الألفاظ النصرانية في لغة عرب الجاهلية
كثيرًا ما كنا نسمع في حداثَة سِنِّنَا بأن اللغة العربية لغة القرآن، وأنها كلها إسلامية، وقد قرأنا ذلك في بعض كُتب الأوربيين الذين لم يفقهوا الأمر ورموا الكلام على عواهنه ولعلهم قالوا ذلك؛ لأن القرآن أول كتاب دونه العرب على الرَّق أو الجِلْد أو البردي أو رِقَاق العظام، على أن اللغة العربية سبقت الإسلام كما هو معروف ونطق بها قبائل شتى منها قبائل نصرانية كشفنا القناع عن دينها المسيحي، ثم أَثْبتْنَا فضل النصارى في سبقهم إلى الكتابة العربية.
وليست غايتنا هنا أن نتتبع كل مفردات لغتنا الشريفة فنروي ما جاء منها على ألسنة النصارى، فإن ذلك مستحيل؛ إذ كانت العربية مع وفرة لهجاتها واحدة في القبائل النصرانية وغيرها، كما أن لغة النصراني في عهدنا لا تختلف عن لغة المسلم، ومع إقرارنا بذلك يمكننا أن نجمع عدة مفردات وردت في المعجمات العربية القديمة، دخلت في اللغة بواسطة نصارى العرب لا سيما شعراؤهم، ومجموعها دليل واضح على تأثير النصرانية في لغة أهل الجاهلية.
وتسهيلًا لبيان الأمر نروي هذه الألفاظ على حسب معانيها مباشرة، بالألفاظ الدَّالَّة عَلَيْه تعالى وكمالاته وأسمائه الحسنى.
(١) الاسم الكريم وأسماؤه الحسنى في الجاهلية
إن الوثنية كانت عَمَّت قبل المسيح كل جهات جزيرة العرب، كما سبق لنا بيانه وشَهِدَت عليه المآثر المتعددة، فإن وَجَدْنا فيها ديانة التوحيد ووصف كمالاته تعالى وألفاظًا دالة على ذلك بعد المسيح، فلا بد من القول: إن العرب الذين فاهُوا بها كانوا مُوحِّدِين، فَهُم إما يهود وإما نصارى، وعلى الأقل أنهم استعاروها من أولئك المُوَحِّدِين، على أننا نعرف الجهات التي كان يسكنها اليهود في جزيرة العرب، أما النصارى فكانوا مُنبَثِّين في كل أنحائها فيجب القول بأن هذه الألفاظ هي غالبًا للمسيحيين دون اليهود.
«الله تعالى» لا مراء بأن اسمه عز وجل كالإله الحق سبحانه وتعالى قد سبق عهد الإسلام وشاع في كل أنحاء العرب، وقد وجده صاحب الشريعة الإسلامية مُكرَّمًا مُعظَّمًا بين أبناء جنسه المكيين فهو يكرر اسمه في القرآن كالإله العظيم الذي ليس فوقه إله، وإن كان بعض منهم يشركون به آلهة غيره دونه رتبة.
،
فقالوا بالعربية الله بلام أصلية مفخمة، وقد
جاء الاسم الكريم في الكتابات النبطية
والصفوية، فالنبطية ذكرته منسوبًا إليه كزيد
الله، وعبد الله، وتَيْم الله، وورد في
الكتابات الصفوية منفردًا. ولما كانت النصرانية
دخلت إلى بلاد العرب خصوصًا من جهات الشام،
وتَمكَّنَت بين أحياء النَّبَط، أطلقوا اسم
الله في لهجتهم على الإله الحق كما شاع بين
طوائف السريان ونقلوه في أسفار العهدين القديم
والحديث منذ اوائل القرن الثاني للمسيح،
وخُلاصَة القول أن اسم الله دخل في جزيرة العرب
بنفوذ النصرانية خصوصًا، وعليه قد تكرر هذا
الاسم الكريم في الشعر الجاهلي، الذي كان معظمه
لشعراء نصارى من قبائل نصرانية كربيعة وبكر
وإياد وغيرهم … ولا نرى حاجة إلى ذكر أمثلة
عديدة لهذه الحقيقة لثباتها وكثرة استعمال اسم
الله في الشعر الجاهلي، أما بقية آلهة العرب
فقل ما ورد ذكرها، إذ كانت الديانة الوثنية قد
تقلص ظلها قبل ظهور الإسلام، وكفى بإيراد أقوال
بعضهم في الاسم الكريم على صورتيه «الله» أو
«إله»، قال زيد بن عمرو (عن رواية ابن
هشام):
وقال الأعشى (شعر النصرانية، ص٣٦٥):
وقال بعض الإياديين (كتاب البيان، للجاحظ، ١: ١٩٠):
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
ويَقْرُب من اسم الإله اسم الرب كقول بن أوس بن حجر:
(الأسماء الحسنى) يريد العرب المسلمون بالأسماء الحسنى صفات له تعالى تدل على أخص كمالاته عز وجل، استخرجوها من بعض أقوال القرآن وعدُّوها ٩٩ اسمًا، وأسماء الله لا عداد لها كما هو معروف لأن كمالاته تعالى لا يضم بها إحصاء، ومهما وُصفت به الذات الإلهية فما تلك الأوصاف إلا نقطة من بحر، ولا نتتبع كل اسم من هذه الأسماء، وإنما نكتفي بما هو أدل على جلاله تعالى وعظمته وقدرته وعلمه ورحمته فنجدها كلها سبقت على ألسنة أهل الجاهلية، وإذ كان الله الواحد الصمد قد عرفه العرب كما قلنا بواسطة المُوحِّدِين ولا سيما النصارى، وجب القول بأن هذه الصفات استعارها أيضًا كَتبَة العرب وشعراؤهم عن الدين النصراني، والأسفار المُقدَّسة التي كان يتداولها أرباب هذا الدين.
