كل شيء ممكن!

كان ذهن «فهد» يعمل بسرعة … إنهما هو و«إلهام» محاصران … ولا يعرفان مصير «أحمد» و«بو عمير» … وكل مَن في السفينة استيقظ … وفي تلك اللحظة سمعَ صوتًا صدر من ميكريفون في القمرة التي حُوصرا فيها … قال الصوت: إنكم مُحاصَرون … ومن الأفضل لكم أن تستسلموا، فقد انتهى صديقاكما إلى الأبد!

كان لهذا الكلام على قلب «فهد» و«إلهام» وقع الصاعقة … لقد استطاعت العصابة القضاء على «بو عمير» و«أحمد» … وأحسَّت «إلهام» كأن يدًا هائلة تَعتصِر قلبها … فقد مات «أحمد» … وأحسَّت بالغضب يعصف بها فقالت: إننا لن نستسلم أبدًا … ستَدفعُون ثمن موت صديقَينا!

عاد الصوت يقول: إننا نسمعكِ … ونحن على استعداد للتفاوض، أطلقوا سراح «مورج» وسوف نضعُكم في قارب إنفاذ ونترككم!

قال «مورج»: إنهما اثنان فقط أيها الزعيم!

ولطَمَه «فهد» لطمة أخرسته، وقال الصوت: فرصتكما في النجاة بغير مساعدتنا معدومة … استَسلِما وسنُبقي عليكما كما وعدنا …

صمت «فهد» و«إلهام» … كان الموقف بالغ السوء … وليس في إمكانهما شقُّ طريقهما إلى الخارج بالقوة، فعدد رجال العصابة أكثر.

بدأت السفينة تخفض من سرعتها تدريجيًّا حتى توقفت تمامًا، وعاد الصوت يقول: إننا نقترب من المكان الذي نُريده … ولا نريد أن يعرفه أي شخص آخر … وفرصتكما الآن أن تنزلا إلى البحر … وهذا آخر إنذار لكما!

لم يرد «فهد» ولا «إلهام». لقد كانا متأكدَين أن عصابة كهذه لا يمكن أن تحافظ على كلمتها … وأنهما هالكان لا محالة … وفجأة قفز «مورج» الذي كان مُتكوِّمًا على الفراش وانقضَّ على «فهد» محاولًا انتزاع مُسدسه منه … ولكن «فهد» انحرف قليلًا فسقط «مورج» واقفًا أمام «إلهام» ووجَّه إليها لَكمة … ولكنَّ «إلهام» أدارت وجهها وأمسكت ذراع «مورج» … وَلوَته بشدةٍ فدار على عقبيه، وقذفته بكل قوَّتها فسقط على الباب … وانطلق سيل من رصاص مدفع رشاش على الباب، ثم فُتح الباب بسرعة وطارت عشرات الرصاصات داخل القمرة … وأطلق «فهد» مُسدسه وهو يلقي بنفسه جانبًا، وألقت «إلهام» بنفسها على الأرض، وسقط حامل المدفع الرشاش خارج الغرفة، وضرب «فهد» الباب بقدمه، فأُغلق من جديد … وكان «مورج» قد أُصيبَ وسقط على الأرض.

قالت «إلهام»: سيُحاولون مرةً أخرى!

ثم التفتت خلفها تنظر إلى نافذة القمرة التي تطلُّ على البحر. كانت مستديرة وضيقة لا تسمح لأيٍّ منهما بالمرور، ولكنها شاهدت … ويا للمفاجأة المذهلة! وجه «أحمد» خلف الزجاج السميك … ورغم ما بدا عليه من إجهاد كان يبتسم.

كادت «إلهام» تُطلق صيحة فرح داوية، لولا أنها تمالكت نفسها … ثم اختفى الوجه، والتفتت «إلهام» إلى «فهد» الذي كان يقف مواجهًا الباب وبيده مُسدسه … وابتسمت له … لم يفهم «فهد» سبب ابتسامتها … ولكنها رفعت يدها وأشارت بإصبعها … كانت تعني رقم «١» … وفهم «فهد» ما تقصده.

