الفصل الأول

المشهد الأول

أرغان (جالسًا وحده إلى منضدة أمامه يعدُّ بقطع من النحاس (فيش) بعض عقاقير أجزائية) : اثنان وثلاثة … خمسة، وخمسة عشرة، وعشرة … عشرون (يأخذ زجاجة ويقرأ عليها ما يلي): «تستعمل في اليوم الرابع والعشرين حقنة صغيرة تدخل بسرعة فتنظف أحشاء حضرتك وتبردها، ثلاث فرنكات.» إنَّ الذي لا يعجبني في السيد فلوران الأجزائي هو أنَّ ثمن عقاقيره مرتفع دائمًا ويطلبه بلهجة رسمية، ينبغي للمرء أنْ يكون عاقلًا فلا يجرد المرضى من فلوسهم، ثلاثة فرنكات ثمن تنظيف أحشاء؟! يكفي فرنكان، «وفي مساء اليوم نفسه تأخذ جرعة من شراب الجولاب رُكِّبَ خصيصًا لتنويم حضرتك، وثمنه ثلاثة فرنكات.» لا بأس فهذا الشراب ينومني في الليل «وفي اليوم الخامس والعشرين تأخذ جرعة مسهلة ومقوِّية رُكِّبَتْ من الجولاب الشرقي وغيره حسب إشارة السيد بورغون، وثمنها أربعة فرنكات» هو! إنك تهزأ يا سيد فلوران، فالسيد بورغون لم يأمرك بأنْ تضع أربعة فرنكات، ضع ثلاثة فرنكات فقط. «وفي اليوم السادس والعشرين تستعمل حقنة لتسريح الغازات من بطنك. فرنكان.» فرنك واحد يا سيد فلوران، «وتستعمل في اليوم السابع والعشرين علاجًا يطرد خارجًا أفكارك السوداء. ثلاثة فرنكات» حسنًا، أنا شديد الغِبطة بهذا السعر المعقول، «وفي اليوم الثامن والعشرين تأخذ جرعة من الحليب المَمْزوج بالشَّراب لتُبرِّد دم حضرتك، خمسة فرنكات» هو هو! مهلًا يا سيد فلوران، إذا استمرَّتْ مطالِبك على هذه الخطَّة فإنِّي أَعْدِل عن المرض، فاكتفِ بأربعة فرنكات، لقد تناولت هذا الشهر ثمانية علاجات، واستعملت اثني عشر تنظيفًا، وفي الشهر الماضي تناولت اثني عشر علاجا واستعملت عشرين تنظيفا، فلا غرابة إذا كانت صحتي في هذا الشهر أسوأ منها في الشهر الفائت، وسأُطْلِعُ السيد بورغون على ذلك ليضع له حدًّا. هيَّا، خذوا من أمامي هذه العقاقير. (ينتبه إلى أن لا أحد في الغرفة!) لا أحد هنا! إنَّهم يتركونني دائمًا وحدي، (يقرع جرسًا أمامه) لا يسمعون ولن يسمعوا؛ فجرسي لا يدق دقًّا كافيًا، درلن، درلن، درلن. عبثًا كأنني لا أدق، يا كلبة! يا حمقاء! إنهم طرش! توانيت (يكف عن قرع الجرس ويجعل يصرخ) درلن، درلن، درلن، أخذكم الشيطان! أيتركون مريضًا وحده؟! (يصرخ) درلن، درلن، درلن، إنَّه لأمرٌ فظيع! إنَّهم يتركونني أموت وحدي! درلن، درلن.

