الفصل التاسع والعشرون

ملاحظات

وحياتنا الأدبية في هذه الأيام هي موضوع هذه الملاحظات، فقد يكون من الخير أنْ يقف النقاد عند هذا الأثر الأدبي أو ذاك؛ لنقده وتحليله، وبيان ما فيه من إجادة وإتقان، أو من ضعف وتخاذل وإسفاف، ولكن من الخير أيضًا أنْ يقف النقاد عند الحياة الأدبية العامة من حينٍ إلى حين، يبينون ما فيها من هذه المظاهر المشتركة التي تدل على الضعف أو على الفساد أو على سوء الاتجاه، لعل وقوفهم عندها وتبينهم إياها، أنْ ينبه الأدباء إلى ما فيها من شر، ويحملهم على الجد في تجنبها والتخلص من أوزارها الثقال، وربما كانت هذه الأيام موافقة لمثل هذا النحو من الملاحظات، فالناس يخرجون فيها من الصيف الذي يدعو عادة إلى الراحة والهدوء، ويسعون فيها إلى الخريف والشتاء اللذين يدعوان عادة إلى العمل والنشاط والجد والإنتاج.

فإذا أظهر النقاد قُرَّاءهم على مواطن الضعف في الحياة الأدبية قبل أنْ يقدموا على الإنتاج أو على التحصيل، أو قبل أنْ يستأنفوا نشاطهم الأدبي الجديد؛ فقد يكون في هذا خير لهم ولهذه الحياة الأدبية نفسها، وقد لاحظت في الأحاديث الأخيرة الماضية أنَّ الثقافة في مصر ضعيفة أشد الضعف، فاترة أشد الفتور، وأنَّ هذا الضعف نفسه يحول بين الأدباء وبين الإنتاج القيم والجد الأدبي الخصب.

ولكن الثقافة شيء مشترك بين المنتجين والمستهلكين في الأدب — كما يقول أصحاب الاقتصاد — فالأديب لا يستطيع أنْ ينتج إنتاجًا حسنًا إلا إذا كان مستكملًا أدوات هذا الإنتاج، والثقافة الواسعة العميقة المنوعة هي أهم هذه الأدوات، والمستهلك لا يستطيع أن يقرأ، ولا أنْ يفهم ولا أنْ يذوق، إلا إذا كان على حظٍّ من ثقافة تؤهله للقراءة والفهم والذوق.

ومن المحقق أنَّ ثقافة القرَّاء في مصر ضعيفة ضيقة، بعيدة كل البعد عن أن تكون عميقة أو منوعة، وأن الأدباء يلقون من ذلك شرًّا عظيمًا، فهم يعلمون أنَّ قرَّاءهم قليلون، وأنَّ ثقافة هؤلاء القراء أضعف وأضيق من أن تعينهم على قراءة الآثار الأدبية الراقية حقًّا. وهم من أجل ذلك يعرضون عن الإنتاج حينًا ويقبلون عليه أحيانًا، ولكن بعد أن ييسروه ويسرفوا في تيسيره ليلائم ثقافة القراء، وقد يهبطون به إلى أدنى درجات اليسر؛ ليلائم عقول القرَّاء الذين لا حظ لهم من ثقافة، أو الذين لهم حظ من الثقافة قليل، ويختلف ذلك باختلاف طبيعة هؤلاء الأدباء، فمن أكبر منهم الأدب وأبى أنْ يبتذله ابتغاء المال، يسره تيسيرًا معتدلًا ليفهمه المستنيرون، ومن اتخذ منهم الأدب وسيلة إلى الكسب وإلى الكسب الذي لا يحدُّ إلا بالحدود الممكنة، ابتذل أدبه ابتذالًا، وهبط به إلى حيث يسيغه أكبر عدد ممكن من الناس. كل هذا حق، ولكن هناك حقًّا آخر من الإثم إهماله والإعراض عن ذكره، وهو أنَّ القرَّاء ليسوا وحدهم مقصرين في ذات الثقافة، وليسوا وحدهم ضعاف الحظ من العلم بما ينبغي أنْ يتعلمه المتحضرون في هذا العصر، وإنما الأدباء المنتجون أنفسهم يشاركون القرَّاء في كثيرٍ من هذا الضعف وذلك التقصير، فكثير جدًّا من أدبائنا يكتفون بثقافة محدودة، بل بثقافة ضيقة أشد الضيق، تواتيهم طبيعة خُلِقَت لتكون خصبة منتجة فيكتفون بما تعطيهم، ويحسبون أنَّ فطرة هذه الطبيعة وحدها فيها الغناء، وأنها دليل على أنهم نابهون، وأن غيرهم هو الذي يحتاج إلى أن يتعهد طبيعته تعهدًا، ويكتب الأدب اكتسابًا، فأما هم فقوم موهوبون — كما يقال — ليسوا في حاجةٍ إلى قراءة، ولا إلى تعلم، ولا إلى درس، وإنما يكفي أن يصرفوا نفوسهم نحو معنى من المعاني، أو غرضٍ من الأغراض، وأن يهيئوا أقلامهم لتسطير ما ستمليه عليهم هذه النفوس ثم إذاعته في الناس، وما دام الناس يقرءون ما يذاع فيهم، وما دامت ثقافتهم ضيقة تحول بينهم وبين المراقبة الدقيقة لما يُذاع، فالأدباء يستطيعون أن يكتبوا، ويستطيعون أنْ يذيعوا في غير تحرجٍ ولا حساب.