عادت مُحرِّكات السفينة للدوران … وعاد الصوت يقول: إننا لن نستطيع أن ننتظر أكثر … سنأخذكما معنا إلى حيث نذهب!

أشار «فهد» إلى «إلهام» أن تقترب منه، ثم همس في أُذنها: سأتخذ من «مورج» ساترًا وأقتحم طريقي إلى الخارج.

همست «إلهام»: إلى أين؟! إنهم أكثر منا عددًا … ولن نستطيع الفرار إلا إذا ألقينا بنفسَينا في المياه!

فهد: كيف عرفتِ أن «أحمد» ما زال حيًّا؟

إلهام: لقد رأيتُ وجهه في نافذة القمرة … ولستُ أدري كيف وصل إلى هناك؟!

فهد: ما رأيكِ في الموقف؟

إلهام: لنَترُك «أحمد» يتصرف … إننا محاصران، وأي حركة سنقوم بها لن تكون مفيدة، والعصابة مقتنعة أنها قضت على «أحمد» و«بو عمير» ونحن أسيران هنا … وسيتركوننا حتى نضطرَّ إلى الخروج.

وجلس «فهد» على المقعد الوحيد في المقصورة مواجهًا الباب، بينما جلست «إلهام» على حافة الفراش … كانت تُفكر فيما يفعله «أحمد» … هل هو على ظهر السفينة أم في القارب المطاط؟ … وهل سيُهاجم السفينة، أم ينتظر حتى تصل إلى غايتها؟!

ونظرت «إلهام» في ساعتها … كانت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل. ومضت نصف ساعة أخرى … ثم بدأت السفينة تخفض من سرعتها، وقامت «إلهام» تنظر من النافذة مرةً أخرى، وعلى ضوء النجوم البعيدة شاهدت شاطئ جزيرة صغيرة، وأدركت أن هذه الجزيرة هي نهاية المطاف.

بعد فترة قصيرة توقَّفت ماكينات السفينة تمامًا … ثم اصطدمت السفينة بالشاطئ صدمة خفيفة، وسمع «فهد» و«إلهام» أصوات أقدام تتحرَّك في الدهليز … وكان واضحًا أن العصابة تغادر السفينة إلى البر … وأنها بالطبع تركت حرسًا قويًّا على باب المقصورة التي ما زال بها «فهد» و«إلهام» … وسمعا صوت الميكريفون يقول: إن «مورج» سيموت إذا بقيَ ينزف … ومن الأفضل تسليمه إلينا لعلاجه.

نظرت «إلهام» إلى «فهد» … فهزَّ رأسه موافقًا، فقالت: ليتَقدم رجل بلا سلاح ليأخذ «مورج».

وفُتح الباب … وظهرت يدان فارغتان، ثم ظهر أحد أفراد العصابة، ومدَّ يده فحمل «مورج» … وخرج، وأصبح «فهد» و«إلهام» وحيدَين … وهبط صمتٌ ثقيل على السفينة … لم يكن يُسمع فيه إلا صوت الحراس على ظهرها.

في هذه الأثناء كان «أحمد» و«بو عمير» بجانب السفينة مغمورَين في الماء … لا يظهران إلا للتنفس فقط ثم العودة إلى المياه … وكانا عندما تمكَّن «بوزيل» من خداعهما وأسقطهما في المياه، قد استطاعا أن يسبحا بسرعة ويلحقا بقاربهما المطاط، وبقيَا فيه، ثم حاوَلا أن يعرفا ما يجري داخل السفينة وما حدث ﻟ «إلهام» و«فهد». فأخذا ينظران من خلال نوافذ المقاصير حتى شاهدت «إلهام» وجه «أحمد».

