البلاستيك

حيث نظرتم حولكم في زوايا غرفتكم، أو في حقيبة كُتبكم، أو علبة أقلامكم، أو غُرفة صفكم الدراسي، أو في مطبخ منزلكم، تجدونني قريبةً منكم، صديقةً دائمة لا تفارقكم في مختلِف مراحل عمركم، منذ نعومة أظفاركم وحتى نهاية حياتكم.

تجدونني في السيارة التي تركبونها، وفي تليفون منزلكم وهاتفكم المحمول والحاسوب الذي تستخدمونه أو التلفزيون الذي تشاهدونه، وحتى في ملابسكم التي ترتدونها. حيث نظرتم هنا أو هناك أكون حاضرةً في حياتكم دائمًا، أُقدِّم لكم خدمة، وأساعدكم في قضاء حاجة، وأُلبِّي لكم مطلبًا يُيسِّر لكم عيشكم، ويُسهِّل عليكم حياتكم.

ألعابكم التي قضيتم معها وقتًا ممتعًا، وأقلامكم التي خطَّت بها أيديكم صفحاتٍ عديدة، وأشياء كثيرة تُصادفكم في المنزل والشارع وفي الحديقة، وفي السوق، وفي النادي، في السيارة وفي الطائرة وفي كثير غيرها، جميعها مصنوعة من مادَّتِي أنا (البلاستيك)، المادة اللينة المرنة، المتينة، المقاومة للماء والمواد الكيميائية، الرخيصة الثمن، الخفيفة الوزن، العديمة الرائحة، القابلة للتدوير، المقاومة للصدمات وغير القابلة للكسر.

كل هذه الصفات الجميلة جعلت مني مادَّةً صديقة لكم، ذات فائدة عظيمة للبشرية في مجالات عديدة. أُساهم في توفير الطاقة، وأحدُّ من الهدر في الموارد؛ ولهذا اتَّجهت المؤسَّسات الصناعية إلى مادَّتِي القوية الخفيفة الوزن تستخدمني بديلًا عن المعادن والمواد الأخرى التي تفتقر إلى مواصفاتي، ولا سيما في صناعة السيارات الحديثة التي أصبحت أقل وزنًا وتكلفة؛ ممَّا زاد من كفاءة استهلاك الوقود وتوفيره بسبب خواصي تلك.

كما أن شركات تصنيع الأغذية اتجهت إلى مادَّتِي الخفيفة الوزن تصنع منها أغلفةً وعبوات لحفظ الأغذية، ونقلها، وتداولها؛ ممَّا ساهم في إطالة عمر هذه الأغذية ومنع فسادها.

أمَّا الشركات المصنِّعة للأدوية فقد وجدت في مادَّتِي حلًّا ناجحًا لحفظ الأدوية بإحكام، مع بقاء فعاليتها فترةً طويلة دون فساد بفعل الرطوبة أو الأكسدة بالهواء الجوي.

واتَّجهت شركات البناء إلى مادَّتِي تصنع منها، ومن عبواتها الفارغة، مواد البناء العازلة الزهيدة الكُلفة، فكانت حلًّا ناجحًا، يحدُّ من تلوُّث البيئة بتلك العبوات من جهة، ويؤمِّن المسكن والمأوى لأولئك الذين شرَّدتهم الحروب ودمرت منازلهم من جهة أخرى.

ممَّا ساعد كثيرًا منهم على السكن في منازل تؤمِّن لهم حمايةً من الأخطار الخارجية، وتقيهم برد الشتاء وحر الصيف، وعلى توفير كميات كبيرة من الطاقة كانت تذهب هدرًا لأغراض التدفئة أو التبريد نتيجة التسرُّب الحراري لانخفاض كفاءة العزل في مواد البناء الأخرى.

وكما ترَون أصدقائي الأطفال فقد دخلت مختلِف جوانب حياتكم بسبب خواصي التي منحتني كل تلك الأهمية، وبسبب توافر المواد الأولية الطبيعية التي يتم تصنيعي منها؛ حيث يتم اشتقاقي من مواد موجودة في الطبيعة مثل: الغاز الطبيعي، والنفط، والفحم، والمعادن والنباتات. فاتجهت أبحاث الإنسان وتجاربه نحو مادَّتي، يستنبط منها أشكالًا عديدة تتناسب والأنواع التي يقوم بتصنيعها، مستفيدًا من تركيبي الكيميائي، وطريقة ترتيب وحدات البناء التي أتكوَّن منها؛ فأنا ببساطة سلاسل من وحدات كبيرة الحجم تسمَّى بوليمرات؛ ولهذا السبب فإن العديد من أنواعي يبدأ اسمها ﺑ «بولي»، مثل: بولي إيثيلين، وبولي سترين، وبولي بروبيلين.

