الفصل الرابع

(١) عاصِمَةُ «ليليبوت»

كان أولَ ما طَمَحَتْ نفسي إِلى رؤيته — بعد أَن ظفِرت بحريتي — هو أن أَرى «ميلوند» قَصَبَةَ إمبراطورية «ليليبوت»، وما كاشَفْتُ الإِمبراطورَ بهذه الرغبة حتى أَجابني إليها — بلا تردُّد — بعد أَن أَوْصاني باليقَظَة والاِنتباه في أَثْناء سَيْرِي في تلك العاصمة، حتى لا أَطَأَ بقدَمي فردًا من أفراد شعبه، أَو مسكنًا من مساكنهم الصغيرة؛ فوعدْتُه بتحقيق رغبته، وتنفيذ أَوامره، وَفْقَ ما يُريد، فأَمر جلالته أَن يُذاعَ في مدينته نبأُ زيارتي، حتى يَلْزَم أَهْلُوها بُيوتَهم.

وكان ارتفاعُ السُّورِ المُحيط بالمدينة قدمين ونصفَ قدم، وسُمْكُهُ إحدى عشْرةَ إصبَعًا؛ فكان من اليسير على أيِّ عربة من عرباتها أَن تسير فوق هذا السور المحيط بالمدينة، من غير أَن تتعرض للخطر، وقد شيّدوا على هذا السور الضَّخم عدة بُروج متينة البناء، بين كل بُرْجَين منها عَشْر أَقدام.

(٢) في شَوارِعِ المدينةِ

وما وَصَلْتُ إلى الباب الغربيِّ حتى مررت من فوْقه، ثم ظَللْتُ أَجولُ في الشَّارعين الكبيرين، وأَنا شديد الحذر والانتباه حتى لا أطَأ بقدمَيَّ أَحدًا من الأقزام الذين دَفَعهم الفُضول إلى الخروجِ من مساكنهم، ومُخالفةِ أمر الإِمبراطور، بعد أَن حذَّرهم عَواقِبَ الخروج في أثناء تَجْوالي بالمدينة.

وكنت أُنْعِمُ النظر فيما يحيط بِي، وأُقدِّر كل خُطوة أَخْطوها حتى لا يَمَسَّ جسدي أو ملابسي نافِذَةً من نوافِذِ منازلهم، فتهوِىَ — بمن عليها — إِلى الأرض.

وكانت نوافِذُ المنازل غاصَّةً بالناس الذين كانوا يَرْقُبون رؤيتي منذ زمن طويل بشوق شديد، وكانت سُطوحُ البُيوت التي مررت عليها مُزْدَحِمَةً لا تكاد تجدُ فيها منفذًا من شدَّة الزحام. وقد أيقنتُ — حينئذ — أن سكَّان تلك المدينة الكبيرة لا يقلون عن خَمْسِمائة ألف نَسَمَةٍ.

ورأيت من هنْدسة المدينة — في شوارِعِها وبُيوتِها وقصورِها — ما أدهشني، فقد بُنِيَت المدينة على رُقْعَةٍ من الأرض على شكل مربَّع، طولُ كل ضِلْعٍ من أضْلاعِه خَمْسُمِائةِ قدم. وكان يخترقُ المدينة — كما قلت — شارعان كبيران يتقاطعان في منتصَفها فيقسمان المدينة أربعة أحياءٍ مُتساويةً. وكان عَرْضُ كلِّ شارع منها خْمس أقدام. وفي المدينة — غير ذلك — شوارعُ كثيرة لا تحصى، وهي طُرُقٌ صغيرة لم أَستطع أن أمرَّ بها لضيقها، فقد كان عَرْضُها من اثنتي عشْرةَ إصْبَعًا إلى ثمانيَ عَشْرَةَ إصْبَعًا. وكانت منازِلُ المدينة مؤلَّفةً من ثلاث طِباقٍ أو أربع. وفيها كثير من الدَّكاكين والأسْواقِ المنظَّمة، وبها مَسْرَحٌ للأُوبرا وآخَرُ للكومِديا.