هذا أزهريُ قد تعلم أوليات النحو والفقه، وأطرافًا من هذه العلوم التي تلقى في الأزهر، ثم قرأ الصحف والمجلات، فخيل له أنه يستطيع أن يُحاكي ما فيها من النثر أو يقلد ما فيها من النظم، ثم جرب نفسه، فانتهى إلى شيءٍ من النثر والنظم، ثم قرأ ما انتهى إليه على جماعة مثله ليسوا أكثر منه ثقافة، فأعجبوا به ورضوا عنه، ثم أرسله إلى صحيفة أدبية أو سياسية، فنشرته لتملأ به فراغًا أو لأنها لا ترى به بأسًا، ونظر صاحبنا فإذا له كلام منشور مطبوع يُباع في السوق، فلم يشك في أنه أديب، وفي أنه قادر على الإنتاج، وفي أن نفسه خصبة، فمن الإثم أن يهملها، ثم يندفع في الإنتاج، وينصرف عن التحصيل، وما دامت طبيعته تواتيه والناس يسمعون له والصحف تذيع ما ينتج، فمن الحمق أن يكلف نفسه جهد القراءة والتعليم والدرس.

وهذا قد خرج من المدرسة الثانوية أو لم يكد يخرج منها، أو ارتقى إلى فصلٍ من فصول الجامعة، وهو شاب يقرأ ما يذاع في الصحف، وأي شاب لا يتأثر بما يقرأ، وأي شاب لا تخطر له الخواطر الحادة الحاضرة! وأي شاب لا يحاول تسجيل ما يخطر له من الخواطر في كلامٍ منظوم أو منثور! لكن صاحبنا لم يكد يحاول هذا التسجيل حتى أحس من طبيعته مواتاة لينة هينة، فإذا هو يرضى، ثم يشتد رضاه، ثم لا يكاد يجد تشجيعًا من أترابه، أو من صحيفة من الصحف حتى ينتهي الرضا إلى الغرور، وإذا هو كاتب أو شاعر، يغرق الصحف والمجلات بآثاره المنظومة أو المنثورة، ثم لا يلبث أنْ يجمع هذا في كتاب، وإذا هو مؤلف أيضًا، والناس يقرءون؛ لأن حظهم من الثقافة لا يمكنهم من التفريق بين ما يستحق القراءة وما لا يستحق، وعلى هذا النحو يكثر عدد الأدباء، وتكثر أسماؤهم في الصحف، وتضاف إلى هذه الأسماء ألقاب، فهذا أستاذ، وهذا أديب كبير، وهذا شاعر نابه، وهذا كاتب فذ، والكاتب نفسه أو الشاعر هو أسبق الناس إلى تصديق هذا كله، والانخداع بهذا كله، فكيف بغيره من القرَّاء الذين لا يعرفونه ولا يرونه، وإنما يسمعون أنه أستاذ، وأنه نابغ، وأنه نابه، وأنه ما شئت من الصفات والألقاب! فإذا أخذت ما يكتب أو ما ينظم، وحققت النظر فيه انتهيت إلى سخفٍ لا حد له، وإلى كلامٍ فارغ ما كان ينبغي أن يُقدم إلى المطبعة، ولا أن يُذاع بين الناس.

