تحقيق نصف المغامرة!

وصلَت عربةُ «الماء الثقيل» إلى النقطة «ﻫ». فجأة قال «فهد»: أوقِف عملية الدخان!

نظر له «أحمد» في دهشة، وقال: لماذا؟

ردَّ «فهد» بسرعة: سوف أشرح لك، لكن يجب إيقافها الآن!

أرسل «أحمد» رسالةً سريعة إلى الشياطين يقول فيها: «أوقفوا الهجوم …» ثم نظر إلى «فهد» وسأل: لماذا أوقفنا عملية الدخان؟!

أجاب «فهد»: إن المطلوب منَّا أن نوقف عملية نقل «الماء الثقيل»، ثم نسلِّم الأمور إلى السلطات الفرنسية.

همس «أحمد»: نعم، ولكن كيف؟!

ردَّ «فهد»: إننا نستطيع تعطيل العربة، وسوف نحتاج لوقت طويل يكون كل شيء فيه قد انتهى.

ثم أشار إلى زرٍّ في تابلوه السيارة، وقال: إن هذا الزرَّ يُطلق أشعة تصل إلى موتور العربة، فيصمت إلى الأبد!

استغرق «أحمد» لحظة في التفكير، ثم قال: اقتراح جيد!

بسرعةٍ أرسل رسالة للشياطين يطلب منهم أن ينضموا إليهما؛ فقد تغيَّرَت الخطة، كانت عربة النقل لا تزال أمامها، وهما يسيران خلفها، قال «فهد»: المطلوب الآن أن نكون أمام العربة، حتى يتجه الشعاع إلى الموتور مباشرة.

ثم ضغط قدمَ البنزين؛ فأسرعَت السيارة حتى اقتربَت من العربة، ثم تجاوزَتها، كانت المسافة بين عربة «الماء الثقيل» وعربة الحراسة تكفي لأن تكون سيارة «فهد» بينهما، وبسرعة انحرف يمينًا، فأصبح بين العربتَين، فجأةً أصدرَت عربةُ «الماء الثقيل» صوتًا مدوِّيًا، فَهِم منه «فهد» أنها تحذِّره، ثم تردَّد ضوءُها القويُّ عدة مرات، بما يعني إفساحَ الطريق، مدَّ «أحمد» يدَه إلى زرِّ التابلوه، ثم ضغط عليه؛ فانطلق شعاع غير مرئي في مؤخرة السيارة إلى موتور العربة.

فجأة، سمع صوت خبطات متوالية، ثم صمت موتور العربة، وتوقَّفت على جانب الطريق، كان «أحمد» و«فهد» قد أزالَا الماكياج وظهرَا بملامحهما العادية. قال «أحمد»: ما رأيك في أن تذهب إليهم؟

توقَّفَت عربة الحراسة، ونزل جنودها مسرعين إلى عربة «الماء الثقيل». مرُّوا بجوار سيارة الشياطين دون أن يتوقفوا عندها، أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى الشياطين، يطلب منهم أن يظلوا في مكانهم أمام عربة الحراسة، على أن يكونوا مستعدين للانضمام إليهما في أية لحظة … قال «فهد»: هل من الممكن أن يكشفونا لو ذهبنا إليهم؟

مرت لحظة، قبل أن يقول «أحمد»: يمكن أن نغير من صوتنا، فهو الشيء الوحيد الذي يكشفنا، خصوصًا وأن الألوان كانت تغطِّي وجهَنا، وبالتأكيد هم لم يفكروا في وجودنا، فهم يعرفون أننا في الطريق إلى روما.

مرت دقائق، وكلٌّ منهما مستغرقٌ في تفكيره. في نفس الوقت كان «فهد» يراقب حركة الرجال في مرآة السيارة، ثم قال: ينبغي أن ننزل إليهم، ونعرض عليهم خدماتِنا؛ فوقوفُنا هكذا يلفت النظر. نزل الاثنان بسرعة، واتجهَا إلى حيث تقف عربةُ «الماء الثقيل» … سمعَا وسطَ صمتِ الليل صوتًا يقول: لا بد من الاتصال بالزعيم؛ فهذه كارثة!

ثم أضاف بعد لحظة: إننا لن نستطيع عمل شيء الآن!

وصل «أحمد» و«فهد» إليهما، بينما كان ضوء ضعيف صادر من فوانيس العربة يضيء المكان.

ألقى «أحمد» بصوت خشن تحيةَ المساء، ثم قال: هل نستطيع أن نقدِّمَ أيةَ مساعدة؟!

نظر السائق إليهما، ثم قال: وماذا تستطيعان؟

ابتسم «أحمد» وقال بنفس الصوت الخشن: إن زميلي مهندس ميكانيكي.

قال السائق: إنني أيضا أفهم في الميكانيكا، وما حدث لا يحتاج إلى مهندس، إنه يحتاج إلى تغيير الموتور أو العربة!