وكمالاته تعالى على صنفين، صنف منها يعرف الذات الإلهية في نفسها بقطع النظر عن المخلوقات كلها، والصنف الآخر يُشْعِر بصفات العِزَّة الإلهية بالنسبة إلى الكائنات الخارجة عنه.
فمن الصنف الأول ما دل على وجوده تعالى الواجب وقيامته بذاته وجلاله وعلمه وحكمته وقدرته وغناه وأبديته، وكل هذه الصفات قد عرفها أهل الجاهلية من نصارى العرب واستعاروها من الأسفار المُقدَّسة من العهدين القديم والحديث، فمن ذلك قول أمية بن أبي الصلت يصف عظمته وجلاله وفي كلامه كثير مما ورد في القرآن من الأسماء الحسنى، فقال (شعراء النصرانية، ص٢٢٧):
ومنها في وحدانيته وصمدانيته وملكه المتعالي:
وفي وحدانيته وقدرته وبقائه قال ورقة بن نوفل (الأغاني، ٣: ١٤):
ولزيد بن عمرو في ربوبيته وولائه وأبديته قوله (كتاب البدء والتاريخ، ١: ٦٢؛ وسيرة الرسول، لابن هشام، ص١٤٦):
ودعاه زيدُ بن عمرو (الإتقان، للسيوطي، ص١٥٤) بالعزيز والواسع فقال:
فترى في كل هذه الأبيات عددًا عديدًا من أسمائه — عز وجل — كالواحد والأحد والفرد والصمد والأول والآخر والباقي والعزيز والعظيم والكبير والعَلِي والمُتعالي والمحتجب والماجد والمجيد والقادر والقوي والقهار والمقتدر والملك ومالك الملك وذي الجلال والمُقدَّس والحق والعليم والحكيم والغني، وكلها من أوصافه الدَّالَّة على كمالاته الذاتية، أما الصفات الإلهية المنبئة بالعلاقة بين الخالق والمخلوق، فوَرَد منها كثير في الشِّعر الجاهلي ومصدرها كما في الصفات السابقة التعاليم النصرانية الشائعة في جزيرة العرب، فِمِن جميل أبيات أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت قوله يصف خالق البرية (شعراء النصرانية، ص٢٢٨):
ووصَفَه هناك بالمحيي المميت:
وله في وصف تكوين العالَم أقوال كثيرة كقوله في السماء (شعراء النصرانية، ص٢٢٦).
ولقس بن ساعدة في الخالق وغايته من الخلق (شعراء النصرانية، ص٢١٦):
ومثله لِعَدِي بن زيد وسماه مُسبَّحًا وخلَّاقًا (شعراء النصرانية، ص٤٥٤):
ومما يضاف إلى صِفَته بالخالق قولُ أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (العرائس، للثعلبي، ص١١):
وسمَّاه أُمَيَّة كبيرًا ومنشئًا ومُحييًا وقديرًا فقال:
ووصَفَه قس بن ساعدة بالمهيمن (شعراء النصرانية، ٢١٧):
ونعَتَه أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت بالسَّلِيطَط والمقتدر فقال:
وسماه الكريم فقال:
وقال أعشى قيس:
وخصَّه زُهَيْر بن أبي سُلْمَى بمراقبة الأعمال والانتقام لها في مُعلَّقته:
ودعاه أمية حكَمًا فقال:
وسمَّاه عليًّا ومتعاليًا (المرتضى، ص٣١٣):
ووصَفُوه بالرحمن والرحيم، قال الأعشى (شعر النصرانية، ص٣٩١):
وقال المُثقَّب العبدي (شعر النصرانية، ص٤١٥):
وقال سلامة بن جندل يصفه بالرحمن والجَابِر والجامع (اطلب طبعتنا، ص١٩):
ويُرْوَى: «هو الكاسر العَظْمِ الأمين»، ووصفه زيد بن عمرو بالرحمن والغفور، فقال (الأغاني، ١٣: ١٦):
وقال أُمَيَّة في الرحيم (كتاب الألفاظ، لابن السِّكِّيت، ٤٩٠):
ودعاه الورقةُ بن نوفل بالسَّميع المُجيب فقال (الأغاني، ٣: ١٦):
فهذه الأسماء كلها من صفات الله تبارك وتعالى تثبت جليًّا بأن أهل الجاهلية المُتَنَصِّرين لم يَفُتْهم شيء من معرفة الإله الحق.