وشرٌّ من هذا كله أنَّ جماعة من الأدباء أو من الذين يرون أنهم أدباء، قد تأثروا — فيما يظهر — بالحياة السياسية، وظنوا أنَّ أمور الأدب تستقيم على ما تستقيم عليه أمور السياسة في البلاد الديمقراطية، أو التي تريد أنْ تحيا حياة ديمقراطية، رأوا أصحاب السياسة يسعون في نشر آرائهم ومذاهبهم، ويستكثرون من الأتباع والأنصار، ثم رأوا شيئًا قد نُشر في مصر السياسية يُسمى زعامة، ورأوا جماعة من الساسة يوصفون بأنهم زعماء، فما الذي يمنع الأديب من أنْ يستكثر هو أيضًا من الأتباع والأنصار، وأن يكون زعيمًا من زعماء الأدب، أو من أنْ يكون زعيم الأدب وحده لا يشاركه في هذه الزعامة أحد، ولا ينازعه فيها منازع! والاستكثار من الأتباع والأنصار في الأدب معقول إذا اعتمد الأديب على آثاره الأدبية، وعلى حب الناس لها وإعجابهم بها، وإكبارهم لمنتجها، ولكن أصحابنا الزعماء لا يسلكون هذه الطريق! لأن ما ينتجون من الآثار ليس من شأنه أنْ يثير حبًّا أو إعجابًا أو إكبارًا، وإذن فما لهم لا يلجئون إلى ما يلجأ إليه بعض الساسة من نشر الدعوة، ومن الاستعانة بالمال أحيانًا! أذع في الصحف ما وسعتك الإذاعة أنك أديب وأديب كبير، وأنك زعيم وزعيم خطير، ثم اجمع حولك طائفة من الناس، يشق عليهم العيش فيسره لهم، أو يشق عليهم الترف فأعنهم عليه، واقرأ عليهم بعض ما تنتج من النثر أو من النظم، فلا أقل من أن يؤدوا إليك ثمن ما تيسر لهم من العيش، أو ما تعينهم عليه من الترف، ومن أن يكون هذا الثمن إعجابًا وإكبارًا، ثم تنقُّلًا بهذا الإعجاب والإكبار في المجالس والأندية، ثم وصولًا بهذا الإعجاب والإكبار إلى الصحف والمجلات، وإذا أنت زعيم لك أتباع وأنصار، ولك شيعة تستطيع أنْ تباهي بها الزعماء، ولكن هؤلاء الأتباع والأنصار لا يلبثون أنْ يتأثروك ويحاولوا محاكاتك وتقليدك، ويهيئوا أنفسهم لخلافتك أو النيابة عنك، وإذن فهم مدفوعون إلى أنْ يحاولوا من الأدب مثل ما حاولت، وإلى أنْ ينتجوا نظمًا ونثرًا مثل ما أنتجت، وقد كنت لهم سيدًا وزعيمًا، فكن لهم منذ اليوم، ومع هذا كله، مرشدًا أو أستاذًا، وصدِّع نفسك يا سيدي كما صدعتهم، فاسمع لهم ما سمعوا لك، وأثن عليهم كما أثنوا عليك، وأذع لهم بين الأندية والمجالس كما فعلوا، ثم ارْقَ بهذه الدعوة إلى الصحف والمجلات كما فعلوا أيضًا؛ فإنك إنْ لم تفعل خليق أنْ تنظر إليهم فلا تراهم؛ لأن من الزعماء الأدباء من هو أسخى منك يدًا ولسانًا وقلمًا أيضًا، وإذن فاحذر أنْ يغلبك هذا الزعيم على أنصارك وأتباعك وشيعتك.

