حماة في زمن المسلمين

بعدما فتح أبو عبيدة عامر بن الجراح — رضي الله عنه — حمص وضع عليها عُبادة بن الصامت، ثم فتح الرستن، ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين سنة ١٨ للهجرة فصالحهم على الجزية في رءوسهم والخراج على أرضهم، وأقام في حماة مدة اتخذ كنيستها العظمى جامعًا، ثم رحل إلى شيزر فصالحه أهلها عَلَى ما صالحه أهل حماة، ومن ذلك الحين دخلت حماة تحت يد الدولة الإسلامية هي وتوابعها.

ظلت حماة تابعة للخلفاء الراشدين حتى دخلت في حكم الأمويين في جملة ما دخل تحت حوزتهم، وقد تناقص عمرانها من ذاك الحين، وخرب بعض بنيانها لنفرة أهل القرى من عرب كِندة الذين قطنوا صحاري حماة من جهة الشرق، وعشائر كلب الذين سكنوا صحاريها من جهة الغرب فخلت القرى من السكان، ولا حياة لحماة إلا بالقرى فتراجع عمرانها لهذا، وأُلحقت بحمص فكانت من أعمالها إلى حد سنة ٢٩٠. سيما وأن العباسيين لما أخذوا الخلافة لم يكن لهم عناية إلا بإعمار بغداد والعراق، فطفق الناس يهجرون أوطانهم ويقصدون التقرب من مركز الخلافة حتى خربت المدن الكبيرة التي كانت حماة تستقي منها موارد ثروتها مثل كورة البلعاث والأندرين ولطمين وصوران وبعرين وغيرها.

قال أحمد بن الطيب فيما شاهده من البلدان حينما كان سائرًا مع المعتضد من بغداد إلى البلاد الشامية سنة ٢٧١: حماة قرية عليها سور حجارة، وفيها بناء بالحجارة واسع، والعاصي يجري أمامها، ويسقي بساتينها، ويدير نواعيرها. فسماها قرية وليست هي قرية كما يقول، ولكن من يشاهد بغداد في زمن المعتضد لا يستغرب منه تسمية حماة قرية.

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: حماة مدينة قديمة جاهلية، ذكرها امرؤ القيس بشعره فقال:

تقطع أسباب اللبانة والهوى
عشية رحنا من حماة وشيزرا

إلا أنها لم تكن قديمًا مثل ما هي اليوم من العِظم بسلطانٍ مفرد بل كانت من عمل حمص. انتهى.

ولقد توالت الحوادث عَلَى حماة حتى كادت أن لا تخلو مدة من حادثة؛ فمما ضعضع أركانها وقوَّض بنيانها أيضًا هجوم القرامطة عليها سنة ٢٩١ بقيادة أبي شامة رئيسهم، فإنه مَلَكَ حمص وحماة وقتل أهلها وأطفالها ونساءها، وعمل مثل ذلك بالمعرة وسلمية فقتل في سلمية كثيرين حتى صبيان المكتب، فأرسل إليهم المكتفي العباسي جيشًا عظيمًا فالتقوا بهم عند قرية تمنع «تمانعة» فقتلوا من القرامطة كثيرين، وقبضوا عَلَى أبي شامة وابن عمه وغلامه فأمر الخليفة بقتلهم في بغداد.

ثم دخلت حماة في حوزة صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب وبقيت مدة تابعة لحلب، ثم استولى عليها شجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص سنة ٤٧٧، ومن بعده ملكها خلف بن ملاعب صاحب حمص، ثم بعده أقطعها السلطان ملكشاه السلجوقي لآقسنقر فصارت تابعة لحلب. وفي ٥٠٤ دخلت في حوزة «طغتكين» ملك دمشق.

وفي سنة ٥٠٩ أرسل السلطان محمد بن ملكشاه عسكرًا لمحاربة طغتكين صاحب دمشق فكان طريقهم عَلَى حماة فخيَّموا حولها، وحاصروها غير أن مدة الحصار لم تَطُل ففتحوها عنوة، وأباحوا نهب أموالها ثلاثة أيام فنُهِبَت، ثم سلموها إلى الأمير «قيرخان» بن قراجا صاحب حمص. واستقامت العساكر في حماة مدة ثم سارت منها إلى فتح كفرطاب والمعرة، فولى قيرخان — المذكور — عَلَى حماة ابنه الأمير محمود وكان لا يعرف من العدل والإنصاف شيئًا فسام الناس خسفًا وظلمًا. وفي ٥١٧ سار بعسكره إلى قلعة فامية١ ليفتحها فهاجمها، فرُمي بسهم من القلعة في يده فجُرِح فعاد إلى حماة، وعُمِلَت له جراحة فلم يبرأ وبعد مدة توفي ففرح الحمويون بموته، فلما سمع طغتكين ملك دمشق أرسل إلى حماة عسكرًا فهاجموها واستلموا قلعتها فصارت من جملة بلاد طغتكين. ثم ملكها البرسقي التركي بن آقسنقر وبقي مدة ثم صارت لابنه مسعود، وبعد ذلك استردها توري بن طغتكين فولى عليها ابنه المسمى سونج بن توري بن طغتكين.

وفي سنة ٥٢٣ سار عماد الدين زنكي بن آقسنقر من الموصل وعبر الفرات، وكتب إلى توري ملك دمشق أن يمده بالجنود لمحاربة الفرنج، فكتب توري لولده سونج صاحب حماة أن يسير معه بعسكره، فجهز عسكر حماة ورحل إلى حلب وخيَّم بظاهرها، فغدر به عماد الدين زنكي وقبض عليه ونهب خيامه وعساكره وأرزاق مقدَّميهم، ورحل من وقته إلى حماة فتسلمها بلا حرب لخُلُوِّهَا من الجند، ثم سار منها إلى حمص محاربًا فحاصرها ولم يقدر عَلَى فتحها فرجع، وأبقى أمير حماة معتقَلًا عنده ثم أطلقه وأرسله إلى أبيه، وظلت حماة في مُلك عماد الدين إلى سنة ٥٢٧. وفي هذه السنة سار إسمعيل بن توري بن طغتكين ملك دمشق إلى حماة فحاصرها يوم عيد الفطر فجرى بينه وبين العساكر الحموية حرب ضَروس، ولم يقدر أن يفتحها في ذلك اليوم، فلما كان الغد بكر إليها وزحف من جميع أبوابها وجوانبها وضيق الحصار، فطلب أهلها الأمان فأمنهم، وبقيت القلعة محاصَرة غير أنها لم تكُن في ذاك الحين حصينة ففتحها رغمًا واستولى على ما بها من سلاح وذخائر، ثم سار إلى شيزر ففتحها. ثم عاد إليها زنكي فاسترجعها، وظلت في يده إلى سنة ٥٤١ حين وفاته، فملكها بعده ابنه نور الدين محمود الملقب بنور الدين الشهيد رحمه الله.

وفي سنة ٥٥٢ في شهر رجب اهتزت أرض حماة بالزلزال المزعج فخربت وتهدمت أسوار قلعتها. قال أبو الفداء: ويكفي أن مُعلِّم كُتَّابٍ كان بمدينة حماة فارق المكتب وجاءت الزلزلة فسقط المكتب عَلَى الصبيان جميعهم، قال المُعلِم: فلم يحضر أحد يسأْل عن صبي كان له هناك. وخربت شيزر أيضًا حتى إن ملكها كان قد ختن ولده وعمل دعوة للناس وأحضر جميع أقربائه بني منقذ فاجتمعوا في داره فجاءت الهزة فسقطت الدار والقلعة عليهم فهلكوا عن آخرهم. وكان لصاحب شيزر حصان مربوط عَلَى باب الدار فلما جاءت الزلزلة وقُتِلَ الناس تحت الردم نجى من بني منقذ رجل واحد خرج هاربًا فرفسه الحصان فقتله.

قام نور الدين رحمه الله المقام المُرضي في ذلك الزمن؛ فإنه مع اشتغاله بالحروب العظيمة تدارك حماة بإعادتها كما كانت فبنى أسوارها، وأعاد قلعتها فتراجع إليها الناس، وبنى جامعه المعروف وبجانبه المارستان ووقف لهما أوقافًا طائلة، وبنى غير ذلك من المساجد — وسيأتي ذكره — ثم بنى أسوار دمشق وحمص وشيزر وبعلبك وحلب وكلها كانت قد خربتها الزلزلة المذكورة. وفي سنة ٥٦٩ توفي نور الدين رحمه الله فدخلت حماة في حوزة ابنه الملك الصالح إسماعيل. وفي سنة ٥٧٠ في غرة ربيع الثاني مَلَكَ البلاد الشامية والمصرية السلطان صلاح الدين الأيوبي فكانت حماة في جملة ما مَلَك، وولى عليها خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي، وأمره بتهيئة العساكر لمحاربة الملك الصالح إسماعيل وأعمامه الذين ساروا من الموصل وحلب لمحاربة صلاح الدين كي يسترجعوا مُلك نور الدين لابنه الملك الصالح، فتوجهت عساكر حماة مع صلاح الدين فالتقى الجمعان عند قرون حماة،٢ فهزمهم صلاح الدين وتبعهم منهزمين فطلبوا الصلح، فصالحهم عَلَى أن تبقى بيده الشام وتوابعها وأن تكون حلب للملك الصالح. ثم سار صلاح الدين إلى مصياف،٣ وكان الإسماعيليون يقصدون قتله — وقد طعنه أحدهم فلم يُصِب منه مقتلًا — فسار لحربهم، وفي مسيره خرب قلاعهم وأحرقها، فلما قرب من مصياف كتب صاحبها إلى صاحب حماة خال صلاح الدين أن يتوسط بالصلح ففعل، وكتب لابن أخته أن يصفح عنهم ففعل ورحل عنهم إلى مِصر.

