الفصل الرابع

النص الكامل

فاتحة الرسالة

هناءٌ١ يقرن به٢ نورٌ وسناء.٣
بل تهانئ، يرغم٤ لهنَّ الشانئ.٥
ترادف٦ إلى حضرة الأستاذ — طال عمره في السعد الطالع، ما خلد ركنا٧ «متالعٍ»٨ — بقدوم الأستاذ حليف الجلالة: «أبي علي»، لا فتئ — للزمن — أنفس حلي.
فهو بهما يُهْنأ،٩ خضب لونه اليرنأ،١٠ إذ هو أحم١١ أو أحمر.

تهنئات الأكفاء

والتهنئة يجب أن تقع بين الأكفاء١٢ لا على مقدار المِقة١٣ والصفاء.١٤

وأشباهه — في العصر — قليلٌ، وقد وضح بذلك الدليل.

وممن يصلح أن يتعرض له بالخطاب،١٥ لو جادت الآونة١٦ بغصونها الرطاب:١٧ «صاعد بن مخلدٍ»،١٨ وكان من ذوي المجد الأتلد،١٩ وصاحب الكتب: «سهل بن هارون»،٢٠ ورؤساء لم يكونوا بالورس٢١ يهارون.٢٢
وإنما خصصت «صاعدًا» و«سهلًا» — وإن كانا للتكرمة أهلًا — إذ كانا في السالف على شريعة المسيح، ينظران في ملكٍ للعرب فسيح، وجرى مجراهما «عَدِي بن زيد العبادي»٢٣ مشيرًا٢٤ للنعمان، فيما فرط٢٥ من الأزمان.

فريسة الأسد

وإذا جاءت التهنئة من غير نظيرٍ،٢٦ فإنها تعتقد٢٧ من المحاظير،٢٨ كمثل الأسد لما ظفر بفرسٍ لبعض الملوك، لم تسمُ إلى ركوبه نفس الصعلوك، فحمله إلى العرِّيسة، وأخذ الكفاية من الفريسة.
واجتمعت إليه أصناف الوحش مهنئاتٍ، خشعًا — من الهيبة — متجنئات،٢٩ فقائلٌ لا يخرج عن الإيجاز، وصامتٌ لا يجترئ على المجاز.

تهنئة الفأر

فلما أرمَّتْ٣٠ الجماعة، ولم يبق — في التكلُّم — طماعةٌ،٣١ قال فرنب،٣٢ هو — في المقالة — مذنبٌ، كان بالأجمة٣٣ له وجارٌ،٣٤ والضيغم٣٥ له نعم الجار، يمنعه أذاة الشغوب،٣٦ من خيطلٍ٣٧ تبرر وسرعوبٍ:٣٨ «بورك للملك في العطية السنية، وما بلغ من الأمنية.»

مصرع الفأر

فنظر الأسد نظر مغضبٍ، وكأنه — من الأسف — على محضبٍ٣٩ إلى سرحان٤٠ حضرٍ أو نمرٍ، فعرف أنه ما رضي بذلك الأمر، فأوحى — بالعجل — إلى هرِّ في البر، أن ينزل — بالبر الناطق — ما سنح من الشر.
فجعل يصيح في مخالب الضيون:

ما ذبني! أو كل في جوار الجبار: أسامة!

فقال له بعض الأجناد:

أهَّلت نفسك لخطابٍ: ما كنت له بأهلٍ، فعددت من أصحاب السَّفَه والجهل.

تهنئة العصفور

وكمثل عظيمٍ من جوارح٤١ الطير، كان يرجع إلى الأفراخ بمَيْر،٤٢ فجاء ومعه إحدى الفُوْر،٤٣ فصمتت ذوات الأجنحة غير العصفور.
فقال: قرَّتْ لامِحَتُك٤٤ من قَيلٍ،٤٥ ما اقتنع للناهِض٤٦ بخسيس النَّيل،٤٧ فقال ذلك الجارح لبازٍ٤٨ منه قريبٍ، لاق هذا الجاهل بسوء التثريب،٤٩ من هو حتى يتكلم لدَيَّ؟٥٠
كأنه أمن من ردي،٥١ فأومأ البازي المتجبر، وهو عن اختطاف البائس مُتكبِّر، إلى باشقٍ بالحضرة، فأكله مُعْتَامًا،٥٢ وترك أفراخه أيتامًا.

حَمَلة العِصِي

وأما أقراني٥٣ فأولئك حَمَلة عِصِي،٥٤ يجلسون بالمكان القصي، فإن أخطأتُ ذلك،٥٥ فقِرْني ضُلُّ بنُ ضُل، أو هيُّ بنُ بيٍّ،٥٦ وكلاهما ليس بشَيٍّ.

الأصفران

فأما الأستاذان الجليلان — زاد الله ضياء الأيام ببقائهما — فلا يُعدَل بهما الأصفران، إذا تُرجم عنهما بالذهب والزعفران، وإن كان أحدهما طيبًا يُنْشَق، والآخر مالًا يُدَّخر ويُنفَق.

رَوْقا «فزارة»

ولكنهما في الهداية مثل القمرين، وأوانهما في النَّصَفَة كأوان العُمَرين.٥٧
نوقن أنهما رَيِّقا نبأ يُسمَّى الوزارة، متى سُمِّي في الحسب رَوْقَا فَزارة،٥٨ يكونان للسارية فرقدي ليلٍ،٥٩ ولا يصفهما الواصف بسابقي خيل.

الحُرَّان والعَبْدان

إذا قال المادح: هما الحران، فمعاذ الله أن يعني نقيضي عبدين، ولا اللذين ذكرهما الأخطل بسُكْر البَرْدَين.٦٠

فقال:

عفا واسِطٌ من آل رضوى فنَبْتَل
فمجتمع الحُرَّينِ فالصَّبْر أجمل
وإنما قصد كثيبي رملٍ، والله يجعلهما كابني شَمَام٦١ أبدًا في اجتماع الشمل.
وليس غرض المقرظ حُرَّيْ مَعَدٍّ، اللذين ذكرهما «ابن مَعدِيكَرِب»٦٢ أخو الحد؛٦٣

لأنه يروى عنه كلامٌ معناه:

أني كنت آخذ ظعينةٌ٦٤ أطوف بها في أمواه «معدٍّ»، ما لم يلقني حُرَّاها وعبداها.
يعني بالحُرَّين: عتيبة بن الحارث بن شهابٍ اليربوعي،٦٥ وعامر بن مالك الكلابي، وبالعبدين: «السُّلَيْك بن السُّلَكة»،٦٦ «وعنترة».٦٧
ولا مُعْتَمَدَ من أثْنَى:٦٨ الحران٦٩ اللذان هما حرٌّ وأُبَيٌّ، لأن خفيف الاسمين غلب الثقيل، وكم لفظٍ لا يحسن وإن قيل! قال اليَشْكُريُّ:٧٠
ألَا مَن مُبلِغ الحُرَّينِ عني
مغلغلةً،٧١ وخص بها «أبيَّا»

الكوكبان

وإنما يشبهان بالحُرَّين اللذين هما كوكبان، يراهما المدلج ويتقاربان، كما قال القائل:

ولما بدا الحُرَّان — والليل دامسٌ٧٢
ذكرت خليطًا٧٣ نازلًا بأبان

الربيعان

حرسهما الله شهري ربيعٍ، وما عنيت شهرين يُعرَفان في السنة بهلالين، ولكن أردت نيسان وأخاه، والحق يَضِحُ ٧٤ لمن وَخاه، فإنهما ربيعا عامٍ،٧٥ يجيئان البَشَر بالإنعام؛ الأول يُجني الثمار،٧٦ والآخر يسني الأزهار.٧٧

الفارسان

ما زالا — لسكن هذه الربوع — أنفع من الحنتفين،٧٨ ويَشْرُفان على كل مينٍ، لا كشرف الزهدمين،٧٩ ولعلهما في بني عبسٍ، تقدَّما بالرَّهق٨٠ والأبس.

امرؤ القيس

ومهاجرة الأستاذ أبي فلانٍ لا برح في يد المملكة به سوارٌ، وبينه وبين الأملاك القائمة جوارٌ، أفضل من أخي كندة٨١ لأنه سلك تلك المسالك ساعيًا في حربٍ وفسادٍ، والأستاذ سهِرَ لإيمان السارية٨٢ من الآساد، وسوف يتبين سعادة العاقبة في الدار العاجلة قبل الآجلة،٨٣ إذ كان خلَّص أسيرًا، أو جبر بعُرْفه كسيرًا،٨٤ فكأنما صنع صنيعًا عمَّر به أبناء الراكدة٨٥ جميعًا؛ لقوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.
ولو جاز أن تنشق الطامية٨٦ لغير الكَلِيم،٨٧ لانْفَرَق لجُّها له غير مُلِيم.٨٨

وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ٨٩ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

حديث الحيتان

وقالت الحيتان المُتَفَكِّنة:٩٠
ما حدث نضوب الماء،٩١ إلا لخطبٍ قضي من السماء، فمن هذا الرجل الصالح الذي عمل خيرًا في الصَّرْعَين،٩٢ ودأب في صلاح الشَّرْعَينِ، فتولَّى الله عن الإنس كفاءه، وحفظ له في الدارين وفاءه.
ولا يمتنع في القدرة٩٣ أن يعذب لبركته — الماء الأجاج —٩٤ فيعود كأنه من النَّحْل مُجَاجٌ،٩٥ أو تسير السفينة على اليَبَس،٩٦ تضيء كإضاءة القبس،٩٧ في يد متعجلٍ وشيكٍ،٩٨ وليس ذلك بمنالٍ بَشِيكٍ.٩٩

عرش بلقيس

أو تحملها الريح الهابَّة كحَمْلِها عرش المؤمنة بلقيس،١٠٠ إذا مُثِّل خبرٌ أو قِيسَ.١٠١
وتظل سواكن اليم١٠٢ الزَّاخر بيُمنه١٠٣ راتعاتٍ، بالسلامة من الشَّجب١٠٤ متمتعاتٍ، تجول في مثل السَّهْب١٠٥ الأرحب،١٠٦ كخيط النعام١٠٧ المُخَوِّدة١٠٨ والرَّبْرَب،١٠٩ حتى إذا هو قضى اللُّبانة، وآنس من النُّجح إبانة، عاد لمستقره الغمر،١١٠ وخمد من الإفك الجَمْر.١١١

دعوة الجبال

ويجوز أن ينطق الله الأول جبال الروم، فتقول عند الرشد المروم، ليت ما تنبت بلادنا من الرياض، وما اكتسى به الشجر المثمر أو الغياض،١١٢ يصير كله من ديباجٍ.١١٣
يَقدَم به هذا السيد من حضرة الملك ذي التاج، هديةً للسلطان المكرم شبل الدولة١١٤ — أعزَّ الله نصره — يُفرِّقه في أفناء سبيعه،١١٥ ويأخذ به على القوم البيعة.١١٦
وليت ما يسقط علينا في الأشهبين،١١٧ يصير — في الأقضية١١٨ — من اللجين،١١٩ فيحمل إلى تلك الخضرة ليفُضَّه١٢٠ السلطان الأشرف على الأولياء، ويكون سبب سعادة الأشقياء.١٢١

دعوة الدرب

ويبتهل الدرب الضيق إلى الله جلت عظمته لِمَا شاهد من غُر مساعٍ، أن يزيده القادر من اتساعٍ، واللِّصاب١٢٢ والحرجة١٢٣ كفيح١٢٤ السباسب،١٢٥ لا تَشْرق١٢٦ بلَجِب١٢٧ المواكب،١٢٨ وتكون الأحجار الخشنة كأنها رِقُّ١٢٩ نعامٍ، والأكمة١٣٠ خوانًا وُضع للطعام، يصيب ما طلب منه السَّاغِب، وهو مريحٌ١٣١ أو لاغب.١٣٢

أسد النجوم

وسيدانا الأستاذان:

أذل الله معاندهما أخرى المنون — إلى الأبد.

إذا كان السلطان المكرم شبل الدولة أسد النجوم،١٣٣ كانا — لا محالة — ذراعيه، وإن أغلق باب الرَّأفة فتحا مصراعيه، والله بكرمه ينعم على الرعية بمد البقاء لهما منعمين؛ كالسماكين١٣٤ — في النباهة — أو المرزمين،١٣٥ فقد نشأ للعدل عارضٌ،١٣٦ ينتعش منه البارض.١٣٧

كما قال الفرزدق:

يا من رأى عارضًا أرقت له
بين ذراعي وجبهة الأسد١٣٨
وليس بخافٍ عني أن سكوتي هو المتجر،١٣٩ والكاذب مسيءٌ أوجر.١٤٠
وقد كنت عزمت على الإمساك١٤١ حتى أشار بالقول ولِيُّهما أبو فلان، وهو ممن يوثق بعقله ودينه، ولم يُغطِّ البادِي بسَدِينه،١٤٢ فإن كنت أسأت الأدب في المكاتبة، فهو — في الغَلَط — شريك.
ورُبَّ لا يُحتَمَل فيه التَّحْرِيك.١٤٣
وقد أسأت الأدب ثلاثًا، والتثليث مذهب المسيحية،١٤٤ فإن أتيت بالتربيع، فما أجدرني ببلوغ التسبيع.١٤٥
(انتهت الرسالة.)

