الفصل الثاني

الماسونيَّة العملية من السنة الأولى المسيحية إلى الألف بعد المسيح

  • سنة١ بعد المسيح: أنشأ أوغسطس قيصر هيكلًا في نيم تذكارًا لصديقيهِ كايوس ولوسيوس، ولا تزال آثار هذا الهيكل إلى الآن معروفة باسم بيت المربع.
  • سنة ٥ب.م: انتظم المهندسون الإسرائيليون الذين كانوا قد أتوا إلى رومية وخولهم يوليوس قيصر في ذلك العهد حق العمل في سلك البنَّائين، وأدخلوا إلى هذه الجمعية تعاليمهم وأسرارهم التي تلقَّوها قديمًا عن المصريين.
  • سنة ١٠ب.م: قام النقاش الشهير فيتروفيوس بوليو Vitruvius Pollio ووضع كتابه الشهير في النقش وبين حالة الصناعة في تلك الأيام وما وصلت إليهِ بهمة البنَّائين الذين جعلوه صناعة شريفة حتى انتظم في سلكها السراة والأعاظم.
  • سنة ١٤ب.م: قام البناءُون في عهد طيباريوس قيصر وشيدوا قصرًا عظيمًا للقياصرة، وفي تلك السنة أمر طيباريوس بعمل أقواس نصر لأخيهِ كلوديوس دروسوس ولأوغسطس.
    وامتدت الصناعة في تلك الأيام امتدادًا عظيمًا، وعمَّت أربعة أقطار العالم الروماني، فأرسلت مدن برغاما Pergame، ونيكوميديا Nicomidie، وميلاسا Mylasse، والقيصرية Césarée، وبوزول Pouzzole، وبولا Pola مندوبين من قِبَلها إلى رومية ليستجلبوا منها قسمًا من البنَّائين ليشيدوا في تلك الأماكن هياكل إكرامًا لأوغسطس قيصر.
  • سنة ٢٥ب.م: أنجز البناءُون عمل الجسر الذي بدءوا بإنشائهِ على نهر ريمبني في زمن أغسطس قيصر، وذلك في عهد طيباريوس، وأمر بتشييد هياكل لعبادة الإلهة بروزربينا وجونون وإله الاتحاد.
  • سنة ٤١ب.م: قام كلوديوس قيصر وأمر ببناء حاجز للمياه، وبذل في إنشائهِ الأموال الطائلة بما جعله أنيقًا للغاية ودعاه باسمهِ.
  • سنة ٥٠ب.م: في هذه السنة وصلت صناعة البناء في رومية إلى أسمى معارج الكمال، ولكنها كانت مضطهدة من القياصرة الذين كانوا يهضمون حقوقها ويحرمونها من امتيازاتها شيئًا فشيئًا حتى ذبلت نضارتها عما كانت عليهِ سابقًا، وأصبحت تسير القهقرى رغمًا عن النشاط العظيم الذي أبداه محبوها ليرجعوا لها عظمتها الأولى، ونضارتها السابقة، ومع ذلك لم يُفلحوا سعيًا فيما حاولوا إدراكه، وبقيت تلك البنايات التي أنشأها هؤلاء الجهابذة في ذلك العهد تدلنا صريحًا أن قد تلاعبت بجمعيتهم أيدي الأيام حتى لم تعد كما كانت عليهِ في الأزمنة الغابرة من ضخامة البناء ومتانتهِ وزخرفتهِ التي أبدعته عقول قوم فضلاء تنزهوا عن الشين، وجعلوا الحقيقة هدفًا يتداعون إلى إصابتهِ.

وظهرت عوامل هذا التقهقر في جماعة البنَّائين اليونانيين أيضًا الذين أخذ الرومان عنهم آثارًا كثيرة واقتفوهم طويلًا في صناعتهم.

والذي دعا إلى هذا التأخر العظيم هو أن يوليوس قيصر وأوغسطس أرسلا إلى البلدان التي افتتحوها كل الذين اشتهروا بالبناء، والذين أحرزوا بهِ شهرة عظيمة ليقيموا في تلك البلدان آثارًا عظيمة ومباني ضخمة جسيمة ليجعلا عند هؤلاء القوم المغلوبين أثرًا حميدًا من تقدم الرومان وإبداعهم، فكان البناءُون لشهرتهم وفضلهم يفعلون ما لم يفعله سيف المنتصرين الصقيل، ولا رمحهم الذابل الطويل. وكان بين هؤلاء قسم خصص نفسه للكتابة فيظهر بتآليفهِ للعالم أجمع فضل هذه الجمعية وغايتها الشريفة، فيتقاطرون إلى الانتظام بسلكها متداعين.

