الفصل الثاني

(يمثل الملعب غرفة أرغان)

المشهد الأول

(كليانت – توانيت)
توانيت (غير عارفة كليانت) : ماذا تطلب يا سيدي؟
ماذا تطلب يا سيدي؟ : ماذا أطلب؟!
توانيت : آه آه، أنت؟! يا للمفاجأة! ماذا جئت تصنع هنا؟
كليانت : جئت أعرف مصيري، جئت أكلم أنجليكا الوديعة وأستشير قلبها وأسألها عن رأيها في ذلك الزواج المشئوم الذي اطلعت على خَبَره.
توانيت : حسنًا؛ ولكن لا يصح أن تُخَاطب أنجليكا بهذه اللهجة دفعة واحدة، ولقد أُخبرتَ ولا ريب بالمراقبة الشديدة التي تُراقب بها فلا تجرؤ على الخروج من البيت أو التكلم مع أحد من الناس.
كليانت : ولكني لم أجئ إلى هنا بصفتي كليانت العاشق، بل جئت كصديق لأستاذها الموسيقي الذي خوَّلني حق القول أنَّه يرسلني مكانه.
توانيت : هو ذا والدها، فحِدْ قليلًا ودعني أقول له إنك هنا.

المشهد الثاني

(أرغان – توانيت)
أرغان (يظن نفسه وحيدًا) : أشار عليَّ السيد بورغون بأن أمشي في غرفتي كل صباح اثنتي عشرة مرة ذهابًا وإيابًا، ولكني نسيت أن أسأله أفي العرض أم في الطول.
توانيت : هو ذا يا سيدي …
أرغان : اخفضي صوتك يا شقية، فلقد زعزعت دماغي، أفلا تعلمين أن الناس لا يرفعون أصواتهم أمام المرضى؟
توانيت : أردت أن أقول لك يا سيدي …
أرغان : قلت لك اخفضي صوتك.
توانيت : سيدي … (تتظاهر بأنها تتكلم).
أرغان : ماذا؟
توانيت : قلت لك أن … (تتظاهر بأنها تتكلم).
أرغان : ماذا تقولين؟!
توانيت (بصوت مرتفع) : قلت لك إن هنا رجلًا يريد أن يكلمك.
أرغان : ليدخل.

(تشير توانيت لكليانت بالدخول.)

المشهد الثالث

(أرغان – كليانت – توانيت)
كليانت : سيدي …
توانيت (لكليانت) : لا تَرْفَعْ صوتك إلى هذه الدرجة مخافة أن تزعزع دماغ حضرته.
كليانت : سيدي، إني لشديد الغبطة برؤيتي إياك واقفًا وأحسن حالًا من الماضي.
توانيت (تتظاهر بأنها غضبت) : ماذا تقول؟! أحسن حالًا من الماضي؟! هذا خطأ، فحضرته أسوأ من كل يوم.
كليانت : سمعت من يقول إن حضرته أحسن حالًا، وأرى وجهه مشرقًا!
توانيت : ماذا تقصد أن تقول بوجهك المشرق هذا؟! فوَجْه سيدي سيئ جدًّا، وإنهم لوقحاء أولئك الذين قالوا لك إنه حسن، فهو لم يسؤ بعدُ كما ساء اليوم!
أرغان : الحقُّ بجانبها.
توانيت : سيدي يمشي وينام ويأكل ويشرب كسائر الناس، ولكن هذا لا يمنعه من أن يكون مريضًا جدًّا.
أرغان : صحيح.
كليانت : إن ما أسمعه الآن يدب القنوط في نفسي … جئت يا سيدي من قبل أستاذ الآنسة ابنتك … من قبل أستاذها في الموسيقى، فلقد اضطر أن يصرف بضعة أيام في الجبال، وبما أني صديقه الحميم فقد أرسلني لأواصل مكانه إعطاء الدروس للآنسة ابنتك خشية أن تنقطع عنها فتنسى الأمثولات السابقة.
أرغان : حسنًا جدًّا، (لتوانيت) نادي أنجليكا.
توانيت : أرى من الأوفق يا سيدي أن آخذه إلى غرفتها.
أرغان : لا، بل دَعِيها تحضر إلى هنا.
توانيت : ولكنه لا يستطيع أن يلقنها أمثولاتها كما يجب أن يلقنها إياها إذا لم يختليا معًا.
أرغان : بلى، بلى.
توانيت : ولكن الضجيج يزعجك يا سيدي ويزعزع دماغك، ولا يصح أن تتأثر بشيء في الحالة التي أنت فيها.
أرغان : لا، لا، فأنا أحب الموسيقى وسأكون مسرورًا جدًّا … آه! هي هذه. (لتوانيت) اخرجي أنت وانظري امرأتي هل ارتدت ثيابها؟