(٢) السماء والجحيم وما فيهما
كما اقتبس عرَب الجاهلية مَعارِفهم عن الحق سبحانه وتعالى من نور النصرانية ودُعاتها خصوصًا، كذلك يجب القول: إنهم عرفوا الآخرة بِفَضْلهم وإن أمكنهم أن يَستعِيروا شيئًا منها من اليهود، إلا أن اليهود — كما سبق لنا القول — كانوا مُنْزَوِين في بعض أنحاء جزيرة العرب ولم يَخْتَلِطوا مع أهلها إلا اختلاطًا يسيرًا على خلاف النصارى الذين رأيناهم فيما مر، ساكنين في كل أقطار العرب لا يخلو منهم حي واحد، فلا عَجَب أن يكونوا بَثُّوا تعاليمهم عن دار الخُلود بين أهل البادية والحَضَر كما نَشَروا تعريفهم للخالِق — عز وجل.
«السماء» معلوم أن السماء مقام الله حيث يَتجلَّى للأبرار وحيث يسعى في خدمته ملائكةٌ مُنزَّهون عن الهَيُولَى … وقد مَرَّت لنا أبيات لأُمَيَّة بن أبي الصَّلْت وصَفَ فيها تلك السماء العليا، فلا حاجة إلى تكرارها وإنما نضيف إليها قوله في الدَّارَيْن:
وفي هذه السماء العليا قال أيضًا:
وتُدعَى السماء أيضًا بِجَنَّة الخُلْد وبالفردوس وجنان عَدْن، قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
ومثله لحسان بن ثابت (تاج العروس، ٤: ٤٠٥):
وقال النابغة (المخصص، لابن سيده، ٩: ٥٦):
وللسماء في الشعر القديم أسماء غيرها منها بِرْقِع وعدن ونعيم، قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (المخصص، ٩: ٦):
وجاء في عدن له أيضًا:
وقال في النعيم:
وسمَّاها أيضًا دارَ صِدْقٍ قال:
«الملائكة» وأَخصُّ ما في السماء الملائكة، ومعلوم أن ذِكْر الملائكة لم يمكنه أن يَتَّصل إلى العرب إلا بطريقة وَحْي سابق ودِين شاع فيه المُعْتقَد بوجود الملائكة كالنصرانية، وقد أحسن أُمَيَّة في وصفهم فقال:
وله من قصيدة أخرى:
وهناك قد مَيَّز طبقات الملائكة، وأشار إلى عددهم ومختلف أعمالهم ورُتَبهم كالكروبيم والحُرَّاس وصَرَّح بأسماء بعضهم كجبرئيل وميخائيل قال:
وروى في المفضليات (ص٧٨٠) قوله: فلستَ لإنسي: «فلستَ بِجِنِّي».
ولأمية أيضًا في الملائكة المُوَكَّلِين بالمخلوقات السفلى قوله (أساس البلاغة، ٢: ١٩٦):
وقد كَثُر ذِكْر الملاك جبرائيل في الشعر القديم، قال عمران بن حِطَّان:
ويُرْوَى: «رَسول الله»، وكذلك ذكَروا المَلاك ميخائيل ودَعَوه ميكال، قال ورقة بن نوفل:
وذكروا من طغمات الملائكةِ الكروبية وهم الكروبيم، وَصفَهم في تاج العروس «بسادة الملائكة والمُقرَّبِين إلى حملة العرش»، كقول أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت السابق ذكره (التاج، ٢: ٤٥٤):
ومما وصفه شعراء الجاهلية في السماء، عَرشُ الله الذي تَكرَّر ذِكرُه في الأسفار المُقدَّسة من العهدين العتيق والحديث، ومن البديهي أن عرش الله ليس شيئًا هَيُوليًّا مَجسَّمًا، وإنما المراد به عِزَّتُه تعالى وثَباتُه، قال أُمَيَّة وهو غير ما سبق له (الأضداد، لابن الأنباري، ص٥١):
وقال ورقة بن نوفل (الأغاني، ٣: ١٤):
ويُرْوى: «سبحانًا يَدومُ له، وسبحانًا يعودُ له»، ومثل العرش السرير، قال أُمَيَّة (كِتاب البدء والتاريخ، للمَقْدِسي، ١: ١٦٥):
فالشَّرْجَع الخشبة المُربَّعة الطويلة وهي أيضًا العرش والسرير.