وبعد رحيله ووصوله إلى مِصر سنة ٥٧٢ سار الفرنج بجموعهم إلى حماة — وكان عاملها مريضًا — فشددوا عليها الحصار، واجتمعوا حول السور حتى كادوا يفتحونها قهرًا فجَدَّ سكانها في قتالهم، وأخرجوا الفرنج إلى خارج السور بعدما دخلوا بعض جهاته، واستمر القتل أربعة أيام ثم رحل الفرنج إلى مدينة حارم. وفي أثناء ذلك توفي عامل حماة شهاب الدين الحارمي — وتوفي ولده أيضًا — فحزن عليه السلطان صلاح الدين، وسيَّر إلى حماة ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر المجاهد العالِم صاحب الخيرات والمَبَرَّات، وأمره بحفظ البلاد، فلما قرب من حماة خرج أهلها لاستقباله، فلم يلبث فيها إلا قليلًا حتى ندبه عمه السلطان صلاح الدين إلى محاربة قليج أرسلان التركي صاحب بلاد الروم؛ فإن قليج أرسلان المذكور قصد أخذ مدينة رعبان من عامل صلاح الدين، فتوجه ملك حماة الملك المظفر تقي الدين عمر إلى حرب قليج أرسلان بألف فارس حموي، والتقى الجمعان عَلَى حصن رعبان، وكانت جيوش قليج أرسلان عشرين ألفًا فهزمتهم العساكر الحموية، وعاد ملك حماة إلى حماة مفتخرًا يقول: هزمت عشرين ألفًا بألف.

وفي سنة ٥٨٢ أَلحق السلطان صلاح الدين الأيوبي بمدينة حماة منبج، والمعرة، وكفرطاب، وميافارقين وجعلها من توابع حماة. وفي سنة ٥٨٤ سار السلطان صلاح الدين إلى جبلة فتسلمها، ثم حاصر اللاذقية فتسلمها أيضًا وسلمها لملك حماة، فشرع ملك حماة في إعادة بنيان قلعتها وتحصينها كما كان فعل في قلعة حماة؛ فإنه شَادَ ما تشعث من بنيانها، ثم عاد من اللاذقية وقد طمح بصره إلى توسيع نطاق المملكة الحموية، فسار بعسكره إلى ما وراء الفرات ومَلَكَ حران وغيرها، واستولى عَلَى السويداء ومدنًا كثيرة في حروب عظيمة، وبينما يَجِدُّ في الفتوح أدركه المرض ثم الموت فتوفي في رمضان يوم الجمعة سنة ٥٨٧، وكان معه ولده الملك المنصور محمد فأخفى خبر موته ورحل به إلى حماة ودفنه في ظاهرها، وبنى إلى جانب التربة مدرسة، وسيأتي ذكرها.

ثم مَلَكَ حماة بعده ابنه الملك المنصور محمد — المذكور — بأمر عم أبيه صلاح الدين، غير أن صلاح الدين أخذ منه البلاد التي افتتحها أبوه وأبقى له منها منبج وقلعة المضيق وسلمية والمعرة تابعات لحماة. ثم جهز الملك المنصور جيشه وسار إلى فتح قلعة بارين٤ فحاصرها ونصب عليها المجانيق، فأصابه سهم بيده فجُرِحَت حين الزحف فلم يرجع وبقي مُجِدًّا في فتحها حتى فتَحها في ٢٩ ذي القعدة سنة ٥٩٥، وأقام بها مدة لإصلاح شئونها ثم رجع إلى حماة. فلما بلغ خبر فتحها الملك العادل ابن أيوب أمر باسترجاعها لصاحبها ابن المقدم، فلم يرضَ صاحب حماة بذلك، وأخيرًا سمح لابن المقدم بمنبج وقلعة نجم٥ عِوَض بارين فرضي بذلك. وفي سنة ٥٩٧ كتب الملك الظاهر صاحب حلب لملك حماة أن ينضم إليه ليتحِدَا ويحاربَا عمهما الملك العادل خليفة صلاح الدين، ووعده إن انضم إليه أن يعطيه قلعة المضيق ومنبج، فلم يرضَ بذلك ملك حماة وأحب أن يدوم ولاؤه للبيت الأيوبي، فغضب الظاهر وجهَّز جيشًا كثيفًا، وسار إلى فامية ومنها إلى حماة وخيَّم حولها، فحاصرت وأغلق أهلها أبواب السور، فخربت عساكره المقابر لكثرتها، ثم هاجموا حماة من باب السور الغربي في محلة المدينة فوقعت فيه معركة عظيمة، ثم فرق العساكر عَلَى الباب الغربي والباب القبلي وباب العميان — وكلها في محلة المدينة — فقاتلوا قتالًا شديدًا، ورُمِيَ الملك الظاهر بسهمٍ في ساقه فجُرِح، واستمرت الحرب أيامًا حتى ضاق الخناق على الحمويين، ثم جرى بين الفريقين الصلح عَلَى أن يدفع ملك حماة ثلاثين ألف دينار غرامة حربية فدفعها للملك الظاهر، ورحل عنها إلى دمشق ليملكها فلم ينجح، وعاد إلى حلب فطلبه الملك العادل لينتقم منه، وسار من مِصر طالبًا إياه حتى وصل إلى حماة وحلَّ ضيفًا عند ملكها، وكان نزوله عَلَى تل صفرون٦ فقام الملك المنصور بإكرامه، وكان خبر قدومه إلى حماة بلغ ابن أخيه ملك حلب فأرسل إليه يلاطفه ويعتذر إليه، وأرجع المعرة إلى ملك حماة بعد أن أخذها منه، ولم يزل يسترضيه حتى رضي ورحل إلى دمشق راضيًا. وفي سنة ٥٩٩ قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد وطرابلس وغيرهما فتلقاهم الملك المنصور لبعرين، وأنجده ملك بعلبك وملك حمص، وهناك اشتعلت نيران الحرب وامتدت في صحاري بعرين في زمن شهر الصوم، فكانت الهزيمة على الفرنج بعدما تركوا قتلى وأسرى لا تُعد، فعاد ملك الديار الحموية إلى بعرين من ميدان الحرب ظافرًا فاستقبله الفاضل بهاء الدين السنجاري مادحًا له بقوله:
ما لذة العيش إلا صوت معمعة
ينال فيها المنى بالبيض والأسل
يا أيها الملك المنصور نصح فتى
لم يلوه عن وفاء كثرة العذل
اعزم ولا تترك الدنيا بلا ملك
وجِدَّ فالمُلك محتاج إلى رجل
يا أوحد العصر يا خير الملوك ومَنْ
فاق البرية من حافٍ ومنتعل

ثم إن الفرنج لموا شعثهم وعادوا بقوة هائلة للحرب — وكان المنصور لم يرحل من بعرين — وكان عودهم بعد ثمانية أيام من هزيمتهم، فجدد المنصور الحرب وحمي وطيسها، فانكشف الفرنج منهزمين شر هزيمة بعد ترك قتلى وأسرى، ثم عاد ملك حماة إلى بعرين فهنأه سالم بن سعادة الحمصي بقصيدة منها:

وشننت منتقمًا بساحل بحرها
جيشًا حكى البحر الخِضمَّ عرمرما
أسدلت في الآفاق من هبواته
ليلًا وأطلعت الأسِنَّة أنجُمَا

ثم إن الفرنج لمَّا لم يقدروا عَلَى فتح بعرين تركوها وساروا قاصدين حماة، فبلغ الحمويين الخبر فاستعدُّوا للقاهم فلم يشعروا إلا والفرنج قد وصلوا لقرية الرقيطاء ونهبوا المواشي والقافلة والقرى وقبضوا عَلَى شهاب الدين البلاعي محافظ بر حماة فأخذوه أسيرًا، ولما وجدوا أن أبواب أسوار حماة أُغلِقَت في وجوههم تركوها وعادوا بالأسير والغنائم، فهرب منهم شهاب الدين في الطريق وتعلَّق بجبال بعلبك ورجع إلى حماة.

ثم رجع الملك المنصور من بعرين فمسته الحمى الشديدة وورم دماغه وتوفي سنة ٦١٧، وكان فاضلًا عظيمًا — وستأْتي ترجمته — وحينما توفي كان ولده الملك المظفر المعهود إليه بالملك عند خاله الملك الكامل في مِصر، وولده الثاني الملك الناصر عند خاله الملك المعظم صاحب دمشق، فجمع وزير أبيهما زين الدين ابن فريج أعيان حماة وشاورهم فيمن يولُّونه فاتفقوا عَلَى تولية الناصر، وكاتبوا خاله ملك دمشق فأرسله إليهم فملَّكوه حماة وتوابعها بعرين وسلمية والمعرة، وكان أخوه المظفر قد بلغه خبر وفاة أبيه المنصور فقصد حماة ليتولى المُلك وفي الطريق بلغه أن المُلك ذهب منه إلى أخيه فذهب إلى دمشق واتخذها مسكنًا.

