إلكترا

الأشخاص

  • أورستيس: ابن أجاممنون.
  • بولاديس.
  • مربي أورستيس.
  • إلكترا: بنت أجاممنون.
  • كروزوتيميس: بنت أجاممنون.
  • كلوتيمنسترا: زوج أجاممنون.
  • إيجستوس: عشيق كلوتيمنسترا.
  • والجوقة: مؤلَّفة من بنات موكينا

تقع القصة أمام قصر الملك في موكينا.

عاد أجاممنون من حرب تروادة ظافرًا منتصرًا، فَأْتَمَرَتْ به زوجه كلوتيمنسترا وعشيقها إيجستوس وقتلاه في حفلٍ أقيم لاستقباله في عقر بيته وأمام النار المقدسة، وتمكنت ابنته إلكترا من إنقاذ أخيها الطفل أورستيس فهرب به مربيه، وما زال يتعهده ويُعنَى بصباه وشبابه، حتى بلغ أشده وعاد ليثأر لأبيه.

الفصل الأول

المنظر الأول

الفجر بازغ يبعث أضواءه قليلًا فيمحو بها ظُلمة الليل شيئًا فشيئًا، وقد أخذ أورستيس وبولاديس ومربيه يدبرون أمرهم بينهم، ويدبرون ما أزمعوا من الانتقام. فيأمر أورستيس مربيه أن يذهب إلى القصر فيخالط أهله، ويداخلهم ويبلو من أمرهم ما هم في حاجة إلى بلائه، بينما يذهب هو وصديقه إلى قبر أبيه فيُقدِّمان إليه الضحية والقربان، ثم يعودان بعد ذلك وقد حملا علبة من النحاس يزعمان أنها تشتمل ما بقي من رماد أورستيس الذي صرع في حفلة سباق، فأُحرِق جسمه وحُمِلَت بقيته إلى أهله، وإنهم ليتأهبون للمُضِيِّ في ما دبروا إذ تُقبِل إلكترا ولكنها لا تراهم فيحاول أورستيس أن يقف ليسمع شيئًا من حديثها، ولكن مربيه يأبى عليه ذلك، فينصرفون.

المنظر الثاني

(إلكترا وحدها)

أيْ ضوء النهار النقي، أيها الفضاء الواسع من الهواء يحيط بالأرض، كم سمعتماني أبعث الصراخ المحزن، والعويل المؤلم، وأضرب بيدي صدري الدامي حين تنجلي ظلمة الليل! وكم رآني سريري ترويه دموعي أثناء الليل في هذا المنزل النكد أبكي ما أعد القضاء لهذا الأب الشقي الذي أعفاه أريس هذا الإله السفاح في ميدان القتال، وغالته أمي يعينها عشيقها إيجستوس، فقضت عليه بفأسٍ دامٍ كما يُنحي الحاطب في الغابة على شجرة البلوط! أنا وحدي يا أبتاه في هذا المكان، أئِنُّ لموتك هذا الموت الشنيع الوحشي! على أني لن أضع حدًّا لما أبعث من أنين، ولا لما أسكب من دموع، ما رأيت نجوم الليل تجري في أفلاكها، وضوء النهار يلمع في آفاق السماء، سيتردد صدى آلامي أمام قصر أبي كشكاة فيلوميلا، لم تنقطع منذ حُرِمَتْ أطفالها.

أي مقام برسفونيه وأديس، أي هرمس السفلي وأنتنَّ يا بنات الآلهة أيتها الموكلات بتعذيب الأشقياء، أيتها الآلهة المخوفة، آلهة اللعن والسخط ألقوا أعينكم على هذه الضحايا التي سُفِكَتْ دماؤها مع هذه القسوة. انظروا إلى هذه الجريمة المشتركة مصدرها الحب الفاجر، أقبلوا، أعينونا، اثأروا لموت أبٍ شقي، ابعثوا إليَّ أخي، فلن أستطيع منذ اليوم أن أحمل وحدي ثقل هذه الآلام التي تنوء بي.