(٣) قَصْرُ الإِمبراطورِ

وكان قصر الإِمبراطور يَتوسَّط المدينة، حيث يلْتقي الشارعان الكبيران، وهو أفخم بِناءٍ في تلك البلاد، يَكتَنِفه سُورٌ ارتفاعه ثلاثٌ وعشرون إصْبَعًا، وهو يَبعُد عِشرين قدمًا عن بناء ذلك القصر. وقد أَذِنَ لي جلالة الإمبراطور أن أَمرّ من فوق هذا السُّور حتَّى أَشهَد قصره من جميع نَواحِيه، وكان الفِناء الخارجيُّ على شكل مُربَّع ضِلْعُهُ أربعون قدمًا، وهو يحتوي فِناءَيْن آخريْن، في ثانيهما غُرَفُ جلالة الإِمبراطور. وقد أعجبني حسْنُ نظامِها وتَنْسيقُها، ولم يكن مِنَ اليسير عليَّ أن أراها، فقد تكبَّدتُ — في سبيل رؤيتها — كثيرًا من العَناء، لأن أكبرَ بابٍ فيها لا يَزيد ارتفاعه على ثماني عشرة إصْبَعًا، ولا يزيدُ عرضه عن سَبْع أَصابِعَ. وكان ارتفاع جِدار الفِناء الخارجي نحو خمس أقدام. وكان من المُحال أنْ أعْلُوَ أي جِدار من هذه الْجدُرُ حتى لا أُحَطِّمَه، فقد كان سَمْك السُّور أربَع أصابِعَ على أن الإِمبراطور كان شديد الرغبة في أن أرى فخامة قصره، ولم يكن لي إلى تحقيق رغبته من سبيل، إلا بعد ثلاثة أَيام ظَلِلْتُ أعمل — خِلالَها — في قَطْع بعض أشجار الحديقة الإِمبراطورية، وهي على مسافة مائة ذِراعٍ من المدينة، وقد استطعت أَن أَصنع من هذه الأشجار كُرْسِيّيْن من الخشب، ارتفاع كلٍّ منهما ثلاث أقدام، وقد جعلتُ كليهما متين الصُّنْع، حتى يَتَحَمَّل ثِقَلَ جِسْمي من غير أن يتحطَّم.

(٤) أُسْرَةُ الإِمبراطور

وفي اليوم الرابع صدر أمر الإِمبراطور بتحذير شَعبِه الخروجَ من بُيوتهم حتى لا يعرِّضوا أنفسَهم للهلاك، ثم عُدت إلى المدينة ومعيَ الكرسِيَّان. وما زِلتُ سائرًا في طريقي إلى القصر الإِمبراطوريِّ، وأنا أتخطَّى المنازل والبيوت التي في طريقي حتى بلغتُ القصر. ولَمَّا وصلت إلى فِنائه الخارجيِّ صعِدت إلى أحد الكرسَّييْنِ، وأمسكت بالثاني في يدي ووضعته فوق سطح القصر، ثم قفزْت في الفَضاء — الذي بين بُرْجَيِ القصر — قَفْزةً شديدةً، فنزَلت إلى الأرض دون أن أَمَسَّ القصر بِسُوء، وكان عَرْض الفضاء الذي بين البُرْجَيْنِ ثمانيَ أقدام.

وقد كان من اليسير عليَّ — بعد ذلك — أن أتخطَّى أعلَى الأَبْنِيَةِ بعد أن صنعتُ الكرسيين، فقد كنت أصعد على الكرسِيِّ الأول، ثم أضعُ الثانيَ فوق القصر وأقفِز بخِفة — فوق الهواء — إلى الجهة الأخرى، ثم أجذِب الكرسيَّ الأول بشِصٍّ أعددته لهذا الغرض، وهكذا سَهَّلَ عليَّ هذا الاخِتراعُ أن أَصل إلى الفِناء الداخلي، حيث رقَدت على جَنْبي لأرى نوافِذَ الطَّبقة الأُولى التي تركوها مفتوحة، ليتسنَّى لي رؤيةُ ما في داخلها. وقد رأَيتُ أَبدع نظام وأَكمل ترتيب وصل إليهما عقلٌ مفكِّر، ورأَيت الإِمبراطورة وبناتِها الأميراتِ الصغيراتِ، وهنَّ في غَُرَفِهِنَّ — ومن حولهنَّ الخدم — وقد ابْتَسَمْنَ لي ابتسامة الإِعجاب والسرور برؤيتي، وسلَّمَتْ عليَّ الإِمبراطورةُ سلامَ المُرَحِّبِ الْمُبتهج بزيارتي.