في سنة ٦١٨ قوي طمع الفرنج بالاستيلاء على مِصر، فكتب ملكها الكامل إلى أخويه ملك دمشق وملك حلب يطلب معونتهما، فسار الأشرف بعساكره من حلب ومَرَّ بطريقه عَلَى حماة فاستصحب ملكها الناصر بعسكره، وسارت عساكر دمشق وملكها المعظم فكان الحرب في دمياط، وانهزم الفرنج فعادت العساكر الحموية إلى مكانها مع ملكها.

في سنة ٦١٩ سار الملك المعظم صاحب دمشق لمحاربة ابن أخته الناصر صاحب حماة؛ لأنه حين طلبه الحمويون ليُوَلُّوه عليهم شرَط عليه مالًا يدفعه إليه فوعده بذلك ولم يفِ له، فخيم بعساكره عَلَى قرية قيرين،٧ فأغلق الحمويون أبواب السور وحاصروا، وزحفت عليهم الجنود الدمشقية فجرى قتال قليل، ثم رحلوا عنها إلى سلمية فنهبوها لأنها من توابع حماة، وولَّى الملك المعظم عليها واليًا من قِبله، ثم قصد المعرة فاستلمها أيضًا وولى عليها واليًا من قِبله، ثم عاد إلى سلمية وخيَّم حولها عَلَى نية العود لمحاربة سكان حماة وملكهم، وبذهاب هاتين المدينتين لم يبقَ لحماة ملحقات سوى بعرين. وفي هذا الأثناء جاء كتاب من الكامل ملك مِصر إلى أخيه ملك دمشق أن يرحل عن سلمية ويعفو عن ملك حماة ويعود إلى دمشق ففعل، وولَّى الملك المظفر محمودًا أخا الملك الناصر ملك حماة عَلَى سلمية بأمر الملك الكامل، وأعاد المعرة لملك حماة وذلك سنة ٦٢١.
وفي سنة ٦٢٦ أعطى الملك الكامل دمشق لأخيه الملك الأشرف، وكان الأشرف يحب الملك المظفر محمودًا أخا الملك الناصر ملك حماة محبةً عظيمة، فطلب من أخيه الكامل مساعدته عَلَى تولية المظفر وعزل الناصر، فسار الكامل من مِصر بجيش جرار، ونزل في المريج٨ ثم سار منها إلى سلمية، وأرسل عسكرًا نازلوا حماة، وكان قائد عسكره شيركوه صاحب حمص، فاستولى الجبن عَلَى الناصر صاحب حماة — الملقَّب قليج أرسلان — فأرسل إلى شيركوه: إني أريد أن أحضر عندك في الليل لتُحضرني بين يدي الكامل. ثم خرج إليه في العشر الأخير من رمضان، فسار به إلى الكامل، فحين رآه شتمه وأمر باعتقاله، وأمره أن يكتب لنوابه بحماة بتسليمها، فكتب إليهم أن يسلموها. وكان من جملة النواب الطواشي بشر والطواشي مرشد فامتنعا، وأنزلا من القلعة الملك المعز أخا الملك الناصر — المذكور — فملَّكاه حماة، وكتب أعيانها للكامل أنهم لا يسلمونها إلا لأحد ذرية تقي الدين عمر — المتقدم ذكره — فأرسل الملك الكامل يقول للمظفر: اتفق مع غلمان أبيك. وكان المظفر محاصرًا لحماة مع عسكر الكامل، فراسل الحكام فاتفقوا معه أن يفتحوا له باب النصر وقت السَّحَر، فحضر في الوقت المعيَّن ففتحوه له فدخل وسار إلى دار الوزير المعروفة بدار الإكرام٩ في باب المغار،١٠ وفي الصباح حضر الحمويون يهنئونه بالمُلك، وكانت مدة أخيه الناصر تسع سنين إلا شهرين. ثم بعد يومين صعد المظفر إلى القلعة وتسلمها وعمره إذ ذاك ٢٧ سنة، وسلَّم أمور المدينة وتدبير شئونها للأمير سيف الدين علي الهدباني. ولما استقر المظفر في حماة انتزع الملك الكامل منه سلمية وسلمها إلى شيركوه ملك حمص، وانتزع بعرين وسلمها للناصر ملك حماة السابق فلم يبقَ لحماة توابع سوى المعرة.

وقد هنَّأَ شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز محمد بن عبد المحسن الأنصاري الملكَ المظفر بقصيدة منها:

تناهى إليك المُلك واشتد كاهلُهْ
وحل بك الراجي فحطت رواحلُهْ
ترحلت عن مِصْر فأمحل ربعها
ولما حللت الشام روض ماحلُهْ
وعَزَّتْ حماة في حمى أنت غابُهُ
بصولته تُحمى كليب ووائلُهْ
وقد طالما ظلت بتدبير أهوج
يخيب مُرَجِّيه ويُحرم سائلُهْ

ثم تزوج المظفر ببنت خاله الملك الكامل غازية خاتون.

وفي سنة ٦٢٧ بنى صاحب حمص شيركوه قلعة شميميش١١ بغير رضاء ملك حماة فكان بينهما شحناء لذلك.

وفي هذه السنة قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد، فخرج إليهم الملك المظفر محمود، ووقع بينهم القتال عند قرية تُسمى أفيون قريبة من البلد عَلَى طريق بعرين، فانكسر الفرنج شر كسرة وعاد المظفر إلى حماة منصورًا غانمًا.

وفي سنة ٦٣٠ سار المظفر إلى قلعة شيزر بعساكره لمعاونة الملك العزيز صاحب حلب عَلَى استلامها من يد صاحبها شهاب الدين يوسف بن الداية فحاصروها واستلموها منه مع ما يتبعها كقلعة أبي قبيس.١٢ ثم عاد المظفر إلى حماة، وأرسل للملك الكامل يطلب منه أن يأذن له بانتزاع مدينة بعرين من أخيه الناصر، فأذِن له فسار إليها وحاصرها، فلم يقدِر الناصر على مقاومته فنزل إليه وسلمه البلد، فأكرمه أخوه المظفر ولاطفه وسأله الإقامة في حماة فأبى، وسار إلى الكامل فأكرمه ثم بلغه عنه ما يغيظه فسجنه ومات سجينًا.

وفي سنة ٦٣١ قَدِمَ الملك الكامل من مِصر قاصدًا بلاد الروم لمحاربة ملكها كيقباذ بن كيخسرو لامتلاك بعض بلاده، فنزل الكامل شمال سلمية، وكتب لملك حماة أن يتهيأ للمسير معه فسار بعسكره من حماة، ولم يبقَ ملك من ملوك الشام إلا وقد سار معه، وسار أمام الجميع الملك المظفر صاحب حماة بألفي محارب إلى خرتبرت، فخرج إليهم ملك الروم واقتتلوا، فهرب عسكر الكامل، وحُصِرَ المظفر مع عسكره في خرتبرت، وشدَّد كيقباذ عليه الحصار، وكان مركز الكامل في السويداء، فبلغه أن ملك حمص سعى إلى الملوك الذين هم بصحبة الكامل فأفسد نياتهم فتقاعدوا عن القتال، فلم يشأْ الكامل أن يُظهر ما يُكنه ضميره فأغضى عَلَى قذى، ولم يعُد في إمكانه نجدة ملك حماة، فطلب حينئذٍ المظفر مع عساكره الحمويين الأمان، فأمَّنه كيقباذ وأكرمه وخلع عليه ونادمه وأقامه عنده ضيفًا يومين، ثم رجع مع الكامل فنزل المظفر عَلَى المعرة، وشرع في بناء قلعة المعرة وأتمها على هيئة جميلة وأودعها كمية عظمى من سلاح وذخائر.

وفي سنة ٦٣٥ تُوُفِّي الأشرف ملك دمشق فمَلَكَ بعده أخوه الصالح، وكتب لملك بلاد الروم وحلب وحمص أن يكونوا معه لمحاربة أخيه الكامل ملك مِصر وبلاد سوريا، فأجابوه إلى ذلك وامتنع ملك حماة، وقد وصل الخبر إلى الكامل فجد المسير بعساكره حتى حاصر دمشق، وكانت الجنود قد قَدِمَت من حمص نجدةً لملك دمشق فقبض الكامل عليهم وشنقهم بين البساتين، وأرسل توقيعًا لملك حماة بانتزاع سلمية من ملك حمص، فأرسل المظفر إليها نوابه فتملَّكوها. ثم إن ملك دمشق أذعن لملك مِصر وسلَّمه دمشق فعوضه عنها بعلبك. وجهَّز الكامل ملك مِصر عساكره للانتقام من شيركوه صاحب حمص، وكتب إلى صاحب حماة أن يسير بعساكره لينضم إلى عسكر الكامل، فبرز من حماة وخيَّم عَلَى الرستن، فخاف شيركوه جدًّا، غير أن الكامل لحقه المرض فتوفي في دمشق وللحال رحلت عساكره عن حمص، وعاد المظفر إلى حماة بعدما حاصر حمص.

