دين المسيح (١٧٨٠م)

«لأن الآب أيضًا يبحث عمن هكذا يعبدونه.»

القديس يوحنا

١

إنها مسألة إذا كان المسيح أكثر من مجرد إنسان، ولكن لا خلاف على أنه كان إنسانًا حقيقيًّا إذا كان إنسانًا بالمرة، وأنه لم يتوقف لحظة عن كونه إنسانًا.

في اللاهوت المسيحي منذ نشأة العقيدة المسيحية حتى الآن كانت مشكلة طبيعة المسيح، هل هو إنسان أم إله، أهم مشكلة في اللاهوت المسيحي خاصة في عصر آباء الكنيسة حتى استقر الرأيُ أخيرًا في مجمع نيقية الأول في ٣٢٥ تحت رئاسة الإمبراطور قسطنطين على شعار «ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة». فالمسيح له نفس الطبيعة أو الجوهر الذي للآب Homoiousion وهو في نفس الوقت جوهر واحد معه Homoousion. وفي مجمع قسطنطينية في ٣٨١ أضيفت ألوهية الروح القدس. ثم أضافت الكنيسة الغربية تولد الروح القدس من الابن، وهو ما رفضته الكنيسة الشرقية.
والخلاف موجود في الأناجيل نفسها. فبينما تركز الأناجيل المتقابلة (متى ومرقص ولوقا) على الطبيعة الإنسانية في المسيح، يركز الإنجيل الرابع على طبيعته الإلهية، وقد ظهر هذا الخلاف على أشدِّه عندما ظهر آريوس داعيًا لإنسانية المسيح، ومنكرًا لألوهيته، وعندما ظهر أبو ليناريوس داعيًا لألوهية المسيح، ومنكرًا لإنسانيته. فرفض أوغسطين الرأيَين المتعارضين في كتابه المشهور «في التثليث» De Trinitate وانتصر لشعار مجمع نيقية الأول.

ويركز لسنج هنا باعتباره فيلسوف التنوير على إنسانية المسيح ليس من الناحية العقائدية بل من الناحية الإنسانية أي دلالة هذا الجانب الإنساني في المسيح على النزعة الإنسانية في الدين المسيحي. فالجانب الإنساني في المسيح يعني احترام الإنسان من حيث هو قيمة، وهذا التفسير الإنساني للعقائد هو أخص ما يميز العصور الحديثة.

٢

وينتج من ذلك أن دين المسيح والدين المسيحي شيئان مختلفان تمامًا.

هناك مسيحيتان: دين المسيح والدين المسيحي. فدين المسيح هو الدين الحق الذي ضاع ولم يسجله أحد وراء المسيح، بل تم تحريفه في الأناجيل، فتغيرت العقائد، وتحول إلى رهينة وإلى تبعية لرجال الدين. وهو الدين الذي يدعو إلى التوحيد وإلى العمل الصالح والذي هو في جوهره مثل باقي الديانات السابقة عليه واللاحقة له. أما الدين المسيحي فهو الدين التاريخي الذي نشأ مع ظهور الأناجيل التاريخية وتكوين العقائد المسيحية، والذي كان موضعَ هجوم من كل المفكرين الأحرار وفلاسفة التنوير. فهو دين الشعائر والطقوس وليس دينَ التقوى الباطنية، وهو دين العقائد والمسلَّمات وليس دين الفطرة والطبيعة، وهو دين الإيمان والتسليم، وليس دين العقل والبداهة، وهو دين المؤسسات ورجال الدين، وليس دين المسئولية الفردية والعلاقة المباشرة بين الإنسان والله. وهو الذي رفضتْه كلُّ حركات المعارضة داخل المسيحية ابتداء من حركات الهرطقة الأولى حتى فلاسفة التنوير. وهو ما يتم رفضه أحيانًا باسم العقل، وأحيانًا أخرى باسم العلم، ومرة باسم العدالة الاجتماعية، ومرة أخرى باسم التقوى أو باسم الفطرة. هذه المعارضة تعتبر أفضل ما أنتجته الحضارة الأوروبية وأحسن ما دخلت فيه من معارك انتصرت فيها وقدمت لها الشهداء الواحدَ تلو الآخر حتى استطاعت بجهدها الخاص وبنضالها الطويل اكتشافَ دين المسيح ذاته، الذي أضاعه التاريخ والذي حرَّفه الأتباع والذي لم تحفظه الأجيال.

