الفصل الثالث والثلاثون

نزاهة الأدب

في مصر الآن قضية سياسية خطيرة يسميها الناس «قضية نزاهة الحكم»، وقد أخذت اسمها هذا من عنوان بعض المقالات التي أثارتها حين نشرت في «السياسة» نقدًا لبعض الوزراء.

وأظن أنَّ من الممكن، بل من الخير، بل من الواجب، أنْ تثار من حينٍ إلى حين في الأدب قضية تشبه هذه القضية، في الاسم على أقل تقدير، فتسمى «قضية نزاهة الأدب».

لست أدري إلى من ترفع هذه القضية، بل لست أرى ضرورة لأن يكون هناك قاضٍ بعينه ترفع إليه الخصومة ليقضي فيها، فقد يجوز أنْ ترفع القضية إلى النقاد، إنْ كان النقاد قضاة، برغم إلحاح صديقنا «عوض» في أنهم شهود، وقد يجوز أنْ ترفع القضية إلى الفن، إنْ كان الفن قاضيًا، برغم إلحاحي أنا في أنَّ الفن لا يصلح للقضاء ولا يقدر عليه؛ لأن القاضي يجب أن يعقل، وليس للفن عقل؛ ولأن القاضي يجب أن يريد، وليس للفن إرادة؛ ولأن القاضي يجب أن ينطق، وليس للفن لسان.

وهذا الكلام قد يُضحك، ولكن من زعم أنَّ الضحك حرام على الأدباء، وأن الكاتب الأديب يجب أن يكون جادًّا كلما تعرض للنقد أو للفن! فالواقع أنَّ الفن لا عقل له، وإنما له عقول لا تحصى، له في كل بلد ألف عقل وعقل، والواقع أنَّ الفن لا إرادة له، وإنما له إرادات لا تُعَدُّ، له في كل بلد ألف إرادة وإرادة، والواقع أنَّ الفن لا لسان له، وإنما له ألسنة لا تُحصى، له في كل بلد ألف لسان ولسان، ولو أني أردت أنْ أصور الفن وعقوله التي يفكر بها، وإرادته التي يعزم بها، وألسنته التي ينطق بها، وأقلامه التي يقتل بها طورًا ويجرح بها طورًا آخر، ويأسو بها طورًا ثالثًا، لما وسعني إلا أنْ أتخيل ملكًا من هؤلاء الملائكة الذين تتحدث عنهم كتب الوعظ، لكل واحدٍ منهم سبعون ألف جناح، وعلى كل جناح من هذه الأجنحة سبعون ألف ملك، إلى آخر هذه الصورة الجميلة الرائعة التي جاءت بها السير، والتي تملأ قلوب الناس روعة حينًا وروعًا حينًا آخر. ذلك أنَّ عقول الفن وإرادته وألسنته وأقلامه هي كما يتصورها صديقنا الأستاذ طاهر الطناحي، عقول أصحاب الفن وإراداتهم وألسنتهم وأقلامهم جميعًا. فاجتهد إذن في أنْ تحصي أصحاب الفن منذ كانوا، وفي أنْ تحصيهم إلى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها، واجمعهم كلهم في ذهنك، إنْ كان الذهن المحدود يستطيع أنْ يجمع غير المحدود، وقل كما يقول الأستاذ طاهر الطناحي: إنَّ هؤلاء الناس جميعًا هم الفن، سواء منهم من ذهب ومن هو قائم ومن لم تلده أمه بعد.

