ليلى تتزوج

مسرحية من فصل واحد

الشخصيات

  • ليلى: فتاة في السابعة والعشرين من عمرها، متوسطة الجمال رغم إسرافها الشديد في الزينة والمكياج، صحفية ناشئة، تستعدُّ لحفل عقد قرانها.
  • ديدي: خالة ليلى؛ امرأة في الأربعين، بدينة غير مثقفة، ولكنها ثرية تحاول أن تبدو «مودرن».
  • سهير: فتاة في العشرين، طالبة بكلية الطب، ابنة ديدي، جميلة بالرغم من بساطتها.
  • محمود: شاب في الرابعة والثلاثين، مهندس ناجح، خطيب ليلى.

المنظر

(حجرة استقبال يبدو على أثاثها الفخامة والثراء دون البساطة في منزل ديدي. ليلى تقف في وسط الحجرة تلبس فستانًا أبيض طويلًا، وديدي تدور حولها تنظر إلى الفستان.)

ديدي : جنان! يا ليلى جنان! ألم أقل لك إنَّ هذه الخياطة ممتازة؟!
ليلى (في نشوة وهي تنظر إلى نفسها في المرآة) : ذوقك يا تانت ديدي المدهش، هو أنت تعرفي حد إلا إذا كان ممتازًا.
ليلى (تقبل نحو ديدي في امتنان) : لا أدري كيف أشكرك يا تانت ديدي …
تانت ديدي : الآن انتهينا من الفستان، بقيت بطاقات الدعوة.
ليلى : نعم، بقيت بطاقات الدعوة.
انظري يا تانت ديدي، لقد طبعت خمسين بطاقة.

(ديدي تمسك بطاقة تتأملها قليلًا.)

(ليلى تفكر بعض الوقت، ثم تمسك ورقةً وقلمًا وتكتب بعض الأسماء.)

ليلى : أولًا فيفي وزوجها.

(ديدي تقترب منها وتجلس بجوارها.)

ديدي : فيفي وزوجها؟ فما هما؟ أنت لم تذكري لي اسمَيْهما من قبل أبدًا.
ليلى : إن فيفي امرأة أنيقة جدًّا، رأيتها مرة أخرى في الجريدة، وعرَّفني نائب رئيس التحرير عليها ودعوتها لتشرب القهوة في مكتبي، وجاءت وجلست معي أكثر من ربع ساعة.
ديدي : وزوجها؟
ليلى : سعاد هانم وزوجها طبعًا.
ديدي : طبعًا. سعاد هانم سيدة مجتمع درجة أولى؛ إنها تعرف الفرنسية، وهي سكرتيرة جمعية إنقاذ المغلوب على أمرهم، ولكنْ هل تظنين أنها ستأتي؟
ليلى : طبعًا، إنَّها تعبد شيئًا اسمه صحفي أو صحفيَّة، وإلا فكيف تنشر أخبارًا في الصُّحف؟ لقد كلمتُها مرةً في التليفون وكانت تكلمني بلهجة شديدة، ولما عرَّفتها أنني صحفية تغيَّرت لهجتها وكادت تأخذني بالحضن لولا التليفون.
ديدي : وزوجها؟
ليلى : لا، إن زوجها ليس شخصًا مهمًّا، ولكنه وسيم جدًّا، وسعاد هانم تسحبه معها كالكلب الأليف في كل مكان.
ديدي : عال جدًّا. ومَن أيضًا؟
ليلى : وعزمي وزوجته. إن عزمي هو محرر قسم الأخبار في الجريدة، وإن حضوره الحفل يضمن لنا أنه سينشر الخبر ثاني يوم في الجريدة.
ديدي : عال جدًّا، تعجبني أفكارك يا ليلى، لقد ورثتِ الذكاء من خالتك ديدي. تصوري يا ليلى أنني أحس أنك تشبهينني أكثر من ابنتي سهير.
ليلى : طبعًا يا تانت، أصل سهير ورثت أباها.
ديدي : على رأيك، لقد ورثت عمتها زكية من سوء حظي. تصوري يا ليلى بقى لي أكثر من عشرين سنة أحاول أن أرقي أسرة زوجي. لا فائدة، الفلاح يفضل طول عمره فلاح، إن التعليم لم يُغيِّر من طباع زوجي شيئًا.
ليلى : معلهش يا تانت ديدي. على العموم إن حظك أفضل من حظ أمي؛ إن زوجك رجل غني على الأقل.
ديدي : غبية، طول عمرها غبية، مع إنها أكبر مني ثلاث سنوات. لا أدري كيف وافقت على أن تتزوج هذا الموظف الفقير.

