الرُّقم التاريخية في مدينة الرملة

١

ضريح الفضل بن عباس
ما كتب على بلاطة كانت فوق مدخل الضريح، وهي الآن مُلقاة على الأرض في الباحة بين نافذة الضريح ونادي جمعية الشبان المسلمين:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ

  • (٢)

    هذا المكان المبارك الخاقان العالي المولوي الأميري

  • (٣)

    الكبيري المخدومي الشجاعي شاهين الكمالي وأوقف ابتغاء وجه الله

  • (٤)

    جميع الحاكورة والدكان بالرملة المعروفتان بابن الفقيه علي بالقرب من الجامع الأبيض شمالي البيارة

  • (٥)

    وكان الفراغ من ذلك في عاشر شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة.

وكُتب على باب الضريح:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد

  • (٢)

    رسول الله. ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فَان وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو

  • (٣)

    الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾. هذا سيدي الفضل بن العباس

  • (٤)

    ابن عمِّ رسولِ الله، رضي الله عنه.

قال مُجير الدين الحنبلي المتوفَّى سنة ٩٢٧ﻫ/١٥٢١م في «الأنس الجليل» بتاريخ القدس والخليل «جزء ٣ صفحة ٤١٨» ما مُلخَّصه:

«الفضل بن العباس رضي الله عنهما … وكان والده يُكنَّى به، وهو الذي غَسَّلَ رسول الله لمَّا توفي … وهو في مشهدٍ يُقصد للزيارة، وقد بنى عليه الأمير شاهين الكمالي استادار الرملة منارة، وجعل فيها مسجدًا جامعًا تُقامُ فيه الجمعة والجماعة، ووقف عليه أماكن، ورتَّبَ فيه وظائف، وكانت عمارته سنة ٨٥٤ﻫ، وقد تلاشت أحوال المسجد في عصرنا، وخرب معظم الوقف.»

قلنا: والفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي صاحب الضريح هو ابن عم رسول الله وقد قُضي مجاهدًا في سبيل دينه.

وبالرغم من أن تاريخ وفاته ومكانها لم يتَّفِق عليهما العلماء، بل ذهبوا فيهما مذاهب كما يقول ابن حجر العسقلاني المتوفَّى سنة ٨٥٢ﻫ/١٤٤٨م في كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» «ج٥، ص٢١٢»:

«قال الواقدي: مات في طاعون عمواس، وتبعه الزبير وابن أبي حاتم، وقال ابن السَّكَن: قتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر. وقيل: باليرموك. وذكر ابن فتحون أنه وقع في «الاستيعاب» قتل الفضل يوم اليمامة سنة خمس عشرة، وتعقَّبَه بأن قال: لا خلاف بين اثنين أن اليمامة كانت أيَّام أبي بكر سنة إحدى أو اثنتي عشرة. وقال ابن سعد: مات بناحية الأردن في خلافة عُمَر.

والأولُ هو المُعتمد وبمُقتضاهُ جزم البخاري، فقال: مات في خلافة أبي بكر.»

بالرغم من هذا جميعه، فإنَّ القبر الوحيد المعروف لسيدنا الفضل والذي تناقل الخلف أخباره عن السلف هو هذا الموجود بالرملة.

ووقف الأوقاف عليه، وبقاء تلك الأوقاف إلى يوم الناس هذا يُؤيِّدُ الرَّأي القائل بوفاته في طاعون عمواس، ويجعلنا لا نستبعد دفنه في الرملة.

ويزيدنا استمساكًا بهذا الرأي ما نجده من أضرحة الكثيرين من أصحاب رسول الله في فلسطين وشرق الأردن، ومعرفة النَّاس لهم بأسمائهم، في حين أن التواريخ لا تُشيرُ إلى أماكن وفاتهم أو محال دفنهم، بل تقتصرُ على القولِ بأنهم ماتوا في الشام، والشَّام قُطرٌ واسعٌ يشملُ اليوم حكومات سورية ولبنان والعلويين فوق اشتماله على فلسطين وشرق الأردن.

صفة قبر الفضل

يرتفع القبر عن سطح الأرض نحو شبرٍ واحدٍ، وعلى جهة الرَّأس والرجل منه شاهدتان مُستديرتان، كُتب على الأولى منها بخطٍّ بين الكوفي والنَّسخي: «لا إله إلا الله.»