المشهد الرابع

(أرغان – أنجليكا – كليانت)
أرغان : تعالي يا بنتي، فأستاذك الموسيقي خرج إلى الجبال، وأرسل إليك هذا الشخص لينوب منابه.
أنجليكا (تعرف كليانت) : آه! أيتها السماء!
أرغان : ما هذا؟! من أين هذه الدهشة؟!
أنجليكا : هي …
أرغان : ماذا؟! ما الذي يدهشك بهذا الشكل؟!
أنجليكا : هي حادثة مدهشة يا والدي.
أرغان : كيف؟!
أنجليكا : حلمت في الليل أنِّي في أشد حالات الاضطراب، وأن رجلًا يشبه حضرة هذا السيد مَثُل أمامي، فاستنجدت به وأنقذني مما أنا فيه، ويا لها دهشة كبيرة عندما جئت إلى هنا فوجدت أمامي من كان يَجُول في مخيلتي طول الليل.
كليانت : إنه لحظٌّ كبير أن أشغل فكرك، إن في الليل وإن في النهار، ولا ريب أن سعادتي تكون كبيرة إذا وجدتِ نفسك في مأزق ما ورأُيتني أهلًا لأن أنقذك منه، وليس هناك شيءٌ يستطيع …

(تدخل توانيت.)

المشهد الخامس

(أرغان – أنجليكا – كليانت – توانيت)
توانيت (لأرغان) : وحقِّك يا سيدي إنِّي لك الآن، ولقد رجعت عن كل ما قلته أمس، فهو ذا السيد ديافواروس الأب والسيد ديافواروس الابن أقبلا جميعًا لزيارتك، وسيكون لك صهر ممتاز؛ إذ إنَّك ستشاهد أجمل فتى في العالم، لم يَقُل إلا كلمتين لا غير سحرتا قلبي، ولا ريب أنَّ ابنتك ستنجذب إليه.
أرغان (لكليانت الذي تظاهر بالذهاب) : لا تذهب يا حضرة السيد، فسأزوج ابنتي، وهو ذا قرينها المقبل الذي لم تشاهده بعد.
كليانت : إنه لشرف كبير يا سيدي أن أكون شاهدًا على مقابلة جميلة كهذه.
أرغان : إنَّه ابن طبيب، وسيكون الزواج بعد أربعة أيام.
كليانت : حسنٌ جدًّا.
أرغان : أطلع أستاذها الموسيقي على الأمر ليكون هنا يوم العرس.
كليانت : لن أتأخر.
أرغان : وأرجو منك أن تكون حاضرًا أنت أيضًا.
كليانت : إنَّك تُشَرِّفني كثيرًا يا سيدي.
توانيت : هيا، اصطفُّوا، فلقد جاءا.

المشهد السادس

(ديافواروس – توماس ديافواروس – أرغان – أنجليكا – كليانت – توانيت – خادم)
أرغان (واضعًا يده على قبعته من غير أن يرفعها) : إن السيد بورغون يا سيدي قد حظر عليَّ أن أكشف عن رأسي، فأنت من رجال المهنة وتعرف العواقب.
ديافواروس : لسنا في جميع زياراتنا إلا لنحمل النجدة للمرضى لا لنزعجهم (أرغان وديافواروس يتكلمان في وقت واحد).
أرغان : أتقبَّل يا سيدي …

(يتكلمان في وقت واحد فيقاطع أحدهما الآخر ويختلط الكلام بعضه ببعض.)