(ليلى تسكت قليلًا وتشرد.)

ديدي (تربت على كتفها) : لا تحزني يا ليلى، إني آسفة أن أقول ذلك على أبيك.
ليلى : أبدًا، أنا لا أفكر في ذلك، ولكني أفكر كيف أقدِّم أبي وأمي إلى خطيبي. إن وجهي يلتهب من الخجل كلما فكَّرت في ذلك، بل إنني لا أدري كيف سأقيم الحفل في شقتنا المتواضعة في تلك الحارة القَذِرة.
ديدي : لا تحملي همًّا يا ليلى، إن بيتي تحت أمرك.
ليلى : ولكنها مهما لبست فإنها لا تعرف كيف تتكلم، يا ليتك كنتِ أمي!
ليلى (تكلم نفسها) : آه، لو كان الناس يختارون آباءهم وأمهاتهم.

(يدق جرس التليفون.)

(تجري ديدي إليه وترفع السماعة.)

ديدي : ألو … أهلًا كاميليا … ليلى موجودة … حاضر أناديها.
(تنادي على ليلى): ليلى كلمي كاميليا.
ليلى (تأخذ السماعة في امتعاض) : ألو … الله يسلِّمك … ها ها ها … أبدًا … سمعت من مين؟ … تقريبًا … إن شاء الله … أيوه … مع السلامة.
ديدي : ما هي الحكاية؟ أَلَمْ تدعي كاميليا؟
ليلى : طبعًا لا، هل أنا مجنونة لأدعوها؟!
ديدي : لماذا؟ إني أعرف أنها أعز صديقة لك، لقد كنت لا أسمع منك إلا اسم كاميليا، وكنتِ تقضين معها الليل والنهار! هل حدث شيء؟
ليلى : أبدًا لم يحدث شيء، كانت كاميليا صديقتي صحيح، ولكن ذلك كان قبل الزواج، أمَّا بعد الزواج فيجب عليَّ أن أختار صديقات أخريات.
ديدي : وصديقاتك القديمات؟
ليلى : أختار منهن ما يُناسب حياتي الجديدة.
ديدي : وكاميليا، أَلَا تناسب حياتك الجديدة؟
ليلى : لا.
ديدي : لماذا؟
ليلى : إن كاميليا غير متزوجة، وهذا يجعلها خَطِرة على حياتي. كما أنها جذابة، ولها عينان ساحرتان، زيادةً على أنها ألمع مني في الصحافة واسمها معروف عن اسمي. لا، لا يمكن لزوجي أن يعرفها أو يراها، مَن يدري؟ ربما يُعجَب بها، بل هذا مؤكد.
ديدي : أنت ذكية يا ليلى، هذا هو عين الحكمة والعقل. إن ابنتي سهير ليس لها نصف ذكائك مع أنها في كلية الطب.
ليلى : الحياة شيء آخَر غير الدراسة في الكليات، إنني أفهم الحياة لأنني عشت فيها وقاسيت منها الكثير، وأعرف مقالب الناس ولا أطمئن لأحد.
ديدي : لك حق يا ليلى، وأظن أن كاميليا كانت تعرف كل أسرارك، وقصة حبك مع خالد.

(ليلى تسكت قليلًا ويظهر على وجهها الوجوم.)