ثم تقبل الجوقة مؤلَّفة من فتيات موكينا، فيدور بينها وبين إلكترا حوار طويل تحاول الجوقة تعزيتها، فتعلن إلكترا أن ليس إلى العزاء من سبيل.

الجوقة : احذري أن يسمع صوتك؛ ألا ترين إلى أي حالٍ بلغت وفي أي هوَّة قُذِفَ بك؟ لقد جمعت لنفسك شقاءً إلى شقاءٍ ولقد جرَّت عليك صلابتك آلامًا جديدة، إنك لتعاندين من هم أشد منك قوة، وما هذا من الرشد في شيء.
إلكترا : نعم، أعلم أن حالي شديد السوء، وأعلم مقدار شدتي وصلابتي، ولكني على رغم هذا كله لن أقصر عمَّا أنا فيه من استنزال السخط واللعنة على المجرمين ما تنفست، ومن ذا الذي أيتها الصديقات العزيزات — أين هذا القلب — يشعر بما أنا فيه ثم يحاول تعزيتي؟ دعن، لا تحاولن هذا العزاء، لن يكون لسخطي حد، وسيكون أنيني أبديًّا خالدًا كآلامي.
الجوقة : ولكن قلبي وحده هو الذي يعزيك، كما يفعل قلب الأم الحنون، احذري أن تستتبع شكاتك هذه شكاة جديدة.
إلكترا : وأي حَدٍّ أستطيع أن أضع لما أنا فيه من يأسٍ وقنوط؟ كيف أستطيع من غير أن أضيع شرفي في أن أنسى من حرمنيه الموت؟ أي الناس اتَّخَذُوا لأنفسهم هذه السيرة؟ لو أن بين الناس من يسلك هذا المسلك فأنا أَوَدُّ أن لا أنزل من قلوبهم منزل الرضى والكرامة. كما أني أَوَدُّ أن يدفعني ويزدريني كل مُحِبٍّ للخير، أنا كفكفت في قلبي غُلَوَاءَ هذه العواطف الشريفة، عواطف الألم يبعثها الحرص على تشريف الموتى. ألا فليهلك أبد الدهر بين الناس الرشد والتقوى، إذا كان حظ مَن فارق الحياة أن يبقى مهملًا منسيًّا كأنه تراب غير حساس وإذا لم يلقَ المجرمون جزاء ما اقترفوا من إثم.
الجوقة : ولكن منفعتك ومنفعتي يا ابنتي هما اللتان جاءتا بي إلى هذا المكان؛ فإن كنت مخطئة فيما وجهت إليك من نصح، فلتكن لك الكلمة ونحن لما ترين مذعنات.
إلكترا : يخجلني أيتها الصديقات العزيزات أن أسترسل أمامكن في هذا الألم الذي لا حَدَّ له، ولكن عاطفة أشد مني قوة تقهرني على ذلكن؛ فلا تلمنني فيه. وأي ابنة وفية تسلك مسلكًا آخر بعد هذه النازلة التي نزلت بأبي والتي لا يزيدها مَرُّ النهار وكَرُّ الليل إلا قوة؛ فهي لا ينمحي منظرها أمام عيني بل يتمثل من حينٍ إلى حين فظيعًا مريعًا. أليست أمي التي منحتني الحياة قد أصبحت أشدَّ الناس لي عداءً؟ ألم أَصِرْ من سوء الحال إلى حيث أعيش في قصري مع الذين قتلوا أبي، وقضوا عليه بالموت؟ أنا لهم خاضعة، منهم وحدهم أنتظر ما ينالني من خيرٍ وشر. أي حياة تظنن أني أستطيع أن أحيى حين أرى إيجستوس يجلس على عرش أبي، ويلبَس ثيابه، ويقوم بالواجبات الدينية للآلهة في المقام الذي قتله فيه! وحين أرى هذا المجرم الآثم يقاسم أمي المجرمة سرير أبي، إن استطعت أن أسمي أمًّا تلك التي ترتاح إلى صدر شريكها في الإثم؟ إلى أي حدٍّ من الجرأة يجب أن تكون هذه المرأة قد وصلت حتى يتصل الحب بينها وبين هذا المجرم الفاجر؟ إنها لتسخر من انتقام الآلهة وكأنها تُعجب بما اقترفت، فإذا أقبل اليوم الذي خدعت فيه أبي وقتلته من كل شهر، أقامت حفلات الرقص وقدمت إلى الآلهة الحفظة الضحايا والقرابين. وأنا الشقية التعسة أبكي وأنتحب لهذه المناظر، وأفني قواي وحيدةً. أئنُّ لهذا المقصف الوحشي الذي سموه مقصف أجاممنون، ولو أني استطعت أن أسترسل كما أشاء إلى هذه الراحة الحلوة، راحة سكب الدموع! ولكني لا أكاد أفعل حتى أسمع هذه المرأة التي لا حَظَّ لها من كبر النفس إلا في ألفاظها تُنحي عليَّ باللوم وتُثقلني مسبَّةً وازدراء، تدعوني موضع بغضها ومرمى انتقامها السماوي وتسألني: أأنت الوحيدة التي فقدت أباها؟ ألم يشعر غيرك من الناس ألمًا ولا حزنًا؟ … ليهلكنك اليأس ولا أرقأت آلهة الجحيم عبراتك.
كذلكن يتناولني لسانها بالمسبَّة. ولكنها لا تكاد تسمع بقرب عودة أورستيس حتى تفقد رُشدها، ولا تملك من صوابها شيئًا، تبحث عني وتصيح بي: إذن فهذا ما أعددت لي! هذا عملك، أنت التي وضعت أورستيس بنجوةٍ من سلطاني حين أخفيته! ثقي بأنك ستلقين على ذلك عقابًا عدلًا. ويصخب هذه الكلمات صراخ وعجيج، وإلى جانبها عشيقها يزيد غيظها حدةً والتهابًا، هذا الجبان، هذا المجرم، هذا الذي ملأ يديه دِعَارة وفجورًا، هذا الذي لا يحسن الحرب إلا مع النساء. وأنا أنتظر أورستيس يستنقذني من كل هذه الإهانة وأموت، منتظرة! ما زال يؤخر عودته حتى قضى عليَّ ما أؤمل وما أملت. في هذه الحال التي وصلت إليها لا أستطيع أن أحتفظ بقصد ولا تقوى؛ فإن الشعر إذا بلغ أقصاه اضْطَرَّنَا إلى أن نُذعِن له ونسترسل فيه.