ديافواروس : جئنا إلى هنا يا سيدي …
أرغان : بكثير من الغبطة …
ديافواروس : ولدي توماس وأنا …
أرغان : الشرف الذي توليني إياه …
ديافواروس : لنؤكد لحضرتك …
أرغان : ولقد كنت أتمنى …
ديافواروس : سرورنا الشديد …
أرغان : لو تمكنت من الذهاب إليك …
ديافواروس : باللطف الذي أظهرته لنا …
أرغان : لأؤكد لك …
ديافواروس : في استقبالك إيانا …
أرغان : ولكنك تعلم يا سيدي …
ديافواروس : على شرف …
أرغان : ماذا يكون من أمر مريض مسكين؟! …
ديافواروس : هذا الاتحاد …
أرغان : لا يستطيع أن يعمل …
ديافواروس : ونؤكد لك …
أرغان : إلا أن يقول لك …
ديافواروس : إننا في المسائل المتعلقة بمهمتنا …
أرغان : إنه يستفيد من جميع الظروف …
ديافواروس : سنكون دائمًا على استعداد يا سيدي …
أرغان : ليقول لك …
ديافواروس : في كلا الحالين …
أرغان : إنَّه رهن إشارتك …
ديافواروس : لنؤكد لك إخلاصنا. (يلتفت إلى ولده ويقول له) هيا توماس، تقدَّم وتكلَّم.
توماس : ألا ينبغي أن أبدأ بمخاطبة الأب؟
ديافواروس : بلى.
توماس : لقد جئت يا سيدي أُحيي وأُكرِّم وأحترم فيك والدًا آخر، ولكن والدًا آخر أجدني مدينًا له بأكثر مما أنا مدين به للوالد الأول؛ فالوالد الأول قد أوجدني في العالم أما أنت فقد اخترتني. لقد تقبَّلني هو بداعي الضرورة وتقبلتني أنت بما عُهِد فيك من لطف وكرم، فالذي أحفظه منه إنما هو عمل الجسد، أما الذي أحفظه منك فهو عمل مشيئتك، وبقدر ما نرى أن العوامل الروحية هي فوق العوامل الجسدية أجدني مدينًا لك بالاتحاد المقبل الذي جئت اليوم أشكرك عليه شكرًا سابقًا لأوانه.
توانيت : لنحيِّ المدارس التي تخرج رجالًا أذكياء مثل حضرتك.
توماس : هل نجحت بخطابي يا أبي؟!
ديافواروس : نجاحًا باهرًا.
أرغان (لأنجليكا) : هيا، حيي حضرة السيد.
توماس (لوالده) : أَأُقبلها؟
ديافواروس : نعم، نعم.
توماس (لأنجليكا) : سيدتي، لقد كانت السماء عادلة عندما منحتك لقب الخالة؛ لأن …
أرغان : هذه بنتي التي تخاطبها وليست زوجتي.
توماس : وأين هي؟
أرغان : ستحضر.
توماس (لوالده) : أَأَنتظر يا أبي إلى أن تحضر؟
ديافواروس : أكمل خطابك لحضرة الآنسة.
توماس : آنستي، كما أن تمثال ممنون كان يخرج لحنًا موسيقيًّا لدى انعكاس أشعة الشمس عليه، هكذا أشعر بنفسي تتحرك وبلساني ينطلق لدى ظهور شمس جمالك. وكما أنَّ الطبيعيين يلاحظون أنَّ الزهرة المطلق عليها اسم هليوتروب تدور من غير انقطاع إلى جهة كوكب النهار، هكذا قلبي فإنَّه يدور دائمًا إلى جهة الكواكب المتألقة التي تنبثق من عينيك المعبودتين، فاقبلي يا آنستي أن أَرفع اليوم إلى هيكل جواذبك قربان هذا القلب الذي لا يستهدف إلا أمرًا واحدًا، وهو أن يظل حياته خادمك المطيع وزوجك الأمين.
توانيت (ساخرة) : هذه نتيجة العلم، إنها تلقن أشياء جميلة.
أرغان (لكليانت) : ماذا تقول في ذلك؟
كليانت : أقول إنَّ حضرة السيد يجيء بالعجائب، وإذا كان يجيد حرفة الطب بقدر ما يجيد حرفة الخطابة فكلنا يتمنى أن يكون في عداد مرضاه.
توانيت : بدون ريب، وإنَّه لأمر جميل جدًّا لأن يجيد إعطاء الحقن كما يجيد إعطاء الخطابات.
أرغان : هيا، هاتوا كراسي للجميع، اجلسي هنا يا بنتي. (لديافواروس) ترى يا سيدي أن الجميع معجبون بحضرة ولدك، وإنِّي أراك سعيدًا بولد كهذا.