وفرح شيركوه بذلك فرحًا عظيمًا، وأرسل عساكره إلى سلمية فطردوا نواب ملك حماة منها، وقطعوا ماء القناة التي كانت تجري من سلمية إلى بساتين حماة، فيبست البساتين ولحق الحمويين بذلك ضرر فاحش، ولم يكتفِ ملك حمص بذلك بل أرسل فَعلةً من حمص إلى البحيرة فبنى تجاه الماء سدًّا عظيمًا حوَّل به ماء العاصي عن حماة إلى الأودية؛ فوقفت النواعير وكاد الماء أن ينفد منها لكن الماء هدم السد وتحامل بكليته وعاد إلى مجراه الأصلي، كل ذلك كان انتقامًا من ملك حماة لمعاونته الملك الكامل.

كذلك اغتاظ توران شاه بن صلاح الدين ملك حلب من المظفر ملك حماة لموافقته للملك الكامل، فأرسل من حلب جيشًا عظيمًا لينتقم به من الحمويين وملكهم، فوصل الجيش للمعرة وافتتحها وخرَّب قلعتها العظيمة التي كان قد بناها المظفر وأودعها الذخائر وولَّى عليها نائبًا من قِبله. ثم سار توران شاه بجنوده إلى حماة فحاصرها، ونهبت عساكره ما قدرت من أطراف المدينة، وطال الحصار حتى ضاق الخناق وأُتلِفَت أموال كثيرة لا تُحصى.

ثم رحل توران شاه بعساكره إلى حلب، ولم يبقَ من توابع حماة سوى بعرين، فإن سلمية انتزعها ملك حمص، والمعرة انتزعها ملك حلب، فخشي ملك حماة أن تذهب بعرين أيضًا، فأمر بهدم قلعتها للأرض فهُدِمَت، ثم سار ملك حماة إلى دمشق بعسكره نجدةً للملك الصالح للاستيلاء عَلَى دمشق وبعد ذلك عاد إلى حماة وفي عوده حاصر حمص ثم رحل عنها.

ولما مَلَكَ الصالح دمشق سار منها إلى مِصر وأبقى ابنه المغيث نائبًا عنه في دمشق، فاغتنم عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك الفرصة ومعه شيركوه ملك حمص، فسارا بجموعهما إلى دمشق لأخذها للصالح من يد نائبها ابن أخيه — المذكور — وذلك سنة ٦٣٧، وبعد حصار طويل استلمها الصالح إسماعيل من ابن أخيه قهرًا. وكان ملك حماة قصد أن يحفظ دمشق لصاحبها، فأرسل نجدةً مع أحد الأمراء المسمَّى سيف الدين علي من عسكر وسلاح ومال كثير، وأظهر المظفر وعلي — المذكور — أنهما قد اختصما، وأن عليًّا قد غضب وأراد فراق حماة فتبعه بعض الجند ومعهم الذخائر يموِّهون أن صاحب حماة يريد تسليمها للفرنج؛ وذلك خوفًا من شيركوه ملك حمص كي لا يمنع عليًّا عن المسير في الطريق، فلم تخفَ هذه الحيلة عليه فكمن لهم عند بحيرة حمص، فلما قدم عليٌّ بمن معه تلقاه شيركوه ورحَّب بهم وأظهر أنه مصدقه ودعاه للضيافة في حمص، فعاد معه هو وبعض الجند والآخرون شعروا بالحيلة فهربوا وسلِموا، فلما وصلوا إلى حمص قبض عليهم شيركوه وسلب ذخائرهم وأموالهم وسلط عليهم من يعذبهم، وهم يستجلبون له الأموال من حماة ليشتروا بها أنفسهم من العذاب حتى أفقرهم. ومات رئيسهم علي وكثيرون معه في السجن وبقي الباقون في السجن حتى مات شيركوه، وكان ذلك سببًا عظيمًا لضعف قوة المظفر ملك حماة ضعفًا عظيمًا. ثم توفي شيركوه بعد برهة وخرج السجناء ومَلَكَ حمص بعده ابنه إبراهيم.

وفي سنة ٦٤٢ توفي الملك المظفر محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ملك حماة، فكانت مدة مُلكه ١٥ سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام. فمَلَكَ بعده ابنه الملك المنصور محمد، ولكونه لم يجاوز عمره العشر سنين قام بتدبير المملكة مملوك أبيه سيف الدين طغريل، والشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة، والطواشي مرشد، والوزير بهاء الدين ابن التاج، وهؤلاء يرجعون بالرأي إلى أم المنصور غازية خاتون بنت الملك الكامل.

وحينما ملَّكوا عليهم المنصور أرسلوا عسكرًا إلى سلمية فانتزعوها من صاحب حمص وألحقوها بحماة.

وفي سنة ٦٥٢ ولَّى الملك المنصور شمس الدين إبراهيم بن هبة الله البارزي قضاء حماة لفضله الشهير.

وفي سنة ٦٥٧ قَدِمَ هولاكو بعساكره في العشر الأخير من ذي الحجة إلى حلب — وكان حاكمها توران شاه بن صلاح الدين — فخرج عسكر حلب لقتالهم فكانت الملحمة عند بانقوسا، فانكسر الحلبيون وتبعهم التتر يقتلون منهم، فازدحم الناس في أبواب المدينة فخنقوا بعضهم لشدة الزحام فلم يَسلم إلا من سلمه الله.

ومَلَكَ هولاكو حلب وطار الخبر إلى دمشق فهيئت الجنود للحرب، وبرز الناصر ملك دمشق إلى برزة بعساكره لاستقبال حرب هولاكو، ووقع الرعب في قلوب سكان البلاد الشامية، فرحل الملك المنصور ملك حماة إلى برزة ولم يبقَ في حماة غير النواب، فلما بلغ سكان حماة ما فعل التتر بحلب أرسلوا الطواشي مرشدًا إلى ملكهم المنصور وهو في برزة يستشيرونه ما يصنعون، ثم أجمعوا عَلَى التسليم، فسار الوجهاء إلى حلب ودخلوا على هولاكو وسلموه مفاتيح البلد وطلبوا منه الأمان فأمنهم، وأرسل معهم عاملًا من قِبله اسمه خسروشاه فتولى شؤون حماة وأمن الرعية وتسلم القلعة.

وحينما بلغ خبر مسير هولاكو إلى دمشق فَرَّ ملكها وملك حماة معه إلى مِصر خوفًا ورعبًا، أما ملك حمص — وهو الأشرف موسى بن إبراهيم بن شيركوه — فإنه قصد هولاكو طالبًا الأمان فأمَّنه، ثم انهالت عساكره في البلاد الشامية تقتل وتنهب وتفتك، وقد عملت أعمالًا لم يُسمع مثلها عن بختنصر في بيت المقدس.

ثم قفل هولاكو راجعًا إلى جهة الشرق وأذن لصاحب حمص بالعودة لبلاده وأمره أن ينزل في حماة فيُخرب أسوار قلعتها، فقدم الأشرف ملك حمص إلى حماة ونزل في دار المبارز،١٣ ثم هدم أسوار القلعة وحرق ما فيها من الذخائر وعدة الحرب، وباع الكتب التي كانت في دار السلطنة بثمنٍ بخس جدًّا، ثم قصد تخريب أسوار المدينة فعظم الأمر على الحمويين، فبادر محافظها المسمى إبراهيم بن الإفرنجية بالرشوة إلى عامل هولاكو خسروشاه لأجل أن لا يهدمها — خيفةً من أن يرحل أهلها عنها لأنه إذا هدم أسوارها طمع فيها الفرنج — فأخذ الرشوة منه ومنع ملك حمص عن هدمها.

وقد خرَّبت التتر أيضًا جميع القلاع كقلعة حلب ودمشق، وأمر هولاكو أيضًا صاحب حمص — المذكور — أن يُخرب قلعة حمص فامتثل أمره وخرَّب من أسوارها جانبًا وترك البقية لأنها مقر مُلكه وذلك سنة ٦٥٨.

ثم إن الملك المظفر قطز ملك مِصر سار بجيوش المسلمين من مِصر وبصحبته ملك حماة وأخوه الأفضل في أوائل رمضان من هذه السنة لمحاربة التتر، فلما بلغ كتبغا نائب هولاكو عَلَى دمشق الخبر، جمَع التتر وخرج للقاء الجموع الإسلامية وفي صحبته ملك حمص وغيره من الملوك الذين اتفقوا مع التتر، فكان الحرب في مكان يُسمى الغور وثبت المسلمون، وهرب التتر فتبعهم المسلمون يقتلون وينهبون، وقُتِلَ في هذه الواقعة كتبغا وأُسِرَ ابنه، وتعلق التتر في رءوس الجبال فتبعهم المسلمون وأفنوهم عن آخرهم قتلًا وتشريدًا. وحينئذ طلب الأشرف ملك حمص الأمان فأمَّنه المظفر قطز وأقره عَلَى حمص وتوابعها، وأمر بضرب عنق الذين ظهر منهم الفسق وحب سفك الدماء. ثم أحسن المظفر قطز إلى ملك حماة وأقرَّه عَلَى مُلكه وتوابعه — وهي بعرين والمعرة — فتوجه المنصور ملك حماة إلى بلده هو ونائبه مبارز الدين أقوش فقبض عَلَى أشخاص كانوا عونًا للتتر عَلَى مآربهم وسجَنهم، فهرب خسرو شاه عامل هولاكو على حماة إلى الشرق.