المشهد الثاني

(أرغان – توانيت)
توانيت (وهي داخلة) : آتية، آتية.
أرغان : آه يا كلبة! آه يا حمقاء!
توانيت (تتظاهر بأنَّها لطمت رأسها) : يا لك لجوجًا! إنَّك تُلِح في طلب الناس إلحاحًا جعلني ألطم رأسي على زاوية النافذة.
أرغان (غضبان) : آه يا خائنة!
توانيت (تقاطعه) : آه!
أرغان : منذ …
توانيت : آه!
أرغان : منذ ساعة …
توانيت : آه!
أرغان : لقد تركتني …
توانيت : آه!
أرغان : اخرسي أيتها الحمقاء ودعيني أخاصمك؛ فلقد جرحتِ حنجرتي.
توانيت : وأنت، لقد جعلتني أحطم رأسي، وهذا يساوي تلك، واحدة بواحدة إذا شئت.
أرغان : ماذا؟! أيتها الحمقاء …
توانيت : إذا خاصمتَ أنت أبكي أنا.
أرغان : تتركينني أيتها الخائنة؟!
توانيت (تقاطعه) : آه!
أرغان : تريدين يا كلبة؟! …
توانيت : آه!
أرغان : ماذا؟! وهل ينبغي أن لا أذوق حتى لذة الخصام؟
توانيت : خاصِمْ ما شئت وكيف شئت.
أرغان : ولكنك يا كلبة، لا تدعينني أخاصمك بمقاطعاتك المتواصلة.
توانيت : إذا كان الخصام يحلو لك فأنا بدوري يحلو لي البكاء، كلٌّ له لذته، آه!
أرغان : هيَّا … قفي عند هذا الحد، أخرِجِي هذه العقاقير من هنا يا حمقاء! (ينهض) هل نجحت الحقنة التي استعملتها اليوم؟
توانيت : حقنتك؟
أرغان : نعم؛ كيف كان البول؟
توانيت : وحقِّك إنِّي لا أتدخل في هذه المسائل، فعلى السيد فلوران أن يضع فيها أنفه لأنَّه يستفيد منها.
أرغان : اهتمي بأن تُهيِّئي لي واحدة أخرى أستعملها بعد هنيهة.
توانيت : أرى أنَّ السيد فلوران هذا وذلك السيد بورغون يتصرفان بجسمك كما يريدان، وأنَّهما يجدان فيك بقرة حلوبًا، وإنِّي لأريد أنْ أسألهما أي داء اكتشفاه فيك ليصفا لك جميع تلك الأدوية؟!
أرغان : اخرسي أيتها الحمقاء، فليس من شأنك أنْ تراقبي وصفات الطب. أحضري إليَّ ابنتي أنجليكا فلديَّ ما أقوله لها.
توانيت : ها هي ذي جاءت من نفسها؛ فلقد حزرت فكرك.

المشهد الثالث

(أرغان – أنجليكا – توانيت)
أرغان : اقتربي يا أنجليكا، فلقد جئت في وقتك وكنت أريد أنْ أكلمك.
أنجليكا : ها أنا ذا مستعدة لسماع ما تريد أنْ تقوله.
أرغان : انتظري، (لتوانيت) هاتي عصاي، فسأعود بعد هنيهة.
توانيت : أسرع بالذهاب يا سيدي، أسرع؛ فالسيد فلوران يخلق لنا مشاكل.

