام حينئذ، وبما أقوله وقلته بعد، فسندي عال لكونه ما تم إلا بواسطة واحدة بيني وبين الإسلام بها. ا.ﻫ.

وعلقت على هذه الجملة الأخرى ما يلي: إنما من عرف كون ابن عبد الرفيع توفي عام ألف واثنين وخمسين للهجرة، لا يخفى عنه أنه كان شابًا في أول سنى الألف للهجرة، أي منذ نيف وثلاثمائة سنة. ويظهر له أنه منذ نيف وثلاثمائة سنة، كان في جيان وغرناطة وأشبيلية وقرطبة أناس لا يزالون يدينون بالإسلام سرًا، وهم في الظاهر نصارى. وأغرب من هذا وجود مثل هؤلاء في طليطلة المصاقبة لمجريط، والتي كان مضى على استرجاع الأسبانيول لها يوم زارها ابن عبد الرفيع أكثر من خمسمائة سنة. أي أنه بقي مسلمون في الباطن في طليطلة من بعد أن زال عنها حكم الإسلام بخمسمائة عام.

ثم ذكرت في محل آخر من هذا البحث:

وقيل لي إن أحد المغاربة وقع في هذه الأيام الأخيرة ببعض قرى طليطلة، فوجدهم يذبحون الأكباش يوم عيد النحر عندنا، ويقولون إنها عادة توارثوها عن آبائهم. ا.ﻫ.

ثم إني أذكر في المبحث نفسه فصلًا عثرت عليه في جريدة «العملة» النمساوية الصادر في فينة، عددها المؤرخ في ٣ يناير سنة ١٩٣٢، جاء فيه بمناسبة الكلام عن ثورات أهل العمل، كلام عن موريسك الأندلس، وأعمال ديوان التفتيش الكاثوليكي ما يلي:

فأخذ هذا الديوان ينقب ينقر عن الكلية والجزئية من أعمال المسلمين ومنع جميع شعائرهم الدينية، بل منع جميع عاداتهم ومذاهبهم في الحياة: ولو لم يكن لها تعلق بالدين، وعاقب على ذلك. وكان يعاقب أشد العقاب من علم عنه أنه لا يأكل لحم الخنزير أو الميتة، أو عرف عنه أنه لا يشرب الخمر، أو قيل إنه أدرج ميته في كفن نظيف. وكانت النظافة في ذاتها ذنبًا يعاقب عليه، وفي سنة ١٥٩٧ وجد في طليطلة المسمى «موريسكو بار ثولوم شانجه» فلحظ عليه القوم أنه شديد التطهر، فعذبوه عذابًا شديدًا، ومازالوا يعذبونه حتى أقر بأنه يتطهر عن عقيدة، فحكموا عليه بالسجن المؤبد، وبضبط جميع أملاكه. ووجدوا قرآنًا عند عجوز اسمها «إيزابلا زاسن» فقالت أنها لا تقدر أن تقرأه فلم ينفعها هذا القول، وعذبوها، ولكن لما كان عمرها تسعين سنة اكتفوا من إهانتها بحملها على حمار، والطواف بها في الشوارع وعليها غطاء مكتوب عليه اسمها «وإثمها» ثم زجوها في السجن بعد ذلك، وبقيت فيه إلى أن علموها قواعد المسيحية. ا.ﻫ.

من هذا الفصل الوارد في جريدة «العملة» النمساوية.

Arbeiterzeitung يتأيد ما رواه ابن عبد الرفيع الأندلسي، من أنه في أوائل القرن السابع عشر كان لا يزال في طليطلة بقايا مسلمين، وأن العروبة لم يكن طمس هناك أثرها بالكلية. وهذا بحث سنفرد له إن شاء الله، بعد أن أعددنا مواده، جزءًا خاصًا من كتابنا هذا.

ونعود إلى طليطلة واختلاط أسمائها، الأسبانيولي بالعربي، والعربي بالأسبانيولي مما يدل على امتزاج المجتمعين في هذه البلدة، بشكل غريب، لم يسبق له مثيل، وإليك أمثلة أخرى:

«باع القائد دون شبيب بن عبد الرحمن من دون دمنقه مرزاله الدليل، ومن زوجه بشته بنت مرتين إلخ. والشهود يحيى بن خليل ورفاعة بن يحيى القنتري وإبراهيم بن خليل وعبد الله بن عمر وحسين بن جعفر وميقائيل بن شبيب ابن عبد الرحمن».

ومثال آخر:

«اشترى القس دون دمنقة بن مقيال بن الريم من بوان باطرس جميع الفدان الواحد الأرض البيضا الذي له بحومة أوليش الكبرى عمل طليطلة حرسها الله. وإلى أن يقول: وسعة هذا الفدان المبيع المذكورة كسعة كل قرعة هي بالحومة المذكورة بثمن عدته مثقال ونصف من الذهب البياسي الضرب.٦٠ أما الشهود فهم: بيطره ابن يليان بن أبي الحسن، وشلمون بن علي بن وعيد إلخ.
وفي مكان آخر صك المشتري فيه الأرجبرشت٦١ دون نقلاوش القونونقي٦٢ بقاعدة شنتة مرية عمرها الله والبائعة مرية بنت تمام على حفيدها الصغير الذي من غير رشد المسمى شربند بن باطرة غرسية الذي في حضانتها. وفي هذا الصك ذكر الوزير القاضي دون يليان بن أبي الحسن بن الباصة أدام الله عزه.

وفي صك آخر يقول: اشترى دون لازر بن علي بن دون يوان بن عثمان ومن زوجه دمنقة بنت حنصون جميع الكرم الذي لهما بحايز شنت اشتاين خلف نهر تاجه وبمقربة من قرال بني أبي مالك من أحواز مدينة طليطلة حرسها الله. والتاريخ هو في العشر الأوسط من شهر ينير سنة إحدى ومائتين وألف للصفر والثمن ثلاثون مثقالًا من الذهب البياسي. والشهود يليان بن فرجون وبيطرو بن أندراش بن عزيزي وميقايل بن سلمة بن سدرابه ولب بن فرنندس. وفي آخر الصك يقول: وأنا يوان ابن عثمان بن عثمان بعت وقبضت. ا.ﻫ.

وانظر إلى هذا الصك:

اشترى الدقاين دون دمنقه نفره الذي من أئمة قاعدة شنتة مرية بطليطلة حرسها الله من الإمام دون بيطرو جلبرت منها أيضًا جميع الغرس المعلوم له بحومة برج الشياطين عدوة نهر تاجه في حومة شنت فليس من أعمال مدينة طليطلة المذكورة أنها يصل إليه وهو الغرس الذي اغترسه أبو الطيب المغترس وحده في الشرق غرس لدون اشنابن القميراني وفي الغرب شنطير سالك من النهر المذكور إلى الطرق التي بالحومة المذكورة وإلى سواها وفي القبلة غرس الأندراش وفي الجوف غرس لبيطروه أشكرده بثمن عدده ثلاثة عشر مثقالًا ونصف مثقال ذهبًا بياسي الضرب طيبًا وازنًا في شهر مارس من عام اثنين ومائتين وألف.

وهذا المثال:

اشترى ميقيال يوانش وأخيه دمنقر يوانش على السواء بينهما والاعتدال من دونة التي كانت زوجًا لاندراش دِ حجاج ومن بينهما يوانش ويليان واشتابن ورومان ومرية وقلنبه جميع الدار التي لهم بحومة شنت رومان داخل مدينة طليطلة حرسها الله التي حدها في الشرق دار لورثة دمنقه سبريان وفي الغرب الزقاق الغير نافذ والباب فيه شارع وفي القبلة غرفة على أسطوان هذه الدار وهي لدون فيليز شنجس.

وهذا صك آخر:

اشترى الأرده٦٣ الأفرنجي وزوجه دونة مرشكيطه،٦٤ من اولاليه٦٥ بنت ديقه، وهي التي كان أخاها بيطروه ديس٦٦ شيون الكنفرية٦٧ متاع٦٨ شنتة مرية العظمى، جميع الدار المعلومة لها ولأخيها بيطروه ديس المذكور بحومة شنته مرية القاعدة داخل مدينة طليطلة حرسها الله التي حدها أجمع في الشرق الطريق السالك، والباب إليه شارع، ودار كانت لنقلاش د طوريش، وفي الغرب دار انتالين ولد غلتار لقواس، وفي القبلة دار الوزير القاضي دون رودريقه ديمنقس، ودار لاشتافن مشتابار، وفي الجوف قرال لانتلين المذكور، ولريموند بلدي٦٩ ولد جفري مرابطي،٧٠ ودار كانت لأرنلد فرانساشك إلخ.

وتأمل هذا الصك:

«اشترى دونه لوقاديه بنت ميقائيل شايس، وابنتها دونه مريه، التي كانت زوجًا لدون غرسية القميراني رحمه الله من دونه مرينه التي كانت زوجًا لدون قليام ومن بينهما دون فليز، ودون بيطروه، ودون يوانش، ودونه ديمنقه، جميع الميشون الذي هو حانوت الآن، والشوطار الذي تحته، والغرفة التي عليه، المعلوم لهم بحومة كنيسة شنته مرية القاعدة في ربض الأفرنج،٧١ داخل مدينة طليطلة، حرسها الله وحد هذا المبيع في الشرق والغرب والقبلة والجوف طريق آخر على ما يشين الطعام إلى سوق الرقيق، وطريق آخر على اليليتدين، إلى سوق الحصارين، وميشون نقليان د ديقرميلش وميشون لارنال ميقلده، وهو قريب البائعين، وكان قسيم المبيع ومثله بثمن مبلغه أربعون مثقالًا ذهبًا، بياسية الضرب، طيبة وازنة، بشهر ديسمبر الذي من عام ثلاثة ومائتين للصفر.

وشهود الأصل فيه بيطرو بن يليان بن أبي الحسن، وعمرو بن أبي الفرج، وفيليس بن غليام، وبوانش بن غليام، وبيطروش بن غليام، وأندراش فرتوم، وميقاييل أرتند. وفي آخره مذكور هكذا: صحة النسخة (إلخ) وذلك في العشر الأوسط من شهر فبرير سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف للصفر.

شلبطور بن عبد الملك بن العريب، ويحيى بن وليد بن قاسم».

وغيره:

واشترى القس ديمنقه بن الريم من دونة بنت الوزير القاضي عبد الرحمن ابن يحيى بن حارث، جميع الكرمين المعلومة لها بحومة منزل مشقة من مدينة طليطلة حرسها الله، وحد أحدها في الشرق كرم لورثة لب اشنابنس، وفي الغرب نهر تاجه وفي القبلة كرم لمرتين قالبه وفي الجوف جبل كرم لمرتين قالبه، وقطعة كرم لصق نهر تاجه (إلى أن يقول): حضر لهذا البيع دون يوليان بن البائعة. وقال أن لا اعتراض عنده فيه وسلمه.

والشهود بيطرو بن مرتين بن بهلول، وبهلول بن غالب، ويوانش بن تمام وعمر بن أبي الفرج. وفي الآخر هكذا: كان ذلك بحضري وأنايوانش بن عطاف بن لنبضار».

وغيره:

«اشترى الأرجبرشت٧٢ الأجل دمنه نقلاوش أدام الله عزه، من ديمنقه بنت شلبطور٧٣ أبقاها الله، جميع النصف من المسجد الذي بحومة شنته مرية بحضرة طليطلة حرسها الله، حد هذا النصف المذكور في الشرق النصف الثاني الذي هو لأختها شول، وفي الغرب حجرة لمريم المسلمة التي كانت زوجًا للأبدي الجزار. وفي القبلة الدار التي كانت لابرسيوه، وفي الجوف الطريق وإليه يشرع الباب، بثمن مبلغه ثمانية عشر مثقالًا من الذهب الطيب الوزن، في العشر الآخر من شهر مايو سنة خمسة ومائتين وألف.

والشهود: عبد الرحمن بن عبد الملك، وديمنقة بيطروس الباسي، وعبد الله بن عمر بن يوانش بن سليمان، وعامر بن يحيى بن بلاي».

وغيره:

«أشهدت دونة شولي بنت عمر بن هشام، وبنتاها يوشتا وسنى بنتي مقيال ابن سليمان على أنفسهن شهدا آخر هذا الكتاب أنهن بعن من الوزير الأجل دون اشتافن بليانس، أكرمه الله الربع الواحد على الإشاعة من جميع السد المعروف بسد الفته الذي في نهر تاجه تحت حصن قلانية إلخ».

وغيره:

اشترى يوان مستعرب٧٤ لدون ملندة الدليل، وبمال دون ملنده المذكور من دونه ستميوري، التي كانت زوجًا لدون ديمنقه البرنيتي، رحمه الله جميع الحوانيت والغريفة المتصلة بها، (إلى أن يقول) واعترف المتبايعان المذكوران أن البايعة المذكورة قبضت عن الستة عشر مثقالًا المذكورة أعلاه من المبتاع المذكور القلايب المعروفة لملندة الدليل بقرية قنالش، والنبر الذي كان لها بها، والحمار والعجلة، هذه الأسباب المذكورة عن سبعة مثاقيل ونصف إلخ.»

وغيره:

«اشترى الوزير المشرف دون ديمنقه بن سليمان بن غصن بن شربند، أكرمه الله من سبريان بن بِسَنْت، ومن زوجه لوقادية بنت يحيى البياسي، جميع الدار المعلومة لهما بحومة كنيسة شنت يوانش، بثمن عدده ومبلغه سبعون مثقالًا من الذهب الفنشي الطليطلي الضرب الطيب الوازن إلخ.»

وغيره:

«اشترت الأبطيشة٧٥ الجليلة دونه مطرى أكرمها الله، التي بدير شنت قلمنت عمّرها الله من القس دون ديمنقه إلخ»

وغيره:

«اشترى أبو زكري يحيى بن علي المالقي، من دونه لوقادية بنت بيطروسلبيس ومن ابنها رودريقه بن بشكوال جميع الكرم المعلومة لها بحومة كنيسة شنته قلمبه عمل مدينة طليطلة حرسها الله إلخ.

والشهود فرنانده يوانش وعبد الله بن عبد العزيز بن خطاب، وبسنت بن عبد العزيز بن سعد، وباطره بن عمر بن غالب بن القلاس».

وغيره:

«اشترى دون يوان البلجاني أكرمه الله من بيطرو بن يوليان بطيط جميع الجنينة٧٦ التي له بحومة باب المخاضة، على نهر تاجه (إلى أن يقول) ودخل في هذا المبيع الموصوف جميع ما كان للبايع المذكور في السانية الكبيرة المشهورة إلخ.»

وغيره:

«اشترى افراير٧٧ دون فرناندوه الذي من فرايرين قلعة رباح، للرواهب الذين بدير شنت قلمنت بمدينة طليطلة، أنماها الله من ميقاييل إلى آخره».

وغيره:

«اشترى دون يليان القس الميردوم، متاع شنت ديمنقة، إلى دير شنت قلمنت الذي هو بمدينة طليطلة حماها الله، ومن مال الدير المذكور إلخ».

وغيره:

«اشترى الفرايلي دون فرناندوه يوانش، متاع قلعة رباح إلى الأبطشة دونة مطرى متاع شنت قلمنت إلخ».

ومن هذه الصكوك ما فيه:

«اشترى الوزير الأجل المشرف الأفضل الأكمل أبو عمر شوشان،٧٨ أدام الله عزه، من دون مرتين٧٩ دي القونط، ومن زوجه دونة قلمبة بنت فرنند وأباط٨٠ الشطر الواحد على الإشاعة، من جميع الأندر الذي شطره الثاني للمبتاع المذكور، وقد بيّن فيه قرال، وهو بقرية أوليش الكبرى من عمل مدينة طليطلة حرسها الله، ولشهرته استغنى عن تحديده، بثمن مبلغه ستة مثاقيل من الذهب الفونشي الضرب، وذلك في شهر ديسمبر سنة ست وثلاثين ومائتين للصفر.

وتحته مكتوب: غالب بن غلمون. ومرتين بن يحيى بن عبد العزيز. وديمنقه ابن بيطروه القنتري. تكيف الأشهاد فيه بين يدي وأنا شلمون بن علي بن وعيد».

ثم هذا الصك الذي يتضمن بيع عقار موقوف، وبيان السبب الذي اضطر إلى هذا البيع فهو يقول:

«باعت الأبطيشة٨١ الجليلة دونه شنجه التي على دير شنت باترو بالحزام٨٢ أكرمها الله مع كونباتها٨٣ الكائن أسمائهم في هذا الكتاب، من دون مرتين ابن باطروه دِ قشطرة،٨٤ جميع الميشون الذي علم في أصله الدير المذكور بربض الأفرنج التي على مقربة العشابين وبداخل مدينة طليطلة، حرسها الله، وهو الميشون الذي حده في الشرق طريق سالك للحصارين، وفي الغرب ميشون لدون بطال السبطير،٨٥ ولدونة يوشتة٨٦ زوج غليلم٨٧ دبياسة، ولباطروه غليلم، ولبني دون جوان دلبدقدوه،٨٨ وفي القبلة المحجة السالك، وبابها شارع إليها، وفي الجوف ميشون لدون باطروه جَسُولين،٨٩ وحوانيت السلطان، بثمن مبلغه وعدده أربعون مثقالًا ذهبًا من الذهب الفونشي، وصار عندهم وفي ملكهم لينفقوه على أنفسهم، وعلى جميع من هو في الدير المذكور، مما يجب له النفقة منه في الدير، لا غنى لهم عنه في المأكل في هذه الأعوام المحيلة، إذ لجتهم الحاجة والفاقة لئلا يموتون جوعًا، إذ قد أحفلوا على ذلك في الدير المذكور، وخارج الدير، قد شاوروا فيه الأعيان القنونقين٩٠ بالقاعدة٩١ شنتة مرية أم النور، در لنا الله شفاعتها، فكلهم قد حطوه عليه، وأجمعوا الرأي فيه، إذ الضغطة والحاجة والفاقة، قد صحت أنها حاطت بهم، ولذلك باعوا المبيع الموصوف، وجاز لهم بيعه، وصح للمبتاع ابتياعه عن ذلك أبدًا، وللمتباع المذكور براءة تامة، فبرئ في العشر الأول من شهر فبرير سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف لتاريخ الصفر.

واعترف المتباع المذكور دون مرتين أن هذا الشري على حسبه ونسبته هو بينه وبين زوجه دونه يوشتة، على المناصفة، وعلى الجميع يقع الإشهاد.

مقيال بن علي بن عمر. ويواتش بن مقيال بن عبد العزيز الشناري.
Ego Abbatissa Sancia. Monasterii Sancti Petri Consedo. Ego Fernandus Iohnnes Subdiaconus Sancti Nicolai Testis. Ego Dominica Priora Confirmo. Ego Lazarus Presbiter Sancti Sevasliani Eeclesie Testis. Ego Liocadia Confirmo. Ego Anastasia Confirmo. Ego Eugenia Confirmo. etc..

فمن هذا الصك وأمثاله يعرف أنه في طليلطة لم يكن الجميع يكتبون بالعربية وكان لا يزال قسم كبير من الأسبانيول يضعون إمضاءاتهم بالأسبانية ولكن العربية كانت هي السائدة.

ولنأخذ من بعض الصكوك بعض الجمل التي تدل على حالة طليطلة الاجتماعية في ذلك العصر، لكون استقصاء هذه الوثائق بأجمعها غير ضروري ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد.

فمن ذلك صك شراء للدون البيروه البرس٩٢ وزوجته الدونة مرية الجنان٩٣ الذي علم لوالده دون مقيال بن الوزير سيد، بحومة السوميل، من عمل مدينة طليطلة (إلخ) وفي آخر هذا الصك يقول هكذا: وليعلم أن الجنان المذكور هو الآن مبور، ومقطوعة ثماره، كان قطعوها المسلمون دمرهم الله. وذكر ذلك ليعلم بعد أن ألزمت نفسها ومالها دونة ديمنقه المذكورة دفع ابنها الفونش المذكور متى قام أو قام أحد عنه وأراد طلب المبتاعين شيء منه يدفعه عنهما بمالهما.

وإليك هذا الصك يستدل منه القارئ على أحوال طليطلة في ذلك العصر فهو يقول:

«اشترى القيشقول٩٤ دون جردان من دونه دونة بنت عبد الله بن يحيى جميع الدار التي لها بحومة القاعدة شنته مريه، داخل الدرب المشهور بدرب الارسبرست٩٥ دون نيقولاش، وبداخل مدينة طليطة حرسها الله، منتهى حدودها في الشرق اسطبل كان مسجدا في القديم، هو للارسبرست٩٦ دون بيطرو من طلبيره٩٧ ودار لورثة شقره٩٨، وفي الغرب دار كانت لورثة الإيطي،٩٩ هي الآن للمتباع المذكور، وفي القبلة دار لورثة البرنيطي،١٠٠ وفي الجوف الدرب المذكور، والباب إليه شارع، وبعض دويرة المسلم على ولد القلبق١٠١ إلخ، والشهود: قرستوبل بن يليان، ولورنس بن ديمنقه بن عمران. وبيطروه بن مرتين مستعرب.

وقد رأينا هذه اللفظة «مستعرب» مرارًا في هذه الصكوك، واستدللنا بها على أن نصارى طليطلة كانوا قسمين قسم يقال لهم المستعربون، وهم الذين كانوا يتكلمون ويكتبون ويقيمون صلواتهم باللغة العربية، وقسم آخر كانوا يتكلمون ويكتبون بالأسبانيولية ويقيمون صلواتهم باللاتينية، وهذا هو السبب في أنهم عند كتابة الصكوك يميزون الأسبانيولي الذي لغته العربية بقولهم «مستعرب» وكذلك يذكرون عند وضع الشهادات لفظة «بالعربي» ولفظة «بالعجمي» لأن من الشهود من كان يكتب إمضاءه بالعربي ومنهم من لم يعرف وضع إمضائه بالعربي فيشيرون إلى أنه وضع بالعجمي.

ومما تعرف منه اصطلاحاتهم مثل هذا الصك:

اشترى دون غونصالبه المكرّج بالقاعدة شنته مريه كرياطور المطران الأجل دون غونصالبه قدّس الله روحه. فلفظة «كرياطور» هي ترجمة Criado بالأسبانيولية وهي لفظة معناها أشبه بمعنى شماس المعروف في الشرق، وهو الذي يخدم المطران. وفي هذا الصك ذكر رجل يقال له الدون مرتين العدوي البنّاء. فأنت ترى في كل مكان اختلاط الأسماء العربية بالأسماء الأسبانية.

وانظر إلى صك آخر:

باع كونبانت١٠٢ القاعدة المعظمة شنته مريه أم النور. درّكنا الله شفاعتها وأكرمهم. من دونة ديمنقه بنت أبي الربيع سليمان بن عثمان، التي كانت زوجًا لدون لب بن يحيى، جميع الدار إلخ.
وفي هذا الصك ذكر دار كانت للشقرشتان١٠٣ ولأخته دونه اغطه.

وإليك هذا الصك:

اشترى رومان بن١٠٤ باطرو زورير حفيد السماد، لنفسه ولزوجه دونه أوره بونه، ومن مالها جميعًا، على اعترافه، من دونه ديمنقه بن عبد الرحمن بن جابر (إلخ) بحومة بال ذي قبش١٠٥ عمل طليطلة (إلخ).

ويظهر أنه كان لليهود في طليطلة شأن عظيم، لأن الأسماء الإسرائيلية تدور كثيرًا في هذه الصكوك، وفيها أسماء رجال لهم مقام اجتماعي نبيه، مثل ما ورد في بعض الصكوك قوله:

اشترى الوزير أبو هارون موسى بن الشحات الإسرائيلي أعزه الله من دونه غاليانه (إلخ).

وأما أهمية رجال الكنيسة فلا تخفى في كل حرف من حروف هذه الكتابات ومنها يظهر أن أكثر الأملاك كانت لهم، لأن أكثر البيع والشراء هو منهم وإليهم وإذا ورد ذكر أحدهم فبغاية التعظيم والإجلال، مثل قوله في كثير من الصكوك:

«اشترى المطران١٠٦ الأجل المقدّس الأفضل دمنه مرتين لبوس١٠٧ الذي لكرسي قاعدة طليطلة وبرماط أشبانية. إلخ».١٠٨

ولم تكن أسماء رجال الكنيسة كلها لاتينية بل من القسيسين من كانت أسماؤهم عربية ففي بعض الصكوك:

«اشترى القس دون لب بن تمام بن بحيط الذي من أئمة كنيسة شنت زوال١٠٩ من دونة توطه بنت دون لب دفترال١١٠ جميع الدويرة التي صارت لها بالعطية من الدياقن دون مقابال دالبه١١١ رحمه الله بحومة كنيسة شنت يناس١١٢ وبداخل مدينة طليطلة إلخ. وفي بعض الصكوك مذكور القس الدون عبد العزيز من أئمة كنيسة شنتة لوفادية. إلخ».

ومن الصكوك التي تستجلب النظر ما يلي:

«اشترى دون ديمنقة بشكوال، تربية المطران الأجل، والقديس الأفضل، الحسيب الأكمل، دون ردريقه شمانس١١٣ وصل الله بركته ومن مال المطران المذكور، وله ويده فيه عارية. إلخ».

ومثله:

«اشترى القونوق دون دوان دي ستفيله،١١٤ أعزه الله، لمولانا المطران القديس الأفضل، البرماط الأعدل، دون رودريقه شمانس، أدام الله نصره، ومن مال المطران، ويده فيه عارية بقوله، ومن دونة مريه بنت حسين بن فرون، رحمه الله وأعزها، جميع الملك المشهور لأبيها المذكور، والحق لها بالإرث عنه، وهو بحايز قرى ششلة١١٥ مدينة طليطلة، حرسها الله، والمبيع الموصوف هو تحت كدية قرية المونسير،١١٦ ويقسم التخم مع القرية المونسير المذكورة، ومع قرية بيلة انتقوه (إلى أن يقول) دخل في هذا المبيع كل الذي صح وصار لوالد البايعة المذكورة بالعطية عن الإمبراطور الشريف١١٧ مع ابنه السلطان المعظم دون شانجه، رحمهما الله، بالصك الكريم التي استظهرت البائعة المذكورة ودفعته للمبتاع المذكور. ا.ﻫ.»

ومثله:

«اشترى دون ربرت١١٨ الافرنجي، الذي هو الآن من ربض الافرنج، لنفسه ولزوجه دونه رواش١١٩ سوية بينهما، من دونه ديمنقه، ومن أختها دونه مرتينه، بنتي دون غليلن، جميع الدار التي لها بحومة حمام يعيش، من حومة البير المر، داخل مدينة طليطلة. إلخ».

والشهود: بيطروه بن اشتافن الربالي، وديمنقه اندراش، ودون رجلد الأفرنجي ودون غليلم طبلد، من ربض الافرنج، وبيطروه نقولا البنا، وكتب عن كل واحد منهم اسمه عنه بأمرهم وحضرتهم وقيليز بين يحيى بن عبد الله.

وهذا تأييد لكون الافرنج لم يزالوا بعد رجوع طليطلة إلى الأسبان كأنهم غرباء فيها. وفي صك من الصكوك يذكر مشتريين ثم يقول: بعد أن فسر عليهما معانيه بلفظ أعجمي فهماه واعترفا بفهمه، في العشر الآخر من شهر أوغوشت سنة ست وخمسين ومائتين وألف للصفر.

ومما يستجلب النظر صك فيه:

«باع دون جوان رويس١٢٠ بن دون رودريقه رويس، أخ الأسقوف١٢١ المعظم دون غرسيه رويس، الذي على سقافة كرسي كونكة، أدام الله كرامته إلخ».

ومما يستجلب النظر صك فيه:

اشترى المطران الأجل دون رودريقه شيمانس بريماط أشبانية أطال الله مدة وأدام بقاءه، من دون فرنندوه لبوس بن دون لب فرنندس رحمه الله وأكرمه إلخ.

ومثله:

«اشترى القبلته١٢٢ المكرم من شنانير١٢٣ القاعدة العظمى، شنته مريه، دركنا الله شفاعتها. إلخ».

ومما يستجلب النظر هذا الصك:

اشترى أبو حسن علي البشيري المسلم وزوجه عائشة بن الدودري من الغيران وفقهم الله، على المناصفة بينهما، من دونه أو رابونه، تربيه القائد الأجل دون اشتابن إلخ والتاريخ العشر الآخر من ينير سنة أربع وثمانين ومائتين وألف للصفر. ومن هذا التاريخ أيضًا يعلم أنه كان يوجد جماعة من المسلمين بطليطلة في ذلك العصر.

وهذا الصك:

«اشترى دون بيطرو رويس فارس، من أتانس١٢٤ قائد الغرديه،١٢٥ لمولانا الأليته١٢٦ دون شانجه بن مولانا الأمير المعظم المرحوم فرننده عفا الله عنه إلخ».
وكان النصارى والمسلمون يبيعون الأسرى بالوثائق، كما يظهر لك من الصك الآتي: باع مرتين غرسيه دي أبره،١٢٧ من أبو عمر بن الشيخ أبو سليمان بن أبي عمر بن نحميش الإسرائيلي، أسير واحد إسمه محمد بن إبراهيم القصلوني من غرناطة، بيعًا تامًا ناجزًا، بثمن مبلغه وعدده مائة وخمسة وأربعون مثقالًا (إلى أن يقول) نقلًا عن كتاب عجمي بشأن الأسير، إن هذا الأسير محمد أخرجه جوان ديمنقوس بالمناداة١٢٨ بقرطبة، وتاريخه ألف وثلاثمائة وعشرة من تاريخ الصفر. ا.ﻫ.

وفي صك آخر:

باع غنصالبه قاضي الحضرة أيده الله، وقاضي بمدينة قرطبة، وساكن بها، من غنصالبه بن الفونش بن الفونش بيطروس بن سربتوش أكرمه الله أسيرًا واحدًا، علي الأسمر البنا بن سعيد مملوك كان لقنصالبه رودريقه لمدينة قرطبة المذكورة بيعًا تامًا صحيحًا بثمن عدده أربعمائة مثقال كل مثقال خمسة عشر فرد من البيض الجارية، الآن وهذا الأسير باعه البايع للمبتاع المذكور كما ذكر على يدي دلال الأسارى أبي عمر بن إسرائيل الإسرائيلي الذي هو دلال الأسارى بطليطلة في حادي وعشرين نوفمبر عام أربعة وعشرين وثلاثمائة وألف للصفر.

ومما يستوجب النظر الصك الآتي:

اشترت دونه مركاشه لابنها المدرج١٢٩ شانجه مرتينوس، كاتب مولانا الملك المعظم، دون شانجه أطال الله بقاءهم، وخلد ملكهم، بمال ابنها المذكور، الذي صار له بالعطية من مولانا الملك المذكور إلخ.

وفي صك آخر يقول:

كاتب مولانا الملك المعظم الأعلى دون شانجه أطال الله بقاهم، وخلد ملكهم وأيدهم ونصرهم، ومن ماله المختص به الذي صار له من مولانا الملك المذكور إلخ.