٣

الأول دين المسيح، هو الدين الذي عرفه ومارسه المسيح نفسه باعتباره إنسانًا والذي يشارك فيه كلُّ إنسان معه، والذي يجب على كل إنسان بالضرورة كلما كان أشدَّ رغبة في أن يشارك معه كان ما يصف به المسيح من حيث هو مجرد إنسان أكثر إثارة وإعجابًا.

دين المسيح هو الذي أسَّسه المسيح ومارسَه بالفعل باعتباره إنسانًا. والذي آمن به صحابتُه وحواريوه والذي آمنَّا به جميعًا، وهو الدين الذي يُثبته القرآن بقوله: كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ … (٦١: ١٤) وهم الذين قال فيهم القرآن أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٥: ٦٩) وأيضًا: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٥: ٨٢–٨٥).

٤

والآخر الدين المسيحي هو الدين الذي يقبل على أنه حق أن المسيح أكثر من إنسان، ويجعل المسيح نفسه موضوع عبادته.

أما الدين المسيحي فهو تحريف لدين المسيح من حيث النصوص والعقائد والشعائر والنظم، وهي المسيحية التاريخية التي ثار ضدها كلُّ المفكرون الأحرار بلا استثناء والتي كانت سببًا في نشأة البروتستنتاتية في هجومها على التراث Tradition والعودة إلى الكتاب وحده Sola Scriptura وفي رفضها للتوسط بين الإنسان والله عن طريق المسيح أو الكنيسة، وفي رفضها لعصمة البابوية، وللرسوم والتماثيل وكل مظاهر التصوير، وهي المسيحية أيضًا الظنية المملوءة بعقائد مختلف عليها مثل التثليث والتجسيد والخلاص والفداء والخطيئة الأولى، والصلب وطاعة الكنيسة. هذه التفرقة بين دين المسيح الحق والدين المسيحي الباطل هي التي يذكرها القرآن بقوله: وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥: ١١٦–١١٨).

٥

ولا يمكن تصور كيف يوجد هذان الدينان: دين المسيح والدين المسيحي في المسيح، في نفس الشخص الواحد.

لا يمكن الجمع بين الدينَين معًا تحت أيِّ شعار كان مثل الجديد والقديم، الزمان والديمومة، الرأسي والأفقي أو البروتستانتية والكاثوليكية؛ إذ لا يمكن أن يكون المسيح قد أسَّس دينَين متعارضَين في وقت واحد. إذا صح الأول بطل الثاني، وإذا بطل الأول صح الثاني، ويمثل هذا التعارض مأساة الدين المسيحي. فقد ظهر دين المسيح في الأناجيل المتقابلة في حين خرج الدين المسيحي من الإنجيل الرابع ورسائل بولس وكتابات يوحنا؛ فالتعارض كامن في نشأة المسيحية في مصادرها الأولى؛ وذلك لأن هذه المصادر نفسها كانت تعبيرًا عن تيارَين في الجماعة المسيحية الأولى، الأول دين المسيح والثاني الدين المسيحي؛ فدين المسيح هو الدين الخلقي البسيط السهل الواضح الذي يقوم على إنسانية المسيح، والدين المسيحي هو العقائدي اللاهوتي المعقد المتشابه الذي يقوم على ألوهية المسيح. وهو ما لاحظه القرآن أيضًا بقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (٥: ١٧). وقوله أيضًا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ …لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ … (٤: ١٧١–١٧٢).