بعد أن غادرت العصابة السفينة وهدأ كل شيء تَسلق «أحمد» و«بو عمير» جانب السفينة بهدوء وحذر … وأطلَّا على سطحها … كان هناك حارس في أول السفينة، وآخر في آخرها، وثالث يمرُّ على سطحها، وكان الظلام كثيفًا لا يُخفِّفه إلا ضوء النجوم البعيدة … وقرَّرا خطتهما … التخلص من الحارس المتجول في وسط السفينة حتى يُمكنهما التسلق إلى السطح … وتولى «بو عمير» الأمر.

صعد بخفَّة على جانب السفينة، ثم انبطح على الأرض … وظل يَزحفُ كالثعبان. وكانت خطته ضرب الرجل على قصبته الهوائية حتى لا تصدر منه صيحة استغاثة … وظلَّ رابضًا مكانه يُراقب الرجل وهو يتجول حتى أصبح قرب مدخنة السفينة … وفي قفزات سريعة اختفى «بو عمير» خلف المدخنة … وراقب الرجل بطرف عينه … ودار الرجل حول المدخنة وكتم «بو عمير» أنفاسه حتى شاهد طرف المدفع الرشاش يبدو على بُعد بوصات منه، ثم ظهر الرجل، وفي سرعة البرق انطلقت ذراع «بو عمير» ويده مفتوحة كالسيف، وأصابت حلق الرجل بضربة أوقفت الهواء في صدره … وفي اللحظة التالية كان «بو عمير» قد لوى ذراعه واستولى على المدفع الرشاش وقذفه بكل قوة إلى المياه … وكان الرجل يتأرجَح في وقفته ويكاد يستردُّ وعيه عندما وجه إليه «بو عمير» لكمة كالقُنبلة أصابت وجهه، ثم حمله بين يديه إلى حافة الماء … وأحدث سقوط الرجل في المياه صوتًا واضحًا وهذا ما كان يريده «بو عمير» و«أحمد»، فقد أسرع الحارسان إلى مصدر الصوت وكلٌّ منهما يرفع مدفعه ثم انحنيا على جانب السفينة ينظران في الماء. وكان «أحمد» قد تَسلق جانب السفينة بعد «بو عمير» مباشرةً وانبطح وشاهد ما فعله «بو عمير»، وأحسَّ بالرضى الكامل عن تنفيذ «بو عمير» للخطة … وجاءت اللحظة التي انتظراها، وهي انحناء الحارسَين على جانب السفينة، وبسرعةٍ وبقوةٍ ضرب «بو عمير» رأس أحد الحارسَين بقبضة مُسدسه وكذلك فعل «أحمد» بالحارس الآخر … وقذفا بهما معًا إلى الماء!

ولأول مرة ألقيا نظرة على الجزيرة … كانت جزيرة صغيرة على بُعد نحو ١٠٠ متر من الشاطئ … كان هناك كوخ صغير هو الذي لجأت إليه العصابة وكان مُضاءً بضوء خفيف …

قال «أحمد»: إنهم على مَبعدة منا ولم يسمعوا شيئًا.

بو عمير: بقيَ الحراس الذين يَحرسون المقصورة التي بها «إلهام» و«فهد»!

أحمد: أعتقد أنه حارس واحد … فهو يكفي للسيطرة على الباب بمدفع رشاش!

بو عمير: وما هي خطتك؟!

أحمد: إن كل ما فعلناه يتوقَّف على اللحظات القادمة … وهذا الحارس يجلس في دهليز وفي يده مدفعه الرشاش … وأي حركة سوف تَلفِت انتباهه … وسيطلق مدفعه وسوف يسمعون صوت المدفع …

بو عمير: لو استطعنا أن نلفت نظره لحظة واحدة … فسوف يتكفَّل «مرعش» بالباقي.