ديافواروس : ليس لأني والده يا سيدي، ولكني أستطيع أن أقول إنِّي مسرور به وإن جميع الذين يرونه يتكلمون عنه كما يتكلمون عن غلام لا يضمر شرًّا. وأقول أيضًا إنَّه لا ينطوي على مخيلة حادة ولا على نار كالتي غالبًا ما تُرى في بعض الناس، على أنَّ في هذا ما يجعلني أرتاح إلى ذكائه: الصفة الضرورية لحرفتنا الطبابة، عندما كان صغيرًا لم يكن متحمسًا ومتيقظًا، وكان يُرى دائمًا في عزلة عن الناس هادئًا عذبًا، لا يفوه بكلمة ولا يأبه لتلك الألعاب المسماة صبيانية، ولقد تعبنا كثيرًا في تلقينه القراءة؛ إذ لم يكن وهو في التاسعة من عمره ليجيد معرفة الأحرف الأبجدية، وكنت أقول في نفسي: «لا بأس؛ فالأشجار المتأخرة هي التي تحمل أفضل الثمار، والنقش على الرخام أثبت من النقش على التراب، وإن يكن يستلزم جهودًا ومشقة.» وعندما أرسلته إلى المدرسة وجد في ذلك بعض الصعوبة، على أنَّه تجلَّد على الصعوبات وتجلَّد كثيرًا حتى إنَّ أساتذته راحوا يثنون على اجتهاده وانصبابه على الدروس، وأخيرًا توصَّل إلى أَخْذ شهاداته بجبين مرتفع، وأستطيع أن أقول دون كبرياء إنَّه ما من تلميذ قُدِّر له أن يقوم بمثل الجلبة والضجيج اللذين قام هو بهما في المنازعات المدرسية؛ فهو شديد المراس بالقتال في سبيل مبادئه، ولا يرجع عن رأيه في وجه من الوجوه بل يتوغل دائمًا فيه حتى ينفذ إلى آخر حدود المنطق، على أن الذي يفرحني فيه أكثر من سواه في هذه المسائل والذي يحذو فيه حذوي؛ هو أنه يتمسك تمسكًا أعمى بآراء القدماء، ولم يشأ يومًا أن يصغي إلى اختبارات المحدثين في مخترعات هذا العصر المتعلقة بمجرى الدم وبآراء من هذه الطينة.
توماس (يأخذ من جيبه ملفًّا من الأوراق يقدِّمه لأنجليكا) : ولقد وضعت ردًّا على هؤلاء نظرية أجرؤ (يحيي أرغان) بإذن من سيدي أن أرفعها إلى حضرة الآنسة لتكون عربونًا عن باكورة عقلي.
أنجليكا : هذه حاجة لا تفيدني يا حضرة السيد؛ لأني لست ملمَّة بهذه المسائل.
توانيت : هاتِ هاتِ، فقد يكون فيها رسوم نزين بها الغرفة.
توماس : وبإذن آخر من سيدي أدعوكم جميعًا في يوم من هذه الأيام إلى حضور تشريح امرأة أريد أن أعطي رأيي فيه.
توانيت : سيكون جميلًا هذا التشريح؛ فقد سمعنا بأنَّ فتيانًا يعطون رواية على شرف عشيقاتهم ولكن لم نسمع بأن أحدًا منهم أعطى تشريحًا … فلا ريب أنَّ التشريح يكون أجمل من الرواية.
أرغان (لديافواروس) : أليس في نيتك يا حضرة السيد أن تجد لابنك مركزًا في البلاط؟
ديافواروس : أقول لك بصراحة، إنَّ حرفتنا في جانب العظماء لا تروقني أبدًا، ولقد تبيَّن لي أنَّ البقاء في جانب الجمهور أنسب وأوفق؛ فالجمهور وديع مسالم، ولا ترى نفسك مسئولًا عن أمر معه، أما العظماء فالذي يزعجني في التقرب منهم هو أنهم عندما يمرضون يفرضون الشفاء فرضًا على أطبائهم.
توانيت : في هذا ما يسر ويفرح، إنها لوقاحة أن يفرضوا عليكم شفاءهم؛ إذ لا تجيئون إليهم لتحْمِلوا الشفاء بل لتَقْبِضوا مرتباتكم وتعطوهم الأدوية، أما الشفاء فعليهم هم أن يجدوه إذا استطاعوا.
ديافواروس : صحيح، فما علينا إلا أن نعالج الناس بحسب الأصول.
أرغان (لكليانت) : يا حضرة السيد، هل لك أن تجعل بنتي تنشد لحنًا أمام الحضور؟
كليانت : أنا بانتظار أوامرك يا سيدي، ولقد خطر لي لكي يطرب الحضور أن أنشد مع حضرة الآنسة فصلًا من مغناة صغيرة نُظِمَتْ حديثًا. (يعطي أنجليكا ورقة) خذي، هذا دورك.
أنجليكا : أنا؟!
كليانت (لأنجليكا بصوت منخفض) : أرجوك لا تعاندي، ودعيني أفهمك ما هو الفصل الذي سننشده. (بصوت مرتفع) لا يطاوعني صوتي للإنشاد، ولكن يكفي أن يسمعني الجمهور، وإني لأعتذر عن عدم تمكني من مرافقة حضرة الآنسة في المغنى.
أرغان : أليست الأبيات جميلة؟
كليانت : هي مغناة صغيرة مرتجلة، ولن تسمعوا الآن إلا أنشودة من النثر الموقع أو من الشعر المنثور كالذي توجبه العاطفة والحاجة على شخصين يتكلمان بداهة.
أرغان : حسنًا جدًّا، فلنسمع.