وعلى هذا النحو يستبق الزعماء والأدباء ويتنافسون، ويصطنعون المودة في نفوس الشبان يغرونهم بكل أنواع الإغراء الممكنة، ثم ننظر فإذا في مصر جيش ضخم من الأدباء، قد تألفوا جماعات، وكونوا لأنفسهم مدارس على رأسها زعماء، هم من قادة الفكر، والمبدعين في الفن والمنشئين للحياة الأدبية الجديدة، ولا بأس بأن يغلو الزعماء الأدباء في إرضاء الشبان من الأتباع والشيعة، ومن أنْ يخيلوا إليهم أنهم يستطيعون أنْ يثقوا بطبائعهم الخصبة ومواهبهم النادرة، وأن في المدارس إفسادًا لهذه الطبائع وإضاعة لهذه المواهب، وأن في الدرس المنظم تقييدًا لحرية الفن، وويل للذين يقيدون حرية الفن! فالفن لا ينبغي أن يتقيد بكتاب، إلا كتب الزعيم، ولا بأستاذ إلا الزعيم نفسه، ولا بمدرسة إلا بيت الزعيم أو قهوته أو ناديه.

وكذلك يُصْرَف جماعة من الشبان عن العلم، ويغرون بالبطالة، ويدفعون إلى الإنتاج الفج، وإلى الغرور بهذا الإنتاج، وكذلك يكون لمصر جيل خطر من الأدباء، وويل للأدب يوم تنتهي أموره إلى هذا الجيل!

وفي الأمر ما هو أدعى إلى العجب والإعجاب من هذا كله، فما دامت هناك جماعات أدبية ومدارس فنية، وما دام هناك زعماء لهم أتباع وأنصار وشيعة، فما الذي يمنع أصحاب السياسة من أنْ ينتفعوا بهذا كله، ولا سيما حين تعجزهم الظروف، وتنأى بهم مذاهبهم السياسية، وسيرتهم في الحكم عن أنْ يصلوا إلى قلوب الشعب، وعن أنْ يتخذوا لهم من أبناء الشعب أتباعًا وأنصارًا، وشيعة مخلصين، ولا سيما حين تعجزهم الظروف، وتنأى بهم مذاهبهم وسيرتهم السياسية عن أنْ يستميلوا الكُتَّاب والشعراء الذين يستحقون هذا الاسم، أفتريد من أصحاب السياسة ألا يكون لهم أنصار من أصحاب الأدب؟ وكيف يستقيم هذا؟! وما غناء حزب سياسي ليس له كاتب ولا شاعر ولا أديب؟ وإذن فقد يستطيع هذا الزعيم السياسي أو ذاك أنْ يدنو من هذا الزعيم الأدبي أو ذاك، ووسائل الدنو كثيرة، وأسبابها موفورة، حين يكون الزعماء السياسيون مسيطرين على الحكم، مستمتعين بما يبيحه الحكم لأصحابه من ثروة وجاه وسلطان، وكذلك تُعْقَد محالفات بين الأدب وبين السياسة، أو قل بين هذا الأدب المصنوع وهذه السياسة المصنوعة أيضًا، وقوام هذه المحالفات نشر الدعوة وتبادل المعونة، ونتيجة هذه المخالفات إفساد الخلق أولًا، وإفساد الثقة ثانيًا، والإساءة إلى السمعة الأدبية لمصر ثالثًا، وحمل الأمم العربية التي كانت تكبر مصر على أن تزدريها وتزهد فيها، وتسخر من هذا اللغط الكثير الذي يمتلئ به جوها الموبوء.

