الفصل الثاني

البروق تشق السحاب١

والنجم في كبد السماء كأنه
أعمى تحير ما لديه قائد
العباس بن الأحنف

ولكن على حيرة هذه الدول كان لا بد من عمل يقدم عليه، وبما أن فرنسا وإنجلترا كانتا أكثرهن مصالح بمصر، كان لا مندوحة لهما عن التعرض، قبل غيرهما، إلى اتخاذ مسئولية الإقدام على ذلك العمل.

فما تفاوضتا معًا في الموضوع، إلا واتضح لهما أن إقدام (إسماعيل) على صرف وزيريه الغربيين لم يكن خارجًا عن دائرة حقوقه، ولا خرقًا لحرمة أي تعهد من تعهداته السابقة — وإن عد في عرفهما عملًا غير حكيم، وملحقًا مصالحهما المصرية بأخطار جمة — وأنه يحسن بهما — والحالة هذه — استعمال طرق الإقناع معه، قبل كل شيء، ومحاولة تفهيمه أن مصلحته مرتبطة بمصالحهما، وأنه بتنكبه عن جادة إرشاداتهما، إنما يسلك مسلكًا قد يكون وبيلًا عليه، فاتفقتا على خطة سير تتبعانها، وكلف اللورد سلسبري بإرسال المكاتبة الآتية إلى السير فرنك لاسيل، وكلف المسيو وادنجتن المسيو جودو بالانضمام إلى زميله في تبليغ مضمونها إلى الخديو.

أما المكاتبة فهي: «يعلم الخديو أن الاعتبارات التي تلزم حكومة جلالة الملك بالاهتمام بشئون مصر قادتها إلى عدم اتباع خطة خلاف خطة إنماء مصادر ثروة البلاد وضمانة حسن حكمها. وهي — لغاية الآن — قد اعتبرت أن استقلال الخديو وبقاء أسرته على العرش من اللزوميات للوصول إلى ذينك الغرضين. وهذه كانت أيضًا إحساسات الحكومة الفرنساوية، ولذا فإن الحكومتين تميلان إلى اعتبار القرار الذي تسرع سموه بتنفيذه قرارًا غير نهائي، سواء أكان فيما يختص بمستقبل سير الإصلاح أم بالموقف الذي عزم على وقوفه إزاءهما. ونحن نفضل انتظار أعماله المستقبلة، لكي نعبر عن سيره الأخير تعبيرًا يكون في مصلحته، ولكنه إذا استمر على جهل الواجبات المترتبة عليه من قبل أعماله وتصريحاته وتأكيداته الماضية، واستمر مصرًّا على رفض مساعدة الوزراء الأوروبيين الذين قد تضعهم الحكومتان تحت تصرفه، فإنا سنضطر إلى استنتاج أن إهمال التعهدات الذي امتاز به عمله الأخير كان نتيجة خطة مصمم عليها، وأن سموه يرفض صداقتهما بتمام رغبته، وهو على بينة كلية من عمله. وفي هذه الحال، فإنه لا يعود يمكن للحكومتين سوى أن تحفظا لنفسيهما حرية التقدير والعمل المطلقة في الدفاع عن مصالحهما بمصر، وحرية التدبر فيما تريانه خير الوسائل لضمانة حسن حكم البلاد ونجاحها.»

هذه المكاتبة بلغت بحذافيرها إلى (إسماعيل) في ٢٥ أبريل، غير أن الحكومتين قبل ذلك بأسبوع، كانتا قد خاطبتا الباب العالي في أمر خلعه، وأجابهما السلطان أنه مستعد لإبداله بحليم باشا، إذا شاءتا، وأنَّى شاءتا.