هوامش

(١) بهجة وفرح.
(٢) يصاحبه ويتصل به.
(٣) رفعة وعلو.
(٤) يذل ويقهر.
(٥) العدو الكاره.
(٦) تتوالى متتابعة.
(٧) الركن: العز والمنعة، والجانب الأقوى، ومنه قولهم: كأنه ركن يذبل؛ أي عزيز منيع يحمي حماه كأنه جبل يذبل في مناعته وقوته.
(٨) «متالع» جبل بالبادية في بلاد طيء. وقد أطلق هذا الاسم على أكثر من جبل في نواح مختلفة من الأرض، وأشار إليه أبو العلاء في مواضع أخرى من رسائله وكتبه. انظر: ص٤٩٠ من رسالة الغفران، ج١، ص١١٧ و٢٤١ من لزومه. الطبعة الأولى، بالقاهرة، مطبعة الجمالية، سنة ١٩١٥.
(٩) يقول: إن الزمن ليبتهج ويستبشر بهذا الأستاذ وصاحبه: «أبي علي».
(١٠) اليرنأ — بضم الياء وفتحها: الحناء، وتخضيب لونه بها اصطباغه بلونها. يدعو لصاحبه أن يمتلئ جسده صحة وقوة يتورد بهما لونه بفيض ما يجري في عروقه من دماء العافية، فيبدو لرائيه كأنما صبغته الحناء بلونها. وقد سبق الكلام على اليرنأ في الشرح العلائي السابق.
وانظر ما كتبه في ذم الخضاب والحناء: ج١، ص٦٠، ٦٩، ٨١، ١١١، ١٣٤، ١٧٥، ٢٨٠، ٢٨٨، ٢٨٩.
وج٢، ص٥٨، ٦١، ٨٦، ١٨٤، ٢٠٢، ٢٦٢، ٣١٥، ٣١٧، ٣١٨.
(١١) أحم: أسود، قال في لزومه:
يباكرنا الجون المضيء، فينقضي
ويعقبنا منه الأحم الدلامس
وقال:
ويحمل الهم قلبي معفيًا جسدي
رأسي أحم، وظهري غير متأطر
(١٢) الأكفاء: الأنداد والنظراء.
(١٣) المِقة: الحب والمودة.
(١٤) الصفاء: صدق الإخاء، يعني أن التهنئات لا تكون إلا بين الأشباه والكفاة من الأنداد، فلا يجوز لصعلوك حقير أن يزف التهنئة إلى عظيم خطير مهما أضمر الصعلوك من مودة وحب.
(١٥) يتعرض له بالخطاب: يتصدَّى لمحادثته.
(١٦) الآونة: الأحيان، واحدها أوان؛ أي حين.
(١٧) الرطاب: المخضرة الناعمة الناضجة، يقول: لو جادت الأزمان الخصبة والعصور الزاهية بأمثال صاعد بن مخلد وسهل بن هارون وأضرابهما من الأفذاذ والكفاة، لجاز لهم أن يوجهوا تهنئاتهم إلى مثله.
وقد جرى فيلسوفنا على تشبيه الناس بالغصون والثمر، فقال في لزومه:
شر أشجار علمت بها
شجرات أثمرت ناسا
إلخ. وقد مرت بك هذه الأبيات في الفصل الأول من الكتاب.
وقال:
وهل أعظم إلا غصون وريفة؟
وهل ماؤها إلا جنى دماء؟
وقال:
أنامك — أيها الدنيا — ثمار
فما تبقى على ومد وقرس
ولو بقيت لأدركها مزيل
بريب الدهر، من عجم وضرس
(١٨) صاعد بن مخلد: كان من أفذاذ الوزراء في الدولة العباسية، وقد ظفر في سنة ٢٦٩ﻫ بلقب «ذي الوزارتين»، ولما قدم من «فارس» في رجب من سنة ٢٧٢ ودخل مدينة «واسط»، أمر «الموفق» جميع القواد أن يستقبلوه. قالوا: «فاستقبلوه وترجلوا له قبلوا كفه.» ومما يجدر ذكره أن «قطر الندى» بنت أبي الجيش «خمارويه» بن «أحمد بن طولون»، التي تزوجها «المعتضد»، نزلت بدار «صاعد بن مخلد» في «بغداد» في الثامن من المحرم سنة ٢٨٢ ومعها أحد عمومتها، وأخباره ذائعة مستفيضة؛ فليرجع إليها المستزيد في القيم الثالث من الطبري، طبعة أوروبا، (ص١٩٣٠ و١٩٨٨، ٢٠١١، ٢٠٣٦، ٢٠٣٧، ٢٠٤٠، ٢٠٤٨، ٢٠٤٩، ٢٠٧٩، ٢٠٨٠، ٢٠٨٣، ٢١٠٤، ٦، ٨، ٩، ٢٢، ٤٤، ٢١٤٦).
(١٩) الأتلد: الأقدم.
(٢٠) سهل بن هارون بن راهبون، كنيته أبو عمر، وهو فارسي الجنس، أهوازي المولد، ولد في مدينة ميسان بين واسط والبصرة حوالي منتصف القرن الثاني للهجرة، وقد رحل إلى «البصرة» في مستهل حياته الثقافية؛ حيث درس من فنون الفلسفة والعلم، وارتوى من مناهل المعرفة والأدب ما رفعه إلى أسمى ذروة، وكان «شيعيًّا» معتدلًا، وقد اتهم بالشعوبية.
وقد افتنَّ الجاحظ في تدوين أخباره في البيان والتبيين.
(٢١) الورس: العيب.
(٢٢) يهارون بالنقص: يرمون ويعابون، يعني لم يكن أحد يرميهم بنقيصة، أو يعيبهم بذم.
(٢٣) «عَدِي بن زيد العبادي»: جاهلي نصراني، قبيلته تميم، وموطنه «الحيرة». وقد مرت بك ترجمته في رسالة الغفران (ج٢، ص٨)، وأشار المعري في فصوله إلى قوله:
يا لبينى، أوقدي النارا
إن من تهوين قد حارا
رب نار بت أرمقها
تقضم الهندي والغارا
كما أشار إليه فيها مرات كثيرة، منها ما تراه في ص٣، ٢٧، ٤٧، ٥٨، ١٣١، ١٧٨.
(٢٤) المشير: هو الذي يبين وجه المصلحة ويدل على الصواب.
(٢٥) فرط: فات وتقدم وسبق.
(٢٦) كفء أو مثيل.
(٢٧) اعتقد الشيء: آمن به واطمأن إليه، فلم يحل رأيه عنه، ولم تنحل عقيدته.
(٢٨) المحاظير: المحرمات الممنوعة.
(٢٩) خشعًا من الهيبة؛ أي خاشعات من هيبته، متجنئات: منحنيات، يقال: جنأ عليه وتجانأ: أكبَّ عليه، ويقال: أرادوا ضربه فجنأت عليه أقيه بنفسي. وإذا أكب الرجل على الرجل يقيه شيئًا قيل: أجنأ، وإذا أكب عليه يعوده ويتفقده قيل: أجنأ. وقد مرت بك في الشرح العلائي السابق.
(٣٠) أرمَّت: سكتت.
(٣١) طماعة: طمع.
(٣٢) الفرنب: الفأر الذكر.
(٣٣) الأجمة: الشجر الكثير الملتف.
(٣٤) الوجار: الحجر.
(٣٥) الضيغم: الأسد.
(٣٦) الأذاة: المكروه اليسير، والشغوب: المشاغب المؤذي.
(٣٧) الخيطل: السنور؛ أي القط.
(٣٨) السرعوب: ابن عرس. وقد أشار إليه في لزومه فقال:
غذا العرسان بابنهما عَدوًّا
أقل أذيةً منه ابن عرس
لقد ألقاك في تعب وهم
وليد جاء بين دم وغِرس
وقال مشيرًا إلى ابن عرس وابن بريح — الغراب:
وابن عرس عرفت، وابن بريح
ثم عرسًا جهلته وبريحا
(٣٩) المحضب: المسعر والمقلى، وحضب النار وأحضبها: رفعها وألقى عليها الحطب.
(٤٠) السرحان: الذئب، وقد أشار إليه في لزومه ج١، ص٥٦، ٧٤، ٨٧، ١٠٧، ١٠٩، ١١٠، ١١٢، ١١٣، ١٣٧، ١٧٢، ١٧٧، ٢٠٦، ٢١٤، ٢١٩، ٢٢٥، ٢٣٤، ٢٩٨، ٣١٨، ٣٢١، ٣٢٥.
وج٢، ص: ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٩، ٣٣، ٤٥، ٤٨، ٥٢، ٧١، ٧٢، ٧٦، ٧٧، ٨٠، ١١٣، ١٤٢، ١٤٥، ١٥٨، ١٦٠، ١٦٤، ١٧٨، ١٨٩، ١٩١، ١٩٢، ٢٣٦، ٢٣٨، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٥٧، ٣١٨.
وفي فصوله ص١٦٢، ١٨٩، ٢٧٥، ٣٦٠، ٣٦١، ٣٦٢، ٣٦٥، ٤١٠، ٤٤٩.
وفي رسائله ص٧٠، ٧١، ٨٥، ١٨٧، ١٨٩، ١٩٠، ١٩٥.
(٤١) الجوارح: ذوات الصيد من السباع والطير والكلاب.
(٤٢) بطعام.
(٤٣) الفور: الظباء، واحدها فائر. وقد أشار إليها في فصوله ص١١، ٢١، ١٦٤، ١٦٩، ٢٤٧، ٢٦٩، ٣٥٥، ٤٤٩، ٤٥٩، ٤٧٠.
وفي رسائله ص١٠٣، ١٤٦، ١٨٧، ١٩٦، ٢١٨.
وفي لزومه، وأحدها ج١، ص٣١، ٣٢، ٧٨، ١٠٧، ١١٣، ١٦٧، ١٧١، ١٩١، ١٩٦، ١٩٧، ٢٠٦، ٢١٠، ٢١٩، ٢٢٦، ٢٣٥، ٢٤٥، ٢٥٠، ٢٨٨، ٢٩٥، ٢٩٨.
وفي ج٢، ص١٨، ١٩، ٢٠، ٣٣، ٤٠، ٤٤، ٥٧، ٦٧، ٧٦، ١٠١، ١٥٨، ١٦٩، ١٨٠، ٢٠٤، ٢١٢، ٢٩٥، ٢٩٧، ٣٠٠، ٣٠٧، ٣٦٧.
(٤٤) قرت لامحتك: قرت عينك: رأت ما كانت متشوقة إليه، قالوا: وقرت عينه: بردت سرورًا وانقطع بكاؤها وجف دمعها، قالوا: وبرد الدمع كناية عن السرور؛ لأن دمع الفرح بارد، ودمع الحزن سخن، وعلى ذلك قولهم في الدعاء على الرجل: أسخن الله عينه؛ أي أسخن دمعه، كناية عن إحزانه إياه.
(٤٥) القيل: الرئيس أو الملك.
(٤٦) [الناهض: الطير قبل أن يكمل نبات ريشه].
(٤٧) خسيس النيل: المطلب الخسيس.
(٤٨) الباز: ضَربٌ من الصقور.
(٤٩) [التثريب: الأخذ على الذنب].
(٥٠) يذكرنا هذا الأسلوب القارع بقوله في سقط الزند:
ومن هو حتى يحمل النطق عن فمي
إليه وتجري بينا السفراء؟!
(٥١) كأنه أمن من قتلي إياه، وردي في معنى رداي؛ أي الهلاك الذي ينزل به مِن قِبَلي. وهذه لغة للعرب يستعملونها في المقصور كله فيقولون: هدَيَّ، ونوَيَّ.
(٥٢) معتامًا: مختارًا.
(٥٣) أندادي ونظرائي.
(٥٤) يعني عميان يحملون العصي لتهديهم في أثناء سيرهم. ومن كان أنداده ونظراؤه من أمثال هؤلاء العجزة البائسين لا يجوز له أن يزجَّ بنفسه في مخاطبة الوزراء والكبراء. وليس بمستغرب من أبي العلاء أن يكثر من الإشارة إلى العصا في شعره ونثره، فهي رفيقه وهاديه — كما يقول — في حِلِّه وترحاله. ومن أمتع ما قرأناه له من روائع المعاني في هذا الباب قوله في العمى والعصا:
والعصا للضرير خير من القا
ئد فيه الفجور والعصيان
وقوله:
أعمى البصيرة لا يهديه ناظره
إذ كل أعمى لديه من عصًا هادي
وقوله:
تصدَّق على الأعمى بأخذ يمينه
لتهديه وامنُن بإفهامك الصُّما
وقوله:
إذا مر أعمى فارحموه وأيقنوا
وإن لم تكفُّوا أن كلَّكم أعمى
وقوله:
وجوهكم كلف وأفواهكم عدى
وأكبادكم سود وأعينكم زرق
وما بي طرق للمسير ولا السُّرى
لأني ضرير لا تضيء لي الطرق
وقوله:
دع الفروع وخذ المحجة
لا تأمنن ذا عاهة مضجه
إن عصاك وهي المعوجة
تحدث في رأس أخيك الشَّجَّة
وقوله يشير إلى أنه معتل العين كما أن لفظ «قال» معتل العين:
أعللت علة «قال» وهي قديمة
أعيا الأطبة كلهم إجراؤها
ومن أبرع ما نقبسه له — في هذا الباب — قوله في «رسالة الأخرسين» (انظر: رسالة الغفران، ص٥٢٠).
وقيل لرجل مكفوف: «لِمَ تُؤثِر عصاك على قائد يقودك من الناس؟» قال: «لأنها مقهية — ممتنعة عن الطعام — لا تطعم ولا تشره، ولا تقابلني بما أكره.»
وقوله (ص٥٢١ منها): «أنا مكفوف العين — ضرير — أتكلم في مكفوفي اللسانين — أخرسين.»
وفي رسالة الشياطين (ص٥٠٤) نراه يطلق على العصا اسم المطية الأطلحية؛ لأنها من شجر الطلح، وقد وصف أحوال راكب الناقة وراكب الجواد وراكب البغل وراكب الحمار، فلما بلغ راكب المطية الأطلحية؛ أي: العصا، وهو يعني بذلك ركوب رجليه؛ أي السير راجلًا، قال:

ولا بأس أن يسلب الله الرَّجُل حلَّة الأغنياء، فيلبس — بتفضل الله — حلل الأنبياء، فيستعين على السفر بمطية أطلحية، ليست بالملومة ولا الملحية. إذا حل في المنزل أغنته عن الملأ — الناس — بغنائها عن ماء وكلأ، وهي في التلف قريب الخلف — يسهل استبدال غيرها بها إذا تلفت — حبَّذا تلك المطية!