و«مرعش» هو خنجر «بو عمير» … الذي لا يسير بدونه … وهو يشبه في أهميته كرة «عثمان» المطاطة.

وفكَّر «أحمد» لحظات … وكان الوقت يمضي بسرعة، وقد يَحضر أحد الرجال لأي سببٍ إلى السفينة … والفجر كاد أن يبزغ … وهو يُريد أن ينتهي كل شيء في الظلام.

وفجأة ابتسم «أحمد» وقال ﻟ «بو عمير»: سأنزل إلى مستوى نافذة المقصورة التي بها «إلهام» و«فهد» وأطلب منهما لفتَ انتباه الحارس لحظات، وعليك أن تقف في طرف الدهليز خلف الباب، فإذا شاهدته يتحرك من مكانه فاترك «مرعش» يقوم بالواجب.

وأسرع «أحمد» يتَسلق جانب السفينة فوق المقصورة مباشرةً بينما اتجه «بو عمير» إلى الدهليز ووقف خلف الباب يرمق بحذرٍ الحارس الذي كان مستندًا بظهره إلى الدهليز وعينه مثبتة على باب المقصورة.

نقَرَ «أحمد» على زجاج نافذة المقصورة الضيقة، وسرعان ما التفتَت «إلهام» إليه … كان متشبثًا بحبل بيده، وبيده الأخرى أخذ يُشير لها، واستطاعت الفتاة الذكية أن تفهم ما طلب …

تحدثت «إلهام» مع «فهد»، ثم تقدمت من الباب ودقت عليه، واقترب رجل العصابة من الباب وصاحت «إلهام»: إنَّ زميلي مصاب، ونُريد أن نَستسلِم!

فكَّر الرجل لحظات ثم قال: إذا كان معكما أسلحة فألقياها من الباب أولًا وبعدها سأصدر لكما أوامري بالخروج.

قالت «إلهام»: ليس معنا سوى مُسدس زميلي.

الرجل: ألقيه إذَن!

وفتحت «إلهام» الباب وألقت بالمُسدس في وجه الرجل الذي استدار ليتلقَّى المُسدس، وكان هذا ما يريده «بو عمير» بالضبط، وانطلق «مرعش» من يده كالبرق وأصاب هدفه بدقة … رقبة الرجل الذي ترنح ورفع مدفعه ليُطلقه … ولكن «فهد» كان أسرع منه؛ فقد قفز عليه وببساطةٍ انتزع منه المدفع، وسقط الرجل على الأرض.

أسرع «بو عمير» ينزع خنجره … وتبادل الثلاثة تحية سريعة وقالت «إلهام»: أين «أحمد»؟

بو عمير: إنه على السطح يراقب العصابة … هيَّا بنا.

وصعدوا جميعًا إلى السطح، وكان «أحمد» فعلًا يقف على السطح يرقب الكوخ المضاء … وأسرعت «إلهام» إليه ووضعت يدها على كتفه فالتفت إليها، وأمسكت بيدَيه وأمسك بيديها … ولكن «فهد» قال: ما هي خطوتنا القادمة؟

قال «أحمد» وهو يلتفت إليه: أظن أنها واضحة جدًّا!

قال «فهد»: فهمت!

إلهام: وأنا!

بو عمير: وأنا أيضًا!

وأسرع «بو عمير» يقطع الحبل الذي يربط السفينة بالشاطئ … وقال «أحمد»: أظنك يا «فهد» متخصِّصًا في قيادة السفن … وهذه سفينة صغيرة أو قارب كبير … فهيا نَبتعد عن الجزيرة … ولنترك هؤلاء العباقرة «بوزيل» و«مورج» ومن معهما يقضون إجازة طيبة في هذه الجزيرة المجهولة.

وأسرع «فهد» إلى مقصورة القيادة … وأصبح «أحمد» و«إلهام» وحيدَين على سطح السفينة، وعادت أيديهما إلى العناق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