نيرون الظالم

  • سنة ٥٤ب.م: ذاقت رومية مرارة العيش وعرفت نكد الطالع لتسلط نيرون الظالم عليها بعد أن أحرق عاصمته (رومية) فاحترق معها كثير من البنايات النفيسة والهياكل الأنيقة، ثم أمر بإنشاء قصر عظيم لسكناه ودعاه القصر الذهبي، وكان الأستاذان سيفيروس Severus وسيلر Celler يديران الأعمال ويدربان العمال على البناء، بما جعل هذا القصر اسمًا على مسمى.
  • سنة ٧٠ب.م: أمر فلافيانوس قيصر ببناء هيكل السلام العظيم وإنشاء مرسح يسع مائة وعشرة آلاف نفس، واشتغل بهذا البناء اثنا عشر ألف يهودي جيءَ بهم أسرى عند افتتاح أورشليم، ولم ينتهِ هذا المرسح إلا في عهد تيطس سنة ٨٠ب.م.
  • سنة ٨٠ب.م: أمر تيطس قيصر ببناء الهياكل وتشييد المباني العمومية وترميم الأماكن التي احترقت في السنة السابقة.
  • سنة ٨٥ب.م: تسلط دوميتيانوس قيصر على رومية فعظمها كثيرًا وأنشأ فيها المحلات الأنيقة والمباني الجسيمة، وشيَّد فيها الهياكل العظيمة كما في غاليا.
  • سنة ٩٠ب.م: أقام جماعة البنَّائين حصونًا وقلاعًا عظيمة في بريطانيا، كما أمرهم بهِ الجنرال أغريقولا Agricola وتحصينات كثيرة في خليجي فورت Forth وكليد Clyde ليردوا هجمات أعدائهم الاسكوتسيين، واحتل الجنرال أغريقولا تلك الضواحي ليضبط البلاد ويسود الأمان.
  • سنة ٩٨ب.م: أنشأ الإمبراطور تراجيانوس قيصر هياكل لعبادة الآلهة فانوس وديانا. وكان هيكل كيرينوس عظيمًا للغاية مؤلفًا من طبقات عديدة قائمًا على ستة وسبعين عمودًا، وكذلك في الولايات الرومانية أُنشئت معابد كثيرة وهياكل عظيمة إكرامًا للقياصرة، وفي تلك السنة بنى تراجيانوس مرسحًا في رومية بغاية الاتساع أنيقًا مزخرفًا بأنواع الزينة يسع مائتين وستين ألف نفس.
  • سنة ١٢٠ب.م: قام أدريانوس قيصر وأنشأ هياكل عظيمة لعبادة الزهرة، وأقام تمثالًا آخر لنفسهِ دعاه تمثال أدريانوس، أو قصر الملاك الصالح، وفي ذلك العهد طرد من مملكتهِ أبولودوروس Apollodore الحفار الشهير لكونهِ قال له حقيقةً كان يود إخفاءَها، وكان لهذا القيصر همة لا تعرف الكلل، ولا يعروها الملل، فكان دأبه إنشاء المعالم والقصور والبنايات الأنيقة والهياكل الضخمة الفخيمة، فكان يزور ولاياتهِ والممالك الرومانية ويأمر بتشييد الأماكن العمومية التي تعود بالنفع على العباد والبلاد، فأقام في بريطانيا سورًا منيعًا يمتد من تينا Tyne حتى خليج سلواي Solway ليقي البلاد شر هجمات أعدائهم الاسكوتسيين الذين كانوا دائمًا في حرب مستمرة، وكثيرًا ما كانوا يشنون الغارة ويعيثون في الأرض فسادًا، وتمم في إسبانيا بناءَ الهياكل العظيمة التي بدأها أوغسطوس قيصر، وأنشأ في أفريقيا هياكل كثيرة في البقعة القائمة عليها الآن تونس والجزائر، وحفظت آسيا له ذكرًا جميلًا لكثرة المباني الأنيقة التي أقامها فيها. ووجه اهتمامه إلى اليونان خصوصًا، وجعلها بمدة وجيزة زاهية زاهرة، ومن جملة الهياكل التي شيدها هناك هيكل المشتري، وفيهِ مائة واثنان وعشرون عمودًا.
  • سنة ١٣٠ب.م: وبعد سقوط الجمهورية الرومانية بدأت كل الجمعيات التي أقامها نوما بومبيليوس تتأخر شيئًا فشيئًا إلى أن تبيد وتضمحل؛ وذلك لظلم الحكام وضغطهم عليها. وكانت طائفة البنَّائين قد أخذت تتقهقر كغيرها من الجمعيات فكأن القياصرة تراجيانوس وأدريانوس وغيرهما لجموها بشكيمة الظلم والاستبداد وأخَّروا أعمالها كثيرًا، ولكن حب المجد والفخفخة غلب عليهم وأجبرهم أن يتركوا هذه الطائفة وشأنها تفعل ما تريد لعلمهم الأكيد أن لا قوام لهم وللمملكة إن لم يكن فيها مثل هذه الجمعية العظيمة الشأن.
  • سنة ١٤٠ب.م: قام البنَّاءُون في عهد أنطونيوس قيصر ببناء هيكل لمارس إله الحرب وأمرهم هذا القيصر بإنشاء حصن آخر في بريطانيا، إذ رأى الأول غير كافٍ لأن يمنع عن تلك البلاد هجمات أعدائها الثائرين، وكان بناء هذا السور المنيع الذي وصل فورت Forth   بكليد Clyde يستوجب مشاركة الأهلين في بنائهِ أيضًا، إذ لم يكن عدد البنَّائين ليكفي هذا العمل العظيم فانتظم كثيرون من الأهالي في سلك هذه الجمعية وأخذوا أسرارها وتلقنوا تعاليمها. وامتاز ملك أنطونيوس قيصر عن غيرهِ بإنشاء البنايات العظيمة أهمها في هليوبوليس، وهي بعلبك التي لا تزال آثارها بسورية حتى الآن تدلنا صريحًا على ما كان عليه البناءُون من العظمة والصولة، وقد خصص هذان الهيكلان بعبادة الشمس، والذي يدخل القلعة الآن يرَى هيكلها أشبه بالمحافل الماسونيَّة الرمزية.

انتشار المسيحيين واضطهادهم

  • سنة ١٦٦ب.م: وفي ذلك العهد كثر عدد البنَّائين كثيرًا وانتظم في سلك الجمعية المشار إليها عدد من السراة والأشراف، واعتنق معظم هذه الجماعات الديانة المسيحية التي امتدت امتدادًا عظيمًا، فحقد القيصر ماركوس أورالوس حقدًا شديدًا، وعزم على إبادة هذه الديانة الحديثة العهد بأي واسطة كانت فلم يألُ جهدًا في استنباط أسباب العذاب والاضطهاد الشديد الذي يجعل المسيحيين يجتنبونه وتفزع قلوبهم منه فيتركون هذه الديانة الحديثة ويرجعون إلى عبادة الأصنام ويعودون في أوهامهم يعمهون، ولكن هؤلاء الأقوام كانوا من الذين فعلت فيهم النعمة فعلها الحسن ففضَّل بعضهم الموت على الحياة أو يعيش شريفًا عزيزًا، فهذا مات شهيدًا وغيرهم جبن عن اقتحام الموت، ولم يرد أن يبيع دينه بدنياه فضحَّى لذلك راحته وهجر بلاده ولجأ إلى بريطانيا، حيث لقي أمنًا حريزًا.

    فكان البناءُون الذين بقوا في رومية يجتمعون فرقًا ويدخلون الأسراب والمغاير والكهوف، حيث يختبئون من عذاب محتوم وموت مقرر يتممون واجبات ديانتهم في تلك الأماكن المظلمة الحقيرة ويبثون بعضهم لبعض روح المحبة والصبر على الشدائد.

    ولبث حكم ماركوس أورالوس عشر سنوات ذاق المسيحيون في خلالها الموت الزؤام فكانوا يقادون أسرابًا إلى محل النطع والهلاك، وبعد أن يتكبدوا مرَّ العذاب كانوا يعدمون بلا شفقة ولا حنان.

  • سنة ١٨٠ب.م: قام الإمبراطور تيطس قيصرًا على الرومانيين، فأمر بإنشاء بعض هياكل ومعالم، وأقام عمودًا وسط رومية إكرامًا لأسلافهِ ماركوس أورالوس وأنطونينوس (ويدعى هذَا العمود عمود أنطونينوس).

    وجدد هذا القيصر العذاب والاضطهاد الذي كان أثاره ماركوس أورالوس على المسيحيين فهرب كثيرون من الذين بقوا في رومية ولجئوا إلى الشرق، ولم يكن في رومية إلا عددٌ قليلٌ جدًّا من البنَّائين الذين لم يتركوا عبادة أصنامهم، وهكذا أخذت الماسونيَّة تنحط شيئًا فشيئًا إلى أن وصلت إلى دركات الذل.