ثم لا تنسَ أنْ تلاحظ هذه الظاهرة الغريبة في هذا الجو الغريب. فما دام هناك تحالف بين سياسة متكلفة وأدب متكلف، وما دام هناك توازن بين زعماء تلك السياسة وزعماء هذا الأدب؛ فليس غريبًا أن يقف الأدب من السياسة موقف الاستعطاف والاستجداء، إذا أبطأت السياسة بالمعونة أو تلكأت في البذل، أو بخلت بالتأييد، والواقع أنَّ شغل السياسة كثير، وأنه قد يصرفها أحيانًا عن الأدب والتفكير فيه، وقد يلهيها أحيانًا عن هذه الجهود التي يبذلها الأدب سرًّا أو جهرًا لمعونتها وتأييدها.

وإذن فليس على الأدب بأس من أنْ يذكر السياسة بمكانه، فيسعى إلى هذا الرئيس من رؤساء الوزارة، أو يزور هذا الوزير من الوزراء، ثم يُلْقي بين يديه ألوانًا من الشعر والنثر، ويُقَدِّم إليه طاقات من المدح والثناء، ويعرض هذه الجهود القيمة التي تُبْذَل لتجديد الأدب، وإحياء الفن، ونشر الثقافة، ورفع مكانة مصر بين الشعوب المتحضرة، وإنَّ هذا كله يحتاج إلى مال، وإنَّ هذا المال يستطيع الأدباء أنْ ينفقوه ولكن بشرط أنْ يجدوه، فإذا لم يجدوه فلا أقل من أن تعينهم به الحكومة كما تعين غيرهم من الناس، والحكومة لا تبخل بهذه المعونة، فهي تعين بالمال حينًا وتعين بالوعد أحيانًا، وإذا كان المال يعين على إرضاء الحاجات؛ فإن الوعد يفتح أبواب الأمل، ويعين على احتمال الحياة وأثقال الهموم، وكذلك يعود تكسب الأدباء بالأدب في هذا العصر الحديث بعد أنْ كنا نظن أنَّ التكسب بالأدب من غير الوجه الطبيعي قد ذهب وانقضت أيامه، فالأديب خليق أنْ ينشئ كتابًا أو ينظم ديوانًا، وأنْ يعرض ديوانه أو كتابه على الناس ليشتروه أو يهجروه، والأديب خليق أنْ يلتمس من العمل ما يلتمسه الناس، يعيش من عمله، ويعيش من ثمن كتبه ودواوينه. ولكن الشيء الذي كان الأدباء يألفونه قديمًا، وكنا نحن نضيق به، ونحرص على أنْ يخلصوا منه، هو أنْ يلتمس الأدباء حياتهم بالسؤال والاستجداء، يلجئون إلى هذا الوزير أو إلى هذا الكبير؛ ليعينهم على الحياة لأنهم أدباء، كأنما الأدب أداة من أدوات العجز، ووسيلة من وسائل القصور، أو هم يبيعون الثناء بالمال فيمدحون، ويمنحون، أو هم يبيعون سكوتهم عن الذم بالمال، فيذمون إلا أنْ يُشْتَرى صمتهم بالدراهم والدنانير، أو بالبضائع والعروض، كل هذا كان، وكل هذا كنا نحرص على ألا يكون، ويخيل إليَّ أنا كنا قد بلغنا مما نريد شيئًا لا بأس به، ولكن المحنة السياسية من ناحية والمحنة الثقافية من ناحيةٍ أخرى، وهجوم الأدعياء، والقاصرين على الأدب من ناحيةٍ ثالثة، كل ذلك جعل الكسب الأدبي شيئًا يسيرًا مألوفًا في هذه الأيام.

ويقال مع هذا: إنَّ الأدب يرقى، وإن الحياة الأدبية تسرع في سبيل التجديد، وإن الحياة الفنية تتكشف للناس عما يصلح العقل والقلب، ويصفي الطبع والمزاج، كلَّا! إنَّ حياتنا الأدبية في هذه الأيام موبوءة حقًّا، وإن الوباء الذي يفسد طبيعتها، ويوشك أنْ يجعلها شرًّا خالصًا، إنما يأتيها من ضعف الثقافة وضيقها وقلة حظها من الغزارة والعمق، ومن إقدام الجاهلين والمغرورين على ما لا ينبغي أنْ يوغل فيه جاهل أو مغرور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