وليس في استطاعتي أَن أَصف لك كل ما رأَيته في ذلك القصر العظيم من البدائِع والطُّرَفِ، فإِن ذلك يحتاج إلى سِفْرٍ ضخْم يصف هذه البِلادَ ويشرح تاريخها — منذ نشأتها قبل عدة قرون — ويبيِّن نباتَها وحيوانَها وأخلاق أهلها وعاداتِهم، وما إِلى ذلك مما تَحْويه تلك البلادُ من الغَرائبِ والْمُدْهِشات. وقد أقَمْتُ فيها تسعة أشهر، كانت كافية لدرس الكثير من خصائصِ هذا الشعب النادر في ذكائه ونشاطه.

(٥) المُنازعاتُ الداخلية

وبعد خمسةَ عَشَرَ يومًا من حصولي على حريتي، جاءني «سكرتير» وِزارة الخارجية — ومعه خادمه — وطلب أن يُسِرَّ إليّ بحديث مهم، فأردت أن أرقُد على الأرضِ لِيَكونَ في مستوَى أذني فيسهُلَ عليَّ سماعُ حديثه، ولكنه آثر أن أحمله بيدي إبَّان هذا الحديث. وقد بدأ حديثه بتهنئتي بِنَيْلِ حريتي، ثم قال لي: «إنني لأخْجل يا سيدي أن أذكر لك أني كنت من العامِلين علَى ظَفَرك بِحُرِّيتك، فلا يتسَرَّبْ إلى ذِهنك أنني أَمْتَنُّ عليك بهذا الْجُهد الضَّئيل الذي بذلتُه في سبيلك، على أنني أعتقد أنه لا فَضْلَ لأحد عليك، فلولا أن الدولة في حاجة شديدة إلى قُوَّتك وجهودِك، ولولا أنهم يعلِّقون بِكَ أكبر الآمال، لما أطلقوا لك حريتك بمثل هذه السرعة، ونحن كبيرو الثقة في كَرَمِك وإِخلاصك، وعملك على إنقاذنا من أخطارٍ، نَأْمُلُ أن تُوفّق — بفَضل قُوَّتك وشجاعتك — إلى القضاء عليها.»

فأظهرت له أنني مستعدٌّ أَتمَّ الاِستعداد لتلْبِية كل ما يأمرونني به، وأنني لا أَدَّخر وُسعًا في خدمة الدولةِ، وتحقيق رغَباتِها وآمالها. ثم سألتُ عما يُريده مني، فقال: «إن بلادَنا قد أَصبحت — لنشاط أهلها وذكائهم — من أَجمل بلاد العالم وأَنْضَرِها. ولكنها لَمْ تَخْلُ — على ذلك — من مُنازَعاتٍ وانْقسامات داخلية، وأَخطار خارجيةِ، وهاتانِ العِلَّتان هما مصدر قلقنا وانزعاجنا جميعًا، فقد نشأ في بلادنا — منذ سبعين قَمَرًا — حِزْبان متعارِضان: حزب «الترامكسان» وحزب «السلامكسان»، ومعنى اللفظة الأولى: حزب الأعْقابِ الْمُرْتفعة، ومعنى اللفظة الثانية: حزب الأعْقابِ الْمُنْخفضة. وكلاهما يزعمُ أنه على حق. وأنا — وإِن كنت أرى أن ذوي الأعقاب الْمُرْتفعة هم حزب الكثرة — أعتقد أَن المصلحة العامة تقضي باحترام ما قرره إمبراطورنا، تلافيًا للخلاف، ومحافَظةً على وَحْدَةِ البلاد: فقد قرر الإِمبراطور حين وَلِيَ الأمر ألَّا يستعمل أَحدًا — في أي عمل من أَعمال حكومته — إلَّا إذا كان من ذَوِي الأعقاب الْمُنخفضة، ولعلك لاحظت أن عَقِبَيْ جَلالةِ الإِمبراطور هُما أَكثر الأعقاب انخفاضًا.