(وتُقبِل بعد ذلك أختها كروزتيميس وهي تحمل قربانًا إلى أبيها من قبل قاتلته كلوتيمنسترا، فتحاول من غير طائلٍ إقناع أختها بالعدول عمَّا هي فيه من نحيب وعناد لأولي البأس والسلطان، وتسألها إلكترا عمَّا تحمل فتجيبها بأن أمها قد رأت فيما يرى النائم أن أجاممنون قد عاد إلى الحياة وأظل سلطانه مملكته القديمة، فأشفقت من هذا الحلم وأرسلت إلى قبر القتيل هذا القربان.)

(فتنهاها إلكترا عن أن تقدم إلى أبيها قربان أمها المجرمة، وتنصح لها أن تقدم مكانه خصلًا من شعرهما فتأتمر كروزوتيميس بهذا الأمر، وتستبشر الجوقة بهذا الحلم الذي ينبئ بأن أوان الانتقام قد آن.)

الفصل الثاني

المنظر الأول

(كلوتيمنسترا – إلكترا والجوقة)

تبدأ كلوتيمنسترا بلوم ابنتها الكبرى لأنها انتهزت غياب إيجستوس فخرجت من القصر معولة تنثر لومها وسخطها على أمها، ثم تحاول أن تدافع عن نفسها وتزعم أنها لم تقتل زوجها إلا انتقامًا لابنتها إيفيجينيا التي ضحَّى بها أجاممنون للآلهة قبل سفره إلى تروادة ليجعلوا هذا السفر له ميسورًا. فقد كان يستطيع أن يرق لابنته ولأمها، ولكنه بلغ من القسوة والاستهانة بعواطف الأمهات أن ذبح ابنته غير مشفق ولا راحم، وما له لا يفعل ذلك وهو لم يُقاسِ من الألم في منحها الحياة ما قاسته أمها.

ألم يكن من الحق أن يضحي مينيلاووس بأحد أبنائه، إذا لم يكن بد من التضحية؛ فإن اليونان لم يشهروا هذه الحرب إلا انتقامًا له ودفاعًا عنه، ثم يدور بين كلوتيمنسترا وإلكترا هذا الحديث:

إلكترا : سأتكلم إذن، لقد قتلتِ أبي، ذلك شيء تعترفين به. ولكن سواء أكان موته عدلًا أم ظلمًا، هل يوجد اعتراف أشد من هذا نُكرًا.
ومع ذلك فلست أخفي عليك ما أرى، إن العدل لم يدفعك إلى قتل أبي وإنما اندفعت إلى ذلك مفتونة بحب هذا المجرم الذي تعيشين معه. سلي أرتيميس على من أرادت أن تُنزل سخطها، حين وقفت حركة الريح في أوليس وإن شئت فأنا منبئتك بذلك؛ إذ ليس من الميسور أن تسمعيه من فم الإلهة. حدثت أن أبي بينما كان يلهو في غابةٍ مقدسة من غابات الإلهة، طارد وعلًا أرقش طويل القرنين، ثم أصابه فقتله، وأسكره النصر فنطق بما لا يَحسُن النطق به.

سخطت لذلك ابنة لاتونا، وحبست اليونان على الساحل، حتى ضحى لها أبي بابنته وفلذة كبده، ندمًا واستغفارًا.

هذا هو السبب الحقيقي لهذه التضحية، قد كان انقطع بالجيش الرجاء أن يذهب إلى تروادة أو أن يعود إلى وطنه.

ولقد مانع أبي زمنًا طويلًا، ثم أكرهته الحاجة فضحَّى بابنته استرضاء للآلهة لا تلطفًا لمينيلاووس. ولو أني مالأتك على أنه قد ضحى بابنته لمنفعة أخيه فهل كان لك من أجل ذلك أن تنحريه بيدك؟ من ذا الذي منحك هذا الحق؟ احذري حين أقمت بين الناس هذا الحق وسننتِ لهم هذه السُّنَّة أن تكوني قد أعددت لنفسك ما يحملك يومًا ما على الندم والحسرة؛ فإن الدم إذ لم يغسله إلا الدم، فدمك أول دَمٍ يجب أن يسفحه العدل. ولكن لا تنسَيْ وهن ما تنتحلين من معذرة. تنزلي فأنبئيني ما بالك قد اطَّرَحت كل حياء، واستخففت بكل خجل، فقاسمت سريرك هذا الشريك الذي أعانك على قتل أبي؟ ما بالك تحرصين على هذه الصلة المنكرة، وتطرحين أولادك الطاهرين الذين منحك إياهم زواج مقدس، كيف أستطيع أن أرضى عن مثل هذه الجنايات؟ أتقولين أيضًا أنك إنما تثأرين لابنتك؟ فإنك لن تستطيعي من غير خزي أن تنطقي بمثل هذا الجواب. وفي الحق أن من أشرف الأعمال أن تقترن المرأة إلى عدوها لتثأر لابنتها. ولكن حسبي لومًا فإني إن لم أكف حملتُك على أن تملئي الأرض صراخًا بأنا نعق أمنا. على أني لم أَرَ فيك أمًّا وإنما أرى فيك طاغية ظالمة؛ فأنا أقاسي أنواع العذاب، وألقى منك ومن عشيقك ألوان الألم، بينما أخي أورستيس الذي لم ينجُ إلا بعد مشقة يحتمل ثقل النفي وذله.