ليلى : طبعًا، لم نكن نخفي شيئًا عن بعض.
ديدي : لا يا ليلى، اقطعي صلتك بها نهائيًّا.
ليلى : هذا ما فعلتُه الآن.
ديدي : كيف؟
ليلى : لم أقل لها إنني سأتزوج، ولكنها فاجأتني وقالت إنها سمعت من بعض الزملاء في الجريدة أنني سأتزوج، وسألتني عما إذا كان العريس هو خالد، فقلت لها إنه هو.
ديدي : كذبتِ عليها؟
ليلى : نعم، كان لا بُدَّ أن أفعل ذلك.
ديدي : ولكنها ستعرف الحقيقة غدًا.
ليلى : وماذا يهمني منها؟
ديدي : ربما تحقد عليك لانقلابك عليها وتحاول أن تنتقم منك.
ليلى : لا، إنك تعرفين كاميليا، إن قلبها طيب جدًّا، لا يمكن أن تحقد على أحد أو تفكر في الانتقام من أحد مهما أساء إليها، لقد كنتُ أستغلُّ طِيبتها الزائدة كثيرًا.
ديدي : إنها ليست طيبة؛ إنها غبية. إن الطِّيبة عندي هي الغباء سواء بسواء.
ليلى (تضحك) : يعجبني ذكاؤك الشديد يا تانت ديدي.
ديدي : والآن نكتب أسماء بقية المَدعوِّين.
ليلى (تمسك الورقة) : نعم. الأستاذ عزيز وزوجته.
ديدي : مَن هو الأستاذ عزيز؟
ليلى : إنه رئيس التحرير عندنا.
ديدي : أوه! طبعًا طبعًا، هذا أول المدعوين، وكذلك كل الشخصيات البارزة عندكم في الجريدة وزوجاتهم.
ليلى : طبعًا وزوجاتهم، لن أدعو رجلًا وحده، وإلا ظنَّ محمود أنه كان صديقي قبل أن أتزوَّجه.
ديدي : هذا حق، كوني حريصة جدًّا يا ليلى.
ليلى : لا تخافي عليَّ يا تانت ديدي.

(تدخل سهير ابنة ديدي. تسلِّم على ليلى وتجلس وتنظر إلى الأوراق على المنضدة.)