  • سنة ١٩٣ب.م: تقلد إسكندر سيفير Alexandre Sévère زمام السلطنة الرومانية، وكان هذا القيصر من القوم الفضلاء الذين يفضلون مصلحة بلادهم على نفعهم الخاص، ولم يكن من الذين أعماهم الغرض، ورأى بعين الحكمة أن لا قوام لملكهِ إن لم يكن معززًا بالبنَّائين، فأعطاهم حقوقًا جمة ومنحهم امتيازات كثيرة، فعادت إلى رومية عظمتها الأولى، وتجدد بناءُ الهياكل بنشاط عظيم، ورام هذا القيصر إنشاء هيكل للمسيح الذي كان يعتقد بقدرتهِ الإلهية، ولكنه أحجم عن هذا العمل لما لقي من العقبات التي أبداها له وزراؤُه وعظماءُ مملكتهِ، وقالوا: إن الهياكل الأخرى تمس فلا يعود أحد يدخلها بعد ذلك.
  • سنة ٢٠٠ب.م: سعى إسكندر سيفير فبنى سورًا جديدًا في شمالي السور القديم وقايةً لأملاكهِ فيها، ولكن البنَّائين الرومانيين لم يكونوا كُفُؤًا لإتمامهِ لقلة عددهم فاضطروا إلى التسليم بإنشاء أخوية بريطانية من أبناء تلك البلاد، وجعلوا لهم امتيازاتٍ وحقوقًا كما كان لهم.
  • سنة ٢١١ب.م: زها ملك القيصر كاراكلا بإنشاء هياكل كثيرة أعظمها هيكل منيرفا إلهة الحكمة.
  • سنة ٢٣٥ب.م: تسلَّط مكسيميانوس قيصر على المملكة، فعزز الماسونيَّة ومنحها حمايته الخاصة وأمر بإنشاء معابد وهياكل كثيرة ومحلات عمومية، فصارت رومية بعد زمن يسير غاية في الرونق والجمال، ولم يكن يألو جهدًا في عمل ما يعود نفعه على العباد والبلاد.
  • سنة ٢٥٠ب.م: عادت الماسونيَّة إلى الانحطاط لتجريد القياصرة ديسيوس وفاليريوس سيوف الاضطهاد على المسيحيين اضطهادًا أجبرهم على المهاجرة ثانيةً فتفرَّقت مدارس البنَّائين وتشتت شمل إخوتها الذين قبلوا الديانة المسيحية الآمرة بالخير والمحبة الأخوية، والتجأ هؤلاء إلى أقطار عديدة، فمنهم من ذهب إلى غاليا، وآخرون إلى بريطانيا، حيث ذاقوا حلاوة العيش وصفاء الحياة، إذ كان فيها عدد عديد من البنَّائين النشيطين.
  • سنة ٢٦٠ب.م: أنشأ البناءُون جمعيات دعوها جمعيات الصنائع والفنون، وهي فرع من جمعيتهم الأصلية.
  • سنة ٢٧٠ب.م: اعتنق معظم الإخوة البنَّائين الذين في غاليا وبريطانيا الديانة المسيحية، واهتموا بتشييد الكنائس والمعابد التي أنشأها الواعظون والرسل الذين جاءوا من رومية سنة ٢٥٧، فأقاموا في إميان وبوفي وسواسون وريمس وباريس كأساقفة مرسلين ليبشروا العالم بهذه الديانة الشريفة.

بناءُ تَدْمُر

  • سنة ١٧٥ب.م: اشتهرت الماسونيَّة في ذلك العهد ببناء هياكل عظيمة في مدينة بالمير بسورية (وهي تَدْمُر الحاليَّة) ففاقت بعظمتها وفخامتها هياكل بعلبك، وكان أعظمها ذا أربعمائة وأربعة وستين عمودًا أكثرها من قطعة واحدة هائلة، وكان عدد هذه العواميد التي قام عليها الهيكلان ألفًا وأربعمائة وخمسين عمودًا. وانتهز القيصر أورليانوس زمن السلم ليعزز البنَّائين بقوتهِ ويمنحهم امتيازاتهم القديمة، وكان يعين على أعمالهم المهندسين كليودوماس Cléodomas، وأتيناكوس Athénacus، وهما تلميذان تدربا في مدارس بيزنطية العظيمة.
  • سنة ٢٨٠ب.م: أرسل القيصر ديوكليتيانوس واستدعى البنَّائين الذين في بريطانيا ليشيدوا المباني الفخيمة التي عزم على إنشائها في غاليا.

أول دعوة البنَّائين أحرارًا

  • سنة ٢٨٧ب.م: قام كاروسيوس وهو قائد الأسطول الروماني وشق عصا الطاعة وسار نحو بريطانيا، ودعا نفسه إمبراطورًا عليها، ولكي يكتسب رضا الشعب ويحرز ثقته تزلف إلى الفئة الغالبة، وهي طائفة البنَّائين ومنحهم في مدينة فيرولام (سان ألبان) مقر حكومتهِ كل الامتيازات التي كان منحهم إياها نوما بومبيليوس الواضع الأول لمدارس البنَّائين سنة ٧١٥ق.م. ومن ذلك العهد؛ أي من سنة ٢٩٠ب.م صاروا يدعون البنَّائين أحرارًا Free Masons ليفرقوهم عن الفئة الأخرى.

أول شهيد ماسوني

  • سنة ٢٩٣ب.م: كان «ألبانوس Albanus» كاهنًا ومهندسًا ونقَّاشًا رومانيًّا، وصار مفتشًا للبنَّائين سنة ٢٩٢، ثم صار أستاذًا أعظم للماسونية البريطانية وسفيرها أمام كاروسيوس، واعتنق الديانة المسيحية حين منحت للبنائين امتيازاتهم القديمة، فقام مبشرًا يدعو الأمم للدخول في هذه الديانة الشريفة وهزته حميته ورغبته ومحبته في الدين أن يذهب ويبشر الإمبراطور نفسه الذي ثار عليهِ حنقًا، وأمر بإعدامهِ قتلًا بالسيف فقُتل، وكان هذا الأستاذ الأعظم للماسونيَّة أول شهيد قضى في بريطانيا ظلمًا محبةً في الدين.
  • سنة ٢٦٩ب.م: اقترب الأسطول الروماني من بريطانيا مقلًّا قسطنطين نائب الإمبراطور فثار أشياع كاروسيوس عليهِ وقتلوه ونصَّبوا قسطنطين إمبراطورًا عليهم فاختار هذا مدينة أيبوراكوم (يورك) عاصمة له ومقرًّا لحكومتهِ.
  • سنة ٣٠٠ب.م: في تلك السنة زهت صناعة البناءِ في رومية وأزهرت حتى عُدَّ فيها خمسمائة هيكل وسبعة وثلاثون بابًا لها وستة جسور وسبعة عشر مرسحًا وأربعة عشر حاجزًا وخمسة تمثالات أقيمت تذكارًا لمن اشتهر من رجال الرومان العظماء وقياصرتها، وكل هذه البنايات أُقيمت بهمَّة طائفة البنَّائين ونشاطها، واشتُهر في هذه السنة كليودوماس النقاش البيزنطي في رومية بأعمالهِ وإتقانهِ.