وقد كسي من فوقه بسترةٍ خضراء على قفصٍ من خشب، كما نراه في أغلب الأضرحة بهذه الأيام.

رأي في الجمالي والكمالي

الرقيم كُتب عليه شاهين الكمالي، وكذلك نقله مجير الدين الحنبلي، ولكن لي رأيٌ خاصٌّ في أن النسبة الصحيحة هي «الجمالي»؛ لأننا لم نطَّلِع على أحدٍ انتسب ﺑ «الكمالي» من المصريين، ويُؤيِّدُ هذا الرأي أن الجيم يلفظها أهل مصر كالكاف في بلاد الشام، فالظاهر أنهم نقروها في الرقيم بالرملة أخذًا من الأفواه، فجاءت الكمالي بدلًا من الجمالي، هذا ونجد ابن إلياس في تاريخ مصر يذكر شاهين الجمالي غير مرَّةٍ بسبب إقراره في نيابة جدة سنة ٨٧٢ﻫ/١٤٦٧م، ثم في إمرة الركب الأول للحج، ثمَّ مشيخة الحرم الشريف النبوي بعدها.

فلعلَّ شاهين الكمالي هذا هو نفس شاهين الجمالي المذكور في تاريخ مصر.

٢

وعلى لوح ضريح من الرخام مُلقى في مكانٍ يُدعى بالسندارية بالخطِّ الكوفي بلا نقط:
  • (١)

    (بسم الله الر)حمن الرحيم

  • (٢)

    ﴿(اللهُ لَا إِﻟ)ﻪ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

  • (٣)

    (لَا تَأْخُذُ)هُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا

  • (٤)

    (فِي اﻟ)سَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ

  • (٥)

    (مَنْ) ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بإِ

  • (٦)

    (ذْ)نِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا

  • (٧)

    (ﺧَ)لْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بشَيْءٍ مِنْ

  • (٨)

    عِلْمِهِ إِلَّا بمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ

  • (٩)

    السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ

  • (١٠)

    حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾.

  • (١١)

    هذا قبر عاتكة ابنت جعفر بن

  • (١٢)

    أحمد بن محمد بن نصر السنداري

  • (١٣)

    توفيت يوم الاثنين النصف من

  • (١٤)

    جمادى الأولى سنة إحدى وعشرة

  • (١٥)

    وثلاث مائة رحمها الله.

لم نجد اسم عاتكة، ولا اسم والدها بما بأيدينا من الكتب، في حين أن هذا الرقيم لمصنوعٌ من المرمَرِ المسنونِ بحجمٍ كبيرٍ وشكلٍ لطيفٍ يدُلُّ على أنها كانت من بنات الأعيان.

وبقاء اسم الأرض «السندارية» إلى الآن نسبة إلى أسرتها يُؤيِّدُ ما ذهبنا إليه.

وقد كنتُ نشرتُ نسخة هذا الرقيم في مجلة الزهراء الغرَّاء التي تصدُرُ في القاهرة «مُجلَّد ٣، ص٥٧٩» ولكنني أخطأتُ في تعيين كلمة جعفر في السطر الحادي عشر، فظننتها معقل، وكلمة السنداري في السطر الثاني عشر فحسبتها النداف، وبعد أن أعدت النظر على الرقيم أدركت خطئي لذلك صحَّحته على الوجه المُحرَّرِ أعلاهُ.

وقد نُقل هذا الرقيم أخيرًا إلى التحفة الإسلامية في المسجد الأقصى ببيت المقدس.

٣

على باب مسجدٍ قديمٍ مهجورٍ في محلة السرايا:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِر﴾ أنشأ هذا

  • (٢)

    المسجد المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن صديق رحمه الله بتاريخ رجب سنة إحدى وخمسمائة.

لا ندري من هو هذا الرجل فإنَّ المؤرِّخين كانوا لا يأبهون لأمثاله، بل نراهم يُشيدون بذكر من يمتُّون إلى أعمال الحكومة بصلةٍ ولو لم يستحقُّوا ذلك.

