من هو الرجل المطلوب؟

مالت «إلهام» على «فهد» قائلة: هل عرفت من هو الرجل المطلوب … إنه بالتأكيد «مورج» أو الرجل ذو النصف وجه. إنهم وضعوا خطة لخطفِه وطلب فدية!

وكان «أحمد» قد أخذ طريق العودة إلى مقعده، ولكن ذهنَه كان يعمل بسرعة البرق، فلا بُدَّ من تصرُّف سريع، وقبل أن يجلس جاءته الفكرة … وأشار إلى «إلهام» و«فهد» أن يَقفا وأن يأتيا خلفه، ثم أسرع معهما إلى الكابينة الصغيرة؛ حيث يتم إعداد طعام الركاب وحيث يجتمع المضيفون الجويون.

كان الشاب الذي أُصيب في وجهِه يَغسل الجرح، وحوله مُضيف ومضيفتان، وكان شابٌّ آخر يَقف عند رفوف الطعام، وقال «أحمد» بسرعة موجِّهًا حديثه إليهم جميعًا: لن أضيِّع وقتكم في تقديم نفسي … المطلوب منا جميعًا أن نتعاون … إنني أعمل وهذه الصديقة وهذا الشاب في جهازٍ للأمن … ونرجو أن تُساعدونا …

قال أحد المضيفين: ماذا تَطلُب منَّا؟

أحمد: أريد أنا وصديقتي هذه وزميلي أن نحلَّ محلَّ ثلاثة منكم؟

المضيفة: لا أفهم ماذا تقصد؟

أحمد: ستَهبط الطائرة في زيورخ، ويَنزل كلُّ الركَّاب عدا طاقم الطائرة … أريد أن أبقى في الطائرة مع صديقتي هذه وزميلي هذا … فقد نَستطيع أن نفعل شيئًا!

المضيفة: ولكن …

كان «أحمد» يَخلع ثيابه سريعًا، وأشار إلى «إلهام» و«فهد» أن يَفعَلا مثله، وقال: لا وقتَ للحديث … إننا نُحاول إنقاذ الطائرة والرجل المخطوف … والثواني ثمينة جدًّا.

نظر المضيفون بعضهم إلى بعض وبدَت عليهم الحيرة. ولكنَّ اللهجة الحاسمة التي تحدَّث بها «أحمد» وما بدا عليه من ثِقة واعتداد بالنفس … دفع المضيفين إلى التصرُّف.

وأشار «أحمد» إلى إحدى المضيفات وقال: إنكِ تُشبهين زميلتي … أعطيها ثيابَكِ … وأنت … وأشار إلى مُضيف آخر … ثم ثانٍ … وطلب منهما خلع ثيابهما!

تمَّ كلُّ شيء بسرعة وهدوء، وقالت إحدى المضيفات: ولكنَّكم لن تستطيعُوا القيام بالعمل على الطائرة … إنَّ هذا …

ولكن «أحمد» لم يَتركْها تُتمُّ جملتها وقال: إننا مُتمرِّنُون على أشياء كثيرة … فلا تخافي … واذهبوا فورًا إلى أماكننا … نحن نجلس في الكراسي الثلاثة الأخيرة.

عاد أحد المضيفين يقول: ولكن … هؤلاء الذين خطفوا الطائرة قد يتعرَّفون عليكم، فقد شاهدونا.

أحمد: في لحظات التوتر هذه لن يَلتفِت أحد إلى ما حدث … وعلى كل حالٍ سنَترُك كل شيء للظروف … ولحُسنِ الحظ لم يلاحظ أحد ما نفعل.

وفي دقائق قليلة كان كل شيء تمَّ … وتبادَلَ «أحمد» و«فهد» و«إلهام» ثيابهم مع المضيفَين والمضيفة … وطلب «أحمد» من المضيفة التي بقيَت أن تذهب سريعًا وتمرَّ بين الركاب، ثم تذهب إلى كابينة القيادة وترى ما يَحدُث هناك … وعدد الرجال الذين يُسيطِرون على الطائرة، والأسلحة التي معهم.

ولحسن الحظ كانت ثياب المضيفَين والمضيفة مناسبة تقريبًا للشياطين الثلاثة … وسرعان ما انطلقوا بين الركاب يؤدُّون واجبهم … وأفادهم كثيرًا أنهم يُجيدون عددًا لا بأسَ به من اللغات الأجنبية للتحدُّث إلى الركاب. فلم يَلحظ أحد أيَّ تغيير خاصةً وقد كان خطف الطائرة قد شغلَهُم عن كل شيء آخر.