الفن إذن لا يصلح للقضاء ولا يقدر عليه، ومع ذلك فلست أرى بأسًا في أنْ ترفع إليه هذه القضية ليقضي فيها إنْ وجد إلى ذلك سبيلًا، وقد يجوز أنْ ترفع هذه القضية إلى الجمهور الذي يؤمن صديقنا عوض بأنه هو القاضي والفيصل والحَكم النزيه، وإنْ كنت أرتاب في صلاح الجمهور للقضاء وقدرته عليه، وأرى فيه مثل ما أرى في الفن من أنه كائن غريب، تستطيع أنْ تصوِّره القصص والأساطير، ولكنه لا يستطيع أن يوجد ولا أن يجلس مجلس القضاء، وما رأيك في كائن يأتلف من المثقفين الذين خلقهم الله فيما مضى وفيما هو كائن وفيما سيكون من الزمان، تصوَّر هذا الغريب وأجلسه في غرفة من الغرفات، أو حجرة من الحجرات على كرسي من الكراسي، ثم ارفع إليه هذه الخصومة ليقضي فيها إنْ وجد إلى ذلك سبيلًا؛ فليس عندي بذلك بأس، بل لا تضحك ولا تدهش إنْ قلت لك: إني ألقي هذه القضية إلقاء ولا أنتظر فيها قضاء من النقاد، ولا من الفن، ولا من الجمهور، ولا من أحد كائنًا من كان، ألقيها لأني لا أجد من إلقائها بدًّا، وأعرضها لأني لا أجد عن عرضها منصرفًا، وكل إنسان حر في أنْ يسمعها أو يُصِمَّ أذنه عنها، وفي أنْ يقضي فيها أو يعرض عنها إعراضًا؛ فليس هذا يعنيني في قليلٍ ولا كثير، إنما الذي يعنيني هو أن أرفه على نفسي بإلقائها، وأن أتخفف من ثقلها بالتحدث بها إلى القرَّاء.

وليست هذه القضية سهلة ولا يسرة ولا نادرة، وإنما هي عسيرة معقدة كثيرة الوقوع والتردد في حياتنا الأدبية الحاضرة، وهي قضية جماعة من الناس يتكلفون الأدب، وليسوا منه في شيء، أو يصطنعون الأدب وهم أدباء، ولكنهم لا يحرصون على النزاهة الدقيقة في صناعة تحتاج إلى النزاهة أشد الاحتياج.

هذا كتاب لا أعرفه ولا أريد أن أسميه؛ لأني أخشى أن يقضي الفن عليه قضاء صارمًا، أو أنْ يناله الجمهور بما لا يطيق، هذا كاتب إذن يتكلف الأدب، إما لأنه يحبه، وإما لأنه يحب أنْ يراه الناس أديبًا. وأكبر الظن أنه يحب أنْ يرى الناس أدبه، أو قُلْ: إنه يحب أن يرى اسمه مطبوعًا في صحيفة من الصحف، أرسل إلى هذا الكاتب في الأسبوع الماضي مقالًا طويلًا لا بأس به، عن رجل من كبار الموسيقيين في القرن الثامن عشر، فلما قرأت المقال لم أرَ به بأسًا، وأذنت في نشره، فأرسل إلى العمال، ولم يكد يصل إلى أيديهم حتى تقسموه فيما بينهم، وأسرعوا إليه فصفوه صفًّا، وهيئوه للمطبعة، ولكن صديقًا زميلًا أقبل عليَّ في آخر لحظة يقول: إنَّ هذا المقال الذي أذنت في نشره وهيئ للنشر ليس جديدًا ولكنه قديم، قديم جدًّا، قد نشر منذ عام أو منذ أكثر من عام، وأنت الذي أذنت في نشره في الكوكب حين كنت تعمل فيه، وقد نشر بشكله وجوهره وبإمضائه الذي يحمله الآن، قلت لصاحبي: ماذا تقول؟ فإني لا أذكر أني قرأت هذا المقال، قال: لم تقرأه أنت وإنما قرأته أنا ولخصته لك واستأذنتك في نشره فأذنت، قلت: فإني أَتَّهِمُ ذاكرتك فَأْتِني بالبرهان، قال: اتَّهِمْ ذاكرتي ما شئت فهذا هو الكوكب قد استحضرته، وهذا هو المقال قد نشر فيه، فمُرْ من شئت يقابل معي بين المقال الذي نشرناه منذ أكثر من عام وبين هذه الصورة التي أرسلت إليك لتنشر غدًا، ولم نكد نمضي في المقابلة حتى تبين أنَّ صاحبي لم يخطئ، وأنَّ صاحب المقال قد تعمد غشنا، ولم يتحرج من هذا التضليل الأثيم.