قال الله عز وجل: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى.
وقد أبدع «ابن حمديس» في إشارته إلى عصاه التي يتوكأ عليها وهو في الثمانين من عمره، قال:
كأنها — وهي في كفي — أهش بها
على الثمانين عامًا لا على غنمي
وقال أبو العلاء في رسالة العصا، وقد كتبها إلى الشيخ جعفر بن أبي القاسم بن أبي العود:

مولاي الشيخ الأجل الأوحد — أطال الله بقاءه، وأدام نعماءه، وكبت أعداءه.

واسمه جعفر. والجعفر النهر الصغير الكثير الماء، وإنه لفرات يرده أهل الإظماء، فيغني الوارد عن القطر النازل من السماء.

وكنيته أبو القاسم، وهو يقسم ما رزق بين الضعفاء، وطارق يجب له حسن وفاء، وهو يُشفق على بعيد وقريب، وأهل من القوم وغريب.

والله — جلت عظمته — يريه ما يسرُّه في نفسه وولده، ويجعل المسرة مقرة في خلده. وأما أنا فقد بلغت سنًّا تصير العالي — من الشجر — ثنا.

وفي هذه المدة، عرض لي ما يمنع من القيام، ويلحق النار الموقدة بالإيام — أي الدخان.

فإذا نهضت خلت أني متوقل في نيق يعجز تعالى السوذنبق، وإذا مثلت قائمًا لم أقدر على خطو إلا كما ضعف من القطو — تقارب المشي — كأن خطوي فتر. وبيد الله العافية والستر. ولا بد لي من عصًا مُعينة، والعجب للدنيا اللعينة.

وورد وليه الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم وهو موقر من أيادٍ ما زال لمثلِها ذا اعتياد.

والله يستجيب مني فيه، وفي أودائه، ما يرفع من دعاء؛ فالرب الأول ملك الملوك وراعي الرعاء.