سهير : ما هذا؟
ديدي : بطاقات دعوة فرح ليلى، عقبالك يا سهير.
سهير : لا؛ أنتِ تعرفين يا أمي أن الزواج ليس هو أملي في الحياة، إن أملي هو أن أحصل على بكالوريوس الطب وأشتغل.
ديدي : ثم تتزوجي؛ إن نهاية البنت هي الزواج، أليس كذلك يا ليلى؟
ليلى : طبعًا، البنت خُلقت للزواج، أقسم لك يا تانت ديدي إنني كنت أجلس في مكتبي وأفكر طول الوقت في أنني بلغت السابعة والعشرين ولم يتقدَّم أحدٌ للزواج مني.
وكنت كلما تصورت أنني سأبلغ الثلاثين دون أن أتزوج تدور رأسي وأحس بالإغماء.
سهير : لا يا ليلى، لا تحكمي على الأمور من وجهة نظرك أنت.
ليلى : إنني أتكلم الصراحة وأقول الحقيقة؛ لقد كنت أتمنى في كثير من الأحيان ألا أكون تعلمت واشتغلت، وإنما تزوجت وأنا في السادسة عشرة من عمري. تصوري، كان من الممكن أن يكون عندي طفل في الحادية عشرة من عمره الآن. تصوري!
ديدي : هذا صحيح، إنكن تضيِّعنَ شبابكنَّ وأجمل سِنِي حياتكنَّ في الدراسة والكليات.
سهير : إنك لم تتعلمي يا ليلى بكل أسف؛ فالتعليم ليس أن تتخرجي من كلية الصحافة وتصبحي صحفية، إن التعليم هو أن تتخلصي من عقد المرأة الجاهلة القديمة التي كانت تعتقد أن لا حياة لها إلا في ظل الرجل.
ليلى : وهل يمكن للمرأة أن تعيش بلا رجل؟
سهير : نعم، يمكن للمرأة المثقفة العاملة أن تعيش بغير الرجل؛ أيْ إنها تستطيع أن تأكل وتشرب وتلبس وتسكن وتمارس الحياة بدون الرجل، وكانت لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا من خلال عرق الرجل وعمله، كان الرجل يطعمها فكان لا بدَّ له أن يحكمها بأمره، أمَّا إذا أطعمَتْ نفسها فإنها تصبح مثله، تلتقي به حين تشاء راضيةً بدلًا من أن تلتقي به حين يشاء هو مرغَمة كارهة، وإذا أساء إليها تركته دون أن تخشى الجوع والعُري.
ديدي : والزواج، هل تستغني المرأة عن الزواج؟
سهير : لا، أنا لا أقول ذلك، ولكنها تتزوج لأنها تريد أن تعيش مع رجل تحبه وتنجب منه أطفالًا، ولا تتزوج لأنَّها تريد أن تأكل وتشرب وتلبس؛ إنَّ الزواج في الحالة الأولى وسيلةٌ لممارسة الحب الكامل، وفي الحالة الثانية غايةُ امرأة عاطلة تبحث عن عائل.
ليلى : لقد كنتُ أقول هذا الكلام يا سهير حينما كنت طالبة في مثل سنك، ولكنْ بعد أن خبرت الحياة عامةً والرجال خاصةً، ومارست حريتي على أوسع نطاق، أقول لك إن الفتاة التي لا يكون الزواج غايتها تضل الطريق وتشقى كثيرًا، ثم يأتي عليها يوم تتمنى فيه الرجلَ؛ أيَّ رجل يقول لها أتزوجك.
أنا معك في أنَّ المرأة يجب أن تتحرر من الرجل، ولكنْ كيف تتحرر وهو لا يريد أن يحررها؟ إن حياة المرأة في يد الرجل؛ زواجها، طلاقها، شرفها، عارها، كرامتها، كل شيء في يد الرجل وهو يعطيه للمرأة متى أراد. لِنفرِضْ أنك تخرجت في كلية الطب وأصبحتِ دكتورة مشهورة ناجحة، هل يمكنك أن تختاري زوجك؟
سهير : نعم، ولماذا لا أختاره؟
ليلى : لأنه لن يختارك. إن الرجل هو الذي يختار، وهو دائمًا لا يختار المرأة التي تختاره؛ إذن سيتركك الرجل الذي تريدينه، ولن تجدي أمامك إلا حلَّيْن؛ إمَّا أن تجري خلفه وتهدري كرامتك ولا تفوزي به أيضًا، وإمَّا تنتظري الرجل الذي يختارك وترضي به كارهة، وهو نفس الوضع الذي كانت عليه المرأة قبل أن تتعلم وتعمل.
سهير : إن هذا ضعف يا ليلى، ورثته المرأة من سِنِي الذل والجهل والعبودية التي عاشتها، ويجب عليك أن تغيِّري أفكارك.
ليلى : حاولتُ أن أغيِّرها كثيرًا، لكنْ تلقَّيْتُ صدمات كثيرة كادت تهلكني، وأخيرًا سلَّمت بالواقع. إن مجتمعنا يا سهير لا زال ينظر إلى المرأة على أن مكانها وراء الرجل وليس إلى جواره.
ديدي : وإن المرأة نفسها تحب من الرجل أن يكون أمامها.
سهير : أوه! لا فائدة من المناقشة، إن الزمن وحده كفيل بتغيير نظرة المجتمع وعقلية كلٍّ من الرجل والمرأة.
ليلى : وحتى تتغيَّر عقلية الرجل والمرأة يجب أن نعيش في الواقع.

(ليلى ساخرة):

سوف يتغيَّر رأيك بعد سنوات قليلة.
سهير : لا.
ليلى : لا لا.
ديدي : إن رأسها ناشف كرأس أبيها تمامًا.

(يدخل في هذه اللحظة محمود خطيب ليلى.)

ديدي : أهلًا محمود بك. اتفضل، أهلًا وسهلًا.
ليلى : أهلًا محمود.

(محمود يصافح ليلى وديدي وسهير.)