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (فيه، ١: ١٥٩):
ويروى: «في جهنم أنهم كانوا عصاة»، وقال، وقد أجاد في بيان حال الهالكين (شعراء النصرانية، ١: ٢٢):
وقال فيهم (خزانة الأدب، ٢: ٣٤٦):
وقال النابغة الجَعْدي مستغفرًا وطالبًا النجاة من جهنم (خزانة الأدب، ٤: ٤):
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت يذكر الأبرار ونعيمهم والأشرار وجحيمهم:
وكما جعلوا الملائكة في السماء كذلك عينوا جهنم لإبليس وفرقته من الشياطين والجن الذين هبطوا من السماء بخطيئتهم فأخذهم الله بعصيانهم، قال أُمَيَّة (لسان العرب، ١٥: ٤٠٩):
وقال أُمَيَّة أيضًا ودَعا الشيطان شاطنًا (اللسان؛ والتاج؛ والصحاح، في مادة عكا):
ودعاه عَدي بن زَيد إبليسًا (تاريخ العصامي سمط النجوم العوالي، ص١٩):
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
وفي هذه السماء العليا قال أيضًا:
وقد كَثُر في الشعر الجاهلي ذِكْر الدَّيْنُونة والحساب وما يتبعهما من ثواب أو عقاب، قال زُهَيْر بن أبي سُلْمَى في معلقته يتهدد المنافقين بالدَّيْنُونة:
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
وقال النابغة الذبياني يذكر مُعْتقَد بني غَسَّان بالدَّيْنُونة:
ويُرْوَى في المخصص (١٢: ٧١): «إذا حُصلت عند الإله الحصائِلُ.» وروى السيوطي لأُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (في إتقان علوم القرآن، ١: ١٥٨):
وقال أُمَيَّة أيضًا (فيه؛ وفي الأغاني، ٣: ١٩٠):
وقال أيضًا (خزانة الأدب، ٤: ٧):
وهم يذكرون مع الدَّيْنُونة والحساب يوم الحشر وبعث الأجساد وقيامتها من قبورها وجزاء العالمين الأخير، قال أُمَيَّة ووصفه تعالى بالباعث للموتى:
وقال قس بن ساعدة (الشربيني، ٢: ٢٧٥؛ ومحاضرات ابن العربي، ٢: ٦٧٠؛ وكتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني، ص٧٦):
وقال عَبيد بن الأبرص يذكر القيامة (خزانة الأدب، ١: ١٦٠):
وقال أُمَيَّة وله السَّهم الأفوز في وَصْف الدَّيْنُونة وذَكَر أيضًا العرش وميزان الحساب والزُّبُر؛ أي الأسفار المُقَدَّسة التي أوحى بها الله لهداية العالمين (كتاب البدء، ٢: ١٤٦):
فهذه الأوصاف كلها لا تُرى في غير الأسفار المُقدَّسة التي كانت في أيدي النصارى فأخذَها عنهم شعراء العرب قبل الإسلام، ولأُمَيَّة المذكور أبيات، ذَكَر فيها انتظار البشر ليوم الدَّيْنُونة وظهور المسيح ليدين العالم (كتاب البدء، ٢: ١٤٥):
ومعلوم في مُعتَقَد المسلمين أن السيد المسيح «عيسى» هو الذي ينزل في آخِر العالَم لِيدين العالمين، فكفى بهذه الشواهد دليلًا على أن كل الألفاظ الواردة في القرآن والحديث عن الدَّيْنُونة وأحوالها قد سبق إليها أهل الكتاب في الجاهلية كما سبقوا إلى أسماء الله الحسنى.
(٣) الدين ومَقاماته ومناسكه
كان لعرب الجاهلية شِرْكُهم كما سبق، إلا أن الآثار العربية الباقية من العهد السابق للإسلام قَلَّما تشعر بالتَّوثُّن لنِفُوذ التوحيد بينهم بِفَضْل الدين المسيحي، وها نَحْنُ ذا نُدوِّن الألفاظ النصرانية الواردة في شعرهم المُثْبِتَة لقولنا.