وهذا الصك:

اشترى مرتين شانجس قبدله١٣٠ القاعدة شنته مريه لنفسه ولزوجه مانقة بنت مرتين غونس، سوية بينهما، من قاسم البنا بن محمد مملوك مولانا الملك المعظم دون شانجه، أطال الله بقاهم، ومن زوجته فطومة الماشطة، جميع الدار التي لهما بحومة بيرالمر الملاصقة بالفرن بها إلخ.

وهذا الصك الذي فيه:

اشترى دون جوان بيطروس بن دون بيطروه يليان بن الوزير القاضي دون يليان أكرمه الله لنفسه ومن ماله، من مريه بنت جوان النجار، جميع الدار مع خمسة حوانت، بحومة كنيسة شنت يوشت، وقريب الكدية. بمدينة طليطلة حرسها الله ويلاصق ذلك كله من جوانبه وجهاته قاعة قرال، هي لجماعة مسلمين طليطلة، حيث تذبح الكباش، ودار لجوان مرتين العدار، ودار لقنونقين شنته لوقادية لصق قصر مولانا الملك إلخ، والتاريخ سابع نوفمبر عام تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف للصفر. ا.ﻫ.

قلنا ثبت من هنا أنه كان في ذلك التاريخ جماعة من المسلمين في طليطلة وهذا بعد سقوط طليطلة في أيدي الأسبان بمائتين وخمسين سنة. وكانوا إلى ذلك الوقت يمارسون شعائر دينهم ويذبحون الكباش في عيد الأضحى.

وهذا الصك:

قاطع القوننق الأجل دون غشطين، الذي من قونونقين القاعدة العظمى شنته مريه أم النور، دركنا الله شفاعتها، أسيرته ومملوكته المتنصرة سيسليه المسماة به المعمودية، على حرية نفسها منه، بأربعون مثقالًا فونشيًا صروفًا، لتخدم سيسليه المذكورة بداخل مدينة طليطلة، حرسها الله وبأحوازها، دون رقيب عليها ولا تقاف وتأخذ لنفسها جميع ما يعود الله عليها من فايد وعايد، قلّ به أم كثر، وتؤدي له الفدية المذكورة، كما يذكر بعد هذا، في كل شهر، شهر بعد آخر، إلى أن تتم الفدية المذكورة وإذ ذلك تكون سيسليه المذكورة حرة كسائر حرائر النصرانيات أهل ملتها، وما ينقص لها من شهر تكمله في شهر ثان وثالث. وإن لم تكمل لها في الشهر الثالث، كما ذكر، حاشى مرض بيّن يمنعها عن الفدية، أو هربت وخالطت قوم سوا، أو وجدت في سرقة أو خيانة، فتخسر ما يكون منها مدفوعًا، وتعود للأسر كما كانت إلخ. وتاريخ هذا الكتاب ديسمبر سنة تسع وسبعين ومائتين وألف. ا.ﻫ. ملخصًا.

ويوجد صكوك أخرى في موضوع شراء المسلمين لحريتهم١٣١ من ذلك ما يلي:
قاطعت الأبطيشة الجليلة دونة أو رابونة التي على راهبات دير شنت قلمنت والبريورة١٣٢ به، دونه لوقاديه ودونه أمونيه، دام عزهن، لأسيريهن ومملوكيهن عزوز، ويعرف برودريقه بن معمر العربي، وأحمد اللوقي، على حريتهما منهن بخدمتهما جميع الغرس المعلوم للدير المذكور بحومة برالس، في حيز قرية أوليش، على أن يخدما الأرض المذكورة مدة خمسة أعوام متوالية، من تاريخ هذا الكتاب، في كل عام منها بالكشف والحفر والثني والتثليث، ويطبعا المواضع بقضبان الزرجون،١٣٣ وعليها القيام بالزبار١٣٤ طول المدة. وإذا قام المقاطعين المذكورين بالخدمة والعمارة حسبما وصف يصيران أحرارًا كسائر أحرار المسلمين أهل ملتهما، في مالهم وعليهم، وإن تهربا أو أحدهما في طي المدة المذكورة، أو عجزا عن إكمال القطيع الموصوف يخسرا ما يتقدم لهما، ويردهما راهبات الدير للأسر كما كانا أولًا. وتاريخ هذا الصك عشر نوفمبر عام خمسة وثمانين ومائتين وألف للصفر. ا.ﻫ.

ومثله صك آخر للأبطيشه المذكورة بحق أسرى مسلمين هم: محمد المناري ولد القنان، وأحمد الذي كان لدون ميقائيل دي رنالش، وعمر بزارة، يعرف بابن أحمد ابن جامع الصنهاجي، وعلى الرمنقارة الغماري على حرية أنفسهم، وذلك بالخدمة مدة ثمانية أعوام متوالية في جميع الكرم المعلوم بحومة قرية أوليش، (إلى أن يقول) وإن هربوا أجمع أو أحدهم، أو خالطوا قوم سوا، أو وجدوا في سرقة، يخسروا ما يكون لهم ويرجعون للأسر إلخ، وتاريخه ست وثمانون ومائتان وألف.

ومثل ذلك هذا الصك:

قاطعت الجليلة دونة قلنبة ابنة الوزير الأجل دون غطار فرنندس أدام الله عزتها مع يعيش الخياط بن أحمد الغرناطي، على حرية أسيرتها أم الهدى الجلياقية، بمائتين مثقال فنشية وثمانية مثاقيل ونصف، صرف خمسة عشر دينارًا كل مثقال، ليبتني يعيش المذكور بأم الهدى المذكورة، ويتخذها زوجته، ويخدمان بطليطلة في الذي يليق بهما دون رقيب عليهما ولا ثقاف، ويأخذان لأنفسهما فائدهما وعائدهما قل أم كثر، ويؤديان الفدية المذكورة، وذلك مثقالين اثنين كل شهر، (إلى أن يقول) وإن لم يتكمل لها ذلك بتمام الشهر الثالث، حاشا مرض بيّن يمنعهما عن الخدمة، أو هربا جميعًا أو خالطا قومًا سوا، أو باتا بخارج طليطلة بغير أمرها، أو شرب يعيش المذكور خمرًا،١٣٥ يخسران ما يتقدم لهما مدفوعًا، وترجع أم الهدى للأسر كما كانت أولًا، ويؤدي يعيش الفدية على التنجيم، وإن عجز عن التأدية فقد فوّض للجليلة دونه قلنبة التقبض على جسمه، ولا تسرحه إلا إذا أنصفها، وعليه أن يهدي لها في كل عيد من ثلاثة أعيادها هدية، دون عذر ولا تأخير، وأن يخيط لها١٣٦ بدون أجرة لنفسها خاصة دون غيرها. وتاريخ هذا الصك ديسمبر عام ثلاثة وتسعين ومائتين وألف.
ثم ضمن يعيش المذكور على بن علي الفبري بخسمة مثاقيل، وإبراهيم بن يحيى خمسة مثاقيل، وزينب ابنة الحاج خمسة مثاقيل، وقاسم بن أحمد الحضرمي الأشبيلي خمسة مثاقيل، ولب بن نصر القزاز خمسة مثاقيل، وابنة سليمان التي كانت لابن يعيش خمسة مثاقيل، وميمونة ابنة يحيى اللمطي خمسة مثاقيل، وابنة عبد الحق الأنصاري من مجريط١٣٧ خمسة مثاقيل، وفاطمة ابنة أحمد الأنصاري من وبذة١٣٨ خمسة مثاقيل وابن مفرّج من مرشانة١٣٩ مقاطع١٤٠ أبي يوسف يعقوب البرجلوني أربعة مثاقيل ومحمد بن أحمد بن غرغل الخياط مقاطع إسحق الشنتريني خمسة مثاقيل ومحمد عبد الرحمن الصفار مقاطع ربي بن قفاجة ثلاثة مثاقيل، ويوسف ابن حسن الغماري القزاز مقاطع روبس بن دون روي ثلاثة مثاقيل، وعلي بن يوسف البهلي ثلاثة مثاقيل، وفاطمة ابنة محمد مقاطعة أمثليجة الحكيم أربعة مثاقيل، وإبراهيم ابن مالك الفران مقاطع ربي قسيم السوفر خمسة مثاقيل، وإبراهيم بن عمر الأشبيلي مقاطع أبي إسحق بن الصباغ مثقالين، وحسين الصباغ ين علي الإشبيلي مقاطع أبي الربيع بن صدوق مثقالين. فضمن المذكورون ما ذكر عنهم في يعيش المذكور لسيدته المذكورة، وذلك على شرط أنه إن يهرب يعيش في طي القطيع فوقه١٤١ ولم يحضروه لها فعليهم غرم ما ضمنوه فيه لها.

وهناك صك مقاطعة لراهبة بدير شنت قلمنت لمملوكتها فطيمة بنت عمر على النحو المتقدم:

ومما يستجلب النظر، ويطلع به القارئ على اصطلاحات النصارى في ما يكتبونه بالعربية في ذلك الوقت هذا الصك:

كتاب معاوضة صحيحة تكيفت باسم الله تعالى وحسن عونه بين الكمندتور١٤٢ دون جيل الذي هو الآن كمندتور دار شنت ياقب١٤٣ للأصبيطال،١٤٤ وعلى حبوسات الرتبة الأفرايرية١٤٥ بها وبين الأبطيشة الجليلة دون سيسيلية التي على دير شنت قلمنت أنماهم الله إلخ.

ولما كان اليهود في كل مكان وكل زمان يتعاملون بالدين، ففي هذه المجموعة صور مئات من السندات المالية أكثرها لهم نذكر منها بعض أمثلة: للأمين أبي الحسن زيزه بن ربي بن أبي يوسف أعزه الله، قبل دون بطرو البرقنطي، وقبل زوجه لبه وفي مالهما وذمتهما، وعلى جميع أملاكهما وأحوالهما كلها حيث كانت وعلمت لهما دينًا لازمًا وحقًا واجبًا، سبعة مثاقيل ونصف ذهبًا فنشيًا إلخ.

ومثال آخر: لأبي سرور فرج بن أبي عمران مرال الإسرائيلي، قبل دون غرسيه غليالم شبرين القننق١٤٦ دون غرسيه الذي كان من قاعدة شنته مريه وهو بعل مريه لنبرت١٤٧ من ربض الأفرنج دينًا لازمًا اثنى عشر مثقالًا وثمان فونشية لإنصافه من ذلك شهرين اثنين تاريخ هذا الكتاب، وداخل ضامن غارم عنه في ذلك الدون ديمنقه انطلين البلطير بن دون انطلين، من ربض الافرنج، وإن كانت قلمية في ذلك فيكون عليهما على مالهما، في تاسع يوم من شهر مارس سنة تسع وخمسين ومائتين للصفر. ا.ﻫ. وتحته الشهود.
ومثال آخر: لأبي عمر بن الشيخ أبي سليمان بن أبي عمر بن نحميش الإسرائيلي قبل الوزير دون بيطروه يوانش، وقبل زوجه الجليلة دونة طريشه١٤٨ بنت الوزير القاضي دون جوان بونش أعزهما الله، واجب خمسون مثقالًا فونشيًا لينصفاه دينه يوم فصح شنت ميقائيل الآتي لتاريخه، وإن عجزوا عن انصافه إذ ذلك يغرما له قوط رباعي كل يوم يجوز بعد الأمد المذكور، وإن طلبا منه يميز يغرما له قوط خمسة مثاقيل، وبظهور هذا الكتاب وبعد فسره عليهما في رابع وعشرين ابريل عام ستة ثمانين ومائتين وألف للصفر. ا.ﻫ. ثم الشهود.

وفي هذه المجموعة صكوك من أنواع متعددة، منها وصايا، ومنها رهون ومنها مصالحات، ومنها صكوك شركات، ومنها مزارعات، وما أشبه ذلك. لنذكر منها صك مزارعة على سبيل المثال، وهو هذا:

أنزل القس ماير ديمنقه المستعربي من كنيسة شنت مارتين ليوان فرنندس في الأرض المعلومة له بحومة جبل حمارة، عمل طليطلة حرسها الله، حدها في الشرق غرس بيطرو مرتينس، وفي الغرب أرض بيضا، وفي القبلة رأس جبل حمارة المذكور، وفي الجوف غرس غنصالبه الجزار، في أرض القس المذكور بالمناصفة، وذلك بشرط يأتي ذكره بعد هذا، ليغترسها يوان المذكور بقضيب الزرجون، ويعتمر بالزبر والحفر والثنا في كل عام، مدة خمسة أعوام، أولها تاريخ هذا الكتاب … الأعوام المذكور ينقسم الغرس على ثلاثة أثلاث، يأخذ صاحب الأرض الثلث الواحد يأخذه الخيار في أحد الجانبين، والمغترس الثلثين متصلين عن اغتراسه واعتماره في أول شهر مارس من سبعة وتسعين ومائة وألف من تاريخ الصفر. ا.ﻫ.

وهذا الاصطلاح بقولهم «أنزل» فلان لفلان في الأرض الفلانية على شرط كذا وكذا مستفيض في هذه الصكوك.

ومن غريب هذه الصكوك صك ما يتضمن استرهان الأسارى والتعامل بهم كأنهم من جملة الأموال: أشهد دون مرتين فرنندس القرمادي بن دون فرنندو القرمادي وفقهما الله على نفسه شاهدًا آخر هذا الكتاب أنه قبض الآن من أبي الحسن بن يامين بن أبي إسحاق البرجلوني الإسرائيلي أعزه الله الثلاثة أسارى الذين استرهنهم لدونه أورابونه زوج فيدلقه عن دَينه المترتب له قِبَلها، وهم الأسارى سليمان الذي كان لدون ميقاييل خريبش، وعبد الله اللوشي الكوسيج،١٤٩ ويوسف الغازي الصغير، الذين قيمتهم خمسون مثقالًا فونشيًا، صرفًا طيبًا، وصارت عنده الأسارى المذكورين. وفي ملكه، وعلى شرط وربط أن يصرفهم لأبي الحسن بن يامن المذكور، متى ما يطالبه بهم. ويدوم أخذهم منه على كل حال من الأحوال، وإن عجز عن إحضارهم له عندما يطالبه بهم فليغرم له قيمتهم الخمسين مثقالًا. سادس عشر أكتوبر عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف للصفر. ثم الشهود. ا.ﻫ.

ومن الصكوك المتعلقة بأسارى المسلمين ما يأتي:

ضمن للأبداشة١٥٠ الجليلة دونه لوقاديه فرنندس التي على راهبات دير شنت قلمنت، أدام الله كرامتها وجه أسيرها أحمد بن يوسف الرحوي الأسمر من يوسف والد المضمون أحمد المذكور ومريم ابنة محمد زوجة يوسف والدة أحمد المضمون ويوسف بن محمد المعروف الشقيق، ضمان وجه وإحضار، على شرط أن يمشي أحمد المضمون المذكور مسرّحًا من الثقاف من الآن لتمام أربعة أعوام. فإن هرب في طي الأعوام المذكورة ولم يحضروه لسيدته المذكورة على الحلول من هروبه، فعلى الضمّان المذكورين غرم مئة مثقال فنشية، صرف كل مثقال منها خمسة عشر دينارًا، وعلى المضمون المذكور أن يعطي لسيدته الأبطيشة المذكورة في كل شهر طول الأربعة الأعوام المذكورة مثقالًا واحدًا، شهرًا بعد آخر إلى تمام الأربعة أعوام، دون مطل ولا تسويف بوجه، وفي الشهر الذي يعجز المضمون المذكور عن آداء المشاهرة المذكورة فعلى الضمّان المذكورين إحضاره لسيدته المذكورة أو يغرّموا لها المشاهرة المذكورة، وإن عجزوا عن غرم المائة مثقال المذكورة أو عن المشاهرة المذكورة، فقد فوضوا له وللمستظهر بهذا الرسم التقبض عليهم وتثقفهم في ثقافتها، ولا تسرحهم منه إلا إذا أنصفوها من الضمّان المذكورين من الجائز عليهم من المشاهرة المذكورة، دون أمر حاكم بوجه من الوجوه. في العشر الأوسط من شهر ديسمبر سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف للصفر. والشهود: محمد بن عبد الرحمن بن محمد، وعلي بن يحيى بن محمد الأنصاري.
ومثله صك تضمن به عائشة ابنة أحمد السكوني، زوج داود الأسمر بن سليمان أسير دون غنصالبه الفونش بن دون الفونش بيطروس سرباتس١٥١ وذلك زوجها المذكور داود، ضمان وجه وإحضار، على شرط أن يمشي الأسير داود ويتصرف في أشغال سيده، حينما يأمره بالحاضرة والبادية، فإن هرب ولم تحضره زوجته فقد فوضت له التقبض عليها، وتثقيفها في ثقافه بدون أمر حاكم. وتاريخ هذا الصك الخامس والعشرون من شهر يونيو من عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف للصفر، وشهوده أحمد بن محمد بن أحمد الأنصاري ومحمد بن عبد الرحمن بن محمد.
ومثله ضمان نزهة بنت سعيد الأوريولي،١٥٢ ووالدتها عايشة بنت سعيد الحداد من لورقة.١٥٣ وجه زوجها أحمد الحداد بن علي، نحو سيده دون غنصالبه الذي مر ذكره، ضمان وجه وإحضار. وإن هرب المضمون فتغرّم نزهة وعايشة خمسمائة مثقال من البيض. وتاريخ هذا الصك حادي عشر يونيو عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف، وشهوده: علي بن أحمد بن حسن بن عبد الله الأنصاري وعلي بن قاسم بن علي بن الصيقل الأنصاري.١٥٤

ومثله:

اعترفت شمسي١٥٥ بنت لب الفخار المعروف الغزيل١٥٦ وبنت عائشة المعروفة الروبية اعترافًا صادقًا أنها تضمنت وجه زوجها شعيب الرحوي بن محمد المعروف بالمطيرش وحفيد غالب السمار نحو المطران الأعز الأكرم دون غتار غومس١٥٧ ضمان وجه وإحضار على النمط الذي تقدم، وتاريخ هذا الصك الخامس والعشرون من شهر ابريل عام ثلاثة وخمسين وثلاثمائة وألف، وشهوده: أحمد بن علي بن محمد، ويوسف ابن قاسم بن يوسف الأنصاري وإبراهيم بن أحمد بن إبراهيم.

وهنا صك وقف يجدر بالنظر:

وقف الدياقن مرتين من كنيسة شنت مرية أم النور بطليطلة حرسها الله، في مجلس القضاء أنماه الله بالدوام، بين يدي الوزير القائد عمران، وفقه الله، عن تقدم الوزير الجليل القاضي الأعلى، أبي الحسن حاتم ابن حاتم، أدام الله توفيقه وتسديده وذكر أن الشنيور يوان رودميروس في أيام حكمه الحضرة المذكورة، أمر لشانجة قرلون بدار بحومة القاعدة المذكورة، وحازها وسكن فيها، إلى مدة وفاته، في خدمة السلطان واستظهر بعقد بذلك، فأعذر إلى الدياقن المذكور ليستظهر بكتاب من الشنيور المذكور، إذ لا مقنع في العقد، فرغب إلى الوزيرين الجليلين القاضي الأعلى أبي الحسن حاتم، وصاحب المدينة زيد بن حارث.١٥٨ أعزهما الله، ليتفضلا عليه بخطاب منهما ومن القونشلي١٥٩ أبقاهم الله، إلى الشنيور المذكور. فأدنى له بذلك، ثم بعد ذلك أحضر الدياقن عند من وقفه الله مرتين١٦٠ الناظر، وبيطره ناغروه١٦١ وبرمنده بلاييس وبيطره بلاييس،١٦٢ وخلف بن رزق، وبعد الله بن ماضي وشهدوا عنده في مجلس نظره، وبمحضر من الحاكم مرتين غرسيس، أنهم أشهدهم الشنيور يوان رودميروس وبأيديهم خطاب لطيني١٦٣ إلى الوزير الجليل القاضي الأعلى أبي الحسن حاتم، والوزير الجليل صاحب المدينة أبي زيد بن حارث، أعزهما الله في الدارين، اللتين قلت لي أنا أعطيت الواحدة لشانجة، والأخرى لميقاييل، فثبت عندهما، وفقهما الله، ذلك وأمضياه، وأنزلا الدياقن المذكور في الدار. وتاريخ هذا الصك شهر مايو سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف لتاريخ الصفر. ومنه يعلم أنه في ذلك التاريخ أي بعد أخذ الأسبانيول لطليطلة بنحو من مائة وسبعين سنة كان يوجد فيها قضاة من العرب أو المستعربين، وكان صاحب المدينة أيضًا منهم.

ومن الصكوك التي استرعت نظرنا حكم يتعلق بصدقات الإمبراطور الأذفونش السادس جاء فيه:

فلما وقف الوزير القاضي المذكور مع من ينزل اسمه أسفل هذا، من أهل الشورى مع اسمه أدام الله عز جميعهم، على جميع ما تقدم ذكرهم، من احتجاجها وعلم ما استظهر به كل واحد منهما، من فوائد وأصول ما بيده ظهر لهم دام عزمهم أن الإمبراطور قدس الله روحه تصدق بما كان له في القرية المذكورة على الدير المذكور (إلى أن يقول) ولما يعلم علمًا صحيحًا أن أغلب قرى مدينة طليطلة حرسها الله لم تصر لأربابها المالكين الآن لها إلا بعطية … أو بعطية من تقدمه من سلفه الشريف الكريم رضي الله عنهم جميعهم دام عزهم، أن يحملوا القرية المذكورة محمل غيرها من القرى المعطاة من عندهم، رضي الله عنهم فأوجبوا حكمًا منهم من السنة للدير المذكور لتكون له مالًا وملكًا على مقتضى السك العزيز المؤرخ المذكور، وكل استدعاء استظهر به المتكلم عن ورثة عبد الملك بن هارون رحمه الله وأكرمهم أسقطوها لوجوه كثيرة. ا.ﻫ. وفي الآخر يقول: وفي الأصل الذي انتسخت هذه النسخة منه أسماء الحكام أهل الشورى الذين حضروا الحكم المذكور وأمضوه أعز الله جميعهم. بخط عجمي: اغوغتصالبه١٦٤ أرسبيسبو طولاطانة برماط أسبانية١٦٥ وبخط عجمي: اغوديمنقش ارجيديا قنش مجريط. وبخط عجمي: اغوجرنانش برشتر طولطانش كونفورم.١٦٦ وبخط أعجمي: اغوبطروش ديس القائد كونفورم. وبخط عربي: سلمون بن علي ابن وعيد. وخير بن شلمون بن علي بن وعيد. وخالد بن سليمان بن غض بن شربند وبخط عربي: انافلحتش الأسقف لكورة لبلة١٦٧ خيرها الله، ويوثاب الارجقش ابن منصور حضر ذلك. ويوشتبش القس بن عبد الملك. وباطره بن عمر بن غالب ابن القلاس. اشتابن بن بليانس.

انتهت النسخة وذلك في شهر ابريل عام أربعة وعشرين ومائتين وألف للصفر.

عمر بن عبد الرحمن، ويوسف بن عبد العزيز، ومرتين بن حسن بن عبد العزيز إلخ.

ويوجد جم من الأحكام على هذا النسق ويظهر أن ملكتهم في العربية أخذت تضعف بمرور الأيام فتجد صكوكًا وأحكامًا كثيرة ملأى من الخطأ واللحن مثلًا:

كانت قرية دار الخازن من قرى الحاضرة طليطلة حرسها الله من إمام المسلمين معطلة الناعورة ومشرعها واقفة، فوقع اتفاق أهل القرية المذكورة من المدرجين١٦٨ ليعمروها، وإقامة ما وهي منها، وتجديد ما عهد لها، وكان بها حبسان أرض بيضا للكنيسي شنت لوقادية الخارجة عن الحاضرة المذكورة، وشنت مرتين بها عرض المدرجون واللايقون على الخدام بالكنيستين المذكورتين، عرضهم في إقامة الناعورة وتجديد ما وهي منها، فادعوا عندهم بقلة ذات اليد من أنفسهم، ومن رسوم الكنيستين، فرأى المتقدمون بالذكر إعراض ذلك ثانية على المطران الفاضل دمنه برننده، كفيل البيعة المقدسة أدام الله توفيقه وتسديده لما إليه تفويض الحسبان، والنظر من الديارات، وأنه رأس الإمامة بالقاعدة شنت مرية، أم النور بالحاضرة طليطلة أدام الله حماتها فظهر إليه ومن حضر قعدودته١٦٩ من أئمة النظر في ذلك، وأمر العالي أمره أن يعطي هذين الحبسين لمن يعتمرهما باسم المساقاة إلى مدة إلخ.

وهذا كتاب صلح:

هذا كتاب وقع الاصطلاح عليه، وجرى الاقتصار إليه، ما بين هند بنت جبران وبني أخيها الوزير مابر تمام رحمه الله غرسيه وأولياليه ومريه، على ما يأتي ذكره بعد هذا، وذلك أن يعطي غرسيه لهند عمته المذكورة جميع حصته في جنان أبيه المخلف له ولأخته المذكورين المعروف بعهد المسلمين بجنة الحنشي، بربض طليطلة وبحومة مرج القاضي إلخ.

ومن الوثائق التي اطلعنا عليها عقود أنكحة كالذي يلي:

كتاب إيجاب واختطاب، وعقد نكاح وارتباط، أمر بعقده والإشهاد على نفسه بجميع ما فيه دون ديمنقه بيطريس حين مراهقة١٧٠ الخاتمين، وبدل العربانين١٧١ بعد تقديسهما بينه وبين دونه لوقادية التي كانت زوجًا لدون رودريقه دِ مرسيه عن بنتهما دونه يوشته البكر التي في حجرها، وتحت ولاية نطقها، لتكون دونه يوشته المذكورة لهذا دون ديمنقه بطريس المذكور زوجًا سنية، وصاحبة مرضية، كالذي توجبه الشريعة المنتوليقية، وتحط عليه الديانة الحوارية، وعلى أن هذا دون ديمنه بيطرس المذكور أوجب لخطيبته المذكور عن الأزدواج بها بيمن الله مهرًا لها عشر جميع ماله أثاثًا وعقارًا، حيث كان، وأين علم، وعلى أن ينقدها أيضًا عند الابتناء بها هدية موهوبة لها. وذلك خلدي،١٧٢ وفنك،١٧٣ ورداء، وقناع، وخف، وجورب، تفعل في جميعه بحول الله عند ذلك ما وافقها كفعل ذي المال في ماله، وجميع ما يكتسباه الخطيبان المذكوران من وقت ازدواجهما فإنه يكون بينهما سوية بالمناصفة والاعتدال إن شاء الله، والتزم الخطيب المذكور إحضار الهدية المتقدمة الذكر، والإنفاذ بها لخطيبته المذكورة، عند الابتناء بها بيمن الله وتوفيقه، والتزم المتماهران المذكوران أيضًا إكمال ذلك كله بحول الله بعد أن قبض كل واحد من الخطيبين خاتم ثابتة عربانًا لما وقع الاتفاق عليه، والارتباط إليه، بتأييد الله، مما ذكر فوق هذا، بعد المعرفة منهما بقدر ما ارتبط إليه المتماهرين المذكورين، على سنة النصارى في ازدواجهم الجياز عندهم، بعد أن أعلمت الدونه يوشتة المذكورة بذلك كله، ورضيت به، وأشهدته أيضًا به على نفسها، وذلك في اليوم الرابع والعشرين من شهر مارس سنة ثلاثة وعشرين ومائتين وألف للصفر، ووقع الأشهاد اليوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور.
ومن الوثائق التي يستدل منها على رسوخ الثقافة العربية في طليطلة صك وصية للقس ماير١٧٤ عبد العزيز بن سهيل يقول فيه:
لما مرض القس ماير عبد العزيز بن سهيل رحمه الله المرض الذي توفي منه أمر بكتب وصيته وإنفاذ متضمنها على أيدي النايه١٧٥ القس وماير قرشتبول من شنت مرتين، ويحيى بن عبد الكريم ونسخة الوصية كذا:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به القس ماير عبد العزيز بن سهيل، وهو بحال الصحة والجواز والطواعية، مؤمن بالأب والابن والروح القدس إله واحد، وبالشنبلة١٧٦ الذي هو وثيقة الإيمان وبالأناجيل الأربعة، وربما أمر به الحواريون، والآباء المقدسون، فأوصي إن حدث به حدث الموت أن يعطي للوقادية الساكنة معه، والخادمة له، جبل الغرس الذي عند الطريق، بدار الخازن، وثلث الزرع، وسبعة مثاقيل مرابطية عن دويرة كذا (إلى أن يقول): وما يبقى يعطى عن روحه لقسيسين أو ثلاثة من أصحابه عن أربعين مسَّه، وما بقي يعطى للمساكين، وعن لبان للكنائس، وكرم الفندري يكون باقيًا في أيدي الأوصياء وما قام فيه يخرج منه بما يخدم. وما فاض يكون منه خمسين ربعًا والغير يكون منه الثلث في زيت ولبان وحطب، والثلث الثاني للأسرى، والثالث للمساكين. وجعل هذه الوصية والعمل بها إلى يحيى قرمانه، والقس دون قرشتوبل، والقس النايه. ليكملوا ذلك حسب ما وصفه. ومن مات منهم يترك من يقوم مقامه عن خدمة الكرم. وكتب في يوم الثلاثة الثامن من شهر ديسمبر من عام ثلاثة وستين ومئة وألف. فأنفذ الأوصياء جميع ما أمر به في هذه الوصية، وما أمر به في الكرم المعلوم له بدار الخازن.وقد يفسر فيها. فلما بقي الكرم بأيدي الأوصياء مدة ثلاثة أعوام، واعتمروه عمارة جيدة، لم يكن فيه فائد للشرائع والأسرى والمساكين، حسب ما كان ظنه الموصي رحمه الله واعتقده فيه، فلما صح عند الوزير القاضي أبي الإصبغ بن لنبطار١٧٧ وفقه الله، قلة فائدته، وأنه على غير ما ظنه الموصي فاعتقده فيه، أخذ في ذلك مع من وجب الأخذ معه فيه، من كبار مدينة طليطلة من المدرجين والمستعربين والقشتيليين، فرأى الوزير القاضي المذكور معهم أحباس الكرم المذكور على قاعدة شنته مرية، بحضرة طليطلة، أدخلنا الله في شفاعتها، لما ظهر إليهم من قلة الفائد العائد إليها، وكثرة مؤنها بعد رغبة جميعهم إلى الأوصياء، والتحامل عليهم في ذلك، فاسعفوا الرغبة، وصح أحباس الكرم المذكور، على القاعدة المذكورة عن شرط على أهل القاعدة، أن يكون اسم القس ماير عبد العزيز بن منصور رحمه الله في جملة أسماء القونقين المتوفين بالقاعدة المذكورة حسب رتبهم وسيرهم إلخ، وتاريخ هذه الوصية مع حكم القاضي شهر يوليوه من سنة سبع وستين ومئة وألف. وبعد ذلك الشهود منهم من هو وضع شهادته بالعربي ومنهم من هو واضع شهادته بالأسباني.