(٥٥) فإن أخطأت مكاني هذا، وعدوتُ منزلتي، وتجاوزتُ قدري، كما فعل الفأر والعصفور، فما أجدرني أن ألقى من سوء الجزاء مثلما لَقيَا.
(٥٦) وقد مرَّ بك شرح هاتين الكلمتين في [الفصل الثالث: ترجمة الرسالة].
(٥٧) النَّصَفة: العدل والإنصاف.
(٥٨) روقا فزارة هما: عمرو بن جابر وبدر بن عمرو اللذان عناهما الشاعر بقوله:
إذا اجتمع العمران: «عمرو بن جابر»
و«بدر بن عمرو» خلت ذبيان تبعا
وألقوا مقاليد الأمور إليهما
جميعًا قماء صاغرين وطوعا
قماء؛ أي أذلاء صاغرين. قال في لزومه:
نهاب أمورًا ثم نركب هولها
على عنت من صاغرين قماء
وقد أشار إليها في لزومه فقال:
قد عاد شوك «فزارة» متحرقًا
وتصدعت من «دارم» الأحجار
إلخ.
(٥٩) الفرقدان: نجمان. وقد أشار إليها في داليته المعروفة فقال:
فاسأل الفرقدين عمن أحسا
من عباد وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار
وأنارا لمدلج في سواد
(٦٠) [البردان: الغداة والعشي، وهما الصرعان].
(٦١) شمام — كسحاب، ويُروَى كقطام: جبل.
وله رأسان يسميان ابني شمام.
قال لبيد:
فهل نبئت عن أخوين داما
على الأحداث إلا ابني شمام؟
وإلا الفرقدين وآل نعش
خوالد ما تحدث بانهدام
وفي هذا يقول في لزومه (ج١، ص١٩٦):
ولا أدعى للفرقدين بعزة
ولا آل نعش ما ادعاه لبيد
وقال بعضهم:
كل أخ مفارقه أخوه
لعمر أبيك إلا ابني شمام
(٦٢) عمرو بن مَعدِيكَرِب الزبيدي: الفارس المعروف. وقد أشار إليه في لزومه، فقال:
أليس تميم غير الدهر سعدها؟
أليس زبيد أهلك الدهر عمرها؟
وقال:
وما ثنى الحادثات معدى
من مثل بسطام وابن معدى
(٦٣) الحدُّ: البأس والقوة، أو الغضب والنزق. وحِدَّةُ الخمر سَورتُها وصلابتها. وأنشدوا للأعشى:
وكأس كعين الديك باكرت حدها
بفتيان صدقٍ والنواقيس تضرب
وأخو الحد؛ أي ذو القوة والبأس.
وكأنهم يستعملون الأخ في معنى الصاحب فيقولون: أخو السيف؛ أي صاحبه، وأخو الحيرة … (ف٢٧٥). وقد جرى على ذلك الأسلوب العربي عامة، وأسلوب المعري خاصة، فهو يقول: أين أخو الإباءة [الأجمة]؟
ويقول في هذه الرسالة: «أفضل من جوار أخي كندة — امرئ القيس.»
ويقول في لزومياته:
أخوك امرؤ يستحيه الصديق
وآفته أنه يستحي
أخوك أي صاحبك، يعني نفسه، يقول: إن الصديق يستحيني، وهذا موطن ضعفي.
ومما اختاره «أبو العلاء» في غفرانه قول الشاعر في هذا الباب:
أتيح له وكان أخا عيال
شجاع في الحماطة مستكن
(٦٤) الظعينة: الهودج فيه امرأة أم لا، والزوجة، تقول: هي ظعينة فلان أي امرأته؛ لأن الرجل يظعن بها، وهؤلاء ظعائنه أي نساؤه.
(٦٥) وقد أشار إليه في لزومه فقال:
وما عفت الحوادث عن شجاع
فتعفو عن عتيبة أو دريد
(٦٦) انظر ترجمته في: رسالة الغفران. وقد أشار إليه في لزومه (ج١، ص٤٣، ٥٦، وج٢، ص٩٥، ١٣٢، ١٣٩، ١٤٦، ١٤٨)، وفي فصوله (ص١١٣).
ومما يختار له من إشاراته قوله في لزومه:
ألم تريا أن سلك الزمان
أفنى «السليك» وأفنى «السلك»
وقوله:
إن ابن يعقوب: سليكا، غدا
كابن عمير في المنايا «سليك»
وهو من أشهر عدائي العرب المعروفين في الجاهلية.
(٦٧) انظر ترجمته في: رسالة الغفران، وقد أشار إليه في فصوله (ص٤٤، ١٣٧، ٣١٧، ٣١٨، ٣١٩)، كما أشار إليه في لزومه (ج١، ص٩٠، وج٢، ص١٨٠).
(٦٨) يعني أن مَن أثنى على الأستاذين ومدحهما ليس معتمده ومقصده: الحران اللذان هما «حرٌّ» و«أُبَيٌّ».
(٦٩) الحران: كوكبان، والحران اللذان هما أخوان: «الحر» و«أبي»، فغلب الحر على «أبي» كما في الأب والأم … إلخ. وقد سبق الكلام في ذلك.
(٧٠) اليشكري: هو المنخل اليشكري الشاعر الجاهلي المعروف صاحب الرائية المشهورة التي منها قوله:
وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
ومنها:
وإذا سكرت فإنني
رب «الخورنق» و«السدير»
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير
(٧١) مُغلغلة: رسالة محمولة من بلد إلى بلد.
(٧٢) دامس: مُشتدَّة ظلمته.
(٧٣) الخليط: الزوج، وابن العم، والصاحب، والقوم الذين أمرهم واحد، والشريك الذي يخلط ماله بمال شريكه.
(٧٤) يضح لمن وَخاه: يبدو واضحًا لمن طلبه.
(٧٥) انظر: رسالة الغفران، ص٢٨٥.
(٧٦) يجني الثمار: يجعلها ناضجة تُجتنَى وتتناول من شجرتها، قال «ابن الرومي»:
أجنت لك الورد أزهار وأغصان
(٧٧) يُسنِي الأزهار: يفتحها ويجلو إشراقها ونضرتها، ويسني من السنا بالقصر؛ أي الضوء، يقال: أسنى البرق أي أضاء.
(٧٨) سكن: جمع ساكن، والحنتفان مر بك شرحهما في [الفصل الثالث: ترجمة الرسالة].
(٧٩) الزهدمان: مرَّ بك شرحهما في [الفصل الثالث: ترجمة الرسالة].
(٨٠) الرَّهَق أي الظلم وارتكاب الشر، والأبس: تصغير الإنسان وتحقيره. وقد مر بك شرحهما في [الفصل الثالث: ترجمة الرسالة].
(٨١) أخو كندة: امرؤ القيس. وقد مرت ترجمته في «رسالة الغفران»، وأشار إليه المعري في لزومه (ج١، ص٨٠، ١٨٥، ٢٢٩، ٢٩٤، ٢٦٠، وج٢، ص٦٣، ٩٧، ١٢٠، ٢٦٨، ٢٩٦).
(٨٢) إيمان السارية من الآساد: يعني تأمين السارين — من السرى بالليل — من الأُسود. وفي هذا إشارة إلى قوله في داليته المشهورة:
وخطيب لو قام بين وحوش
علم الضاريات بر النقاد
يعني أن هذا الخطيب قادر لتفنُّنِه في طرق الإقناع الخطابي على أن يجعل الأُسود الضارية تقلع عن شراستها، وتتعود البرَّ بصغار الغنم وما إليها من ضعاف الحيوان.
(٨٣) سوف يظفر بما هو أهل له من ثواب في الدنيا قبل أن يلقى مكافأته في الدار الآخرة على ما أسلف من خير، وقدَّم من معروف.
(٨٤) جبر بعُرْفه كسيرًا أي أصلح بمعروفه المكسور منه بما يُسديه إليه من صنيع، قال الشاعر — وهو من أبرع ما رأيناه في هذا الباب:
ونحن نصرناكم لثامًا أدقة
وما لكم من سائر الناس ناصر
جبرناكم لا نبتغي نصرة بكم
كما ضمت الساق الكسير الجبائر
(٨٥) أبناء الراكدة أي أبناء الأرض الراكدة، يعني أبناء الدنيا.
والمعري يكثر من استعمال هذا التعبير، نجتزئ من ذلك بقوله في «رسالة الغفران» (ص٨): «تعرج بها الملائكة من الأرض الراكدة إلى السماء.» وقوله في مخاطبة رضوان: «فكأنما أخاطب ركودًا صماء لأستنزل أبودا عصماء …»
وقوله في غفرانه (ص١٥٩) في معرض الكلام عن بلاغة القرآن وإعجازه: «لو فهمه الهضب الراكد لتصدع.»
(٨٦) الطامية يعني اللجة الطامية، واللجة هي معظم البحر، وهو تارة يصفها بالسواد فيقول في لزومه:
وإنما نحن في سوداء طامية
وهل تخلص من أمثالها السفن؟
وتارة يصفها بالخضرة فيقول في بعض رسائله: «ولكن على كل خير مانع، ودون كل درة خرساء موحية، أو خضراء طامية.» وقد شبه الدهر باللجة في لزومه فقال:
بكينا على الأعمار والدهر لجة
فما صبرت للموج تلك السفائن
(٨٧) يعني موسى الكليم. وقد أشار إليه في سقط الزند فقال:
فلو صح التناسخ كنت موسى
وكان أبوك إسحاق الذبيحا
وقال في غفرانه على لسان الجني:
وقد عرضت لموسى في تفرده
بالشاء ينتج عمروسًا وفرفورَا
وأشار إليه في فصوله (ص٤٤٨)، كما أشار إليه في لزومه (ج١، ص٣٠٤، ٣١٢، ٣٧١، وج٢، ص٦، ٢٨، ١٤٢، ١٤٧، ٢٥٥، ٢٧٧، ٣٤٣).
(٨٨) غير مليم: غير آتٍ ما يستحق عليه اللوم.
(٨٩) جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح.
(٩٠) الحيتان المتفكنة أي الأسماك المتعجبة. وقد أشار إليها في لزومه فقال:
والخلق حيتان لجة لعبت
وفي بحار من الأذى سبحوا
وأشار إلى النون، وهو الحوت في لزومه (ج٢، ص٣١٠)، وقال يخاطبه بأبيات في (ج٢، ص١٤٤).
(٩١) نضب الماء أي غار. وقد افتن شاعرنا في تصوير نضوب المياه في ألواح فنية كثيرة في لزومه، نختار منها قوله:
وللأشياء علات ولولا
خطوب للجسوم لما رفضنه
وغارت — لانصرام حيًا — مياه،
وكُنَّ — على ترادفه — يفضنه
وقوله:
ويقال: إن مدى الليالي جاعل
جبلًا أقام كزاخر موار
وقوله:
زعموا بأن الهضب سوف يذيبه
قدر، ويحدث للبحار جمودها
وقوله:
وللمقادر أحكام إذا وقعت
وبالهضب مار أو اللجي لم يمُر
وقوله:
أجبلت الأبحر في عصرنا
هذا، كما أبحرت الأجبل
وقوله في سقط الزند:
ويقال: إن البحر غاض، وإنه
ستعود سيفًا لجَّة الرجَّاف
وقريب من هذه المعاني قوله في لزومه:
يا لهف نفسي، كم مدن غدون فلا
فيه! وكم فلوات عدن أمصارا!
وقال في فصوله: «فسبحان الله يجعل قدره الجبل واديًا.»
(٩٢) الصرعان: الليل والنهار، أو: الغداة والعشي، من غُدوة إلى الزوال: صرع، وإلى الغروب: صرع آخر. يقال: أتيته صرعي النهار؛ أي غدوة وعشية، ويقال أيضًا: هو ذو صرعين؛ أي ذو لونين.
(٩٣) يعني لا يمتنع في قدرة الله. وقد مرَّ بك في الصفحات الأولى من هذا الكتاب طائفة مما قاله في القدرة الإلهية وعجائبها، وارجع إذا شئت إلى لزومه (ج١، ص١١٣، ٢٠٨، ٢١٢، ٢٣٠، وج٢، ص٤٦، ٤٧، ٧٥، ١٤٦، ١٨٥، ٢٢١، ٢٧٨، ٣١٦، ٣٤٧).
(٩٤) يجوز أن تكون سقطت هنا كلمة «الماء الأجاج» أو «البحر الأجاج».
(٩٥) مجاج النحل: عسله، ومجاج المزن: مطره، ومجاج العنب: خمره. وقد أشار إلى النحل في لزومه (ج١، ص٥٩، ٢٤٥، ٢٩٦، ٣١٤، وج٢، ص١٦، ٩٧، ٩٩، ١٤٨، ١٥٢، ٣٣٢، ٣٦٠).
(٩٦) اليبس: المكان يكون رطبًا ثم ييبس، ومنه قوله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا.
وقيل: طريق يبس أي لا ندوة فيه ولا بلل.
(٩٧) القبس: شعلة تؤخذ من معظم النار.
(٩٨) وشيك: سريع.
(٩٩) منال بشيك: مطلب كاذب لا أمل في إدراكه.
(١٠٠) يشير إلى «بلقيس»؛ ملكة «سبأ»، وكيف نُقل عرشها إلى قصر «سليمان». والقصة ذائعة معروفة، وخلاصتها أن «سليمان» — عليه السلام — تفقد الهدهد ذات يوم فلم يجده بين الطيور، فلما حضر الهدهد سأله: «أين كنت؟» وتوعده بالهلاك إذا لم يُدلِ بحجة صادقة تشفع له في غيابه، فقص عليه الهدهد نبأ «بلقيس»، ووصف له عرشها البديع، وما فيه من نفائس الأحجار الكريمة، واللآلئ الثمينة. وكان الهدهد قد رآه في إثناء طوافه ببلاد اليمن في مدينة «سبأ».
فعجب «سليمان» مما سمع، وبعث الهدهد بكتاب إلى «بلقيس» يأمرها بالحضور إليه طائعة مختارة، ويحذرها مخالفة أمره، فجمعت حاشيتها واستشارتهم في أمرها، فأظهروا لها استعدادهم لحرب «سليمان»، ولكنها بما وُهِبت من رجاحة العقل وبُعد النظر آثرت المهادنة والسلام، على المخالفة والخِصام، ثم بعثت إليه بهدية فاخرة، راجيةً أن تكفَّ بها عن نفسها ما تخشاه من الأذى، ولكنه رفض الهدية وأصر على إحضارها، فلم تستطع لمشيئته رفضًا. وعلم «سليمان» بما اعتزمته، فأعدَّ لها في «أورشليم» — حاضرة مُلكِه — صرحًا باذخًا لم تقع العين قط على أبهى منه، وأمر الجن بإحضار عرشها إلى قصره العظيم، فلما رأته في قصره دهشت في أمرها، فسألها سليمان: «أهكذا عرشك؟» فقالت متحيرة: «كأنه هو بعينه!» ورأت أرض القصر من زجاج ممرد فحسبته ماء، فكشفت عن ساقيها حتى لا يبتل بالماء ثوبُها، ثم أدركت الحقيقة فخجلت وقالت: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقد أشار المعري إلى «بلقيس» في لزومه عدة مرات، منها قوله:
والملك ثبت للقديم، وأبرزت
«بلقيس» عارية بغير صدار
ولرب أجساد جديرات الثرى
بالصون عادت في طلاء جدار
جسد ثرى إن تفترق أجزاؤه
لم تنأ عن فلك عليه مدار
وقوله:
لنا ربٌّ وليس له نظير
يسير أمره جبلا ويرسي
تظل الشمس ماهنة لديه
فما «بلقيس» أم ما «ست برس»
إلى أن يقول:
تشابهت الخطوب فما تناءت
حريرة لابس وقميص برس