المشهد الرابع

(أنجليكا – توانيت)
أنجليكا : توانيت!
توانيت : ماذا؟
أنجليكا : انظري إليَّ هنيهة.
توانيت : نظرت إليك … ماذا؟
أنجليكا : ألم تحزري عمن أريد أن أُحدثك؟
توانيت : أشك في أنِّي حزرت، أَعن عشيقنا الشاب؟ أظنك تريدين أن تحدثيني عنه؛ لأنَّ أحاديثنا تدور عليه منذ ستة أيام، ولا أخالك ترتاحين إلى نفسك إذا أنت لم تفتحي حديثه في كل ساعة.
أنجليكا : بما أنَّك تعرفين ذلك؛ فلا بأس أن أجعلك أول من تحدثني عنه، وإني أعترف لك أنِّي لن أتعب أبدًا من التحدث عنه، وأنَّ قلبي يغنم جميع الفرص لكي ينفتح لك، ولكن اصدقيني يا توانيت، هل حدثتك نفسك يومًا بأن تأخذي عليَّ العواطف الملتهبة التي أحسُّ بها نحوه؟
توانيت : معاذ الله!
أنجليكا : وهل أنا مخطئة في استسلامي إلى تأثيراته العذبة؟
توانيت : لم أقل ذلك.
أنجليكا : وهل تريدين أن أُخرس شواعري أمام ذلك الهوى المضطرم الذي يشعر به نحوي؟
توانيت : معاذ الله!
أنجليكا : اصدقيني قليلًا، ألا ترين مثلي شيئًا من السماء ومن مشيئة القدر في حكاية تعارفنا؟
توانيت : بلى.
أنجليكا : ألا ترين أنَّ دفاعه عني من غير أن يعرفني لا يمكن أن يصدر إلا عن رجل شريف؟
توانيت : بلى.
أنجليكا : وأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يطلب أكثر من ذلك؟
توانيت : اتفقنا.
أنجليكا : وأنَّه عمل ذلك بألطف ما يكون؟
توانيت : بدون ريب.
أنجليكا : ألا ترين يا توانيت أنَّه شخصية ممتازة؟
توانيت : لا جدال في ذلك.
أنجليكا : وأنَّ هيئته تدل على أنَّه أجمل شاب في العالم؟
توانيت : بكل تأكيد.
أنجليكا : وأنَّ في أقواله وأعماله أشياء نبيلة؟
توانيت : هذا أمر لا نزاع فيه.
أنجليكا : وأنه لا يمكن أن يُسمَع كلامٌ أعشق من الكلام الذي يُسمِعُني إياه؟
توانيت : صحيح.
أنجليكا : وأنَّه ليس ثمة أشأم من المعارضة التي يقفون بها حائلًا بيني وبينه والتي تسد كل صلة بيننا وبين ذلك الحب الناري الذي توحيه إلينا السماء؟
توانيت : الحق في جانبك.
أنجليكا : ولكن يا توانيت، أتعتقدين أنَّه يحبني بمقدار ما يؤكد لي؟
توانيت : هه هه! إنَّ هذه المسائل كثيرًا ما تستلزم كبير تدقيق، فتكشيرات الحُبِّ شديدة الشبه بالحقيقة، ولقد رأيت في ذلك جمهورًا من كبار الممثلين.
أنجليكا : آه! ماذا تقولين يا توانيت؟! وهل يمكن أن لا يكون صادقًا في كلامه؟!
توانيت : على كلٍّ ستتحققين ذلك بنفسك، ورسالته التي تسلمتها أمس والتي يطلب فيها يدك للزواج ستكون سبيلًا لك لتعلمي أَصادق هو أَم كاذب.
أنجليكا : آه يا توانيت! إذا خدعني هذا فلن أصدق رجلًا في حياتي.
توانيت : هو ذا والدك قادم.