وهذه وصية ثانية:

هذا ما أوصى به وعهد بتنفيذه، حسب ما يأتي الذكر فيه الوزير القاضي دومنقه انطولين، أعزه الله وهو عليل في جسمه وثابت في عقله وذهنه مؤمن بالأب والابن والروح القدس الله واحد، ومعتقد بما بشر به الحواريون، ووصفه الأنبياء المختارون، خشية الموت، وحلول الفوت، الذي لا بد منه، ولا محيص لأحد خلق الله عنه، فأول ما أمر به شفاه الله أن يمتثل بعد عينه إن توفاه الله تعالى، أن يزين على أقباره حين دفنه، ومدة الثلاثة أيام بجميع أئمة البلد من أهل الكنائس بعد أندابهم بمن حف بهم من أساقفة ومدرجين، على حسب رتبهم، وإن كان المطران حاضرًا فيندب، وله الأجر والثواب إن يحضر ويزين مع من حضر مدة الثلاثة أيام المذكورة، وبعد الثلاثة أيام فليستمر مدرجين كنيسة شنته لوقاضية، التي داخل المدينة بالتزيين إلى تمام تسعة أيام. وأمر أن يعطى للمطران الأجل أكرمه الله خمسة مثاقيل، وللأسقف دومنه يوانس المرشاني مثقال وللأسقف دومنه فلقيس مثقال فينا إلخ، وبعد أن عدد جميع ما أراد الإيصاء به بالتدقيق من عقار ولباس وطعام ومال صامت وناطق، ذكر بأن يخرج جميع ما ذكر من ثمن غنمه وبقره ودوابه، ورماكة وخنازير، ومن مانتاتي ومن الكاس الصغير الفضة، وأمر أن يعطى ليوان ورماكه وخنازيره،، ومن مانتاتي ومن الكاس الصغيرة، وأمر أن يعطى ليوان مستعرب الكاب، وما يبقى بعد هذا كله يكون لأخته دونه مريه وبنتيها.

وفي وصية أخرى للمسماة دونه لوقادية بنت يوانش، بعد ذكر الديباجة المصطلح عليها في أول الوصايا، وذكر جميع ما أرادت توزيعه على الكنائس والقسوس والصواحبات تقول: وأمرت أن تكون الأميرة عائشة التي لها فيه النصف تُرَد نصرانية إن هي شاءت وتنصف دون غرشيه عن نصفيته من ثمنها بما اشتريت، والتصفية خمسة مثاقيل من مالها، وتكون حرة من أحرار النصارى فيما لهم وعليهم، تصير حيث تشاء وتهوى، بعد أن تخدم لدون غرسيه عام واحد لا غير.

وقرأت في وصية أخرى من دونه قرشتينة بنت اندراش بعد الإيصاء للكنائس وللقسيسين وللأصحاب ولذوي القرابة ما يلي:

وعهدت الموصية المذكورة في أسيرتها مريم زوج عبد الله القزاز، أن تكون حرة من أحرار المسلمين في ما لهم وعليهم، عن عشرة مثاقيل ذهبًا فنشيًا، كانت الموصية المذكورة قد قبضتها باعترافها من عبد الله القزاز زوجها المذكور. ولذلك انقطع عن مريم المذكورة حبل الرق، فتملك مريم المذكورة نفسها، تنهض حيث تشاء إلخ.

وفي أكثر هذه الوصايا يذكر شيء من المال لفكاك أسرى النصارى، فقد كانت الحالة عندهم كما عند المسلمين، فأصحاب الخير والإحسان، ولا سيما النساء من المسلمين، كانوا يوصون بجانب من أموالهم لفكاك أسرى المسلمين في بلاد النصارى وكذلك أهل الخير من النصارى، ولا سيما النساء، كانوا يوصون بشطر من أموالهم لفكاك أسرى النصارى في بلاد المسلمين. قرأت في وصية للمسمى دون رودريقة شلبطورس بن دون شلبطور بن الوزير دون يوان ميقاليس ما يلي:

أمر أن يزين عليه في كفنه، وأيام زيارة قبره، ودفنه، في جميع ما احتاج إليه بما يقوم في ذلك ويليق بمثله، ويكون دفنه في قبر والده دون شلبطور المذكور، بالقاعدة شنته مريه، وأمر للقانونقين بها عن دفنه بها، وعن أن يذكروه في صلواتهم، عشرين مثقالًا، وأمر عن ميشات١٧٨ عن روحه مفرقة على أئمة كنانيس الحضرة مئة مثقال، وأمر عن فك أسارى النصارى العمال في أسر المسلمين خمسمائة مثقال، وأمر عن قبلانية١٧٩ بالقاعدة شنته مريه ثلاثمائة مثقال، على شرط أن يقدس ميشة كل يوم على روحه، لدى الدهر، في هيكل من هياكل القاعدة المذكورة، ويضع انفشاريوه١٨٠ كل عام عن روحه قانونقين القاعدة المذكورة، كما العوائد وبذلك يصح لهم القبلانية، يعني الثلاثمائة مثقال المذكورة، وأمر لمعلمه ومعرّفه القس دون شانجة، من كنيسة شنت يوانس، عشرة مثقالات، على أن يقدس مدى عام ميشات عن روحه. وفي آخر الوصية بعد ذكر الخيرات كلها يقول:

وقيد فيه عن أمره على يدي والدته، دونه سنى المذكورة، ثقة منه بديانتها وحسن أمانتها، أنها تفعل في ذلك كله فعل من يعلم أن الله لا يخفى عليه خافية في سماواته وأرضه، والتاريخ شهر يونوه سنة تسع وأربعين ومائتين للصفر.

وفي وصية للدون ملنده فرنندس ابن الوزير القاضي يقول: فأول ما أمر به أن يعطي لمعلمه القس جوان مثقالًا واحدًا، ويحل عن روحه الفين ميشه ويخرج أيضًا من بلاد الإسلام أسير بالغ ما بلغ بعشرين مثقالًا.

وفي وصية للدون غنصالبه خل تاريخها شهر أوكتوبر سنة اثنين وسبعين ومائتين وألف. وأمر متى توفاه الله أن يعلم ما له كله، أصله ومتحركه، أثاثًا وعقارًا دقه وجلده، جامده ومتخلخله، يخرج منه عن خمسمائة مثقال فونشية، وتبذل عن روحه، إلى أن يقول: ويعطي في استفكاك أسارى من بلاد الإسلام ستين مثقالًا إلخ.

وفي وصية للدون بطره شانجه من جماعة شنت رمان، وصهر دون جوان اشتا ابن دي البقال، يقول من جملة وصايا عدة: وأمر لرتبة افرايرين قلعة رباح ماية مثقال فونشية على شرط أن يدفنوه الافريرين منها هنا بطليطلة بشنته فيلج، ويزينوا عليه كما لو كان افرايري منهم، وأمر بأن يفك زوج نصارى أسيرين في بلاد الإسلام بما يقوم في ذلك.

ومن أطول الوصايا التي اطلعنا عليها في هذه المجموعة وصية للمسمى الدون الفونش١٨١ متاوش بن دون متاوش بن دون ميقال بن فرون، أمر بانه متى توفي يعلم ماله كله، قليله وكثيره، ويبذل عن روحه في سبيل الله، وأن يزين منه عليه في دفنه وكفنه بما يليق لمثله، ويكون كفنه من الصوف أرخص ما يوجد للشراء، ويوقد عليه زوج قناديل، يكو زيتهما ربع واحد فقط، وزوج قناديل أخرى صغار. توقد حيث يكون جثمانه، ودفنه يكون بكنيسة شنتة لوقادية، بقبر جده، ويزين عليه لتمام الخمسين يومًا، ولتمام العام، وتكون القناديل لذلك مثل القناديل المذكورة، ويقدس عليه مشيتين في كل يوم من يوم دفنه إلى السابع يوم، ويفرق على المساكين في كل يوم طوال السبعة أيام مثقال وأمر أن يبتاعوا أوصياؤه المذكورين بعد هذا ملكًا بمائتين أو ديار بمائة وثمانون مثقالًا، وتحبسها زوجه دونه ميوري طول حياتها ويعمل من فائدتها قبلانية عن روح الموصي المذكور تقديس ميشه واحدة في كل يوم للأبد، وتعمل منه نفرشاريه١٨٢ واحد عن روح الموصي في كل عام، ثم أخذ في توزيع تركته على وارثيه، وعلى من أراد أن يتصدق عليهم، وعلى الكنائس والرهابين، وحبس أملاكًا لوارثيه أن يستغلوها، بدون أن يكون لهم حق بالبيع، وجعل شطرًا كبيرًا من ثروته لزوجته دونه ميوري، وأيضًا الإماء الست اللاتي كن له ثم قال: والمسلمتين الباقيتين من مسلماتها تبقى لإنصاف الوصية، ولا يعترض أحد خلق الله لدونه ميوري، والستة إماء المذكورات بوجه قال في هذه الوصية: وميز الموصي المذكور أن نبون المسلم والجعفر بن الجعفرين، وإبراهيم الأحول والأسمر والأعرج المسمى دومنقه روبيوه وبكر، أنهم لزوجه دونه ميوري صاروا لها باتراث عن أبويها ولها أيضًا في خاصتها أحمدوج الساق، ابتاعته من مالها المختص بها وقاسم وعلي هما للموصي ولزوجه دونه ميوري، الحظ الذي فيهما للموصي يباع ويبدل ثمنه في إنصاف هذه الوصية، وقطيع مريم وقطّوش الباقي منه هو لدونه ميوري، ويكون لها في خاصتها. ا.ﻫ. نقلنا ذلك لأجل اطلاع القارئ على كيفية معاملة الأسبانيول لأسرى المسلمين، وتاريخ هذه الوصية سادس مايو عام ستة وثلاثمائة للصفر.
ثم اطلعنا على وصية للدونة متاية١٨٣ زوج الدون غنصالبه البطلير ساكنه بربض الأفرنج من طليطلة نصها: بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد وحده. هذا ما أوصت به دونه متايه إلخ وتاريخ هذه الوصية سادس ديسمبر عام عشرين وثلاثمائة وألف للصفر. وفي تاريخ ١١٩١ صك يقول فيه:

اشترى يحيى بن محمد الأنصاري، من دون غليان القس، لزوجه هند بنت عبد الرحمن ابن محمد، جميع الحجرة التي بقرب كنيسة امنيوم شنتوروم، بمدينة طليطلة، حرسها الله، حد هذه الحجرة في الشرق قرال لورثة ديمنقه إياس، وفي الغرب طريق فيه خرج الحجرة المذكورة، وإليه يشرع بابها، وفي الجوف دار ولد الشقية المسلم، وفي القبلة قرال لورثة ديمنقه إياس، بثمن مبلغه عشرة مثاقيل من الذهب الطيب البياسي إلخ.

وفي آخر المجموعة صكوك ووثائق خاصة باليهود، تجد منها سطرًا بالعربية وسطرًا آخر بالعبرية، ولا جرم أن يهود طليطلة كان لهم شأن عظيم يستدل عليه من كثرة الوثائق المتعلقة بهم، ومنها سندات لا تحصى لهم على نبلاء النصارى بأموال وافرة. وفقد كانوا هم المرابين في تلك الحاضرة ونواحيها، وكان عددهم كبيرًا، ومن شاهد كنيس اليهود١٨٤ الذي شاهدته أنا بنفسي في مدينة طليطلة، وهو الذي يعد من أنفس نفائس الصنعة العربية، ولا يذهب سائح إلى طليطلة إلا ويشاهده، علم مكانة اليهود المادية والمعنوية في تلك الحاضرة،١٨٥ وكانت لهم أيضًا بجانبهما مكانة علمية أدبية، إذ نبغ منهم العلماء والأدباء، وكانوا هم أكثر القائمين بترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية والأسبانية، بحيث أنه بواسطتهم انتشرت علوم العرب في أوروبا في القرون الوسطى. ولذلك قيل أن أوروبا لم تعرف علوم يونان رأسًا، وإنما عرفتها بواسطة العرب.
فلم يخطئ الذين قالوا إن طليطلة كانت واسطة التعارف بين الشرق والغرب، وإن العالمين الإسلامي والمسيحي قد تلاقيا فيها. وقال المسيو جوسه P.Jousset صاحب جغرافية أسبانية والبرتغال المصورة:
إن الرسوبات البشرية التي ثبتت في طليطلة، قد جعلت من هذه المدينة متحفًا حقيقيًا، لا متحفًا كالمتاحف المعتادة، التي يجمع أصحابها فيها الآثار النادرة، جمعًا مصطنعًا حتى يأتي الناس ويطلعوا عليها، ولكنه متحف حقيقي أوجدته أعصر تبلغ عشرين قرنًا، وكل منها ترك أثرًا في طليطلة ومن زار أسبانية ولم يزر طليطلة فيعود كأنه لم يعرف أسبانية. فهي مدينة أصيلة ثابتة بارزة، ليس فيها شيء من المعتاد المألوف الذي ملته الأنفس، بل كل ما فيها جليل يهم الآثاري والمتفنن. وهي وحدها تستحق سياحة السائح إلى أسبانية. ومدخلها قنطرة ذات قوس واحد على نهر تاجه. وعلى هذه القنطرة برج مكتوب عليه أن النهر طغى، فهدم الجسر، فرممه الأذفونش، الملقب بالحكيم سنة ١٢٥٢. ثم أكمل تجديده بريماط أسبانية المطران تينوريو Tenorio سنة ١٣٨٠.
وكان هذا الجسر من زمان العرب، بل يظن أنه كان من قبلهم. وقد نقل «سلازار دو مندوسه» Salazar de Mendoza الكتابة العربية التي كانت ميزورة على الحجر في هذا الجسر: الله أكبر والصلاة والسلام على جميع من آمن بالله ورسوله محمد١٨٦ ونقل الكونت دوموراه de Mora كتابة أخرى مدفونة في باطن الجسر هي هذه:
بنى هذا الجسر بأمر ملك طليطلة العظيم محمد سويد المجاشعي بطليطلة حرسها الله وانتهى سنة ٢٠٤ للهجرة.١٨٧
figure

وجاء في نفح الطيب: وطليطلة قاعدة ملك القوطيين، وهي مطلة على نهر تاجه، وعليه كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها، وكانت على قوس واحدة: تكنفه فرجتان من كل جانب، وطول القنطرة ثلاثمائة باع، وعرضها ثمانون باعًا، وخربت أيام الأمير محمد، لما عصى عليه أهلها، فغزاهم، واحتال في هدمها.»

قلنا: أما هذه القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها فلا يمكن أن تكون القنطرة الحالية، لأن هذه ليست بهذه العظمة التي ذكروها، وإن كانت جليلة في ذاتها. وهذه ذات قوس كبيرة واحدة، مع أخرى صغيرة. وقد كانت القنطرة العربية في مكانها، ولكن الوادي عندما طغا ذهب بها، فرممها الأذفنش الملقب بالحكيم١٨٨ ثم أن تنوريو الأسقف الأعظم برماط أسبانية، أكمل تجديد البناء كما مر.
وعلى هذه القنطرة برج مبني من سنة ١٤٨٤، وتمثال للقديس «سان١٨٩ إيلدفونس» وكتابة من زمن فيليب الثاني. وعلى الضفة اليسرى من نهر تاجه بقايا حصن سان «سرفنده» أو شربند، كما يقول العرب والفئة المستعربة من الأسبانيول. وهو حصن كان بناه على ذلك الجبل الأذفونش السادس، فاتح طليطلة، الذي في أيامه بدأ انهيار دولة الإسلام في الأندلس. ومن جسر طليطلة إلى محطة السكة الحديدة مسافة يشرف منها السائح على منظر بديع، وإلى الشمال الشرقي من المحطة يوجد بقايا حصن عربي قديم يقال له اليوم قصر «غاليانه».١٩٠

فأما أسوار طليطلة فهي موصوفة بالمنعة ومن رأى طليطلة يقول إنها لا تحتاج إلى أسوار، لمنعة موقعها الطبيعي، ولكثرة ما فيها من غور ونجد، فهي في هذا المعنى أشبه بمدينة لوزان في سويسرة، لا يكاد يجد فيها الإنسان مساحة مسطحة. تزيد على ٢٠٠ متر بل ترى الماشي فيها يصعد وينزل أبدًا، وربما كانت طليطلة تفوق لوزان في قلة الاستواء، فإن أكثر شوارعها لا تسير فيها العربات، ولهذا تقل المركبات في طليطلة، والناس تنقل أشيائها على الدواب، فكيفما توجهت في طليطلة تجد جر الأثقال ضربًا من المحال.

وبرغم هذا فإن الملوك الغابرين قد أحكموا أسوارها، وجعلوها طبقًا عن طبق، فجمعت بين المنعتين الطبيعية والصناعية.

ومما لا نزاع فيه أنه مع كل ما بني فيها الأسبانيول على أيدي مهندسين من الفرنسيس والألمان والطليان، وما بنوا فيها من الكنائس والأديار والمستشفيات والمدارس وماعنوا بتغيير شكلها العربي، لا تزال المسحة العربية غالبة على هذه البلدة، في ضيق الشوارع، وقلة نوافذ البيوت، وسعة الدور الداخلية، وحصانة الأبواب، وغير ذلك من أساليب العرب في البناء، ولا تجد الرهبان والراهبات مقيمين في أديار هي على الطراز العربي إلا في طليطلة. وقد نقل دليل بديكر كلمة في حق طليطلة عن الكاتب الأفرنسي المشهور «تيوفيل غوتيه»١٩١ هي هذه، وقد أبدع وصفها:

طليطلة فيها من الدير، ومن السجن، ومن القلعة، ومن الحرم الإسلامي، وذلك لأن العرب مروا بها.

نعم فيها من الدير لكثرة ما شاد الأسبانيول فيها من المعاهد الدينية تغطية لآثار العرب. وفيها من السجن لما يشاهد من الوثاقة والمتانة في مبانيها وفيها من القلعة لكثرة أسوارها ولمنعة مكانها الطبيعي وفيها من الحرم لأن بيوتها الأصلية هي بيوت عربية كسائر بيوت العرب في الدنيا.

وأعظم بنية في طليطلة هي الكنيسة الكبرى التي يقول لها المستعربون «القاعدة» وهي على اسم مريم العذراء عليها السلام، وفيها مذابح رومانية، ومذابح نصف عربية وهي في الحقيقة بيعة عظيمة بمنتهى الفخامة، تعد من الدرجة الأولى في كنائس العالم وموقعها بحذاء الأكمة التي عليها القصر Alcazar.
ويقول المؤرخون عن تاريخ هذه الكنيسة أنه في زمن ريكارد القوطي تشيدت سنة ٥٨٧ كنيسة باسم العذراء، لا تزال هناك كتابة تدل عليها وكان بجانبها دار أسقفية أقام بها القديسون أوجين، وإيلاد، وإيلد يفونس، ويليان. وفي سنة ٧١٢ ب.م. عندما فتح العرب طليطلة حولوا هذه الكنيسة إلى مسجد، وكان لهم المسجد الجامع١٩٢، وبقي الأمر كذلك إلى سنة ١٠٨٥ التي فيها استولى الأذفونش السادس على طليطلة صلحًا بعد حصار طويل.١٩٣

وكان المسلمون قد اشترطوا لأجل تسليم البلدة بقاء المسجد الجامع لهم ورضي الأذفونش بذلك. قال ابن بسام. لما توالت على أهل طليطلة الفتن المظلمة والحوادث المصطلمة وترادف عليهم البلاء والجلاء، واستباح الفرنج لعنهم الله تعالى، أموالهم وأرواحهم، كان من أعجب النوادر الدالة على الخذلان أن الحنطة كانت تقيم عندهم مخزونة خمسين سنة لا تتغير، ولا يؤثر فيها طول المدة بما يمنع من أكلها فلما كانت السنة التي استولى عليها العدو فيها، لم ترفع الغلة من الأندر حتى أسرع فيها الفساد. فعلم الناس أن ذلك بمشيئة الله تعالى، لأمر أراده، من شمول البلوى، وعموم الضراء، فاستولى العدو على طليطلة، وأنزل من بها على حكمه. وخرج ابن ذي النون منها على أقبح صورة وأفظع مسيرة، ورآه الناس وبيده اسطرلاب، يأخذ به وقتًا يرحل فيه. فتعجب منه المسلمون، وضحك عليه الكافرون.

وبسط الكافر العدل على أهل المدينة، وحبب التنصر إلى عامة طغامها، فوجد المسلمون بذلك ما لا يطاق حمله، وشرع في تغيير الجامع كنيسة في ربيع الأول سنة ست وسبعين وأربعمائة.

ومما جرى في ذلك اليوم أن الشيخ الأستاذ المغامي رحمه الله تعالى صار إلى الجامع وصلى فيه، وأمر مريدًا له بالقراءة، ووافاه الفرنج، لعنهم الله تعالى، وتكاثروا لتغيير القبلة، فما جسر أحد منهم على إزعاج الشيخ ولا معارضته، وعصمه الله تعالى منهم، إلى أن أكمل القراءة، وسجدة سجدة، ورفع رأسه وبكى على الجامع بكاء شديدًا، وخرج ولم يعرض له أحد بمكروه. ا.ﻫ.

قلنا إن الأسبان كانوا يعلمون أن تلك الساعة هي الساعة الأخيرة للجامع فصبروا على هذا الشيخ الجليل حتى أتمها بآخر عبادة إسلامية فيها.

وفي ١١ أغسطس ١٢٢٧ جعل ملك أسبانية، الذي يقولون له القديس فرديناند هذه البنية دكا، حتى يبتني مكانها بيعة على الطراز القوطي، الذي منه كنائس شمالي فرنسا، وجنوبي ألمانية، وانتدب المهندس الأفرنسي بطرس بتري، الذي بقي متوليًا إدارة تشييدها مدة تزيد على خمسين سنة، وبعد وفاته عمل فيها مهندسون آخرون، أشهرهم رودريقُه الفونسُه، وجوان غواس، وألبير غومس، ومرتين شانجس وغيرهم، فالعمل فيه لم ينقطع مدة طويلة، وهي قائمة على خمسة صفوف من الأساطين وطولها ١٢٠ مترًا وأربعون سنتيمترًا، وعرضها ٥٩ مترًا و١٣ سنتيمترًا وبناؤها من الحجر المحبب، إلا أن نقوشها الخارجية والداخلية هي في الحجر الكلسي، ولا يضارعها في أسبانية إلا كنيسة أشبيلية من بعض الوجوه. وكنيسة طليطلة أطول من كنيسة أشبيلية بعشرة أمتار إلا أن كنيسة أشبيلية أعلى بعشرة أمتار. ومزايا كنيسة طليطلة على كنيسة أشبيلية هي في تناسب الأقسام وبداعة الزخرف وتخريم المذبح الأعظم، حتى كأنه قطعة من العاج المخرم المرصع.

ولا عجب، فقد بقي العمل في القاعدة العظمى، بحسب قولهم، مدة ثلاثة قرون ولها ثمانية أبواب، أكثرها من الأعاجيب. وهي أبواب الغرب التي لا يفتحونها، مقتصرين على الباب الجنوبي المسمى بباب الأسود، والباب الجوفي المسمى بباب الساعة، الذي يشرع من جهة المدينة العليا. وفيها عدة مذابح، منها مذبح نصف عربي. ولكن جميع بدائع الصنعة والنقش والتصوير مستوفاة في المذبح الأعظم. وعقود الأقواس كلها من المرمر، تحيط بأعناقها قلائد مذهبة من الصنعة العربية Arabesque.

وفي هذه الكنيسة من صنوف الخرط والنجر وفنون التنزيل والحفر ما يعجز القلم عن وصفه، فليس له إلا النظر بالعين! وماذا تقول في بناء لبثوا يعملون فيه ثلاثمائة سنة، وبذلوا عليه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، واستجادوا له أشهر الصناع في أعصرهم، وأمهر النحاتين والمصورين في أوقاتهم؟! وفي خزائن هذه البيعة كنوز هي فوق التخمين من كل نوع، قد تراكمت من قرون. ولكن الذي يريد الفرجة لا يقدر أن يتبين محاسنها، من ضعف النور الذي يدخل إلى الكنيسة، لأنهم، كما لا يخفى، يستحب عندهم في الكنائس أن يكون نهارها ليلًا، لما في ذلك من الهيبة بزعمهم، وهذا ما رأينا الكثيرين من الأفرنج ينتقدونه، ويقابلون بينه وبين مساجد الإسلام التي تفيض نورًا.

وأما المذبح نصف العربي فقد جعلوه بقرب الباب، وقد كان بناؤه على يد المهندس هنري دوايغاس، بأمر الكردينال شيمانيس الشهير Jiménes وذلك سنة ١٥٠٤، وهم يقدسون على هذا المذبح بحسب الطقس القوطي الذي وضعه سان إيزيدور. وكانت في طليطلة قد بقيت ست كنائس محافظة على الطقس القوطي إلى سنة ١٨٥١، فمن ذلك الوقت توحّد الطقس، وصار رومانيًا محضًا.
ومن كنائس طليطلة المعدودة كنيسة سان جوان١٩٤ الملوك، وهي كنيسة بناها فرديناند وإيزابلا على الأسلوب القوطي، والأسلوب المعروف بالريناسنس١٩٥ مجموعين فيها وقد بذل فرديناند وإيزابلا في بنائها قناطير مقنطرة من الذهب فجاءت من أبدع الكنائس زخرفًا وكانا أعداها لدفنهما فيها، إلا أنهما عدلا عن ذلك الرأي بعد استيلائهما على غرناطة سنة ١٤٩٢ ومحوهما كل أثر لملك الإسلام في الأندلس فقررا عند ذلك أن يكون دفنهما في كنيسة غرناطة، وتوقف العمل في كنيسة سان جوان هذه، ولم تتم إلا في القرن السابع عشر. فلذلك اختلف طرز بنائها في ذاته بحيث جمعت بين أسلوبين متغايرين. وعلى جدران هذه الكنيسة الخارجية سلاسل حديد يقولون أنها كانت قيودًا لأسارى المسيحيين الذي أنقذهم فرديناند وإيزابلا يوم دخلا غرناطة، وفي هذه الكنيسة صور للقديس سان جوان. وصورة شعار الملكين فرديناند وإيزابلا وأسلحتهما، والمذبح الأعظم من هذه الكنيسة منقول من كنيسة شنت أفرج١٩٦ القديمة، قال في دليل بديكر: إن زينة حمراء غرناطة ونقوشها قد تمثلت هنا بصور مسيحية. وقد كانت هذه الكنيسة في يد الفرنسيسكانيين، ثم تحولت من زهاء مائة سنة كنيسة لأهالي المحلة المجاورة. وكان بجانبها دير تحول متحفًا ومدرسة صناعية.
وموقع هذه البيعة هو على أكمة مشرفة، تسرح منها الأنظار على وادي تاجه، وعلى البقعة،١٩٧ وعلى شارات سان برناردو وغريدوس. وإلى الشمال الغربي من دير سان جوان الملوك يقع الباب المسمى عند العرب بباب المكاره،١٩٨ وعلى مقربة من هناك في بقعة يقال لها باجه كنيسة سانتا لوقادية. وهي قديمة، بنيت في القرن الرابع، في المكان الذي يقال أن القديسة لوقادية نالت فيه أكليل الشهادة، وكان العرب قد هدموها، فلما رجع الأسبانيول جددوها.
وعلى ضفة نهر تاجه قريبًا من هناك معمل السيوف، وتاريخ إنشائه سنة ٧٨٨ ولكن لم تبق لسيوف طليطلة تلك الأهمية، بعد أن بقيت قرونًا مشهورة بهذه الصناعة من زمن الرومان إلى زمن القوط، إلى زمن العرب، إلى زمن الأسبان، لا سيما القرن السادس عشر، ومن النصال الطليطلية أنموذجات بديعة في متحف مجريط، وإلى الجنوب من باب المكاره قطعة من السور تنتهي بباب سان مرتين، وإلى الشمال من هذا الباب المسلخ الذي يقال أنه كان في مكانه قصر الملك لذريق، الذي منه انتزع العرب جزيرة الأندلس، وهو الذي افتضن كريمة الكونت يليان المسماة فلورنده،١٩٩ ولأجل ذلك حنق هذا الكونت حنقًا بلغ به أن دعا العرب لاجتياح الأندلس، ففتحوها ويقال من جملة الأساطير أنه كان يوجد هناك كهف يقال له كهف هرقل، نظر فيه لذريق مرة فعثر على كتابة تؤذن بانتهاء ملك الأندلس.
وعلى الوادي يوجد جسر سان مرتين، معقود فوقه إلى الغرب من البلدة. وكان بناؤه سنة ١٢١٢، ثم تجدد سنة ١٣٩٠. وله خمسة أقواس، والأوساط منها يرتفع ثلاثين مترًا، وعليه برجان. وإلى اليمين منه تحت السور حمّام يقال له حمّام الكهف٢٠٠ حيث الملك لذريق شاهد فلورنده كريمة الكونت يوليان تستحم، وكان بعد ذلك ما كان.
وإلى الجنوب من بيعة سان جوان الملوك كانت في القديم حارة اليهود، التي كان يقال لها «الجديرة»، وكان هؤلاء اليهود بنوا هناك حصنًا حصينًا يضعون فيه أموالهم وأما كنيسة مارية البيضاء فكانت في الأصل كنيسًا لليهود، بني في القرن الثاني عشر، ثم تحول كنيسة للنصارى في بداية القرن الخامس عشر، ثم صارت محل خلوة للمتنسكين، ثم ثكنة عسكرية، ثم مخزنًا. وهي ذات بناء فخم على ثمان وعشرين قوسًا، وقواعد أساطينها مزينة بالزليج، والصنعة العربية. وأما الكنيس الشهير الذي تقدم الكلام عليه فيقال له كنيس٢٠١ الانتقال، فقد بناه الحاخام «ماير عبدلي» على نفقة صموئيل لاوي، كما تقدم الكلام عليه. وأتقن بناؤه إلى النهاية، فلما طرد الملوك الكاثوليك يهود أسبانية حولوا هذا الكنيس إلى كنيسة باسم سان بنيتو، وسلموه إلى فرسان قلعة رباح، ثم تحول كنيسة باسم العذراء. وإلى الشرق من هذا الكنيس يوجد بيت المصور الشهير غريقو٢٠٢ الذي له آثار كثيرة في كنائس طليطلة وأصله يوناني من جزيرة كريت وقد ساقته الأقدار من البندقية إلى طليطلة سنة ١٥٨٥ فسكن في طليطلة في قصر المركيز «فيلته»٢٠٣ والآن يوجد هناك متحف لآثار غريقو.
figure
الملك لذريق مع الأميرة فلوريندة ابنة يليان صاحب سبتة التي من أجل قصتها أغرى يليان العرب بغزو اسبانية.
ومن كنائس طليطلة كنيسة يقال لها سان جوان الندامة٢٠٤ بناها الكردينال شيميناس سنة ١٥١٤، وجعل معها ديرًا، وهي في شرقي البلدة. ومن الكنائس المعدودة كنيسة سانتو طومي٢٠٥ وكانت جامعًا فحولوه كنيسة، وجددوا بناءه في القرن الرابع عشر، ولكن منارته لا تزال على أصلها. وفي هذه الكنيسة قبر الكونت أورغاز الذي جددها على نفقته. وإلى الجنوب من هذه الكنيسة قصر كان يقيم به الإمبراطور شالكان، وفيه ماتت امرأته إيزابلا البرتغالية، وفي هذا القصر صناعات عربية وقوطية مختلطة.