وبعد قدوم المنصور لحماة عمل شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري قصيدة يهنئه بها، منها:

رعت العدا فضمنت ثل عروشها
ولقيتها فأخذت تل جيوشها
فغدا لسيفك في رقاب كماتها
حصد المنازل في يبيس حشيشها
وطويت من مِصر فسيح مراحل
ما بين بِركتها وبين عريشها
حتى حفظت عَلَى العباد بلادها
من رومها الأقصى إلى أحبوشها
فرشت حماة لوطءِ نعلك خدها
فوطئت عين الشمس من مفروشها

ثم إن التتر عادوا إلى حلب محاربين ففرت عساكرها إلى حماة ونزلوا ضيوفًا عند ملكها مدة ثم رحلوا إلى حمص، وسارت عساكر التتر قاصدة حمص فرحل ملك حماة وكبراؤها وعسكرها إلى حمص، وجاءت إلى حمص عساكر دمشق أيضًا فالتقت الجموع في شهر محرم سنة ٦٩٥، وكان التتر أكثر من المسلمين — وكانت الواقعة في ظاهر حمص — فانتصر المسلمون عليهم، وفر التتر وقُتِلَ منهم ألوف لكنهم خيَّموا عَلَى سلمية، ثم قصدوا حماة — وكان ملكها وعساكرها قد عادوا إليها — فحاصرها التتر يومًا واحدًا، ثم تركوها ورحلوا عنها إلى فامية قرب قلعة المضيق فأظهر أميرها بسالة وطفق يشن الغارة عليهم كل يوم حتى رحلوا عنها.

وفي سنة ٦٦٤ أرسل الملك الظاهر بيبرس عسكرًا عظيمًا من دمشق، وكتب للمنصور ملك حماة أن يرأسهم ويسير وإياهم لغزو بلاد الأرمن فسار هو وأخوه الأفضل إلى سيس وجهاتها، والتَقَوْا بالأرمن فكسروهم وأسروا ابن صاحب سيس، ثم عادوا فاستقبلهم الظاهر إلى فامية ثم عاد معهم إلى حماة ثم سار منها، وبعد برهة رجع إليها، وأرسل العسكر لفتح مصياف وأخذها من الإسماعيليين ففتحوها عنوة.

وفي سنة ٦٧٢ رحل الأمراء من حماة ورحل ملكها إلى دمشق خيفةً من التتر؛ لأنهم كانوا قد لموا شعثهم وعادوا إلى البلاد الشامية للغارة عليها لكن في المرة الأخيرة لم يكن حرب.

وفي سنة ٦٨٠ عَلَى زمن مملكة السلطان قلاوون الصالحي جاء «منكوتمر» ابن هولاكو بجيوش من التتر لا يحصيها عد، فسار إليه ملوك المسلمين وأمراؤهم بالعساكر بأمر قلاوون الصالحي، وسار ملك حماة بعسكره، فرتب قلاوون المحاربين فجعل عساكر حماة في الميمنة والتركمان في الميسرة، والتقى الجمعان بظاهر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس ١٤ رجب، فانتصر قلب المسلمين، وكانت ميسرة التتر قد انتصرت أيضًا ففر التركمان أمامهم، وتبعهم التتر فدخلوا حمص يقتلون من رأُوه، لكنهم علموا بعد ذلك أن قلب الجيوش الإسلامية منتصر وأن التتر وَلَّوُا الأدبار فعادوا وتبعوا رفقاءهم، وركب المسلمون أقفيتهم يقتُلون، فكان النصر عظيمًا امتلأت به البلاد سرورًا وزُيِّنَت له المدن ثم عاد كل ملك إلى بلده بعسكره.

وفي سنة ٦٨٣ في شوال تُوُفِّيَ الملك المنصور محمد صاحب حماة ابن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب — ومدة مُلكه إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام — فلما بلغ قلاوون خبر موته قرَّر مكانه ابنه الملك المظفر محمود عَلَى حماة وتوابعها المعرة وبعرين، ثم أمره بالمسير معه إلى المرقب — وكان قلاوون قد حضر إلى فتحها — فسار ملك حماة وعمه الأفضل ومعهم المؤرِّخ الشهير أبو الفداء فنازلوا المرقب وفتحوها بعد أن أمَّنوا أهلها وأخرجوهم منها، ثم قصدوا فتح طرابلس فساروا إليها وحاصروها واشتد الحصار وأخيرًا فتحوها بالسيف ظافرين وكان النصر فيها عظيمًا وذلك سنة ٦٨٧، ثم عاد الملك المظفر محمود إلى حماة ومعه عمه وبقية الأمراء والعساكر.

وفي سنة ٦٩٠ سار ملك حماة إلى عكا ليحضر فتحها مع السلطان قلاوون — وكان مسيره في آخر فصل الشتاء — ومعه العساكر والمنجنيق الكبير تحمله مائة عجلة حول كل عجلة عشرة رجال، فرأوا عناءً شديدًا لعِظم البرد حتى وصلوا إلى عكا وحاصروها واشتد القتال حولها، فكانت منزلة الحمويين في رأس الميمنة عَلَى عادتهم، فكانوا من جهة البحر وعن يمينهم عكا؛ فكان منجنيق الأعداء يرميهم من عكا ومن البحر، وطال الحصار عليها وبعد برهة فُتِحَت عنوة وقتلوا أهلها كلهم، ثم هدمها قلاوون إلى الأرض فجعلها دكاء، ثم ظلوا يفتحون السواحل بلدًا بعد بلد حتى دخلت كلها تحت حوزة المسلمين — وعُد ذلك توفيقًا عظيمًا — ثم قفل كل ملك إلى بلده.

وفي سنة ٦٩١ سار السلطان قلاوون من مِصر قاصدًا فتح قلعة الروم فوصل إلى الشام ومنها سار إلى حماة فخرج ملكها لاستقباله هو وعمه فاجتمعا به ثم سبقاه وهَيَّئَا له ما يليق به من الضيافة، ولما وصل إلى حماة ضرب سرادقه في جهة الشمال منها عند قناة سلمية،١٤ فأخرج له المنصور من الطعام الفاخر ما يكفيه وعساكره المصرية والشامية وجعل الطعام في أرض الميدان،١٥ ونصب له ما يليق به من الخيام ومَدَّ له القماش الفاخر تحت أرجل فرسه. ثم بعد ذلك سار السلطان قلاوون إلى دار المظفر محمود المسماة دار السعادة١٦ ففرش له أيضًا الطريق بالقماش الفاخر، فجلس السلطان في الدار ثم خرج منها إلى حمام السلطان — وسيأتي ذكرها — وبعد خروجه منها جلس عَلَى جانب العاصي برهة، ثم سار لدار الضيافة المسماة بالطيارة الحمراء عَلَى سور باب النقفي،١٧ وبعد ذلك رحل عن حماة إلى برها الشرقي للصيد، ثم سار بجيوشه إلى قلعة الروم ومعه ملك حماة وعساكرها، وحينما نصب الحمويون المنجنيق وقصدوا الرمي عَلَى العدو طلب أهل القلعة الأمان فأمَّنوهم ودخلها قلاوون ثم رحل عنها إلى دمشق فمِصر.

وبعد برهة سار ملك حماة وعمه إلى مِصر بطلب قلاوون، ثم ساروا جميعًا إلى دمشق، ثم إلى المكان المسمَّى الفرقلص، وهناك قبضوا على أمير العرب مهنَّا بن عيسى وأخويه محمد وفضل وولده موسى، وأرسلهم السلطان إلى مِصر فسُجِنوا فيها لتمرُّدهم عَلَى السلطان، ثم عاد ملك حماة وعمه إلى بلدهما وذلك في سنة ٦٩٢.

وفي سنة ٦٩٨ توفي ملك حماة السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المظفر محمود بن المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، فأرسل ملك مِصر بدلًا عنه الأمير «قراسنقر الجوكدار» فقَدِمَ إلى حماة، ونزل في دار المظفر وسلب أموال ذريته وأهانهم فلم يسعهم غير الصبر.

وفي سنة ٦٩٩ سار قازان أرغون ملك التتر بجموعه وعبر الفرات، فوصل إلى حلب ثم إلى حماة، ونزل في مجمع المروج١٨ بقصد المسير إلى الشام ليملكها فتبعته عساكر حماة، وقصدته عساكر مِصر والشام وحمص فكان الاجتماع وقت العصر في مجمع المروج، واشتعلت نيران الحرب المحرقة فكان النصر لملك التتر، ففَرَّ المسلمون منهزمين وتبعهم التتر يقتلون وينهبون ويأْسِرون حتى استولوا عَلَى دمشق، وتبعوا العساكر المصرية إلى غزة والقدس فغنموا غنائم كثيرة. غير أن العساكر المصرية كَرَّت راجعة وبعد حرب هائلة استرجعت دمشق من التتر.