كانت المضيفة التي أرسلها «أحمد» إلى كابينة القيادة قد عادت إليه قائلة: لقد منَعَني شخص يجلس في الدرجة الأولى ويُمسك مُسدسًا ضخمًا من دخول الكابينة. إن الخاطفين يتحدثون الآن مع مطار زيورخ … ولا أدري ماذا يقولون …

وكانت الطائرة فوق الأراضي السويسرية … وبدأت تَقترِب من زيورخ. ثمَّ سمع الركاب صوت المضيفة يُعلن أنَّهم فوق المطار … وأن عليهم أن يَربِطوا الأحزمة … كان كلُّ شيء يَمضي بشكل عادي كأن الطائرة لم تُخطَف.

بدأت الطائرة تَهبط أرض المطار … والركَّاب جميعًا ينظُرون كلٌّ منهم إلى الآخر … من هو الرجل المطلوب؟ كانت علامات التوتُّر بادية على وجوه الرجال … والذعر على وجوه النساء … ولعلَّ كل واحد في الطائرة ظنَّ أنه الرجل المطلوب … وكان «أحمد» و«فهد» و«إلهام» يمرون بين الركاب يَبتسمون … كأنهم مُضيفون حقيقيون يؤدُّون واجبهم لبثِّ الطمأنينة في قلوب الركاب.

وهبطت الطائرة مطار زيورخ … ورغم الصيف كان المطر يسقط رذاذًا على المطار … واستقرت الطائرة تمامًا … وبدأ بعض الركاب يتحرَّكون من أماكنهم، ولكن صوت الميكريفون أوقفهم: سيداتي سادتي … نرجو أن يبقى كلٌّ منكم في مكانه … إن الرجل المطلوب بين أيدينا … وقد طلبنا فدية عنه … ولكنَّكم ستبقون جميعًا رهائن بين أيدينا حتى تأتيَ الفدية المطلوبة … ونرجو ألا تتأخر كثيرًا!

نظر «أحمد» من نافذة الطائرة إلى أرض المطار، ولاحَظَ على الفور دائرة من الرجال المسلحين يُحيطون بأرض المطار … وسيارات شرطة … وسيارات إسعاف … وفتحت الطائرة بابها ونزل رجل واحد. كان واضحًا أنه مندوب الخاطِفين … وكان يَحمل منديلًا أبيض في يده قد رفعه فوق رأسه … وتوقف في منتصَف الطريق … وجاء شخص من المطار يسير وقد رفع منديلًا أبيض فوق رأسه هو الآخر … وبدأ حوار بين الرجلين استمرَّ نحو عشر دقائق، ثم انسحب كلٌّ منهما … فعاد مندوب الخاطفين إلى الطائرة، وعاد الآخر إلى مبنى المطار.

كان «أحمد» متأكدًا أن المخطوف هو «مورج» أو الرجل ذو النصف وجه … وأن الخاطِفين هم عصابة «بوزيل». وكان ذهنُه يعمل بسرعة يضع مُختلِف الاحتمالات: ما هي الخطوة التالية للعصابة إذا حصلت على الفدية؟! هل تترك الركاب يَنزلون حقًّا؟ وهل يَترُكون «مورج» أم يأخذونه معهم … وإلى أين تتَّجه الطائرة بعد ذلك؟ وما هو الدور الذي يُمكن أن يقوم به و«إلهام» و«فهد» لإنقاذ «مورج» أو القبض على العصابة؟

كانت المشكلة الأساسية هي … أنهم بلا أسلحة … كل أسلحتهم كانت شجاعتهم الفائقة وقبضاتهم القوية.

ظلَّت الطائرة في مكانها، وأخذ عُمال المطار يقومون بعملهم الروتيني في ملء خزانات الوقود، والكشف على أجهزة الطائرة، ومضى الوقت بطيئًا، ولا أحد يدري ما يحدث بين الخاطفين وسلطات المطار. وقرَّر «أحمد» أن يرسل مذكرة بما حدث إلى الأصدقاء في بيروت لإبلاغها إلى «رقم صفر»، فكتب ورقة صغيرة سلمها إلى المضيف الذي أخذ مكانه وطلب منه إبلاغها تليفونيًّا إلى رقم الأصدقاء في بيروت. بعد لحظات حضر مندوب المطار يحمل حقيبة سلمها إلى مندوب العصابة … وبعدها انطلق صوت الميكريفون مرة أخرى وقال المتحدث: سيداتي سادتي … تفضَّلُوا بمُغادَرة الطائرة جميعًا … سيبقى معنا فقط طاقم الطائرة.