المشهد الخامس

(أرغان – أنجليكا – توانيت)
أرغان : أريد أن أطلعك يا بنتي على نبأ ربما لم تكوني تنتظرينه؛ إنَّك مطلوبة للزواج … ماذا؟! تضحكين؟! صحيح، إنَّ كلمة زواج تُفْرِح وتسر، آه أيتها الطبيعة! أيتها الطبيعة! وأرى يا بنتي أن أسألك إن كنت ترغبين في الزواج.
أنجليكا : يجب عليَّ يا والدي أن أنزل على كل ما تأمرني به.
أرغان : أنا مسرور بأن تكون بنتي مطيعة، إذن فالقضية انتهت ولقد وعدت بك.
أنجليكا : عليَّ أن أسير حسب مشيئتك سيرًا أعمى يا أبي.
أرغان : كانت زوجتي — خالتك — ترغب إليَّ أن أجعلك راهبة، وهذا رأي أختك الصغرى أيضًا.
توانيت (على حدة) : هذه البهيمة لها حُجَّتها في ذلك.
أرغان : لم تكن تريد أن ترضى بهذا الزواج، ولكني حملتها على الاقتناع بصحته وأعطيت كلامي.
أنجليكا : إني لمدينة لك بهذا الكرم يا أبي.
توانيت (لأرغان) : الحقَّ أقول لك أني شاكرة لك ذلك، وهذا أعقل عمل قمت به في حياتك.
أرغان : لم أرَ الشخص بَعْدُ، ولكن قيل لي أنِّي سأرتاح إليه، وأنت أيضًا.
أنجليكا : بدون ريب يا أبي.
أرغان : كيف رأيته؟
أنجليكا : بما أن إرادتك تفسح لي أن أفتح لك قلبي فلا أتردد في القول لك أنَّ الصدفة شاءت أن نتعارف منذ ستة أيام، وأنَّ الطلب الذي عُرِضَ عليك إنما هو نتيجة الميل الذي تبادلناه.
أرغان : لم أعرف ذلك، ولكني مسرور جدًّا بمعرفته، قيل لي إنه فتًى عالٍ.
أنجليكا : نعم يا أبي.
أرغان : ذو قامة جميلة.
أنجليكا : بدون ريب.
أرغان : جذَّاب في شخصه.
أنجليكا : بكل تأكيد.
أرغان : ذو سحنَة جميلة.
أنجليكا : جميلة جدًّا.
أرغان : عاقل وشريف الخلق.
أنجليكا : هكذا تمامًا.
أرغان : نبيل.
أنجليكا : أنبل شخص في العالم.
أرغان : يجيد التكلم باليونانية واللاتينية.
أنجليكا : هذا ما لست أعلمه.
أرغان : وينال شهادة الطب بعد ثلاثة أيام.
أنجليكا : هو يا والدي؟
أرغان : نعم؛ أوَلم يقل لك ذلك؟!
أنجليكا : لا وحقك، ومن قال لك ذلك؟!
أرغان : السيد بورغون.
أنجليكا : وهل السيد بورغون يعرفه؟!
أرغان : يا له سؤالًا غريبًا! يجب أن يعرفه لأنَّه ابن عمه.
أنجليكا : وهل كليانت ابن عم السيد بورغون؟!
أرغان : أي كليانت تعنين؟! نحن نتكلم عن الفتى الذي طلبت يدك له.
أنجليكا : نعم.
أرغان : وهذا الفتى هو ابن عم السيد بورغون الذي هو ابن صهره الطبيب السيد ديافواروس، وهذا الابن يُدعَى توماس ديافواروس وليس كليانت، ولقد عقدنا هذا الزواج في الصباح، السيد بورغون والسيد فلوران وأنا، وغدًا يجيء إليَّ هذا الصهر مصحوبًا بوالده … ماذا؟! أراك مضطربة!
أنجليكا : ذلك يا أبي إنَّك تكلمت عن شخص غير الذي أعنيه.
توانيت : ماذا يا سيدي؟! كيف سمحت لنفسك أن تقوم بعمل كهذا؟! وهل تريد أن تزوج ابنتك من طبيب مع تلك الثروة التي تملك؟!
أرغان : أجل؛ ولكن أي شأن لك أنت يا وقحة؟!
توانيت : إنك شديد التسرع، ألا نستطيع أن نتفاهم معًا من غير أن نتخاصم؟! تعالَ نتكلم بهدوء. ما هي حجتك في صحة زواج كهذا؟
أرغان : حجتي هي أني أريد أن أصاهر وأحالف الأطباء لأنِّي مريض مقعد، ومصاهرتي للأطباء تسمح لي بأن أتكئ في مرضي على عضد أمين، وأن أوفر لعيلتي مصادر الأدوية التي أنا بحاجة إليها.
توانيت : طيِّب، هذه حجة مقنعة، ولكن فكِّرْ جيدًا … أمريض أنت؟
أرغان : ماذا تقولين أيتها الحمقاء؟ نعم؛ أنا مريض! نعم؛ أنا مريض أيتها الوقحة!
توانيت : إذن، نعم، يا سيدي أنت مريض، ولا ينبغي أن نتخاصم على ذلك، نعم، إنَّك مريض جدًّا، أوافق على ذلك، ومريض أكثر مما تظن، ولكن ابنتك يجب أن تتزوج بقرين لها هي، وبما أنها ليست مريضة فلا حاجة لأن تعطي يدها لطبيب.
أرغان : إنِّي أزوجها من طبيب لأجلي أنا، والابنة الشريفة يجب أن تفرح وتغتبط بالاقتران بمن هو مفيد لصحة والدها.