ولم يكن بد من إلغاء هذا المقال، ومن أن ندفع إلى العمال مقالًا آخر، ومن أنْ نكلفهم ما يكرهون من إعادة العمل، ومن أن نكلف أنفسنا ما نكره من تأخير صدور الوادي عن موعده، وأظن أنَّ أمثال هذا الكاتب ليسوا قليلين، وأظن أنَّ منهم من يرى في هذا الصنيع لذة بريئة، ولكنها آثمة في وقتٍ واحد؛ بريئة لأن مصدرها غرور الأطفال، آثمة لأنها سر على كل حال، وهي على كل حال نقيصة من النقائص التي تقوِّمها التربية ويصلحها التأديب، والتأديب الذي يعتمد فيه على استعداد الصبيان والشبان، أكثر مما يعتمد فيه على السوط والعصا.

وهناك شبان لعلهم يعمدون إلى مثل هذا في شيءٍ من الفكاهة وحب العبث يريدون أنْ يضحكوا من الصحف ومن رؤساء التحرير، فيدخلون عليهم فصولًا نُشِرت على أنها لم تنشر، ويُدخلون عليهم فصولًا يضيفونها لأنفسهم مع أنهم ليسوا منها في شيء، يقصدون إلى ذلك عمدًا، حتى إذا تم لهم ما أرادوا، تندروا بالصحيفة وبرئيس تحريرها، قساة لا يعرفون رحمة ولا إشفاقًا، ولا يقدرون أنَّ رؤساء التحرير أضيق وقتًا وجهدًا واطلاعًا من أنْ يلموا بكل ما نُشر، ومن أنْ يضيفوا كل شيء مكتوب أو منظوم إلى الذين كتبوه أو نظموه.

على أنَّ هناك لونًا آخر من هذا الفساد أشد منه خطرًا فيما يظهر؛ لأنه ليس فرديًّا، وإنما هو اجتماعي بأدق معاني الكلمة وأوسعها، وذلك أنَّ الذي يجني هذا الفساد ليس هو الفرد من حيث هو فرد، بل هي الصحيفة من حيث هي صحيفة، وواضح أنَّ الصحيفة ظاهرة اجتماعية لا فردية، فهي ملك للجماعة وإنْ كان صاحبها فردًا، فهي إذا اتخذت الخداع والتضليل في الأدب أسلوبًا من أساليبها، فهي لا تخدع رئيس التحرير ولا تخدع نفسها، وإنما تخدع القراء وتضللهم، وهؤلاء القرَّاء آلاف حين تكون الصحيفة متواضعة ضيقة الانتشار، وهم عشرات الألوف حين تكون الصحيفة كبيرة واسعة الانتشار، والأصل أنَّ كل صحيفة سيارة يومية تصدر للناس جميعًا، فهي إذا خادعت أو ضللت تخادع الناس جميعًا وتضلل الناس جميعًا، وأذكر أنَّ صديقًا لي كتب مقالًا نشرته له في الكوكب عن كاتب إنجليزي كبير، فلما مضى على هذا المقال عام أو ما يقرب من عام، أو أشهر على أقل تقدير، رأيت المقال قد نشر في مجلة سورية صديقة لم يستأذن صاحبها في نشره ولم ينقل من الكوكب، أو بعبارةٍ أدق لم يُضَفْ إلى الكوكب، وإنما نشر كأن صاحبه قد أرسله إلى المجلة مباشرة، والظريف أنَّ صاحب المقال كان يرمز لاسمه بحرفٍ من الحروف، فأمضى المقال في نفس المجلة بنفس الحرف الذي أمضى به في الكوكب، وأقبلت المجلة من الشام، وأصبحت ذات يوم فإذا المقال نفسه في صحيفةٍ سيارة من الصحف الكبرى، لم يُضَفْ إلى المجلة السورية ولا إلى الكوكب المصرية، وإنما نشر كأن صاحبه قد أرسله إلى الصحيفة نفسها مباشرة، ونشر بنفس الإمضاء الذي نُشِر به في الكوكب وفي المجلة السورية!