تتكوَّن البوليمرات بدورها من وحدات أقصر تُسمَّى المونومرات تترتَّب بطرق متعدِّدة، عرفها الإنسان من خلال أبحاثه وتجاربه فاستغلَّها واستفاد منها في تكوين أعداد لا حصر لها من البوليمرات المختلفة في التركيب الكيميائي، وأنتج مني أنواعًا لها مُسمَّيات وأرقام تشير إلى نوع مادة البلاستيك الناتجة واستخدامها المناسب؛ لصناعة القطع والعبوات لحفظ المواد داخلها.

وإذا دقَّقتم النظر في أسفل العبوات المصنوعة من أنواعي المختلفة، تجدون ثلاثة أسهم على شكل مثلث بداخلها رقم، تشير الأسهم إلى إعادة تدوير هذا المنتج، أمَّا الرقم فيدلكم على نوع مادَّتي المصنوعة منها تلك العبوة:

فالرقم «١» يدل على مادة البولي إيثيلين تريبتالات، ويُرمز لها اختصارًا PET، وتسمَّى البوليستر. تُستخدم في صناعة أكياس القُمامة والقفَّازات التي تُستخدم لمرة واحدة.

وتُستخدم أيضًا في تصنيع عبوات المياه، والمشروبات الغازية، والعصائر. ونظرًا لقيام هذه العبوات بامتصاص جزءٍ من المواد المعبَّأة بها، وقابليتها لنمو البكتيريا داخلها؛ فإني أنصحكم باستخدامها مرةً واحدة فقط، وعدم إعادة تعبئتها أبدًا.

الرقم «٢» هو لمادة البولي إيثيلين العالي الكثافة (HDPE).

تُستخدم في صناعة عبوات الحليب الموجودة بالأسواق، وعبوات الصابون السائل، والشامبوهات والمنظِّفات بشكل عام.

العبوات المصنوعة من هذا النوع لا تنقُل أي مواد كيميائية إلى المواد الغذائية المعبَّأة بها في درجة الحرارة العادية؛ أي درجة حرارة البيوت والمحلات التجارية.

الرقم «٣» هو لمادة البولي فينيل كلورايد (PVC).

تُستخدم في صناعة المواسير البلاستيكية، كما تدخل في صناعة عبوات الزيت.

قد تكون هذه المادة سامَّةً إذا تمَّ تعريضها لدرجات حرارة عالية؛ لأنها تحتوي على عنصر الكلور في مُركَّبها، وقد تؤثِّر على الهرمونات في أجسامكم وتُسبِّب لكم مشاكل غير حميدة.

الرقم «٤» هو لمادة البولي إيثيلين المنخفض الكثافة (LDPE).

يُستخدم نوعي هذا بشكل عام لتغطية الأطعمة في محلات الوجبات الجاهزة والمطاعم.

وفي صناعة أكياس تخزين الفواكه والخضراوات، وفي صناعة الأكياس البلاستيكية العادية، والأكياس البلاستيكية المطَّاطة لتغليف المخبوزات.

وتُستخدم كذلك في صناعة العبوات القابلة للعصر؛ كالقطَّارات التي تحتاج إلى عصرها للتنقيط.

هذه المادة آمنة لا تسبِّب انتقال مواد كيماوية للأطعمة في درجة الحرارة العادية.

الرقم «٥» هو لمادة البولي بروبيلين (PP).

يمكن استخدامها لتخزين الأطعمة التي تتطلَّب حاويةً محكمة الإغلاق لمنع تسوُّسها وفسادها؛ مثل الحلوى والأعشاب.

وتصلح أيضًا لصناعة أكواب اللبن الرائب (الزبادي).

الرقم «٦» هو لمادة البولي ستيرين (PS).

تدخل في صناعة الأكواب البلاستيكية والفوم التي تستخدمونها لمرة واحدة لشرب القهوة أو الشاي أو النسكافيه.

ولصناعة علب البيض وعلب الوجبات الغذائية الجاهزة وأدوات المائدة. وهو نوع غير آمن لدرجة كبيرة للأطعمة والمشروبات.

الرقم «٧» من أخطر أنواع البلاستيك المشتقة مني على الإطلاق. يرمز لعدة مواد منها بولي كاربونات (PC).

