أطباق طائرة … وأساطير!

دخل الشياطين قاعة الاجتماع على مهلٍ؛ فأمرُ الاستدعاء الذي جاء إليهم من رقم «صفر» لم يكن مُلِحًّا أو عاجلًا. وجلسوا في أماكنهم المعتادة وهم يتساءلون: تُرى لماذا كان استدعاؤهم؟ هل لمناقشة عاديةٍ، أم إنَّ هناك مغامرةً في الطريق؟

انبعثت موسيقى هادئة من أحد الأركان، وأظلمت القاعة تدريجيًّا، وأُضيئَتْ شاشة السينما الصغيرة، وبدا واضحًا أنَّ هناك فيلمًا سيُعرَض على الشياطين.

وظهرت نقاط صغيرة بعيدة فوق الشاشة، أخذت تقترب وتتسع وتتضح معالمها تدريجيًّا، كانت عبارة عن المجموعة الشمسية، الشمس وكواكبها التسعة التي تدور حولها.

وتبادل الشياطين النظرات في صمتٍ، تُرى هل ستكون مهمتهم القادمة في الفضاء الخارجي كما حدث في «مغامرة في الفضاء» التي قاموا بها منذ وقت قريب؟

وجاء صوت رقم «صفر» يقول: مرحبًا بكم، أنتم لا شك تتساءلون عن طبيعة مهمتكم القادمة، وهي مغامرة فضائية كما توقعتم، ولكنَّها ستدور على الأرض.

واندهش الشياطين اﻟ «١٣» بعد سماع حديث رقم «صفر» … مغامرةٌ فضائيةٌ على الأرض، كيف؟ فجأةً تغيرت الصورة على الشاشة، وبدأ عرض بعض المشاهد من أفلام الخيال العلمي الشهيرة «حرب الكواكب» … «كوكب القرود» … «الخلية الرابعة» … «آي تي» … وغيرها من الأفلام العلمية الخيالية الشهيرة، وامتلأت صفحة شاشة السينما بمناظر كثيرة عن مخلوقاتٍ غريبةٍ … ومدنٍ فضائيةٍ … وأطباقٍ طائرةٍ … وأسلحةٍ رهيبةٍ …

قال رقم «صفر»: إنَّ مهمتكم تتعلَّق بشيءٍ يسيرٍ مما ترونه الآن، وعلى وجه التحديد بالأطباق الطائرة.

وبدأت الشاشة تعكس صورة لطبقٍ طائرٍ كبيرٍ، تتألَّق منه أضواء مبهرة، وهو يندفع في الفضاء السحيق بسرعة هائلة.

– أنتم تعرفون — ولا شك — أنَّ كوكبنا الأرضي ليس إلا ذَرَّة رمل في صحراءَ شاسعةٍ في هذا الكون، فهناك آلاف الملايين من الكواكب والنجوم في الكون، وإذا كان قد ثَبت — حتى الآن بدلالة شبه قاطعة — عدم وجود حياة فوق أي كوكب في مجموعتنا الشمسية ما عدا الأرض، وهو ما توصَّلَتْ إليه مركبة الفضاء الأمريكية «فوياجر»، والتي عبَرَت المجموعة كلها، حتى وصلت إلى الكوكب «نبتون»، وأرسلَتْ ملايين الصور التي أثبتت استحالة وجود أي نوع من الحياة العاقلة أو غير العاقلة فوق هذه الكواكب … إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ بقية الكون لا توجد به حياة عاقلة مثلما هو فوق الأرض، بل لعل هناك كائنات أشد ذكاء وتطوُّرًا من الإنسان آلاف المرات، في مكان ما، بكوكب ما، في ذلك الفضاء السحيق، الذي لم نستكشف منه شيئًا بعدُ.