محمود : أهلًا بكم. كيف حالك يا ليلى؟
ليلى : الحمد لله. كيف أنت؟
محمود : الحمد لله.
ديدي : فاتتك مناقشة طريفة جدًّا عن الرجل والمرأة.
سهير : فكرة جميلة! لماذا لا نأخذ رأي الأستاذ محمود بصفته رجلًا؟
محمود (ضاحكًا) : إنني سأتعصَّب للرجل طبعًا.
سهير : لا أعتقد ذلك. الآن ما هو رأيكم: هل الزواج بالنسبة للمرأة وسيلة أم غاية؟
محمود : إن المرأة هي التي تجيب على هذا السؤال، لكني أستطيع أن أحكم من تجاربي في الحياة أن المرأة مهما تعلَّمت فإن غايتها الزواج، إنها تفكر في الزواج قبل الحب.
ليلى : لأن الرجل لا يمنحها حقًّا في الحب؛ إنه لا يعترف ولا يحترم أي عاطفة تربطه بالمرأة ليست هي الزواج.
محمود : ولماذا لا تأخذ هي حقها في الحب بيدها؟ لماذا تنتظر من الرجل أن يمنحها أو يعترف أو لا يعترف؟
سهير : هذا صحيح؛ إن المرأة يجب أن تأخذ حقها بنفسها. إن الرجل لا يملك حق الإعطاء أو المنع.
ليلى : الرجل هو القاضي وهو الحاكم وهو المشرع وهو صاحب الحق، وهو المشرف على التنفيذ؛ إن مجتمعنا مجتمع رجالي مائة في المائة.
سهير : كان ذلك في القديم الغابر.
ليلى : ولا زال حتى الآن؛ إن علاقة الرجل بالمرأة لا زالت تربطها القوانين القديمة التي كانت قائمة منذ مئات السنين.
محمود : إذا كان ذلك صحيحًا، فإنني ألوم المرأة مهما تعلَّمت، فإنها تحنُّ دائمًا إلى العبودية، إلى أن يكون الرجل سيدها وحاميها.
ليلى : هذه هي طبيعة الأنثى يا محمود، لا يمكن أن ننكر الطبيعة.
سهير : لا ليست الطبيعة، إنَّها مسألة عادة؛ لقد تعوَّدت المرأة أن تجد لذتها في الضعف والذل، وتعوَّد الرجل أن يجد لذته في البطش والسيطرة.
محمود : إذا غيَّرت المرأة عادتها فإن الرجل لا يجد مفرًّا من تغيير عادته.
ليلى : إن المرأة لا تستطيع أن تغيِّر عادتها.
سهير : بل تستطيع.
محمود : هذا يتوقف على المرأة إذا كانت قوية أم ضعيفة.
سهير : المرأة القوية تستطيع.
ليلى : إن المرأة تبدأ قوية، فإذا ما دخلت التجربة خرجت ضعيفة. إن الواقع كفيل بإضعاف أي امرأة متحمسة للتغيير.
سهير : ليس هذا صحيحًا.
ليلى : أنت لا تستطيعين أن تحكمي يا سهير؛ إنك لم تدخلي التجربة بعد.
محمود : وهل أنت دخلت التجربة يا ليلى؟

(ليلى تفكر لحظةً ثم تتظاهر بالبراءة الشديدة.)

ليلى : طبعًا لا.

(ليلى توافق في بساطة.)

فعلًا، أنا لا أستطيع أن أحكم.

(محمود ينظر إليها متشكِّكًا.)

سهير : نفرض أنها دخلت التجربة، هل هذا يضايقك؟

(محمود يفكر وينظر إلى ليلى. ليلى تنظر بعيدًا عنه.)

محمود (في ارتباك) : لا، لا يضايقني.

(سهير تشعر أنه يكذب، وليلى تفهم أنه يكذب، لكنها تتظاهر بتصديقه.)

(تمر لحظة سكون طويلة.)

سهير : أنت لا تقول الحقيقة.
ليلى : لا، إنه يقول الحقيقة. أرجوك يا سهير، دعينا من هذه السفسطة التي تضيع الوقت.

(سهير تغيب في تفكير عميق.)

ديدي : انظر يا محمود بك، هل رأيت بطاقات الدعوة؟
ما رأيك؟
محمود : جميلة جدًّا. وما هذه الأسماء؟ المدعوون؟

(محمود يتأمل الورقة التي بها الأسماء بعض الوقت.)

ديدي : إن صديقات وأصدقاء ليلى جميعهم من الشخصيات البارزة.

(محمود يواصل قراءة الأسماء بينه وبين نفسه.)