سَمِّ هذا ما شئت وقل ما أحببت، فهو على كل حال بعيد كل البعد عن النزاهة الأدبية، وبعيد كل البعد عن النزاهة الصحفية، وخليق أنْ يرفع الأمر فيه إلى أحد هؤلاء القضاة الذين تحدثت عنهم أول هذا الفصل، ولا أريد أنْ أذكر القضاء الرسمي، فأنا أحب أنْ يجتنب الأدب وأنْ تجتنب الصحافة خاصة مجلس القضاء الرسمي ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وحسب الأدباء وحسب الصحافيين أنْ تدفعهم الحكومات والنيابة إلى هذا المجلس المهيب وهم كارهون.

ولونٌ آخر من ألوان هذا الشر، قد يكون في ظاهر الأمر مألوفًا سائغًا، ولكني أعترف بأن الضمير الأدبي يجب أنْ يأباه وأنْ ينبو عنه، وهو على ذلك شائع شيوعًا فاحشًا، ولست أذكر هذا الإثم الذي كثر وشاع وقبله الناس حتى أصبح مباحًا أو كالمباح، وهو اعتداء بعض الصحف على بعض في رواية الأخبار وأخذها بالمقص لتمتلئ بها صحيفة فارغة على حساب صحيفة ممتلئة، فقد أصبح هذا الإثم خطيئة مباحة، وجزءًا من الفن عند بعض الصحافيين، إنما أذكر نوعًا آخر من الاعتداء لا أستطيع أنْ أسيغه، وأريد أنْ أعتقد أنَّ كثيرًا من الزملاء لا يسيغونه، ولست أشك في أنَّ فريقًا منهم أعرفهم يأبونه أشد الإباء، وينفرون منه أعظم النفور، وقد كان مصدرًا لشيءٍ من الخصومة بيننا وبين زميلتنا الرسالة منذ أشهر.