وسادَتْ لحظاتٌ من الصمت، وسمع الشياطين صوت رقم «صفر» وهو يُقلِّب في أوراقٍ أمامه، ثم قال: إنَّ هناك ما يُثبت — بدلالة قوية — وجود كائنات عاقلة، بل وذكيَّة جدًّا زارَتِ الأرض منذ آلاف السنين، فقد أصدرَ العلماء الأمريكان والروس عام ١٩٥٨م بيانًا مشتركًا يؤكدون فيه أنَّ أهل الإسكيمو الذين يعيشون في أصقاع القطب الشمالي قد هاجروا من الجنوب في المناطق الدافئة إلى الشمال، حيث الجليد والصقيع. وإن كان سبب الهجرة وطرقها غير معروفة على الإطلاق، غير أنَّ هناك بعض الأغنيات الشعبية للإسكيمو تقول: إنَّ هناك طيورًا ضخمة مصنوعة من الحديد والزجاج، حملت هذه القبائل إلى الشمال، ثم أنزلتهم هناك، وأقامت لهم البيوت، وتركَتْ لهم الطعام واختفَتْ بعدها في الفضاء، وبالطبع فإنَّ هذه الطيور الحديدية ليست إلَّا طائرات أو أطباق طائرة، وهذه الهجرة الجماعية لشعب الإسكيمو حدثَتْ منذ آلاف السنين، في وقت لم يكن الإنسان قد اكتشف حتى كيف يصنع حَرْبةً من المعدن الخالص، للدفاع عن نفسه ضد أعدائه من الوحوش.

وصمت لحظةً ثم أضاف: وفي التراث الهندي، ومنذ آلاف السنين، فإنَّ هناك كتاب اسمه «مغامرات الأمير رامايا»، يتحدث فيه عن الصواريخ والطائرات والأطباق الطائرة، وهناك في جزيرة تُسمى «جزيرة الفصح» في المحيط الأطلنطي، أهلها بدائيون يعيشون على صيد الأسماك، وليست لهم أية وسيلة للاتصال بالعالم، ولكن هناك أيضًا، وفوق الجزيرة، تماثيل هائلة منحوتة من الصخور البركانية على شكل وجوه بشرية هائلة الحجم، وكلها تطل إلى الشمال، باتجاه أهرامات الجيزة، والأكثر إثارة أنَّ هذه التماثيل فوقها نقوش فرعونية تقول إنَّ هناك بيضةً ذهبيةً نزلَتْ من السماء فوق الجزيرة، وخرج منها أناسٌ طوال الأجسام، عراض المنكبَينِ، وبالطبع فإنَّ هذه البيضة الذهبية ليس مقصودًا بها غير الأطباق الطائرة التي تتخذ نفس الشكل البيضاوي … بل وحتى في كتاب الموتى الفرعوني، فهناك نصوصٌ تتحدث عن نفس البيضة الذهبية، أو الأطباق الطائرة … هذا الكتاب تم وضعه منذ آلاف السنين، وهذا يقطع، بل ويؤكد أنَّ هناك زوارًا من العالم الفضائي قد جاءوا يومًا ما، وحطُّوا فوق كوكبنا الأرضي منذ آلاف السنين … والآن … وفي عالمنا المعاصر، ستجد استمرارًا لنفس ذلك السيناريو، سيناريو غزو الأطباق الطائرة لكوكبنا الأرض.

وساد صمتٌ عميقٌ مع سكوتِ رقم «صفر»، وعادت الشاشة السينمائية تعرض أشكالًا لأطباق طائرة، وصورًا مهمة لأشياء تسبح في الفضاء … قال رقم «صفر»: إنَّ أول رؤية لأطباق طائرة في عصرنا الحالي كانت في شهر يونيو عام ١٩٤٧م فوق ولاية «واشنطن» الأمريكية، فقد كان أحد رجال الأعمال يطير بطائرته الخاصة، فشاهد تسعةَ أجسام طائرة على شكل أطباق تسير في ترتيب واحد، وصفه بأنَّه يُشبه حبات المسبحة، ثم راحت تلك الأطباق تتعرَّج في طيرانها، وتعلو وتهبط بسرعة فائقة، كأنها تقوم بألعاب بهلوانية، ثم انطلقت إلى الفضاء الخارجي، واختفَتْ عن الأنظار بسرعة تزيد عن ألفَيْ كيلومتر في الساعة … حدث هذا وفي زمن لم تكن الطائرات العادية وقتها قد وصلت سرعتها إلى ثلث هذه السرعة … وفي عام ١٩٦٣م شاهد رجلُ أعمال آخَر وهو يقود سيارته طبقًا طائرًا عملاقًا يهبط في حقل قريب، ويطلق وهجًا برتقاليًّا يكاد يُعمي الأبصار، وفجأةً توقَّفَتِ السيارة، وصمت مذياعُها بطريقة غريبة، ولم يعودا إلى العمل إلا بعد انطلاق الطبق الطائر إلى الفضاء وابتعاده … وفي عام ١٩٧٦م عَثرَتْ طائرتان إيرانيتان على طبق طائر في الفضاء، فأسرعتا لمطاردته من باب المغامرة، ولكنَّه حلَّق بعيدًا عنهما، وأخذ يقوم ببعض الألعاب البهلوانية المعجزة، ثم انفصل عنه طبق طائر صغير، هبط منه مخلوقان فضائيان غيرُ مُحدَّدَّيِ الملامح، وتفحصا الأرض التي هبطا عليها، ثم عادا إلى طبقهما واختفيا في الفضاء … وفيما بعد تم فحص الرقعة التي هبط فوقها الطبق الطائر الصغير، فوُجِدَ أنَّ التراب في ذلك المكان تحوَّل إلى صخر صلب، بسبب الضغط الهائل فوقه، الناجم عن هبوط الطبق الطائر.