اضطهاد المسيحيين

  • سنة ٣٠٣ب.م: تسلط القيصر ديوكليتيانوس على رومية وازدادت في أيامهِ البنايات واتسع نطاق البناء فيها، ولكنه اشتهر بظلمهِ واضطهادهِ للمسيحيين اضطهادًا شديدًا اضطرهم للمهاجرة إلى الأقطار البعيدة ليخلصوا من ظلم هذا الحاكم المستبد، ولكن أحكامه كانت صارمة جدًّا حتى اضطر حاكم بريطانيا رغمًا عن حلمهِ ومحبتهِ للمسيحيين أن يثير عليهم عواصف الاضطهاد، فاضطروا للمهاجرة إلى اسكوتسيا وهي قريبة منهم، وأدخلوا إلى تلك البلاد النصرانية وعلم البناء. وهم الذين أقاموا فيها تلك البنايات الهائلة الضخمة القائمة حتى الآن تسخر بعواصف الأرياح، فلا ينالها نائلة، وهي بمعزل عن طوارق الأيام وتوالي الحدثان؛ بنايات تدلنا صريحًا على ما كان عليهِ هؤلاء الجهابذة من التقدم والفلاح في معارج الفضل والنجاح، وبقي من البنَّائين في رومية عدد قليل جدًّا من الذين لبثوا في جهالتهم ولم يعتنقوا الديانة المسيحية فأخذ البناءُ في رومية يسير القهقرى، ولم ينشأ في ذلك العهد شيءٌ يستحق الذكر.
  • سنة ٣٠١ب.م: اشتهر أتانيوس النقاش البيزنطي في رومية بجليل أعمالهِ.

قسطنطين الكبير والمسيحيون

  • سنة ٣١٣ب.م: هدأ الاضطهاد على المسيحيين وعادت إليهم أمنيتهم وراحتهم بأوامر قسطنطين الكبير الذي أصدر أمرًا بجعل الديانة المسيحية ديانة المملكة العمومية، ومن لم يقبلها تنزع عنه الحقوق الرومانية، ويُعَد كأجنبي في البلاد.
  • سنة ٣٢٣ب.م: أنشئوا أول كنيسة في لاتران.
  • سنة ٣٢٥ب.م: صادق مجمع نيقية المنعقد هذه السنة على جعل الديانة المسيحية ديانة المملكة، كما أمر قسطنطين فبدأت الماسونيَّة تزداد رفعة يومًا عن يوم والشعوب تتقاطر إلى الانتظام في عقدها الثمين.

    وإذ رأى مسيحيو رومية ذواتهم آمنين، ولم يعد ثَم شيءٌ يروعهم أو يثير قلقهم؛ لأن الملك نفسه كان معتنقًا ديانتهم مجاهرًا بنفسهِ حاميًا لهم بعد الله عظيمًا نشطوا من عقال خمولهم وشمروا عن ساعد جِدهم واجتهادهم بهمة شماء لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل لبناء الكنائس، وفي مدة وجيزة حوَّلوا كل الهياكل الوثنية إلى كنائس أنيقة، وأقام الملك قسطنطين الكبير كنيسة في الفاتيكان خصصها باسم القديس بولس تذكارًا لنصرهِ المجيد على مكسانتيوس والأعجوبة الفائقة التي ظهرت له، وفي تلك السنة أقام الشعب تمثالًا لإكرام هذا الملك العظيم الشأن.

  • سنة ٣٣٠ب.م: جعل هذا الملك الذي اعتاد المسيحيون على تلقيبهِ بالكبير والعظيم البيزنطية مركزًا لملكهِ ودعاها القسطنطينية باسمه فتألَّبت الماسونيَّة في أيامهِ شديدًا لإنجاز الأعمال العظيمة التي عزم على إنشائها، وكانت كنيسة أجيا صوفيا التي أمر بإنشائها سنة ٣٢٦ أول كنيسة بُنيت في القسطنطينية وأنشئت مدرسة أخرى لطائفة البنَّائين وامتزج الخط الروماني واليوناني بالخط العربي، ونشأ عن هذا الامتزاج الخط البيزنطي الذي لم يظهر بكل أُبهةٍ وعظمةٍ قبل الجيل الثامن.

    وكان هذا الملك الذي اعتنق النصرانية قد أمر أن يُتَّخذ علامة الصليب شعارًا للكنيسة وعلامةً فارقة للألوية التي تتقدم جيشه، ولكي يزين عاصمته الجديدة أرسل فاستجلب من رومية وأثينا ورودس وصاقس وقبرس وسيسيليا وإيطاليا كل ما فيها من الآثارات الجميلة والزخارف البديعة الصنع، وهذه كلها أدخلها إلى مملكتهِ لتبقى فيها بعد ذلك لا ينازعها منازع ولا يعارضها معارض.

    وكان البناءُون المسيحيون الذين هربوا من الاضطهاد ولجئوا إلى سوريا والبلاد العربية يشيدون الكنائس إتمامًا للأوامر المعطاة لهم من قسطنطين الملك. وفي زمن وجيز أصبحت أورشليم وبعلبك وبيت لحم وأنطاكية أماكن تضرب بعظمتها الأمثال لكثرة ما شيِّد فيها من البِيَع والكنائس وشُيدت كنيسة القبر المقدس في أورشليم بذلك الوقت.

  • سنة ٣٤٠ب.م: ازدادت الماسونيَّة رفعةً وإعزازًا في البيزنطية (القسطنطينية) التي أصبحت مهدًا لها ومحطًّا لرحالها، ولم تمضِ على هذه المدينة عشر سنوات وهي عاصمة البلاد حتى شُيد داخل أسوارها ثلاثة وعشرون كنيسة عظيمة عدا الكنائس الصغيرة.

تشتت الماسون

  • سنة ٣٥٥ب.م: حكم الإمبراطور جوليانوس على غاليا فأمر بتشييد هيكل عظيم في باريزي التي جعلها عاصمة بلاد غاليا ودعاها باريس، وذلك بعد انتصارهِ على الفرنك وأمر بتشييد كنائس عديدة مكان الهياكل الوثنيَّة.
  • سنة ٣٨٠ب.م: كانت البلاد عرضة لهجمات الأعداء الجرمانيين الذين كانوا يهددونها من كل جهة ومكان، فتفرقت الماسونيَّة وطرأ عليها عامل التشتيت فلجأت إلى الأديرة لتنجو من الهلاك المحيق الذي كان يهددها، وهناك أخذ عنها الرهبان أسرارها وحفظوها عندهم طويلًا.
  • سنة ٤١٠ب.م: ظل الاسكوتسيون يهددون الرومانيين في أملاكهم البريطانية ويشنون الغارة عليهم من يوم إلى آخر فيهدمون المعاقل والحصون والبناءُون يشيدونها، ولكن عددهم لم يكن كافيًا ليردع هجمات الأعداء العديدين فارتأى الرومانيون أن يتخلوا تمامًا عن تلك البلاد ويخلونها وشأنها وهكذا فعلوا.