ومن كنائس طليطلة المعدودة كنيسة سانت ياقو الربض بنيت لعهد الأذفونش السادس، وهي على الهندسة العربية ومنارتها لا تزال منارة مسجد إسلامي. وأما الدار الأسقفية التي يقيم بها برماط أسبانية، وكان لها ذلك الشأن العظيم حتى كان يجاذب الملك الحبل فهي قبالة الكنيسة الكبرى من الجهة الغربية.

قال المسيو جوسة صاحب جغرافية أسبانية والبرتغال المصورة: لو أردنا أن نتكلم عما في طليطلة من قصور كانت لنبلاء العرب والأشبيليين في تلك الشوارع الضيقة وعلى مفارق الطرق، وذلك مثل قصر آل بركاش٢٠٦ وآل ماكدة٢٠٧ ومونارس٢٠٨ وغيرهم وقصر البقعة،٢٠٩ وقصر الميزة٢١٠ بقاعته العربية المدهشة لاستلزم ذلك كتابًا مستقلًا. وقاعة الميزة هذه ذات سقف نادر النظير في صنعته العربية. وطولها ٢٠ مترًا، وعرضها سبعة أمتار وعلوها ١٢ مترًا.
ومن قنطرة طليطلة يسير الإنسان صعدًا إلى الشمال الغربي فيمر بالسور العربي الذي كان للمدينة وبسور أحدث منه بني لأجل حماية الحارة المسماة بالربض٢١١ وبعد مسيرة خمسة دقائق يصل إلى باب عربي البناء يقال له باب «السول» Puerta del Sol قيل إنه بني سنة ألف ومائة مسيحية، أي بعد استرداد الأسبانيول لطليطلة، ولكنه بني على الطرز العربي، وكان هذا الباب في القديم هو باب طليطلة الحقيقي، ولم يتفق المؤرخون في تاريخ هذا الباب: فقال بعضهم: إنه بني لعهد الأذفونش السادس، وقال بعضهم: إنه بني في آخر زمان العرب، وعلى مقربة من هذا الباب باب آخر يقال له باب «بيزغرة» Visagra وأصله باب شقره بناه الأسبانيول، وعليه تمثال النسر، شعار الإمبراطور شارلكان، ويوجد باب آخر يقال له «بيزاغرة انتيكة» Visagra Antigia٢١٢ أي العتيقة لأنه من زمان العرب وهو بناء يستحق النظر ومنه يسير الإنسان على طريق عريض على جانبيه الأشجار إلى باب يقال له باب «قمرون» Cambron وهناك بقايا قصر آل بركاش. ولا يجوز أن ننسى من آثار طليطلة التاريخية الكنيسة التي بقرب باب السول، والتي يقال لها «سانتو كريستو دولالوز» Santo Cristo de la Luz أي النور وأصل هذه الكنيسة الصغيرة مسجد صغير بني سنة ٩٢٢ مسيحية، كما يستنتج من الكتابة العربية التي على بابه،٢١٣ وهو على ستة صفوف من الأعمدة ويقال إن أعمدته مأخوذة من كنيسة قوطية قديمة والله أعلم، وتتعلق خرافة بهذا المسجد المقلوب كنيسة والذي له ولأمثاله قال الشاعر العربي رائي طليطلة يوم استولى عليها النصارى:
مساجدها كنائس! أيُّ قلبٍ
على هذا يقر ولا يطير؟!

وهذه الخرافة معناها أنه لما دخل الأذفونش السادس إلى طليطلة، وكان معه القمبيدور الملقب بالسيد سجد حصان السيد بزعمهم أمام حائط هناك، فهالهم سجود الحصان من نفسه فبحثوا في الحائط، فوجدوا فيه مصلوبًا، وبجانبه سراج يضيء زيته من زمن القوط.

وأشهر قصر في الأندلس هو قصر طليطلة المبني على أعلى قمة من تلك البلدة، فقد كان فيما يظهر مقر الإمارة من قديم الدهر، ففيه أقام الأيبيريون، ثم القوط ثم العرب، ثم الأسبان، وفيه نزل أذفونش السادس يوم دخل طليطلة. ولقد تبدلت هيئته كثيرًا بكثرة ما توالى عليه من الحريق. وكان كلما احترق جددت الملوك بناءه ولكن الذي لا يتغير فيه هو مسرح النظر الذي له، والذي لا يضارعه منظر لقصر من قصور أسبانية كلها. وقد كان هذا القصر تارة حصنًا وطورًا قصرًا، وتعاقبت عليه أدوار مختلفة.

وأشهر ساحة في طليطلة، وهي التي فيها أكثر حركة البلدة، الساحة التي يقال لها ساحة البر٢١٤ أي ساحة القمح، ومنها يصعد الصاعد إلى القصر، وبالإجمال لا يوجد بلدة أكثر من طليطلة قد حفظت الهيئة والبيئة العربيتين، وكيف ما توجه السائح فيها يعثر على نقوش عربية، وزليج، وخشب محفور من آثار العرب، وقد ذكر جوسة أنه وجدت تيجان ذهب مخرمة في ضواحي طليطلة، وتحقق أنها من كنوز العرب المدفونة، ومن قديم الدهر كان في طليطلة أبنية فخمة، وللإرشيبرست يوليان بيريز Julian Pèrez تاريخ أحصي فيه عدد الكنائس القوطية التي هدمها العرب أو حولوها إلى جوامع، مثل شان قرشتوبل Cristobal، وسان لورنزوه، وسان يشته Justo وسانت مرية المجدلية، وسان إيزيدور، وسان أنطولين، والمقبرة التي كانت في كنيسة شنت ليقودية، فقد زعم هذا القيسيس أن العرب خربوا جميع هذه الكنائس، وجعلوا عاليها سافلها، وقال أنه كانت في طليطلة أديار كثيرة من قبل ما أعلن الملك القوطي ريكارد إلغاء المذهب الأريوسي، وأمر أن تكون الكثلكة هي المذهب السائد بدون منازع، وذهب أن العرب تركوا بعض هذه الأديار للمسيحيين مثل سان سيلفانو Silvano.
وأما تاريخ طليطلة فخلاصته أنها كانت العاصمة الدينية والمدنية لأسبانية في زمن القوط، وأنه انعقد فيها ستة عشر مجمعًا، آخرها كان انعقاده سنة ٦٣٣، تحت رئاسة يزيدور مطران أشبيلية، الذي كان عندهم قديسًا، وأكثر أسباب هذه المجامع الدينية كانت ناشئة عن الجدال بين الأريوسية والكثلكة. وكان مبدأ الأريوسية آراء قسيس شهير اسمه آريوس Arius، ولد في برقة أو الإسكندرية سنة ٢٨٠ للمسيح، ومات سنة ٣٣٦. واشتهر بتجديد عقيدة سابليوس وبولس المريساتي، وهي التي تقول بأن المسيح لم يكن هو ابن الله فعلًا، وإنما كان ابنه اسمًا، والله هو الآب فقط، واتبع عقيدة أريوس جم غفير فحكم مجمع الإسكندرية بكفره سنة ٣١٩ ولكن بقي له تبع كثير بحيث أن الإمبراطور قسطنطين اضطر إلى عقد مجمع عام هو المجمع المسمى بالمجمع النبقي، لأنه انعقد في نبقية بقرب القسطنطينية سنة ٣٢٥، فقرر المجمع المذكور بالأكثرية لا بالاتفاق أن الابن والآب طبيعة واحدة، وأن المسيح هو الله مثل الآب، وأنه هو الابن، وحرر دستورًا للإيمان على هذه القاعدة ولم يزل هذا الدستور هو قانون الدين المسيحي إلى يومنا هذا. وقد صدر أمر الإمبراطور قسطنطين بنفي أريوس مدة من الزمن، إلى أن سكنت الخواطر، ثم أذن له في العودة إلى الإسكندرية، وربما كان قسطنطين في الباطن مائلًا إلى عقيدة أريوس، لكنه كان مضطرًا إلى مجاراة العامة، ثم مات أريوس ولم تمت عقيدته وانقسم الرومانيون إلى قسمين، فتمسك بها بعض قياصرتهم كقسطنس، وحمل عليها الآخرون كتيودوسيوس. وأخيرًا تلاشت في المملكة الرومانية، إلا أنها عادت فظهرت بين البرابرة الذين جاءوا من الشمال مثل القوط، والوندال، والبرجونيين، واللونبرديين، ثم تغلبت عليها الكثلكة في القرن السابع، ثم عادت فظهرت مرة ثالثة بعد الإصلاح البروتسطانتي، وعرف بها فئة يقال لها السوسيتيون، نسبة إلى رجل لاهوتي من إيطالية انتصر لهذه العقيدة، بل أنكر أكثر قواعد النصرانية، وقد كان في طليطلة هذه عقد المجمع الذي حكم بتحريم مذهب أريوس.
ولما افتتحها العرب لم يجعلوها عاصمتهم، كما كانت في زمن القوط، وآثروا عليها قرطبة لكونها أقرب إلى أفريقية، فصارت طليطلة تعصي أمر قرطبة، وتثور على بني أمية، ولكن عمرانها لم يتقلص بالثورات، لكثرة ما كان بها من الصنائع، مثل صناعة السيوف٢١٥ وصناعة نسج٢١٦ الحرير والصوف، ولأن بقعتها من أخصب بقاع الأندلس فكانت تبقى السنين الطوال والخلفاء يحاولون إخضاعها، ويغادرونها ويراوحونها بالجيوش، وهي مع ذلك عزيزة منيعة، ثابتة راسخة، أمنع من عقاب الجو. وقد كان استرداد الأسبانيول لطليطلة مبدأ تأخر العرب بدون نزاع، وفي ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسَّال:
حُثوا رواحلكم يا أهل أندلس
فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب يُنسل من أطرافه وأرى
ثوب الجزيرة منسولًا من الوسط
من جاور الشر لا يأمن عواقبه
كيف الحياة مع الحيّات في سفط؟

وقد أصاب هذا الشاعر في قوله هذا، لأنه لما استولى النصارى على طليطلة كانوا كأنهم دخلوا في وسط بلاد الإسلام، وجاءت الإسلام الضربة في حامل رأسه لأنه كان المسلمون في ذلك الوقت لا يزالون في سرقسطة ونواحيها، وكان لا يزال لهم قواعد وحواضر هي إلى الشمال من طليطلة. ثم إن موقع طليطلة بمنعته الخارقة للعادة جعلت الأسبانيول منها في حصن حصين لا يؤتى وعصمتهم في حرز حريز لا يؤخذ، وهم أنفسهم لم يقدروا على طليطلة في حقيقة الأمر إلا بفساد أحوال المسلمين، والفتن التي كانت بينهم. وخلاصة الأمر أنه بعد أن نشبت الفتنة الكبرى في قرطبة بين العرب والبربر، وانتثر السلك، ونجمت الملوك الذي يقال لهم ملوك الطوائف، استبد بأمر طليطلة بنو ذي النون، كما سيأتي الكلام عليه، فوقعت العداوة بينهم وبين بني هود الذين استقلوا بسرقسطة، وتوالت الوقائع بين الفريقين، وكل منهما يستظهر بالأسبانيول على الآخر.

ولنأتك بمثال ننقله لك عن ابن عذارى المراكشي في كتابه

المغرب في أخبار الأندلس والمغرب» وهود خير كتاب عرّف بأخبار الأندلس. قال عند ذكره سقوط طليطلة: «وخرج فرديلند الطاغية أيضًا المظاهر لسلمان بن هو، وهو فردلند بن شانجة، أمير جليقية إلى ثغر طليطلة في خلق كثير. وجاءه ابن عم ابن ذي النون ليدله على عورات البلاد، وتهاربت الناس أمامه من كل جهة إلى طليطلة حتى غصت بهم، واضطربت أحوال أهلها. كل ذلك وأميرهم يحيى بن ذي النون غائب عنهم بجيشه في مدينة سالم، مقيم بها لئلا يدخلها ابن هود فلما تيقن بخروج هذا اللعين إلى عمله، وضجت رعيته إليه، جاء في جموعه، فلم يصنع شيئًا ولا قدر على لقائه (أي على لقاء الطاغية) واضطربت أحوال الناس بطليطلة خلال ذلك، فلما رأى ذلك أهل طليطلة أرسلوا إلى الطاغية فردلند المظاهر لابن هود ليعقدوا معه صلحًا على بلدهم طليطلة وما حولها على مال يؤدونه إليه ويرحل عنهم. فقال لهم: ما أجيبكم إلى سلم، ولا أعفيكم من حرب، حتى تفعلوا كذا وكذا. واشترط عليهم شروطًا لا يقدرون عليها. فقالوا: لو كنا نقدر على هذه الأشياء وهذه الأموال لأنفقناها على البرابرة، واستدعيناهم لكشف هذه المعضلة. فقال فرلند: «أما قولكم لا تقدرون على هذه الأموال فذلك محال، فلو كسفت سقوف بيوتكم لبرقت ذهبًا لكثرته، وأما استدعاؤكم البرابرة فأمر تكثرون به علينا، وتهددوننا به، ولا تقدرون عليه مع عداوتهم لكم، ونحن قد صمدنا إليكم، ما نبالي من أتانا منكم، فإنما نطلب بلادنا التي غلبتمونا عليها قديمًا في أول أمركم، فقد سكنتموها ما قضي لكم، وقد نصرنا الآن عليكم بردائتكم، فارحلوا إلى عدوتكم، واتركوا لنا بلادنا، فلا خير لكم في سكناكم معنا بعد اليوم، ولن نرجع عنكم أو يحكم الله بيننا وبينكم. ا.ﻫ.

فلم يجد رسل أهل طليطلة عند فردلند وأصحابه النصارى قبولًا لما عرضوه عليهم من الصلح.

وكان أخو هذا العلج صاحب يحيى بن ذي النون مظاهرًا له فخرج في هذه السنة إلى بلاد ابن هود فوطئها، وأغلظ في إهلاكها، وأخل بالثغر الأعلى، فعل أخيه فردلند في نظر ابن ذي النون، ودامت الفتنة بين هذين الأميرين، ابن هود وابن ذي النون، على هذه الحال من سنة خمس وثلاثين إلى آخر سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وانقطعت بموت سليمان بن هود في السنة المذكورة. ولما تنفس مخنق ابن ذي النون بموت سليمان المذكور جعل يطلب جاره ابن الأفطس صاحب بطليوس فجرت له معه حروب كثيرة إلخ.

قلنا إن بيت القصيد في هذا التاريخ هو قول الطاغية: «وقد نُصِرنا عليكم بردائتكم.» جاء في نفح الطيب: ومن أول ما استرد الأفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة من يد ابن ذي النون سنة ٤٧٥. وقال بعض المؤرخين: أخذ الأذفونش طليطلة من صاحبها القادر بالله ابن المأمون يحيى بن ذي النون بعد أن حاصرها سبع سنين، وكان أخذه لها في منتصف محرم سنة ٤٧٨ ا.ﻫ. وفيه بعض مخالفة لما قبله، وسيأتي قريبًا بعض ما يؤيده. قال: وهي مدينة حصينة قديمة أزلية، من بناء العمالقة، على ضفة النهر الكبير.٢١٧ ولها قصبة حصينة في غاية المنعة ولها قنطرة واحدة عجيبة البنيان، على قوس واحد، والماء يدخل تحته بعنف وشدة جري. ومع آخر النهر ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون زراعًا، وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة، ويجري الماء على ظهرها فيدخل المدينة.

وطليطلة هذه دار مملكة الروم، وبها كان البيت المغلق الذي كانوا يتحامون فتحه، حتى فتحه لذريق فوجد فيه صورة العرب. ا.ﻫ.

وقد حكي ابن بدرون في شرح العبدونية أن المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة بنى بها قصرًا تأنق في بنائه، وأنفق فيه مالًا كثيرًا، وصنع فيه بحيرة، وبنى في وسطها قبة، وسيق الماء إلى رأس القبة، على تدبير أحكمه المهندسون، فكان الماء ينزل من أعلى القبة حواليها، محيطًا بها، متصلًا بعضه ببعض، فكانت القبة في غلالة من ماء سكب٢١٨ لا يفتر، والمأمون ابن ذي النون قاعد فيها لا يمسه من الماء شيء، ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل، فبينما هو فيها إذ سمع منشدًا ينشد:
أتبني بناء الخالدين وإنما
بقاؤك فيها لو علمت قليل
لقد كان في ظل الأراك كفاية
لمن كل يوم يعتريه رحيل

فلم يلبث هذا إلا يسيرًا حتى قضى نحبه. ا.هـ.

وقال ابن خلكان: إن طليطلة أخذت يوم الثلاثة مستهل صفر سنة ٤٧٨ بعد حصار شديد. وقال ابن علقمة: إن طليطلة أخذت يوم الأربعا لعشر خلون من المحرم سنة ٤٧٨، وكانت وقعة الزلاقة التي نشأت في السنة بعدها. ا.ﻫ.

وجاء في دليل بديكر أن الأذفونش السادس ملك قشتالة دخل طليطلة ومعه السيد٢١٩ في ٢٥ مايو ١٠٨٥ ونقل كرسي الملك من برغش إلى طليطلة عام ١٠٨٧ وجعل مطران طليطلة هو أسقف أسبانية الأعظم، وبدأوا ببناء الكنائس والأديار فأكثروا منها. ولكن المدينة العربية بقيت حافظة سيادتها في وجه الحملة المسيحية، وبقي الناس في طليطلة يبنون مدة قرون متطاولة على الطرز العربي (إلى أن يقال)وكان أساقفة طليطلة مثل لوذريقة وفونسيقة وتنووريو ومندوسة. وشيمينيس وطلبيرة ولورتسانة هم أصحاب الأمر والنهي في البلدة، وكان دخل الأسقفية السنوي ثلاثمائة ألف دوكة، وكان في دار الأسقفية ١٥٠ قسيسًا هم حاشية برماط أسبانية، وكانت لهم عناية بالعلوم والآداب٢٢٠ وكانوا أيضًا يسوقون الجيوش إلى القتال فأسماؤهم داخلة في جميع الحوادث الكبيرة في عصرهم. ولقد كان الكردينال بطروه غونزاليس مندوزه هو الذي أغرى أكثر من الجميع بقتال مملكة غرناطة. ا.ﻫ.
ولنذكر الآن ما جاء في معجم البلدان عن طليطلة قال: طليطلة، هكذا ضبطه الحميدي. بضم الطائين، وفتح اللام، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس، يتصل عملها بعمل وادي الحجارة، وهي غربي ثغر الروم، وبين الجوف٢٢١ والشرق من قرطبة. وكانت قاعدة ملوك القوطيين، وموضع قرارهم، وهي على شاطئ نهر تاجه، وعليه القنطرة التي يعجز الواصف عن وصفها. وقد ذكر قوم أنها مدينة دقيانوس صاحب أهل الكهف. قال: وبالقرب منها موضع يقال له جنان الورد، فيه أجساد أهل الكهف لا تبلى إلى الآن، والله أعلم. وقد قيل فيهم غير ذلك، كما ذكر في الرقيم، وهي من أجل المدن قدرًا، وأعظمها خطرًا. ومن خاصيتها أن الغلال تبقى في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير، وزعفرانها هو الغاية في الجودة. وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للفارس ومازالت في أيدي المسلمين منذ أيام الفتوح إلى أن ملكها الأفرنج في سنة ٤٧٧٢٢٢ وكان الذي سلمها إليهم يحيى بن يحيى بن ذي النون، الملقب بالقادر بالله، وهي الآن في أيديهم (إلى أن قال): ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم أبو عبد الله الطليطلي روي كتاب مسلم بن الحجاج، توفي يوم الأربعاء الثاني عشر من صفر سنة ٤٥٨ وعيسى بن دينار بن واقد الغافقي الطليطلي، سكن قرطبة، ورحل، وسمع من أبي القاسم، وصحبه، وعول عليه، وانصرف إلى الأندلس، فكانت الفتيا تدور عليه، لا يتقدمه في وقته أحد. قال ابن الفرضي: قال يحيى بن مالك بن عائذ: سمعت محمد بن عبد الملك بن أيمن يقول: كان عيسى بن دينار عالمًا متفننًا، وهو الذي علّم المسائل أهل عصرنا.

وكان أفقه من يحيى بن يحيى، على جلالة قدر يحيى. وكان محمد بن عمر بن لبابة يقول: فقيه الأندلس عيسى بن دينار، وعالمها عبد الملك بن حبيب، وعاقلها يحيى بن يحيى. وتوفي سنة ٢١٢ بطليطلة، وقبره معروف. ومحمد بن عبد الله بن عيشون الطليطلي أبو عبد الله، كان فقيهًا، وله مختصر في الفقه، وكتاب في توجيه حديث الموطأ، وسمع كثيرًا من الحديث، ورواه. وله إلى المشرق رحلة، سمع فيها من جماعة، وتوفي بطليطلة لتسع ليال خلون من صفر سنة ٣٤١. ا.ﻫ. كلام ياقوت.

ولما تغلب الأسبانيول على طليطلة اهتز لذلك الإسلام، وأدرك العقلاء سوء المصير، لأن ذهاب هذه القاعدة من أيدي المسلمين، وهي في وسط أسبانية، كان مقدمة حوادث كبار توقعوها، ولم يخطئوا في حسبانهم لها. وقد كانت وقعة الزلاقة في السنة التالية، وهي التي أجاز فيها يوسف بن تاشفين إلى الأندلس إصراخًا لمسلميها هي نتيجة سقوط طليطلة في أيدي النصارى. وبالرغم من كون ابن تاشفين أحرز في وقعة الزلاقة نصرًا عزيزًا، وفتحًا مبينًا، وخضد شوكة الأسبانيول في ذلك اليوم، فإنه لم يتمكن من استرداد طليطلة، وبقيت العلة في محلها، وإنما تأخر انحلال دولة الإسلام في الأندلس بواسطة المرابطين، ثم بواسطة الموحدين نحوا من ثلاثمائة سنة ولنذكر هنا مرثية قيلت لدى سقوط طليطلة، وحتى الآن لم نعرف اسم قائلها، ونحن ننقلها عن نفح الطيب كما هي. وهي هذه:

لثكلك كيف تبتسم الثغور
سرورًا بعد ما يئست ثغور؟!
أما وأبي مصاب هد منه
ثبير الدين، فاتصل الثبور
لقد قصمت ظهور حين قالوا:
أمير الكافرين له ظهور
ترى في الدهر مسرورًا يعيش؟
مضى عنا لطيته السرور!
أليس بنا أبي النفس شهم
يدير على الدوائر إذ تدور؟!
لقد خضعت رقاب كن غلبا
وزال عتوها ومضى النفور
وهان على عزيز القوم ذل
وسامح في الحريم فتى غيور
طليطلة أباح الكفر منها
حماها! إن ذا نبأ كبير!
فليس مثالها إيوان كسرى
ولا منها الخورنق والسدير
محصنة محسنة بعبد
تناولها، ومطلبها عسير
ألم تك معقلًا للدين صعبا
فذلله كما شاء القدير
وأخرج أهلها منها جميعًا
فصاروا حيث شاء بهم مصير
وكانت دار إيمان وعلم
معالمها التي طمست تنير
فعادت دار كفر مصطفاة
قد اضطربت بأهليها الأمور
مساجدها كنائس! أي قلب
على هذا يقر ولا يطير؟!
فيا أسفاه! أسفاه! حزنا
يكرر ما تكررت الدهور
وينشر كل حسن ليس يطوى
إلى يوم يكون به النشور
أديلت قاصرات الطرف كانت
مصونات مساكنها القصور
وأدركها فتور في انتظار
لسرب في لواحظه فتور
وكان بنا بالقينات أولى
لو انضمت على الكل القبور
لقد سخنت بحالتهن عين
وكيف يصح مغلوب قرير؟
لئن غبنا عن الإخوان إنا
بأحزان وأشجان حضور
نذور كان للأيام فيهم
بملكهم فقد وقت النذور
فإن قلنا العقوبة أدركتهم
وجاءهم من الله النكير
فإنا مثلهم وأشد منهم
نجور، وكيف يسلم من يجور؟
أنأمن أن يحل بنا انتقام
وفينا الفسق أجمع والفجور؟
وأكل للحرام ولا اضطرار
إليه، فيسهل الأمر العسير
ولكن جرأة في عقر دار
كذلك يفعل الكلب العقور
يزول الستر عن قوم إذا ما
على العصيان أرخيت الستور
يطول عليَّ ليلي، رُبَّ خطب
يطول لهوله الليل القصير
خذوا ثار الديانة وانصروها
فقد حامت على القتلى النسور!
ولا تهنوا وسلوا كل عضب
تهاب مضاربا عنه النحور
وموتوا كلكم فالموت أولى
بكم، من أن تجاروا أو تجوروا
أصبرًا بعد سبي وامتحان
يلام عليهما القلب الصبور!؟
فأم الصبر مذكار ولود
وأم الصقر مقلات نزور
نخور إذا دهينا بالرزايا
وليس بمعجب بقر تخور
ونجبن ليس نزار، لو شجعنا
ولم نجبن لكان لنا زئير
لقد ساءت بنا الأخبار حتى
أمات المخبرين بها الخبير
أتتنا الكتب فيها كل شر
وبشرنا بأنحسنا البشير
وقيل تجمعوا لفراق شمل
طليطلة تملكها الكفور
فقل في خطة فيها صغار
يشيب لكربها الطفل الصغير
لقد صم السميع فلم يعوّل
على بناء كما عمي البصير
تجاذبنا الأعادي باصطناع
فينجذب الممول والفقير
فباق في الديانة تحت خزي
تثبطه الشويهة والبعير
وآخر مارق هانت عليه
مصائب دينه فله السعير
كفى حزنًا بأن الناس قالوا
إلى أين التحول والمسير؟
أنترك دورنا ونفر عنها؟
وليس لنا وراء البحر دور
ولا ثم الضياع تروق حسنًا
نباكرها فيعجبنا البكور
وظل وارف وخرير ماء
فلا قر هناك ولا حرور
ويؤكل من فواكهها طري
ويشرب من جداولها نمير
يؤدي مغرم في كل شهر
ويؤخذ كل صائفة عشور
فهم أحمى لحوزتنا وأولى
بنا، وهم الموالي والعشير
لقد ذهب اليقين فلا يقين
وغر القوم بالله الغرور
فلا دين ولا دنيا ولكن
غرور بالمعيشة ما غرور
رضوا بالرق، بالله! ماذا
رآه وما أشار به مشير؟
مضى الإسلام فابك دمًا عليه!
فما ينفي الجوى الدمع الغزير
ونح واندب رقاقًا في قلاة
حيارى لا تحط ولا تسير
ولا تجنح إلى سلم وحارب
عسى أن يجبر العظم الكسير
أنعمي عن مراشدنا جميعًا
وما إن منهم إلا بصير؟!
ونلقى واحدًا ويفر جمع
كما عن قانص فرت حمير!
ولو أنا ثبتنا كان خيرًا
ولكن ما لنا كرم وخير
إذا لم يكن صبر جميل
فليس بنافع عدد كثير
ألا رجل له رأي أصيل
به مما نحاذر نستجير!
بكر إذا السيوف تناولته
وأين بنا إذا ولت كرور؟
وطعن بالقنا الخطّار حتى
يقول الرمح: ما هذا الخطير؟
عظيم أن يكون الناس طرا
بأندلس: قتيل، أو أسير
أذكر بالقراع اللبث حرصا
على أن يقرع البيض الذكور
يبادر خرقها قبل اتساع
لخطب منه تنخسف البدور
يوسع للذي يلقاه صدرا
فقد ضاقت بما تلقى صدور
تنغصت الحياة فلا حياة
وودع جيرة إذ لا مجير
قليل فيه هم مستمكن
ويوم فيه شر مستطير
ونرجو أن يتيح الله نصرًا
عليهم، إنه نعم النصير!

ويقال في قضية أخذ الأسبانيول لطليطلة النكتة الآتية: كان الأذفونش السادس قد فر من وجه أخيه شانجه، فالتجأ إلى ابن ذي النون ملك طليطلة، فسمح له بالإقامة عنده، ولم يكن من عادة العرب أن يستنكفوا في وقت من الأوقات من إيواء الدخيل. وكان المسلمون أنفسهم إذا حزب الواحد منهم أمر يذهب نزيلًا عند أحد ملوك النصارى، وكم التجأ فيما بعد مسلمون من غرناطة إلى أشبيلية، ونصارى من أشبيلية إلى غرناطة فالمأمون ابن ذي النون تلقى الأذفونش أوانئذ برًا وترحيبًا، وائتلف الضيف والمضيف وكانا يذهبان معًا إلى الصيد، وكانت أرض طليطلة شجرًا، أكثر جدًا مما هي اليوم فبينما ذات يوم المأمون والأذفونش في إحدى الجنان بطليطلة، أدركت القائلة الأذفونش، فاضطجع في ظل شجرة، وجلس المأمون يتحدث إلى أصحابه على مقربة منه، فينما هم في الحديث، عن لهم موضوع طليطلة وما هي عليه من المنعة الطبيعية، على شفير ذلك الوادي العميق. فأجمع من حضر من أهل النظر على أن طليطلة لا تؤخذ ولا ينال منها مرام. فانبرى أحد الذين كانوا في ذلك المجلس، وخالف رأي الجماعة، وقال إنه يكفي لتذليل طليطلة، أن يعمد العدو إلى ضواحيها فيجتاحها، ويقطع الميرة عن أهلها، فيضطروا إلى التسليم. فإن لم يمكن أخذ طليطلة بالسيف فيمكن جدًا أخذها بالجوع.

وكان الأذفونش بين النائم والواعي. فلما سمع الحديث عن أخذ طليطلة، أصغى إليه، وتنبه له، ووعى كل ما سمعه. ولكنه أسرها في نفسه، ولم يشعر القوم بأنه سمع مما قيل شيئًا. ثم إنه لما جلس على عرش قشتالة تذكر ذلك المجلس، وعمل برأي من قال إن طليطلة قد تؤخذ بالحصر والجوع.