ولم يَكَد الركَّاب يَسمعُون الحديث حتى انطلقُوا يَجرُون مُتزاحمين إلى الباب … وفي دقائق قليلة خلت الطائرة … وكان ضمن من نزَلَ المضيفُون الثلاثة الذين أخذ الأصدقاء مكانهم … وبقيَ من المضيفين شابٌّ وفتاة بالإضافة إلى «أحمد» و«فهد» و«إلهام».

أُغلقت أبواب الطائرة مرةً أخرى، ولكنَّها بقيت في مكانها، وحمل «أحمد» بعض أكواب القهوة الساخنة ودخَل إلى مقصورة الدرجة الأولى … كان «مورج» يجلس في مقعده وأمامه رجل في مواجهته وكان بيده مُسدس كاد يضعه جانبًا، ولكن عندما شاهد «أحمد» رفع المُسدس مرةً أخرى، ولم يضطرب «أحمد» لحظة واحدة بل انحنى قائلًا: قهوة ساخنة …

وابتسم رجل العصابة وهو يتناول فنجانًا ثم قال: أظنُّ أن رجالنا في كابينة القيادة يحتاجُون إلى قهوة أيضًا.

وكانت هذه الجملة هي ما يحتاجه «أحمد» … فتوجَّه إلى الكابينة، فقال له رجل العصابة: دقَّ الباب ثلاث دقات متتالية.

وفعل «أحمد». وفُتِحَ الباب وأطلَّ وجه شرس يحمل مدفعًا رشاشًا ولكنَّه لم يكَدْ يرى إبريق القهوة حتى قال في بهجة: جئتَ في موعدِك!

دخل «أحمد» الكابينة وشملها بنظرةٍ سريعة … كان هناك ثلاثة رجال واحد يَحمل مدفعًا رشاشًا والآخر يَحمل قنبلة … والثالث مُسدسًا، ودهش «أحمد» كيف استطاعوا تهريب هذه الأسلحة إلى الطائرة … وكان قائد الطائرة ومُساعده يَجلسان في مقعدَيهما صامتَين، فقدَّم لهما «أحمد» القهوة ثم عاد إلى مطبخ الطائرة … كانتْ «إلهام» و«فهد» يَجلسان معًا فانحنى عليهما وقال: قوَّة الرجال أربعة … الأسلحة مدفع رشاش وقُنبلة ومُسدسان … أحد الرجال من الذين شاهَدْناهم مع «بوزيل» في الفيلم.

فهد: هل وضعت خطة مُعيَّنة؟

أحمد: الأمل أن نَنفرِد بهم واحدًا واحدًا، فالتغلُّب عليهم وهم بهذا التسليح صعب وقد يُعرِّض «مورج» والطائرة كلها لخطر النسف!

إلهام: لماذا لم تَطِر الطائرة؟

أحمد: لا أدري … فمن الواضِح أنهم تسلموا الفِدية وأنهم يَنتظرُون هبوط الظلام!

ومرَّت الساعات بطيئة، وكان استِنتاج «أحمد» صحيحًا فلم يكد الظلام يُبشر بالهبوط على زيورخ حتى بدأت المحركات تدور، ثم استدارَت الطائرة وواجهَت الريح وانطلقَت تَهدِر.

جلس «أحمد» في مقعده يُفكِّر … كانت خطة الهجوم على العصابة تَنضج في ذهنِه تدريجيًّا … وكانت تعتمد … كما قال ﻟ «فهد» على انفراد بكلِّ واحدٍ منهم على حدة خاصةً بعد أن يطمئنُّوا تمامًا إلى أن كل شيء يَمضي على ما يرام فيتراخون ولو قليلًا في الإمساك بأسلحتهم.

مضَت الطائرة … ولاحَظَ الشياطين الثلاثة أنها تمضي في اتجاه البحر. وذهبَت «إلهام» بمَزيد من المشروبات إلى حيث كان «مورج» ورجل العصابة … ثم دخلت كابينة القيادة، وعادَت لتُخبر «أحمد» أن حامل الرشاش، وحامل القُنبلة قد وضعا سلاحيهما جانبًا، ولم يبقَ سوى حامِلَي المُسدسين.