ولا شكَّ في أنه كان من أهل الخيرِ الغُيُر على دينهم، فأنشأ ذلك المسجد ابتغاء مرضاة الله، وقد عُطِّلَت الصلوات فيه الآن، إلَّا أن الزمان أبقى على اسم مُنْشِئِهِ أثابه الله.

٤

على قطعةٍ من الرُّخام مكسورة مُتداخلة في بناء قبر الشيخ صالح العدوي المدفون في دارٍ تُعرف بدارِ العدوي، ويُقال إنَّها كانت زاوية في حارة السرايا والكتابة بالخطِّ الكوفي:
  • (١)

    بسم الله (الرحمن الرحيم)

  • (٢)

    ﴿قُلْ هُوَ (اللهُ أَحَدٌ اللهُ)

  • (٣)

    الصَّمَد لَمْ (يَلِدْ وَلَمْ يُولَد)

  • (٤)

    وَلَمْ يَكُنْ لَهُ (كُفُوًا أَحَدٌ)﴾.

نُرجِّحُ أن هذه القطعة كانت مُقدمة في لوح الضَّريح الذي كُسِر وفُقِد.

قال مجير الدين الحنبلي في «الأنس الجليل»، ج٢، ص٤١٩: الشيخ محمود العدوي صالحٌ مشهورٌ له كرامات ظهرت، وكان موجودًا في سنة ٦٦٨، وقبره في مشهدٍ بحارة العناية يُقصدُ للزيارة.

ولا ندري إذا كان العوام اتخذوا اسمه الحالي من صفته في الصلاح أو هو آخر من أُسرة العدوي، قلنا: ونجد لهذه العائلة ذِكرًا في القرن التاسع الهجري، حيثُ يترجم السخاوي في «الضوء اللامع في رجال القرن التاسع» لأحمد بن محمود بن عبد السلام بن محمود خطيب صرفند العدوي.

ولم يذكر لنا ياقوت في «معجم البلدان» غير صرفندة بين صور وصيدا.

أمَّا نحن فنظُنُّ أن صرفند التي كان العدوي خطيبها هي الواقعة بالقُرب من مدينة الرملة، وفيها اليوم المطار البريطاني العظيم بفلسطين وأدوات لتعمير الطائرات.

ولا يزالُ البعض من أهلِ لُدٍّ المجاورة للرملة يحملون اسم العدوي، ممَّا يدلنا على أن هذه الأسرة قديمة العهد بتلك الديار.

٥

على الباب الداخلي للجامع الكبير الذي تقدَّمَ القولُ عنه بأنه كان كنيسة نصرانية، وهذا الباب يُعرَفُ بباب عُمَر:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. وصلَّى الله على سيدنا محمد

  • (٢)

    عُمرت هذه المئذنة المباركة في الأيام الزاهية السلطانية

  • (٣)

    الملكية الناصرية ناصر الدنيا والدين أبي الفتح محمد بن السلطان الشهيد الملك

  • (٤)

    المنصور قلاوون أدامها الله على الإسلام بأمر المقرِّ العالي …

  • (٥)

    العبد الفقير إلى الله تعالى …

  • (٦)

    بتاريخ شوال سنة أربع وسبعمائة.

وتحت هذا الطغراء العثمانية (وهي شارة ملوك آل عثمان وبجانبها اسم رشاد).

وتاريخ غُرَّة ربيع الثاني سنة ١٣٣٠، واسم كمال أبي جعفر، وهذا التاريخ يرمز إلى ترميم المسجد الأخير في عهد السلطان محمد الخامس المُلقَّب برشاد.

•••

الملك النَّاصر محمد بن قلاوون هذا هو باني مئذنة الجامع الأبيض الذي تقدَّم الكلام عليها.

ولكنَّه عمَّر مئذنة الجامع الكبير في سلطنته الثانية، وبنى مئذنة الجامع الأبيض في سلطنته الثالثة.

ومن المؤسف أن يلتبس علينا أمر قراءة اسم وصفات المقرِّ العالي الذي عمرت بأمره فنحرم معرفته.

وفي باحة هذا المسجد وعلى جدرانه رقم تاريخية عديدة، تتضمَّنُ أبطال المكوس وغيرها، وهي من نوع البلاغات الرسمية التي تنشرها الحكومات بين أفراد الشعب، ونجد أمثالها في باحة المسجد الأقصى ببيت المقدس، ومساجد طرابلس وحلب وغيرها من قواعد الإسلام.