وفي أثناء هذه الحرب كان وكيل حاكم حماة في مدة غيابه رجلًا اسمه عثمان السبيتاري سام الناس خسفًا وظلمًا وجار في حكمه جدًّا واستباح الأعراض والأموال وسفك الدماء فقتل كثيرين، وكان له رفيق يشاركه في الحكم فقتله أيضًا وانفرد بالحكم وحده ولقَّب نفسه الملك الرحيم، وبقي عَلَى هذا المنوال حتى استولى المسلمون عَلَى دمشق وفَرَّ التتر فحينئذٍ قبل عودة حاكمها أرسل إليها صارم الدين أزبك المنصوري الحموي ليكون حاكمًا إلى أن يحضر كتبغا، فلما وصل إلى حماة عُصِيَ عثمان السبيتاري في القلعة مدة ثم قَبَض عليه صارم الدين ووضعه في السجن. وفي أثناء ذلك كان حاكم حلب متوجهًا إليها فمَرَّ في طريقه على حماة ونزل عَلَى تل صفرون، وأرسل إلى عامل حماة أن يسلمه عثمان السبيتاري، فأرسله إليه وأخذه مُكَرَّمًا إلى حلب بعد ما أخذ منه رشوة — ولم يسمع عليه شكاية الحمويين وأن القاضي حكم بقتله — فبقي عنده حتى استخلص الملك لأبي الفداء فأرسل من قبض عليه وجاء به إلى حماة فقتله في محلة المدينة في سوق الخيل.

ثم إن قراسنقر عُين إلى حلب، وعين إلى حماة مكانه الأمير «كتبغا زين المنصوري» فدخل حماة ونزل في دار السعادة وهي دار المظفر.

وفي سنة ٧٠٠ عادت التتر إلى البلاد السورية محارِبة قاصدة استرجاع دمشق فعبر ملكهم بعساكره الفرات، وقد جفل المسلمون منهم فكانوا يهربون أمامهم تاركين منازلهم خالية حتى إن حلب خلت من أهلها، ورحل قراسنقر صاحب حلب بعسكره إلى حماة واستقبله صاحبها أيضًا بعسكره، وجاءت عساكر دمشق إلى حماة فخيَّم الجميع في ظاهر البلد، وانهالت التتر على بلاد سرمين والمعرة والعمق وغيرها تقتل وتنهب، وظلوا يعيثون في الأرض فسادًا ثلاثة أشهر، ثم رجعوا من تلقاء أنفسهم بلا حرب وتراجع المسلمون إلى منازلهم.

وفي سنة ٧٠٢ سار كتبغا بالعساكر الحموية إلى بلاد الأرمن فكانت له هناك حروب ثم عاد على طريق أنطاكية، وبعد وصوله لحماة عادت التتر واحتلت القريتين من أعمال حمص، فقدمت العساكر الحلبية وانضمت إليها العساكر الحموية وساروا إلى القريتين فقامت سوق الحرب هناك، وانتصر المسلمون، وهرب التتر وقُتِلَ منهم خلق كثير. ولم تكد العساكر تصل بلادها حتى عادت التتر بقيادة قطلوشاه، ووصلوا إلى حماة فجفلت عساكرها وحاكمها كتبغا إلى دمشق — وكان كتبغا مريضًا — فنزل التتر شمال حماة قريبًا من محلة باب الجسر ثم رحلوا إلى دمشق، وكانت العساكر الإسلامية متجمعة فيها من كل مكان، وهناك كانت الحرب الطاحنة فقُتِلَ من المسلمين ما لا يُحصى، وبعد ذلك فر التتر هاربين وتبعهم المسلمون يَقتلون ويَأْسرون، حتى وصلوا الفرات وأرادوا العبور عليه وجدوه في قوة زيادته فمشوا عَلَى جانبه إلى بغداد، فتبعهم عرب البادية قتلًا ونهبًا حتى كادوا يُهلكونهم عن آخرهم ثم عادت العساكر إلى بلادها.

وفي هذه السنة توفي زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة — وهو من مماليك قلاوون الصالحي ملك البلاد المصرية والسورية — فكان خلفه «سيف الدين قبجق» جاء من مِصر ووصل إلى حماة سنة ٧٠٣ فاستقبله الحمويون وأنزلوه في دار المظفر. وفي أوائل هذه السنة حصلت زلزلة عظيمة خربت بعض أسوار قلعة حماة وغيرها.

وفي هذه السنة ولي سيف الدين قبجق عَلَى حلب فرحل عن حماة، وعُين مكانه «أسندمر» ولم يأتِ إلى حماة بل أرسل نائبًا عنه «تنليك السديدي».

وفي سنة ٧١٠ جاء أسندمر — المذكور — إلى حماة ونزل في دار المظفَّر على جاري العادة، فلم يرضَ بتوليته عَلَى حماة رئيس العشائر البادية مهنا بن عيسى فسافر حالًا إلى مِصر، وكان ذا مكانة عظيمة عند الملوك فطلب من قلاوون الصالحي تنصيب أبي الفداء عَلَى حماة فأجابه لذلك، ونقل أسندمر إلى السواحل، وعين أبا الفداء ملكًا عَلَى حماة فعادت المملكة بتعيينه للبيت الأيوبي، وفرح السكان بذلك، وذلك في جمادى الأولى من السنة المذكورة، وسكن في بادئ الأمر في دار ابن عمه المظفر، ولم يلبث مدة حتى سار إلى حلب مع عساكر السلطان للقبض عَلَى نائبها أسندمر فأحاطوا بقلعتها وقبضوا عليه فسيق إلى مِصر مغلولًا بالحديد، ورجع أبو الفداء إلى حماة ثم سافر إلى مِصر فضم إليه محمد بن قلاوون الصالحي المعرة وبعرين مُلكًا خالصًا.

وفي سنة ٧١٣ جاء الخبر إلى حلب بمسير «خربندا» رئيس التتر بجيوشه إلى حلب فخافت حاميتها وأميرها سودي وقَدِموا إلى حماة، وقَدِمَ أيضًا بهادر أمير الشام وعساكره فأقاموا عند أبي الفداء ضيوفًا مدة طويلة، والتتر محاصِرون مدينة الرحبة ثم تركوها ورجعوا من حيث أَتَوْا فرجعت العساكر الدمشقية والحلبية إلى أماكنها.

وفي سنة ٧١٤ أُلحِقت المعرة بحلب ولم يبقَ بيد أبي الفداء سوى حماة وبعرين وتوابعهما.

وفي هذه السنة سارت العساكر السلطانية لفتح ملاطية فمرت بحماة، وسار أبو الفداء بعساكره معهم فقطعوا المسافات ثم افتتحوا ملاطية بلا حرب، وآبت العساكر فنزلت في حماة، وعمل ملكها أبو الفداء ضيافة عظيمة وأنزل الأمراء في داره. وبعد ذهابهم أصدر أبو الفداء أمرًا إلى جميع نوابه أن لا يقبل أحد حماية لأحد بل الكل متساوون في الحقوق ودفع ما عليهم؛ وذلك لأن الإسماعيليين في مصياف كانوا لا يدفعون لسلفه أموالًا بدعوى الحماية فأُخِذَت الأموال من الجميع.

وفي سنة ٧١٦ أُعيدت المعرة تابعة لحماة وهنَّأ الشعراء أبا الفداء بعودها.

وفي هذه السنة وقع ثلج في حماة غمر الأرض بمقدار نصف ذراع دام مدة طويلة وصار الماء جليدًا ممَّا لم يُعهد له نظير.

وفي هذه السنة خرجت المعرة عن تابعية حماة وأُلحِقت بحلب.

وفي سنة ٧٢٠ سارت العساكر الحموية مع العساكر السلطانية وافتتحوا بلاد سيس وعادوا ظافرين.

وفي سنة ٧٢٦ توفي السلطان بدر الدين حسن أخو أبي الفداء وكان شهمًا أديبًا.

وفي سنة ٧٣٢ كانت وفاة الملك المؤَيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب — ومدة مُلكه ٢٢ سنة — فكان بعده ابنه الملك الأفضل ملكًا عَلَى حماة وتوابعها بعرين وجهاتها، فسلك عَلَى طريقة أبيه في مبدأِ الأمر عدلًا وإحسانًا، وبعد مدة من مُلكه حصل بين السلطان في مِصر وبين مهنا أمير العرب وحشة عظيمة فكان الساعي بإزالتها ملك حماة؛ فإنه ركب بجنوده ونصح الأمير مهنا فاصطلح مع السلطان، وبعد تمام الصلح رجع إلى حماة فأنعم السلطان عليهما، ثم عاد أيضًا الأمير مهنا إلى مكانه وهو تل أعدا.١٩
وفي سنة ٧٣٧ توفي الأمير الكبير صارم الدين أزبك،٢٠ توفي وهو مسافر بعسكر حماة للجهاد في بلاد الأرمن، فحُمِلَ وأُعيد إلى حماة ودُفِن في تربته في مقبرة باب البلد ويُعرف مكانه بصارم الدين.
وفي سنة ٧٤٢ عُزِلَ الملك الأفضل محمد بن الملك المؤيد أبي الفداء ونُقِلَ إلى دمشق، وقد عزله الأشرف ابن السلطان محمد بن قلاوون، والسبب في عزله أنه كان في مبدأ أمره قد حذا حذو أبيه وأظهر العدل والزهد ثم تغيَّر بعد ذلك وتبدَّل وجار في حكمه، ومما عمله من الجور وكان الباعث الأعظم لعزله أنه حبس تاج الدين بن عز الدين المسمى طاهر بن قرناص٢١ بين جدارين، وكان هذا الرجل من أعظم رجال حماة، وبقي محبوسًا بين الجدارين لا طعام ولا شراب حتى توفي، وقطع الملك الأفضل شجر بساتينه ظلمًا لأمور تافهة.

وبعزل الملك الأفضل اندرس اسم «ملِك» من حماة وصار من يولَّى يُسمى حاكمًا أو نائبًا أو عاملًا وليس له سلطة الملوك السابقين وإنما يستبد إذا شاء فيضر وينفع.