«الدِّين» إنَّ لفظة الدِّين بمعناها الخاص؛ أي العبادة لله قد سَبَقتِ الإسلام، وأولُ ما نَجد لَفْظَها في الشعر العربي مدلولها الدين النصراني، قال النابغة يمدح ملوك غَسَّان النصارى بدينهم:
وروى اللِّسان مَحِلَّتهم؛ أي الأرض المُقدَّسة، ومثله ما أنشده نبي الإسلام عن شاعر جاهلي «لما أفاض من عرفة إلى مزدلفة وكان في بَطْن مُحَسِّر الذي كان مَوْقِفَ النَّصارى.» (تاج العروس، ٣: ١٤٠؛ و٩: ٣٦٢)، وفي الأبيات إشارة إلى الناقة التي كان راكبها في مسيره إلى الحرم:
وكذلك روينا لورقة بن نوفل النصراني قوله (الأغاني، ٣: ١٦):
ولأمية في معناه قوله:
ومن حِكَم عدي بن زيد قوله:
والدِّين أيضًا بمعنى الحُكْم والقضاء والحِساب، قال السيد المسيح (متَّى، ٧: ٢-١): «لا تَدينوا لِئلَّا تُدانوا فإنكم بالدَّيْنُونة التي بها تَدينون تُدانون»، فجاءت اللفظة في الشعر الجاهلي مُقتبَسة عن الآية السابقة، قال خويلد بن نوفل الكلابي يخاطب الحارث بن أبي شمر (التاج، ٩: ٢٠٧):
(العبد … المتعبد … العباد … العبادة) هي أيضًا مفردات سبقَتِ الإسلام ودلُّوا بها على مَن يعبد اللهَ من النصارى، قال النابغة:
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت في الملائكة:
والعِباد قبائِل شتى من بطون العرب اجتمعوا على دين النصرانية فدُعوا بالعِباد لزُهْدِهم، ويُقال لنُسَّاك النصارى: الأعابِد أيضًا قال أبو دؤاد الإيادي يصف مصابيح الرهبان في مشارف الجبال (التاج، ٢: ٤١٠):
وكثيرًا ما يُطلِقُون اسم العِباد على كل البشر ولا سيما الذين يَعبُدون الإله الحق، قال أُمَيَّة:
وقال أيضًا:
ومثله العِبادة مطلقًا خصُّوها بِعِزَّتِه تعالى، قال زيد بن عمرو:
وقال ورقة بن نوفل:
(آمن … إيمان … المؤمن) كل هذه الألفاظ سبقَتْ أيضًا الإسلام، فاتَّخذَها النصارى لاعتقادهم، ولعَلَّهم استعاروها من السُّرْيان، وقد وردت في أخبار المُتَنَصِّرين في الجاهلية كرواية أصحاب الكهف (مجاني الأدب، ٢: ٢٣٢–٢٤٠).
ورواية تَنصُّر أهل نجران (معجم البلدان، لياقوت، ٤: ٧٥٥)، لا بل ذكَرها في القرآن (سورة البقرة، ع٢٨٥) وأطلقها على النصارى أيضًا فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، ومثلها في سورة آل عمران: «ومنهم المؤمنون … مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّة يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ …»
،
وقد نطق بها امرؤ القيس فقال يصف سربًا مَن
الْمَهَا؛ أي بقر الوحش:
أشار إلى لُبْس الراهبات في أعياد النصارى للملاءِ والأنسجة الطويلة الأذيال، ومثله تصريحًا قول العَجَّاج في ثور وحش، اعتاد الأرباض كاعتياد النصارى أعيادهم. (الألفاظ لابن السكيت؛ ص٤٤٦):
،
و«النذير כזור» عند بني إسرائيل
المقطوع لخدمة الله، وجاء في قصة مريم (سورة آل
عمران، ع٣١): إِذْ قَالَتِ
امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ
لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
فَتَقَبَّلْ مِنِّي، وسبق أمية بن
الأشكر الكناني (راجع: حماسة البحتري، ع٥٢٠)
فقال:
وورد لأُمَيَّة بن أبي الصَّلْت يذكر نَذْر إبراهيم لابنه إسحاق وفيه ذكر «الاحتساب» وهي أيضًا من ألفاظهم الدينية بمعنى الثواب والأجر قال (تاريخ الطبري، ١: ٣٠٨):
إلى أن قال:
ثم للدين مقامات وأبنية مخصصة بالعبادة، شاع عند العرب المسجد والمعبد والمصلى والمنسك والكعبة … وكل هذه الألفاظ قد سبقت الإسلام واستعملها أهل الجاهلية ولا سيما النصارى للدلالة على دينهم.