ولكن حجارة الرُّقم الرملية قد تشوَّهت إلى حدِّ أنه لا يُستطاع تأليفُ جُملَةٍ صالحة منها، فأضربنا عن نقلها.

٦

على حجرٍ من الرخام في زاويةٍ خربةٍ تُسمَّى قُبَّة الشيخ محمد القلجي، في حارة الباشوية بجوار الشيخ رسلان والشيخ عبد الله البطائحي، وفي المكان المبنية به البلاطة آثار محراب وقد سقطت القبة:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ

  • (٢)

    الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا

  • (٣)

    من الْمُهْتَدِينَ﴾. أمر بإنشاءِ هذه القُبَّةِ المُباركة الفقيرُ إلى اللهِ تعالى بكتمر

  • (٤)

    ابن بلفط بن عزِّ الدين الفتحي المتوفَّى إلى رحمة الله تعالى في شهر

  • (٥)

    ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبعمائة بمآثر ولده الفارس بناء المعلم خليل ابن المعلم

  • (٦)

    ابن القيِّم البنَّاء غفر الله لهما أجمعين.

لم نعثر على اسم الفارس ابن بكتمر بن بلفط بن عزِّ الدين الفتحي المذكور، ولا على اسم والده في الكتب التي بين أيدينا، ولكننا وجدنا في تاريخ ابن إياس، ج١، ص١٤٧ أن الملك الناصر محمد بن قلاوون قبض في جملة من قبض عليهم من الخاصكية على بكتمر الفارسي، ورسم له أن يتوجَّهَ إلى بيت المقدس، وذلك سنة ٧٠٧ﻫ/١٣٠٧م بسبب تغيُّر خاطر السلطان على نائبه بمصر سالار ووقوع الفتنة بينهما.

فلعلَّ بكتمر هذا هو الذي جاء بيت المقدس وما إليها، وأمر بإنشاء هذه القبة قبل وفاته، فأتمَّها ابنه الفارس بعده. وقد استفدنا من هذا الرقيم معرفة بنَّاء من بنَّائِي العرب — نعني بذلك مُهندسيهم — ألا وهو المعلم خليل بن المعلم ابن القيم.

وكان صديقنا المرحوم أحمد تيمور باشا — الذي ما زلنا نبكيه ونذكر مآثره وآثاره العلمية — كتب مقالة ضافية الذيل عن المهندسين الإسلاميين في مجلَّة الهندسة في مصر، ذكر فيها من استطاع الاطِّلاعِ على أخبارهم في بُطونِ الكُتُبِ وثنايا الأسفار من مُهندسي الدول الإسلامية، وبالطبع لم تتَّصِل به أنباء من لم يُسعِدُهُم الحظُّ بتدوينِ أسمائهم فيها، وظلُّوا كمعلمنا هذا على الرُّقم الجامدة.

٧

على باب مكان يسمَّى زاوية عمران في حارة الباشوية:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله

  • (٢)

    مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

  • (٣)

    وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا من الْمُهْتَدِينَ﴾.

  • (٤)

    أنشأ هذا المسجد المبارك الفقير إلى الله تعالى

  • (٥)

    أحمد بن شادي عفا الله عنه ولسائر المسلمين آمين

  • (٦)

    بتاريخِ مُستهل ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.

لم نطَّلِع على شيءٍ من أمر باني هذا المسجد الذي يظهر أنه كان من أهل الخير الذين ليس لهم صلة بالأعمال الحكومية.

•••

وحارة الباشوية هذه على ما يظهر مُحرَّفة عن محِلَّة باشقردي التي ذكرها مُجيرُ الدين الحنبلي في تاريخه، وباش قردي مُؤلَّفة من كلمتين تركيتين باش «الرأس» وقردي «كسر» ومعناها كسر الرأس.

فالظَّاهرُ أن العوام حرَّفُوها إلى الباشوية والباشاوات على كلِّ حالٍ كانوا من كاسري الرءوس ومذلِّي النفوس.