لما عُزِلَ الأفضل ولي بعده مملوك أبيه «طقزتمر»، ورحل الأفضل إلى دمشق فلم تطُل المدة حتى أدركته الوفاة فنُقِلَ إلى حماة في السنة التي عُزِلَ فيها، وخرج طقزتمر مُستقبِلًا جنازته، ولما رآها بكى وأقسم أنه ما قَبِلَ أن يكون مكانه إلا أملًا بعود المُلك إليه إكرامًا لوالده رحمه الله، وقد دُفِن عند أبيه في تربته في جامع أبي الفداء بمحلة باب الجسر فكانت مدة مُلكه عشر سنين. وبعد برهة نُقِلَ طقزتمر إلى حلب، وولي على حماة الأمير العالِم علم الدين الجاولي، ولم تطُل مدته لأنه نُقِلَ إلى غزة وولي مكانه محمد آل ملك ثم عُزِلَ وعُين بدله الطنبغا المارداني.

وفي سنة ٧٤٣ نُقِلَ الطنبغا إلى نيابة حلب، وعُين لحماة يلبغا التجباوي وكان شابًّا حسنًا عفيفًا عن مال الرعية فاستقام برهة ثم نُقِلَ إلى حلب عاملًا عليها، وولي عَلَى حماة طقزتمر الأحمدي وكان عاقلًا عادلًا.

وفي سنة ٧٤٥ هطلت أمطار غزيرة ففاض نهر العاصي وأغرق دورًا كثيرة فخربها وأتلف بساتين البلد وتضرر الناس بذلك ضررًا فاحشًا.

وفي سنة ٧٤٧ نُقِلَ نائب حماة طقزتمر إلى حلب وولي مكانه أسندمر العمري. وفي سنة ٧٤٨ وقع بين سيف بن فضل أمير عرب البادية وبين أحمد وفياض من الأمراء أيضًا حرب فانكسر سيف ونُهِبَت أمواله، وكانت هذه الحرب ضربة قاضية عَلَى بادية حماة؛ فإن البدو طفقوا ينهبون القرى ويُغيرون عَلَى حماة والمعرة فينهبون ما يجدونه، وقد قُطِعَت الطرق وفُقِدَ الأمن وأُتلِفَت الكروم وأُكِلَ الزرع والمقاتي؛ ففر الفلاحون واندرست القرى، ومن ذاك الحين تناقص عمران حماة وغدا العرب يقطعون السبل وينهبون من أطراف البلد حتى نهاية القرن الثالث عشر، وقد اشتد في ذاك الحين الغلاء حتى كاد الناس يأكلون بعضهم.

وعَلَى عقب هذه الحوادث جاء الطاعون الجارف ففتك في الأنفس في حلب ودمشق وحماة فكان شديد الوطأَة قوي الشكيمة يدخل البيت فيجعل العشرة واحدًا أو اثنين، وربما خلت الدار من السكان بتاتًا. قال ابن الوردي رحمه الله:

يا أيها الطاعون إن حماة من
خير البلاد ومن أعز حصونها
لا كنت حين شممتها فسممتها
ولثمت فاها آخذًا بقرونها٢٢

وفي سنة ٧٥٨ ولي نيابة حماة أحمد الساقي، أقام مدة ثم تُوُفِّيَ فكان مكانه كتبغا الحموي سنة ٧٩٠، ثم عُزِلَ وخلفه أحمد المهمندار سنة ٧٩٢، ثم توالت العمال عَلَى حماة — كما يأْتي — ولا فائدة في تعداد أسمائهم وإنما القصد ذكر الحوادث التي مرت عَلَى حماة. فمن الولاة الذين كان لهم شأْن بحماة عَلَى زمن دولة الجراكسة الأمير طرباي الشريفي، والأمير بلباك السيفي، والأمير جلبان وغيرهم.

في سنة ٨٠٣ ولي عَلَى حماة رجل اسمه دقماق، وكان قد شاع خبر قدوم تيمور إلى البلاد السورية، وأنه قادم بثمانمائة ألف مقاتل، وأنه لا يمر بمدينة إلا خربها، وقد اجتاز بسيواس فحاصرت فحلف لأهلها أنه لا يضع فيهم السيف فلما اطمأنُّوا وفتحوا له أسوار البلد قبض عليهم وحفر لهم حفائر ودفنهم فيها أحياء — وكانوا ثلاثة آلاف مسلم — ثم حرَّقها وخرَّبها، وخرب ملاطية وبلادًا كثيرة. ثم قصد حلب وحاصرها فسيقت إليه عساكر البلاد الشامية والساحلية، وسارت عساكر حماة أيضًا بقيادة دقماق فكان الحرب خارج سور حلب، وحينما هجمت عساكر تيمور فرت عساكر البلاد الشامية ولم يقِف أمامها أحد فكان القتل عند أبواب السور، وخنق الناس بعضهم لشدة الازدحام في أبواب المدينة فمات منهم ألوف، ودخل تيمور حلب وصعد إلى القلعة بلا حرب فقتل وسبى ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ونهب واعتقل رجالًا كثيرين، وفعل أفعالًا تقشعرُّ منها الجلود، وقبض عَلَى أميرها ثم فر منه إلى حماة. فلما رأى الحمويون ذلك سار أعيانها إلى تيمور بمفاتيح البلد طالبين منه الأمان فأمَّنهم، ثم سار ونزل في شماليها وأمر بهدم قلعتها فهُدِمت، ومن ذلك الحين بقيت خرابًا ليس فيها إلا بعض بيوت وجدران قائمة وآثار وسجن للحكومة ظل باقيًا إلى القرن الحادي عشر.

ولم يأخذ تيمور من حماة شيئًا ولم يقتُل أحدًّا مراعاةً لعهده الذي أعطاه لأعيان حماة في حلب، ثم سار إلى حمص ولم يفعل فيها شيئًا إكرامًا لخالد بن الوليد — رضي الله عنه — غير أنه هدم قلعتها أيضًا، ثم سار إلى دمشق فأهلك أهلها وتركها بحالة تبكي لها القلوب.

ومن ذلك الحين ازداد تناقص عمران حماة وانفصلت ملحقاتها عنها — وهي المعرة صارت تابعة لحلب، وسلمية خربها عربان البادية، وبعرين صارت خرابًا وعادت شبه قرية — وما زالت حماة تخرج من حوزة والٍ وتدخل في حوزة آخر حتى مَلَكَ السلطان سليم الأول العثماني هذه البلاد سنة ٩٢٢ دخلت حماة في جملة ما مَلَك، فكان يتولى عليها رجل يُسمى متسلمًا يفعل ما يشاء، ولم يكن في ذلك الحين السلك البرقي ولا القطارات الحديدية فكانت الأخبار لا تصل إلى دار المملكة إلا بعد هلاك الرعية.

في نصف القرن التاسع امتلأت حماة وقراها بالتركمان، وكان الحاكم يأخذها مقاطعة يدفع لجهة الدولة شيئًا معينًا، وله أن يفعل ما يشاء عَلَى حسب إدارته العقلية فكان يُعين من قِبله أميرًا للجند، ورجلًا آخر يُلقب «صوباشي» وظيفته تَفَقُّدُ شئون البلد وتثبيت الأمن والتفتيش عَلَى السارقين والأشقياء، ولكل منهما أعوان، وتحت يد الصوباشي رئيس العسس فكان هؤلاء يصنعون ما يحبون من سلب الأموال والظلم. خُذ مثالًا من ذلك أنه كان في سنة ٩٧٠ إلى سنة ٩٨٢ في حماة رجل اسمه «بريك بن سركين» كان ترجمانًا للصوباشي ومعه رئيس العسس محمد بن يحيى المكنى أبا حمامة، وهذان الرجلان اتفقا عَلَى ضرر الناس.

من ذلك أنه غرق رجل من محلة باب المغار في العاصي وأُخرِج حيًّا ثم بعد ذلك توفي فقبض بريك عَلَى زوج أخته فلم ينجُ منه إلا باثني عشر سلطانيًّا، وفي ثاني يوم جاءه وطلب منه أن يدعي أن أُناسًا أوقعوا الرجل في النهر حتى غرق فلم يرضَ فضربه بالعصا حتى تورمت رجلاه وأخذ منه ستة وعشرين سلطانيًّا.

ومن ذلك أن أبا حمامة كان يقف في الطريق فيسلب من المسافرين ما معهم بعد الضرب المبرِّح.

ومن ذلك أن بريكا المذكور قبض على غلام يُدعى إبراهيم بن سركين وأباح عرضه للمسجونين.

ومن ذلك أن أبا حمامة قبض على رجل من محلة العليليات وقيده في بيت الصوباشي واتهمه أنه ذبح غنمًا في بيته ولم يُطلقه حتى أخذ منه سبع سلطانيات.

ومن ذلك أن بريكا قبض عَلَى رجل من محلة باب المغار يُدعى ابن المكسح واتهمه بأنه تشاجر مع زوجته ولم يُطلقه حتى أخذ منه خمس سلطانيات.

كذلك قبض ابن حمامة عَلَى امرأة بدعوى أنها تعاملت مع زوجها عَلَى أبيها فأخذ منها خمس عثمانيات.