    وإذ رأى البناءُون أنفسهم وحيدين لا دولة لهم تحميهم ويتمتعون بامتيازاتهم هاجروا إلى بلاد الغال واسكوتسيا وأدخلوا إليها الديانة المسيحية وعِلم البناء محافظين تمام المحافظة على التقاليد القديمة التي تلقنوها، والتي عليها تأسست محافلهم.

مساعدة الباباوات للماسون

  • سنة ٤٣٠ب.م: فرغمًا عن المساعدات العديدة التي أحرزتها الماسونيَّة وعضد الباباوات لها لم تعد تظهر كالأول في مظاهر عظمتها؛ إذ إن هجمات البرابرة، والذين عاثوا في إيطاليا فسادًا أبدلوا عظمة رومية وحسن رونقها بالهوان.

ولكن لكثرة ما اجتهد الباباوات في هذا الأمر واهتموا بهذا الشأن أخذت تسير إلى الأمام شيئًا فشيئًا، وهدمت الهياكل الوثنية الأنيقة وأخذت منها زخارفها، وشيدت بها كنائس لعبادة المسيحيين.

البرابرة ورومية والماسون

  • سنة ٤٥٥ب.م: هاجم البرابرة رومية ثانية تحت قيادة جانسيريك Genséric وهدموا كل ما فيها من المباني العمومية الجميلة، وهذا العمل أضرَّ بالماسونيَّة كثيرًا، ولم تنشأ بناية جديدة في تلك البلاد مدة مديدة.
  • سنة ٤٧٦ب.م: هاجم البرابرة رومية للمرة السادسة في قرن واحد، وكانت مهاجمتهم الأولى تحت قيادة الإريك سنة ٤١٠ وجنسيريك سنة ٤٥٥، وهذه السادسة بقيادة أدواكر Odoacre، وكانت هذه أشد الضربات وأثقلها على البلاد الرومانية، فهدمت الهياكل ودمرت البلدان، وتشتت جماعات البنَّائين، ورُزئت البلاد رزءًا عظيمًا.

    ورأى البناءُون هذا البلاء فاجتنبوه كي لا تدرس صناعتهم الشريفة فهاجروا إلى أربعة أقطار العالم فساروا إلى اليونان ومصر وسوريا، حيث شادوا الأماكن العظيمة والهياكل الأنيقة.

  • سنة ٥٠٠ب.م: ولبثت الماسونيَّة في رومية خاملة حتى هذا العهد فظهر بعض شتات من تلك الجمعيات العظيمة فشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم وتألبوا يدًا واحدة واعتصبوا فكرًا واحد ليعيدوا للماسونية شرفها الأول وعظمتها الأولى، فشيدوا الهياكل وبنوا بعض كنائس عظيمة.

همم الماسونيين

  • سنة ٥٢٥ب.م: اقتدت غاليا برومية وقام البناءُون فيها بهمة شماءَ وهدموا الهياكل الوثنية التي لبثت قائمة، رغمًا عن هجمات الأعداء، وشيدوا مكانها كنائس عظيمة جدًّا. وفي زمن تسلط شيلديريك من سنة ٤٦٠ إلى سنة ٤٨١ وكلوفيس من سنة ٤٨١ إلى سنة ٥١١، وكلوتير من سنة ٥١١ إلى سنة ٥٦١ ظهرت الماسونيَّة بأبهى حلل جلالها وجمالها، وأُعيدت لها كل الامتيازات والحقوق الرومانية التي كان نوما بومبيليوس قد منحها إياها.

الماسون في الشرق

  • سنة ٥٣٠ب.م: تقدَّمت الماسونيَّة في سوريا تقدمًا عظيمًا، فأقيمت المدن والهياكل والمباني العمومية الكثيرة، واستدعت الدولة الساسانيَّة التي كانت مالكة إذ ذاك على الفرس هؤلاء الجهابذة إلى بلادها ليشيدوا معالمها ويقيموا حصونها وقلاعها ويبنوا هياكلها ومعابدها، وامتزج هناك الخط اللاتيني والبيزنطي بالخط الفارسي وأصبحت الماسونيَّة على درجة من العظمة لا تنازع.

    اشتهر المهندس النقَّاش أنتيموزيوس والنقَّاش أيزيدور دي ميللي في هندسة ونقش كنيسة أجيا صوفيا في القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة التي كان قد بناها قسطنطين سنة ٣٢٦ كما تقدم.

    بعد احتراق كنيسة أجيا صوفيا التي كان أنشأها قسطنطين الكبير قام القيصر بوستينيانوس الأول وأمر البنَّائين بتشييدها ثانيةً، وكان عدد الذين اشتغلوا بهذا البناء العظيم مائة أستاذ، ولكل أستاذ مائة تلميذ، وكان خمسة آلاف عامل يشتغلون في الجهة اليمنى وخمسة آلاف في الجهة اليسرى، وانتهت بعد ستة عشر عامًا من بدء العمل بها، وحين نجز بناؤُها ضحى الملك ألف ثور وعشرة آلاف كبش وستمائة غزال وألف خنزير وعشرين ألف دجاجة وثلاثين ألف كيل حنطة وُزِّعت هذه كلها على الفقراء. وإذ كان قد صرف على بنائها مبالغ طائلة التزم أن يجعل ضرائب على الشعب ليخفف أثقال المحن التي ألمَّت بهِ لهذا السبب، وكان كما قيل قد صرف ٤٥٢ قنطارًا ذهبًا، ولم تعلُ هذه البناية الجسيمة سوى بضعة أمتار فقط.

    وعندما افتتح محمد الثاني القسطنطينية حوَّل هذه الكنيسة إلى جامع، وهو أشهر الجوامع في البلاد الإسلامية من حيث العظمة والاتساع.

  • سنة ٥٥٧ب.م: ذهب أوستين Austin وهو راهب من رهبان ماري مبارك إلى بريطانيا ليبشر الأنكلوساكسون ويدعوهم إلى الديانة المسيحية، وإذ كان بارعًا في النقش رأس جماعة البنَّائين وحرَّك فيهم عامل النشاط ونشل الماسونيَّة من وهدة الخمول التي ألقتها فيها الحروب الأخيرة.
  • سنة ٥٨٠ب.م: كانت الجمعيات الماسونيَّة في بريطانيا قليلة العدد لا تفي بالمطلوب منها من إنشاء المباني العظيمة، فكان الكهنة يذهبون من يوم إلى آخر قاصدين رومية بدعوى استجلاب الآثارات الثمينة منها، ولكنهم كانوا يقصدونها ليأتوا بالبنَّائين ليجعلوا بريطانيا زاهية زاهرة، وكان البعض الآخر الذين يرأسهم الأسقف ويرموث Wermuth، فذهبوا إلى غاليا واستصحبوا معهم عددًا غفيرًا أحلوهم بريطانيا.
  • سنة ٦٠٠ب.م: أُنشئت كاتدرائية كنتربري وبعدها بسنتين؛ أي سنة ٦٠٢، أُقيمت كاتدرائية روشستر المشهورتان في إنكلترا.
  • سنة ٦٠٤ب.م: شُيِّدت كاتدرائية ماري بولس سنة ٦٠٤ في لوندرة وكاتدرائيَّة سان جان دي ونشستر سنة ٦٠٥.