٨

على حجرٍ مبنيٍّ بحائط قبَّةٍ في باحة الجامع الكبير:
  • (١)

    بسم الله

  • (٢)

    الرحمن

  • (٣)

    الرحيم

  • (٤)

    هذا قبر

  • (٥)

    الفقير

  • (٦)

    إلى الله

  • (٧)

    تعالى

  • (٨)

    شهاب

  • (٩)

    الدين

  • (١٠)

    تُوفِّي سنة

  • (١١)

    أربع وستين

  • (١٢)

    وسبعمائة.

أوَّلُ ما يتبادرُ إلى الذِّهنِ أن يكونَ هذا الضريح للشيخ شهاب الدين بن رسلان الذي عمَّرَ مشهد النبي روبيل المُتقدِّم ذكره كما قاله مُجيرُ الدِّين الحنبلي في تاريخ القدس والخليل «ج٢، ص٤٢٠»، فاقتصروا في تدوين اسمه على المشهور عندهم.

ولكن شهاب الدين بن أحمد بن حسين بن حسن بن يوسف بن علي بن رسلان هذا على الرغم من كونه ممَّن وُلِدُوا في الرملة، وأقاموا فيها، فإنَّه تُوفِّي ببيت المقدس سنة ٨٤٤ﻫ/١٤٤٠م ودُفِنَ بتربة ماملا، على ما ذكره مجير الدين نفسه في «الأنس الجليل»، ج٢، ص٥١٦.

فيكون شهاب الدين صاحب الضريح غيره، ومن الذين سبقوه إلى دار البقاء ممَّن لم نطَّلِع لهم على ترجمةٍ أو خبرٍ.

٩

على ضريحٍ مصنوعٍ من الرخام الجميل لأبي العون ضمن مسجدٍ كبيرٍ، والضريح اليوم ضمن مقبرةٍ خاصَّةٍ بآلِ الفاروقي من أبناء أبي العون.

على النَّاحية الشرقية من الضريح:
  • (١)

    بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

  • (٢)

    ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

على النَّاحية الغربية من الضريح:
  • (١)

    هذا قبر العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الأنام العالم العامل العلَّامة المُحقِّق المُدقِّق

  • (٢)

    السند الحاج الناسك مربِّي المُريدين قدوة الأولياء العاملين العارف بالله والدَّاعي لسُنَّةِ رسوله

  • (٣)

    أبو العون محمد الغزي الشافعي الفاروقي شيخ شيوخ السادة القادرية بالثغور

  • (٤)

    الفلسطينية والممالك الإسلامية عاد الله على المسلمين ببركاته (ونفعهم بها) في الدنيا والآخرة

  • (٥)

    وإنه تُوفِّي يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر من شهور سنة عشر وتسعمائة تغمَّدَهُ الله برحمته ورضوانه

  • (٦)

    وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قال مُجيرُ الدِّين الحنبلي في «الأنس الجليل»، ج٢، ص٤٢١ عند ذكره ضريح سيدنا علي بن عليل من أحفاد عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — الموجود بساحلِ أرسوف المدينة القديمة البائدة المُسمَّاة الآن بالحرم الذي يقصد إليه في صيف كلِّ سنةٍ خلقٌ كثيرٌ من النَّاس من البلاد البعيدة والقريبة؛ لإقامة موسم فيه يُنفقون فيه الأموال الجزيلة، ويُقرأُ عنده المولد الشريف النبوي، قال عند ذكره ذلك:
«وفي عصرنا ولي النَّظر عليه سيدنا ومولانا وشيخنا ولي الله تعالى قدوة العبادِ وإمامُ الزُّهَّادِ وبركة الوجود والعبادِ شمس الدين أبو العون محمد الغزي القادري الشافعي نزيل جلجوليا١ شيخ السَّادة القادرية بالمملكة الإسلامية متَّعَ الله الأنام بوجوده، فعمَّر المشهد وأقام نظامه وشعاره وفعل آثارًا حسنة، منها الرخام المركَّب على الضريح الكريم، عمله في سنة ستٍّ وثمانين وثمانمائة، وكان قبله يُعمل عليه ضريحٌ من خشب، وحفر البئر التي بصحنِ المسجد حتَّى وصل إلى الماء المَعين، ثمَّ عمَّر بُرجًا على ظهر الإيوان من جهة الغرب للجهاد في سبيل الله تعالى، ووضع فيه آلات الحرب لقتال الإفرنج، وكانت عمارته بعد التسعين والثمانمائة وغير ذلك من أنواع العمارة والخير، أثابه الله تعالى ثوابًا جزيلًا ومدَّ في حياته أمدًا طويلًا.