ويظهر من هنا أن الأذفونش لم يكن يجهل العربية، لأن ابن ذي النون وجماعته إنما تكلموا في تلك القائلة بالعربية، لا بالأسبانيولية. فلو لم يكن الأذفونش عارفًا بالعربية لما فهم الحديث.

والخلاصة أنه حاصر طليطلة عدة سنوات وعاث في نواحيها، وقطع الميرة التي كانت تأتيها من ضواحيها، ومازال يجوّع أهلها حتى أخذها في ٢٥ مايو سنة ١٠٨٥ كما تقدم.

وقيل، وهو الأرجح، إنه استولى على تلك البلدة بدون عناء كبير، بل بإقناعه القادر بن المأمون بن ذي النون بأن يكون خيرًا له لو ذهب إلى بلنسية، وملك فيها وهي في بحبوحة من الإسلام، وترك له طليطلة الواقعة دائمًا في حلق العدو.

وقد أجمع المؤرخون على سوء تدبير القادر بن ذي النون، وأنه لم يكن كفؤًا لعروس مثل طليطلة، فكان وجوده فيها السبب في ذهابها من يد الإسلام. وكان ذلك نبأ كبيرًا، كما جاء في مرثية طليطلة، لأن القشتاليين أخذوا بعدها بمخنق الإسلام وبركوا على قلبه في جزيرة الأندلس، وصار بعدها ثغره معورًا وأمره مدبرًا.

وأصل بني ذي النون من البربر الذين كانوا في خدمة الدولة العامرية. وروى ابن عذارى أن اسم جدهم لم يكن «ذا النون» وإنما كان «زنون»، وهو اسم من أسماء البربر فتصحف بطول المدة، وصار «ذا النون» بالذال.

قال: ولم يكن لهؤلاء القوم نباهة قديمة، ولا ذكر إلا في دولة ابن أبي عامر، فإنهم تقدموا في دولته واشتهروا، فكان منهم من يقود الجيوش، ويلي الأعمال والبلاد، وكان منهم في آخر أمد الجماعة وال بكورة «شنت بريه»، فلما وقعت الفتنة بالأندلس كان الوالي بمدينة طليطلة وذواتها عبد الرحمن بن منيوه، وأدركته منيته في خلال ذلك، فورث نظره عبد الملك بن عبد الرحمن بن منيوه، فأساء السيرة بالرعية. وكان أهل طليطلة على قديم الدهر أهل فتنة وقيام على الملوك، فلم يرضوا سيرة هذا الفتى فخلعوه، وولوا على أنفسهم من ينظر في أمرهم. ثم إنهم نقموا عليه شيئًا فعزلوه، وولوا غيره، ثم خلعوه. ثم رأوا أن يرسلوا إلى ابن ذي النون بشنت مرية، فوجه إليهم ابنه إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون. فاستولى هذا الفتى على ملك طليطلة وبلادها، فساس أهل مملكته السياسة الحسنة.

وكان أكبر أهل طليطلة رجلًا يسمى أبا بكر بن الحديدي، وكان شيخها، والمنظور إليه بها من أهل العلم، والعقل والدهاء، وحسن النظر في صلاح البلد. وكان العامة تعضده، وتقوم دونه، فكان هذا الفتى إسماعيل بن ذي النون لا يقطع أمرًا دونه، ويشاوره في مهمات أموره، فحسده قوم من أهل طليطلة على منزلته عند أميرهم، فناقشوه وعادوه، وحضرت منية إسماعيل بن ذي النون، فولى بعده ابنه يحيى بن إسماعيل الملقب بالمأمون، ولما ملك يحيى بن ذي النون طليطلة جرى على سيرة أبيه في استعمال قانون العدل، وجرى مع بن الحديدي على سنن أبيه، فاستقامت طاعته، وضخم ملكه. انتهى قلنا ولم يكن القادر بن المأمون على شيء مما كان عليه أبوه فلذلك أضاع تلك البلدة العذراء، والخطة الغراء، وأي ملك أضاع! وأي ثغر مكن منه عدو الإسلام، فتمكن بقدر ما استطاع؟!

ولنذكر هنا ملخصًا ما قاله المستشرق لاوي بروفنسال في الإنسيكلوبيدية الإسلامية قال: توليدو، وبالعربي طليطلة، مدينة في أسبانية، موقعها في وسط الجزيرة الأيبيرية على مسافة ٩١ كيلومترًا إلى الجنوب، والجنوب الغربي من مجريط وارتفاعها عن سطح البحر ٥٦٨ مترًا، وهي على أكمة من الصخر، يحيط بها نهر تاجه من الجهات الثلاث، جاريًا في واد عميق، يسقي حفافيه إلى الشمال الشرقي، والشمال الغربي، بقعة بديعة مريعة، ومن بعدها ترى بسائط قشتالة الجرداء. وليس في طليطلة اليوم أكثر من ٢٥ ألف نسمة من السكان، إلا أنها لا تزال مركز ولاية، ولا يزال فيها كرسي الأسقف الأعظم برماط أسبانية. وأما موقعها فلا يضاهيه موقع في العظمة.

وقد ذكرها جغرافيو العرب فأطالوا، وقصروا، وجعلها الشريف الإدريسي من إقليم الشارات، وفي زمانه كانت طليطلة انتقلت إلى أيدي الأسبانيول، وإنما نوه الإدريسي بمنعة موقعها، وبحصانة أسوارها، وبالتفاف جناتها التي تجري فيها قني الماء المرفوع بالنواعير.

وممن أطرى طليطلة أبو الفداء الذي ذكر بساتينها، وقال إنه يوجد فيها رمان ذو حجم غير معهود. وقال ياقوت الحموي: إن الحنطة التي تنبتها بقعة طليطلة تبقى سبعين سنة ولا تتعفن، وإن زعفرانها هو بغاية الجودة. وقد ذكر طليطلة المؤرخ الروماني تيتليف وسماها «توليته» وقال: إن الرومانيين استولوا عليها بصعوبة سنة ١٩٣ ق.م. وذلك في زمن فولفيوس Fulvues، وكانت مدينة زاهرة لعهد الرومان وصار لها شأن عظيم بعد انتشار النصرانية. وفي سنة أربعمائة للمسيح انعقد فيها مجمع أساقفة حضره ١٩ أسقفًا، وفي سنة ٤١٨ استولى عليها القوط، وجعلوها حاضرة ملكهم. وفي سنة ٥٦٧ استقر بها «أتاناجلد» ملك القوط، ولما تنصر ريكاريد سنة ٥٨٧ عظم شأنها، وصارت عاصمة الكثلكة في أسبانية. وفي طليطلة كان لذريق ملك أسبانية، ويتحدثون أنه فيها شاهد فلورندة ابنة الكونت يوليان صاحب سبتة تغتسل في الحمام، الذي يقال له حمام الكهف، فهام بها، ولما فتح طليطلة طارق بن زياد سنة ٨٢ للهجرة، أو ٧١٤ للميلاد، كانت تقريبًا خاوية على عروشها، ولم يكن فيها غير نزر من اليهود، ضمهم طارق إلى جيشه. ثم وافاه الجيش الذي كان سرحه لأخذ غرناطة ومرسية. وفي طليطلة جعل مؤرخو العرب ملتقى طارق مع موسى ابن نصير سيده، ولكن موسى لم يتريث في طليطلة، بل ساق منها إلى الشمال قاصدًا سرقسطة. وجميع من كتبوا من العرب عن الأندلس ينقلون الأخبار التي كانت شائعة، والتي هي أشبه بالأساطير منها بالحقائق عن الكنوز والأموال التي وجدها العرب في طليطلة عندما فتحوها، وأشهر هذه الأخبار قصة «البيت المغلق في طليطلة» وقد بحث في هذا الموضوع بحثًا دقيقًا المسيو «ريني باسه» René Basset في رسالة ألفها سنة ١٨٩٨.

ويدور ذكر طليطلة كثيرًا في كتب العرب، ولا سيما من بعد استقرار دولة بني أمية في قرطبة، فإن طليطلة لم تكن تطيع قرطبة، وأصبحت مركز عصيان دائم على الدولة، ومما لا شك فيه أن السواد الأعظم من أهلها بعد استيلاء الإسلام عليها لم يتركوا الديانة الكاثوليكية برغم استعرابهم، وأنهم كانوا لا يطيقون حكم المسلمين برغم شدة تسامح هؤلاء، فكانوا لا يدعون فرصة تمر، ولا غرة تلوح، حتى يطغوا ويتمردوا.

وفي طليطلة وجدت الثورة البربرية التي وقعت سنة ١٢٢ للهجرة أعظم أنصارها وبجانب طليطلة كانت واقعة وادي السليط التي استأصل فيها جيش قرطبة دابر ثوار طليطلة.

figure
ملاقاة موسى بن نصير مع طارق بن زياد بأرض طليطلة.
ثم إلى طليطلة هذه انهزم يوسف الفهري من وجه عبد الرحمن الداخل، وبقي ممتنعًا بها حتى قتل٢٢٣ سنة ١٤٢، ومن زمن عبد الرحمن الداخل إلى زمن عبد الرحمن الناصر لم تفتر طليطلة يومًا واحدًا عن المقاومة، وفي سنة ١٤٧ ثار فيها هشام بن عذره فرماه عبد الرحمن باثنين من قواده: بدر وتمام بن علقمة اللذين حصرا المدينة،٢٢٤ ولما تولى هشام الأول ونازعه أخوه سليمان، ذهب هذا إلى طليطلة، والتزم الأمير هشام أن يذهب ويحاصر طليطلة، وبعد حصار شهرين رجع عنها خائبًا. وسنة ١٨١ تولى الحكم بن هشام فثارت عليه أيضًا طليطلة بقيادة رجل اسمه عبيدة بن حميد، وكان أكثر من يغري أهل طليطلة بالثورة شاعرهم غربيب، الذي كانوا يحبونه٢٢٥ حبًا جمًا، فولي الأمير الحكم على طليطلة مولدًا أصله من وشقه، اسمه عمروس، وكان اتفق مع الأمير أن يأخذ أهل طليطلة في شرك يوقعهم فيه، وذلك أنه دعاهم وقتلهم جميعًا، في الواقعة المسماة بواقعة الحفرة٢٢٦ (سنة ١٩١) ولكن لم يمض أكثر من عشر سنوات على هذه الواقعة حتى ثارت طليطلة مرة أخرى، وذلك سنة ١٩٩ فزحف إليها الأمير الحكم بنفسه، ودخل البلدة، وأحرق الجانب الأعلى منها، ثم في سنة ٢١٤ وفق ٨٢٩، ثارت طليطلة أيضًا بتحريض مولد اسمه هاشم الغرّاب، فاستمرت الفتنة سنتين إلى أن سكنت. وفي زمن عبد الرحمن الثاني ثارت أيضًا فأرسل إليها جيشًا بقيادة الأمير أمية، وكان ذلك بعد الفتنة السابقة بخمس سنوات لا غير.

ثم في السنة التي بعدها حصر الأمير طليطلة حصارًا استمر عدة أشهر، ثم أخذها عنوة في عام ٢٢٢ ولم يرجع عنها حتى أخذ منها رهائن بقيت في قرطبة إلى سنة ٢٣٨ ولكن في هذه السنة نفسها عند ولاية الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم رفعت طليطلة لواء العصيان، وعزل أهلها الوالي العربي الذي عندهم وزحفوا بجيش هزم جيش الأمير محمد في اندوجر سنة ٢٣٩، ولما كانوا يتوقعون زحف الجيوش إليهم من قرطبة تحالفوا مع «أوردونوه» الأول ملك ليون الذي أمدهم بجيش من عنده، ولكن الجيش الأموي تغلب عليهم وقتل منهم عشرين ألفًا.

وسنة ٢٤٤ قوّب الأمير محمد تحت جسر طليطلة بينما كتائب الجند فوق القنطرة، فوقعت وهلكوا جميعًا، فاضطر الطليطليون إلى الخضوع، ولكن على صورة دفع جزية سنوية، وتمتعهم باستقلالهم الداخلي.

وبقيت الحال على هذا المنوال إلى زمن الخليفة الناصر، فلما انتهى من إخضاع جميع الثائرين أرسل إلى طليطلة جماعة من الفقهاء، ليبلغ أهلها بأن استقلالهم الداخلي غير مقبول. فنصح الفقهاء لهم، فذهب نصحهم بدون فائدة فزحف الخليفة إلى طليطلة بنفسه بجيش جرار، وخيم على الجبل المقابل لطليطلة، وأصر وصمم على أن لا يبرح مكانه حتى يفتحها.

ثم جعل يبني في المخيم بالحجر، وأقام سوقًا، وسمي المخيم مدينة الفتح. ودام الحصار إلى سنة ٣٢٠، وفق ٩٣٢، فاضطر الطليطليون إلى الاستسلام. وجعل فيها الناصر حامية أموية، وصارت مركزًا للثغر الأوسط.

وكان والي طليطلة معدودًا من أكابر رجال الديوان، فتولاها محمد بن عبد الله بن حدبر، ثم القائد أحمد بن يعلى.

وفي زمن الحكم المستنصر بن الناصر تولاها غالب بن عبد الرحمن الناصري، حمو الحاجب المنصور بن أبي عامر.

ولما نشبت في قرطبة الفتن التي أفضت إلى سقوط دولة بني أمية، لم تستفد طليطلة من تلك الحوادث، كما كانت تفعل قبل ذلك، وكانت على مدة سنين مقرًا للقائد واضح، وملجأ لمحمد بن هشام بن عبد الجبار، ولكن لما انقسمت الأندلس إلى ممالك صغيرة صارت طليطلة مملكة مستقلة يليها ينو ذي النون.

وكان بنو ذي النون من زعماء البربر خدموا المنصور بن أبي عامر، وكانوا في شنته مرية.٢٢٧ فلما سقطت الخلافة في قرطبة أرسل أهل طليطلة إلى عبد الرحمن ابن ذي النون يعرضون عليه ولاية بلدهم، فأرسل إليهم ابنه إسماعيل، فتولى طليطلة وملحقاتها، واعتمد على أحد أعيانها أبي بكر بن الحديدي. وذهب بعض مؤرخي العرب إلى أن بعد سقوط الخلافة لم يكن ابن ذي النون أول أمير لطليطلة، بل سبقه ابن مسرة، ومحمد بن يعيش الأسدي، وولده أبو بكر يعيش. وذكروا أيضًا سعيد ابن شنظير، وولده أحمد وعبد الرحمن بن منيوه وولده عبد الملك. وعلى أن بداية حكم ابن ذي النون كانت سنة ٤٢٧ وفق ١٠٣٥ إلى ١٠٣٦، فتلقب ابن ذي النون بالظافر. وكانت وفاته سنة ٤٣٥، وخلفه ابنه يحيى، وتلقّب بالمأمون. ولما مات يحيى سنة ٤٦٧ كانت المملكة الطليطلية قد عظمت واتسعت، فخلفه حفيده يحيى بن إسماعيل بن يحيى، الذي تلقب بالقادر، ولم يكن في هذا شيء من حسن تدبير جده ولا من دهائه. فأخذت مملكة طليطلة بالانحطاط، وفارقه جميع حلفاء جده من أمراء الإسلام، فانفرد وأحسّ بالضعف، والتزم أن يلجأ إلى الأذفونش السادس صاحب قشتالة وليون، فرضي الأذفونش بأن يحميه لكن على شرط أن يؤدي إليه إتاوة سنوية كان الأذفونش يزيدها سنة عن سنة. فاضطر القادر إلى أن يزيد الضرائب على أهل مملكته، فثاروا به فتقبض على كثير من أعيانهم، وأوقع بهم، ومن جملتهم وزيره ابن الحديدي، فازداد بذلك غضب الطليطليين، حتى فرّ القادر من طليطلة، وبايع أهلها المتوكل ابن الأفطس صاحب بطليوس الذي تولاها سنة ٤٧٢.
figure
تسليم طليطلة لعبد الرحمن الثاني سنة ٨٣٨م.

فلما زحف إليها الأذفونش السادس بحجة أنه يريد حفظها لابن ذي النون كان ذلك خداعًا منه، ودخلها في ٢٧ محرم سنة ٤٧٨، وفق ٢٥ مايو سنة ١٠٨٥ وكان قد أجبر القادر على عقد معاهدة معه يتخلى له بها عن المملكة، فكانت مرحلة شاسعة من مراحل استرداد المسيحيين للأندلس.

وحصل لأخذ طليطلة وقعٌ عظيم في النصرانية وعند المسلمين أيضًا. وكانت هذه الواقعة سبب غارة المرابطين في السنة التالية. إلا أنه مع ظفر يوسف بن تاشفين، والأيام التي أدالها الله للموحدين بعد المرابطين في جزيرة الأندلس، لم يتمكن المسلمون من استرجاع طليطلة، ولبثوا يحاصرونها حينًا بعد حين، فقد حصروها مرة في زمن الأذفونش السادس نفسه، ومرةً أخرى في زمن سلطان الموحدين أبي يوسف يعقوب المنصور، وذلك سنة ٥٩٢، وفق ١١٩٥، وكان المنصور يعقوب استرجع في هذه الغزاة قلعة رباح، ووادي الحجارة، ومجريط، على أثر واقعة الأَرَك،٢٢٨ التي كانت للمسلمين على النصارى،٢٢٩ إلا انه بعد واقعة نافاس طولوزه (المسماة عند العرب بالعقاب) في ١٦ يوليو سنة ١٢١٢، لم يبق أدنى أمل للإسلام في استرجاع طليطلة.
ولما رجعت طليطلة مسيحية، وصارت عاصمة قشتالة، بقيت حافظة مسحة إسلامية راسخة، فإن قسمًا من أهلها لبثوا مسلمين، فكما أنها كنت مدينة الموزاراب أي الأسيان المستعربين في دولة الإسلام، كانت أيضًا مدينة المورسك أي المسلمين المدجّنين في دولة النصارى. ومن الغريب أنه لم يبق آثار كثيرة في هذه البلدة للمسلمين عن إقامتهم الطويلة بها، وكل ما بقي هو آثار جامع صغير في بيب٢٣٠ مردوم هو الذي تحول إلى كنيسة باسم كنيسة مسيح النور، وكذلك وجد في طليطلة من بقايا الإسلام بعض أقسام من قصر «تورنيرياس»،٢٣١ ومن الباب القديم المسمى بباب شقره.٢٣٢ ولكنه وجد كثير في الأرباض من قبور المسلمين التي عليها كتابات عربية.٢٣٣
وختم لاوي بروفنسال هذا الفصل في الإنسيكلوبيدية الإسلامية بقوله:

برغم أن طليطلة كانت ثغرًا، وكان فيها عناصر عظيمة من النصرانية، فقد كانت لآخر عهد بني أمية، وفي أيام المأمون بن ذي النون، من القواعد الكبرى للثقافة الإسلامية في الأندلس، وإن كثيرًا من التراجم والسير لتتعلق بعلماء وحكماء وفقهاء من مسلمي طليطلة. انتهى.

وجاء في الإنسيكلوبيدية الإسلامية تحت لفظة «أندلس» بقلم المستشرق سيبولد كلام قال فيه:

إلى الآن لم يتيسر القيام بتحقيق علمي تام عن كيفية تأثير المدنية الأسبانية العربية بأوروبا في القرون الوسطى، وإلى أية درجة بلغ هذا التأثير. فهذا الأمر يتعلق بالبحث عن دار الترجمة التي كانت بطليطلة، وهي الواسطة التي قام بها أدباء اليهود بين الشرق والغرب، وكان هؤلاء اليهود بأجمعهم منسوبين إلى الثقافة العربية. انتهى.

وجاء في صبح الأعشى للقلقشندي: أن موقع طليطلة في آخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد: حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة، قال في تقويم البلدان: وهي من أمنع البلاد وأحصنها، مبنية على جبل عال، والأشجار محدقة بها من كل جهة، ويصير بها الجُلّنار بقدر الرمانة من غيرها، ويكون بها شجر الرمان عدة أنواع، ولها نهر يمر بأكثرها، ينحدر من جبل الشارة، من عند حصن هناك يقال له تاجُه، وبه يعرف نهر طليطلة. ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية، عند الحاجز الذي هو جبل البُرت، نحو نصف شهر. وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شِلب. ثم ذكر القلقشندي من مضافات طليطلة مدينة وليد،٢٣٤ ومدينة الفرج،٢٣٥ ومدينة سالم،٢٣٦ التي فيها قبر المنصور بن أبي عامر.

بقي علينا أن نذكر قضية المائدة التي يقال إن طارق بن زياد وجدها في طليلطة عند فتحها، وأطال مؤرخو العرب في وصفها، وهاموا في أودية الخيال، وقالوا ما ليس وراءه مقال، وسمّوها مائدة سليمان، وزعموا أنها كانت من ذخائر أشبان، ملك الروم لدى بني أشبيلية، وأنه أخذها من بيت المقدس. وقالوا إن هذه المائدة قُوّمت عند الوليد بن عبد الملك بمائة ألف دينار، وقيل إنها كانت من زمرد أخضر. وقالوا إن طارقًا وجد بطليطلة ذخائر عظيمة، منها مائة وسبعون تاجًا من الدر والياقوت والأحجار النفيسة، وإيوان ممتلئ من أواني الذهب والفضة، وهو كبير، حتى قيل إن الخيل تلعب فيه فرسانها برماحهم لوسعه. وذكروا أن أواني المائدة من الذهب، وصحافها من اليشم والجزع، قال المقري في نفح الطيب بعد سرده هذه الأشياء: وذكروا فيها غير هذا مما لا يكاد يصدقه الناظر فيه.

قلنا: هذه أخبار أشبه بالأساطير، وحكايات العجائز منها بالتواريخ، وقد كان مؤرخونا رحمهم الله في غنى عن نقل كل ما تلوكه ألسن العوام الذين يتكلمون بقدر عقولهم، وكلما بعد الزمان أو المكان ازدادت المبالغة في الخبر. ورحم الله ابن خلدون الذي عاب على المؤرخين تسوقهم من الأخبار كيفما اتفقت، بدون تمحيص ولا تفكير وبدون عرض الأشياء على أصولها، ولا قياسها بأشباهها، وأطال في هذا الموضوع. وكان حجة للعرب في أمر التحقيق.

والحقيقة التي لا مفر منها أن من عادة مؤرخي العرب، إلا من رحم ربك، نقْل الغث والسمين بدون أن يأذنوا لأنفسهم في الاعتراض على ما يكونون هم أنفسهم مرتابين في صحته، وذلك تورعًا عن تكذيب من قبلهم، وبحجة أن هذه المرويات قد تكون صحيحة، وأن هذا العالم هو عالم الإمكان، فليس ثمة شيء مستحيل، وأن قدرة الله تعالى لا يعجزها شيء، وما أشبه ذلك من التعليلات.

والجواب: نعم إن قدرة الله تعالى لا يعجزها شيء، وأن هذه الروايات وأغرب منها بكثير غير خارج عن حيز الإمكان، ولكن هذا شيء والذي نحن فيه شيءٌ آخر، فعدم خروج الغرائب عن حيز الإمكان لا يوجب أن يكون كل ما يُروى منها صحيحًا، إذا لم توجد له أسانيد لا يتطرق إليها شك، وحجج لا يمكن فيها النزاع. والحال أنه في ما يروى عن هذه المائدة التي قيل أن العرب وجدوها في طليطلة، لا توجد إثبات تحمل على الجزم بصحتها، وقد يكون طارق وجد في عاصمة القوط هذه بعض ذخائر ونفائس، مما لا تخلو منه عواصم الملوك، وربما وجد مائدة مرصعة بالدرر واليواقيت، وهذا عند الملوك شيء معتاد، وقد قيل: عن الملوك ولا تسل، ولكن العوام جعلوا الواحد مئة، وواصلوا المسألة إلى الحد الذي يتخيل فيه الإنسان قصص ألف ليلة وليلة.

وأما الإفرنج فقد تكلموا عن هذه الروايات فحملوها على الخيالات، وعدوها من المحالات، وهذا أيضًا مردود لأن عاصمة كعاصمة أسبانية يجوز أن يجد فيها الفاتح من ذخائر ملك القوط حجارة كريمة، وتيجانًا مرصعة، ومائدة من الذهب والفضة ويجوز أيضًا أن يطأ إيوانًا واسعًا مموهة أطرافه بالذهب، وإن كانت الفرسان لا تلعب فيه بأرماحها.

وأما طول قنطرة طليطلة وعرضها، وأن الطول ثلاثمائة باع، وأن العرض ثمانون باعًا، فهو من المبالغات التي تتناقلها العوام بدون روية، ولعلها من خطأ النساخ الذين نقلوا نفح الطيب.

أما ابن حوقل في المسالك والممالك فيقول عن طليطلة: وهي مدينة كبيرة جليلة مشهورة ذات سور منيع، وهي على وادي تاجُه، وعليه قنطرة عظيمة، ويقال أن طولها خمسون باعًا، الخ، فظهر من هنا اختلاف الراوية من ثلاثمائة إلى خمسين، على أن المقري في النفح يروي أن هذه القنطرة قد خربت أيام الأمير محمد الأموي، لما عصاه أهل طليطلة، وقال فيها الحكيم عباس بن فرناس أول من اخترع آلة للطيران:

ما كان يُبقي الله قنطرة
نُصبت لحمل كتائب الكفر

والأمير محمد قد توفي سنة ٢٧٣، وابن حوقل كتب كتابه هذا في الثلث الأول من القرن الرابع للهجرة، أي بعد وفاة الأمير محمد الأموي بستين أو سبعين سنة، فتكون القنطرة الشهيرة الموصوفة قد خربت، وقام مقامها القنطرة الحديثة، التي يقول ابن حوقل أن طولها خمسون باعًا فهل بين القنطرتين كل هذا الفرق؟ وعلى كل حال لا نجد القنطرة الحاضرة على تلك العظمة التي حدثوا عنها، فهي قنطرة كبيرة بجانبها أخرى صغيرة أصلها من بناء العرب، ثم تشعثت في زمن الأذفونش الملقب بالحكيم فأصلحها. ثم جددها تينوريوه رئيس الأساقفة.

وجاء في مروج الذهب للمسعودي عن طليطلة قوله: قصبة الأندلس يشقها نهر عظيم يدعى تاجُه: يخرج من بلاد الجلالقة والوسقيد (Basque) وهي أمة عظيمة لهم ملوك وهم حرب لأهل الأندلس كالجلالقة والإفرنجة، ويصب هذا النهر في البحر الرومي.

هذا تحريف من النساخ أو هو سهو من المسعودي نفسه، لأن نهر تاجه مصبه في البحر الأطلانتيكي وهو موصوف بأنه من أنهار العالم، وعليه على بعد من طليطلة قنطرة عظيمة تدعى قنطرة السيف، بنتها الملوك السالفة.

ومدينة طليطلة ذات منعة، وعليها أسوار منيعة، وأهلها بعد أن فتحت وصارت لبني أمية قد كانوا عصوا على الأمويين، فأقامت مدة سنين ممتنعة، لا سبيل للأمويين إليها. فلما كان بعد الخمس عشرة وثلاثمائة فتحها عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم، وعبد الرحمن هذا هو صاحب الأندلس في هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وقد كان غيّر كثيرًا من بنيان هذه المدينة حين افتتحها وصارت دار مملكة الأندلس قرطبة إلى هذا الوقت … (إلى أن يقول): ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة، وتدعى بنو أمية الخلائف، ولا يخاطبون بالخلفاء، لأن الخلافة لا يستحقها عندهم إلا من كان مالكًا للحرمين، غير أنه يخاطب بأمير المؤمنين. ا.هـ.

قلت: ذكر هذا المسعودي في زمن عبد الرحمن الناصر، ويظهر أنه كتبه قبل أن علم أن الناصر رحمه الله تلقب في آخر الأمر بالخليفة، وبأمير المؤمنين معًا. وذلك بعد أن توحدت الجزيرة الأندلسية تحت حكمه، وامتد سلطانه إلى بر العدوة، وكان قد بدأ الضعف في دولة بني العباس في بغداد.

وربما يكون الناصر لم يكن اشتهر تلقبه بالخلافة في سنة ٣٣٢ التي كتب المسعودي فيها كتابته هذه فإن وفد قسطنطين بن ليون ملك القسطنطينية إلى الناصر، كان في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، على رواية ابن خلدون، أو سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، على رواية غيره، وقد خاطب فيه صاحب القسطنطينية المذكور عبد الرحمن الثالث الأموي الناصر لدين الله بقوله:

العظيم الاستحقاق للفخر، الشريف النسب عبد الرحمن الخليفة، الحاكم على العرب بالأندلس، أطال الله بقاءه.

وفي الاحتفال الذي جرى عند وصول سفراء ملك الروم وتكلم فيه القاضي المفوّه المشهور، منذر ابن سعيد البلّوطي، كان من جملة كلامه في ذلك الجمع: فأصبحتم بنعمته إخوانًا ويلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانًا، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات. (إلى أن يقول): فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين، أيده الله بالعصمة والسداد، وألهمه خالص التوفيق إلى سبيل الرشاد، أحسن الناس حالًا، وانعمهم بالًا، وأعزهم قرارًا، وأمنعهم دارًا الخ.

فمن هنا يظهر أن لقبي الخليفة وأمير المؤمنين كانا في ذلك الوقت مستعملين بحق عبد الرحمن الناصر، وإذا رجعنا إلى رواية النفح نجد أن الناصر تلقب بهما من قبل ذلك، فإنه يقول في صفحة ١٦٥ من الجزء الأول، الطبعة المصرية الأولى، ما يلي:

وهو أول من تسمى من بني أمية بالأندلس بأمير المؤمنين، عندما التاث أمر الخلافة بالمشرق، واستبد موالي الترك على بني العباس، وبلغه أن المقتدر قتله مؤنس المظفر وملاه سنة سبع عشرة وثلاثمائة، فتلقّب بألقاب الخلافة. انتهى.

وفي بغية الملتمس لابن عميرة:

أن موسى بن نصير لما فتح الأندلس، مضى على وجهه يفتتح المداين، حتى انتهى إلى مدينة طليطلة. وهي مدينة الملوك، فوجد فيها بيتًا يقال له بيت الملوك، وجد فيه خمسة وعشرين تاجًا مكللة بالدر والياقوت، وهي على عدد الملوك الذين ملكوها، كلما مات ملك جعل تاجه في ذلك البيت، وكتب على التاج اسم صاحبه، وكم أتى عليه من الدهر إلى يوم مات. انتهى.