توانيت : وحقِّك يا سيدي، أتريد أن أنصحك كصديقة؟
أرغان : ما هي هذه النصيحة؟
توانيت : هي أن لا تفكر بهذا الزواج.
أرغان : والسبب؟
توانيت : السبب هو أن ابنتك لن ترضى به.
أرغان : لن ترضى به؟!
توانيت : لا.
أرغان : ابنتي أنا؟!
توانيت : ابنتك أنت. وستقول لك أنَّها لا تعبأ بالسيد ديافواروس ولا بابنه توماس ديافواروس ولا بجميع ديافواروس العالم.
أرغان : أما أنا، فإني أعبأ بهم جميعًا عدا أنَّ القسمة صالحة جدًّا؛ فالسيد ديافواروس غني كبير ولن يرثه غير ابنه توماس، ثم إن السيد بورغون الذي لا زوجة له ولا بنين سيعطيه جميع ما يملك لأجل هذا الزواج، والسيد بورغون رجل يبلغ دخله السنوي ثمانية آلاف فرنك.
توانيت : لا بد أنَّه فتك بكثير من الناس حتى صار غنيًّا!
أرغان : ثمانية آلاف فرنك دخل سنوي! مبلغ لا يُستهان به! فضلًا عن أنَّ ثروة الأب كبيرة جدًّا …
توانيت : كل هذا حسن يا سيدي، ولكني أعود فأنصحك، ويجب أن تبقى هذه النصيحة بيننا، بأن تختار لها زوجًا آخر، فابنتك لم تُخلَق لتكون مدام ديافواروس.
أرغان : وأنا أريد أن يكون ذلك.
توانيت : أف! لا تَقُلْ ذلك.
أرغان : كيف لا أقول ذلك؟!
توانيت : لا، لا تقل!
أرغان : ولماذا لا أقول؟!
توانيت : لكيلا يقول الناس أنَّك لا تفكر بما تقول.
أرغان : ليقل الناس ما يشاءون، وأكرر عليك أنِّي أريد أن تنفذ الكلام الذي أعطيته.
توانيت : وأنا أكرر عليك أنَّها لن تنفِّذه.
أرغان : إذن أرغمها عليه.
توانيت : قلت لك إنَّها لن تُصغي إليك.
أرغان : ستصغي أو أدخلها إلى الدير.
توانيت : أنت؟!
أرغان : أنا.
توانيت : طيِّب!
أرغان : كيف طيِّب؟!
توانيت : لن تدخلها إلى الدير.
أرغان : لن أدخلها إلى الدير؟!
توانيت : لا.
أرغان : لا؟!
توانيت : لا.
أرغان : إنَّها لحكاية مضحكة. لن أُدخل ابنتي إلى الدير إذا شئت؟!
توانيت : قلت لك لا.
أرغان : ومن يمنعني؟!
توانيت : أنت نفسك.
أرغان : أنا؟!
توانيت : نعم؛ فلن تسمح لقلبك أن يعمل هذا العمل.
أرغان : بل أَسمح له.
توانيت : أنت تمزح.
أرغان : لا، لا أمزح.
توانيت : العاطفة الأبوية تتغلب عليك.
أرغان : لن تتغلب عليَّ.
توانيت : دمعة صغيرة أو دمعتان، ذراعان ترتميان على عنقك، ويا والدي الصغير خارجًا من شفتين عذبتين تكفي لتحرك عواطفك.
أرغان : لا أعبأ بهذا كله.
توانيت : بلى، بلى.
أرغان : قلت لك لا أعبأ.
توانيت : سخافات.
أرغان : لا ينبغي أن تقولي: سخافات.
توانيت : يا الله! ولكني أعرفك حق المعرفة، فأنت طيب الأخلاق.
أرغان (بسخط) : لست طيب الأخلاق، بل أنا شرير عندما أريد.
توانيت : بهوادة يا سيدي، أنسيت أنَّك مريض؟!
أرغان : أشير عليها إشارة مُطْلَقة بأن تستعد لقبول الزوج الذي أريده.
توانيت : وأنا أحظر عليها تحظيرًا مطلقًا العمل بموجب إشارتك.
أرغان : أين نحن؟! وأي جسارة تخوِّل خادمة مثلك التلفظ بكلام كهذا في حضرة سيدها؟!
توانيت : عندما لا يفكر رب البيت بما يقول يحق للخادمة العاقلة أن تؤنِّبه.
أرغان (يركض وراءها) : آه أيتها الوقحة! يجب أن أحطمك!
توانيت (تتجنبه وتضع الكرسي بينه وبينها) : من واجبي أن أحول بينك وبين الأشياء التي تسبب لك العار.
أرغان (يركض وراء توانيت حول الكرسي وفي يده عصاه) : تعالي، تعالي أعلمك الكلام!
توانيت (تتجنبه) : يجب عليَّ أن لا أدعك تنجز أعمالًا خرقاء.
أرغان : يا كلبة!
توانيت : لا، لن أوافق على هذا الزواج.
أرغان : يا غافلة! يا وقحة!
توانيت : لا أريد أن تتزوج توماسك هذا.
أرغان : يا شقية!
توانيت : ستطيعني أنا ولن تطيعك.
أرغان (يقف) : أنجليكا، أوقفي لي هذه الوقحة!
أنجليكا : ولكن يا والدي …
أرغان : إذا لم توقفيها أسقط عليك لعنتي.
توانيت (وهي خارجة) : وأنا أُحرَمها إذا أطاعتك.
أرغان (يرتمي على كرسيه) : آه! آه! لم أبقَ أتحمل! هذا كله يميتني.

