مقدمة الطبعة الثانية والثالثة
لقد كانت رغبتي الأكيدة، يوم بدأت جولاتي في ربوع الدنيا، أن أدرس شعوب العالم، وأتدسس إلى الصميم من حياتهم؛ لأخلص إلى ما يسود بينهم من الأخلاق والعادات، وقد كنت أصدر عقب كل «جولة» كتابًا يضمُّ مشاهداتي عن البلاد التي زرتها.
وكم كان سروري عظيمًا أن تهافت أبنائي البررة وزملائي الكرام على اقتناء هذه «الجولات»، حتى نفدت الطبعة الأولى وها أنا ذا أحقِّق اليوم رجاء الكثيرين ممن لم تسعد «جولاتي» بشرف اقتنائهم لها، فأقدم الطبعة الثانية، بعد أن أعملت فيها يد التهذيب، وأضفت إليها من مذكراتي بعض ما كنتُ قد أغفلت نشره في الطبعة الأولى.
وإني لَسعيد إذ أرى «مصر» تسمو بدراسة الجغرافيا إلى العناية بوصف الشعوب وحياة الإنسان، تلك الناحية التي قصدت إليها جولاتي هذه.
ولقد زادني غبطة ما لاحظت من أن كثيرًا من الإخوان تتجه عنايتهم إلى الرحلات، حتى لقد تحدَّث إليَّ في ذلك غيرُ قليلٍ من حضراتهم، ولعلهم يحرصون على تدوين مذكرات ينشرونها بعد عودتهم؛ حتى نستطيع بجولاتهم وجولاتي أن نزفَّ إلى أبناء هذا الوطن العزيز، بلغته العربية «كتاب الدنيا» يُطالِعون فيه أحوال شعوب تقدَّمَتْ ركبَ الأمم، وأخرى تخلفت، وعسى أن يكون لنا من هذه أحسن العِبَر، ومن تلك أجمل الأثر.
ويسرني أن أتقدَّم لحضرات قرائي الأعزاء بالطبعة الثالثة بعد أن راجعتها وأدخلت عليها بعض ما استحدث من مشاهدات.