«المسجد» قال الزجاج في تعريفه (لسان العرب، ٤: ١٨٨): «كل موضع يُتعَبَّد فيه فهو مسجد.» وقد أطلقوها على هيكل أورشليم كقول الطبري في تاريخه (١: ٧٢٩) عن يوسف خطيب مريم: «تولَّى يوسف خدمة المسجد.» وقال ابن خلدون في تاريخه عن العذراء مريم (٢: ١٤٤) إن حنة أمها «جاءت بها إلى المسجد فدفعَتْها إلى عباده.» وقد مر أيضًا ذكر «مسجد مريم»، كما ورد في معرفة البلدان للمقدسي (ص٧٧)، ولا نشك أنها وردت أيضًا في الشعر القديم، ومما رواه سيبويه عن بعض الشيوخ (تاج العروس، ٥: ٤١٩) قوله:
«قال» الصَّومَعة بَيت النصارى، فذكر المسجد معها إشارة إلى أنها في معناها شائعة أيضًا عند النصارى، وقد ورد اسم المسجد في القرآن (سورة الإسراء، ع١) دلالة على الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى في القدس الشريف.
وما قلناه عن المسجد يصح أيضًا في المعبد والمصلى، أي مقام العبادة ومحل الصلاة ومكان النسك فإن هذه الألفاظ كلها يرتقي عهدها إلى الزمن السابق للإسلام.
«الكعبة» أصلها الغرفة المُكعَّبة اتخذوها للكعبة الحرام في مكة، وقد استعملها أيضًا النصارى للدلالة على كنائسهم في الجاهلية كما أشرنا إليه في القسم الأول من كتابنا (ص٦٤) عند ذكرنا كعبة نجران وكعبة اليمن دلُّوا بها إلى كنيسة في نجران قال الأعشى:
إلخ، وكان لكنائسهم حَرَم لا يجوز انتهاك حرمته إن دَخلَه جانٍ أمن على حياته (راجع في: المشرق، سنة ١٩١٠م، ١٣: ٧١، مقالة قنصل الشام المسيو ن. جيرون) في حمى كنيسة دمشق قبل الإسلام وعلى مثاله كان حرم مكة، وفي مساجدهم أمكنة خاصة تُعْرَف بأسمائها كالمحراب والقبلة.
«فالمِحراب» يُراد بها مُطْلَق المسجد، قال صاحب تاج العروس (١: ٢٠٧): «محاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يُصلُّون فيها.» وكذلك النصارى قد سَمُّوا صدر كنائسهم المحراب كما دل بها المسلمون بعد ذلك على صدر مساجدهم، قال في القرآن في سورة آل عمران عن زكريا (ع٣٢) إنه كان «يدخل المحراب على مريم». وتكرَّرت في الشعر القديم، قال الأعشى (لسان العرب، ٧: ١٧):
وقال المُسيَّب بن عَلَس (التاج، ١: ٢٠٧):
وقال امرؤ القيس (ديوانه، ص١٥٣):
وقال عدي بن زيد (شعر النصرانية، ص٤٥٥):
وقال وضَّاح اليمن:
بهذا المعنى والمُسلمون يريدون بها المئذنة،
والمَنارة سبقَت عهد الإسلام، فاستعملها امرؤ
القيس في مُعلَّقَته بمعنى المصباح كان الرهبان
يوقدونه لمناسكهم في قِمَم الجبال ليلًا
قال:
وأثبت غوتيل أن أقدم مساجد المسلمين كمساجد بلد الحرام، والمدينة، والكوفة، والبصرة، ومسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، لم تُجَهَّز لها المناور، وأن أول ما ورد ذكر المنارة في خلافة معاوية، أقامها زياد بن أبي سفيان في مسجد البصرة، قال البلاذري في فتوح البلدان (ص٣٤٧-٣٤٨): «لما استعمل معاوية زيادَ بنَ أبي سفيان على البصرة زاد في المسجد زيادة كثيرة … وبنى منارته بالحجارة وهو أول من عمل المقصورة.»
«والمئذنة» محل التأذين؛ أي النداء إلى الصلاة، وَرَدَت بمعنى المنارة والصومعة، قال في تاج العروس (٩: ١٢١): «المئذنة موضع الأذان للصلاة أو المنارة كما في الصحاح، قال أبو زيد: المِئْذَنة والمُؤْذِنة، وقال اللحياني: هي المنارة يعني الصومعة على التشبيه، والمؤذن المنادي للصلاة.» وقد جاءت في الشعر القديم، قال عدي بن زيد النصراني (في معجم ما استعجم، للبكري، ص٢٣٣):
قال الشارح: «أراد السنان الشديد الائتلاق، وهو مثل مشعل الجليل العظيم الشأن من بطارقة الروم لا سيما إذا ألهبه في ليلة فِصْح وإذا كان في مثل هذه الليلة كان أنور وأكثر ضوءًا.»