قال «فهد»: دعني أرى؛ فربما كانت الحكاية لا تحتمل كلَّ هذا!

نظر أحدهم إلى السائق وقال: «مان»، أعطه فرصة، فربما استطاع أن يفعل شيئًا!

نظر السائق «مان» إلى «فهد» وقال: تفضل!

تقدَّم «فهد» من العربة، وحوله الرجال جميعًا، كشف عن موتور العربة، ثم أخرج مقياس الزيت، أخذ نقطة على أصبعه، ثم أخذ يفحصها، نظر له «مان» ثم قال: لا أظن أنه زيت الموتور؛ فقد تم الكشف على العربة قبل أن نسافر.

نظر له «فهد» لحظة ثم قال: إنه الزيت فعلًا، لقد تحلَّل زيت الموتور تمامًا، وفقد قوامَه، أو مقاومته، وكان طبيعيًّا أن يحترق الموتور.

ظهرَت الدهشة على وجه «مان» وقال: كيف؟! إن زيت العربة لم يعمل المسافة المحددة له!

ابتسم «فهد» وقال: هذا ما حدث! وكما قلت، لا يفيد الإصلاح في شيء، فإما تغيير الموتور، أو تغيير العربة.

قال «أحمد»: هل نستطيع توصيل رسالة إلى أي مكان، ورشة مثلًا، أو شركة الشحن التي تتبعها العربة.

ردَّ «مان» بسرعة: نشكر لكما تطوعكما بمساعدتنا، سوف نُجري الاتصال بالشركة.

انصرف «أحمد» و«فهد»، وعندما دخلَا سيارتهما قال «فهد»: إن أمامهم وقتًا طويلًا، يكفي لأن يفقدوا كلَّ شيء!

قال «أحمد»: نعم، والآن يأتي دور رقم «صفر».

أخرج جهاز الإرسال، وأرسل رسالة إلى رقم «صفر» يشرح له ما حدث حتى هذه اللحظة، انتظر قليلًا، حتى جاءته رسالة رقم «صفر»، كانت تقول: أهنئكم على نجاح خطوتكم الأولى، وسوف تقوم الجهات المسئولة بإنهاء المهمة، وعليكم تكملة المغامرة!

تحدَّث «أحمد» إلى الشياطين، ونقل إليهم تعليماتِ رقم «صفر»، وأصبح على الشياطين أن يعودوا إلى باريس للقاء العميل رقم «٧٠»، أو «هربرت جليم هاي». أخذت السيارتان طريقَ العودة إلى باريس، ولم تكَدْ تقطعان ربعَ المسافة، حتى تردَّدَ صوتُ طائرة هيلوكبتر، ثم أخرى وثالثة. قال «أحمد»: إنها طائرات المهمة!

قال «فهد»: تمنيتُ أن نُنهيَ نحن المغامرة!

ردَّ «أحمد»: هذه تعليمات رقم «صفر»، وهذا دورنا في المغامرة.

وعندما وصل الشياطين إلى مشارف باريس، كان الفجر قد بدأ يُضيء الوجود، كانت باريس لا تزال نائمة في هذا الوقت المبكر من الصباح، وكانت سيارة الشياطين تتبع سيارة «أحمد» و«فهد».

ابتسم «فهد» وهو يقول: ما رأيك في فطور الآن؟

ابتسم «أحمد» وقال: إنني جائعٌ فعلًا، وبعدها سوف أكون في حاجة إلى النوم.

ثم ضحك وأضاف: إنني جائعٌ نومًا أيضًا!

ضحك «فهد»، ورفع «أحمد» سماعة التليفون في السيارة، ثم تحدَّث إلى الشياطين، يعرض عليهم فطورًا في هذا الوقت المبكر، فجاءه صوت «باسم» يقول: إن باريس لا تزال نائمة!

ردَّ «أحمد»: إن «فهد» يعرف أماكن تسهر حتى الصباح.

جاء صوت «باسم» ضاحكًا: نحن في يوم جديد، ولا بد أن المحلات قد أغلقت لتستعدَّ!

ردَّ «أحمد»: لا تنسَ أن السياحة نشطة هذه الأيام، وهناك محلات تعمل لخدمة السياحة!

ردَّ «باسم»: إذن إلى هناك؛ فالشياطين يشعرون الآن بالجوع!

في حيِّ «موغارتر» الباريسي، حي الفن، كانت هناك حركة الحياة لا تزال مستمرة، كانت بعض المقاهي الصغيرة والمطاعم تعمل، وكان هناك روادٌ يتحركون. أخذَت السيارتان مكانًا في ساحة انتظار السيارات، ونزل الشياطين، تمطَّى «قيس» وهو يقول: مَن يوصلني إلى الفراش؟!

ضحك الشياطين، وأخذوا طريقَهم إلى أحد المطاعم، لكن فجأة، ظهر ما لم يكن يخطر على بالهم، لقد كان أمامهم «هربرت جليم هاي» بنفسه!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