وأشار إلى سبأ في لزومه (ج١، ص٣٣ و٥١)، وإلى سليمان (ج٢، ص١٣٩).
(١٠١) إذا مثِّل خبر أو قيس أي إذا ضرب به مثلًا، أو قيس عليه، أو قوبل به.
وهذا هو أسلوب المعري، فهو يتحدث في غفرانه (ص١٢٠) على لسان «أبي هدرش» الجني، يصف انقياد طائفته لإبليس فيقول:
ونسلم الحكم إليه إذا
قاس فنرضى بالضلال المقيس
أي نسلم حكمنا لإبليس فنرضى بما يراه لنا من الآراء الضالة.
وهو يعني بقوله «إذا مثل خبر أو قيس.» أن الرياح ربما حملت سفينة صاحبه في هبوبها كما حملت عرش «بلقيس»؛ فإننا متى تمثلنا هذه القصة سهل علينا أن نقيس عليها تلك الأمنية التي لا يستحيل تحقيقها. ولا ريب أن القدرة الإلهية لا يعجزها أمر من الأمور، قادرة على إبداع كل شيء، وتذليل كل صعب.
(١٠٢) اليم: الماء، وسواكن اليم: الأسماك والحيتان.
(١٠٣) بيمنه: ببركته.
(١٠٤) الشَّجَب: الهلاك.
(١٠٥) السهب: الفلاة.
(١٠٦) الأرحب: الواسع.
(١٠٧) الخيط — بالفتح وبالكسر: الجماعة من النعام، يقال: رأيت خيطًا من النعام؛ أي طائفة منها. وقد أشار إلى النعام في لزومه (ج١، ص٧٩، ٨٣، ١٣٢، ١٥٢، ١٩٤، ١٩٥، ١٩٨، ٢٠١، ٢١٨، ٢٢٤، ٢٧١، ٢٧٣، ٢٧٧، ٢٩١، ٣٢٦، وج٢، ص٩٥، ٩٧، ١٧٥، ١٨٧، ٢٠١، ٢٢١، ٢٢٤، ٢٢٨، ٢٣٤، ٣٠٦، كما أشار إليها في فصوله ص٦٦، ١٧٨، ١٨٨، ٢١٩، ٣١٥، ٣٣٠، ٣٧٦، ٣٩٣، ٤١٤، ٤١٥، ٤١٩، ٤٢٦، ٤٣٢، ٤٤٢، ٤٥٨، ٤٧١)، وأشار إليها في رسائله (ص٧٣، ٨١، ٨٢، ١٤٣، ١٤٨، ١٥٠، ١٨٧، ١٩٧).
(١٠٨) المخودة: المسرعة في سيرها.
(١٠٩) الربرب: القطيع من بقر الوحش.
(١١٠) الغمر أي المزدحم بالكثير من الناس، والمستقر: المقر والمجلس.
(١١١) الجمر: النار المتقدة، واحدها جمرة. وقد سبق شرحه.
(١١٢) الغياض: الآجام، واحدها غيضة، وهي الأجمة، أو مجتمع الشجر في مغيض الماء؛ أعني في مدخل الماء حيث يذهب في الأرض.
(١١٣) الديباج: الثوب الذي سداه ولحمته حرير، الواحدة ديباجة.
(١١٤) هو نصر بن صالح بن مرداس، وكنيته: «أبو كامل»، وقد نجا بعد أن قتل أبوه في سنة ٤٢٠ﻫ، ثم ملَك حلب «وبقي بها إلى سنة ٤٢٩ﻫ.» وقد سبقت الإشارة إليه في (ص١٥٥) من هذا الكتاب، وفي «رسالة الغفران» (ص٧٨)، وأشار إليه المعري في بعض رسائله (ص٦٣).
(١١٥) الأفناء: جمع فناء، وهو سعة أمام البيت، يعني يُفرِّقه في أرجاء «سبيعة»، وهو يعني قبيلة بني سبيعة، وهي قبيلة معروفة. وقد أشار إليها في لزومه فقال:
إذا ما بيعة زبرت لغي
فأعط لهجرها أيمان بيعه
ولا تجعلك للأيام كلبًا
ظباء من «ذؤيبة» أو «سبيعه»
فإن الدهر ينقل كل حال
كما نقل الحكومة من «ضبيعه»
(١١٦) جعل ما يفرقه من الحرير والديباج كالرشوة لأخذ البيعة، وهو تهكم لاذع.
(١١٧) الأشهبان: وقد مرت بك في الشرح: عامان أبيضان ما بينهما خضرة، يقال عام أشهب أي مجدب؛ لأن الزرع يشهبُّ فيه، قالوا: والأشهبان: كانوتان، وقال في لزومه:
حملت كميتًا تحت أدهم لم يزل
في الأشهبين مقصرًا بكميتها
(١١٨) الأقضية: جمع قضاء، قال في فاتحة لزومه: «كان من سوالف الأقضية أني أنشأت أبنية أوراق توخيت فيها صدق الكلم.»
(١١٩) اللجين: الفضة، وهو يعني بذلك أن أقضية الله وقدرته إذا شاءت حققت أمنيته، فجعلت ما يسقط من السماء من ثلج وبرد في العامين المجدبين فضة.
(١٢٠) يفضه: يفرقه.
(١٢١) الأشقياء: المعسرون وذوو الفاقة.
(١٢٢) اللِّصَاب جمع لصب. وقد مرَّ بك. الشعب: الطريق الصغير في الجبل.
(١٢٣) الحرجة: الأماكن الضيقة.
(١٢٤) الفيح: جمع أفيح، وهو الواسع.
(١٢٥) السباسب: جمع سبسب، وهو المفازة أو الأرض المستوية البعيدة.
(١٢٦) لا تَشرق: تغص.
(١٢٧) لجب، يقال: جيش لجب: ذو جلبة وكثرة.
(١٢٨) المواكب: جمع موكب، وهو الجماعة — ركبانًا أو مشاة — وهو يعني أنها لا تغص بجموع الجيوش العظيمة ولا تضيق بكثرتها.
(١٢٩) الرق: جلد رقيق يكتب فيه.
(١٣٠) الأكمة: التل أو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد.
(١٣١) المريح: الذي رجعت إليه نفسه بعد الإعياء.
(١٣٢) اللاغب: المُتْعَب الذي اشتد به الإعياء، يقال: جاءنا ساغبًا لاغبًا؛ أي جائعًا مُعْييًا.
(١٣٣) يريد شاعرنا بأسد النجوم: «الليث»، وهو أحد البروج الاثني عشر، وقد أشار إليه في لزومه فقال:
وصور ليث الشهب في مستقره
ولو شاء أمسى فوق غبرائه كلبا
وهو يعني بذلك أن الله — سبحانه — قادر على تحويل ذلك البرج المسمى بالليث كلبًا من كلاب الأرض.
العالم العالي: وقد سبح به خياله في هذه القصيدة الحاشدة بأعمق التأملات في عجائب صنع الله، وكمال قدرته التي أبدعت العالم العالي، وزينته بالنجوم و«السهى» و«الثريا» و«السماكين»، كما أنشأت القلب — يعني قلب العقرب، وهو من منازل النجوم — وألحقت النحول والهزال بالبدر بعد تمامه، فخيل لرائيه أنه سوار كسرته يد الظلام، وأدنى الرشاء للعراقي — وللرشاء معنيان، فهو منزلة من منازل القمر، وهو أيضًا حبل الدلو. والعراقي: جمع عرقوة؛ وهي خشبتان تعرضان على الدلو — ولما كانت هذه الدلاء من منازل القمر، فهي لا تحتاج إلى رشاء — حبل — أيًّا كان نوعه، سواء أكان شريعًا — حبلًا من الكتان — أم جلبًا — حبلًا من ليف. ثم صوَّر الليث — وهو كما أسلفنا أحد البروج الاثني عشر — في مكانه من السماء، ولو شاء — سبحانه — لحوله كلبًا من كلاب الأرض، ثم رمى بفراقد النجوم إلى الأرض وجعلها من فراقد الأرض — وهي أولاد البقر الوحشي — وأنزل إلى دنيانا الثور — وهو أيضًا من منازل القمر — فجعله مثل سميه الثور الأرضي: يكرب — يحرث الأرض — فتشتبك بظلفيه الشوابك والهلب — وللهلب معنيان؛ أحدهما: الشعر، والآخر: كوكب من الكواكب — ثم أنزل نعام الجو من عليائها، فجعلها نعامًا أرضية مُفزَّعة القلب تهيم على وجهها في الدوِّ — الفلاة — تخشى أن يغلبها الصيادون على أمرها، فلا يقر لها قرار من شدة الخوف، ثم أمر الحوت — وهو من أبراج القمر كذلك — فهوى إلى البحر ليعيش مع أخيه الحوت في الماء، وأسكن النجوم المتألقة في السماء حفرة ضيقة في الأرض بعد أن كانت تنير الظلماء في الليلة الحالكة الدجياء. وإليك النص العلائي:
فربكم الله الذي خلق السهى
وأبدى الثريا والسماكين والقلبا
وأنحل بدر التم بعد كماله
كأن به الظلماء قاصمة قلبا
وأدنى رشاء للعراقي ولم يكن
شريعًا إذا نص البيان ولا خلبا
وصور ليث الشهب في مستقره
ولو شاء أمسى فوق غبرائه كلبا
وألقى على الأرض الفراقد فارتعت
مع الفرقد الوحشي ترتقب الألبا
وأهبط منها الثور يكرب جاهدًا
فتعلق ظلفه الشوابك والهلبا
وأضحت نعام الجو بعد سموها
سدًى في نعام الدوِّ لا تأمن الغلبا
وأنزل حوتًا في السماء فضمه
إلى النون في خضراء فاعترف السلبا
وأسكن في سكٍّ من الترب ضيق
نجوم دجًى في شبوة أبت الثلبا
ومن بدائعه في هذا الباب قوله يشير إلى الليث من أبيات:
وأمسى الليث منها ليث غاب
يجاذب فرسه المتوحدات
جهل النجوم: وقد شرح في تلك الأبيات كيف جهلت النجوم أمور الغيب التي استأثر بعلمها الخالق — سبحانه — كما جهلناها، وعلل جهلها أسرار الغيب بأنها محدثة مثلنا غير قديمة؛ فقد أوجدتها قدرة الله كما أوجدتنا من العدم، ولو شاء خالق الكائنات لأسقطها من عليائها، فانطفأ نورها، وخبا ضوءُها، وهوت إلى ظلمة العدم متتابعة واحدةً في أثر الأخرى، وتحول الليث — وهو كما أسلفنا أحد البروج الاثني عشر — فأصبح من أسود الأرض يسعى دائبًا لكسب القوت … إلخ. وإليك النص:
فهل علمت بغيب من أمور
نجوم للمغيب معردات؟
وليست بالقدائم في ضميري
لعمرك بل حوادث موجدات
فلو أمر الذي خلق البرايا
تهاوت للدجى متسردات
وأمسى الليث منها ليث غاب
تجاذب فرسه المتوحدات
إلخ.
ومن أبرع ما يختار له في هذه القصيدة قوله يسخر ممن أسندوا إليها العقل والتمييز، ويُفنِّد رأي من وصفوها بالمنطق، وزعموا أن لها عواطف ورغبات، وآرابًا وغايات، تحفزها إلى المنافسة والمحاسدة، وتزج بها في ميدان التحاقد والمكايدة:
وقد زعموا بأن لها عقولًا
وأقضية المليك مؤكدات
وأن لبعضها لفظًا، وفيها
حواسد مثلنا ومحسدات
وقد أشار إلى هذا المعنى في سخرية عالية حين قال:
أيعقل نجم الليل أم بدر تمه
فيصبح من أفعالنا يتعجب؟
ومن بدائع تأمله قوله الساخر في نجوم الليل:
لعل نجوم الليل تعمل فكرها
لتعلم سرًّا فالعيون سواهد
وقريب من هذا المعنى قوله يتمثل الليل خائفًا يرتعد من الموت فرقًا:
كأنما الليل لخوف الردى
تأخذه من فرق رعدة
إهانة الشمس: وقوله يفند مزاعم المتخرصين الذين يزعمون أن الشمس تُضرب وتهان متى حان وقت شروقها:
وقد كذبوا حتى على الشمس أنها
تهان إذا حان الشروق وتضرب.
حبال الشمس: ومن بديع لفتاته قوله في بعض رسائله (ص٥٥٢ من «رسالة الغفران») في حبال الشمس التي يسمونها خيط باطل، أو سوط باطل؛ وهو حبل منسوج من ضوء الشمس يبصره الرائي من كوة أشبه شيء بالهباء: «ولن يصير سوط باطل في القوة كالمسد — الحبل المحكم الفتل.»
وقوله في لزومه يؤكد هذا المعنى متهكمًا:
فإن حبال الشمس ليست ثوابتًا
لشد رحال أو قوابض جذب
ولم يفته، بعد ذلك، أن يعرض علينا صورة لهذا المعنى تقابل سابقتها وتخالفها، فذكرنا ببقاء حبال الشمس على ضعفها، ودوامها إلى ما شاء الله، على حين تبلى شباك الصيادين برغم متانة فتْلها، وإحكام نسْجها، وهو من بدائع اللفتات العلائية العميقة، قال:
هذي حبال الشمس وهي ضعيفة
دامت، وكم أبلت حبالة خاتل!
مصارع الكواكب: وقد صور في بعض فصوله طائفة من الألواح الفنية، فتمثل على مألوف عادته القدرة الإلهية وقد أبدعت من غرائب المحال ما لا يخطر على البال، فانتقلت بإذنها الكواكب والنجوم من العالم العالي إلى العالم الهاوي، فسقط النجم من سمائه بعد أن صيره القدر عبدًا ذليلًا من عبيده، أو أمة حقيرة من إمائه.
وليس هذا الخيال بمستغرب منه؛ فالنجوم عنده كغيرها من الأناسي وسائر الكائنات عبيد لخالقها أو إماء:
للمليك المذكرات عبيد
وكذاك المؤنثات إماء
وقد تمثل في «سقط الزند» آخرة العالم ومصارع الكواكب، وكيف أن القدر متصرف تنفذ مشيئته في «زحل»، وهو — فيما يرى — أعلى الكواكب دارًا، وأسماها مكانًا، فيدركه الفناء كما يدرك أحقر الأحياء، كما تمثل نجوم الثريا يجري عليها حكم القدر فيبددها كما يبدد كل عقد إذا ائتلف.
ثم قرر أن نار المريخ سيُجري عليها القدر حكمه، وينفذ فيها مشيئته، فيطفئها بعد أن دام اشتعالها، ويجني جمرتها بعد أن طال التهابها، قال:
زحل أشرف الكواكب دارًا
من لقاء الردى على ميعاد
والثريا رهينة بافتقاد الشمـ
ـل حتى تظل في الأفراد
ولنار المريخ من حدثان الد
هر مُطفٍ وإن علت في اتقاد
إذلال النجوم: وتخيل — فيما تخيله من بدائع فصوله — أن العالم العالي قد أنزلته قدرة الله إلى عالمنا الهاوي، فأسقط القضاء النجم من سمائه، وصيره القدر عبدًا ذليلًا من عبيده، أو أَمَة حقيرة من إمائه، فأصبح «زحل» زارعًا مشغولًا بالسعي في طلب الرزق: يحرث الأرض، ويسير في أثر بقرة حثيثة الخُطى، وصار «المريخ» خادمًا يحتطب ليظفر بحاجته من الوقود، وانقلب «المشتري» تاجرًا يسوم البضائع للمشترين، وهكذا.
وإليك النص العلائي:
أيتها النفس المجهشة — المتهيئة للبكاء — مهلًا، قرب مماتك فلا تقولي لي «كلا»؛ بليت وحسرتك لا تبلى.
مبتدعك مقتدر على أن يجعل «زحل» كرابًا — حرَّاثًا — يتبع خائرة — بقرة — عجلى.