المشهد السادس

(بلين – أرغان)
أرغان : آه، اقتربي يا زوجتي!
بلين : ما بالك يا زوجي المسكين؟!
أرغان : تعالي، تعالي إلى هنا لنجدتي.
بلين : ماذا تراه جرى لك يا ولدي الصغير؟!
أرغان : حبيبتي!
بلين : حبيبي!
أرغان : لقد أخرجتني عن نفسي …
بلين : وا حسرتاه يا زوجي الصغير المسكين! كيف جرى ذلك يا صديقي؟!
أرغان : إن توانيتك الشقية أصبحت أوقح منها في الماضي.
بلين : ولكن كفاك استسلامًا إلى الغضب!
أرغان : لقد أغضبتني جدًّا يا صديقتي الصغيرة.
بلين : بهوادة يا ولدي، بهوادة!
أرغان : وبقيت ساعة كاملة تعترضني في المسائل التي أريدها.
بلين : بهوادة! بهوادة!
أرغان : ولقد بلغت بها الوقاحة إلى درجة أنَّها راحت تقول لي أنِّي لست مريضًا.
بلين : إنَّها لوقحة جدًّا.
أرغان : وتعلمين يا قلبي أي إهانة هي هذه!
بلين : نعم يا قلبي، لقد أذنبت جدًّا.
أرغان : هذه الشقية ستميتني يا صغيرتي.
بلين : هه لا! هه لا!
أرغان : إنَّها السبب في جميع الأوجاع التي أقاسيها.
بلين : لا تستسلم للغضب إلى هذا الحد.
أرغان : وكثيرًا ما طلبت منك أن تطرديها.
بلين : ولكن يا ولدي ليس هناك خدم وخادمات مُجرَّدون من الأخطاء، ونضطر أحيانًا أن نتحمل خصالهم السيئة بسبب خصالهم الحميدة، وتوانيت هذه لها حسناتها كخادمة؛ فهي صادقة، ومجتهدة، وأمينة، وتعلم أنَّه ينبغي لنا اليوم أن نراعي الخادمات اللواتي نتخذهن، هولًا! توانيت.

المشهد السابع

(أرغان – بلين – توانيت)
توانيت : مولاتي.
بلين : أجيبيني، لماذا أغضبتِ زوجي؟
توانيت (بلهجة عذبة) : أنا يا مولاتي؟! وا حسرتاه! لا أدري ماذا تريدين أن تقولي، ولم أفكر بسوى مرضاة سيدي في كل شيء.
أرغان : يا لك خائنة!
توانيت : قال لنا إنَّه يريد أن يعطي يد ابنته لابن السيد ديافواروس، فأجبته أن القسمة مناسبة لها، على أني ظننت أن إدخالها إلى الدير سيكون أنسب لها.
بلين : ليس في هذا ضرر على الإطلاق، وأرى أن توانيت مصيبة بما تقول.
أرغان : آه! إنك تصدقينها يا حبيبتي ولكنها لِصَّة، فقد صوبت عليَّ مائة إهانة.
بلين : صدقتك يا صديقي. (لتوانيت) اسمعي يا توانيت، إذا أغضبت زوجي مرة أخرى أطردك خارجًا! والآن أعطيني وشاحه المفرَّى ومخدات لأهيِّئ له مكانه على الكرسي. (لزوجها) اغرز قبعتك في رأسك حتى أذنيك، فليس أدعى إلى الزكام من تلقي الهواء بالأذنين.
أرغان : آه يا حبيبتي، إنِّي لمدين لك بجميع العنايات التي تبذلينها لأجلي.
بلين (وهي تضع المخدات حول أرغان) : انهض لأضع هذه المخدات تحتك. ضع هذه لتتكئ عليها، وهذه وراء ظهرك، وهذه لتسند بها رأسك.
توانيت (تضع مخدة على رأسه بعنف) : وهذه لتقيك الندى.
أرغان (ينهض غاضبًا ويرمي توانيت بالمخدة) : آه أيتها الحمقاء! تريدين أن تخنقيني؟! (توانيت تهرب).