وقد بَلَغت الْمُنافسة بين رجال الحزبين حَدَّ المخاصمة، فأصبح كل فريق يَمْقُتُ الآخر، ولا يَرْضى لنفسه أن يُحَيِّيَهُ أَو يُكَلِّمَهُ.

ونحن نعلم أن حزب «الترامكسان» — أَي حزب الأعقاب الْمُرتفعة — يَكثروننا عددًا، ولكننا أقوى منهم، لأن سلطان الحكم في أيدينا.

ومما يُؤْسِفنا أشد الأسف أَننا نخشى أَن يكون صاحب السُّمُوِّ الإِمبراطوري — وليُّ العهد — ممن يميلون إلى حزب الأعقاب المرتفعة، ويُرَجِّحُ لنا ذلك الْمَيْلَ أَن إحدى عَقِبَيْهِ أَكثر ارتفاعًا من الأخرى، فهو لذلك يَعْرَجُ في مِشْيَتِه قليلًا.

•••

وقد زاد على هذا الانقسام الداخلي أَنَّنا مُهَدَّدون بِحَرْبٍ خارجية من سكان جزيرة «بليفُسكو»، التي تَلِي إمبراطوريتنا في القوة، فهي — إذا استثنيت إِمبراطوريتنا — أَقوى إمبراطورية في العالم.

وقد كنا نسمع أَن في العالم إمبراطورياتٍ أُخرى وممالكَ ودُوَلًا لم نرها، وأَنهم أَناسِيُّ مِثلُنا، ولكنهم أَضخم وأَكْبرَ أَجسامًا منك، وهو كلام أَقرب إِلى الخُرافَةِ منه إلى الحقيقة، وقد شكَّ في صِحَّته فلاسِفَتُنا وخَطَّئُوهُ.

ولقد حاروا في تَعْليلِ ضخامةِ جسمك، وتضارَبَتْ أَقوالهم في ذلك، ولم يُصَدِّقوا أَنك من سكان هذا العالم، فهم يعتقدون أَنك هابط علينا من القمر، أَو نازل إلينا من أَحَدِ النجوم، فإِن مِائةَ رجل — في مثل حَجْمِك — يأكلون — في زمن يسيرٍ — كلَّ ما في هذه الإِمبراطورية العظيمة من فاكِهة وحَبٍّ وماشِيَة.

على أن مُؤَرِّخينا لم يذكروا في أسفارهم — منذ ستَّةِ آلافِ قمر — أن في الدنيا كُلِّها بلادًا غير إمبراطورية «ليليبوت» وإمبراطورية «بليفُسْكُو» الْمُجاورَةِ لنا. وقد دارت رَحَى الحربِ بين هاتين الإِمبراطوريتين أكثرَ من ثلاثين قَمَرًا، وكانت حربًا عنيفة طاحِنَةً.

(٦) مُشْكِلَةُ البَيْضَةِ

وكان سببُ هذه الحرب خِلافًا جَوْهَرِيًّا نَشِبَ بين الإِمبراطوريتين، وهو ينحصِرُ في الطريقة التي يجب أن يَتَّبِعَها الشعب في كسر بَيْضَة الدَّجاج؛ فَقد اتَّفق الناس جميعًا — منذ أقدم عصور التاريخ — على أن يَكْسِروا البيضةَ — إذا أرادوا أكلَها — من طَرَفِها الْمُسْتَعْرِضِ، ولكن جَدَّ صاحب الجلالة إمبراطورِنا الحالي، وقع له حادث في طفولته غَيَّر هذا النِّظام من الضِّدِّ إلى الضد، فقد قُطِعَتْ إِحدى أصابِعِه، وهو يَكْسِر البيضة.

