لو سَوَّدتها!

إلى صديقي النائب الأستاذ ميشال زكور حين تحداه المندوب السامي في ١٥ / ١٢ / ١٩٣٤ وقدم له ورقة بيضاء ليكتب عليها استقالته من النيابة فأحجم ولم يفعل. نشرتها «صوت الأحرار» ورد ميشال عليَّ يقول: أسودها وأبيض وجهك.

***

لو سوَّدتَها يا ميشال، لبيَّضت وجه أُمَّة صيَّرها زعماؤها أَمةً.

لو سوَّدتها لأشعرت «العميد» أن في سويدائنا رجالًا غير المساومين والمقايضين والمبايعين.

لو سوَّدتها لنضحتنا بالزوفى فطهرنا، وغسلتنا فصرنا أكثر بياضًا من الثلج.

لو سوَّدتها لمحوت حقارتنا، وأزلت صغارتنا، فحتام تراودنا الوظيفة عن أنفسنا؟ وإلامَ تقتل إباءنا وعزتنا؟

لو سوَّدتها وأسلكت يدك في جيبك لخرجت بيضاء من غير سوء.

لو سوَّدتها لأخلد ذكرك إلى «يوم تأتي السماء بدخان»، والوظائف سواءٌ طويلها والقصير.

لو سوَّدتها توًّا لكنت حقًّا «ولدًا رهيبًا»، فالاستقالة باخت وذهب رواؤها، ولا سيما أنها من «اللجنة» لا من النيابة، فلماذا لم تتبع رأسها الذَّنَبَا؟

حبذا النواح على رأس الميت، وما أشنع الترنيم في المأتم.

أَأقمر ليلك يا أخي، فتنحَّلت حكمة الشيوخ؟

ليتك تمثلت بقول جرير: أهذا الشيب يمنعني مراحي؟!

ولم تفتك نخوة الفتاء في موقف يقرض اللحم ويذيب الشحم.

أَرأيتها «تهتزُّ كأنها جانٌّ» فراعتك ولم تمد إليها يدًا؟ لولا فعلت لانبثق لك فجر جديد من الكرامة، ويوم مجد لا ينساه التاريخ.

ليتك تناولتها ووقعت عليها: نحاول «خبزًا» أو نموت فنعذرا.

وا حرستاه، لقد عادت إليه بيضاء فذكرته ﺑ «كانت الأرض خاوية خالية ووجه الله يرفُّ على وجه المياه».

•••

عجنتنا الأيام وخبزتنا، وسقطنا سبع مرات قبل أن نبلغ الجلجلة، فماذا تعلمنا إن لم يكن التضحية؟

المقابر ترجع الصدى، أما أودِيَتُنا وكهوفنا فصماء.

الصحاري اشتبكت أشجارها، أما جبالنا فقرعاء.

الجداول تلغط وتزمجر، أَما أنهارنا فخرساء.

إنا إلى مسيح جديد يبارك الكسرات الباقية في معاجننا لأحوج منا إلى بطرك يبارك أغصان الأرز.

إنها — علم الله — ندامة وانسحاق قلب على أيام «كراين»، والقلب المنسحق المتواضع لا يرذله الله.

•••

قد سقينا الخل والمر وتم الكتاب.

ابن الحرية، الشهيد الأزلي، تبرع له الرامي بضريح، أَما نحن فيعلم الله أين نقبر.

لو سوَّدتها يا ميشال، لكنت بيَّضتها …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