وقلَّب رقم «صفر» بضعة أوراق أمامه، ثم قال: وهناك رواية أخرى مؤكدة عن ظهور طبق طائر فوق إحدى قواعد حلف شمال الأطلنطي عام ١٩٧٦م أيضًا. وعلى الفور تم قصف الطبق الطائر بالصواريخ … ولكنَّ الطبق الطائر أذاب الصواريخ ودمرها قبل أن تصل إليه بإشعاع أحمر خرج منه … وفي عام ١٩٧٧م ظهر فوق إحدى المدن الروسيَّة جسم ضخم مفزع الشكل، يشبه قنديل البحر … وكان له ذيل من الوهج يمتد خلفه عشرات الكيلومترات، وظلَّ ذلك الجسم الضخم مُعلَّقًا في الفضاء مدة ساعات طويلة، فأمكن مشاهدته من مدن روسية أخرى، بل إنَّه تم رصده في «هلسنكي» عاصمة «فنلندا» بسبب أضوائه الباهرة … والشهود في هذه الحادثة بالملايين … غير أنَّ السلطات الروسيَّة التزمت الصمت التام تجاه هذه الحادثة … وهناك حادثة شهيرة لظهور أطباق طائرة فوق «الكويت» و«دبي» عام ١٩٨١م … وتكرر ظهور هذه الأطباق الطائرة على فترات متقاربة، وخاصة فوق حقول البترول … وبالطبع فإنَّ الطائرة التي لاحقتها لم تستطع الوصول إليها أو استكشاف حقيقتها.

وانطفأت الشاشة السينمائية، وأضاء النور القاعة … وظهر رقم «صفر» في مكانه المظلم كأنَّما يتأهب ليقول شيئًا خطيرًا … وتبادل الشياطين النظرات في صمت؛ فقد كانت الإثارة لديهم قد بلغت ذروتها، ولم يعرفوا إلى أين سينتهي حديث رقم «صفر» المثير.

قال رقم «صفر» بعد لحظةٍ: إنَّ هناك آلاف المشاهدات لأطباق طائرة، وهناك مئات المجلدات عن تلك الظاهرة لدى وزارة الدفاع الأمريكية، وهي مليئة بالشواهد المؤكدة عن ظهور الأطباق الطائرة، وإن كان من غير المسموح الإعلان عن هذه الشواهد … غير أنَّه قد صدرت أوامر القيادة الأمريكية مؤخرًا بعدم التعرُّض لأي طبق طائر أو مهاجمته، فمَن يدري ماذا ستكون مغبة رد الفعل لدى هذه الأطباق الطائرة؟ فقد ترد على الهجوم بسلاح يدمِّر الأرض … إنَّ ظهور الأطباق الطائرة استمر ولوقت طويل ظهورًا سِلْميًّا، أشبه باستعراض العضلات أو استكشاف الموقف من جانبهما، فهذه الأطباق الطائرة كانت تتجنَّب الاقتراب من البشر والتعامل معهم، غير أنَّ هذا الأمر تغيَّر منذ وقت؛ ففي أواخر يناير عام ١٩٧٨م كان أحد الطيارِينَ الشبان يقود طائرة صغيرة قرب الشاطئ الأسترالي، وأثناء حديثه مع برج المراقبة في مطار «ملبورن» فجأةً أخذ يصرخ وهو يصف طبقًا طائرًا يرافق طائرته من أعلى، وعندما انطلقَتِ المقاتلات الأسترالية لاستكشاف الأمر لم تعثر للطبق الطائر على أثر، ولا على الطيار الشَّاب … وفي عام ١٩٨٠م ذهب أحد عمال المناجم البولنديِّينَ لشراء بعض الفحم من مخزن قريب، وتم اختطافه بواسطة مخلوقات فضائية، احتجزته لديها خمسة أيام، ثم أطلقَتْ سراحه بعد أن صار جثةً هامدةً مليئةً بالحروق الناتجة عن أحماض غير أرضية، وغير معروف تركيباتها … وهناك العديد من أمثال هذه الحوادث، وإن كانت السلطات تتكتم أمرها حتى لا تثير البلبلة في أوساط الناس.