هذا الذي ما زلت تتهمينني بأني إنما ربيته لينزل بك العقاب يومًا ما. ثقي بأني لو ملكت عقابك لما أحجمت عنه. والآن فانطلقي وأعلني إلى الناس جميعًا أني قد فطرت على الشر والغضب والحمق؛ فإن ذلك إن يكن حقًّا فلن أضع قدر الدم الذي ورثته عنك.

(ثم يشتد الأخذ والرد بينهما حتى تهدد كلوتيمنسترا ابنتها بالعذاب حين يعود إيجستوس، وتنصرف إلكترا فتتقدم كلوتيمنسترا إلى أبلون بالصلاة راجية منه أن يقيها شر الحلم الذي أفزعها وأن ينزل سخطه على أعدائها.)

(ثم يقبل مربي أورستيس فينبئ كلوتيمنسترا بمحضرٍ من إلكترا والجوقة بأن أورستيس قد مات، ويقص عليهم موته، فتتفجع إلكترا ولا تدري كلوتيمنسترا في أول الأمر أتحزن لفقد ابنها أم تفرح لنجاتها منه، ثم يملكها الفرح فتنصرف مع المربي وتبقى إلكترا متفجعة متوجعة، تعزيها الجوقة وترثي لها.)

الفصل الثالث

رأت كروزوتيميس قبر أبيها مكللًا بالزهر، وقد علقت فيه خصل من الشعر، فتُقبِل فرحة مسرورة تعلن إلى إلكترا عودة أورستيس لأنها واثقة بأنه وحده الذي قرب هذا القربان إلى أجاممنون. ولكن إلكترا تنبئها بموت أخيها، فتعول وتنتحب، ثم تطلب إليها إلكترا المعونة على قتل إيجستوس فتأبى فزعًا وفَرَقًا وتنصرف تاركة إلكترا وقد صممت على أن تنتقم وحدها لأبيها، وأخذت الجوقة تغني ما أصابها من ألمٍ وما امتازت به من شجاعة ووفاء.

الفصل الرابع

يقبل أورستيس ومعه نفرٌ من الناس يحملون علبة زعموا أنها تشتمل رماد أورستيس، فيسألون عن بيت إيجستوس، ويخبَرون بأنهم أمامه، ثم ينبئون إلكترا بأنهم إنما أقبلوا يحملون ما بقي من أورستيس في هذه العلبة فتتمنى عليهم أن يدفعوها إليها لتبكي هذا الفقيد العزيز فيفعلون.

إلكترا (وقد أخذت العلبة) : أيتها البقية الأخيرة لمن آثرت بحبي على الناس جميعًا، أيها العزيز أورستيس! لشد ما بين هذه الحال التي أراك فيها الآن، وبين ما قد كنت عقدت بك من الآمال من فرق!
لست الآن إلا رمادًا باطلًا أحمله بين ذراعي، وإن كنت حين أبعدتك من هذا القصر — أي بني العزيز — لمملوءًا قوة ونشاطًا، آه! ما لي لم أفقد الحياة قبل أن أنقذتك من الموت وبعثت بك إلى أرضٍ غريبة!

إذن لمت في هذا اليوم النكد ولكنك كنت تظفر بالمواراة في قبر أبيك. أما اليوم فقد قضيت بعيدًا من وطنك، ومن ذراعَيْ اختك، هاربًا منفيًّا، إني لشقيةٌ! لم تَصُبَّ يداي على جسمك الماء المقدس! ولم أجمع بعد تحريقك ما بقي من رمادك، لقد قامت بهذا الواجب أيدٍ أجنبية.

