بيَضٌ للمعيِّدين

البيضة رمز قبرك الحي المختوم.

كانت في عصر ملكوت الروح رمز الحياة السرمدية، والقيامة المعنوية، وصارت في عصر مملكة البطون مفتاحًا للقابلية!

عندنا بيض، أيها المعيِّدون!

أبيض نقيٌّ، غذاء للذين يحيون بالحق والروح.

عندنا بيض مصبوغ يا معيدين!

أحمر كعيني المجدلية عند الجلجلة، وأصفر كوجهها عند اللقاء الأول، صباح الأحد.

أرجواني كثياب المزربان، وأخضر كرجاء بطرس بعد الجحود، فالإيمان.

أسود كوجه قَيَافا وقلب يوحانان، وأزرق كفكر يوحنا حين بات المعلم في الزندان.

وبلون قوس قزح للهائمين والهائمات من متصوِّفي هذا الزمان.

وعندنا بيضة مَذِرَةٌ فمن يُحزِّر لمن هي؟

•••

البيضة مستودع الحياة المختوم، كانت رمزًا سَنيًّا فصارت مأكلًا شهيًّا.

بيض، بيض!

عندنا بيض من جميع الألوان، ولكنه — وا أسفاهُ — بيض بلا حياة.

ديوكه معقَّمة، ودجاجاته لا تقف، والفراخ خرساء لا تُصَوصي.

وعندنا بيض آخر يفقِّص للعلماء أفاعي وثعابين.

وللبيانيين بلابل وحساسين، وللكهنة حمائم ويمامًا.

وللحزانى فراشات وخرفانًا، وللفلاسفة ضبابًا ونسورًا وعقبانا.

وللمتفلسفين خنافس وجعلانا، وللمرائين قططًا وثعالب وظربانا، وللفنانين ظلالًا وأنوارًا وألوانا.

وللفقراء وحدَهم، خبزًا وملحًا.

•••

البيضة رَحمُ الحياة، ومبدأ الكون المصون في صلب الدهر.

أعدناها إليك مصبَّغة فتنكَّرت لك.

لقد أفسدوها، ذقها لترى، إنها مَذِرَةٌ.

سرقوا منها عنصر الحياة فأمست سُمًّا قاتلًا.

في محِّها نتانة سدوم، وفي زلالها عقوق أبيشالوم.

•••

يا صاحبي، عجيبٌ أنت!!

لك في كل ثورة يد، وفي كل زوبعة أصبع.

أنت ميتٌ حيث نظنُّك حيًّا، وحيٌّ حيث تُظَنُّ ميتًا.

أنت ميت في السميذ، وحيٌّ في القلوب النقيَّة.

من يظن أنه يدركك في بيتك فمن وجهه تَفِرُّ.

يا عريس الحياة، ورجلَ الآلام، ساعدني على حمل صلباني في البيت والعالم!

إن لم تدعُني إلى الإِفطار في العلِّية فمعك أتناول طعامي كلَّ حين، ولكن بيدي.

وإن لم تغسل قدميَّ فقد غسلتهما أنا على ضفَّة نهر الشريعة.

أيها الحبَّة التي تموت كل يوم.

يا سيد المندفعين، أنهضني كبطرس من لجتي.

قل للديك يصيح.

لا تقل لي يا قليل الإيمان، لماذا شكَّكت؟

اقلع بذور الشك، أنت قادر.

أحبُّ فيك الإنسان الذي لا يموت.

أُحب فيك الكلمة التي لا تُفسَّر، والروح الذي لا يُدرك.

أحب فيك العريس الشاعر، يصرف السبت بين الزرع آكلًا فريك السنابل الذهبية.

•••

وقفت أمسِ في «قبَّةِ الوادي» أجسُّ أعصاب الليل.

إن نبضه عنيف، وابتسامته سوداء.

الفجر بعيد جدًّا.

الشمس مريضة، وشيخ الدهر معتلٌّ هزيل.

إن فم قيصر مملوءٌ ابتسامًا أصفر.

صار الدين متحجِّرات، يتعبَّد الناس ولا يؤمنون.

أمست العبادة عادة، فكيف تغرورق أجفان الغلس، وبِمَ تبتلُّ أجفان الفجر؟

إن دينارك قد تدهور، وفلس الأرملة زائف.

يا رب البيان!

إن أقلامنا تفتش عن الإنسان الأحسن، والعلم يهدم ما نبني.

لقد تداعت مملكة الروح.

أيها اللهيب الذي دانته القَشَّةُ، حنانيكَ، فبرد اليأس في القلوب.

أيها الشفق الأرجواني، نجِّنا من ريح الشمال … إنها قاسية.

لقد ضخَّم رئاتنا دخانُ المعامل، وأضعف القلوب أزيز الطائرات.

أُّيها المترنم بأناشيد الحياة، عند الغسق الوردي!

أيها المنحني تحت ابتسامةِ الليل السمراء!

أيها الهائم الجميل، يا فتى الجليل!

يا شاعر كفر ناحوم، ويا خطيب الجبل!

يا ربَّان البحيرة، ويا ثائر اليهودية!

يا فدائيَّ أُورشليم، أيها المصلوب النحاسي الجبين، لقد كنت أعمقَ من الهوَّة، وأصْمَتَ من المادة، ولكنك تنطق بألف لسان.

أيتها المأساة الخالدة، التي تُجددُ كل يوم، لِمَ لا تعلِّمني التمثيل؟

يا حلم البشرية الجميل، متى تداعب أجفانها مرة أخرى؟

كم عملت على إزالة دمامتها ولم تقدر!

يا ناسك الدنيا، أنت فينا ولا نراك، أنت معنا ونطلبك ولا نجدك.

يا صديقي الحميم، أنَّى اتَّجهتُ أراك معي.

لقد مَالحتَ الدنيا عند الجبل، وتعشَّيتَ مع «مندوبيها» في العلِّية.

أطعمتنا الخبز السري، وكان إدَامُنا سمكًا طريًّا راعشًا، اصطادتهُ كلمتك الكبرى من بحر حنانك الأبدي.

لله أنت من نور وثَّاب، اجتاح صمتهُ الظلام الصاخب، ثم اندحر غالبًا مغلوبًا.

حنانيك يا بيضة الزمان!

أنظلُّ نأكل البيض حتى مجيئك …

إن بيضة العيد استحالت قنبلة مدمِّرة، فماذا نفعل يا سيد؟

كيف نحتفل بفصحك وأنت الضحية؟ إن لم تكن أنت فتعاليمك …

أيها الحمل الوديع، قل للرعاة يرأفوا بالقطيع!

ألا ترى الزوابع الثائرة حول مهدك؟ قل لها تسكت!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