الماسونيَّة والرهبان

  • سنة ٦١٠ب.م: توفي أوستين الأستاذ الماسوني الشهير الذي سُمِّي بعدُ قديسًا باسم أوغسطينوس.
  • سنة ٦١١ب.م: اشتهر ببنت كاهن ويرال مفتش البنَّائين العام.
  • سنة ٦٢٠ب.م: تحوَّرت الماسونيَّة عما كانت عليهِ قبلًا، ولكنها لبثت محافظة على قواعدها وشرائعها الأصلية، فكانوا يدعونهم في إيطاليا مدارس البنَّائين أو النقاشين، وفي غاليا إخوة بنائين، وفي بريطانيا بنائين أحرارًا؛ نظرًا للامتيازات التي أحرزوها، وكانت كل هذه الجمعيات مرءُوسة من أستاذ أعظم ورؤساء، وكانوا يدعون الرئيس المحترم، وكان هذا تارةً كاهنًا فيدعى إذ ذاك الأب الرئيس المحترم، وأخرى غيره فيدعى الرئيس المحترم.
  • سنة ٦٦٠ب.م: فكانت الماسونيَّة كل مرة ترى ذاتها مهددة من الاضطهادات أو الحروب الوطنية تلجأُ إلى الأديرة، حيث تحتمي وترى ملجأً أمينًا وحرزًا حريزًا، وكأن الرهبان رأوا فضل هذه الجمعية وعظم تعاليمها فانتظموا بأجمعهم في سلكها، وأقبلوا على درسها والتمعن بها حتى إنهم بمدة وجيزة نبغوا فيها وصاروا آية في التفنن الذي يبهر العقول. وقد نشأ من هؤلاء رجال عظام كالقديس إلوا Eloi أسقف نوايون سنة ٦٥٩ب.م والقديس فيرول النقاش أسقف ليموج Férol Limoges، والقديس دالماك النقاش أسقف رودس واغر يقولا النقاش أسقف شالون من سنة ٦٨٠ إلى سنة ٧٠٠ب.م، وغيرهم من الجهابذة العظام الذين شادوا البنايات الضخمة في غاليا وبريطانيا.
  • سنة ٦٨٠ب.م: أمست الماسونيَّة في بريطانيا بعد وفاة أوستين بلا رئيس لها، وكان كنرد ملك موريسيا حامي البنَّائين في بريطانيا ينشطها كثيرًا لتقوى وتصبح على درجة عظيمة من الفخر والصولة، فعين الأب بنت أسقف ويرال مفتشًا عامًّا للماسونيَّة ومديرًا لأعمالها، ولكنها مع ذلك لبثت في تأخر نحو جيل.
  • سنة ٦٨٥ب.م: أحرز البناءُون الذين هاجروا رومية وأتوا إلى الشرق واستوطنوا القسطنطينية شهرة عظيمة، فكانوا يستدعونهم إلى كل الجهات من الفرس وبلاد العرب وسوريا، حتى إن الخليفة الوليد بن عبد الملك استدعى قسمًا منهم ليبنوا له جوامع في المدينة ودمشق وأورشليم.

نجاح الماسونيَّة في بريطانيا

  • سنة ٧٠٠ب.م: وصلت الماسونيَّة في بريطانيا إلى درجة من الكمال رفيعة، فكانوا يشيدون الكنائس على نمط اسكوتسيا المنيع وفضَّل قسم منها تخصيص نفسهِ لدرس البناء الاسكوتسي وتحسينهِ ورأوا وجوب الاجتماع في محل خاص بهم ليمارسوا هذه المهمة فاختاروا لذلك وادي غلانبيك في شرق اسكوتسيا الشمالي المقابل لجزيرة سكاي، وهناك كانوا يلتئمون ويقررون ما يجب إجراؤه.
  • سنة ٧٢٠ب.م: أوقفت هجمات العرب طويلًا الماسونيَّة عن التقدم في غاليا، وبقيت هكذا لا تأتي بشيء يذكر حتى أواسط هذا القرن.
  • سنة ٧٤٠ب.م: طلب ملوك الساكسون من شارل مارتل ملك غاليا إرسال بنائين إلى بريطانيا لينظروا في تقدم هذه الصناعة هناك.

الماسونيَّة في البلاد العربية

  • سنة ٧٥٠ب.م: أزهرت الماسونيَّة في بغداد كثيرًا أيام تسلط الخلفاء العباسيين، فكانت بلاد العرب مظهر التمدن ومهد العلوم ومحطَّ الصنائع والفنون، وبعد سقوط القياصرة من الغرب انتقل البناءُون إلى سوريا وبلاد العرب، وساعدوا كثيرًا بصناعتهم وعلومهم على تقدم الماسونيَّة في بلاد العرب.
  • سنة ٧٧٥ب.م: دخلت البناية العربية إلى إسبانيا في عهد الخلفاء الأمويين، فكانت البنايات تشيد تحت مراقبة الجمعيات الماسونيَّة واستدعى الخلفاء كثيرًا من البنَّائين من بغداد وأحلوهم كوردو التي بناها الرومان سنة ٢٥٢ق.م فأنشئوا بنايات عظيمة وبلدان كثيرة وجوامع أنيقة كلها على النمط البيزنطي، واشتهرت قرطبة في ذلك الزمان بصناعتها وعلومها وتقدم البناء فيها فقصدها البناءُون من سائر أنحاء العالم.

وإذا كانت أعمال هذه الجمعية وأسرارها مجهولة التزمت أن تحور قليلًا من قوانينها وشرائعها قبل أن تمتد في البلاد لتوافق طبائع الأهالي وآرائهم، وكان المسلمون في ذلك العهد ذوي سطوة عظيمة، وكان تقدمهم في التمدن والحضارة عظيمًا لا ينازع، وانضمَّ كثيرون منهم إلى البنَّائين.

وفي زمن تسلط عبد الرحمن الأول الذي اشتهر بغناه المفرط ومحبتهِ للعلوم والصنائع كانت إسبانيا التي دُعيت منذ ذلك العهد أندلسًا زاهية زاهرة بعلماءَ أعلام، وأصبحت كوردو محط رحال علم البناية، فكان يتقاطر إليها الطلبة من أربعة أقطار العالم ليقتبسوا من سناها ويتدرَّبوا على النمط الأندلسي الذي أُنشئَ في ذلك العهد.

الماسونيَّة في فرنسا وبريطانيا

  • سنة ٧٨٠ب.م: عادت الماسونيَّة فأزهرت في فرنسا أيام تملَّك عليها شارلمان الذي عُرفت محبته للعلوم وتنشيطه للصنائع والفنون واستدعى من لومبارديا كثيرًا من البنَّائين الذين دُعوا ناحتي الحجارة.

