عيد قيَامة الأرض

إنك من التراب، وإلى التراب تعود.

التوراة

***

ما أشهى وجهكِ ضاحكةً أيتها العجوز، وما أبهاك في ثياب العيد!

ما أفتن تبرجك يا بنت الضاحية، وما أروعك بزينتك أيتها القروية!

ولَّتْ ملايين السنين ولم يلوِ شبابك.

تنامين في البراعم وتستيقظين في فم الزهرة.

تراهقين في أقمطة الأكمام وتبلغين في الثمرة.

فما أحلى شبابًا يتجدد كل عام!

أيتها الممتلئة نعمة، السلام عليك!

في ثديك غذاء لا يفنى، ومن أحشائك النقية يفيض النور، فمباركةٌ ثمرة بطنك.

أيتها العذراء التي تحبل بلا دنس، وتضع بلا زحير، طوبى لبطن حملك ولثديين أرضعاك!

أنت التي تحيي وتميت، فحنانيك يا أم الرحمة والرأفة!

مباركة أنت بين الأجرام، والسبح والمجد لك.

تداعبين في ساعة الرضى بألسنة الجداول ونجوى النسيم، وتحردين فتزجرين بسياط البروق وزمجرة الزوبعة.

الزلزال ابنك الشرس الأعمى، والعاصفة بنتك الراقصة تطلب رأس يوحنا في طبق.

ما أكثر بُنيَّاتك الهائمات في أزقتنا! يملأن الوجود أن تغمزي، ويختفين متى أومأتِ.

بناتٌ كلهن عذارى، نسمع صوتهنَّ فنهرب، ونتوارى إن برزن لنا.

ما أقسى قلبك يا أُمَّ الشهداء!

ما أبلغَ وحيك يا أمَّ الأنبياء!

أما أنعشهم هواؤك فلعبوا على صدرك وناموا بين نهودك؟!

ما أعذب لبنك يا أم الأمهات! أيةُ أمِّ لها ما لك؟! لبن حارٌّ شتاءً وباردٌ صيفًا!

نَشُجُّ وجهك فتبتسمين، ونبقر بطنك فتضحكين، وتجودين، ونرقص على أكتافك فلا تغضبين.

تَعانقَ الشوق والمحبة فوَلداكِ، وكنا نحن كلمتك المتجسِّدة في فم الحياة.

أبناؤك كفرة يا أماه، فهم الذين نقصوا قدرك.

عبدوا الأجرام كلها وجحدوك، إنهم يؤلِّهون ما لا يدركون!

يعبدون القوة والثواب، ومن رأى أقوى منك وأجزل ثوابًا، وأكثر خيرًا أو بركة؟!

تمتعوا بظلالك وخوَّفوا الناس من أَشباحها، نصبوك للناس مفزعة ليستبدوا دونهم بخيراتك.

صاغوا مباخر آلهتهم من معادنك الثمينة، وتعاموا عن مجامرك العابقة في هيكلك الفسيح.

لا احتراق ولا دخان فيه، كل شيء هادئ في كنيستك الجامعة، المقدسة.

إن أعقَّ أبنائك هو هذا الحيوان المتفلسف.

يملأ بطنه من معجنك، ويرفع رأسه ليحمد سواك.

يقتسم أجزاءك ويقتتل حول مائدتك الغنية، وأنت ضاحكة ساخرة.

في كل عام تؤدِّبين قارة، وفي كل جيل ترفسين أمة، والجهال لا يرعوون.

يا أمنا الواهبة الدرَّ والإلماس ما أسخاكِ!

كل ما فيك يدل على المهندس، إن يده في كل شيء ما عدا خرافاتنا.

ما أحلمك يا أماه، فمهما جننتِ فلا تقتلين ١٨٠٠٠٠ رجل كذلك الملاك …

ومهما سخطت فلا ترجعين الظلَّ عشر درجات في سلَّم آحاز.

أحبَّك يسوع فبكى في البستان، وهام بك موسى فناح قبالة أرض الميعاد.

واشتهى بنتَك آدمُ فأورثنا الخطيئة الأصلية.

ما لنا وللنجوم، فهي فقاقيع عائمة على وجه بحر الخواء.

يا جدتنا الشقراء، ما أجمل بنتك بلا حذاء!

ما أشهاها نائمة بين ذراعي أخيها القمر!

•••

وا خيبتي في علمي يا أُماه، كنت سعيدًا يوم آمنت أنني ابنك الوحيد، والملكوت ميراثي.

إن حلمًا لذيذًا لَخيرٌ من يقظة قاسية!

ما أفادني علمي شيئًا إلا أنك أنت وحدك العظيمة بين النساء.

إنك لستِ منفى ولا وادي دموع؛ لتعطيك اللعنةَ جميع الأجيال.

فوا سوء حظي أنا المصاب بحُمَّى الرِّبع!

ما أقسى يقظَتي الزرقاء، ما أمرَّ خيبتي السوداء!

السلام على أمٍّ تخلق من المائع جبارًا يفتق الصخور!

السلام على أمِّ الأمهات وقدوة الوالدات التي لا تخصِّص ولا تحابي!

كل أبنائها سواء، وما ميَّزهم إلا نحن.

نهر مقدس، ونهر ملعون، ماء يمحو الذنوب، وماء تغسل به الأوساخ!

زيت تمسح به جبهة الملك، وزيت تدهن به الأرجل والعورات.

سبحانك يا مُقَسِّم الحظوظ حتى في الجماد والنبات!

•••

إلى أين يا ماء الغدير، خذني معك!

احملني يا أخي على منكبيك، وغنِّ لي في الطريق، فأطرب وأسلو!

كنت أركع في الهيكل وسوف أدبُّ على جدرانه.

فلا ناقوس يهزُّني، ولا الترتيل يشجيني …

كنت شيئًا فتحوَّلتُ أشياء، قد صرت دنيا وعوالم.

قد يقتلني حفيدي، ويدوسني ابني، ولا يدريان أنني الذي خلقتهما.

•••

هنيئًا لكِ عيد قيامتك يا أماه!

في أي عبٍّ كنت تحبسين ذاك الغضب ثم يفلت كالمجنون؟

يا حمامة نيسان الوديعة، أين أفعى شباط؟!

أشفيت غيظك فعدت هادئة مسترخية؟

أنت كأختنا الجميلة، غضبك جحيم، ورضاك نعيم!

البنت سرُّ أمها، فهي مثلك معشوقة، ومثلك توصم بكل عيب!

•••

تعال نتصافح يا أخي، علامَ نقتتل؟ فهذه أمنا تنادينا!

نحن إخوان وأمنا غنية جدًّا، فلنتقدم إلى مائدتها بلا نزاع، فخيرها فائض.

إنها تنادينا: تعالوا إليَّ أيها الجياع والعطاش، فتحت كل حصوة رغيف، وفي صدر كل جبل ألف ينبوع وينبوع.

فلنتسالم في فردوسنا الأرضي فلا نخسره مرتين … وليأت ملكوت الله متى شاء!

المجد لك يا أماه!

المجد لك الآن!

وفي كل أوان!

وإلى دهر الداهرين!

آمين!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