فهنا خمسة وعشرون تاجًا لا غير.
وأما في نفح الطيب فقد ذكر في الجزء الأول في الصفحة ١٣٥ أنه وجد في طليطلة مائة وسبعون تاجًا من الذهب الأحمر، مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها ألف سيف ملوكي، ووجد فيها من الدر والياقوت أكيال، ومن الذهب والفضة ما لا يحيط به وصف. ومائدة سليمان، وكانت فيما يذكر، من زمردة خضراء وزعم بعض العجم أنها لم تكن لسليمان،٢٣٧ وإنما أصلها أن العجم أيام ملكهم كان أهل الحسنة في دينهم، إذا مات أحد منهم، أوصى بمال للكنائس، فإذا اجتمع عندهم مال له قدر، صاغوا منه الآلة من الموائد العجيبة، والكراسي من الذهب والفضة، تحمل الشمامسة والقسوس، فوقها الأناجيل في أيام المناسك، ويضعونها في الأعياد للمباهاة. فكانت تلك المائدة في طليطلة مما صنع في هذا السبيل، وتأنق الملوك في تحسينها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات، وطار الذكر بها كل مطار. وكانت مصوغة من الذهب الخالص، مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزبرجد. وقيل إنها من زبرجدة خضراء، حافاتها وأرجلها منها، وكان لها ثلاثمائة وخمس وستون رجلًا، وكانت توضع في كنيسة طليطلة، فأصابها طارق. ا.هـ.

قال المقري: وقد ذكرنا فيما مر عن ابن حيان ما فيه نظير هذا، وذكرنا فيما مضى من أمر المائدة وغيرها ما فيه بعض تخالف. وما ذلك إلا لأنا ننقل كلام المؤرخين، وإن خالف بعضهم بعضًا، ومرادنا تكثير الفوائد.

وبالجملة فالمائدة جليلة المقدار، وإن حصل الخلاف في صفتها، وجنسها، وعدد أرجلها. وهي من أجلّ ما غنم بالأندلس، على كثرة ما حصل فيها من الغنائم.

هوامش

(١) هذا النهر أول منابعه مكان يقال له أوربيون Urbion على علو ٢٢٥٥ متر عن سطح البحر بين شارات دومندا Demanda وشارات سان لورانزو Lorenzo وشارات سيبوليرا Cebollera وهي التي منها تنحدر مياه نهر إبره أيضًا. وأصل اسمه دورو Duero مشتق من لفظة «دور Dour» ومعناها الغزارة، واتصال هذا النهر بنهر أبره كان له تأثير في الوحدة الأسبانية، أي في توحيد قشتالة مع أراغون. والوادي الجوفي هذا يجري على ارتفاع سبعمائة متر فوق سطح البحر، فهو يسقي بسائط في غاية الاتساع، إلى أن يصل إلى بلد الوليد، التي هي على يمينه، وفي أول مجراه ينحدر انحدارًا خفيفًا حتى يصل إلى الحدود بين أسبانيا والبرتغال، فهو ينصب هناك بحرية شديدة في مضايق تجعل منه نهرًا هائلًا، ويصير مجراه في غاية العمق، وفي بعض الأماكن ترتفع ضفافه مائتي متر عن سطح المياه، وأحيانًا تتقارب الضفتان تقاربًا شديدًا، وينحصر الماء انحصارًا عجيبًا، وتتكون من هذا الوادي شلالات، لو استخدمت قوتها الكهربائية لجاءت بالخوارق، ولكنه عندما يدخل في بلاد البرتغال ينبسط في الأراضين، ويعود هادئًا. وللوادي الجوفي أنهر تمده من اليمين ومن الشمال، منها دوراتون Duraton وسيغه Cega وأداجه Adaja وزابارتيال Zapartiel وطورماس Tormes ويقال إنهم يفكرون في شق جداول بين هذه الأنهار، حتى يمكن المجيء على الماء من طلمنكة، التي هي على نهر طورماس، إلى زمورة، التي هي على الوادي الجوفي. ونهر أداجة هو نهر آبلة، ولكن أراضيها لا تستفيد منه كما يجب، ونهر زابارتيال وهو نهر مدينة الكمبو. وأما نهر طورماس، فإنه يسقي بسيط طلمنكة ويتصبب إلى الوادي الجوفي على مقربة من البرتغال وأما أشقوبية فإن نهرها هو المسمى بآرسما Aresma.
(٢) في هذه الأيام الأخيرة انبرى الكاتب الافرنسي المسمى فرنسوا دو هوركو François Du Hourcau فنشر في جريدة عطارد فرنسا  Mercure de France بحثًا طويلًا عن البشكنس، لأنه من الكتاب المعجبين بهذه الأمة ومتانة أخلاقها وشدة استمساكها بأوضاعها القديمة. فالبشكنس يزعمون أنهم أقدم أمة على وجه الأرض وأنهم لم يطرأوا على أسبانية من مكان آخر، بل كأنهم نزلوا من السماء إلى أرضها، ولكن المؤرخين مع إقرارهم بشدة توغل هذه الأمة في القدم، يذهبون إلى أنها هي أيضًا طارئة على أسبانيا من مكان آخر، ومن جملتهم المسيو دوهوركو، يرى أن أصل أهالي الجزيرة الأيبيرية هو الجنس الأيبيري، وأن الفرق بين البشكنس وسائر الأسبانيول أن البشكنس هم أيبيريون أفحاح، وأن سائر الأسبانيين هم أيبيريون أمشاج، وأن الأيبيريين شعب قوقازي طرأ على أسبانية، عن طريق البحر المتوسط وجنوبي فرنسا، فنزل على المنحدرين الشمالي والجنوبي من البيرانس. وقد حاول الكاتب المذكور أن يستدل على أصل البشكنس وقرابتهم من الأمم الأخرى بأدلة من لغتهم، وهم منزع كنا في مقدمة من نبه عليه، ولنا رسالة في ذلك قرأناها في مؤتمر المستشرقين المنعقد في ليدن سنة ١٩٣١ ونشرناها في مجلة المقتطف، وعنوانها «علاقة اللهجات بالتاريخ» إذًا لا نرى هذا الباحث مخطئًا في تنقيبه عن أصل هذه الأمة من جهة تشابه لغتها مع لغات أمم أخرى. فهل وفق دوهوركو إلى بلوغ مراده؟ الجواب أنه من المعلوم أن اللغة البشكنسية هي أقم من اليونانية واللاتينية، ولم يثبت كونها فرعًا من لغة السنسكريت الهندية، بل يظن البحاثون أن أصلها لغة منقرضة فرض العلماء وجودها فرضًا، وهي في هذا أشبه باللغة الأتروسكية Etrusque فإن هذه اللغة أيضًا ليست فرعًا من فروع السنسكريت، فيظهر للمسيو دوهوركو أن الأتروسكيين والبشكنس من أصلٍ واحد، وقد وجد بعض الكلمات في لغة البشكنس تشبه كلمات أخرى في لغة الأتروسك. من ذلك كلمة «لار» فهي تفيد معنى «رئيس» في لغة البشكنس، وهي كذلك في لغة الأتروسك، فمن هنا استدل على كون هذين الشعبين من أصلٍ واحد، ولما كان الرومانيون أصلهم من الأتروسك، وصل إلى الاستنتاج بأن البشكنس هم أولاد عم الرومان، وأصل الأصل هو من القوقاز، وليس هذا الرأي بكرًا، فقد زعم اليزه ركلوز الجغرافي الشهير من خمسين سنة أنه يوجد بين لغتي البشكنس والكرج تشابه، وأن أصلهما لغة كانت شائعة في آسيا الصغرى منذ آلاف وآلاف من السنين، ولم تكن هذه اللغة لا من اللغات الآرية ولا السامية ولا الأورالية.
(٣) اختلف الناس في أمر هذا البطل الأسباني اختلافًا شديدًا من كونه عبقري بسالة وأصالة متحليًا بجميع مزايا الأبطال، إلى كونه سيدًا عمليًا سفاكًا للدماء، غدارًا نهابًا، ليس فيه شيء من مزايا الكرام. وقد كتب المؤرخون سيرته بين قادح ومادح، وقد وجد في مكتبة ديرسان أيزيدور في ليون مخطوط نشر سنة ١٧٩٢ يتكلم عن هذا السيد. ولكن أحسن كتاب عن السيد باعتراف الأفرنج أنفسهم هو المخطوط الذي عثر عليه دوزي في غوته Gotha سنة ١٨٤٤ وهو كتاب كتبه الكاتب العربي ابن بسام بعد موت السيد بعشر سنوات، لا زيادة. وكان ابن بسام يعرف السيد معرفة شخصية فوصفه عن معرفة تامة، ولم يكن يذكره إلا ويردف اسمه باللعنة، ولذلك إذا قال فيه خبرًا فلا بد من تصديقه، لأنه كلام عدو بحق عدوه، فهو يقول عن السيد ما يأتي:

برغم هذا كله لا بد من الاعتراف بأن هذا الرجل الذي كان نقمة إلهية في وقته، بحبه للمجد، ومتانة خلقه، ورباطة جأشه، وشجاعته الخارقة للعادة، كان أعجوبة وقته وكان النصر لا يفارق رايته، وكانوا يقرأون سير أبطال العرب بحضوره، ولما وصلوا إلى سيرة المهلب أعجب بها إعجابًا شديدًا. انتهى.

هذا كلام بن بسام بحق السيد ترجمه دوزى من العربية، ونحن الآن نترجمه إلى العربية عودا على بدء، والله أعلم بمكان الأصل. ومنه يعلم أن السيد كان بطلا حقيقيا لا بطلا خياليا، وإنما الناس تحلوه محاسن لم تكن فيه وربما أضافوا إليه مفاتيح تجاوزوا فيها الحدود ولكن مما لا مشاحة فيه أن الشر غالب عليه، وأنه أحرق القاضى ابن جحاف في ساحة بلنسية، لكونه خبأ عنه أمواله. أما شجاعته وإقدامه فمما لا يختلف فيه اثنان، وكان ملكا قشتالة أراغون فرديناند ورامير يتنازعان على مدينة كالاهوره Calahorra فلولا السيد لم يتغلب ملك قشتالة على ملك أراغون، وسنأتى بقصة السيد على وجهها فى القسم التاريخى من هذا الكتاب، وإنما اكتفينا الآن بالاشارة اليها
(٤) وقرأت في كتاب «الصلة» لأبي القاسم خلف بن بشكوال ترجمة صادق بن خلف ابن صادق بن كبيل الأنصاري من طليطلة فقال عنه إنه سكن برغش. فمن هنا يظهر أن العرب استولوا على برغش وسكونوا بها. هذا إلا إذا كان المقصود بالبلدة التي سكن بها صادق بن خلف الأنصاري هي قرية «برغش» بفتح الباءBargos التي في وادي الرمل على مسافة ٦٣ كيلومترًا من مجريط. فأما برغش المدينة المشهورة فهي بضم الباء Burgos.
(٥) قال في صبح الأعشى: مدينة وليد بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهملة في الآخر. وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتا عشرة دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وثلاث دقائق. قال في «تقويم البلدان»: وهي من أحسن المدن وهي في الغرب من طليطلة في جنوبي جبل الشارة الذي يقسم الأندلس نصفين. قال: ويحلها الفونش ملك الأفرنج في أكثر أوقاته.
(٦) قد سكن المسلمون في آبلة لأول فتح العرب لأسبانيا، وانتسب إليها جماعة من أهل العلم، منهم أناس هاجروا منها إلى فاس، وقد ذكر لي الأديب المدقق السيد محمد الفاسي من بني الجهد الفهريين أن أبا عبد الله محمد بن إبراهيم ابن أحمد العبدري الآبلي المتوفى في فاس سنة ٧٥٧ للهجرة أصل أجداده من آبلة، نزحوا منها إلى تلمسان وبها ولد أبو عبد الله هذا، ثم انتقل إلى فاس ومات بها، وهو تلميذ العالم الرياضي الكبير ابن البناء المراكشي، والشيخ العلامة ابن خلدون.
وقد وجدت في آبلة بلاطة تاريخ الكتابة التي عليها سنة ٨٠١ للهجرة، نقلها لاوي بروفنسال، وقال إن هذه البلاطة وجدت بقرب باب القصر Alcazar في آبلة، وهي هذه: «هذا قبر عبد الله بن يوسف السي (؟) المقتول على ظلم … (؟) … ظه وملكه عام ض ١ لهجرة نبينا محمد … (؟) … الله يجمعنا معه في الجنة النعيم لا حول ولا قوة إلا بالله»
قال لاوي بروفنسال إن هذا التاريخ يوافق سنة ١٣٩٨–٩٩ مسيحية، قلنا إن آبلة هي من المدن التي أخلاها المسلمون من أوائل الفتح، مثل شقوبية، وسمينكاس، وأستورقة، وليون، وزمورة، وغيرها، نعم أن المنصور بن أبي عامر كان قد غزا فيما بعد هذه البلاد كلها، واستولى عليها بعد أن أوقع بجيوش جميع أمم الأسبانيول، وأعاد شمالي أسبانية إلى ملك الإسلام. ولكن لم يمض على ذلك إلا قليل، حتى كانت الفتنة في قرطبة، وسقطت الخلافة، وصار المسلمون يستعين بعضهم على بعض بالنصارى وتجمعت ملوك الطوائف، وأصبحت الحالة أشبه بالفوضى، فاسترجع النصارى جميع تلك المدن، منها ما أخذوه بالقوة، ومنها ما اشترطوا التخلي عنه لأجل النصرة التي كان يرجوها منهم كل من الفريقين المتقاتلين في قرطبة، إذًا في سنة ٨٠٠ للهجرة لم يكن في آبلة مسلمون غير المدجنين، فإن آبلة كانت قبل تاريخ هذه الكتابة بثلاثمائة سنة رجعت إلى النصرانية، فإن كان قد بقي فيها مسلمون فيكون ممن اختاروا «الدجن» أي الإقامة تحت حكم النصارى، من دجن دجنًا ودجونًا أي أقام بالمكان وألفه واستأنس به. وأصل استعماله للحمام والحيوانات، يقال الحيوانات الداجنة، ضد الحيوانات البرية.
(٧) سمع من علماء طليطلة وعلماء قرطبة وتوفي بالمشرق سنة ٣٩٠ أو في السنة التي بعدها.
(٨) أخذ عن ابن مدرج وعبدوس بن محمد وأبي بكر الزبيدي وابن الهندي وابن العطار وابن أبي زمنين وكان فاضلًا ثقة متواضعًا قال ابنه يوسف بن عبد الرحمن: توفي أبي رحمه الله في صفر سنة ٤٠٧ وهو ابن ٧٧ سنة.
(٩) كان من علماء الأدب والعربية قال ابن بشكوال: وقد أخذ عنه أصحابنا وكان أحد العدول وتوفي رحمه الله يوم الاثنين لأربع بقين من ربيع الأول سنة ٥١٥ بقرطبة ودفن بمقبرة أم سلمة حضرت جنازته. ا.ﻫ.
(١٠) روى عن أبي عبد الله بن الفخار وأبي عمر الطلمنكي وأبي محمد الشنجبالي ورحل إلى المشرق حاجًا ولقي أبا ذر الهروي ويحيى بن نجاح ولقي ببرقة ميمون بن طريف وبطرابلس أبا الحسن بن المنمر وقرأ عليه كتابه في الفرائض وكان أبو يعقوب ابن الحاج هذا ثقة حسن الخط من بيت خير وفضل توفي بمجريط سنة ٤٧٣.
(١١) قال ابن الأبار في التكملة: يعرف بالمجريطي لأن أصله منها أخذ القراءات عن أبي القاسم بن النحاس وتولي القضاء برندة وحدث عنه ابنه القاضي أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن وكان مولده سنة ٤٧٣ وتوفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
(١٢) ترجمه ابن الأبار. فقال: أنه أخذ القراءات عن أبيه وقرأ على أبي بكر بن العربي وأبي زيد الخزرجي وأبي بكر بن سمجون وتولى قضاء جيان ومرسية وغرناطة ثم قضاء قرطبة بعد ابن رشد وكان معدودًا في رجالها مع الجزالة والعدالة والإيثار للحق.
(١٣) قد كان لهذه البلد شأن عظيم في قشتالة القديمة، ولم تبقى في أيدي المسلمين أكثر من نصف قرن، إذ ابتدر استرجاعها الأذفونش الأول، أو ابنه فرويله، ثم عاد فزحف إليها المنصور بن أبي عامر وفتحها، في جملة ما فتح من شمالي أسبانية، ولكن بعد موته، وبعد اشتعال الفتنة الكبرى في قرطبة، انتهز الأسبان الفرصة فاسترجعوها هي وسمورة وطلمنكة وآبلة، وما يتبع هذه المدن من النواحي. وكان الفريقان اللذان يقتتلان في قرطبة، كلما استعان أحدهما على الآخر بالأسبانيول، اشترط هؤلاء عليه لمعاونته على الفريق الآخر، تسليم كذا وكذا من الحصون، فيبادر المسلمون بالتخلي للأسبان عنها، كما سيأتي مفصلًا.
(١٤) قد ذكر الوزير الغساني في رحلته إلى أسبانية في زمان السلطان مولاي إسماعيل أن ملك أسبانية دعاه للنزهة في أرانجويز هذه حيث رحب به كثيرًا وأكرم نزله قال: فدخلنا بستانًا له هناك قد حف به واديان كبيران مجموعهما يسمى وادي طاجه وهو المار بمدينة طليطلة من هذا الموضع بعد مروره بمسيرة يوم وهذا البستان هو غاية في جداوله ونظم أشجاره وقد اشتمل على أزهار وأنوار ودواليب وصهاريج وبرك مياه ومقاعد في غاية الإتقان.
(١٥) ومن شدة رغبة مستعربي طليطلة في اللغة العربية كانوا ينقشون على قبورهم فضلًا عن دورهم الكلمات العربية التي يعبرون بها عن مرادهم فقد وجد من هذه القبور في طليطلة من جملتها قبر تاريخه سنة ١١٥٦ مسيحية وعليه بلاطة مكتوب عليها اسم الدفين بالعربية وباللاتيني متقارنين ذكر ذلك لاوي بروفنسال ونقل نص الكتابة وهو هذا: بسم الله الرحمن الرحيم كان من مضى لله برحمته مقابيل بن سمنة من دار الدنيا إلى دار الآخرة يوم الأحد ماضي من نوفمبر أربعة أيام سنة أربعة وتسعين ومائة وألف لتاريخ الصفر نضر وجهه و… وقد نقل الكتابة اللاتينية التي بجانب الكتابة العربية وقال ما يفيد أن صاحب هذا القبر كان من الطائفة المستعربة في طليطلة وهي فئة من النصارى الأسبانيين اتخذت اللغة العربية لسانًا لها حتى بعد رجوع طليطلة إلى الأسبان ثم ذكر قبرًا آخر تاريخ ١١٦٠ مسيحية وعليه كتابة عربية بجانبها كتابة لاتينية أيضًا ونصها لتاريخ الصفر:

هذا القبر لشمسي ابنة ابن الشيخ رحمها الله وجعل الجنة مأواها بيوم أربع وعشرين لشهر أغشت ثمانية وتسعين ومائة ألف.