المشهد الثامن

(أرغان – بلين)
بلين : هه لا! هه لا! ما هذا؟!
أرغان (يرتمي على كرسيه) : آه! آه! آه! لم أبقَ أقدر أن أتحمل.
بلين : لماذا تستسلم هكذا إلى الغضب؟! لقد ظنت أنها تحسن عملًا.
أرغان : إنك لا تفهمين خبث هذه الشقيَّة! آه يا صديقتي! لقد أخرجتني عن نفسي، وأصبحت بحاجة إلى ثمانية علاجات واثني عشر تنظيفًا لأعوِّض كل هذا.
بلين : هدِّئ روعك قليلًا يا صديقي الصغير.
أرغان : آه يا صديقتي! إنَّك عزائي الوحيد.
بلين : مسكين أنت يا ولدي الصغير!
أرغان : آه! لكي أبرهن لك على حبي إياك يا قلبي، أريد أن أكتب وصيتي كما قلت لك.
بلين : لا يصح أن نبحث في هذا الآن، ولا أطيق أن أتصور هذه الفكرة، فكلمة وصية تكفي لترعشني حزنًا وغمًّا.
أرغان : لقد قلت لك إنِّي سأخاطب الكاتب العدل في ذلك.
بلين : هو هنا، فقد صحبته معي.
أرغان : أدخليه إذن يا حبيبتي الصغيرة.
بلين : وا حسرتاه! إن من تحب زوجها لا تفكر في أمور كهذه.