وأول الفرائض المقامة في المساجد «الصلاة»، وقد تَكرَّر ذكرها في شعر النصارى قبل عهد الإسلام، قال منظور الأسدي يصف بعيرًا شَبَّه موقع ثَفِناته إذا برَك بموقع كَفِّي راهب على الأرض إذا صلَّى عند الفجر (الألفاظ، لابن السكيت، ص٤١٢):
وقال البُعَيْث يذكر صلاة الرهبان وهم قيام (التاج، ١٠: ٥٣؛ واللسان، ١٨: ١١١):
«قال»: «تَلَّى فلانٌ صلاته؛ أي أتبعَ الصلاة أو أتبع المكتوبة التطوع.» ثم كانوا يُصَلُّون على الخمر في التقديس قال الأعشى يصف خمرًا:
ومثله ما رويناه عن أيمن بن خزيم في خمر جرجان (الأغاني، ١٦: ٤٥):
والصلاة أكثر ما تتم بالسجود والركوع والتسبيح، وكل ذلك قد تَكرَّر ذكره عن نصارى العرب في الجاهلية، قال المضرس الأسدي (معجم البلدان، ٤: ٣٧٥):
«قال»: «لينة ماء لبني غاضرة»، وكذلك ورد في شعر لَبِيد مما قاله في الجاهلية (اطلب ديوانه، في طبعة فينا، ص١١٣)، وقد وصف الثَّور فشبهه عند إِكْبابه بالمُصَلِّي الذي يَقْضي نذْرًا قال:
وأنشد في هذا الباب عن المرأة النصرانية الساجدة (كتاب سيبويه، طبعة بولاق، ٢: ٩٢):
ومن عادة النصارى أن يَحْنُوا رءوسهم إكرامًا لرؤسائهم، قال حُمَيد بن ثور (المخصص، لابن سيده، ١٢: ٨٧):
ومن قبيل السجود «الركوع» وهو إخفاض المُصَلِّي لرأسه وانكبابه لوجهه، وقد ورد في شعر أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت عن الملائكة قوله:
وكان الراهب لكثرة صلاته يُدْعَى راكعًا، ومثله الحَنيف مُرادِف الراهب كما مر، قال في تاج العروس (٥: ٣٦٣): «وكانت العرب في الجاهلية تُسمِّي الحنيف راكعًا إذا لم يَعْبِد الأوثان ويقولون: ركَع إلى الله، قال الزمخشري: أي اطمأن، قال النابغة الذبياني:
وقال الأعشى (لسان العرب، ٣: ٢١٠):
ورُوِي بيتُ عمرو بن عبد الحق للأخطل على هذه الصورة (ياقوت، ٤: ٧٨١):
ومن الآداب الدينية «الصوم»، والنصارى قد اشتهروا به، قال النَّمِر بن تَوْلَب (كتاب سيبويه، طبعة بولاق، ٢: ٢٩):
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت عن الأبرار في النعيم:
(٤) الوحي وكُتُبه وأئمته
ليس الدين طبيعيًّا فقط يُدرِك حقائقه العقل البشري ويُقرِّرُها بالأدلة العقلية. لكنه وَضْعِي أيضًا وهو الذي أوحى به الله إلى عِبَاده وأرشدهم إليه على يد بعض أصفيائه المعروفين بالأنبياء، كموسى كليمه تعالى، ولا سيما السيد المسيح كلمة الله، فَطُوْرًا أوحى بمناسك وفرائض معلومة كالختان والذبائح، وطَوْرًا أنبأ بأسرار تَفُوق إدراك البشر كأسرار العالَم الآخَر وبعض الحقائق الإلهية، ولا يخفى أن العرب في الجاهلية لم يَعرِفوا وحيًا ولم يَدينوا بدين وضْعِي، بل أفسدوا الدين الطبيعي ولحقوا بالشِّرْك وعبادة الأصنام، كما تدلُّ عليه الآثار المتعددة المكتشفَة في عهدنا.
على أن جهلهم بالوحي إنما سبق عهد المسيح، وقد بَيَّنَّا في القسم الأول من مقالاتنا نفوذ النصرانية بين العرب، ولنا في لغتهم العربية قبل الإسلام ما يثبت هذا القول، وذلك في استعمالهم للألفاظ الدالة على الوحي وكتبه وأئمته كما سترى.