وتوفِّي شيخنا أبو العون الغزي في ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة بمدينة الرملة.»

وقد نقلنا هذه العبارة على طولها؛ لأنها تتعلَّقُ بموسمٍ آخر من المواسم الفلسطينية.

أمَّا قول مُجير الدِّين: وتوفِّي شيخنا، بعد أن طلب له الثواب وطول العمر؛ فهو لأنه أتمَّ تأليف كتابه سنة ٩٠٠ﻫ/١٤٩٤م، حيث كان المُترجَم له ما يزالُ في قيد الحياة، فختم عبارته بذلك.

ثمَّ أضاف تاريخ وفاته إليها بعد انقضاء عشرة أعوام من تأليف الكتاب.

١٠

على باب ديوان صديقنا الشيخ سليمان التاجي الفاروقي الكاتب الفحل، والشاعر المُجيد، والعالم المعروف بمعرِّي فلسطين: «سنة ١١٠٦».

آل الفاروق ينتسبون إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — والشيخ أبو العون المتقدم ذكره هو جدهم، ومن نسله طائفةٌ صالحةٌ من أعيان فلسطين وأغنيائها، وهذا التاريخ الموجز يدلنا على سَنة بناء الديوان، والديوان: هو المكان المعد لقبول الأضياف والزوَّار باصطلاح الفلسطينيين.

على أن الديوان لُغةً — بكسر أوله، وفتحها — مُجتمع الصحف والكتاب، يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وأوَّلُ من وضعه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب — رضي الله تعالى عنه — فكأنهم اشتقُّوه من المجتمع؛ لأنهم يجتمعون في «الديوان» طوائف وجماعات للسهر والسمر.

ويقال في اليمن لمثل ذلك المكان: المفرش. كأنهم اشتقوه ممَّا فيه من الفرش والرِّياش، ولعلَّ له في كلِّ بلدةٍ اسمًا خاصًّا درج عليه النَّاسُ.

١١

على قطعةٍ من الرخام موضوعةٍ على قبرٍ بدُونِ تاريخ إلى جانب ضريح أبي العون:
  • (١)

    محمد أغا غفر …

  • (٢)

    توفيت في ختام شهر ربيع الآخر سنة ١٢٢٩.

يظهر أن هذه الرُّخامة كانت على قبرٍ لامرأةٍ ذهب اسمها في القسم الذي تحطَّمَ منها، وإن كانت ليست من الآثار التي يعدها العلم قديمة، فإنَّنا ذكرناها لوجودها إلى جانب ضريح أبي العون — عليه رحمة الله.

١٢

على بلاطةٍ في الجانب الأيمن من بناية بئر المارستان:
  • (١)

    ﴿وَجَعَلْنَا من الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾. أمر بتعمير هذا السبيل المبارك سعادتلو

  • (٢)

    أفندينا المُعظَّم رءوف باشا مُتصرِّف لواء القدس الشريف ما زال ملحوظًا بعناية الملك اللطيف

  • (٣)

    في أواخرِ شهرِ جمادى الأولى خلت من سنة ١٣٠٥.

حول هذه البناية آثار أحواضٍ من رخامٍ، وقد وُضعت على البئر آلة بخارية لرفع الماء من قعرها ودفعه للمدينة بقوَّةِ ستة عشر حصانًا.

وبجوار هذه البئر بئر جديدة أُخرى، وعليها آلة بخارية تدفع الماء للمدينة أيضًا، وقد نقلنا هذه الكتابة الحديثة العهد التي لا تُحسب في الرُّقم الأثرية؛ لأنها على بئرٍ كانت لمارستان قديم، والمارستان باصطلاح زمانه هو المُستشفى وإن كان أُطلق في الأزمنة المتأخرة على دور التمريض الخاصَّة بالأمراض العقلية.

١  جلجولية قرية صغيرة عدد سكانها «١٢٣» نسمة، وهي من عمل قضاء طور كرم المعروف اليوم ﺑ «طول كرم» وهي قريبةٌ من ضريحِ سيدنا علي بن عليل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