المقدمة

أطلَّ القرن الثالث عشر للهجرة مع نهاية القرن الثامن عشر للميلاد، وكانت الإمبراطورية العثمانية هي المسيطرة على أكثر أرجاء العالم العربي، وإن كانت هذه السيطرة روحية في بعض أقاليمه كشمالي أفريقية ومصر والسودان. أما الجزيرة العربية والعراق والشام فكانت تحت النفوذ المطلق للإمبراطورية، كما كانت في حالة عجيبة من التفكك والتفسخ الداخلي والخارجي.

ولما حاول السلطان سليمٌ الثالث العثمانيُّ إصلاحَ الأمور، وتنظيم الجيش والأخذ بطرائق الإصلاح الأوروبية الحديثة، بمعونة سفير نابليون الثالث لدى بلاطه الجنرال سباستياني Sebastiani، لم يمكِّنه الجنود الانكشاريون المرتزقة من ذلك، وأكرهوه على أن يخلع نفسه، وتم لهم ذلك في سنة ١٨٠٧م، وفتكوا بجميع زعماء الإصلاح الذين آزروا السلطان في حركته الإصلاحية، وأجلسوا على العرش ابن عمه مصطفى الرابع الذي سار معهم كما يريدون، وأرجع الإمبراطورية إلى طرائق الرجعية والفساد. وكذلك فعلوا مع خلفه السلطان محمود الثاني، الذي أراد أن يخطو خطوة نحو الإصلاح، فوقفوا في وجهه فترة إلى أن تغلب عليهم وأصدر «فرمانًا» شاهانيًّا في سنة ١٨٢٦م أوجب به تأليف جيش نظاميٍّ حديث في الإمبراطورية، وفتك بعدد كبير من الانكشارية، وقضى على سلطانهم قضاءً مبيدًا. ولكن الدول الغربية الطامعة في استعمار الإمبراطورية العثمانية لم تترك السلطان المصلح يتم خطواته؛ ففي سنة ١٨٢٧م اتفقت الدول الثلاث: روسية وإنكلترة وفرنسة، فيما بينها، على تجزئة أوصال الإمبراطورية العثمانية، وحطمت أسطولها في معركة «نافارين» المشهورة. ثم تتابعت المحن على الدولة العثمانية المريضة، فلم تُمكِّن السلطان محمودًا الثانيَ من إتمام إصلاحاته ولا إلى إعادة القوة إلى الجسم المريض.

ومنذ ذلك الحين أخذت المقاطعات والولايات الخاضعة للدولة العثمانية تُفكِّر في الاستقلال عن الدولة والانفصال عنها شيئًا فشيئًا، وكان الانبعاثُ العربيُّ؛ فسارت البلاد العربية في طور جديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