٦

ومن الصعب أن توجد معتقدات هذين الدينَين ومبادئهما في نفس الكتاب الواحد. ولكن على الأقل من الواضح أن الأول دين المسيح موجود في الأناجيل، في حين أن الثاني، الدين المسيحي ليس كذلك.

دين المسيح موجود على الأقل في الأناجيل المتقابلة أما الدين المسيحي فهو تراكم تاريخي للأفكار والتصورات والعقائد التي تعبِّر عن المواقف الإنسانية للجماعة المسيحية الأولى، مواقف الألم، والفرح، والهزيمة، والاضطهاد، والخوف، بل إن الإنجيل الرابع وهو أول صورة لهذه المسيحية التاريخية يشك معظم النقاد في نسبته إلى المسيح ويُرجعونه إلى القرن الثاني الميلادي في الدوائر الصوفية الغنوصية في آسيا الصغرى. ويذكر القرآن هذين التيارَين لدى الحواريين بقوله: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ …قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ … (٣: ٥٢). فالفريق الأول هو الذي تابع دين المسيح وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥: ٨٢–٨٣). أما الفريق الثاني فهو الذي خالف دين المسيح وابتدع الدين المسيحي. وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ … (٥٧: ٢٧). وهي المسيحية التي يهاجمها القرآن ويبيِّن أخطاء عقائدها وشعائرها وطقوسها وآثام رجالها إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ … (٩: ٣٤)، وأيضًا اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ … (٩: ٣١).

٧

وعلى هذا فدين المسيح موجود في أوضح لغة.

دين المسيح نظرًا لبساطته ووضوحه من حيث التصور أصبح أيضًا واضحًا وبسيطًا من حيث اللغة، فلا توجد فيه ألفاظ اللاهوت العويصة المعقدة التي ذاعت في اللاهوت المسيحي خاصة في عصر تكوين العقائد عند آباء الكنيسة، بل إن مطلب الوضوح والتميز ظهر في مطلع العصور الحديثة كان ردَّ فعل على الدين المسيحي وعودًا إلى دين المسيح بالجهد التلقائي، والكشف الذاتي. فما أسهل الوصايا على الجبل وما أبسط حب الجار، وهو ما عبر عنه المسيح في القرآن بعد أن أشارت عليه أمُّه قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (١٩: ٣١–٣٣).

٨

وعلى النقيض من ذلك، فإن الدين المسيحي بلغ حدًّا من الظن والاشتباه أنه من النادر أن توجد فقرة واحدة في كل تاريخ العالم يمكن أن يفسرها شخصان بنفس الطريقة.

أما الدين المسيحي فإنه حمَّال أوجه، متشابه النصوص، ظنِّي العقائد، فيه قولان. ولا يتفق عليه أحد، بل مدعاة للفُرقة والتشتت الذي يصل إلى حدِّ الحروب الطاحنة والمذابح الجماعية حتى لقد عُرف عن هذا التاريخ التعصب والجهل دون التسامح والعقل وهما ما ركزت عليه فلسفة التنوير، وهي بهذا المعنى عودٌ إلى دين المسيح. فالدين المسيحي مملوء بالخلافات والمراء كما قال القرآن: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (١٩: ٣٤). فالصلب اشتباه وظن وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ … (٤: ١٥٧) وأيضًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (٤: ١٥٧). بل إن هجوم القرآن على الظن ودعوته إلى العلم وأن الظن لا يغني من الحق شيئًا هي خلاصة التجربة المسيحية في الدين المسيحي الذي وقع في الظن وترك اليقين، يقين دين المسيح. فكل تفسيرات الكتاب في الدين المسيحي ظنية لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢: ٧٨) يسقطون من أهوائهم ومصالحهم وتمنياتهم على نصوص الكتاب فيزيدون تحريف المعنى على تحريف النصوص.

ومن ثَم تكون تفرقة لسنج في هذا الكتيب بين دين المسيح والدين المسيحي هي التفرقة الإسلامية الواردة في القرآن مما يدل على مدى الالتقاء بين الإسلام وفلسفة التنوير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