أَلْفِرِد الكبير

  • سنة ٨٧٥ب.م: تملَّك على بريطانيا أشهر ملوك السكسونيين، وهو أَلْفِرِد الكبير أو الأعظم فامتدت الماسونيَّة في أيامهِ امتدادًا عظيمًا، وأُنشئت الكنائس والقصور والمعالم والحصون، ورُمِّمت المباني القديمة التي كان حرقها الدانوان Danois في حربهم مع السكسونيين، ودُعي أَلْفِرِد الكبير حامي الماسونيَّة في بريطانيا.

    ولد أَلْفِرِد الأعظم سنة ٨٤٩ مسيحية، وجلس على كرسي الملك سنة ٨٧١، ولم يكن هو الوارث الحقيقي للملك، بل ابن أخيهِ أثلولد الذي كان لا يزال حيًّا يرزق، وقد اختاره أعيان مملكتهِ لاحتياجهم إليهِ في ذلك الزمان، فحارب الدنيمارك برًّا وبحرًا وانتصر عليهم مرارًا.

    وكان ماسونيًّا عاملًا فأحيا الصناعة وحصَّن بلاده فبنى فيها القلاع المنيعة واهتمَّ بالبنَّائين اهتمامًا خصوصيًّا واعتنى بالمعارف فوضع للمدارس قوانين ونظامات وألَّف كتبًا متنوعة للتعليم وجعل بيته كمدرسة للاستفادة وفرض على أشراف وطنهِ وجوب تعليم أولادهم، وأسس مدرسة أُكسفورد الشهيرة.

    وكان يقسم يومه ثلاثة أقسام؛ الأول للصلاة والمطالعة، والثاني للنظر في شئون مملكتهِ، والثالث للنوم والراحة والطعام، وكان ينير الشمع فيحسب احتراق كل قيراط من الشمعة بعشرين دقيقة ويجري في عملهِ على هذا القياس، ووضع قانونًا لبلادهِ بغاية الصرامة والعدل، ولم يسبقه إلى مثلهِ أحد في ضبط الأراضي الإنكليزية وحافظ على السلام حتى اشتهرت أيامه بالأمن. ولُقِّب بالكبير لعظمة أعمالهِ، وتوفي في فارندون بولاية يوركشير ودفن في ونشستر (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).

    وتولى بعد «أَلْفِرِد الكبير» ابنه «إدوارد» الملقب بالأكبر، وذلك سنة ٩٠١، وهو أول من دُعي ملك إنكلترا، وكان يدعو نفسه أحد ملوك سكسونيا الغربية، وقد أسس مدرسة كمبردج الجامعة وخلف أولادًا كثيرين. وبعد وفاتهِ سنة ٩٢٥ تولَّى ابنه «أثلستان» المُلك، وكان من مشاهير الماسون، وقد ترجم الكتاب المقدس في أيامهِ وانتشرت الماسونيَّة انتشارًا مهمًّا. انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون».

  • سنة ٨٧٦ب.م: اشتهر القديس سوينين الذي كان كاهنًا ونقاشًا في بريطانيا … إلخ.
  • سنة ٩٠٠ب.م: سمي إثلورد Ethelward، وصهره إثرد Ethred اللذان نبغا في صناعة النقش مراقبين لطائفة البنَّائين.

انتشار الماسونيَّة من بريطانيا في العالم

  • سنة ٩٢٥ب.م: أخذت المدن البريطانية تنشئُ كل واحدة محفلًا خاصًّا لها، ولكن وجد رغمًا من قوانينها وشرائعها القاضية عليها بالوفاق التام والاتحاد المكين والمحبة العظمى تراخٍ في هذه الأمور، ولم تعد العلائق كالأول متينة، وكان المسبب لهذا الانقسام الحروب الداخلية التي دامت خمسة أجيال، وقسمت المملكة البريطانية بسببها إلى أقسام جُعل عليها ملوك مستقلون مما لا دخل لتفصيلهِ في هذا الكتاب، وما أشرنا إليهِ إلا لسبب الخسائر الماسونيَّة واحتراق أوراقها التي كانت محفوظة إلى ذلك العهد، وفي مدة ملك أَلْفِرِد الكبير الذي ذكرناه سابقًا، وابنه إدوارد الأكبر الذي عيَّن أخاه إثلورد وزوج أختهِ إثرد مراقبين للبنائين زهت الماسونيَّة وتقدمت لأن إثلورد كان عالمًا بارعًا ونقاشًا ماهرًا، وهو الذي بمعرفتهِ بُنيت كليَّة كمبردج وغيرها من المباني الفخيمة.
  • سنة ٩٢٤ب.م: ولما توفي إدوارد سنة ٩٢٤ وتولى الملك بعده ابنه أثلستان سنة ٩٢٥ مسيحية كانت الماسونيَّة قد انتشرت في سائر الأنحاء، فحافظ أثلستان على مبادئها وجعل مركزها العمومي في مدينة يورك، وكان هذا الملك محبوبًا من جميع رعاياه وموقرًا من كبيرهم وصغيرهم حتى كان للجميع على اختلاف طبقاتهم كأخٍ وصديق فجاءه أمراءُ المملكة ونواب الأمة والأمراءُ الموالون له من أوروبا كلها بالهدايا الثمينة والتحف النفيسة علامة حبهم واحترامهم له فكانوا يفاخرون به وبآدابه وعدلهِ وبرهِ في رعيتهِ والتاريخ الإنكليزي الماسوني يمدحه ويطنب في مديحهِ كل الإطناب، وفي تلك الأثناء أدخل أخاه أدون في الماسونيَّة.

أثلستان وأخوه البرنس أَدوِن١ الأستاذ الأعظم

ولما كان أثلستان ملكًا، وكانت حقوق المُلك تستدعيهِ إلى القيام بواجباتهِ ووقته لا يسمح له بالاجتماع مع الماسون كثيرًا عيَّن أخاه البرنس أَدوِن رئيسًا على الماسون ورسم له الخطة التي ينبغي أن يسير بموجبها وأمره أن يعقد كل سنة اجتماعًا حافلًا في مدينة يورك، ودعا المحفل الماسوني هناك المحفل الأعظم الذي يحمي بقية المحافل الماسونيَّة التابعة له.

  • سنة ٩٢٩ب.م: في هذه السنة انتخب البنَّاءُون البرنس أدوِن رئيسًا للمحفل الأعظم نظرًا لأهليتهِ ولياقتهِ وما نظروا فيهِ من حُسن الشمائل وحميد الخصال، فبذل غاية جهدهِ لإنجاح الماسونيَّة وشغل كثيرين ببناء الكنائس والمعابد وترميم المباني التي خربت أثناء الحروب مع الدانيين وغيرهم من الأمم المتوحشة ووالى الاجتماع مع الماسون، فأزهرت الجمعية في أيامهِ.