•••

و«المريخ» ماهنًا — خادمًا — يطعم الإرة — وهي الحفرة يوقد فيها النار — حطبًا جزلًا.
و«المشتري» سائمًا — وهو الذي يسوم البضاعة عند الشراء — يقول: «ما أرخص وأغلى»!
و«الشمس» في قلادة كعاب تجلى — والشمس ضرب من الحلى — والمعنى أن الله تعالى لو شاء جعل هذه الشمس الطالعة شمسًا في القلادة.
و«الزهرة» زهرة تعلو بقلًا، و«عطاردًا» كاتب تاجر ينظر ما قال وأملى، و«القمر» بياضًا يستبطن يدًا أو رجلًا.
و«الشرطين» قرني حمل — والمنجمون يزعمون فيما يقول أبو العلاء أن الشرط قرن الحمل — يرتعي خلي — نباتًا رطبًا.
و«البطين» محتويًا على كبد وكلى.
والثريا منيرة في بعض الحنادس منزلًا. يعني أن الله تعالى يقدر أن يجعل ثريا الكواكب التي في السماء مثل ثريا القناديل التي في الدور.
وحادي النجم راعيًا يتبع قلاصًا عجلًا — حادي النجم يعني الدبران، والنجم: الثريا — قال الشاعر:
وأية ليلة لا كنت فيها
كحادي النجم يحرق ما يلاقي
والعرب تتشاءم بحادي النجم وقلب العقرب. والقلاص: الشواب من النوق.
والهَقْعَة دائرة في طرف — فرس — عاطلًا أو محجلًا [الهَقْعَة من دوائر الفرس يتشاءم بها، ويقال: إنها بياض في الجانب الأيمن مما يقع عليه أحد جانبي السرج، وكانت العرب تتيمن بها].
والهنعة تركب عنقًا مذللًا [اشتقاق الهنعة من قولهم: في عنقه هنع؛ أي اطمئنان].
والذراع [الذراع يذكر في لغة عكل] يطبخ فيمسي منتشلًا.
والطرف عيني أسد تزران إذا رأى سفرًا مليلًا — في الليل.
والنثرة والجة في الأنف يقدم وجهًا مسهلًا — ضد الجهم — [والنثرة باطن الأنف، ومنه قيل: استنثر الرجل؛ أي أدخل الماء في باطن أنفه، ويقال: طعنه فأنثره إذا ألقاه على النثرة، قال الراجز:
إن عليها فارسًا كعشرة
إذا رأى فارس قوم أنثره
وإنما شبهت نثرة الأسد في النجوم بنثرة الأنف، كما جعلوا له ذراعًا وجبهة].
والزبرة تعلو كتدًا لليث يسكن دغلًا [زبرة الأسد: الشعر الذي يعلو كتفيه، وبها سميت زبرة النجوم، والكتد: مجتمع الكتفين].
والجبهة [ويقال للخيل: جبهة] خيلًا كرامًا، أو جبهة ضرغام: لا يحذر محتبلًا — لا يخاف حبالة الصياد — يقتنص في غابه ظليمًا — ذكر النعام — أو وعلًا.
والصرفة خرزة تغدو بها المرأة طالبة أملًا [ويقال لضرب من الخرز — التي تزعم نساء الأعراب أنهن يصرفن بهن الزوج — الصرفة، ولهن خرز كثير، فمنهن: الصدحة، والزلقة، والكحلة، والوجيهة، والهمرة، والهنمة.
ويقولون في سجع لهن: أخذته بالهنمة، بالليل عبد، وبالنهار أمة].
والعواء ضروة — كلبة — تتبع فرقًا — قطيعًا عظيمًا من الغنم — مهملًا [والعواء من الكواكب — تمد وتقصر، والقصر أكثر — وأنشد في المد:
قد برد الليل الثمام عليهم
وقد صارت العواء للشمس منزلًا
وقال قوم من أصحاب الأنواء: العواء: كلاب تتبع الأسد] وقد ذكرها شاعرنا في لزومه بالقصر، فقال:
أم يخطب العوى السماك ويعـ
ـطيها الذي ترضاه من مهر
انظر: مقدمة الغفران. [والضروة: الكلبة، وكانت كلبة حومل التي يضرب بها المثل فيقال: «أجوع من كلبة حومل.» يقال لها: «العواء»، ويقال: إن «حومل» صاحبتها طبخت قدرًا، وإن الجوع حمل الكلبة على أن تدخل رأسها في القدر وهي تغلي].
والسماك الأعزل راجلًا يشتكي عزلًا.
والرامح فارسًا يخضب قناته قتلًا.
والغفر نمطًا تودعه الظعينة — الزوجة — حللًا [والغفر: نمط يجعل كالعكم — الغرارة — فتجعل فيه المرأة متاعها، ويقال: إن الغفر من النجوم سمي بذلك. والله أعلم].
والزباني على شوشب سلاحًا لا يرهب فلًّا، والإكليل للفرضخ مجللًا [والزباني: قرن العقرب الأرضية، وكذلك هو للعقرب من النجوم، وشوشب: من أسماء العقرب الأرضية، والفرضخ: من أسماء العقرب].
والشولة معها نصلًا، والقلب بين جوانح يوجد مشتعلًا [وقلب النخلة يقال في جمعه: قلبة]، أو بين سعف نفى عنه المشذب هملًا، والنعائم [النعائم خشب يوضع على البئر] على قليب — بئر — يوجد مظللًا، والبلدة في نحر ظل مقبلًا [البلدة من النحر وسطه].
وسعدًا الذابح مقترًا يذبح حملًا [سعد الذابح: من منازل القمر، وإنما قيل الذابح لأن قدامه كوكبًا تزعم العرب أنه ذبحه، والذبح: المذبوح أو ما أعد ليذبح، قال جرير:
ولسنا بذبح الجيش يوم أوارة
ولم يستبحنا عامر وقبائله]
وسعد بلع طاعمًا يلتهم أكلًا.
وثالثهما: سعد بن ضبيعة قائلًا مرتجلًا [وسعد بن ضبيعة هو: سعد بن مالك بن ضبيعة. وهذا يجوز في كلام العرب ويكثر، ومنه قوله : «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»].
وسعد الأخبية سعد بن زيد نازلًا مرتحلًا [وسعد بن زيد هو: سعد بن زيد مناة بن تميم].
والفرغين يكتنفان غربًا سحبلًا [والفرغان: من النجوم شُبِّها بفرغي الدلو، وهو: ما بين العراقي، وربما قالت العرب: العرقوتان وهم يريدون الفرغين، قال عدي بن زيد:
في نبات سقاه نوء من الدلـ
ـو تدلى ولم تخنه العراقي
والغرب: الدلو العظيمة، والسحبل: العظيم البطن، من الدلاء والوطاب والناس].
والرشاء مرسا — حبلًا — في يد مهيف [أي عطشان] ينضح بالماء غللًا، من حول ولقاح [والحول: جمع حائل، وهو الأنثى من أولاد الإبل ساعة توضع] ولقاح — حامل.
مراجع النصوص العلائية: وللمعري في هذا الباب روائع لا تحصى، فلنجتزئ منها بهذا القدر اليسير، تاركين لكتاب «العالم العالي» تفصيل ما أجملنا بعضه في هذه الوجازة، ولمن شاء الاستزادة من هذا الإبداع الفني العالي أن يرجع إلى لزومه (ج١، ص٢٩، ٣٣، ٣٦، ٣٧، ٣٨، ٤١، ٤٤، ٤٧، ٥٠، ٥٢، ٥٤، ٥٥، ٥٩، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٦، ٦٩، ٧٠، ٧٧، ٧٨، ٧٩، ٨٣، ٩٣، ٩٦، ٩٧، ٩٨، ١٠٠، ١٠٢، ١١٣، ١١٧، ١٢٧، ١٣١، ١٣٤، ١٣٥، ١٣٦، ١٣٨، ١٤٠، ١٤٧، ١٤٩، ١٥١، ١٥٥، ١٥٦، ١٦٣، ١٦٦، ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، ١٧٤، ١٨٠، ١٨٣، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٦، ٢٠٠، ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٨، ٢١٠، ٢١١، ٢١٢، ٢١٤، ٢١٦، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢١، ٢٢٢، ٢٢٤، ٢٢٦، ٢٢٧، ٢٣٣، ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤١، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥٣، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٧٢، ٣٧٣، ٢٧٤، ٢٧٧، ٢٧٩، ٢٨٢، ٢٨٣، ٢٨٦، ٢٨٨، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٦، ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٣، ٣١٤، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣٢، ٣٣٦، ٣٣٧، ٣٣٨، ٣٣٩، ٣٤١، ٣٤٤، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٥، ٣٥٩).
(ج٢، ص٤، ٨، ١٠، ١١، ١٥، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤، ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠، ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٨، ٤٠، ٤١، ٤٤، ٤٧، ٥١، ٥٤، ٥٥، ٦٩، ٧٠، ٧٣، ٧٥، ٨٧، ٨٩، ٩٢، ٩٧، ١٠٥، ١٠٦، ١٠٨، ١١٠، ١١١، ١١٧، ١١٨، ١٢١، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٧، ١٢٨، ١٣١، ١٣٣، ١٣٧، ١٣٩، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٦، ١٥٠، ١٥١، ١٥٢، ١٥٣، ١٥٦، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦٠، ١٦١، ١٦٣، ١٦٥، ١٦٦، ١٦٧، ١٦٨، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٦، ١٧٩، ١٨١، ١٨٤، ١٨٦، ١٨٨، ١٨٩، ١٩٠، ١٩١، ١٩٢، ١٩٦، ١٩٧، ٢٠٢، ٢٠٣، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢٠٩، ٢١٢، ٢١٥، ٢١٦، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢١، ٢٢٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣١، ٢٣٣، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٤، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٨، ٢٧٤، ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٧٩، ٢٨٢، ٢٨٨، ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٦، ٢٩٧، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠٢، ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٩، ٣١١، ٣١٢، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٦، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٤٩، ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٧، ٣٥٨، ٣٦١، ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٦٨).
وديوان سقط الزند (ج١، ص٧، ١٠، ١١، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، ١٨، ١٩، ٢٠، ٢١، ٢٣، ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠، ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٨، ٣٩، ٤٠، ٤٣، ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٨، ٥٠، ٥١، ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٧، ٥٨، ٦٠، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٥، ٦٧، ٦٨، ٧٠، ٧١، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٧٩، ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٤، ٨٥، ٨٧، ٨٨، ٨٩، ٩٠، ٩١، ٩٢، ٩٥، ٩٦، ٩٧، ١٠١، ١٠٢، ١٠٣، ١٠٧، ١٠٨، ١٠٩، ١١٢، ١١٥، ١١٦، ١١٧، ١٢٠، ١٢١، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٦، ١٢٧، ١٣٠، ١٣١، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٧، ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٥، ١٤٩، ١٥٠، ١٥٣، ١٥٥، ١٥٦، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦٠، ١٦٢، ١٦٤، ١٦٦، ١٦٨، ١٦٩، ١٧١، ١٧٤).
(١٣٤) السماكان: كوكبان نيران يقال لأحدهما: السماك الرامح، والآخر السماك الأعزل، وفي ذلك يقول شاعرنا:
لا تطلبن بآلة لك رتبة
قلم الأديب بغير حظ مغزل
سكن السماكان السماء كلاهما
هذا له رمح وهذا أعزل
ويقول في لزومه:
وما أظن المنايا
تخطو كواكب جريه
ستأخذ النسر والغفـ
ـر والسماك وتربه
(١٣٥) المرزمان: نجمان من الشعريين. وقد أشار إليهما في لزومه فقال:
أمطرنا الله بإحسانه
لا أنسب الغيث إلى المرزمين
(١٣٦) العارض: سحاب يعرض في أفق السماء. وقد سبق شرحه.
(١٣٧) البارض — كما مر بك: أول ما يظهر من النبات.
(١٣٨) بين ذراعي وجبهة الأسد: سبق الكلام عنها في (ص١٩٠).
(١٣٩) قال في لزومه:
رأيت سكوتي متجرًا فلزمته
إذا لم يفد ربحًا فلست بخاسر
وقد امتدح الصمت في جمهور نثره وشعره، وغلا في امتداحه حتى آثر العي وفضل الخرس على الكلام، فقال في لزومه:
يستحسن القوم ألفاظًا إذا امتحنت
يومًا فأحسن منها العي والخرس
فضل الخرس: وقد أبدع طائفة من أروع الصور في الإشادة بفائدة الخرس ومزاياه في «رسالة الأخرسين»، التي ألحقناها برسالة الغفران (ص٥٠٧)، ومن أبرع ما كتبه في تلك الرسالة في وصف هذين الأخرسين قوله في وصفهما إنهما:

رجلان ما اغتابا قط ولا يغتابان، ولا كذبا، ولا يكذبان، ما نطقا بكلمة ذميمة، ولا فاها — مع البشر — بالنميمة.