ولما كان لاوي بروفنسال يترجم كل هذه الكتابات للأفرنسية فقد ترجم لفظة «شمسي» بقوله بالأفرنسية Mon Solcil وقال أنه اسم متداول كثيرًا بين مستعربة طليطلة. قلنا نعم قد مر علينا هذا الاسم في الصكوك التي نقلناها كأنموذجات لمعاملات نصارى طليطلة باللغة العربية ولكننا نميل إلى الظن بأن لفظة شمسي ليست من باب الإضافة إلى ضمير المتكلم بل هي شمسة بالتاء المربوطة ملفوظًا بها بالإمالة التي كانت غالبة على لفظ أهل الأندلس. فبدلًا من أن يقولوا «شمسة» بفتح السين كانوا يقولون «شمسة» بكسر السين كما يقول أهل سورية اليوم لأن الإمالة هي لهجة أهل سورية أيضًا وأصل وجود الإمالة في لغة الأندلس آت من الشام. فأما كتابة شمسي هنا بالياء فلا عبرة به بل هو غلط إملاء كما هو في كتابات أخرى لهؤلاء المستعربين وردفها إملاء لفظة «مضا» بالألف و«أنا» مما نقله لاوي بروفنسال نفسه. ثم إن لفظة شمسة هي ذات أصل في اللغة وهي مستعملة في سورية كاسم مرة من طلوع الشمس أو انتشار نورها ولها في اللغة معنى آخر وهي مشطة معلومة للنساء. وأنت إذا ذهبت إلى سورية الآن تجد أسماء لا تحصى من قبيل «نجمة» والأهالي لا يلفظونها بفتح الميم بل بكسرها بمقتضى الإمالة فتظنهم يقولون «نجمي» فلو ترجمت هذه اللفظة فلا ينبغي أن تترجم Mon Éloile لأنها ليست لفظة نجم مضافة إلى ياء المتكلم بل هي مؤنث «نجم».
(١٦) البتل هو القطع مثل البت.
(١٧) Archidiacre أو «أرشيد ياكر» بالأفرنسية وهو ذو رتبة كنسية له الحق في مراقبة القسيسين الذي يخدمون الرعية وتفقد أعمالهم والرتبة هي نفسها يقال لها «أرشيد ياكونة» Archidiaconal وأما في الأسبانية فصاحب هذه الرتبة يقال له «أرسيديانو» Arcidiano وقد قال له العرب «أسيدياقن».
(١٨) الخص هو بيت من الشجر أو الورق وهو كثير الاستعمال في لغة سورية ولا نرى المبيع هنا بيتًا من الشجر أو الورق وإنما هو نصف كرم والفرق ظاهر ولعلهم توسعوا في هذه اللفظة أو هي «خاصها» وقد كتبت بحذف الألف ككثير من الألفاظ.
(١٩) Chalencas.
(٢٠) Aben Franchil.
(٢١) كذا.
(٢٢) هذا الصك تاريخه بعد خروج طليطلة من يد الإسلام بسبع عشرة سنة.
(٢٣) Justo el Hariri.
(٢٤) السطان هنا هو الأذفنش لأن تاريخ الصك واقع في أيام دولة الأسبان بطليطلة فقد كان رجوع طليطلة إلى الأسبانيول يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة ٤٧٨ وقيل في المحرم.
(٢٥) كذا. فهل هي محرفة عن «ابريزات»؟ بمعنى ذهبات. أو لها تأويل آخر؟
(٢٦) تاريخ الصفر هو تاريخ كان مصطلحًا عليه في أسبانية من قبل دخول الإسلام بل من قبل المسيح وكان مبدأه في أول يناير سنة ٣٨ قبل المسيح لعهد أغسطس قيصر وبقي هذا التاريخ معروفًا في أسبانية إلى القرن الخامس عشر للمسيح.
(٢٧) استعمل هنا الجمع استعمال المفرد بدليل قوله «الموصوف» وقوله عنه «الذي».
(٢٨) Plaza del Caxali.
(٢٩) Jalaf ben Chuad.
(٣٠) Chelabert et franco من هنا يعرف أن طليطلة بقيت حتى بعد رجوعها إلى الاسبانيول بلدة عربية يشار فيها إلى الإفرنجي بصفته هذه لأنه غريب فيها.
(٣١) Justes félix.
(٣٢) Petro ومن هنا يعلم أنه كان في طليطلة نزر لا يعرفون الكتابة العربية فكانوا يوقعون بالأسبانيولية.
(٣٣) يعرف من هنا أن اسم «ألفونس» كما كان يقال له عند العرب «أذفنش» كان يقال له أيضًا «ألفونش» وأنفونش واللام والنون كثيرًا ما تقوم إحداهما مقام الأخرى. وقد رجعنا إلى ترجمة هذا الصك بالأسبانيولي فوجدناه يكتب هذا الاسم هكذا Pedro Alfonso.
(٣٤) يشته هي في الترجمة الأسبانيولية Justa.
(٣٥) تقدم في هذا الكتاب كلام طويل عن معنى «المنية» وهو البستان.
(٣٦) في الترجمة الأسبانيولية Manzel Mosca.
(٣٧) في الترجمة الأسبانيولية Alcardete.
(٣٨) كذا ويظهر أن كاتب هذا الصك لم يكن يعرف كثيرًا.
(٣٩) تصغير كرم.
(٤٠) في الترجمة الأسبانيولية Leocadia.
(٤١) جمع أندر وهو الذي تدرس عليه الحبوب كالبيدر.
(٤٢) هو جمع قرال وهو حظيرة الحيوانات تكون وراء المنزل وهذا لفظ أسبانيولي استعمله عرب الأندلس.
(٤٣) وفي الترجمة الأسبانيولية Azud فيظهر أن الأسبانيول أخذوا لفظة «السد» إلى لغتهم.
(٤٤) في الترجمة الأسبانيولية Canales أن قناة فيظهر أن الأسبان أخذوا هذه اللفظة إلى لغتهم وضموا إليها اللام ثم رجعت العامة في طليطلة فجعلت اللام راء وجمعت الكلمة جمع تكسير على «قنانر» بدلًا من أن تقول «قنالات» أو تردها إلى العربي الفصيح فتقول «أقنية».
(٤٥) تقدم لنا بحث غير قصير عن قضية استعمال الأندلسيين والمغاربة لفظة الجوف بمعنى الشمال واختلاف آراء أدباء العصر وأهل اللغة في منشأ هذا الاصطلاح ولما كان بعضهم ذهب إلى كون الجوف إنما استعمل بمعنى الشمال لأن مدينة الجوف ونواحيها واقعة في شمالي الحجاز وذلك قياسًا على أن أهل الشام يستعملون القبلة بمعنى الجنوب فقد سألت حضرة الوجيه المفضال الشيخ محمد نصيف المشهور من أعيان جدة هل لهذا الاصطلاح من أثر في الحجاز؟ فأجابني أنه سأل العلماء والقضاة وكتاب المحاكم والمحامين وغيرهم فأجابوه بأنهم لم يسمعوا بشيء كهذا ولا رأوا في الصكوك والوثائق القديمة تسمية الحد الشمالي بالجوف بل الحدود في الحجاز هي هكذا: شرقًا وغربًا وشمالًا ويمينًا أي جنوبًا وقد يقولون جنوبًا. فثبت من هنا أن لاستعمال الجوف بمعنى الشمال وجهًا آخر خاصًا بالأندلس نفسها وقد يكون جاء إلى المغرب من الأندلس.
(٤٦) Félix.
(٤٧) كانت المسكوكات المرابطية في ذلك العهد متداولة لأن المرابطين كانوا في الأندلس.
(٤٨) لا نعلم هل هي هكذا من الأصل أم هي محرفة عن «تعزيق» وهو مصدر عزق فعل المبالغة من عزق الأرض شقها وكربها.
(٤٩) Talliques بالترجمة الأسبانيولية.
(٥٠) بالأسبانيولي Meson وهو بمعنى Maison بالأفرنسي أي بيت ولكن يغلب عليه بالأسبانيولي معنى الخان أو الفندق.
(٥١) ذكرنا أن القرال حظيرة الحيوانات أو الدجاج عندهم.
(٥٢) كان هذا العهد عهد دولة المرابطين بالأندلس وربما كان متأخرًا عن دورهم ولكن مسكوكاتهم بقيت متداولة. والأصح أن دولتهم انقضت سنة ١١٤٧ للمسيح.
(٥٣) علامة الشرف عند الأفرنج هي De كما لا يخفى وقد جاءت في هذه الصكوك أحيانًا بوضع حرف الدال مع كسرة في آخرها هكذا (دِ) وجاءت أحيانًا بوضع حرف الدال ومعها الياء.
(٥٤) لا يخفى أن مورة اسم حصن من حصون طليطلة.
(٥٥) لما قل عدد المسلمين في طليطلة بالهجرة والتنصر صاروا إذا ذكروا مسلمًا في أحد الصكوك يذكرونه بقولهم فلان المسلم.
(٥٦) اسم علم.
(٥٧) جمع شوط والشوط بالعربية يأتي بمعنى الأرض بين شرفين يجري بها الماء.
(٥٨) Salvador.
(٥٩) قد جاء ذكر طليطلة في رحلة الكاتب الأرفع أبي عبد الله بن عبد الوهاب الوزير الغساني الأندلسي الفاسي، كاتب السلطان مولاي إسماعيل، الذي أرسله السلطان سفيرًا في بعض المهمات إلى صاحب أسبانية، وكان قد جول في تلك المملكة واطلع على أحوالها فكتب رحلة شهيرة بديعة اتصلت بترجمتها إلى اللغة الأفرنسية قبل أن أطلع على أصلها العربي الذي أهدانيه العلامة الكبير المؤرخ الشهير مولاي عبد الرحمن بن زيدان، نقيب العائلة السلطانية العلوية بالمغرب، أدام الله عزهم، وقد نقلت كثيرًا من هذه الرحلة إلى الفصل المتعلق بمسلمي الأندلس في كتابي حاضر العالم الإسلامي. وكانت وفاة الوزير الغساني في فاس عام تسعة عشرة ومائة وألف. قوله عن طليطلة: قد أمر الطاغية من أصحب معنا من خدامه بمرورنا على مدينة طليطلة لنشاهد مسجدها الجامع الذي هو من عجائب الدنيا في بنائه وذكره وبعد صيته فبتنا يوم خروجنا من مدريد بقرية يقال لها وشقة، وكانت من حواضر العدوة التي لها ذكر، دار علم ونباهة، وهي اليوم قرية متبدية، وبها من أثر البناء القديم الإسلامي بعض أثر مثل الباب الذي يدخل به إليها حين كانت مدينة. أما اليوم فالتبدي أقر إليها من الحضر. وبينها وبين مدينة طليطلة أحد وعشرون ميلًا. وطليطلة مدينة كبيرة قاعدة من قواعد مدن العدوة، ودار ملك قديم، وهي على ربوة من الأرض، في حافة مطلة على الوادي المسمى طاجو، وهو الوادي المار بأرنجويس — كتب الوزير الغساني طاجو وأرنجويس بالخاء لا بالجيم وذلك بحسب تلفظ الأسبانيول بهما — وقد أحاط هذا الوادي بالحافة التي عليها المدينة من ثلاثة أرباعها والربع الموالي للبر هو الآتي من طريق مدريد — وأسوار هذه المدينة وحيطانها وأزقتها باقية على حالها من عهد عمارتها من المسلمين، وأثرها أثر الحضارة، إلا أن أزقتها ضيقة جدًا، ودورها باقية على حالها من البناء الإسلامي وتفصيله، والنقش في السقوف والحيطان بالكتابة العربية، ومسجدها الجامع هو من عجائب الدنيا، إذ هو مسجد كبير مبني كله من الحجارة الصلبة الغريبة، القريبة الشبه من الرخام، وسقوفه مقبوة من الحجارة وهي في غاية ارتفاع السمك والعلو، وسواريه في غاية الضخامة، والصناعة العجيبة والنقوش، وقد أحدث النصارى في هذا المسجد من جوانبه زيادة في الوسط بشباك من نحاس أصفر، وفيها من تصاويرهم وصلبانهم وآلة الموسيقى المسماة عندهم أوركان التي يضربون بها وقت صلواتهم، مع الكتب التي يقرأونها في الصلوات، شيء كثير. وقد جعلوا أمام هذا الشباك صورة المصلوب، وهو من ذهب، يقابلونها في صلواتهم، وأمام المصلوب مصابيح كثيرة من ذهب وفضة، توقد ليلًا ونهارًا، مع شموع كثيرة كبيرة، وأبواب هذا المسجد في غاية الإتقان والصناعة. وقد زادوا فوقها من الصور ما هو من عوائدهم التي لا يمكنهم تركها، ومن الزيادات المحدثة في جوانب هذا المسجد بيوت كثيرة كبيرة مشتملة على خزائن من الأموال، فيها الذخائر والأحجار الملونة، مثل الياقوت الأحمر والأبيض، والأصفر، والزمرد، والتيجان المرصعة بالدر الفاخر، والأحجار النفيسة التي لها بال، ولا تقوم بمال، ومع هذه الذخائر تاج كبير من ذهب، ومعه سواران من ذهب، زعموا أن ذلك من عهد المسلمين رحمهم الله. وعن يمين هذه الخزائن خزانة فيها كتاب كبير مكتوب بماء الذهب زعموا بأنه كتاب التوراة، وهو عندهم في غاية التحفظ والصون والاعتناء به، لا يخرج عن موضعه الذي به، وذكروا أن والد هذا الطاغية أحب إخراجه من هناك، وأن يكون عنده بعد أن أعطاهم فيه مدينة كبيرة بخراجها وجميع منافعها، فلم يعطوا به كلامًا، لضنهم به. وعن يمين هذه الخزانة أيضًا خزانة أخرى، فيها صندوق كبير مرصع، مشحون بالموائد الفاخرة المرصعة بالذهب، مثل الهدايات والقلائد والسلاسل والخواتم الثمينة وعن يمينه صومعة من فضة، تزيد على قامة الإنسان، وداخلها وخارجها من الذهب المرصع بالأحجار النفيسة، وقد عمل هذا المنار على شكل منار مسجد طليطلة، وعلى هيئته ومثاله، وهو عندهم زينة، يخرجونه في أعيادهم مع الصلبان التي يطوفون بها في الأزقة، وهذا المنار الذي بهذا المسجد، أعاده الله للإسلام، وعمل هذا على شكله، هو من أعاجيب البناء صناعة وعلوًا في الجو، فقد اشتمل على ثلاثمائة درجة. منها مائتان إلى موضع التأذين وفي موضع التأذين جعل أعداء الله تعالى تسعة نواقيس كبار جدًا، دائرة، كل ناقوس منه ستة وثلاثون شبرًا، مع غلظ ثلاثة أرباع الذراع. وبناء هذا المنار كله من الحجارة الصلبة التي تشبه الرخام، من جنس الحجر الذي بني المسجد منه، نسأل الله أن يعيده لتوحيده وذكره، وحوالي هذه الخزائن من الخزائن المشحونة بالقناديل الذهبية والفضية والصلبان المرصعة، والثياب التي يلبسها الغرايلية، وأكابر القسوس والشمامس والرهبان، التي طرزت بالجوهر النفيس شيء كثير. وهؤلاء الرهبان الذين في هذه الكنيسة هم جميعًا إلى نظر الكردينال، الذي هو اليوم أكبر كردينال عند سائر المسيحية، وهو الذي تحت البابا كما تقدم التنبيه عليه، وعلى البابا دمرهما الله. وحيث كانت طليطلة هي من قواعد مدن أسبانية، كان الكردينال الذي يتولى أمر كنيستها أكبر من تلقب بالكردينال عند عبدة الصليب. وهذا الكردينال الموجود اليوم هو رأس ديوان أسبانية، وإليه ينتهي جميع أمرهم في دينهم ودنياهم، وعن رأيه يصدر كتاب الديوان جميعًا، وفي طليطلة أثر القصبة التي كان يسكنها الملوك قبل هذا، وقاعدة طليطلة كانت دار ملك العجم الأولى، هي وأشبيلية، وإليها كان قصد طارق، رحمه الله، بوجهته حين دخل العدوة، بعد مروره بقرطبة، ولم يعرج على غيرها، حتى انتهى إليها، ووجد بها من الآثار التي تدل على مكانتها مالا حصر له. ومن جملة ذلك المائدة المشهورة، إلا أن بعض أهل التاريخ يزعم أن المائدة لم تكن بطليطلة، بل كانت بموضع آخر قريب من طليطلة، يسمى وادي الحجارة وأن طارقًا لما فتح طليطلة خرج إلى الموضع المعروف وادي الحجارة قرب الفج الذي كان ينسب إليه خلف الجبل حتى بلغ مدينة المائدة، وسميت بذلك لوجودها بها، وهي منسوبة إلى سليمان بن داود عليهما السلام، وقيل إنها كانت من زبرجدة خضراء، وإنها كان لها ثلاثمائة وخمسة وستون رجلًا والله أعلم، انتهى.
(٦٠) البياسي نسبة إلى بياسة من عمل قرطبة ويظهر أنه كان بها دار ضرب لعهد الإسلام.
(٦١) Archiprest القس الأكبر.
(٦٢) Canonigos القانوني.
(٦٣) في الترجمة الأسبانيولية Alarod el Franceses.
(٦٤) في الترجمة الأسبانيولية Dona Morisquita.
(٦٥) Eulalia في الترجمة.
(٦٦) Diaz في الترجمة.
(٦٧) Sayon de la cofradia في الترجمة.
(٦٨) متاع هنا يراد به المنسوب إلى المكان وهو اصطلاح العامة.
(٦٩) في الترجمةRaimundo boldi.
(٧٠) في الترجمة Jofré Almoravide.
(٧١) كان للإفرنج أي للفرنسيس حارة خاصة بهم في طليطلة لسكناهم هناك بحسب رواية المسيو لا فالي Lavallée وسبب ذلك هو أنه لما فتح الأسبانيول طليطلة سنة ١٠٨٥ كانت امرأة الأذفونش السادس يقال لها «كونستنزه» وكانت أفرنسية الأصل وكان مع جيش الأذفونش الذي فتح طليطلة عدد كبير من الفرنسيس وكان معهم رهبان كثيرون من الفرنسيس أيضًا اشتهر بينهم راهب اسمه برنارهن دير ساهاغون Sagahun فلما تم استيلاء الأسبان على طليطلة سكن هؤلاء الفرنسيس فيها. وكانت الملكة التي هي أفرنسية الأصل تمدهم وتعززهم حتى أنها جعلت الراهب برنار المذكور مطرانًا لطليطلة.
(٧٢) Archiprétre.
(٧٣) Salvador.
(٧٤) Mozarabe أنه يظهر من هذه الكتابات التي إذا ذكرت الأفرنجي تنص عليه بأنه أفرنجي وإذا ذكرت الأسبانيولي المتكلم بالعربية تنص عليه بأنه مستعرب وإذا ذكرت المسلم أشارت أنه مسلم وإذا ذكرت اليهودي أشارت إليه بأنه إسرائيلي أنه كان في طليطلة أربع أو خمس فرق منها العرب المسلمون الذين بقوا حافظين للغتهم ودينهم حتى بعد استيلاء الأسبانيول ومنها الأسبانيول المستعربون الذين كانوا يتكلمون ويكتبون ويقيمون صلواتهم بالعربية حتى إنهم كانوا إذا كتبوا كتابًا يبدأونه ببسم الله الرحمن الرحيم وكانوا متعصبين جدًا للعربية ولذلك بقيت اللغة العربية والثقافة العربية سائدين في طليطلة مدة ستمائة سنة بعد انقراض حكم الإسلام منها ومنهم الأسبانيول الذين يتكلمون ويكتبون بلغتهم الأسبانية وكان المستعربون يسمونهم بالقشتاليين كما مر في أحد الصكوك التي نقلناها. وكان منهم أيضًا الأفرنج الذين بدأت سكناهم في طليطلة من وقت استرداد الأسبانيول لها لأنهم كان منهم جنود كثيرون في جيش الأذفونش السادس. ومنهم اليهود الذين كانوا عنصرًا كبيرًا ولم يكن الأسبانيون المستعربون بالفئة التي ترضى بالسيادة للأسبانيين القشتاليين أو للإفرنج حتى أنه وقع خلاف بين النصارى المستعربين والنصارى غير المستعربين من القشتاليين وأفرنج في مسئلة الصلوات فإن المستعربين كانوا يقيمون القداس الذي يسمى بالأسبانية بالميشة أو الميسة وذلك باللغة القوطية بحسب قاعدة قديس عندهم يسمى سان إيزبدور وكانوا يخلطون ذلك بالعربية وكان الأسبانيول يقولون لهذا الطقس «نصف عربي» أو «موزاراب» فكان الأفرنج والقشتاليون يريدون حمل الجميع على استعمال الطقس الروماني ولكن المستعربين أبوا إباءً شديدًا وكان أشدهم خصامًا في هذا الأمر جوان رويس ماتانزاس Juanriuz de los matanzas ولما تعذر حل هذه العقدة قيل إنهم لجأوا إلى البراز وأنهم يخرجون من كل فئة فارسًا فيتجاول الفارسان والذي يصرع الآخر تكون فئته هي الغالبة في الموضوع. فلما تبارز الفارسان كانت الغلبة للفارس المستعرب ولكن فئة الأفرنج بقيت مصرة على عنادها. فلجأوا إلى امتحان آخر على عهد الرواة ورموا كتاب الصلاة الروماني وكتاب الصلاة القوطي في النار وقالوا الكتاب الذي يخرج سالمًا من النار يكون له الحكم. فخرج كتاب المستعربين سالمًا وخرج الكتاب الروماني أقل سلامة منه فيقال أن الأذفونش السادس أبقى عند ذلك الطقسين معًا.
(٧٥) أي الراهبة الرئيسة.
(٧٦) في جميع البلاد العربية يستعملون «الجنينة» بمعنى البستان الصغير.
(٧٧) الراهب.
(٧٨) مكتوب في الترجمة الأسبانيولية اسم هذا الرجل هكذا: Abuomar Susân وقبل اسمه مكتوب Alguacil Almogarife ومن المعلوم أن الأسبانيول حرفوا لفظة «الوزير» حتى صارت «الغاسيل» ويظهر أن لفظة «المشرف» كانت دخلت أيضًا في لغتهم حتى صارت تستعمل فيها.
(٧٩) Martin de Alconte.
(٨٠) Fernando Abat.
(٨١) في النص الأسبانيولي Abbatissa Sanecia.
(٨٢) في الترجمة Alhicem.
(٨٣) أي صواحباتها.
(٨٤) Pedro de Castro.
(٨٥) Don Vidal El-Zapatero.
(٨٦) Justa.
(٨٧) Guèllermo de Baeza.
(٨٨) في الترجمة الأسبانيولية وضعوا مكان هذه الكلمة نقطًا للدلالة على جهالتها.
(٨٩) Pedro Chasolin.
(٩٠) Alos Canonigos يريد بها القانونيين وهي رتبة دينية عندهم.
(٩١) في الترجمة الاسبانيولية هي الكنيسة الكبرى Catedrale.
(٩٢) في الترجمة الأسبانيولية «البيروه» هو Alvaro و«البرس» هو Alvarez.
(٩٣) الجنان جمع جنة ولكنه يستعملها استعمال المفرد بدليل قوله «الذي علم لوالده» وقد مر أيضًا أنه استعمل «الكروم» استعمال الكرم بالمفرد وعلى كل حال ليست جميع هذه الصكوك كتابة المدققين بالعربية وإن كان منها ما هو بغاية الضبط..
(٩٤) في الترجمة الاسبانيولية Capiscol Don Jordan.
(٩٥) في الترجمة الأسبانيولية Arcipreste.
(٩٦) هذه اللفظة أى «الارسبرست» بمعنى القسيس الاكبر تكتب أحيانا بالسين وأحيانا بالشين والغالب أن العرب كانوا يلفظون السين في الاعلام الاسبانيولية شينا ولكن قد يراعون فيها الأصل أحيانا فليفظونها سينا.
(٩٧) Talavrra.
(٩٨) Suegro.
(٩٩) في الترجمة الأسبانيولية Laiti.
(١٠٠) في الترجمة الأسبانيولية Berniti.
(١٠١) في الترجمة الأسبانيولية Galápago ومن هنا يعلم أنه كان لا يزال مسلمون بطليطلة تحت النصارى من بعد ما استولى عليها الأسبانيول بقرن وقرنين وثلاثة وكانوا معروفين بأنهم مسلمون لأن إكراه المسلمين على التنصر لم يقع إلا من القرن السادس عشر فصاعدًا بعد سقوط غرناطة آخر سلطنة إسلامية في ذلك القطر.
(١٠٢) في الترجمة الأسبانيولية Convento.
(١٠٣) في الترجمة الأسبانيولية Sacristàn.
(١٠٤) في الترجمة الأسبانيولية Romàn Huigo de Pedro El Cebrero Nieto de Assamda ولا نعلم هل هذا الاسم مأخوذ من السمّاد أو هو محرف عن الصمد فإنهم أحيانًا يخطئون فيجعلون الصاد سينًا كما مر بقولهم حومة «السوميل» وحقها أن تكون بالصاد «الصوميل» والصميل اسم عربي شهير هذا مع كون السين والصاد تقوم إحداهما مقام الأخرى في ألفاظ كثيرة.
(١٠٥) في الترجمة الأسبانيولية Valdecubas.
(١٠٦) في الاسبانيولي Arzobispo.
(١٠٧) Martin Lopéz.
(١٠٨) Primado de Espana وهو الأسقف الأعظم لأسبانية ومن هنا يعلم أن معاملات الأسقف الأعظم نفسه كانت بالعربية حتى بعد استرداد الأسبان لطليطلة بزمن طويل.
(١٠٩) San Zoel.
(١١٠) Toda Hija De Don Lope De Cotarel.
(١١١) Mical De Alba.
(١١٢) San Gines.
(١١٣) Rodrigo Giménez.
(١١٤) De Setfila.
(١١٥) Sisla.
(١١٦) Almonasir.
(١١٧) Emperador وهو الأذفونش السادس الذي تولى من سنة ١٠٧٢ إلى سنة ١١٠٩ ولقب نفسه بإمبراطور أسبانية.
(١١٨) في الترجمة الاسبانيولية Roberto El Francés.
(١١٩) في الترجمة الأسبانيولية Raues.
(١٢٠) في الترجمة الاسبانيولية Guan Ruiz.
(١٢١) في الترجمة الاسبانيولية Obispo Deluenca وهي أي كونكة بلدة تقدم ذكرها في هذا الكتاب كان فيها العرب وكانوا يقولون لها فونكة وأحيانًا كونكة.
(١٢٢) في الترجمة الاسبانيولية Gabildo وهي ذي رتبة في الكنيسة.
(١٢٣) في الترجمة الاسبانيولية Senares ومعناها السادات
(١٢٤) في الترجمة الأسبانيولية Atenas.
(١٢٥) في الترجمة الأسبانيولية Guardia ومعناه الحرس.
(١٢٦) في الترجمة الأسبانيولية Eleito ومعناه المختار أو المنتخب.
(١٢٧) Martin de Garcia de Abra.
(١٢٨) المناداة هي في الاصطلاح أن ينادي الدلال على البضاعة المعروضة للبيع حتى يقبل السامعون للنداء على شرائها وقد كان استعمال هذه اللفظة لهذا المعنى في بغداد وجاءت بهذا المقام في المقامة المضيرية لبديع الزمان الهمذاني كما أنها كانت مستعملة في الأندلس وأخذها الأسبانيول في جملة ما أخذوه من العربي إلى لغتهم. وأما الأسير المسلم محمد الذي بيع في المناداة في قرطبة فقد بيع فيها بعد استيلاء النصارى عليها.
(١٢٩) لقب من ألقاب الكنيسة.
(١٣٠) قبدله بمعنى خادم الكنيسة والقاعدة العظمى هي الكنيسة الكاتدرائية Catédrale.
(١٣١) هذه الطريقة يقال لها في الإسلام المكاتبة وهي أن يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال ينجمه عليه ويكتب عليه أنه إذا أدى نجومه في كل نجم كذا وكذا فهو حر فإذا أدى جميع ما كاتبه عليه فقد عتق وولاؤه لمولاه الذي كاتبه وذلك أن مولاه سوغه كسبه الذي هو في الأصل لمولاه فالسيد مكاتب بكسر التاء والعبد مكاتب بفتحها إذا عقد عليه ما فارقه عليه من أداء المال. سميت مكاتبة لما يكتب للعبد على السيد من العتق إذا أدى ما فورق عليه، ولما يكتب للسيد على العبد من النجوم التي يؤديها في محلها وأن له تعجيزه إذا عجز عن أداء نجم يحل عليه.
(١٣٢) La Priora وهي وظيفة في الدير.
(١٣٣) الزرجون جمع زرجونة وهو قضيب الكرم ويقال له الشكير وجاء في المخصص لابن سيده عن ابن قتيبة أن الزرجون آت من الفارسية وأنه فيها زركون بالكاف ومعناه الصفرة كلون الذهب وهذه اللفظة معروفة في سورية ومنها جاءت إلى الأندلس.
(١٣٤) هو تقليم الكرم وهي لفظة معروفة في سورية بهذا المعنى يقال زبر فلان كرمه وقد وصلت إلى الأندلس من أهل الشام والحال أنه ليس في كتب اللغة هذه اللفظة بهذا المعنى بل في اللغة زبر البر زبرًا طواها بالحجارة وكذلك زبرت الكتاب قرأته وزبرته كتبته وقيل أنه النقش في الحجارة. والزبور الكتاب المزبور. والمزبر هو القلم. ثم أن الزبر يأتي بمعنى الزجر ولم نجد في ما راجعناه من كتب اللغة فعل زبر بمعنى قطع وإنما فسروا قوله تعالى فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا بأن الزبر هي القطع جمع زبرة وهي مثل قوله تعالى آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أي قطع الحديد وفي بلادنا لبنان يقولون للمنجل زوبر وليست في كتب اللغة بهذا المعنى وإنما هي في اللغة: الداهية فلعل هذا المعنى لهذه المادة دخل إلى العربية الشامية من إحدى اللغات السامية التي كانت في الشام قبل الفتح.
(١٣٥) من النكب اللذيذة أن هذه الدونة النصرانية تشترط على رقيقها يعيش المسلم أن لا يشرب خمرًا وإن شرب يرد إلى الأسر.
(١٣٦) لأنه خياط كما تقدم.
(١٣٧) Madrid.
(١٣٨) Ubda ويقال لها أبذة أيضًا.
(١٣٩) Marcina.
(١٤٠) مقاطع أي مكاتب بالفتح.
(١٤١) أي أعلاه.
(١٤٢) Comanador.
(١٤٣) Santiago.
(١٤٤) Ilospital.
(١٤٥) الرهبان وفي المغرب يقولون لهم افرايريلية وهي محرفة عن افرايرية وأصل معناها الأخوان.
(١٤٦) Canonigos في الترجمة الإسبانيولية.
(١٤٧) Lonbert.
(١٤٨) Théresa.
(١٤٩) الكوسج بفتح السين الذي لحيته على ذقنه لا على عارضيه وهي لفظة فارسية وهو في العربي الأثط ولقد كتبوها هنا بياء وهو خطأ ولكن الأندلسيين كانوا يتكلمون بالأمالة ويقولون للحكم مثلًا «الحكم» بالكسر وللإمام الأوزاعي الإمام «الأوزيعي» ويقولون «سنه» بكسر السين والنون بدلًا من «سنة» بفتحهما ولفظهم هذا أشبه بلفظنا نحن في بر الشام ويقولون «زمان» بكسر أوله ويقولون «فرقد» بكس القاف ويقولون «كتيب» أي «كتاب» ويقولون «بري» بكسر الباء بدلًا من «برّي» بالفتح ويقولون «خمسمية» كما نقول نحن في سورية لا خمسماية وهلم جرا.
(١٥٠) بالترجمة الأسبانيولية Abadasa ولعلها الأبطيشة التي مر ذكرها أو تقرب منها ومعناها ظاهر وهو الراهبة الكبرى.
(١٥١) Servatus.
(١٥٢) نسبة إلى أوريولة Orihoala.
(١٥٣) Lorca.
(١٥٤) يكثر ذكر «الأنصاري» في عرب طليطلة وهو يؤيد ما روي من كون أكثر قبائل الأوس والخزرج لأول فتح الأندلس نزلت في طليطلة ونواحيها.
(١٥٥) يلزم أن تكون «شمسه» ولكن الأندلسيين يتكلمون بالإمالة كما قلنا فالكاتب كتب الاسم بحسب ما كان يلفظ عندهم وقال «شمسي» والآن في سورية يلفظون «شمسه» كأنها «شمسي» إلا في أماكن معلومة لا يتكلم أهلها بالإمالة.
(١٥٦) حقها أن تكون «الغزال» ولكن الإمالة الأندلسية جعلتها «الغزيل» وفي الترجمة الأسبانية Algazil.
(١٥٧) Gilierre Gomez.
(١٥٨) كان العرب يسمون والي البلدة من قبل السلطان بصاحب المدينة.
(١٥٩) في النص الأسباني Concilio.
(١٦٠) Martin.
(١٦١) Negro.
(١٦٢) Pelayz.
(١٦٣) أي لاتيني العبارة.
(١٦٤) Ego أي أنا.
(١٦٥) أسقف أسبانية الأعظم.
(١٦٦) Conforme أي مطابق.
(١٦٧) Niebla.
(١٦٨) تتكرر كثيرًا في هذه الصكوك لفظة «المدرج» و«المدرجين» وفي الترجمة الأسبانية التي بإزاء الأصل العربي تفسر بلفظة Racionero.
(١٦٩) هكذا وجدنا هذه اللفظة والأشبه أن تكون محرفة وأن تكون «قعودته» فالقعودة هي المجلس وأما القعدودة فلم نجدها.
(١٧٠) المراهقة المقاربة.
(١٧١) العربان والعربون بضم أولهما والعربون بفتح الأول والثاني هو ما عقد به المبايعة من الثمن أو هو أن يعطي المشتري شيئًا من الثمن أو المستأجر شيئًا من الإيجار ثم يقول أن تم العقد احتسبنا وإن لم يتم فما أخذته هو لك. ونحن في الشام نقول العربون والعامة تقلبه فتقول الرعبون. ويظهر أن الأندلسيين استعملوا العربان وهو صحيح فصيح ومن العادة في الزواج عند النصارى أن يتعاطى العروسان الخواتم والعربون أو العربان هذا قبل البناء.
(١٧٢) في النص الأسبانيولي Unos Pendiantes.
(١٧٣) في النص الأسبانيولي Una Alfanega colcha.
(١٧٤) Mair.
(١٧٥) Annaye.
(١٧٦) El-Simbolo.
(١٧٧) L’Elgiacil Y Alcald Abulasbag Ben Almopader.
(١٧٨) جمع ميشة وهي ما يقول له نصارى الشرق القدَّاس.
(١٧٩) خدمة كنسية.
(١٨٠) هو ما نسميه بالحول وبالأفرنسية Anniversaire.
(١٨١) Alfonso Mateos.
(١٨٢) Anniversaire بالأفرنسية.
(١٨٣) Matia.
(١٨٤) الكنيس المذكور بني في النصف الثاني من القرن الرابع عشر وقيل أن الوزير صموئيل لاوي هو الذي قام بنفقة بنائه، وكان في طليطلة عدة كنس لليهود لكثرة عددهم فيها وأحدها حوله الأسبان إلى كنيسة باسم «صان رومان، أما ظن» توما تامابو بركاش Toma Tamayo De Yargas أن كنيسة «صانتا مارية البيضا» أصلها كنيس لليهود وأنه معبد قديم لهم وسابق لعهد النصرانية وأنه كان في طليطلة جالية يهودية لعهد المسيح انفرد أحبارها بعدم استحسان الحكم عليه إلى غير ذلك فيترجح كونه تخرصًا وأحاديث ملفقة وربما كان بعض اليهود اخترعوا تلك الرواية من بعد، رامين بها إلى الزلفى لدى الأسبانيول بعد أن ملكوا البلد. وعلى كل حال فليس في كنيسة «صانتا مارية» المذكورة أدنى شبه مع هندسة معابد اليهود بل كلها طرز عربي بحت أن كان في أقواسها أو في نقش حيطانها أو في زليجها أو في تقسيمها وقد بنيت في القرن الثالث عشر مكان جامع كان تداعى إلى الخراب.
(١٨٥) وكان منهم عند ملوك الأسبانيول وزراء وكتاب، وكان صموئيل لاوي ناظر الخزانة عند الطاغية بطرس الملقب بالصارم، ونفذت كلمته عنده كثيرًا وإن كان قتله في الآخر.
(١٨٦) نقلنا هذا عن جغرافية أسبانية والبرتغال المصورة تأليف جوسة Jousset ولم نطلع على الأصل العربي لهذه العبارة.
(١٨٧) لم نعثر على أصل هذه الكتابة بالعربي وإنما نقول إنها غير ممكنة بهذا الشكل ونحن نرويها عن جغرافية أسبانية والبرتغال لجوسة Jousset.
(١٨٨) Alphonse le Sage.
(١٨٩) Ildefonse.
(١٩٠) Palacio de Galiana.
(١٩١) Theophile Gautier.
(١٩٢) كان في هذا المسجد الجامع حوض أمر ببنائه الظافر بن ذي النون سنة ٤٢٣ وقد وجدت كتابة على بلاطة رخام بالخط الكوفي البارز هذا نصها بعد البسملة: أمر الظافر ذو الرئاستين أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون أطال الله أيامه ببنيان هذا الجب بجامع طليطلة حرسها الله فتم بعون الله في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. وقد ظهر من هذه الكتابة التي نقلها لاوي بروفنسال أن الظافر المذكور تولى طليطلة بطلب من أهلها قبل التاريخ الذي ذكره المؤرخون فقد قالوا أنه جاء خلفًا ليعيش بن محمد بن يعيش سنة ٤٢٧ والحال أن هذه الكتابة مؤرخة سنة ٤٢٣ فهي تصرح بكون الظافر بن ذي النون هو الذي أمر ببناء هذا الحوض إذ اصطلح الأندلسيون على تسمية الحوض بالجب. وأما لقب ذي الرئاستين فقد لقب الظافر نفسه به حتى يعلو عن لقب ذي الوزارتين الذي كان لقبه به الخليفة الأموي. وقد وجدت كتابة ثانية في طليطلة نصها: مما أمر بعملة الظافر ذو الرئاستين إسماعيل بن ذي النون في تسع وعشرين وأربعمائة.
(١٩٣) نحب أن نذكر هنا ما قاله دوزي R.Dozy المستشرق الهولاندي الشهير في كتابه: تاريخ مسلمي أسبانية Histoire Des Musulmans En Espagne وهو ملخصًا: «أن القادر بن ذي النون كان فرض على أهل طليطلة مبالغ وافرة من المال فأدوها إليه وقدمها للأذفنش. فقال له الإمبراطور: (لأن الأذفنش السادس كان سمى نفسه بذلك) هذا لا يكفي. فقدم له القادر ذخائر أبيه وجده. فقال له: وهذا أيضًا لا يكفي. فقال له القادر: إني حاضر لإعطائك فوق هذا لكن على أن تعطيني مهلة. فقال له الأذفنش: إني ممهلك على شرط أن تسلمني أيضًا حصونًا تكون رهنًا عندي. فرضي القادر بهذا الشرط إذ لم يكن له قدرة على الامتناع فكان مضطرًا أن يرضى بكل شيء وكان يرى سيف الأذفونش معلقًا فوق رأسه لا يستطيع أن يخالفه فكان يدفع المال بعد المال ويخلي الحصون بعد الحصون ولأجل إرضاء الإمبراطور يفرض المغارم الثقيلة على رعيته التي بدأت تهاجر إلى مملكة سرقسطة. وكان الأذفونش كلما ازداد القادر طاعة له يزداد عتوًا فانتهى الأمر بأن فرغت يد القادر فجاء الأذفونش واكتسح أرباض طليطلة فحاول القادر أن يدافع عن عرشه لكنه رأى نفسه عاجزًا فعرض على الأذفونش تسليمه طليطلة تحت شروط وهي أن الأذفونش يتعهد بتأمين أهالي طليطلة على أموالهم ودمائهم ومن شاء منهم الهجرة هاجر ومن شاء الإقامة أقام وأنه لا يفرض عليهم إلا غرامة واحدة مقررة من قبل وأن المسجد الأعظم يبقى للمسلمين وأن الأذفونش يساعد القادر على ملك بلنسية
فرضي الإمبراطور بهذه الشروط وفي ٢٥ مايو سنة ١٠٨٥ دخل الأذفونش طليطلة وقد بلغ من العظمة ما ليس له حد وما لا يساويه إلا ما بلغه أمراء المسلمين وقتئذ من الدناء فأقبلوا عليه من كل فج يقدمون له الهدايا ويعرضون طاعتهم ويعلنون أنهم ليسوا أكثر من جباة عنده فتسمى الأذفونش بملك الملتين وكان يكتب ذلك في مناشيره ولم يكن يخفي احتقاره لأمراء الإسلام. ولما جاء حسام الدولة بن رزين يهنئ الأذفونش بفتح طليطلة مقدمًا له نفائس الهدايا كان عند الأذفونش قرد يلعب أمامه فأنعم عليه به ورجع حسام الدولة مفتخرًا بأن الإمبراطور أنعم عليه بقرد وعد ذلك من أعظم النعم. وكان في بلنسية ولدا عبد العزيز يتنازعان ملكها وكان فيها حزب ثالث يريد تمليك صاحب سرقسطة وحزب رابع يميل إلى القادر بن ذي النون وقد كان هذا يظاهره جيش قشتالة تحت قيادة (الفارفانيس) Alvar Fanez وكان البلنسيون مضطرين أن يقدموا ميرة هذا الجيش وكانت تكلفهم ستمائة ذهب في النهار فقالوا للقادر إنه في غير حاجة إلى هذا الجيش حتى يطيعوه فلم يسمع القادر كلامهم لأنه كان يعلم أنهم لا يحبونه فاستبقى القشتاليين في بلنسية استظهارًا بهم وفرض على أهلها وأهالي ملحقاتها غرامات منقضة للظهور وبلص الأعيان من أموالهم ومع هذا فلم يقدر أن يقوم بكل ما يتطلبه القشتاليون فعرض عليهم أن يقطعهم أراضي في مملكة بلنسية فرضوا بذلك وتملكوا القرى ولكنهم لم يقوموا على حرثها بأنفسهم بل جعلوا فيها زراعًا يحرثونها لهم واستمورا يشنون الغارات على الأطراف وانضم إلى الجيش القشتالي جماعة من غوغاء العرب ومن العبيد ومن الأشقياء أصحاب السوابق في الاعتداء وقطع السابلة وارتد هؤلاء عن الإسلام وأخذوا يفعلون الأفاعيل التي لم يسمع بمثلها فكانوا يسفكون الدماء ويهتكون أعراض النساء وربما باعوا الأسير المسلم بزق خمر أو برغيف من خبز وبقطعة من حوت وكانوا يمثلون بمن يمتنع عن إعطائهم ما يريدون فيقطعون لسانه أو يفقأون أعينه أو يلقون به للكلاب المفترسة لتأكله. فكانت بلنسية وقتئذ في الحقيقة ملكًا للأذفونش ولو كان القادر بن ذي النون ملكًا عليها في الظاهر، وكانت سرقسطة أيضًا تحت حصار الإمبراطور وقد أقسم أن يفتحها، وكان هناك القائد القشتالي غرسية شيميناس بجماعة من فرسانه يشن الغارات على المرية وكان صاحب غرناطة في المقيم المقعد أيضًا مع القشتاليين، وفي ربيع سنة ١٠٨٥ نازل القشتاليون أهل غرناطة في عقر دارهم ووقع الرعب في قلوب المسلمين حتى صار الخمسة منهم لا يقومون لواحد من النصارى ووجد في إحدى المرار أربعمائة جندي من المرية وكانوا من نخبة الجند فهربوا من وجه ثمانين قشتاليًا فعم اليأس جميع المسلمين ورأوا أنه لم يبق أمامهم إلا إحدى خطتين، إما الرحيل عن أوطانهم، وإما الدخول في طاعة النصارى، وبقيت خطة ثالثة وهي استصراخ المرابطين من إفريقية. ثم ذكر دوزي كيف دعا المعتمد بن عباد يوسف بن تاشفين لإنقاذ الأندلس ولما ذكر له ولده الرشيد في ذلك من الخطر عليهم أجابه أنه لم يبق أمامنا إلا إحدى هاتين الخطتين إما أن نخضع لحكم النصارى وإما أن نرضى بولاية المرابطين وإني أفضل أن أرعى الجمال في إفريقية على أن أرعى الخنازير في قشتالة وسيأتي ذكر ذلك تفصيلًا في باب التاريخ.
(١٩٤) San Guan de las Reyes.
(١٩٥) Renaissance.
(١٩٦) Santa Cruz.
(١٩٧) La Vega.
(١٩٨) Al-Makara وحق هذه اللفظة أن تكون «المكاراة» بألفين اثنتين وهي مصدر كاراه الدابة، والفاعل مكار، ويقال مكاري الدواب وكري الدواب أيضًا. هذا ويقال إن هذا الباب كان موجودًا في زمن القوط ثم جاء العرب فبنوه على ذوقهم ثم لما استرجع الأسبان طليطلة هدموه وبنوه من جديد على طرز أبنيتهم ولكنه بقي منه قوس عربي واحد يعتمد على أعمدة مكتوب على أحدها: الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. وقد نقل «جوسه» في جغرافية أسبانية والبرتغال عن «سلازار مندوزه» كتابة يقولون إنها كانت باقية في الحجر إلى زمن فيليب الثاني ومعناها على عهدهم هو هذا:

لا إله إلا الله محمد رسول الله جميع المؤمنين الذين يعتقدون بنبينا محمد ويقبلون أيدي المرابط مولاي عبد القادر يغفر الله لهم ذنوبهم ولا يكونون في يوم من الأيام صمًا ولا عميًا ولا مقطوعي الأعضاء ويتلقون منه البركة في ساعة الموت ولا يعتلون قبل موتهم إلا ثلاثة أيام ويذهبون إلى الجنة وعيونهم مفتوحة وذنوبهم مغفورة. انتهى.