فقراء هذا الحديث يذكرون أنَّ الأستاذ توفيق الحكيم كتب إليَّ عاتبًا في بعض الأمر، وخرج عن طوره في هذا العتاب، فنشرت له عتابه، ثم رددت عليه بما رأيت أنه يلائمه، ثم اعتذر الأستاذ توفيق الحكيم فنشرت له اعتذاره، ثم التقينا وأغضينا عن كل شيء، وفي ذات يوم نظرت في الأهرام فإذا هي تعلن عددًا من أعداد الرسالة، وتعلن أنَّ لي في هذا العدد فصلًا، ولم أكن قد كتبت في الرسالة في ذلك الأسبوع، فلما وصلت إليَّ الرسالة رأيتها قد أخذت من «الوادي» ردي على الأستاذ توفيق الحكيم دون أنْ تضيفه إلى الوادي، ودون أنْ تستأذنني في إعادة نشره، فكرهت ذلك وضقت به، وزادني كرهًا له وضيقًا به أنَّ الأستاذ توفيق الحكيم ظن أني طلبت إلى الرسالة أنْ تعيد نشر هذا الفصل؛ لأني معجبٌ به، أو لأني لم أكن صادقًا حين أظهرت الرضا وأغضيت عما كان بيننا من خلاف، والله يعلم لقد نسيت الفصل بعد نشره في الوادي، وما تعودت الإعجاب بشيءٍ أكتبه فضلًا عن أنْ أطلب إعادة نشره في صحيفة أخرى، والله يعلم ما تعودت أنْ أظهر الرضا للأصدقاء وأضمر السخط عليهم، ولا أنْ أقبل بينهم وبيني صلحًا مدخولًا، وإذن فقد كان عتاب مني للرسالة ورد من الرسالة عليَّ، وخصومة لم تنقضِ بعد، وإنما عدت إلى ذكر هذه الخصومة وقصتها؛ لأن الرسالة نفسها هي التي اضطرتني إلى هذه العودة، لا لأنها عرضت لي، فهي لم تعرض لي في هذه الأسابيع بخيرٍ ولا شر؛ ولكن لأنها عادت إلى شيءٍ يشبه ما تورطت فيه معي من هذه الخصومة، فقد احتفلت لجنة التأليف والترجمة والنشر منذ حين ببلوغها سن العشرين، وأصدرت كتابًا تذكاريًّا صغيرًا فيه فصول عن اللجنة وحياتها وأعمالها لبعض الأصدقاء، وقد وزع الكتاب علينا يوم الاحتفال، ولم نكن كثيرين، وكنا نحب لهذا الكتاب أنْ يكثر الذين يأخذونه ويقرءونه؛ ليكثر الذين يعلمون من أمر لجنتنا ما نحب أنْ يعلم، ولم تمضِ أيام على هذه الحفلة، وإذا أنا أنظر في الرسالة فأرى مقالًا للأستاذ أحمد زكي عن لجنة التأليف والترجمة والنشر، وإذا هذا المقال قد أخذ من هذا الكتاب التذكاري أخذًا دون أنْ يذكر هذا الكتاب أو يُشار إليه، ثم تصدر الرسالة أول من أمس فأرى فيها فصلًا آخر للأستاذ أحمد أمين، فإذا هو قد أخذ عن هذا الكتاب أخذًا دون أنْ تذكر الرسالة هذا الكتاب أو تشير إليه، والغريب أنَّ الأستاذ أحمد أمين كان ألقى علينا هذا الفصل يوم الاحتفال قبل أنْ يوزع علينا الكتاب بلحظات، وأكبر الظن أنَّ الرسالة تريد أنْ تمضي في نشر هذه الفصول التي اشتمل عليها هذا الكتاب دون أنْ تذكر الكتاب أو تشير إليه، حتى تأتي على آخر هذه الفصول.

هذا كثير، وهو خليقٌ أنْ تضيق به الرسالة نفسها لو أنَّ صحيفة أخذت بعض فصولها أخذًا ولم تضفها إليها، وأيسر ما ينبغي للأدباء وللصحافيين أنْ يضيفوا إلى الناس ما يأخذونه عن الكتب والصحف.

ولون آخر من ألوان هذا الشر لاحظه كاتب أديب من أهل الإسكندرية على بعض الكُتَّاب، فقد نشر بعض الكُتَّاب فصلًا في البلاغ منذ حين، فلما قرأه أديب الإسكندرية ذكر أنَّ له به عهدًا، فلما استقصى تبين أنَّ هذا الفصل نفسه قد نشر في مجلة التربية الحديثة التي تنشرها الجامعة الأمريكية، وفي هذا النوع من الشر، عبثٌ بالصحيفة التي أُعيد فيها نشر المقال دون أنْ تعرف أنه قد نُشِر من قبل، وعبث بالقراء الذين كان من حقهم على الكاتب أنْ يُنبئهم بأنه يُعيد لهم نشر مقال قد نُشر من قبل في مجلة لا يقرؤها إلا فريق بعينه من الناس.

هذه الألوان المختلفة من الشر تشترك كلها في شيءٍ واحد، هو أنها تصدر عن ضمير أدبي يحتاج إلى أنْ يعظم حظه من نزاهة الأدب، وكنت في أول هذا الفصل أبحث عن القاضي الذي يمكن أنْ تُرفع إليه هذه الخصومات، ولكني لم أفرغ من تسجيل الخصومات نفسها حتى اهتديت إلى القاضي، وهو ضمير الأدباء أنفسهم، فمن الناس من يحتاج إلى السوط والعصا، ولكن منهم الأحرار الذين تكفيهم المقالة — كما يقول الشاعر القديم — وأنا أشهد أنَّ أدباءنا كلهم أحرار، وأرجو ألا ينكر عليَّ هذه الشهادة أحد لعله أنْ يكون أعلم مني بشئون الأدب والأدباء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