وثَمَّةَ أصدر والدُهُ أمره إلى جميع رعاياه أن يكسِروا البيض من الطرَف المُسْتَدِقَّ، ووضعَ أقْصَى عُقوبة لمن يخالِفُ هذا الأمر، فتذمَّرَ الشعب وغضِب، وثار ثَوْراتٍ عنيفةً على القانون الجديد، وقد ذكر لنا مُؤَرِّخو ذلك العهدِ أن الشعب قد ثار لذلك سِتَّ ثورات، انتهت بقتل جَدِّ الإمبراطور، وخلع والد الإمبراطور عن العرش.

•••

وقد كان لِأَباطرة «بليفُسكو» أكبرُ يَدٍ في إِثارة الفِتَنِ الداخلية، وكانوا يَفْتَحُون بلادهم لزُعَماء تلك الثورات الهاربين، ويحَفِزُونهم إِلى إذْكاءِ نارِ الْفِتْنَةِ إذا خَبَتْ. وقد ذكر لنا الْمُؤَرِّخون أن كثيرًا من الناس قد آثروا الموت على أن يخضعوا لهذا القانون الجديد، الذي يَحْتِمُ كسر البيضة من طرَفها الْمُسْتَدِقِّ. وقد هلك في هذه الفتن أكثرُ من خمسةَ عشرةَ ألف ثائر. وألَََّف الكُتَّاب والباحثون — في هذا الموضوع الخطير — مئات من الكتب والأسفار الضخْمة، وأرسل إلينا أباطرة «بليفسكو» سفراءهم يتَّهموننا بأننا قد اقترفنا أكبر جريمة عرفها التاريخ، وانتهكنا الأُصُولَ السياسية، وأحدثنا حَدَثًا كبيرًا في شَريعَةِ نَبِيِّنا العظيم «دُسترج»، وخالفنا نَصَّ كتابه المُقَدَّسِ. على أن رجال الدين عندنا لا يَروْن في ذلك القانون إلَّا تطبيقًا طبيعيًّا لِنَصِّ الآية التي جاءت في كتاب هذا النبيِّ، وهي: «على كل مؤمن أن يكسِر البيض من الطَّرَف الذي يراه أكثر ملاءمةً له.»

والرأي عندي أن يُترك لكل واحد أن يقرر ما يراه صالِحًا له، أو أن يَتْرُك الناسُ تقرير ذلك الحق إلى الإمبراطور. ولكن كبار الباحثين الذين نُفُوا من هذه البلاد يَرَوْن رأي إمبراطور «بليفسكو»، وقد لَقِيَتْ آراؤُهم في بلادنا كثيرًا من الْمُساعدةِ والعطفِ والتأييدِ، ودار — بسبب ذلك — تلك الحربُ العنيفةُ الطاحِنَةُ بين الإِمبراطورِيَّتَيْن سِتَّةً وثلاثينَ شهرًا، وكانت سِجالًا بيننا وبينهم. وقد خَسِرْنا فيها أربعين سفينةً كبيرةً من أُسْطُولنا، وكثيرًا من السُّفُنِ الصغيرة، كما خسِرنا ثلاثين أَلفًا من أَشجع الملَّاحين والجنودِ الْمُدَرَّبين. ولم تكن خَسارَةُ العدوِّ بأقلَّ من خَسارتنا وقد علمنا أَنهم يُعِدُّون الآن أُسطولًا هائلًا لِغَزْوِ شَواطِئِنا.

•••

وقد قلت لك: إنَّ صاحِبَ الجلالة إمبراطورنا العظيم قد وضع ثِقَتَه كلَّها فيك، وأيقن أن النصر سيكون حلِيفه — من غير شك — إذا ضَمِن تأييدَك لفِكرته، وقد أرسلني إِليك لأتعرَّف رأيك في ذلك، وأُخْبِرَه به.»

فقلت له: «أَرجو أَن ترفع إلى مولايَ الإمبراطور أَنني جنديٌّ من جنوده، وأَنني مستعدٌّ لِمُحاربة أعدائه وَبذْلِ نفسي — دِفاعًا عن شخصه الْمُقَدَّسِ، وعن إمبراطوريته العظيمة — ولست أُحْجِمُ عن إراقَةِ آخِرِ قَطْرَةٍ في دَمِي في سبيل نُصْرَتِه.»

ففرِحَ «السَّكرتيرُ» بجوابي، وودَّعني شاكِرًا مسرورًا..

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