    واستدعى أَدوِن سائر رؤساء المحافل المعروفة في ذلك الزمان إلى مدينة يورك وعقد مجمعًا ناب فيهِ كل رئيس عن محفلهِ وقُدِّم له أوراق كثيرة وبقايا عن الماسونية باللاتينية واليونانية ولغات أخرى مختلفة، وبحث الإخوان الموجودون في ذلك المجمع عن الماسونيَّة وماهيتها وتاريخها، وتناقشوا في توحيدها وقرءوا الأوراق التي لديهم كلها فاستخلصوا منها شرائع وقوانين ماسونية أساسية سموها «لائحة يورك»، كما ترى في [الباب الأول، الفصل السادس] من هذا الكتاب، وتعهدوا بعضهم لبعض بحفظها والسير بموجبها (اقرأ ترجمة أثلستان وأَدوِن في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).

  • سنة ٩٣٠ب.م: بعد تنازل كونراد ملك جرمانيا عن الملك لخصمهِ هنري الأول الذي كان أميرًا لساكسونيا وصار ملكًا على جرمانيا طلب هنري جماعة البنَّائين من بريطانيا ليبنوا له الكنائس والأسوار والقلاع ونحوها، فساروا إلى هناك جماعة بعد أخرى على توالي الأيام والسنين وشيدوا كاتدرائية مكديورغ وميسين ومرسبورغ وغيرها.

قصر الحمراء بالأندلس

  • سنة ٩٣٦ب.م: بدأ البنَّاءُون من العرب بإنشاء قصر الحمراء في الأندلس زمن تسلُّط الأمير عبد الرحمن، وكان هذا القصر أنيقًا عظيمًا مشيدًا على أربعة آلاف وثلاثمائة عمود من الرخام الثمين الناصع البياض، وقد استحضر عبد الرحمن أمهر البنَّائين من بغداد والقسطنطينية وباتحادهم مع بنائي بلادهِ أتموا بناءَ ذلك القصر الملكي الدال على مهارة البنَّائين وكرَم الأمير.
  • سنة ٩٣٨ب.م: في هذه السنة توفي البرنس أَدوِن الأستاذ الأعظم للماسون المذكور آنفًا، واختلف المؤرخون بسبب وفاتهِ، فذكروا أمورًا كثيرة الإضراب عنها أولى من ذكرها؛ لأنها غير مثبتة ولا تصدَّق عن الشهم الفاضل الملك أثلستان الذي اتُّهم بقتلهِ لسماعهِ أنه تآمر على خلعهِ من الملك، ولا يُعقَل أن أخًا فاضلًا عالمًا يأمر أتباعه أن يأخذوا أخاه بمركبٍ ويجوعوه حتى من عزَّة نفسهِ يلقي ذاته في البحر فيموت غرقًا. والروايات الكثيرة التي ذُكرَت عن موت هذا الفاضل وسيرة أثلستان المبرورة تنفي هذه التهمة، وقد تبرَّأ صاحب التاريخ الماسوني الإنكليزي من تصديق هذا الخبر، ولام الذين دوَّنوه ونفاه، وقال: إنه ليس لدينا خبر أكيد ولا التواريخ بيَّنت كيف مات أَدوِن، ولكننا نعلم أنه بعد وفاتهِ عاد أثلستان فتولى الرئاسة العظمى على الماسون مكان أخيهِ، وقد كان الحزن عامًّا على أَدوِن اللطيف الهمام.
  • سنة ٩٤٠ب.م: وفي أيام الملكة برتا Berthe ملكة برغونيا Bourgogne التي قصدت إحياء معالم بلادها وبناياتها بعد الحروب التي حدثت فيها استدعت من إنكلترا معلمين وصناع من الماسون، وبأمرها برئاسة ماكنتري رئيس الشغل الاسكوتلندي الماهر بنوا كنائس وأديرة ومحلات من أعظم بنايات ذلك الزمان، وأكثر هذه الأعمال العظيمة كانت بإدارة الأب ماجولس دي كلوني Majolus de Cluny فشيَّد دار أسقفية وكنيسة البنيدكتن في بايرن Payerne، وفي هذا العهد انتشرت الماسونيَّة من إنكلترا إلى بقية العالم، وكانوا يسمون أنفسهم إخوة ماري يوحنا.
  • سنة ٩٤١ب.م: في ٢٥ أكتوبر (ت١) من هذه السنة توفي الملك أثلستان في غلوسستر فحزنت الأمة عليهِ عمومًا والبنَّاءُون خصوصًا، وفي ترجمة حياتهِ بكتابنا «الجوهر المصون» الكفاية عنه. وبعد وفات أثلستان تشتت الماسون واضطربت أحوالهم ولم يشتهر أحد سوى ماكنبري البناء الاسكوتسي والنقاش الماهر، وبقيت الماسونيَّة متأخرة، وتولى الملك بعد أثلستان إِدْمُند بن إِدْوَرْد الأكبر سنة ٩٤١، وهذا حارب الدنيماركيون، وانتصر عليهم وقُتل سنة ٩٤٦ وهو يتعشى، فتولى الملك أخوه إدورد، وتوفي في ونشستر سنة ٩٥٥، وتولى مكانه أدوي بن إِدْمُند حفيد أثلستان فثار أهل مُرسيا ونوثمبريا عليهِ (أدوي) لسوء أدبهِ فأنزلوه عن الملك، وأقاموا مكانه أخاه إِدْغَر سنة ٩٥٨، ومات أدوي حزنًا سنة ٩٥٩.
  • سنة ٩٥٩ب.م: اشتهر دونستان (القديس دونستان) رئيس أساقفة كنتربري الذي كان رئيسًا أعظم للماسون، ومن بعد موت أثلستان إلى هذا التاريخ كانت الماسونيَّة منحطة؛ لأنها لم تلقَ عضدًا، ومع أن دونستان لمَّ شعثهم وشغلهم في بناء بعض المعابد لم ينجحوا (انظر ترجمة دونستان ﺑ «الجوهر المصون»).
  • سنة ٩٦٠ب.م: هاجر كثيرون من الماسون إلى ألمانيا وغيرها ودعوا أنفسهم إخوة ماري يوحنا، وظلوا بهذا الاسم في ألمانيا.
  • سنة ٩٧٥ب.م: وتوفي إِدْغَر سنة ٩٧٥ وبقيت الماسونيَّة منحطة إلى أوائل الجيل العاشر.
١  ذكرنا في [الباب الأول، الفصل السادس] من هذا الكتاب أن المجمع الماسوني العام انعقد سنة ٩٢٦، والصحيح سنة ٩٢٩، وقلنا: إنه كان برئاسة البرنس أَدْوِن ابن الملك أدلستون، والصواب أنه ابن إدوارد، وشقيق أثلستان وليس أدلستون ونفس هذا الغلط وقع في [الباب الأول، الفصل الثالث والفصل التاسع].

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