وكان (إسماعيل) قد زاد عدد الجيش وقوته زيادة محسوسة، لمقابلة الطوارئ، ولكنه لحظ بعد بضعة أيام أنه لا يستطيع الوثوق من إخلاص جنده وأمانته، واطلع على ذلك أيضًا السير فرنك لاسيل، فكتب في ٢٦ أبريل إلى الخارجية البريطانية رسالة وصف فيها بتطويل البؤس والاستياء الناجمين للبلاد عن تصرفات الوزارة الجديدة الجائرة، وقال: «ويؤكد لي أن هذا الاستياء عينه من الحال الحاضرة منتشر انتشارًا كبيرًا في الجيش ذاته، وأنه ولد شعور عداء للخديو، ليس فقط بين أفراد العسكرية المنتسبين إلى طبقات الأمة المرهقة، بل بين الضباط أنفسهم، ويؤكد لي أن هؤلاء، وإن كرهوا كل الكراهة أي تداخل أوروبي، يعتبرون الخديو مسئولًا عن المصائب التي أصابت البلاد.»

فبينما الدولتان لوقوفهما على حقيقة القوة التي يمكن (لإسماعيل) أن يقاومهما بها، لا تباليان بمخاطبته بلهجة العزيز القدير، وجد هو نفسه مضطرًّا للسبب عينه إلى مداهنتهما ومراوغتهما، مع إصراره على معاكستهما. فأجاب على بلاغهما بالتنصل من كل نية سيئة نحوهما، وفكر ضار بمصالحهما، وباستعداده لإرضائهما في كل ما تريدان، ما سوى إرجاع الوزيرين الغربيين إلى منصبيهما، لأن ذلك بات فوق طاقته، ولن تسمح الأمة به مطلقًا.

ولما لم تكن الدولتان تريدان منه غير ذلك، بات من المؤكد لهما أنهما لن تنالا منه وطرًا، ورسخ في عزمهما العمل على إقالته من منصبه، لاعتبارهما استحالة وجود حل للمشكلة المصرية ما دام زمام الأمور بيده.

على أن عمال (إسماعيل) في الأستانة وقفوا حالًا على اللغم الذي أخذت الدولتان تدنسانه تحت مركزه هناك، وسرعان ما أحاطوه به علمًا.

فبعث (إسماعيل) في أواسط أبريل طلعت باشا إلى الأستانة، مزودًا بالذهب اللازم لمعاكسة ذلك اللغم، وحمله — على ما يقال — مبلغًا جسيمًا للسلطان نفسه، ومبالغ أخرى كبيرة، وإن كانت دون الأول، للصدر الأعظم وموظفي المابين والديوان. فقبل السلطان ووزراؤه الرشوة والهدايا المرسلة إليهم، ولكنهم إما لأنه كان يعوز طلعت باشا كثيرًا من سياسة نوبار، وإما لأنه كان ينتظر من (حليم) ما يربو على المقدم من (إسماعيل)، وإما أيضًا لأنهم أحسوا بأفول نجم (إسماعيل)، لم يرتبطوا مع مندوبه بوعد صريح. وبالرغم من بقائه بين جدرانهم أكثر من شهر، يبذل ويعد، عاد إلى مصر يحمل، فوق خفي حنين، الأمل بأن الخطر قد يبدد.

ولكنه لم يكد يستقر بمصر إلا وتفجر الصيب، وانحدرت الصاعقة، لا من لندن ولا من باريس، ولا من الأستانة، بل من برلين! فإن الكونت دي منستر سفير ألمانيا لدى الحكومة البريطانية قابل يوم ١١ مايو اللورد سلسبري، وأخبره بأن حكومته أصدرت تعليمات إلى قنصلها الچنرال بمصر، مفادها إخطار الخديو «بأن الحكومة الإمبراطورية تعتبر المرسوم الصادر، في ٢٢ أبريل الماضي، الذي نظمت الحكومة المصرية بمقتضاه على هواها شئون الدين، فألغت به حقوقًا قائمة ومعترفًا بها، مخالفة صريحة رأسية للتعهدات الدولية المعقودة عند الاتفاق على إنشاء الإصلاح القضائي، وتعتبره بالتالي خاليًا من كل ملزم قانوني فيما يتعلق باختصاص المحاكم المختلطة، وحقوق رعايا الإمبراطورية، وتعد الخديو مسئولًا عن كل نتائج أعماله غير الشرعية.»