قال «أحمد» مُوجِّهًا حديثه إلى «فهد»: خطتنا التخلُّص من أول واحد من الذين في الكابينة يَذهب إلى دورة المياه. سأقف أنا في مُنتصَف الطائرة، وعندما يأتي أول واحد منهم دعْه يدخل دورة المياه وَقِفْ أنت خلف الباب من الخارج، فإذا ما خرج فانقضَّ عليه … لا أريد صراعًا يا «فهد»، أُريد ضربة واحدة ثمَّ اسحبه، وبمُساعدة «إلهام» اسحباه إلى آخر الطائرة وغطياه بأي شيء بعد أن تشدَّا وثاقَه … وصمت «أحمد» قليلًا ثم قال: هل تحتاج إلى أداة ثقيلة؟

ويَبتسِم «فهد» وهو يَرفع قبضتَه التي تُشبه المطرقة قائلًا: معي هذه … خبطة واحدة على عروق الرقبة تكفي!

قالت «إلهام»: والباقي؟

أحمد: الرجل الذي يَجلس مع «مورج» سأتولَّى أمره أنا … أُريد قهوة ساخنة جدًّا لأحملها إليه … وسوف أتخلَّص منه، وبمُسدسه الذي سأَستولي عليه … سوف أُهاجم من في كابينة القيادة.

جلس الأصدقاء، «أحمد» قرب مُنتصَف الطائرة … و«إلهام» و«فهد» مع المضيفَين الباقيَين، وشرحت «إلهام» للمُضيفة والمضيف الخطة … وبدا الرعب على وجهَيهما. وقالت المضيفة: ولكن … قد تَفشَلُ خطتكم ونتعرَّض جميعًا للقتل!

إلهام: لا حلَّ آخر!

المضيفة: ولكن كيف تتغلَّبون على هؤلاء … إنهم مُجرمون من أعتى نوع، وهم مُسلَّحون بالمدافع والقنابل والمُسدسات؟

إلهام: لا تَخافي؛ فهذا عملنا!

ونظرت المضيفة إلى «إلهام» بشك، فلم تكن تتصوَّر أن هذه الفتاة الحسناء يُمكن أن تَشترك في خطة للقضاء على عصابة خطيرة خطفَت طائرة.

مضت ساعة أخرى والطائرة تشقُّ طريقها فوق البحر في الظلام، ثم فُتح باب غرفة القيادة وظهر أحد الرجال … رآه «أحمد» … فوضَع يدَه على شعره وهي الإشارة التي كان ينتظرها «فهد» … فوقف قريبًا من دورة المياه … كان الرجل يَحمل مُسدسه في يده، وكان يبدو كالغوريلا بجبهتِه المائلة إلى الأمام، وشعره الكثيف، وذراعَيه المُتدليتَين.

مضى الرجل ومرَّ ﺑ «أحمد» دون أن يُعيرَه التفاتًا … واتجه إلى دورة المياه … وعندما دخل … خرجت «إلهام» من مطبخ الطائرة وهي تَحمِل صينية القهوة … ومشت بهدوء حتى سلمتها إلى «أحمد» الذي ابتسم لها مشجعًا.

وقف «فهد» خلف باب دورة المياه وهو يَثني أصابعه ويفردها في انتظار اللحظة الحاسمة … ومضَت فترة دون أن يظهر الرجل … ثمَّ سمع «فهد» باب دورة المياه يُفتَح وظهرت ذراع الرجل التي تحمل المُسدس … ثم برَز نصف جسم الرجل … وقرَّر «فهد» أن يُغيِّر خطتَه فورًا. كتم أنفاسه تمامًا ثم مدَّ يده اليُمنى فأمسكت بالذراع التي تحمل المُسدس ولوتْها إلى الخلف، وفي نفس الوقت كانت ذراعه اليُسرى قد دارت على رقبة الرجل كأنها عصَّارة من حديد التفَّت على الرقبة فلم يستطع الرجل أن يُطلق نفَسًا واحدًا … وثنى «فهد» ذراع الرجل حتى فرقعت عظامه وسقط منه المُسدس على الأرض، ثمَّ رفع «فهد» يده وأهوى على رأس الرجل بلكمة قوية، فتراخَى جسد الرجل وكاد يسقط، ولكن «فهد» مدَّ ذراعيه معًا تحت إبطَيه وجذَبه … وظهرت «إلهام» مسرعة وحملت قدمَي الرجل، وساعدت «فهد» على وضعه خلف دورة المياه وأحضرت بسرعةٍ بطانيةً غطته بها.

وحسب تعليمات «أحمد» ظهرت «إلهام» مرةً أخرى في نهاية الطائرة وأدارت يدها في حركة أفقية وهي تَبتسم، وفهم «أحمد» أن المهمة انتهت بنجاح وتقدم «أحمد» إلى مقصورة الدرجة الأولى ليُنهيَ مهمته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