كانت تُستخدم سابقًا في صناعة بعض ألعاب وأدوات الأطفال والرضَّاعات، إضافةً إلى إطارات وعدسات النظارات، وحافظات الهواتف، ولها استعمالات عديدة لكونها سهلة التشكيل والصب.

تأتي خطورة نوعي هذا من احتواءه على سُم البيسفينول التي تؤدِّي إلى خلل بعض الهرمومات في أجسامكم، ومشاكل صحية أخرى تؤثِّر على الخصوبة والإنجاب.

تُستخدم البولي كربونات كثيرًا في مجال إنتاج الألواح الصلبة الشفَّافة المتعدِّدة الطبقات المستخدمة كرفوف ومظلات واقية في أعمال الإنشاءات.

وختامًا أصدقائي الأطفال أقول لكم إن كل أنواعي التي حدَّثتكم عنها يمكن أن يتسرَّب منها مواد ضارة بصحتكم إذا تعرَّضت للحرارة فترةً طويلة، أمَّا في ظروف حرارة المنزل العادية فإن أكثر أنواعي أمانًا لاستخدامها هي: مادة البولي إيثيلين تريبتالات (PET). والبولي بروبيلين (PP) والبولي إيثيلين العالي الكثافة (HDPE).
وإن أكثر أنواعي الصالحة للتدوير وإعادة الاستخدام هما: البولي إيثيلين تريبتالات (PET) والبولي إيثيلين العالي الكثافة (HDPE).

وأظنكم عرفتم الآن كيف تتجنَّبون الأضرار المحتملة التي قد تتسرَّب إليكم من عبواتي المختلفة؛ وذلك بابتعادكم عن تناول الأطعمة أو المشروبات الساخنة الموضوعة في أوانٍ بلاستيكية؛ لأن الحرارة تساعد على تحلُّلي وتفاعل مكوِّناتي مع الطعام أو الشراب.

وعدم استخدامكم قناني أو قوارير الشرب البلاستيكية أكثر من مرة، فلا تعيدوا تعبئتها؛ فأغلبها من النوع رقم «١» الصالح للاستخدام مرةً واحدة فقط.

وكذلك عدم استخدام أطباقي البلاستيكية في حفظ اللحوم وأنواع الجبن لفترة طويلة.

وانصحوا أمهاتكم الحوامل بعدم تناول الطعام في أواني مصنوعةٍ من موادي تجنُّبًا لتأثيرها المحتمل عليهن وعلى صحة الجنين.

وللحفاظ على بيئتكم الجميلة نظيفةً لا ترموا بمخلَّفات موادِّي الكثيرة بين أيديكم من الأكياس والقناني والعبوات المختلفة، بما فيها أطباق الوجبات السريعة وكاسات المشروبات. لا ترموها عشوائيًّا ولا تتركوها خلفكم في الحقول أو الحدائق أو الشواطئ حيث تجلسون، بل اجمعوها في كيس وضعوها في المكان المخصَّص للنُّفايات؛ فبذلك تحافظون على نظافة وجمال بيئتكم وسلامة صحتكم.

وسلامة الأحياء التي تشارككم بيئتكم، وتؤمِّن لكم غذاءكم؛ فكم من طيور وحيوانات، وأسماك، وحيتان، ودلافين، وسلاحف، وأنواع كثيرة غيرها نفقت بسبب ابتلاعها المخلَّفات المصنوعة من موادِّي المشتقة مني! حيث تتراكم هذه المخلَّفات التي تتركونها على الشواطئ، وتصل إلى مياه البحار والمحيطات، فتلتقطها تلك الكائنات وتبتلعها ظنًّا منها أنها وجبة طعام لذيذة تسدُّ بها جوعها.

figure

أمَّا في التربة فقد تبقى موادِّي هذه عشرات السنوات، وربما المئات، دون أن تفنى، بل تتفتَّت ويتحرَّر منها مواد سامة ضارة بالبيئة، ويزداد ضررها مع نشوب الحرائق في السهول والغابات والحقول؛ ممَّا يُنتج عنها أبخرةً شديدة السُّمية، إضافةً إلى مساعدتها على اشتعال تلك الحرائق وتأجيج نارها.

ومهما قيل عني فأنا مادة البلاستيك، ملكة المواد الصناعية، صديقتكم الدائمة المطيعة، وخياركم الأول لتعبئة وتغليف الأدوية والمواد الغذائية. أساعدكم في حياتكم، فلا تجعلوا مني عدوةً لكم ولبقية الكائنات في كوكبكم الجميل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