فبلغ القنصل الألماني هذا الإخطار إلى الخديو في ١٨ مايو، وما كان من باقي الدول الأوروبية الكبرى إلا أنها اقتدت بعمل ألمانيا، فقدم القنصل النمساوي الاحتجاج عينه إلى (إسماعيل) في اليوم التالي، وقدمه له السير فرنك لاسل في ٨ يونية، والمسيو تريكو (وكان نائبًا عن المسيو جودو القنصل الفرنساوي) في ١٢ منه، والقنصل الروسي في ١٤ منه، والقنصل الإيطالي في ١٥ منه.

فالنهاية كانت إذًا قد دنت، ولم يعد منها مفر، وأشارت الدولتان في اليوم التالي على (إسماعيل) عرفيًّا بالاستقالة من كرسيه، فأبى.

فلما كان اليوم التاسع عشر من شهر يونية طلب قنصلا فرنسا وإنجتلرا — بناء على التعليمات الواردة لهما من دولتيهما — مقابلة الخديو، وبلغاه ما يأتي «إن الحكومتين الفرنساوية والإنجليزية متفقتان على الإشارة على سموك رسميًّا بالاستقالة، ومغادرة القطر المصري، فإذا اتبع سموك هذه النصيحة فإن الحكومتين ستعملان معًا على منحك مرتبًا سنويًّا موافقًا كافيًا، وعلى حفظ نظام الوراثة الذي بمقتضاه سيخلف الأمير محمد توفيق سموك على العرش المصري، ولكنهما لا تخفيان سموك أنك إذا رفضت التنازل، وأجبرتهما على مخاطبة السلطان رأسًا، فإنك لن تستطيع الاعتماد على تعيين راتب سنوي لك، ولا على حفظ حق الوراثة للأمير محمد توفيق.»

وأرسل اللورد سلسبري في الوقت عينه رسالة إلى السفير فرنك لاسل أوضح فيها الأسباب التي حملت الحكومة البريطانية على اتخاذ هذه الخطة، فقال: «إنه لا يمكن الرجوع بالنظر إلى الحوادث التي انتهت بصرف الوزيرين الأوروبيين بدون البلوغ إلى الاعتقاد بأن الخديو لم يقبل أبدًا بإخلاص تحديد سلطته، التحديد الذي اقترحته المندوبية، وأنه كان مصممًا تصميمًا أكيدًا على استعادة كل حقوق تاجه، حالما تتحقق الأغراض الوقتية التي رمى إليها بالقبول الظاهري الذي أبداه.

إن الحكومتين منحتا سموه وقتًا كافيًا ليقيل كل عثرة سابقة، وليعود فيما لو أراد إلى محجة الإصلاح المبينة من المندوبية الدولية، فرفض الانتفاع بذلك، واستخدم المهلة الممنوحة له لتجديد الاغتصابات والقسوة، التي كانت خزينته تملأ بموجبها في الماضي، فلم يعد أمام الحكومتين — والحالة هذه — طبقًا للإنذار، الذي بلغتاه إلى سموه في ٢٥ أبريل، سوى اعتبار الخطة اللازمة للدفاع عن مصالحهما في مصر، ولضمانة حسن الحكم للبلد.

فمن الواضح أن الأدوية لشفاء سوء الحكم المقترحة لغاية الآن قد جربت ولم تنجع، ولم يعد من شأن أي محاولة مستقبلة من جهة الدول، لمساعدة الخديو على اجتناب عواقب إدارته الرديئة، سوى إشراك هذه الدول في المسئولية الناجمة عن تلك الإدارة، فإن الحوادث دلت دلالة كافية على قدرته على تخييب كل مشاريع الإصلاح، وتصميمه على استعمال هذه القدرة.

فلو كانت مصر قطرًا لم تشترك الدول في تاريخه الماضي، أو كان في استطاعتها أن لا تهتم لنصيبه في المستقبل، فإن خير خطة لهن كانت تكون التنازل في هذا الموقف عن كل اهتمام بالعلاقات الكائنة بين الحاكم المصري ورعاياه.