كليانت : إليكم موضوع الفصل: كان أحد الرعاة شاخصًا إلى جمال مشهد بدأ يتراءى لعينيه، وإذا به يسمع ضجيجًا بالقرب منه سلخه عن جمال مشهده، فالتفت فأبصر رجلًا شرسًا يسيء إلى راعية بكلمات وقحة، فما كان منه إلا أن راح يدافع عن جنس يجب على كل رجل أن يدافع عنه، وبعد أن عاقب الشرس على وقاحته دنا من الراعية، فوقع نظره على فتاة تذرف من مقلتين لم يرَ أجمل منهما في العالم دموعًا لم يشاهد في حياته أجمل منها، فقال في نفسه: «وا حسرتاه! هل ثمة من يقوى على إهانة فتاة بهذه الوداعة؟! وأي شرس بل أي بربري لا يتفطر قلبه لدموع كهذه؟!» ثم عهد على نفسه أن يوقف مجرى تلك الدموع الجميلة، وعهدت الراعية على نفسها أن تشكره على خدمته الخفيفة، ولكن بطريقة جذابة عذبة ساحرة لم يقوَ الراعي معها على امتلاك نفسه، فقال في ضميره: «هل ثمة أحد جدير بهذا الشكر؟! وأي امرئ لا يخاطر بحياته ولا يرمي نفسه في المهالك في سبيل الحصول على كلمات عذبة خارجة من فم يعرف الجميل كهذا الفم؟!» وما عتم أن انفصل عن راعيته المعبودة، على أنَّ النظرة الأولى كانت قد غرست في قلبه حبًا لا تجيء السنوات بأحرَّ منه. وسرعان ما أخذ يشعر بآلام الفراق في مختلف أنواعها، وراح يسعى جهده لرؤيتها مرة أخرى، إلا أنَّ الراعية كانت منيعة عنه، فصحت عزيمته أخيرًا على طلب يدها للزواج؛ إذ أحس بأنَّه لن يستطيع الحياة بدونها، وكتب إليها بطاقة بثها فيها كل شواعره، وفي ذلك الوقت بلغه أنَّ والد هذه الفتاة الجميلة قد وعد بها فتى آخر وأن كل شيء يُعَدُّ لحفلة الزواج.
تصوَّروا أي قنوط استولى على قلب هذا الراعي الحزين فلم يُطِقْ صبرًا على احتمال الضربة الأليمة، ولم يَقْوَ على الفكرة القاسية التي تُرِيه شخص من يحب بين ذراعَيْ غيره، بيد أنَّ حبه اليائس فتح في وجهه سبيلًا استطاع به أن يدخل بيت راعيته ليختبر شواعرها نحوه وموقفها منه، فصادف هناك جميع الاستعدادات التي كان يخشاها، ولقي مزاحمه وهو غير أهل لها. لقد لقي هذا المزاحم المضحك منتصرًا بالقرب من الراعية الوديعة فثار الغضب في صدره وراح يرشق معبودته بنظرات موجعة، إلا أنَّ وجود والدها واحترامه نفسه منعاه عن أن يخاطبها بسوى العيون، وأخيرًا استطاع أن يعاند القدر، وطفق يخاطب الراعية بهذا الكلام (ينشد):
كفاني، فيليس، أشقى كفاني
ولا تكتمي عن فؤادي الجريح
ما في فؤادك يا أخت روحي!
أأحيا على تعسي أم أموت؟
أنجليكا (تنشد) :
تراني، ترسيس، أشقى الأنام
فهذا الزواج ضريح الغرام
تراني أبكي، تراني أشقى!
أرغان : هو هو! لم أكن أعلم أن بنتي تجيد الغناء إلى هذه الدرجة من غير أن تتردد.
كليانت (ينشد) :
فيليس، وا حسرتاه!
ألي مكان بقلبك؟!
أنجليكا : أحبك ترسيس، لا أنكرُ.
كليانت :
إلهي! أحقًّا ترى ما سمعتُ
أم الحب في أُذني يسخرُ؟!
أعيدي، أعيدي على مسمعي.
أنجليكا : أحبك ترسيس!
كليانت :
بحقك، فيليس، لا تقطعي.
أنجليكا : أحبك!
كليانت :
أعيدي، أعيديه مليون مرة.
أنجليكا :
أحبك ترسيس، إنِّي أحبك، إنِّي أحبك، إنِّي أحبك!
كليانت :
إلهي شكرًا لما تنعم
فإنِّي فتى عاشق مغرم
ولكن هذا المزاحم …
أنجليكا :
إني لأبغض هذا المزاحم
إني لأمقته كالممات
فهذا المزاحم داء الحياة.
كليانت : ولكن أبوك يريد …
أنجليكا :
الموت أولى، الموت أولى.
أرغان : ولكن ماذا يجيب الوالد على كل هذا؟
كليانت : لا يجيب بشيء.
أرغان : إنَّه لوالد أحمق! يسمع كل هذا ولا يقول شيئًا؟!
كليانت (يريد أن ينشد) : آه يا حبي! …
أرغان : لا لا، يكفي! إنَّ في هذا الفصل مثلًا سيئًا؛ فالراعي ترسيس فتى وقح، والراعية فيليس فتاة حمقاء؛ لأنَّها تجرؤ أن تتكلم بهذا الشكل أمام والدها. (لأنجليكا) أريني هذه الورقة. ها ها! أين الكلام الذي تنشدينه؟! لا أرى على هذه الورقة إلا الموسيقى.
كليانت : ألم يبلغك يا سيدي أنَّهم اخترعوا منذ مدة قريبة نوعًا من الكتابة يجمع بين النوتة والكلام؟!
أرغان : طيب، أشكرك ومع السلامة، فنحن نستغني عن مغناتك هذه.
كليانت : ظننت نفسي أفكهك.
أرغان : السخافات لا تفكه. آه! هذه زوجتي.