قلت: هذه القصة مستغربة جدًا فإنه لا يذكر أي عبد القادر هو المقصود هنا؟ فإن عبد القادر الجيلاني الولي الشهير الذي تقال فيه مثل هذه الأقاويل فالشيخ عبد القادر الجيلاني مات سنة ٥٦١ أي بعد فتح الأسبان لطليطلة بثلاث وثمانين سنة ويستبعد جدًا أن يكتب المسلمون في طليطلة على باب من أبواب المدينة كتابة منقوشة على الأحجار إن لم تكن البلدة في أيديهم ولم تكن الولاية عليها للإسلام. وأما إن كان المراد بالمرابط عبد القادر شخصًا آخر من الأولياء الذين عاشوا قبل خروج طليطلة من يد الإسلام فمن العجب أن يذكر اسم هذا المرابط غفلًا بدون نسبة ومن العجب أيضًا أن تقال جمل كهذه في كتابة مزبورة على الحجر لمخالفتها للسنة ولذلك لنا شبهة قوية في صحة وجود كتابة كهذه.
(١٩٩) Florinda.
(٢٠٠) Bain de la Cave.
(٢٠١) أي انتقال مريم العذراء إلى السماء Sinagoga del transito.
(٢٠٢) Greco.
(٢٠٣) Villena.
(٢٠٤) Penitencia.
(٢٠٥) Santo Tomé.
(٢٠٦) Vargas وهي عائلة معروفة مشهورة ربما كان منها بركاش المغرب الذين منهم والي رباط الفتح الحالي السيد عبد الرحمن بركاش، ومن أراد أن يطلع على تاريخ هذه العائلة فعليه بكتاب «مقدمة الفتح من تاريخ رباط الفتح» للشيخ محمد أبي جندار.
(٢٠٧) Maqueda حتى الآن لم يظهر لنا حقيقة هذا الاسم.
(٢٠٨) Munarriz.
(٢٠٩) Vega.
(٢١٠) Mesa.
(٢١١) Arrabal الأسبانيول يقولون للربض «الربال» بقلب الضاد لامًا وهو بدون شك تحريف إلا أنه وجد لذلك أصل في اللغة العربية وقد نص على ذلك علماء اللغة ولما كنت في جبال الحجاز سمعت هذه اللغة من ثقيف وهذيل في ناحية يقال لها الشفا فسمعتهم يقولون «الليف» باللام المفخمة يريدون به «الضيف» وصلاة «اللهر» في صلاة «الظهر» وقرية «الليق» في قرية «الضيق» وهلم جرا. وقدذكرت ذلك في كتابي «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» وعقبت عليه بقولي: ولما كنت في الأندلس سمعتهم يقولون في كل بلدة «الربال» يعنون به ضاحية البلدة فأردت أن أعرف مأخذها فقرأت في كتبهم أنها لفظة عربية محرفة عن «الربض» ففكرت حينئذ في قلب الضاد لامًا عند هذيل ومن جاورهم من ثقيف وقلت من يدري؟ فلعل أول من تلفظ بالربض هناك تلفظ بها باللام، فقد كان في غزاة الأندلس كثير من هذيل وثقيف. انتهى. ولما كان كتابي هذا قد طبع بمطبعة المنار في القاهرة وتولى تصحيح مسوداته الأستاذ الأكبر فقيد الإسلام السيد رشيد رضا رحمه الله فقد علق على عبارتي هذه في الحاشية ما يأتي: مخرج الضاد العربية الفصحى قريب من اللام المفخمة، فهو بينها وبين مخرج الضاد، فلهذا تشتبه الضاد تارة بالظاء في نطق أكثر العرب إلى عهدنا هذا وتارة باللام المفخمة في نقط هؤلاء الهذليين والثقفيين. ومثل هذا الاشتباه يكثر في النطق، ولا سيما نطق الذي يعجل بالكلام فيتلقاه بعض السامعين محرفًا فيصير التحريف أصلًا متبعًا. وذكر علماء اللغة أنه سمع إبدال اللام من الضاد فقالوا «الطجع» أي اضطجع كعكسه في قولهم رجل «جضد» أي «جلد»: وبعد كتابة ما تقدم راجعت مادة ضجع في التاج فإذ هو يقول: قال المازني: إن بعض العرب يكره الجمع بين حرفين مطبقين فيقول «الطجع» ويبدل الضاد أقرب الحروف إليها وهي اللام. وزاد في اللسان: وهو شاذ. وقال الأزهري: وربما أبدلوا اللام ضادًا كما أبدلوا الضاد لامًا قال بعضهم «الطراد» و«اضطراد» لطراد الخيل. انتهى. نقلنا كلام السيد الامام هنا لفائدته.
(٢١٢) هذه اللفظة محرفة عن بيب شقره إذ لا يخفى كون الآمالة الأندلسية جعلت الباب بيبًا.
(٢١٣) يقال لهذه الكنيسة الصغيرة كنيسة بيب مردوم أي الباب المردوم والبيب كما لا يخفى هو الباب بلفظ أهل الأندلس الذين كانوا يتكلمون بالإمالة وكان على باب الجامع الذي تحول كنيسة كتابة تاريخها ٣٧٠ للهجرة كشفوها سنة ١٨٩٩ وتكلم عنها مارسه Marçais في كتابه عن الفن الإسلامي. وكذا ذكرها لامبار Lamber في كتابه عن طليطلة وفي كتابة أخرى «فن البناء الإسلامي بقرطبة وطليطلة في القرن العاشر» وكان العالم الأسبانيولي أما دوردولوس ريوس Amador de Los Rios قد حل هذه الكتابة بما يفيد أن الجامع بني بمعرفة مهندس اسمه موسى بن علي وشخص آخر اسمه سعادة وذلك في المحرم سنة ٣٧٠ وفق ٩٨٠ قال لاوي بروفنسال الذي نقلنا عنه هذه الرواية من كتابه «الكتابات العربية في أسبانية» إنه هو في سنة ١٩٢٥ لم يستطع قراءة هذه الكتابة ما عدا البسملة. فلعلها سنة ١٨٩٩ كانت لا تزال محفوظة وكانت قراءتها لا تزال ممكنة.
(٢١٤) Zocodover.
(٢١٥) يقال إن الرومانيين عندما ملكوا طليطلة وجدوا فيها صناعة السيوف زاهرة ثم لما جاء العرب إليها وجدوها أيضًا كما وجدها الرومانيون وإنما زادوها إتقانًا بما كان لأهل دمشق من رسوخ القدم في هذه الصنعة. وبقيت طليطلة تصنع السيوف طول مدة العرب فيها ثم بعد أن رحلوا عنها مدة ستة قرون والناس تتنافس بالسيوف الطليطلية. ولكن عندما جدت الأسلحة الحديثة في أواخر القرن الثامن عشر قضت على سيوف طليطلة. وكان الطليطليون غير مقتصرين على صنعة السيوف بل كانوا يصنعون أيضًا إبر الفولاذ وكانوا يصنعون السروج وعدد الخيل والمهاميز وزرد الدروع. وكانت عندهم صناعة الخزف والصناعة المسماة في دمشق بالقاشافي.
(٢١٦) كانت طليطلة مركزًا لصناعة نسج الحرير والصوف والمخمل والأطلس بجميع أنواعها ولم تكن أشبيلية ولا قرطبة تفوقانها في هذا وكان النساجون في طليطلة وأرباضها خمسين ألف عامل. وفي القرن السادس عشر كانت فيها صنعة الطربوش فكان يعمل بها بضعة آلاف عامل وكانوا يشحنون في ذلك الوقت إلى نحو من خمسة ملايين طربوش في السنة إلى أفريقية والبلاد الشرقية. وكانوا يصنعون الفلانس والكمم والطاقات المزركشة بأنواعها.
ومما اشتهرت به طليطلة لذلك العهد صنعة الخبز التي كانت فيها المثل الأعلى وكانوا يصنعون نوعًا من الأقراص بالسمن والسكر واللوز لم يكن أحد يباريهم فيه وكانت للخبازين في طليطلة مكانة لا يستخف بها وأول كتاب في الطبخ طبع في أسبانية وكان طبعه سنة ١٥٢٥ في طليطلة. ولا يزال إلى هذا اليوم مع تقلص عمران طليطلة محفوظًا بها بعض الشيء من ذلك الإتقان في الخبز وهم يصنعون مربيات كثيرة من الفواكه.
أما الصناعات الباقية إلى الآن في طليطلة بعد أن سقطت عن معاليها القديمة فهي نسج الحرير والقطن ونقش المعادن على طرز دمشق مما يسمى في أوروبا بالأراباسك والأدوات الكنسية والحفر والتنزيل في الخشب وما أشبه ذلك. فطليطلة بعد أن نزل عدد سكانها من مائتي ألف نسمة إلى عشرين ألفًا لا تزال تعد من المدن الصناعية.
(٢١٧) العمالقة المعروفون في التاريخ لم يكونوا البانين لطليطلة ولكن العرب يطلقون لفظة عمالقة على جميع الأقدمين الذين اشتهروا بالقوة والعظمة وأما قولهم النهر الكبير فإن كان يريد به نهر تاجه فهو صحيح لأنه من أكبر أنهار الأندلس ولكن جرت العادة بأن يسمى بالوادي الكبير نهر قرطبة النازل إلى أشبيلية وهو غير تاجه كما لا يخفى.
(٢١٨) إن طليطلة هي من الأقاليم المعتدلة في أسبانية ولكن الحر يشتد فيها جدًا أيام الصيف بما يلفحها من رياح أفريقية حتى تبلغ درجة الحرارة فيها أربعين بميزان سنتيغراد وهي تجمع الأضداد ففي الشتاء تنزل درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر ولكن لا يطول فصل البرد الشديد أكثر من شهر واحد وفصل الربيع فيها لا يطول أيضًا بل يبدأ الحر فيها من شهر مايو. وأحسن فصولها هو الخريف.
(٢١٩) Le Cid وهو القمبيذور الذي سبق ذكره عند ذكر مدينة برغش.
(٢٢٠) في دار الأسقفية خزانة كتب مفتوح للزائرين ثلاث ساعات قبل الظهر ولكن خزانة كتب الكنيسة الكبرى هي أهم بكثير وفيها مخطوطات نفيسة وأسفار من الطبع القديم. وليس اليوم في طليطلة معاهد علمية تستحق الذكر كما كان في الماضي فقد كان أمرها في زمن العرب معلومًا وسيرى القارئ من كثرة عدد من خرج منها من العلماء والأدباء درجة رقيها العلمي في الدور العربي. ولما عاد الأسبانيول إليها وردوها عاصمة لهم لم تبلغ الدرجة التي كانت عليها لعهد العرب لأن مدينة العرب كانت بلا جدال أرقى جدًا من مدينة الأسبانيول. إلا أنه في القرن الخامس عشر بني الأسبانيول فيها مدرسة جامعة وظهرت فيها نهضة علمية وتحولت قصور عبد الله بن موسى أحد أمراء طليطلة لعهد العرب معاهد للتدريس ولكن انتقال الحكومة إلى مجريط رد طليطلة إلى الدرجة الثانية بل الثالثة من جهة العلم والتعليم.
(٢٢١) يستعمل ياقوت الحموي هنا لفظة الجوف بمعنى الشمال على نسق المغاربة.
(٢٢٢) روي بعضهم أن استيلاء الفرنج على طليطلة وقع في سنة ٤٧٥ وروى آخرون أنه وقع في سنة ٤٧٧ وروى آخرون أنه في سنة ٤٧٨ وهي أصح الروايات وأما بالتاريخ المسيحي فدخول الأذفونش السادس إلى طليطلة فاتحًا كان في ٢٥ مايو عام ١٠٨٥.
(٢٢٣) بعد أن تمت الغلبة لعبد الرحمن الداخل على يوسف الفهري في خبر سنأتي على تفصيله في قسم التاريخ إن شاء الله، فر يوسف إلى «فريش» ثم إلى «فحص البلوط» كما جاء في كتاب «أخبار مجموعة» أقدم تاريخ عربي للأندلس، ثم واقع محجة طليطلة يريد بن عروة، ليأمن عنده، وهو إلى طليطلة على عشرة أميال، فمر بعبد الله بن عمر الأنصاري. وهو بقرية من قرى طليطلة، فقيل له: هذا يوسف منهزمًا. فقال لأصحابه: ويحكم! اخرجوا بنا نقتله، ونريح الدنيا منه، ونريحه من الدنيا، ونريح الناس من شره، فقد صار رجلًا ناجشًا للحرب. فخرج حتى لحقه، وليس بينه وبين مدينة طليطلة إلا أربعة أميال، وليس معه إلا سابق الفارسي، مولى لبني تميم، ومن يجهله يقول مولى يوسف. وبقيته بسرقسطة، ووصيف واحد فقط، وقد ماتوا من شدة الركض. وليس معهم منعة ولا مدفع، فقتل عبد الله يوسف الفهري، وقتل سابق، وهرب الغلام حتى دخل طليطلة. ثم أقبل عبد الله بن عمر برأس يوسف، فلما بلغ ابن معاوية (أي عبد الرحمن الداخل) إقبال عبد الله بن عمر برأس يوسف أمر بضرب عنق عبد الرحمن بن يوسف المكنى بأبي زيد، وكان عليه حردًا لما صنع بعياله، ثم خرج رأسه إلى رأس أبيه. ا.ﻫ. قلنا ظاهر من هذا النص، وصاحبه أدرى بالحقيقة لأنه أقرب عهدًا بالحوادث المذكورة، أن يوسف الفهري لم يكن دخل طليطلة، وإنما كان قاصدًا دخولها يوم قتله عبد الله بن عمر الأنصاري.
(٢٢٤) الذي في «أخبار مجموعة» هو هشام بن عروة الفهري، لا هشام بن عذره؟ ولا نعلم هل التصحيف في كلام أخبار مجموعة أو في كلام لاوي بروفنسال؟ وقال في «أخبار مجموعة» إنه كان مع هشام في الثورة حياة بن الوليد التجيبي والعمري من ولد عمر بن الخطاب رحمه الله فخرج إليه الأمير عبد الرحمن إلى طليطلة فحاصره فيها فلما عضته الحرب، وناله الحصار، دعا إلى الصلح وأعطى ولده رهينة، ورجع عنه الأمير. فلما انصرف عنه خلع أيضًا، وعاد إلى نفاقه، فغزاه الأمير السنة الثانية، فنزل به وحاربه ودعاه إلى الرجوع فصبر، فلما يئس منه أمر بابنه الرهينة فضربت عنقه، ثم جعل الرأس في المنجنيق ورمى به إليه فسقط في المدينة، ورجع عنه ذلك العام (إلى أن يقول) ثم رجع الأمير، وبعث بعد ذلك بدرًا مولاه، وتمام بن علمقة إلى طليطلة فحاصر هشام بن عروة، وقطع الأمير البعوث على الأجناد، وجعلها بينهم دولًا في كل ستة أشهر، فإذا انقضت دولة ندب أخرى، حتى مل أهل المدينة الحصار، واستثقلوا الحرب، وكاتبهم مع ذلك تمام وبدر، فأسلموا هشامًا والعمري وحياة (إلى أن يقول) ثم أمر بهم الأمير فقتلوا وصلبوا.
(٢٢٥) قال في النفح: وكانت في أيام الحكم حروب وفتن مع الثوار من أهل طليطلة.
(٢٢٦) يقول دوزي المستشرق العظيم، أشهر أوربي كتب على الأندلس، إن طليطلة كان فيها من الأسبانيول المستعربة أكثر مما فيها من العرب والبربر الذين كانوا منتشرين في قراها. فبسبب ذلك، وبسبب نفوذ كلمة القسيسين والأساقفة، كانت طليطلة مستعدة دائمًا للانتقاض. وكان الأسبانيول لا يزالون ينظرون إليها نظرهم إلى عاصمة لهم الدين والدنيا، وأهل طليطلة بفطرتهم متترعون إلى الثورة لا يضاهيهم في ذلك قبيل، وكان عندهم شاعر اسمه غربيب من عائلة أسبانيولية مسلمة يغريهم بالانتقاض أبدًا. وكان أمير الأندلس يحسب الحساب لغربيب، ولم يقدم على شيء بحق طليطلة ما دام غربيب حيًا، ولكن بعد موت غربيب استدعى الأمير أسبانيوليًا مسلمًا من وشقه اسمه عمروس وقال له: أنه لا يوجد غيرك من يقدر أن يريحني من أهل طليطلة الذين لا يرضون عليهم واليًا عربيًا، فلذلك أنا اخترتك واليًا عليهم لأنهم من جنسك. ثم أسر إليه رأيه في الاقتصاص منهم فوافقه عمروس عليه لما كان من شدة طمعه ورغبته في إرضاء الأمير، ثم كتب الأمير إلى أهل طليطلة كتابًا يقول لهم فيه إنه نزولًا عند رغبتهم اختار لهم واليًا من جنسهم.
وما وصل عمروس إلى طليطلة حتى بدأ بإعمال الحيلة حتى ينال ثقة الطليطليين التامة، وأخذ يتظاهر بالعصبية للجنس الأسبانيولي، ويبدي في الأحايين بغضاء لبني أمية وللعرب على الإطلاق، ثم قال للطليطليين أن سبب العداوة بينكم وبين السلطان هو وضع الجنود في بيوتكم، وتثقيلهم عليكم بأصناف المغارم فمن هناك كانت تنشأ أسباب الخصام فإذا ساعدتموني في بناء حصن لإيواء هذه الجنود في طرف البلدة تكونون كفيتم أنفسكم مؤونة هذه المشاجرات. ولما كان الطليطليون قد أولوا عمروس مزيد ثقتهم رضوا باقتراحه هذا بل آثروا أن يكون هذا الحصن في وسط البلدة بدلًا من أن يكون على طرف منها. ولما انتهى بناء الحصن أعلم عمروس السلطان بأنه قد أتم بناء الحصن وانتقل إليه بجنوده. فأسرع السلطان بإعلام أحد القواد الذين يرابطون في الثغور بأن يكتب إليه عن حركة بدت من جهة العدو، وذلك حيلة منه حتى يتمكن من إرسال الجنود إلى طليطلة. فلما وصل كتاب القائد أمر السلطان بزحف الجيوش على رأسها ثلاثة من وزرائه بمعية ابنه الأمير عبد الرحمن، ولم يكن بلغ من العمر أكثر من ١٤ سنة، فوصلت الجيوش إلى ضواحي طليطلة فأشار عمروس إلى أعيان الطليطليين بالسلام على الأمير ففعلوا، وقابلهم الأمير بالحفاوة الزائدة ورجعوا مسرورين فقال لهم عمروس: تقتضي المصلحة أن ندعو الأمير ليقيم بين أظهرنا عدة أيام، فإن هذا الأمير سيكون هو الملك في المستقبل، وأنه يحسن أن تكون علاقات الطليطليين به وثيقة فاستحسن القوم رأي عمروس، وأقبلوا على الأمير يدعونه ليقيم عندهم أيامًا فأجاب دعوتهم بعد أن اعتذر ثم لما حصل المقصود أمر الأمير بدعوة أهالي طليطلة وضواحيها إلى طعام فكتبوا إلى جميع الأعيان والوجوه وأقبلوا زرافات في الميعاد المعين، فلم يأذنوا لهم في الدخول إلا واحدًا واحدًا فكان الواحد يدخل من باب ويرسل فرسه مع تابعه لانتظاره أمام الباب الآخر. وكان عمروس أمر بحفر حفرة في دار الحصن أقام بجانبها عددًا من الجلادين فعندما يصل الواحد من أعيان طليطلة إلى جانب الحفرة يتلقونه بالسيوف ويلقونه فيها. ولم يعلم على التمام عدد الذين قتلوا في ذلك اليوم: فأين عذارى يقول سبعمائة والنويري وابن القوطية يجعلونهم خمسة آلاف. ولما صار الوقت ضحىً قال أحد أطباء طليطلة لجماعة كانوا أمام باب القصر: ماذا تراه حصل بهؤلاء المدعوين؟ فقيل له: لعلهم خرجوا من الباب الآخر. فقال لهم: كنت عند الباب الآخر فلم أجد أحدًا خرج. ثم نظر فرأى دخانًا يتصاعد فقال لهم: ليس هذا دخان الوليمة وإنما هو دخان أجساد قتلاكم. وبعد ذلك هدأت طليطلة مدة طويلة. ا.ﻫ. وأما غربيب الشاعر الطليطلي فقد قال عنه في «بغية الملتمس» ما يلي: غربيب (بكسر أوله) الطليطلي شاعر قديم مشهور الطريقة في الفضل والخير ومما يتداول الناس من شعره:
يهددني بمخلوق ضعيف
يهاب من المنية ما أهاب
وليس إليه محيا ذي حياة
وليس إليه مهلك من يصاب
له أجل، ولي أجل، وكل
سيبلغ حيث يبلغه الكتاب
وما يدري، لعل الموت منه
قريب. أينا قبل المصاب
لعمرك ما يرد الموت حصن
إذا أكتاب الملوك ولا حجاب
لعمرك إن محياي وموتي
إلى ملك تذل له الصعاب
إلى ملك يدوّخ كل ملك
وتخضع من مهابته الرقاب
فظاهر من شعر غربيب أنه شاعر ثائر صعب المقادة لا يرهب الملوك ولا يعرف فرقًا بين الملك والصعلوك وهو يذكر ما يذكر من استواء الجميع أمام الموت تهوينًا للموت على الناس صنع كل داع إلى ثورة.
(٢٢٧) Santaver وهي من مقاطعة قونكة.
(٢٢٨) يسميها أحمد بن يحيى بن احمد بن عميرة صاحب بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، واقعة الأركة فهو يقول ما يلي: وكان جواز عسكر الموحدين أعزهم الله — يقول أعزهم الله لأنه هو كان في ذلك العصر — إلى الجزيرة الخضراء في عام تسعة وثلاثين وخمسمائة وكان النصارى وقمهم الله قد استجاش بهم ابن غانية ودخل بهم قرطبة وغلبوا عليها وأدخلوا دوابهم في جامعها المعظم ومزقت أيدي الكفار به مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وجمع بعد جهد. ولما سمع النصارى وزعيمهم الأنبراطور بأن عسكر الموحدين قد جاز إلى الجزيرة خاف وخار وجمع الأعوان والأنصار واستشار فأشاروا عليه بأن يرجع إلى بلاده وينظر في حمايتها فخذله الله وتوافق مع ابن غانية على أن يتركه بقرطبة وينصرف فتركه بها ثم خدعه وطلب منه بيّاسه فدفعها إليه مخافة أن يستقر بقرطبة. واستولى الأمر العالي أدامه الله بعد ذلك على جميع ما كان بأيدي المسلمين بالأندلس وارتفعت المحن والفتن والجور والجزية واجتمعت الكلمة وجرت على الروم دمرهم الله هزايم جمة آخرها هزيمة أذفونش بن شانجه قصمه الله عند الأركة على مقربة من قلعة رباح في التاسع لشعبان المكرم عام إحدى وتسعين وخمسمائة. وكان عسكره الذميم ينيف على خمسة وعشرين ألف فارس ومائتي ألف راجل. وكان معه جماعات من تجار اليهود قد وصلوا لاشتراء أسرى المسلمين وأسلابهم وأعدوا لذلك اموالًا فهزمهم الله تعالى واستوعب القتل أكثرهم وحاز الموحدون جميع ما احتوت عليه محلتهم الذميمة وعاين اللعين الحمام ونجا برأس طمرة ولجام وكانت هزيمة شنيعة على الشرك ولم يسمع بمثلها والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين.
(٢٢٩) الذين يعرفون تاريخ دولة الموحدين يجزمون بأنه لو طالت حياة يعقوب المنصور لاسترجع طليطلة وجميع ما كان خلا من الإسلام من بلاد الأندلس.
(٢٣٠) ذكرنا من قبل أنهم في الأندلس كانوا يلفظون بالامالة ويقولون للباب بيب ولا يزال في قرطبة وفي أشبيلية وفي غرناطة أبواب كثيرة يقال للواحد منها بيب كذا وبيب كذا وهي إمالة يرجح عندي أنهم أخذوها من الشام فقد سمعت بأذني بعض أهالي بعلبك يقولون للباب بيب وإن كان الأكثرون في الشام اليوم لا يلفظون الباب بالإمالة. ولقد حررت رسالة في علاقة اللهجات العربية بالتاريخ ألقيتها في مؤتمر المستشرقين بليدن سنة ١٩٣١ ونشرتها في مجلة المقتطف وربما أطبعها على حدة إن شاء الله.
(٢٣١) Tornerias.
(٢٣٢) Visagra.
(٢٣٣) وجدت سنة ١٨٧٨ في دير سان برتلمي في بقعة طليطلة كتابة هي الآن محفوظة في المتحف الأثري الوطني في مجريط هذا نصها بعد البسملة:

يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. هذا قبر محمد بن أحمد بن محمد ابن مغيث كان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون توفي رحمه الله ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وأربعمائة.

ذكر لاوي بروفنسال: أن الغزال سفير المغرب زار سنة ١٧٦٦ طليطلة واطلع على هذه الكتابة وروى ذلك في رحلته فقال:

وركبت في الحال مع الحاكم للمواضع التي أرشدنا إليها فإذا بمقبرة المسلمين رحمهم الله سارية من الرخام مكتوب عليها بخط كوفي: يا أيها الناس الآية، وهذا قبر الإمام أحمد بن أحمد بن مغيث كان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبد ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون توفي رحمة الله عليه ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الثاني سنة تسع وأربعين وأربعمائة ثم سارية أخرى مكتوب في أولها ما في الأول من الآية الشريفة غير أن صاحب القبر لم يعرف من هو لمحو المحل الذي هو مكتوب ولم يبق من الحروف إلا لفظ أربع وأربعين في محل التاريخ لا يقرأ ما قبله ولا ما بعده.

قال لاوي بروفنسال: إن صاحب هذا القبر فيما يرتجح هو ابن أبي عمر أحمد بن محمد بن مغيث الصدفي المحدث الطليطلي الذي مات سنة ٤٥٩ وترجمه ابن بشكوال في الصلة وقال إن السفير المغربي لم يكن فيما يظهر ماهرًا بقراءة الخط الكوفي.
وقد وجدت أيضًا في تلك البقعة كتابة أخرى هي هذه: البسملة …

هذا قبر أحمد بن فرج مولى محمد بن جهور توفي رحمه الله يوم الأحد يوم خمس عشرة من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وأربعمائة رحمة الله عليه.

وكتابة أخرى على قبر مجهول نصها: «البسملة … هذا قبر محمد بن يوسف ابن العاسل توفي رحمه الله يوم الخميس لستة عشر خلون من المحرم سنة أربع وستين وأربعمائة فرحم الله من ترحم عليه» ووجدت كتابة بخط نسخي تاريخها سنة ٦٦٠ للهجرة هذا نصها بعد البسملة والتصلية:

يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور هذا قبر زهرة بنت محمد بن محمد رحمها الله توفيت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله في عام ستين وستمائة.

فهذه الكتابة هي بعد رجوع طليطلة للأسبانيول بنحوٍ من مائتي سنة فقد بقي فيها عدد غير قليل من المسلمين المحافظين على جميع شائرهم وقد بقي فيها مسلمون إلى ما بعد ذلك العهد بكثير ولكن بعد صدور الأوامر من ملوك الأسبان بتنصير جميع المسلمين قسرًا أصبحوا لا يقدرون أن يعلنوا إسلامهم وبقي في تلك البلدة مسلمون مكرهون على النصرانية وقلوبهم مطمئنةٌ بالإيمان إلى ما بعد سنة ألف للهجرة.
(٢٣٤) Valladolid.
(٢٣٥) ويقال لها وادي الحجارة وبالأسبانيولي Guadalajara
(٢٣٦) والاسبانيول يقولون لها مدينة سالى بالترخيم Medinaceli.
(٢٣٧) ونظنه أصاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