ولكن هذا غير ممكن، على الأقل لإنجلترا، فإن موقع مصر الجغرافي، وكون عمل الحكومة الإنجليزية في الماضي يجعلها مسئولة عن الأحوال الحاضرة التي مصر بموجبها دولة، يحولان دون تركها وشأنها.

فنحن ملزمون — واجبًا ومصلحة — ببذل ما في وسعنا لوضع حد لسوء الحكم، قبلما يؤول إلى الخراب المادي والفوضى العديمة الدواء، التي دل مثل دولة شرقية أخرى إنها المصير المؤدي إليه حتمًا كل حكم سيئ.

فالشر فيما يختص بمصر، لم يبلغ حدًّا لا يمكن إيقافه إلا بإجراء تغييرات صغيرة المدى وسريعة الوقع، فإن العقبة الوحيدة القائمة دون الإصلاح توجد — على ما يظهر — في أخلاق حاكمها، فضيقه المالي يكاد يؤدي حتمًا إلى ظلم، وسوء نيته، وعدم إخلاصه في وعوده؛ يخيبان كل مجهودات صديقتيه لمداواة الشر، فلم يعد هناك شك — على ما يخال لنا — في أن تغيير السياسة الداخلية في القطر المصري ليس في الاستطاعة إلا بتغيير الحاكم.

فقد يكون من واجبات الدولتين الغربيتين طرح هذه الاعتبارات أمام نظر السلطان الذي يدين الخديو لسلطته للفرمان الصادر إليه منه، ولكنهما قبل خطو خطوة هذه خطورتها قد ينجم عنها نكبة هائلة، ليس فقط للخديو، بل ولأسرته، تريان من العدل، أولًا: إبلاغ الخديو النتيجة التي وصلتا إليها، لتمكينه من الانسحاب بشروط شريفة وموافقة، من مركز أصبح خلفه وماضيه يجعلانه غير كفء له.»

فلم يكن بلاغ القنصلين مباغتة (لإسماعيل)، لأن عميله في الأستانة كان قد أنبأه بأن سفارتي الدولتين تهيئا المسألة مع الباب العالي، وأن الدولة التركية بعد قبول الهدايا المرسلة مع طلعت باشا لم تتأخر لحظة عن تضحية مولاه المصري تحت أقدام أعدائه.

ولكنه — اكتسابًا للوقت — التمس مهلة يومين ليفكر في الأمور مع مستشاريه قبل الإجابة في موضوع خطير كهذا.

فلما مر اليومان أتاه القنصلان مستفهمين مرة أخرى، فأجاب أنه عرض الأمر كله على السلطان، وأصبح ينتظر جوابًا منه.

وكان المسيو تريكو من أشد أعداء (إسماعيل) وطأة عليه، وعمل ما لا يعمل لتبليغ الدولتين إلى قرارهما بعزله، وقال لأحد أصحابه: أنه لا يهدأ له سر ولا ضمير إلا متى رأى ذلك العاهل مُقالًا من عرشه.

فلما سمع جواب (إسماعيل)، ضج وعج، وقال بتهكم: «ومنذ متى وفقت بين سيرك ورغائب السلطان؟ فقد تصرفت أكثر من عشرين مرة ضد رغائبه.»

ولم يكن (إسماعيل) يجهل عداء المسيو تريكو له، فالتفت إليه مقاطعًا، وقال: «ألا إني أتحداك يا هذا، أذكر مرة واحدة إذا استطعت.»

فصعق تريكو، ولم يحر جوابًا، فهب السير فرنك لاسل، وكان رجلًا طيب السريرة، ومتأثرًا شديد التأثر للنكبة التي حلت بذلك الرجل النابغة، وقال له بلطف: «يحسن بسموك يا مولاي أن تظهر استقلالًا عن الأستانة، حيث إن الباب العالي قد يخدعك في نهاية الأمر.»