يا لك من شقي تعود إلى ذراعي وإنك لخفيف الوزن في علبةٍ ضئيلة تعسة …! إلى أي حالٍ صار ما بذلت من العناية بطفولتك، تلك العناية التي تعودتها، والتي كنت أحتمل في سبيلها هذه المشقة الحلوة؟ فما كنت في ذلك الوقت أعز على قلب أمك منك على قلبي؛ لذلك لم أعتمد على أحدٍ في تغذيتك، لقد أخذت نفسي بذلك، وما كنت تدعو أختك إلا إياي. وا حسرتاه! لقد اختفى كل شيء معك في يومٍ واحد. ولقد قضى موتك كأنه الصاعقة على كل ما أحب وآمل.

لقد قضى أبي، ولقد قضيتَ، وهأنا تلك أموت.

ينتصر أعداؤنا، هذه الأم، هذه الضرة، تثمل فرحًا، ومع ذلك فكم وعدتني رسائلك السرية بأنك ستعود لتنزل بها العقاب! ولكن إلهًا عدوًّا لك ولي قد حرمنا هذا الانتقام، هو الذي بعث إليَّ مكان هذا الوجه الذي كنت أحبه وأوثره، والذي كانت صورته مرتسمة في نفسي بهذا الظل الذي لا وزن له وهذا الرماد الذي لا غناء فيه. ويلي عليك! أيها التعس أورستيس! أي عودة مشئومة ادَّخَر لك هذا الإله! أأنت أيها الأخ العزيز، أأنت الذي يعود في هذه الحال ليحرمني الحياة، ولينزعها مني! استقبلني إذن مستقرك الأخير، أضف ظلًّا إلى ظل لنستطيع أن نعيش معًا أبد الدهر.