محمود : ولكن أين اسم كاميليا؟
ليلى (في دهشة) : كاميليا؟ هل تعرفها؟
محمود : لا، عرفتها اليومَ فقط.
ليلى (في فزع) : اليوم؟ أين؟ متى؟
محمود : مررت اليومَ على مكتبك بالجريدة، وكنت أظن أنك هناك، ولكني قابلتُ زميلة لك تُدعَى كاميليا.
ليلى : وماذا قالت لك؟
محمود : لا شيء. عندما سألتها عنك رحَّبت بي وطلبت لي فنجانًا من القهوة، وقالت إنها صديقتك الحميمة.
ديدي : إنها تدَّعي ذلك؛ إنها ليست صديقة ليلى، إنها زميلتها في العمل فقط.
سهير : ماذا تقولين يا أمي؟
ليلى : كانت صديقتي في يوم من الأيام، ولكن أخلاقها لم تعجبني ﻓ …
سهير : ماذا؟ إنني أسمع هذا الكلام لأول مرة.
ديدي : اسكتي أنتِ يا سهير، أنتِ لا تعرفين شيئًا، اذهبي إلى حجرتك وراجعي دروسك؛ لقد ضيَّعتِ وقتًا طويلًا.

(سهير تخرج وقد بدا عليها الغضب والدهشة.)

(محمود يطرق إلى الأرض في تفكير عميق.)

ديدي : قم يا محمود بك، قم لا بدَّ أنك جائع. هيا بنا نتناول الغذاء، هيا يا ليلى، دعكما من هذا الكلام الفارغ.
ليلى : ماذا عندك يا تانت ديدي؟
ديدي : أرانب بالملوخية مدهشة. تفضَّل يا محمود بك. (تقترب من محمود وتأخذه من يده. تخرج ديدي ومعها محمود.)

(ليلى تبقى وحدها وتضع رأسها على يدها في أسًى وتفكير. تدخل سهير.)

سهير : أنا لا أفهم شيئًا.
ليلى (ترفع رأسها وتقول في شدة) : لا داعي لأن تفهمي شيئًا، ولكن اعلمي أنك مخطئة! وسوف تعرفين ذلك بعد عشر سنوات حين تصبحين في مثل سني.
سهير : لقد كنت أظن أن السنوات التي ستُضاف إلى عمري تزيد من قوتي دائمًا.
ليلى : بالعكس، تزيد من ضعفك وخوفك واحتياجك إلى الرجل. إن المرأة في الثلاثين أضعف منها في العشرين.
سهير : لا، لا يا ليلى، إن رغبتك في الزواج تعميك عن حقائق كثيرة.
ليلى : إن المجتمع يا سهير لا يعترف بالمرأة وحدها أبدًا، إنه يسأل دائمًا لماذا لم تتزوج؟
سهير (في ثورة) : المجتمع! إني لا أعترف بهذا المجتمع!
ليلى (تضحك) : ها ها ها ها (تقوم وتمسك سهير من يدها).
هيا بنا، هيا بنا يا سهير نأكل الأرانب بالملوخية.

لقد سبَقَنا محمود وتانت ديدي. هيا.
سهير (تقف وتقول في حماس) : لن أتغير يا ليلى. لن أتغير!
ليلى : لا داعي لأن نتكلم عما سيأتي، لا أحد يعلم الغيب، ولكني الآن سأتزوج محمود، يجب أن أتزوجه، ويجب أن أحافظ عليه؛ لقد قاربتُ على الثلاثين ولا أستطيع أن أعيش بلا رجل، هل فهمتِ؟
سهير : وهل معنى ذلك أن تكذبي عليه وعلى نفسك؟
ليلى : إن الحقيقة في حياة المرأة هي أخطر شيء على حياتها. إن المرأة الصادقة هي أتعس امرأة في حياتها، ولا يمكن لها أن تعيش مع رجل.
سهير : كيف هذا؟
ليلى : إن الرجل يفضِّل أن يصدِّق أكاذيب المرأة وهو يعلم أنها أكاذيب عن أن يسمعها تقول الحقيقة.

(سهير تفكر في شرود.)

سهير : إن المشكلة مشكلة الرجل.
ليلى : لقد فهمت أخيرًا … أخيرًا!

(ديدي تدخل مندفعة.)

ديدي : ليلى، سهير، أتجلسان هنا وحدكما ومحمود بك ينتظركما على المائدة؟ هيا هيا، الملوخية ستبرد.

(يخرج الجميع.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