المشهد السابع

(بلين – أرغان – أنجليكا – ديافواروس – توماس ديافواروس – توانيت)
أرغان : هو ذا ابن السيد ديافواروس.
توماس : سيدتي، إنَّ السماء أعطتك بحقٍّ اسم الخالة؛ لأنَّه يُرى على وجهك …
بلين : إنَّي لمسرورة بحضوري إلى هنا لأتشرف برؤيتك يا حضرة السيد.
توماس : لأنَّه يرى على وجهك … لأنَّه يرى على وجهك … لقد قطعت عليَّ الكلام يا سيدتي فبلبلتِ ذاكرتي.
ديافواروس : أجِّل الكلام إلى فرصة أخرى يا توماس.
أرغان : كنت وددت لو حضرتِ قبل هنيهة يا عزيزتي الصغيرة.
توانيت : آه يا مولاتي! لقد خسرت كثيرًا بعدم حضورك إلى هنا قبل هنيهة لتسمعي مشهد الوالد الثاني وتمثال ممنون والزهرة المطلق عليها اسم هليوتروب.
أرغان (لابنته) : هيا يا بنيتي، المسي يد حضرة السيد وأعطيه عهدًا كما لو كنت تعطينه لزوجك.
أنجليكا : ولكن يا والدي …
أرغان : ولكن يا والدي؟! … ماذا تقصدين بذلك؟!
أنجليكا : بحقك لا تعجِّل المسائل وأعطنا الوقت اللازم؛ لنتعارف ونشعر كلانا بذلك الميل الضروري لتمكين الاتحاد الكامل.
توماس : أما أنا يا آنستي، فالميل قد خُلِق في نفسي، ولا أجد حاجة للانتظار.
أنجليكا : إذا كنت مستعجلًا إلى هذه الدرجة يا حضرة السيد فأنا غير مستعجلة، وأُصارحك بأن جدارتك لم تتملك بَعْدُ من نفسي.
أرغان : أوه! طيِّب، طيِّب! على أنَّ التملك هذا سيحدث بعد الزواج.
أنجليكا : ولكن يا والدي أعطِنا الوقت اللازم، فالزواج هو قيد لا ينبغي أن يُغلَّل به القلب بالقوة، ولئن كان حضرته رجلًا شريفًا فلا يجوز له أن يرضى بشخص يُعطَى له بالرغم منه.
توماس : نيفو كونسكانسيام، يا حضرة الآنسة، وأستطيع أن أكون رجلًا شريفًا وأن أرضى بك على يد حضرة والدك.
أنجليكا : إنها لطريقة سيئة أن يحب أَحَدٌ الآخرَ على يد الغير وأن يسيء إليه.
توماس : إننا نقرأ في كتب الأقدمين يا حضرة الآنسة أنَّ عاداتهم في الزواج كانت أن تُخطَف البنات من بيوت آبائهنَّ خطفًا جبريًّا؛ لكيلا يُظَن أنهن يرتمين بين أذرع الرجال بملء إرادتهن.
أنجليكا : إنَّ الأقدمين يا حضرة السيد هم الأقدمون وإنما نحن أبناء اليوم، فالظواهر الخدَّاعة لم تَبقَ ضرورية في عصرنا هذا، وعندما نقتنع بصحة الزواج نسعى إليه من تلقاء أَنفسنا دون أن نحتاج إلى من يجرُّنا إليه جرًّا، فاصبر يا حضرة السيد، وإذا كنت تحبني كما تقول فينبغي لك أن تنزل على إرادتي.
توماس : نعم يا حضرة الآنسة، إني أحبك وأنزل على إرادتك بشرط أن لا تتعدى هذه الإرادة صالح حبي لك.
أنجليكا : ولكن أكبر دليل على الحب هو أن ينزل المحب على مشيئة من يحب.
توماس : ديستنغو يا حضرة الآنسة، أما ما يتعلق بالامتلاك فأقول كونسيدو، وأما ما لا يتعلق به فأقول نيغو.
توانيت (لأنجليكا) : حضرته يجيد التحليل، فهو خارج من المدرسة حديثًا، فلماذا الإصرار إلى هذا الحد ورفضك الحصول على مجد الالتحاق بالجامعة؟!
بلين : ربما كان لها ميل آخر.
أنجليكا : إن يكن لي ميل يا حضرة السيدة فهو ما يسمح لي به العقل والشرف.
أرغان : هلا! أتراني خيال صحراء هنا؟!
بلين (لزوجها) : لو كنت مكانك يا بني لما أرغمتها على الزواج وعرفت ماذا أصنع.
أنجليكا : أعرف ماذا تريدين أن تقولي يا حضرة السيدة، ولا أجهل ما تضمرينه لي من الإخلاص، على أن نصائحك قد لا تكون موافقة للنزول عندها.
بلين : ذلك أنَّ البنات العاقلات الشريفات مثلك يسخرن من الطاعة والنزول على مشيئة آبائهن، كان ذلك حسنًا في الماضي.
أنجليكا : إنَّ لواجبات الابنة حدًّا يا حضرة السيدة، والعقل والشرائع لا تبسط هذه الواجبات على كل شيءٍ أيًّا كان.
بلين : تريدين أن تقولي أنك تختارين زوجًا على هواك؟!
أنجليكا : إن يكن والدي لا يريد أن يزوِّجني من الرجل الذي أحب، فأرجو منه على الأقل أن لا يرغمني على التزوج من رجل لا أستطيع أن أحبه.
أرغان (للحضور) : أيها السادة، أستميحكم عذرًا على كل هذا.
أنجليكا : لكل فتاة هدف في الزواج، فمن الفتيات من يتزوجن ليخرجن من ربقة أهلهن ويصبحن قادرات على التصرف بنفوسهن كما يردن، ومن الفتيات يا حضرة السيدة من يتخذن الزواج وسيلة للتجارة، فلا يتزوجن إلا ليثرين بموت أزواجهن، ويأخذن بالتنقل من زوج إلى زوج لكي يستولين على بقاياهم، فهؤلاء الفتيات لا ينظرن إلى الرجل النظرة الصحيحة.
بلين : أجدك اليوم شديدة الرغبة في التحليل، ولا أعلم ماذا تقصدين من وراء ذلك؟
أنجليكا : أنا يا حضرة السيدة؟! ماذا تريدين أن أقصد غير ما قصدت؟!
بلين : إنك حمقاء إلى درجة لا أستطيع معها أن أتحملك.
أنجليكا : أراكِ تحاولين استدراجي إلى أن أجيبك بمثل لهجتك، ولكن ثقي أنكِ لن تحصلي على هذه الميزة.
بلين : لا أرى حماقة توازي حماقتك.
أنجليكا : الحق في جانبك يا حضرة السيدة.
بلين : وفي عجرفتك سخافة وادعاء يسخر منهما جميع الناس.
أنجليكا : كل هذا لا يفيد يا حضرة السيدة، وسأكون حكيمة بالرغم منك، ولكي أقنطك من النجاح في ما تريدين، لا أجد أفضل من الانصراف من وجهك.