وكان (إسماعيل) يقدر شعور السير لاسل حق قدره، فالتفت إليه بلطف، وقال: «حيث إنك يا سيدي العزيز تنصحني بأن يكون أول استعمالي للاستقلال، الاستقالة من الخديوية، فإني لا أرى ما فائدتي من استعمال هذا الاستقلال.»٢

ولم يكن قول الخديو لهما أنه طرح المسألة أمام السلطان مجرد مراوغة، فإنه عرضها في الحقيقة على الأستانة في أمل الحصول على تعضيد منها، وحمل من تكلم هناك في مصلحته، وبذر في قلب السلطان الخوف من أن تفتات الدولتان الغربيتان على حقوقه، وكان الأمل بدأ يبزغ، في الواقع، وأخذ السلطان يتردد في هل يجيب طلب الدولتين أم لا.

ولكن الدول الأوروبية أظهرت اتحادًا وإجماعًا في الرأي، فانضمت ألمانيا والروسيا والنمسا وإيطاليا عينها في آخر الأمر — وكان ملكها ڨكتور عمانوئيل الثاني، صديق (إسماعيل) الحميم، ومدينه بمبالغ هائلة قد مات، لسوء الحظ، منذ سنة — إلى الدولتين الغربيتين في مطالبة الخديو بالاستقالة، وأقبل سفراؤها في الأستانة على استعمال لهجة الشدة لمنع السلطان من تعضيد الخديو.

فلما تيقن (عبد الحميد) أن الأمر حتمًا نافذ، فضل أن يصدر العزل عنه بدلًا من أن يكون نتيجة عمل تقدم عليه تانك الدولتان.

ففي ليلة ٢٤ يونية، وصل للمسيو تريكو خبر من الأستانة، مؤداه أن الباب العالي قرر عزل الخديو وتعيين (حليم باشا) مكانه، فمع أن الساعة كانت تجاوزت نصف الليل، هب المسيو تريكو، والسير فرنك لاسل، والبارون سورما، القنصل الألماني العام، وتوجهوا إلى سراي عابدين، وطلبوا مقابلة الخديو في الحال.

فلما عرف في دار الحريم أن الأوروبيين يطلبون مقابلة الخديو في تلك الساعة من الليل، وقع الصوت وقامت القيامة، وعجت الدار بمن فيها عجًّا لا يوصف، وخافت سمو الوالدة أن يكون هناك مكيدة ضد حياة ابنها، فرجته بعدم الخروج، ولكنها لما علمت أن الأوروبيين إنما هم قناصل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وأن شريف باشا صحبتهم، أدركت أنه لم يكن ثمت من خطر، ورضيت أن يقابل (إسماعيل) زائريه.٣

وكان سموه منفعلًا جدًّا، وظهر للسير لاسل كأنه لا يدري ما النبأ، فلما ألح عليه القناصل بوجوب الاستقالة، أظهر تكدرًا من أنهم أقلقوه في ذلك الوقت غير المناسب، وأصر على الرفض.

ولما كان اليوم التالي يوم ٢٥ يونية، رأى الخديو أن يقابل القوة بالقوة، إن لم ينجح بالتمسك بحقوقه تمسكًا أدبيًّا، فأمر، فأعد مشروع مرسوم يرفع عدد الجيش المصري إلى مائة وخمسين ألف رجل، وتنوقش، في حضرته، في أمر تغريق الأراضي المحيطة بالإسكندرية؛ لمنع الأعداء من التقدم إلى داخلية البلاد، ثم أرسل، فاستدعى إليه كبار ضباطه، واستوثق من إخلاصهم وولائهم، ولكنه وجد منهم فتورًا، وقرأ التردد على وجوه معظمهم، وعزم التخلي عنه على وجوه البعض، وأكد له أحد المخلصين إليه أنه لا ينتظر أن يقوم الجند المصري بنصرته، إذا كان العزل بإرادة سلطانية.

فأدرك أن اللعبة ضاعت، وأن الأمر قد قضي، وأقبل يستعد للرحيل.

١  أهم مصادر هذا الفصل «مصر الحديثة» للورد كرومر، و«مصر في عهد إسماعيل» لماك كون.
٢  انظر «خديويون وباشاوات» لموبرلي بل ص١٦.
٣  انظر «مصر الحديثة» للورد كرومر، ج١ ص١٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