لقد كنت أحب أن أقاسمك الحياة ما تمتعت عيناك بضوء النهار، أما الآن فلا أتمنى إلا الموت لأقاسمك ظلمة القبر؛ فليس الموتى بأشقياء.
الجوقة : فكِّري أيْ ألكترا، فكري في أن أباك لم يكن خالدًا، وأن أخاك لم يكنه أيضًا، خففي من ألمك، واقصدي في أنينك؛ فإن الموت ضريبة لا بد أن نؤديها يومًا ما.
أورستيس (لنفسه) : ويلاه! ماذا أقول لها؟ بِمَ أستطيع أن أخاطبها في هذا الاضطراب الذي يملكني؟ لن أستطيع بعدُ أن أملك هذا الجأش المضطرب.
إلكترا : أي ألم ينالك، ومن أين هذا الكلام الذي أسمعه؟
أورستيس : ماذا! أهذه إلكترا التي أرى، أهذه إلكترا ذات الصوت البعيد!
إلكترا : نعم هي إلكترا، في حالٍ شديد السوء.
أورستيس : يا لك من حظٍّ منكود!
إلكترا : أيها الغريب، ما لك ترثي لشقائي؟
أورستيس : أيتها الأميرة التعسة! إلى أي ذلٍّ وامتهان قد صارت حالك!
إلكترا : ومع ذلك فهذا حظي، هذا هو الحظ السيئ الذي ادخره القضاء لإلكترا.
أورستيس : أي حياة مؤلمة تحبين، لا زوج ولا عون!
إلكترا : لِمَ تنظر إليَّ أيها الغريب متنهدًا محزونًا؟
أورستيس : لم أكن أعلم مقدار شقائي.
إلكترا : وكيف استطعت أن تعرفه؟
أورستيس : حين رأيت الآلام التي تنوء بك.
إلكترا : ومع ذلك فأنت لا ترى منها إلا شيئًا قليلًا.
أورستيس : أيمكن أن أرى أشد منها سوءًا؟
إلكترا : من غير شك، حين أمضي أيامي مع القتلة.
أورستيس : القتلة! قتلة من؟ … وبأي فظاعة ستنبئينني؟
إلكترا : قتلة أبي، وقد قضت عليَّ الضرورة أن أكون لهم قنًّا.
أورستيس : وأي الناس استطاع أن يقهرك على ذلك؟
إلكترا : أمٌّ لا تستحق هذا الاسم.
أورستيس : وأي طريق سلكت إلى ذلك؟ القسر أم العذاب اليومي؟
إلكترا : العذاب، القسر وكل ألم متخيل.
أورستيس : ولا صديق لك يحميك ويعينك!
إلكترا : لا، لم يكن لي إلا صديق واحد، هو الذي تحمل إليَّ رماده.
أورستيس : أيتها الأميرة البائسة، إن منظرك ليثير إشفاقي.
إلكترا : وا حسرتاه! أنت وحدك بين الناس جميعًا نالك الإشفاق مما أنا فيه.
أورستيس : لذلك أنا وحدي الذي أتى ليقاسمك آلامك.
إلكترا : من أين؟ ماذا! أيصل الدم بيننا وبينك؟
أورستيس : أنبئك بذلك إن أمنت هؤلاء اللاتي يسمعن حديثنا.
إلكترا : ثق بأنك آمن، فالصلة بيني وبينهن متينة.
أورستيس : دعي هذه العلبة، فسأنبئك بكل شيء.
إلكترا : أيها الغريب، باسم الآلهة لا تنزعها مني.
أورستيس : اسمعي لي، فلن تندمي على ذلك.
إلكترا : آه! لا تحرمني أعز شيء عليَّ.
أورستيس : لن أسمح بأن تحفظيها.
إلكترا : ما أشقاني أيها العزيز أورستيس! أأُحرم رمادك.
أورستيس : دعي هذه اللهجة المحزنة، فليس لحزنك من أساس.
إلكترا : ماذا! أليس لحزني من أساسٍ حين أبكي أخًا فقد الحياة.
أورستيس : ليس لك منذ الآن أن تنطقي بمثل هذه الألفاظ.
إلكترا : ألست إذن كفأً لأن أبكي هذا الظل؟
أورستيس : أنت كفء لكل شيء ولكن ليس …
إلكترا : ألست أحمل في يدي رماد أورستيس!
أورستيس : ليس رماد أورستيس، وليس له منه إلا الاسم.
إلكترا : في أي مكان توجد بقية هذا التعس؟
أورستيس : لا بقية له: فليس للأحياء من قبر.
إلكترا : آه، يا للآلهة! ماذا قلت؟
أورستيس : الحق.
إلكترا : أهو حي.
أورستيس : إن كنته.
إلكترا : ماذا! أيمكن أن تكون أورستيس!
أورستيس : ألقي عينيك على خاتم أبي، ثم انظري أتشُكِّين بعد ذلك.
إلكترا : يا لك من ضوءٍ عزيز طوال الدهر!
أورستيس : آه! عزيز جدًّا، من غير شك.
إلكترا : أيها الصوت الحلو، هأنت ذا قد أتيت.
أورستيس : هو بعينه.
إلكترا : أأنت أورستيس الذي أقبل.
أورستيس : ودِدت لو تملكين كل ما تشتهين، كما تملكينني اليوم.

(ثم تعلن إلكترا فرحها واستبشارها، وتشاركها الجوقة، ويحذرهن أورستيس عاقبة ذلك، ويأتي مربيه فيضيف تحذيرًا إلى تحذير، ويحث أورستيس على انتهاز الفرصة؛ لأن كلوتيمنسترا وحدها، فينصرفون بعد أن ترفع إلكترا صلاتها إلى أبلون أن يقدر لها ولأخيها الفوز، وتتغنى الجوقة بقرب الانتقام.)

ويشتمل الفصل الخامس على موت كلوتيمنسترا وإيجستوس بيد أورستيس وظفر إلكترا والجوقة بأخذ الثأر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