المشهد الثامن

(أرغان – بلين – ديافواروس – توماس – توانيت)
أرغان (لأنجليكا وهي خارجة) : اسمعي، يجب أن تختاري بين اثنين: إما أن تتزوجي حضرة السيد، وإما أن تدخلي الدير. (لزوجته) لا تزعجي نفسك، فسأتدبر الأمر.
بلين : أتركك الآن بأسف شديد، فلديَّ حاجة أقضيها في المدينة، وسأعود بعد هنيهة.
أرغان : اذهبي يا حبيبتي الصغيرة، ومُرِّي على الكاتب العدل كما اتفقنا.
بلين : إلى اللقاء يا صديقي الصغير.
أرغان : إلى اللقاء يا صغيرتي.

المشهد التاسع

(أرغان – ديافواروس – توماس – توانيت)
أرغان : تلك امرأة تحبني … هذا أمر لا يُصدَّق.
ديافواروس : نستأذنك الآن بالانصراف يا سيدي.
أرغان : أرجو منك يا سيدي أن تقول لي قليلًا كيف أنا اليوم.
ديافواروس (يجس نبض أرغان) : توماس، خذ الذراع الأخرى لأرى إن كنت تعرف أن تعطي حكمًا في نبضه، ماذا تقول؟
توماس : أقول إن نبض حضرته هو نبض رجل مريض.
ديافواروس : حسنًا.
توماس : وإنَّه قليل التصلب لكيلا أقول إنَّه صلب.
ديافواروس : حسنًا جدًّا.
توماس : وإنَّه سريع.
ديافواروس : حسنًا.
توماس : ومتقطع أيضًا.
ديافواروس : حسنًا جدًّا.
توماس : وهذا يدل على انزعاج في البارانشيم سبلينيك؛ أي في الرئة.
ديافواروس : أحسنت جدًّا.
أرغان : لا، فالسيد بورغون يقول إنَّ المرض هو في كبدي.
ديافواروس : نعم؛ فمن يقول بارانشيم يقول هذا أيضًا بسبب العلاقة المتينة بين الاثنين، أفلم يُشِر عليك بأن تأكل اللحم المشوي؟!
أرغان : لا، بل الحساء فقط.
ديافواروس : طيب؛ فاللحم المشوي والحساء هما واحد، إن طبيبك حكيم عاقل، ولن يقدر لك أن تقع بين يدين أفضل من يديه.
أرغان : كم حبة ملح ينبغي لي أن أضع في البيضة؟
ديافواروس : ست حبات أو ثماني أو عشر حبات بشرط أن يكون العدد مزدوجًا خلافًا لما في الأدوية التي يُوضَع فيها الملح بالعدد المفرد.
أرغان : إلى اللقاء يا حضرة السيد.

المشهد العاشر

(بلين – أرغان)
بلين : جئت يا ولدي قبل الذهاب أطلعك على أمر ينبغي لك أن تحذر منه، فعندما مررت من أمام غرفة أنجليكا أبصرت فتًى في داخل الغرفة لم يكد يراني حتى أَطْلَقَ لِساقَيْهِ الرِّيحَ.
أرغان : فتى مع بنتي؟!
بلين : نعم؛ وكانت ابنتك الصغيرة لويزون معهما فأحضرها إليك واستنطقها.
أرغان : أحضريها إليَّ يا صغيرتي، أحضريها إلى هنا، آه! يا لها شقية! (وحده) لم أبقَ أستغرب عنادها وتصلُّبها.