وهكذا حتى بلغ والي حلب خبره فأرسل أمرًا بالتحقيق عليهما فظهرت لهما أعمال مبكية محزنة من هتك عرض وسلب ونهب إلى غير ذلك ممَّا يطول شرحه لو أردنا ذكره كله.

وقد تتابع الظلم من الأمراء والمتسلِّمين ولا علم لمركز السلطنة بذلك فإن حماة كانت تابعة لطرابلس، وكان للوالي حق تعيين المتسلِّم — كما ذكرنا — ولم تكن للحكومة محاكم سوى المحكمة الشرعية ولا قوانين سياسية فكان بين يدَيِ المتسلم الموت والحياة.

ففي سنة ١٠٩٠ كان المتسلم بحماة داود آغا، وكان الوالي في طرابلس محمد باشا، وبعد ذلك ببرهة صارت تابعة لولاية دمشق باسم مقاطعة لأمير الحج، فكانت أموالها تُقدم لوالي دمشق بصفة مقاطعة وكان يرسل من قِبله متسلمًا يفعل ما يشاء.

كان لمتسلمي حماة أنواع من القتل والتعذيب لا تنطبق عَلَى شرع ولا قانون مدني. كانوا إذا غضبوا عَلَى رجل يضعونه عَلَى الخازوق٢٣ حتى يموت بعد عذاب طويل مما لم يُسمع بمثله في أظلم حكومات العالم الماضية، وإذا غضبوا عَلَى امرأة وضعوها في الخيشة٢٤ وألقوها في العاصي

ومن البدع التي كانت المصادرة فربما جاءت جنود الحاكم فنهبت بيت البعض ولا يدري ما ذنبه. وقد يُجاء بالإنسان فيُطلب منه مال معين فإما أن يدفعه وإما أن يقع تحت العذاب. لهذا كان كل إنسان يكتم الغنى ويُظهِر الفقر، ويلبس الثياب الرثة، ويدفن ماله تحت الأرض وبين حجارة الجدار، وربما مات فجأْة ولم يُعلِم أولاده أين وضع ماله، حتى إذا اشترى أحد تلك الدار وحفر في أرضها لبناء وجد المال المدفون.

كانت العساكر إذا قَدِمَت إلى حماة تنزل في البيوت رغمًا فكان السكان يعملون باب الدار صغيرًا جدًّا حتى لا يستطيع الجندي أن يُدخل حصانه في الدار. كان النهب بأسباب الحروب كثيرًا فكان السكان يعمل كل منهم في بيته بئرًا يضع فيه مواعينه وأشياءه حين النهب ويسد فم البئر بحجارة وتراب حتى لا يُعرف فإذا اطمأَن أخرج ما يحتاجه.

دام هذا الحال حتى هاجر أكثر الحمويين إلى دمشق والبعض إلى حلب أو حمص أو طرابلس فتناقص عمرانها وسكانها وصارت شبه قرية. ثم جاء إبراهيم باشا المصري فزاد البلاء، واحتقر الناس حتى كأَنهم أنعام فكان يحشرهم للأعمال الشاقة كبناء الثكنة العسكرية في الحاضر، ويسوقهم للحرب بغير ترتيب فيقبض عَلَى كل مَنْ يجده في البلد، فكانوا يفرون منه إلى رءوس الجبال وتارةً يختبئون في الآبار، وربما قلع الإنسان عين نفسه أو قطع إصبعه ليُعفَى من الخدمة العسكرية، فلم يبقَ في حماة وباديتها إلا القليل ولهذا أُلحِقَت في حمص.

ثم تنبهت الحكومة لعمران البلدان، وارتبط المأْمورون بمركز المملكة فزال ما كان من الضغط، وعرف كل إنسان ما له وما عليه فتزايد عمران حماة وكثر ساكنوها، وجُعِلَت مركز اللواء، وأُلحِقَت بها حمص والعمرانية وسلمية حتى هذا الزمن، ولا يعلم بعدُ ما يكون سوى خالق النسم جل شأْنه.

هوامش

(١) فامية: قلعة قديمة بجانب قلعة المضيق وهي الآن خربة.
(٢) قرون حماة: جبلان متقابلان أحدهما في جهة القبلة يُسمى جبل الأربعين، والثاني جبل في شمال حماة يُسمى الآن زين العابدين، وبجانبه جبل صغير يُسمى كفرراع، وهذه الحرب كانت عند القرن الشمالي.
(٣) مصياف: بلدة غربي حماة ذات قلعة وسور، كانت مركز الطائفة الإسماعيلية، تبعد عن حماة ثمانية ساعات.
(٤) بارين — وتُسمى بعرين — غربي حماة بنصف يوم، كانت مدينة واسعة ذات قلعة وسور عظيم، وكانت قلعتها في ظاهر سورها، وهي الآن قرية للفلح والزرع لم يبقَ من مجدها القديم سوى رسوم البنيان.
(٥) تُسمى الآن قلعة المضيق، معروفة.
(٦) يُسمى الآن تل الدباغة، كان خاليًا من البنيان.
(٧) قيرين: قرية عظيمة قبلي حماة، تبعد عن العمران ميلًا، تُسمى الآن مقيرين، ويسميها البعض الشيخ مهران نسبةً إلى قبة هناك باقية. وهي خراب الآن، وسبب خرابها امتداد عمران البلد إلى جهتها ومجاورة أرضها للبلد فهجرها أهلها وسكنوا محلة تُسمى النقارنة نسبةً إلى مقيرين، وقد كان لهذه القرية جامع كبير يُخطب ويُدرس فيه وحينما هجرها أهلها في سني الألف كان إمامه ومُدرسه الشيخ عبد الوهاب السبكي الحموي.
(٨) المريج: قرية عَلَى كتف العاصي وراء الرستن.
(٩) دار الإكرام: كانت ذات مناظر مدهشة، مُعدة للضيافة وسكنى الملوك، قد خربت الآن وصار موضعها بيوتًا لدبغ الجلود.
(١٠) باب المغار: هو ما حول رحى العونية فوق العاصي.
(١١) شميميش: تُسمى شميميس، قلعة عَلَى رأس جبل، بينها وبين سلمية ميل غربيها للشمال، وهي خراب اليوم، وآثار بنيانها باقية، وفيها بئر ماء.
(١٢) أبو قبيس: من ملحقات مصياف الآن، وهي قلعة برأس جبل مُطل على وادٍ يجري فيه الماء، وهذه القلعة الآن خراب وبدلها قرية في رأس الوادي تسكنها النصيرية.
(١٣) دار كانت لضيافة الملوك في باب المغار لصاحبها مبارز الدين أقوش.
(١٤) قناة سلمية الآن مندرسة.
(١٥) هو السهل شمال طريق جبرين وأرض المناخ في جهة الحاضر.
(١٦) هي الآن بستان غربي العاصي جانب حمام السلطان في قبلي محلة باب الجسر.
(١٧) الطيارة الحمراء: كانت فوق القبو والباسطية شرقي جامع النوري، وكان مدخل هذا القبو في شرقي الجسر يُسمى باب النقفي.
(١٨) مجمع المروج: يبعد عن حمص نصف مرحلة من جهة الشرق.
(١٩) تل أعدا: قرية تُسمى الآن تل عدا في بر حماة الشرقي قريبة من سلمية.
(٢٠) صارم الدين كان من أمراء حماة المحسنين، وقد ترك بعد موته أوقافًا — بقي البعض منها للآن يتناول رعيها أُناس كثيرون — تُسمى الأوقاف الناصرية، وله في المعرة شرقيها خان لأبناء السبيل ومسجد وسبيل للماء.
(٢١) بنو قرناص هم العائلة الوحيدة القديمة في حماة لهم المجد العظيم، ومنهم العلماء والشعراء، ولهم المُلك النفيس في مدينة حماة ومنه البساتين التي تُسمى الآن القرناصيات، وكانت لهم نظارة مارستان نور الدين الشهيد. وبالجملة هم رؤْساء البلد بعد ملوكها وإليهم أكثر أملاكها. وقد خرج منهم عدة قضاة وشعراء وعلماء. كانوا يسكنون فيما حول الزاوية القادرية، ولهم في مدخل الباسطية في جامع مهجور قبور، ولهم بيوت أيضًا كانوا يسكنونها تمتد من مارستان النوري إلى المكان الذي كان يُسمى باب حمص عند رحى المسرودة وبيوت كثيرة في محلة الباشورة، وستأَتي ترجمة بعض رجالهم، وقد انقرضوا، وكان انقراض آخرهم في نهاية القرن الحادي عشر للهجرة.
(٢٢) تقدم ذكر قرون حماة [في موضع سابق].
(٢٣) الخازوق عمود طويل رأسه مخروط، يُغرز في الأرض كأحد عمد السلك البرقي، يوضع الرجل عليه محمولًا، ويُدخل رأس الخازوق في مقعده، ثم يُترك عَلَى هذا الحال مدة، ثم يُجذب بعنف حتى يدخل جوفه.
(٢٤) الخيشة كيس كبير توضع فيه المرأة، ويؤْتى بالكلس فيوضع حولها، ثم يُربط فمه عليها ويُلقى في العاصي فتموت غريقة محترقة بدعوى أنها زانية، مع أن الشرع جاء برجم المحصنة وجلد غير ذات الزوج إذا ثبت ذلك بالشهود الأربع، عَلَى أن كثيرات من الحرائر أُغرِقن لعزة أنفسهن ومحافظةً منهن عَلَى شرفهن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