المشهد التاسع

(الكاتب العدل – بلين – أرغان)
أرغان : اقترب يا سيد بونفوا، اقترب. وخذ لك كرسيًّا إذا شئت، لقد قالت لي زوجتي إنك رجل طيب الخلق ومن أصدقائها الخلصاء، ولقد كلفتها أن تحدثك عن وصية أريد تسجيلها.
بلين : وا أسفاه! لست جديرة بأن أبحث أمورًا كهذه.
الكاتب العدل : لقد شرحت لي يا سيدي المقاصد التي تنويها، ولديَّ ما أقوله لك في هذا السبيل، وهو أنَّك لن تستطيع أن تنيل امرأتك شيئًا بوصيتك.
أرغان : ولكن لماذا؟
الكاتب العدل : لأنَّ العادة تقف حائلًا، فلو كنت في بلاد تُعالَج فيها الحقوق بالكتابة لصحَّ ذلك، ولكن في باريس وفي البلدان المتأثرة بالتقاليد أو ببعضها على الأقل لن يصح ذلك، وكل محاولة من هذا القبيل تذهب عبثًا.
أرغان : إنَّها لعادة وقحة جدًّا أن لا يستطيع الزوج أن يترك شيئًا لامرأة يحبها وتحبه وتعتني به! تحدثني نفسي أن أستشير المحامي لأعلم بأي وسيلة أستطيع أن أقوم بهذا العمل.
الكاتب العدل : لا ينبغي لك أن تلجأ إلى المحامين؛ إذ إنَّ هؤلاء كثيرًا ما يكونون صارمين في أمور كهذه ويعتقدون أنَّها جريمة كبيرة أن يجاوزوا حد القانون، وهؤلاء الناس يجهلون واجبات الضمير، على أن هنالك من نستطيع أن نستشيرهم، فهم يستحلون مجاوزة الشريعة برفق، ويعرفون أن يجعلوا عدلًا ما ليس مسموحًا به، وأن يمهدوا الصعوبات ويجدوا وسائل لتعديل العادات والتقاليد بطرق خاصة، ولولا هؤلاء لبقي العالم يرزح تحت مشاكل عديدة؛ إذ إنَّ تسهيل الأمور من ضروريات الحياة.
أرغان : لقد قالت لي زوجتي: يا حضرة السيد، إنَّك رجل طيب القلب حاذق، فأرجو منك أن تقول لي كيف أعمل لأهبها ثروتي وأحرم أولادي جميعًا؟!
الكاتب العدل : كيف تعمل؟ تستطيع أن تختار صديقًا حميمًا لزوجتك تعطيه بشكل قانوني في وصيتك كل ما يُتاح لك أن تعطيه، وهذا الصديق يحيل إليها بدوره ما تكون قد أعطيته إياه، وتستطيع أيضًا وأنت في قيد الحياة أن تضع في يدها مالًا نقدًا أو ورقًا لأمرها.
بلين : يا الله! لا حاجة لأن تزعج نفسك بذلك، فإذا حل بك ما أعيذك منه يا ولدي، اعدل عن البقاء في هذا العالم.
أرغان : صغيرتي!
بلين : نعم يا صديقي، إذا حل بك مكروه …
أرغان : يا زوجتي العزيزة!
بلين : تصبح الحياة لا شيء في نظري.
أرغان : حبيبتي الصغيرة!
بلين : وألحق بك على الأثر لأؤكد لك أي عاطفة أشعر بها نحوك.
أرغان : إنك تذوِّبين قلبي يا صغيرتي، تعزِّي … أتوسل إليك أن تتعزِّي.
الكاتب العدل (لبلين) : إنَّ هذه الدموع … ليس الآن وقت البكاء؛ لأن وقت البكاء لم يَحِنْ بَعْدُ.
بلين : إنك لا تعلم يا سيدي مقدار حب الزوجة لزوجها.
أرغان : وإذا أسفت لشيء قبل أن أموت يا صغيرتي فهو أني لم أُرْزَقْ ولدًا منك.
الكاتب العدل : لم يَفُتِ الوقت، فقد يجيء هذا الولد عاجلًا أو آجلًا.
أرغان : يجب أن أعمل وصيتي بالطريقة التي ذكرها حضرته، ولكن أريد الآن أن أضع بين يديك عشرين ألف فرنك ذهبًا مخبأة في القبو، وسندين لأمر حاملهما؛ أحدهما على السيد دامون والآخر على السيد جيرونت.
بلين : لا، لا، لا أريد أن أسمع شيئًا من هذا، آه! كم هو المبلغ المخبأ في القبو؟
أرغان : عشرون ألف فرنك يا حبيبتي الصغيرة.
بلين : كفى، لا تحدثني عن المال … أرجوك … آه! … كم هو مبلغ السندين؟
أرغان : أحدهما أربعة آلاف فرنك، والآخر ستة آلاف.
بلين : كل ثروات العالم يا صديقي لا تساوي شيئًا إذا قِيسَتْ بك.
الكاتب العدل (لأرغان) : أتريد أن نبدأ بعمل الوصية؟
أرغان : نعم يا سيدي، ولكن أرى أن دخولنا إلى غرفتي يكون أنسب، (لزوجته): تعالي، يا صغيرتي، وخذي بيدي.
بلين : هيا يا ولدي الصغير.

المشهد العاشر

(أنجليكا – توانيت)
توانيت : إنهما مع كاتب عدل، ولقد سمعتهم يتحدثون عن وصية، فخالتك زوجة والدك لا تنام الليل، ولا ريب أن هناك مؤامرة على صالحك تزج بوالدك فيها.
أنجليكا : ليتصرف بثروته كما يطيب له بشرط أن لا يتصرف بقلبي، أترين يا توانيت في أي هوة يزجون به؟ بحقك يا توانيت، لا تتركيني في محنتي هذه.
توانيت : أنا أتركك؟! إني أفضل الموت على هذا، ولقد حاولت خالتك أن تجعلني كاتمة أسرارها لتستفيد مني، على أني لم أستطع الميل إليها وكنت دائمًا من جهتك، فدعيني أعمل، وسأعالج جميع الطرق خدمتك، غير أني أجدني مضطرة إلى تبديل سلوكي معك لأتمكن من خدمتك الخدمة الصالحة. إذن؛ يجب عليَّ من الآن فصاعدًا أن أكتم ميلي إليك وأتكلف الميل إلى والدك وخالتك.
أنجليكا : أرجو منك أن تجتهدي لإطلاع كليانت على الزواج الذي اتُّفِقَ عليه.
توانيت : كوني براحة بال من هذا القبيل.

المشهد الحادي عشر

(بلين (في البيت) – أنجليكا – توانيت)
بلين : توانيت.
توانيت (لأنجليكا) : إنَّها تناديني. عِمِي مساء واتكلي عليَّ.
(الستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