تساءل عثمان: وهل تأكَّدَتْ هذه السلطات من أنَّ هذه الحوادث الدموية بسبب مخلوقات جاءت في أطباق طائرة من كواكب أخرى؟

أجاب رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا، ففي مثل هذه الأمور تكون هناك شواهد عديدة مثل: رؤية الكثيرين لذلك الطبق الطائر … وتكون هناك آثار هبوطه فوق الأرض، وآثار تشويشه على الأجهزة الكهربائية وإيقافها عن العمل بموجات مغناطيسية قوية … وأخيرًا هناك الآثار التي تترك فوق الضحية، ويثبت أنها غير بشرية، استُخدِمَتْ فيها أسلحةٌ غير معروفة فوق كوكبنا … وهناك الكثيرون من سعداء الحظ الذين أمسكت بهم هذه المخلوقات الفضائية، وقامت بإجراء بعض التجارب عليهم دون أن تقتلهم، وقد جرى فيما بعد استجواب هؤلاء الأشخاص تحت تأثير التنويم المغناطيسي، بحيث يستحيل عليهم الكذب، وتم اكتشاف أن ما تعرَّضوا له من فحوص وتعذيبٍ كان حقيقةً على أيدي مخلوقات فضائية.

إلهام: هذا مذهل!

رقم «صفر»: بالفعل، ولا بد أنَّ ما ستسمعونه الآن سيثير ذهولكم أكثر؛ فإنَّه وحتى وقتٍ قريبٍ كانت حوادث الاعتداء من جانب هذه الأطباق الطائرة تتم في نطاق فردي ضيِّق، وفي فترات وأماكن متباعدة، ولكنَّ الأمر تطوَّرَ بصورة خطيرة جدًّا خلال الأسابيع القليلة الماضية. إنَّ ما يحدث الآن ليس له غير معنى واحد: إنَّ هناك غزوًا فضائيًّا قريبًا سيحدث لسكان الأرض.

تبادل الشياطين النظرات الحائرة، وقال «أحمد»: ولكننا لم نسمع عن مثل تلك الأشياء.

رقم «صفر»: ذلك لأنَّها تدخل في نطاق السِّرِّية التَّامة؛ فالكشف عنه يعني إصابة العالم كله بفزعٍ لا حدَّ له، ويكفي لأنْ تدركوا خطورة ذلك الغزو الفضائي أن تعرفوا أنَّه حتى الآن جرَتْ ثلاث مواجهات بين القوات الأرضية وبين تلك الأطباق الطائرة، أولًا: مع سلاح الجو الأمريكي الذي دُمرت له طائرتان «إف ١٦»، وهي أحدث طائرات مقاتلة في العالم، والمواجهة الثانية مع سلاح الجو الروسي، ودُمِّرَتْ فيه طائرتان «ميج» من أحدث المقاتلات، وحتى سلاح الجو البريطاني دُمِّرَت له طائرة حاولَتْ مطاردة تلك الأطباق الطائرة.

والتقط رقم «صفر» أنفاسه لحظةً، ثم قال: إنَّ هذا يُثبت أنَّ الحرب قد بدأت، وأنَّ النتيجة ليست في صالحنا على الإطلاق، هذا ما اعترفَتْ به القوى العظمى.

وبصوتٍ رهيبٍ أضاف: لم يعُد لدينا أمل غيركم أنتم، إنَّ مستقبل الأرض كله بين أيديكم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