وما حكاه في تلك الرسالة من قول بعض الصالحين:
لأن يدعو لي رجل أخرس أحب إلي من أن يدعو لي ألف خطيب على ألف منبر؛ لأن ذلك يومئ إلى الله — سبحانه — بلسان ما أفك، ولا قال البهتان، وأولئك جديرون أن يكونوا كما قال الله سبحانه: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.
الجار الأخرس: وقوله: وكان — لبعض الناس — جار أخرس فتوفي، فرآه في النوم، فجعل يومئ إليه — كما كان يفعل فيما سلف — فأجابه بلسان طلق: يا فلان، صرت بعدك من خطباء الجنة، كلما مضت أربع وعشرون ساعة من ساع الدنيا نصبت لنا منابر من الياقوت، فنمجد عليها الله، ويقال لنا: «هذا بما أمسكت ألسنتكم في دار الغرور.»
فنحن كما قال القائل:
خطباء على المنابر، فرسا
ن عليها، وقالة غير خرس
وقوله: ومن فضائل الخرس إجماع الأمم على حمد الصمت، حتى قال القائل: «الصمت حكم وقليل فاعله.»
فضل الصمت: ومن وصاياه في الصمت قوله في فصوله (ص١٧٤): «وإن عصتك الغريزة؛ فعليك الصمات إن كان كلامك لا ينتفع به سواك، فإن ظننت المنفعة لغيرك؛ فلا بأس بعظتك وأنت مصر على الآثام.» وقوله في (ص٢٥): «التقي ملجم، يفتقر كلامه إلى أن يترجم.» وقوله في لزومه:
فأمسك غرب فيك ولا تعود
على القول الجراءة والهجوما
وقوله:
على الكذب اتفقنا فاختلفنا
ومن أسنى خلائقك الصموت
مراجع النصوص العلائية: وارجع إذا شئت الاستزادة مما أبدعه من الصور البيانية في هذا الباب إلى لزومه (ج١، ص٥٦، ٩٦، ١٠٢، ١٢٢، ١٣٢، ١٣٥، ١٣٩، ١٤٢، ١٤٣، ١٤٧، ١٤٩، ١٥٠، ٢٠٨، ٢٢٢، ٢٢٨، ٢٦٣، ٢٩٤، ٣١٠، ٣٢٧، وج٢، ص٤، ٦، ٩، ١٢، ٢١، ٢٧، ٦٧، ٩٢، ١١٤، ١٥٦، ١٦٨، ١٨٠، ١٩١، ١٩٢، ٢٢٢، ٢٥٩، ٢٦١، ٣٠٥، ٣٣٤، ٣٦٠).
(١٤٠) أوجر — كما مرَّ بك: خائف، وهو يعني بذلك أن الكذاب يجمع إلى إساءته وذنبه، جبنه وخوفه.
الكذب كما يراه أبو العلاء، مراجع النصوص: وللمعري في ذم الكذب فنون تضيق بتفصيلها مطولات الرسائل والكتب، بله موجزات الشروح، ومختصرات التعليقات، وحسبنا أن ننبه القارئ المستزيد إلى ما أبدعه شاعرنا من روائع الصور البيانية في هذا الباب في لزومه (ج١، ص٣١، ٣٦، ٤١، ٤٢، ٤٩، ٥٤، ٦٠، ٦٦، ٨٥، ٨٩، ٩٦، ٩٧، ١٠٥، ١١٢، ١١٣، ١١٤، ١١٨، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٧، ١٣١، ١٣٣، ١٣٥، ١٦٥، ١٦٦، ١٧٤، ١٧٦، ١٧٩، ١٨١، ١٨٣، ١٨٧، ١٩٢، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٣، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢١١، ٢١٢، ٢١٥، ٢٢٩، ٢٤٢، ٢٤٣، ٢٤٤، ٢٥١، ٢٦٣، ٢٧٠، ٢٨٧، ٢٩٢، ٢٩٦، ٣٠٨، ٣١٩، ٣٢٤، ٣٢٧، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٧، ٣٥٩).
و(ج٢، ص٣، ٧، ٢١، ٢٢، ٢٥، ٢٦، ٢٩، ٤٠، ٤٨، ٥٣، ٥٧، ٥٨، ٦٤، ٦٨، ٧١، ٧٣، ٧٥، ٨٦، ٩٠، ٩١، ١٠٠، ١٠٧، ١٠٨، ١١٤، ١١٥، ١٢١، ١٢٣، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٧، ١٤٧، ١٥٧، ١٥٨، ١٦٢، ١٦٦، ١٧٠، ١٧١، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٧٧، ١٧٩، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٧، ٢٠٥، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢١، ٢٢٧، ٢٣١، ٢٣٤، ٢٣٧، ٢٤٢، ٢٥٤، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٥، ٢٦٩، ٢٨٣، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠١، ٣٠٥، ٣١٢، ٣١٥، ٣١٧، ٣٢٤، ٣٢٧، ٣٢٨، ٣٣٤، ٣٤٤، ٣٥٠).
(١٤١) الإمساك: الصمت.
(١٤٢) والسدين: ثوب من كتان، يعني أن صاحبه ناصح أمين ظاهره كباطنه صفاءً ونقاءً، فهو لا يرتدي ثوب الرياء ليحجب عن الناس عقيدته ورأيه.
(١٤٣) لا يحتمل فيه التحريك أي لا يُطاق ولا يصبر عليه.
ورُبَّ ورُبَّة ورُبَّما وريثما — بالتشديد، وقد يخفف: حرف خفض لا يقع إلا على نكرة، وقد عرض له التاج ببحث وافٍ؛ فليرجع إليه من شاء في (ج١، ص٢٧٨ و٢٧٩).
الساكن المشدد: فإذا قرأنا هذا الحرف بالتشديد تبادر إلى فهمنا أن شاعرنا يعني أن التشديد في هذا الحرف ثقيل لا يحتمل ولا يطاق، وذكرنا قوله في لزومه:
وخلت أني حرف الوقف سكنه
وقت، وأدركه في ذاك تشديد
الساكنان: فإذا قرأنا «ربْ» بتسكين الباء كَمُذْ، وهو — كما يعلم القارئ — حرف مبني على السكون، تبادر إلى فكرنا أنه يعني تشبيه نفسه — بعد أن أدركته الشيخوخة — بهذا الحرف في ملازمته السكون وعجزه عن الحركة، فإنهما ساكنان لا يتحركان.
فإذا قرأناها بالدال بدلًا من الراء، وهي مترجحة الشبه في المخطوطة بين الراء والدال، تبادر إلينا أنه يعني بلفظ «دب» زمن الشيخوخة التي تُعجز صاحبها عن الحركة والسَّير، وتجعله يدبُّ على العصا، كما يشير إلى المثل القائل: «أعييتني من شب إلى دب.» بضمِّهما ويُنوَّنان؛ أي من الشباب إلى أن دبَّ على العصا، قالوا: ويجوز «من شب إلى دب» على الحكاية، وتقول: «فعلت كذا من شب إلى دب».
وقد اقتبس أبو العلاء هذا المثل في رسالته التي كتبها إلى خاله أبي القاسم علي بن سبيكة عند طلوعه من العراق، ووجد أمه قد توفيت ولم يعلم قبل مَقْدمِه بذلك، قال يخاطب نفسه: «وعصيتني من شب إلى دب.» أي من شبابي إلى أن دببت على العصا، فهو يعني أن الشيخ الهرم الذي يدب على العصا يعجز عن الحركة والنهوض، وقد أشار إلى هذا المعنى في صور عدة نجتزئ منها بقوله يصف ضعفه وعجزه عن القيام:
«فإذا نهضت انهضت.» يعني أنه إذا حاول النهوض أو القيام انْهاضَ أي انكسر بعد الجبور، ويقال: هاض يهيض فهو مهيض، وانهاض وتهيض: انكسر.
قصة الحروف والألفاظ: وقد ألفنا من المعري مثل هذه الأساليب في جمهور نثره ونظمه، كما ألفنا منه ولوعه بتشبيه نفسه وغيره بالحروف والألفاظ وما إليها.
بين الحركة والسكون: وله في هذا الباب فنون لا تحصى، منها قوله يقابل بين الناس والحروف في التحريك والتسكين:
والمرء مثل الحرف — بين سهاده
وكراه — يسكن تارة ويحرك
وقوله:
والناس، بين حياتهم ومماتهم
مثل الحروف: مُحرَّك ومُسكَّن
وقوله يصفُ تعاقُب الحركة والسكون:
إذا مرت الأوقات حرك ساكن
وسكن — في أضعافها — المتحرك
وقوله:
ونحن — بعلم الله — من متحرك
يرى ساكنًا أو ساكن يتحرك
وقوله:
فيا ألف اللفظ: لا تأملي
حراكًا، فما لك إلا السكون
قبيلة السكون: ومن غرائب إيهامه، وبدائع استخدامه: قوله يخاطب «كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد»، ويشير في لباقته المألوفة إلى قبيلتي «السَّكون» و«سكسك»؛ وهما من ولد «أشرس بن كندة» هذا:
يا «كند» ما خلت السكون تحرَّكت
بعد السكون ولا أخوها السَّكسك
حوار ميمين: ومن بدائع تصويره في هذا الباب ما كتبه في بعض فصوله متمثلًا حرفي الميم والألف يتحدثان — بإذن الله — ويتحاوران.
قال: لو أذن «الله» قالت ميم: «قم» — إذا لقيتها الألف واللام — لألف قام: «لِمَ لا تحركين؟»
فقالت: «أصابك ألم. إذا كانت الحركة كسرًا؛ فالسكون أسلم، والله يميت المتحركات.»
تأملات في الحروف: فإذا انتقلنا من بدائع تصويره في الحروف بين الحركة والسكون إلى ما أبدعه من فنونه الأخرى فيها، رأينا — من خياله الخصب وتأمله العميق — ألوانًا من أبكار المعاني في هذا الباب؛ منها قوله:
والخير يندر — تارات — فنعرفه
ولا يقاس على حرف إذا ندرا
وقوله:
والباء مثل الباء: تخـ
ـفض — للدناءة — أو تجر
وقوله:
تواصل حبل النسل ما بين آدم
وبيني، ولم يوصل بلامي باء
وهو يعني بلامه — في هذا البيت — نفسه، كما قال في بعض رسائله لأبي القاسم المغربي: «ولوددت لو رزق لامه — ذاته — ما رزق كلامه؛ لينال خلود الزمان، وتعطيه الحوادث أوكد أمان.» ويعني بالباء: الزواج.
معتل العين: ومن مختار شعره تلك الشكوى الصارخة التي أودعها بيته الحزين في لزومه متفجعًا لفقد بصره، مقابلًا بينه وبين فعل «قال» وكلاهما معتل العين. وقد أوردناه في أثناء الكلام على العصا (ص٢٣٠) من هذا الكتاب، قال:
أعللتُ علَّة «قال»، وهي قديمة
أعيا الأطبة كلهم إبراؤها
بين اللين والهمز: ومن بدائع لفتاته قوله:
سُرَّ الفتى — من جهله — بزمانه
وهو الأسير ليوم قتل يصبر
لعبت به أيامه فكأنه
حرف يلين — في الكلام — وينبر
حرف الجحد: وقوله يصف انصراف الناس عن الحق، وضلالهم عنه، وإنكارهم له:
سألت عن الحقائق كل قوم
فما ألفيت إلا حرف جحد
تنافر الحروف: ومن طرائف لفتاته مقابلته بين تنافر طبائع الناس والحروف جميعًا؛ كقوله:
أعياك خلٌّ، ولولا قدرة سلفت
لم يمكن الجمع بين الخاء واللام
وقوله يخاطب الدنيا:
دنياي فيك هوى نفسي ومهلكها
والماء يودي بنفس الوارد الصادي
وما قصدتك مختارًا فتعذلني
فيك العواذل إن حاولت إقصادي
والمرء يطلب أمرًا ما يبينه
كالحرف يلفظ بين الزاي والصاد
وقوله يقابل بين تنافر الأقارب من الناس ومن الحروف:
بعض الأقارب مكروه تجاورهم
وإن أتوك ذوي قربى وأرحام
كالعين والحاء تأبى أن تقارنها
في لفظها، فحماها قربها حامي
بيوت الحروف: ومن روائع التشبيه التي أبدعها في فصوله قولُه يصف البيت الذي يتمناه، ويؤثر على جميع البيوت سكناه:
ربِّ، أبلغني هواي، وارزقني منزلًا لا يلجه سواي؛ من دخله أمن، فهو ﮐ «عند»، وأنا ﮐ «من».
وهو يعني بذلك — كما فسره — أن «عند» لا يدخل عليها من الحروف شيء غير «من».
وقول العامة — فيما يرى — «ذهبنا إلى عنده» خطأ.
قال: «وزعم النحويون أن «عند» غير محدودة؛ لأنها تقع على الجهات الست، و«إلى» للغاية، فامتنعت «عند» من دخول «إلى» عليها؛ لأن في «إلى» بعض التخصيص.»
مضمر «نِعم»: ومن البيوت التي اختارها لسكناه بيت يضمره ويستره عن الناس، فيقضي حياته مضمرًا في ذلك البيت كمُضمَر «نِعم»، قال في لزومه:
وما زال نعم الرأي لي: أن منزلي
كأني فيه مضمر كن في نِعما
وقال يصف الزوج الكاملة التي يؤثر لك أن تختارها إن كان لا مفر من الزواج:
تزوج إن أردت فتاة صدق
كمضمر «نعم» دام على الضمير
إذا اطلع الأوانس لم تطلع
إلى عُرُس تمرُّ ولا أمير
فضول الحروف: وهو يمقت الفضول والتزيد في الحروف والأناسي جميعًا، ويدعو الله أن يجنبه ذلك، فلا يجعله كالحروف الزائدة؛ لأنها — فيما يرى — فضولية غير أصيلة، وإن دعت إليهن الحاجة، فيقول:
«ولا تجعلني ربِّ كواو الخزم، والثابتة في الجزم، وأثْبِت اسْمِي في ديوان الأبرار مع الأسماء المتمكنات.»
ويقول في تفسيرها: «واو الخزم: هي التي تزاد في أول بيت الشعر، ويكون مستغنيًا عنها، وأكثر ما يزيدون الواو والفاء وألف الاستفهام للحاجة إليهن. وزعم الأخفش أنهم يزيدون الحرفين [أي على وزن البيت] نحو «بل» وما جرى مجراها … إلخ.»
وقوله: «لا تجعلني ربِّ معتلًّا ﮐ «واو يقوم»، ولا مبدلًا ﮐ «واو موقن»: تبدل من الياء.
ولا أحب أن أكون زائدًا مع الاستغناء ﮐ «واو جدول وعجوز» — الواو فيهما زائدة لأنهما من الجدل والعجز، فأما «واو عمرو» فأعوذ بك — رب الأشياء — إنما هي صورة لا جرس — لا صوت — لها ولا غناء، مشبهها لا يُحسب من النسمات.»
حرف النفي: وقال يتمثل حاله بعد موته:
«تلبس طمري اللبسة، وتوحش الدار المؤنسة، وأصبح — وحالي منعكسة — كأني حرف نفي بعد إيجاب.»
حرف الضمير: وقال — وهو من بدائع اللفتات:
«رب، لأكن — بين عبادك — كحرف الضمير؛ ناب عن الأطول وهو قصير.»
ومن بدائع إشاراته إلى الضمير أيضًا ما كتبه في بعض رسائله إلى صاحبه أبي القاسم المغربي، يصف ما وهبه الله من براعة الإيجاز، قال: «ودل على جوامع اللغة بالإيماء، كما دل المضمر على ما طال من الأسماء.»
براعة الإيجاز: ومن بدائع أخيلة أبي العلاء في الإشادة بالإيجاز قوله أيضًا من رسالة إلى صاحبه «أبي القاسم»، وكأنما يصف لنا المعري أسلوب نفسه: «شاهِدُنا فيما سمعناه المعنى الحصير — المحصور المستوعب — في الوزن القصير، كصورة كسرى في كأس المشروب، وتمثال قيصر في الإبريز المضروب، لم يُزْرِ به ضيق الدار، وقصر الجدار.»
وقريب من هذه الصورة قوله يصف أسلوب أبي القاسم أيضًا، ولعله أبرع ما قرأناه في وصف الإيجاز والتركيز: «يجمع بين اللفظ القليل والمعنى الجليل جمع الأفعوان في لعابه بين القلة وفقد البلة.»
وإذا فتن النقاد بتلك الصورة الخالدة التي أبدعتها يراعة الشاعر العالمي شكسبير في قصة «هملت»، حين عرض لوصف خنجر القاتل، وتمثل أن بحار الدنيا كلها عاجزة عن تطهيره وإزالة ما لصق به من الدم، ومحو أثر الجريمة منه، فإن إعجابهم سيتضاعف حين يرون في هذه الصورة العلائية البارعة كيف تمثل شاعرنا أسلوب صاحبه الحاسم، يصيب الهدف في أوجز لفظ فلا يرده عن غايته شيء، كما تصيب القطرات القليلة من لعاب الثعبان غايتها، فلا يزيل أثرها كل ما يحتويه العالم من ماء ودواء.
الحرية والقيد: ومن رغبات شاعرنا وصادق أمانيه أن يطلقه الله من قيد الحياة، كما أطلق «لبيد» الشاعر الجاهلي قافية معلقته إطلاقًا لا يجوز فيه التقييد، على حين قيد «رؤبة بن العجاج»؛ الراجز المعروف، مطلع أرجوزته — كما قيدت الدنيا شاعرنا — تقييدًا لا يجوز فيه الإطلاق.
وقد عبر عن هذا المعنى في فصوله (ص١٣٥) أحسن تعبير، حين قال:
قيدتني تقييد «وقاتم الأعماق»، فأطلقني إطلاق «عفت الديار».
وهو يشير بهاتين الإشارتين إلى قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
مشتبه الأعلام لماع الخفق
وقول لبيد:
عفت الديار محلها فمقامها
ﺑ «منى» تأبد غولها فرجامها
التشابه والاتفاق: ومن طرائفه قوله في فصل آخر مناجيًا الله — سبحانه:

خالقي، لا أختار شبه الظالمين، فإن الشيئين يتشابهان، فينقلهما التشابُه إلى الاتفاق: ﮐ «إن» — المكسورة المشددة — أشبهت الأفعال، فجاء بعدها اسمان آخرهما كالفاعل، وأولهما كالمفعول، وكذلك ما قاربها من الأدوات.»