المشهد الحادي عشر

(أرغان – لويزون)
لويزون : ماذا تريد يا أبي؟ قالت خالتي إنَّك تطلبني.
أرغان : أجل؛ اقتربي، اقتربي، دوِّري على نفسك، ارفعي عينك، انظري إليَّ.
لويزون : ماذا يا أبي؟!
أرغان : ماذا؟!
لويزون : ماذا؟!
أرغان : أليس لديك شيء تقولينه لي؟!
لويزون : إذا أردت أن أُسلِّيَك فاسمع قصة جلد الحمار أو قصة الغراب والثعلب التي سمعتها من مدة.
أرغان : ليس هذا ما أُريد.
لويزون : وماذا تريد إذن؟!
أرغان : آه! يا عفريتة، إنَّكِ تجهلين ماذا أريد!
لويزون : عفوًا يا بابا.
أرغان : أهي هذه طاعتك لي؟!
لويزون : ماذا؟!
أرغان : ألم أُشِرْ عليكِ بأن تطيعيني على كل ما ترين وتسمعين؟!
لويزون : بلى يا بابا.
أرغان : وهل عملتِ بحسب إشارتي؟!
لويزون : نعم يا بابا، ولقد جئت أطلعك على كل ما رأيت.
أرغان : أو لم تري شيئًا اليوم؟
لويزون : لا يا بابا.
أرغان : لا؟!
لويزون : لا يا بابا.
أرغان : صحيح؟!
لويزون : صحيح.
أرغان : هلا! سأريك شيئًا لم تَرِيه بَعْدُ.
لويزون (ترى قضيبًا في يد والدها) : آه يا بابا!
أرغان : آه! آه! أيها القناع الصغير، لم تريدي أن تقولي لي إنَّك أبصرت شابًّا في غرفة أختك!
لويزون (باكية) : بابا!
أرغان (يأخذها من ذراعها) : سأعلمك أن لا تكذبي مرة أخرى.
لويزون (ترتمي على قدميه) : آه يا بابا! اغفر لي يا بابا، أوعزت إليَّ أختي أن لا أقول لك، ولكن سأقول لك كل شيء.
أرغان : ينبغي أولًا أن أعاقبك على كذبك، وبعد ذلك نتدبر الباقي.
لويزون : اغفر لي يا بابا.
أرغان : لا، لا.
لويزون : باسم الله يا بابا لا تقل لا.
أرغان (يريد أن يضربها) : هيَّا، هيَّا.
لويزون : آه يا بابا! جرحتني، جرحتني! اصبر لقد مت (تتظاهر أنها ماتت).
أرغان : هلا! ماذا أرى؟! لويزون، لويزون! آه يا رب، لويزون! آه يا بنتي! يا لي من شقي! ماتت بنتي! ماذا صنعت؟! يا بنتي، يا لويزون، يا صغيرتي.
لويزون : بابا، بابا، لا تبكِ هكذا، فلم أَمُتْ تمامًا.
أرغان : يا لك عفريتةً محتالةً! هلا! لا لا! أغفر لك للمرة الأخيرة بشرط أن تطلعيني على كل شيء.
لويزون : نعم يا بابا.
أرغان : ولكن احذري الكذب، فهذه أصبعي الصغيرة تقول لي كل شيء إذا كذبت.
لويزون : ولكن يا بابا لا تقل لأختي أنِّي قلت لك كل شيء.
أرغان : لا، لا.
لويزون (بعد أن تتحقق من أنَّه لا يسمعها أحد) : دخل رجل إلى غرفة أختي، وكنت أنا هناك.
أرغان : وبعد ذلك؟
لويزون : سألته ماذا يريد؛ فقال لي إنَّه أستاذها في الموسيقى.
أرغان (على حدة) : هَم! هَم! (للويزون) وبعد ذلك؟
لويزون : وبعد ذلك جاءت أختي.
أرغان : وبعد ذلك؟
لويزون : قالت له: اخرج، اخرج، اخرج! بالله اخرج! إنَّك تضعني في مأزق.
أرغان : أكملي.
لويزون : ولكنه لم يشأ أن يخرج.
أرغان : ماذا قال لها؟
لويزون : قال لها لا أعلم كم من الأشياء الكثيرة.
أرغان : وماذا أيضًا؟
لويزون : قال لها إنه يحبها جدًّا جدًّا وإنَّها أجمل فتاة في العالم.
أرغان : وبعد ذلك؟
لويزون : وبعد ذلك ركع على قدميها.
أرغان : وبعد ذلك؟
لويزون : وبعد ذلك جعل يُقبِّل قدميها.
أرغان : وبعد ذلك؟
لويزون : وبعد ذلك مرت خالتي أمام الباب فهرب.
أرغان : ألم يبقَ شيء آخر تقولينه لي؟
لويزون : لا يا بابا.
أرغان : ولكن هذه أصبعي الصغيرة تقول أشياء. (يضع أصبعه على أذنه) اصبري، ها ها! نعم؟ هو هو! إن أصبعي الصغيرة تقول لي أشياء لم تطلعيني عليها.
لويزون : لا يا بابا، لا تُصدِّقها، فهي كذابة.
أرغان : أوه! طيب! سنرى ذلك، اخرجي الآن واحذري كل شيء، اذهبي. (وحده) آه! لا نعلم من أين تأتي المشاكل! ولم أبقَ أجد فرصة للتفكير في مرضي (يسقط على الكرسي)!

المشهد الثاني عشر

(بيرالد – أرغان)
بيرالد : ماذا يا أخي؟! كيف ترى نفسك اليوم؟!
أرغان : آه يا أخي! أسوأ من أي يوم كان.
بيرالد : كيف أسوأ؟!
أرغان : نعم، أشعر بضعف لا يُصدَّق.
بيرالد : هذا خبر مكدِّر.
أرغان : حتى إنَّي لم أبقَ أقوى على الكلام.
بيرالد : جئت إليك يا أخي لأعرض عليك نصيبًا للعزيزة أنجليكا.
أرغان (ينهض عن كرسيه ويتكلم بغضب) : لا تكلمني عن هذه الشقية يا أخي! وقحة، سافلة، ملعونة، وسأضعها في الدير.
بيرالد : أحسنت، إنِّي لمسرور بعودة القوة إليك وبأن زيارتي أفادتك، أما المسائل العائلية فسنتكلم عنها بعد ذلك.
(الستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