وكتب في شرحه على ذلك تعليقًا ما يلي:

إنَّ يشبهونها بالفعل الذي يتقدم مفعوله على فاعله، مثل «ضرب زيدًا عمرو» وما قاربها من الأدوات، مثل: «ليت»، و«لعل» وما أشبههما.

قوة الأقدار: ومن دقائق تأملاته قوله يصف قوة الأقدار في لزومه:
جمعنا بقدر وافترقنا بمثله
وتلك قبور بدلت من مساكن
نفتنا قوى لا مضربات لسالم
بلا، بل ولا مستدركات بلكن
نطق الحروف: وللمعري في تمثل نقاش الحروف وحوارها فنون معجبة، مر بك بعضها في هذا الفصل، وسيمر بك طائفة أخرى تُريك من عمق تفكيره وتصويره آيات معجزات، فهو يتمثل في أحد فصوله (ص١٢٠) حوارًا يجري بين حرفي الراء والهاء، ثم يختمه بهذه اللفتة البارعة:

والله — بقدرته — يعلم النطق الحروف، وهي — لخوفه — مستشعرات.

كلام القوافي: وقوله (ص٩٠):
«هل تشعر الألف، ولتشعرن — إن شاء الله — أنها تمجد الله متوسطة، ومنتهى، ورويًّا … إلخ.»
وللمعري في مداعبة الحروف والقوافي وما إليها فنون لا تحصى، وقد عرضنا لذلك في مقدمة «الغفران»، وذكرنا كيف تمثل قوافي أبي تمام الشاعر كائنات حية؛ توشك — لو علمت مصابه — أن تولول عليه نادبات، كما تمثل في «رسالة الإغريض» معلقة امرئ القيس كلها عجوزًا فاجرة (الغفران، ص١٢).
والآن نعرض عليك قوله في بعض فصوله يداعب حرف اللام الذي اختاره امرؤ القيس قافية، ويصف عجزه عن الكلام (الغفران، ص٤٧٧):
«وما تشعر لام «قفا نبك» أمطلقة هي أم مقيدة!»
ثم ما لبث أن تخيلها قادرة على الكلام بإذن الله، فمثلها لنا في بعض رسائله المخطوطة شاكية متبرمة بقائلها، منددة بمساوئه ومخازيه، كما تمثل ديوان امرئ القيس مُعنِّفًا صاحبه على ما أودعه فيه من سقطات، فهو كما قال أبو العلاء: «لو أذن له في الكلام، لعقد به كل ملام.»
فقالت «قفا نبك» — وهي أمُّ ما نظم من القريض، والراتعة في الأنيق الأريض: «إن الكندي امرأ القيس أقر في أبياتي بعهار، من سر — يكتم — ومن جهار إلخ.»
وسيمر بك تفصيل هذا في شرحنا لرسالة «الديوان»، إن شاء الله.
شهادة الهمزة: ومن بدائعه في فصوله كذلك قوله في (ص٢٣٥) منها:
«وشهدت بك الهمزة في «إبل» ترزق منها المسكين، وإبر تنعش بها الفقير، وأذن: أنت — لما وعته — سميع، وأمم عدلك — بجزائها — جدير.
وسبحتك الهمزة المتوسطة في مواضع بعدد الليالي والأيام إلخ.»
الحرف الحي: على أن شاعرنا يسبح خياله في تمثل حياة الحروف — ما شاء له تصوره الرحيب وآفاقه الفسيحة — ولكنه يجري على مألوف عادته، متى عاد إلى عالم الحقائق، وخلع عنه ثوب الشاعر الحالم المستغرق في تأملاته، فلا يكاد يلتفت في لزومه إلى جماعة النصيرية القائلين بالتناسخ حتى يفتك بمزاعمهم وتخرصاتهم فتكة الناقد الباطش، منددًا بهم، ساخرًا من ضيق تفكيرهم، وفساد معتقدهم، وسوء تعبيرهم، كما ترى في قوله:
يا آكل التفاح لا تَبعَدن
ولا يُقِم يومُ ردًى ثاكِلك
قال النصيري، وما قلته
فاسمع وشجِّع في الوغَى ناكِلك
قد كنت في دهرك تفاحة
وكان تفاحك ذا آكلك
وحرف هاج لحت فيما مضى
وطالما تشكله شاكلك
وقد مرَّ الكلام في هذا حين عرض شاعرنا للحديث عن التناسخ في «رسالة الغفران» (ص٢٤٩).
في العالم الآخر: ولقد شغل فيلسوفنا أدباء الجنة وشعراءها وغيرهم في العالم الآخر بجمهرة من المسائل النحوية والصرفية واللغوية وما إليها، وأبت له دعابته الساخرة إلا أن يشغل طائفة من أعلام اللغة — في الفردوس — بالوزن الصرفي لكلمة «إوزة» وما إلى ذلك من بدائع فكاهاته وتنادره.
وتخيل نفسه — في «رسالة الملائكة» — يحاور ملك الموت ليدفعه عنه وقت حلول الأجل — ويسأله عن الوزن الصرفي لكلمتي «ملك» و«ملائكة»، ويدلل على صحة رأيه بأقوال أئمة اللغة، فيقول له الملك: «ما هذه الأباطيل؟ إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد، وإلا فاخسأ وراءك.»
كما تخيل نفسه يحاور الملكين في القبر ويسألهما كيف جاء اسماهما عربيين غير منصرفين، وأسماء الملائكة كلها من الأعجمية؛ مثل: إسرافيل وجبرائيل وميكائيل إلخ.
ويسأل خازن النار متوددًا عن واحد الزبانية، وعن تصريف غسلين، وهل النون في جهنم زائدة؟
كما يسأل «رضوان» عن الترخيم سؤال الأبله الغبي، أو — على الأصح — المُتَبَالِه المُتَغابي.
وقد بلغ الذروة في دعابته وسخريته حين قال: «ولعل في الفردوس قومًا ما يدرون: أحروف الكمثرى كلها أصلية؟ أم بعضها زوائد؟»
وهكذا إلى أن يقول:
«وما يجمل بالرجل — من الصالحين — أن يصيب من سفرجل الجنة، وهو لا يعلم كيف تصغيره وجمعه، ولا يشعر إن كان يجوز أن يشتق منه فعل أم لا.»
ثم يقول: «وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفرشونه، كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه: فعلل أم فنعلل إلخ؟» (انظر: رسالة الغفران، ص٤٤١ إلى ص٤٦٩).
أدلة النحاة: وقد بقي علينا أن نوجز لك رأيه في أدلة النحاة والصرفيين بعد أن زخرت كتبه بالإشارة إليها في منثوره ومنظومه. وإليك ما قاله في فصوله (ص٧٣):
«أمر لا يضرك الجهل به، ولا يسألك عنه مولاك، قولك: «أخوك والزيدان» أين منهما حرف الإعراب؟»
وقد عرض في تفسيره لرأي «سيبويه» أن الألف في قولك: «الزيدان» هي حرف الإعراب، ورأي «أبي عمر الجرمي» أن الألف حرف الإعراب، وانقلابها هو الإعراب، وقول «الأخفش سعيد»: الألف دليل الإعراب.
وكذلك الاختلاف في «واو أخوك» و«ياء الزيدين».
ومن بدائع تهكمه في هذا الباب قوله في فصوله (ص٧٣):
«لا يسخط عليك الله والملكان إذا لم تدر: لِمَ ضُمتْ تاء المتكلم وفتحت تاء الخطاب.»
وقد لخص — في تفسيرها — ما يزعمه النحاة من أن تاء المتكلم خصت بالضم؛ لأن أكثر ما يخبر به الإنسان عن نفسه، فأعطيت التاء أقوى الحركات، وقولهم: إن الضم من الشفة — لأنه من الواو — وأول ما يخبر الرجل عن نفسه، فحمل الأول على الأول. ولما حصلت الضمة في تاء المتكلم لم يكن بد من الفرق، فآثروا المخاطب المذكر بفتح التاء؛ لأن المؤنث أولى بالكسر.
وقوله:
«كذبت النحاةُ أنها تعلم لمَ رفع الفاعل ونصب المفعول، إنما القوم مرجمون، والعلم لعلام لغيوب إلخ.»
هدير الجمل: وبِحَسْبِنا أن نختم هذه الوجازة بقوله متهكمًا ساخرًا من شقشقة النحاة، متخيلًا مجادلتهم ومناقشتهم كهدير الجمل وصخبه. وإليك قوله في بعض فصوله:
«لو عاش الدؤلي حتى يسمع كلام الفارسي في الحجة ما فهمه — فيما أحسب — إلا فهم الأمة هدير السنداب — الجمل الغليظ الشديد.»
(١٤٤) لشاعرنا في لزومه لفتات وإشارات إلى هذا المعنى نجتزئ منها بقوله في التثليث والتوحيد في لزومه:
وفي مهج الأنام مثلثات
على علاتها، وموحدات
(١٤٥) قصة الأرقام: يعني أنه ارتكب في تحرير هذه الرسالة ثلاث غلطات، وهو يخشى أن يخطئ مرة أخرى فينزلق في طريق الغلط، ويثب — من التربيع — إلى التسبيع، ومنه إلى ما يليه، وهكذا دواليك، ويتمادى في ذلك إلى غير حد. والعرب تضع التسبيع موضع التضعيف وإن جاوز السبع. وسبع القوم: تمُّوا سبعمائة رجل، ويقال: «سبع الله لك.» أي أعطاك أجرك سبع مرات، أو سبعة أضعاف، أو رزقك سبعة أولاد، وهو على الدعاء.
وقد أغرم أبو العلاء بهذا العدد ومضاعفاته فيما أغرم به من اللعب بالأعداد والألفاظ. وقد مرت بك طائفة من دعاباته وإشاراته إلى الحروف والألفاظ. وإليك بعض ما قاله في هذا الصدد:
سبِّح وصل وطف بمكة زائرًا
سبعين لا سبعًا فلست بناسك
جهل الديانة من إذا عرضت له
أطماعه لم يُلْفَ بالمتماسك
وقال:
جسد من أربع تلحظها
سبعة راتبة في اثني عشر
وقال:
أرى أربعًا آزرت سبعة
وتلك نوازل في اثني عشر
وقال:
يقولون: صنع من كواكب سبعة
وما هو إلا من زعيم الكواكب
وقال:
وتقاسم الأيام من مرت به
من أهلها كتقاسم الأيسار
هي سبعة مثل القداح فوائز
متساويات في غنى ويسار
وقال:
والعيش أوفاه يمضي مثل أقصره
سبع كسبعين أو تسع كتسعينا
وقال في «رسالة الغفران» يداعب صاحبه «ابن القارح»:

ودنانيره — بإذن الله — مقدسات، وإن كانت زائدة على الثمانين، فقد أوفت على عدة أصحاب «موسى» الذين جاء فيهم:

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا، وعلى عدة الاستغفار في قوله: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، وعلى عدة أذرع السلسلة في قوله تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه إلخ.
وقد ألفنا من شاعرنا إبداعه في التلاعب بالأرقام والأعداد، كما ألفنا منه البراعة في المقابلات بين الحروف والألفاظ، وابتكاره روائع الأخيلة ومفاتن الصور إلى حدٍّ كاد يفرده من بين كتاب الدنيا وشعرائها، ومن أبرع ما يُختار له — في هذا الباب — تلك الصورة التي مثَّل بها كيف أسعد الحظ غيره من الناس، فارتفعوا في معارج الرقي إلى حد لا يتصوره العقل، وضوعفت سعاداتهم كما تضاعف أعداد المئين إذا ضرب بعضها في بعض، على حين أسلمه جده العاثر إلى التأخُّر يومًا بعد يوم، فأصبح في غده أقل من يومه، وفي يومه أقل من أمسه، وظل يتضاءل يومًا بعد يوم كما تتضاءل قيمة الكسر إذا ضرب في كسر آخر. وإليك النص العلائي الفاتن:
سما نفر ضرب المئين، ولم أزل
بحمدك مثل الكسر يضرب في الكسر
وإليك صورة أخرى من هذا المعنى المبتكر الرائع:
وتداني الأيام يحدث نقصًا
وازديادًا والجسم للنفس تبع
خمسة في نظيرها: خمس خمسا
ت تنمت والنصف في النصف ربع
(انتهى الشرح.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