فبقوله: «الوحي المُنْزَل» بيَّن كونه يريد دينًا وضعيًّا بلَّغ به الله أنبياءه، ومثله قول أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت في الملائكة وإصاخَتِهم لوحي الله:
وقد انتقلوا من معنى اللفظة الأصلي إلى مَعْناها المجازي، فجعلوا الأسفار الإلهية وحيًا والمكتوب فيها وحيًا، قال جرير بهذا المعنى (معجم ما استعجم للبكري، ص١٠٦):
وإذ كانوا يحفرون بعض آيات الوحي في الصخور، أشاروا إلى ذلك في أشعارهم، قال زهير يشبه آثار الدار بكتابة الوحي (شعراء النصرانية، ص٥٧٥):
وقد جاءت على لفظ الجَمْع في مُعلَّقة لبيد، قال يُشَبِّه مَسايل جبل ريان ببقاء كتابة الوحي في الحجارة:
،
ومعناها الكتاب، وقد خَصُّوا بها الكُتُب
الإلهية، قال ابن دُرَيد في الاشتقاق (ص١٠٣):
«السِّفر الكِتَاب من التوراة والإنجيل وما
أشبههما.» وقد وَردَت في القرآن في سورة
الجمعة، وفي الحديث بالمعنى ذاته، وروى البكري
في مُعجَم ما استعجم (ص٣٦٩) دخول الحسين بن
ضحاك إلى أحد أَدْيِرَة النصارى بينما كان
الراهب يقرأ «سِفْرًا من أسفارهم»؛ أي كتبهم
المقدسة وكانوا يَدْعُون كُلًّا من تلك الأسفار
«بكتاب الله»، قال عدي بن زيد (شعراء
النصرانية):
وقد دعوا أيضًا كتب الوحي «مجَلَّة» وعلى هذا رُوِي بيت النابغة في بني غَسَّان:
ومثلها «صُحُف إبراهيم وموسى» في القرآن يُراد بها كُتب منسوبة إلى موسى وإبراهيم، ومثلها «المصحف» بتثليث الميم؛ أي الكتاب، والمسلمون يخصُّونها بالقرآن. وقد سَبقَ شعراءُ الجاهلية فنطقوا بها وأطلقوها على أسفار النصارى، قال امرؤ القيس (راجع: ديوانه في العقد الثمين، ص١٦١)، وورد في قوله اسم (الآية) إشارة إلى مضامين تلك الأسفار:
«مَصْحَف» من
«صَحَفَ»؛ أي كَتَبَ.
وقد استعملوا لفظة «القرآن» ولم يتفقوا على أصلها، فمنهم من هَمَزَها وجعلها مصدرًا لقرأَ بمعنى القراءة، ومنهم مَن رجَّح عدم همزها، فقال: قُران واستشهدوا ببيت حسان بن ثابت في هجوه لبني جمح (سيرة الرسول، ص٥٢٦)، قال:
وعليه تكون القُران من قرن، أي جمع بمعنى مجموع الآيات، وعلى رأينا أن الهمز أفضل، وهو الشائع، وعلى هذا اللفظ ورَدَت في لامِيَّة كَعْب بن زُهَير قال:
وهي مصدر
ومعناها القراءة وقطعة من الكِتاب لا سيما
الكِتاب المُقدَّس، ويقال بهذا المعنى «رأس
القِريان»
.
بمعنى النجاة والخَلاص مع الإشارة إلى الفصل
والتفريق، وقد ورَدَت بمعنى الخلاص في القرآن
في سورة الأنفال، حيث قال: إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقَانًا فشرحه ابن سعيد بقوله:
«الفُرقان النَّصر على الأعداء»، وكذلك شرح ابن
دريد قول القرآن «يومَ الفُرْقَان» بيوم النصر،
ثم دعوا فصول القرآن «سورة» فهمزَها بعضُهم
وأهْمَل هَمْزَها غيرهم فقالوا: هي البقية من
الشيء والقطعة منه، وقال غيرهم: هي من السُّورة١٤ بمعنى الرُّتْبة والشَّرف كما قال
النابغة يمدح النعمان:
؛
أي الناظر والرائي سلفًا لما يوحي إليه الله من
الأمور المستقبلية.١٥ وقد جاءت في الشعر الجاهلي، قال
أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت عن مريم العذراء
(كتاب البدء، للمقدسي، ٣: ١٢٣):
وقال آخر:
ومثل النبي «الرَّسول»؛ أي المُرْسَل من الله إلى الناس، قال أُمَيَّة في بعثة الله لموسى الكليم (سيرة الرسول، لابن هشام، ص١٤٥):
وقال أيضًا عن لسان الملاك جبرئيل إلى مريم يبشرها بالمسيح (كتاب البدء، ٣: ١٢٣):
وقد استعمَلُوا بمعنى الرسول «النَّذير»، قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (كتاب البدء، ٢: ١٤٦) عن لسان إبليس:
وقد ذكروا «موسى» صاحب التوراة كما رأيت في باب (الرسول)، وقال السموءل (ص١٢):
وقال المضرس بن ربعي (ياقوت، ٣: ٨٧) من أبيات:
وقال امرؤ القيس (شعراء النصرانية، ص٦٥):
وجمعوا الزَّبُور «الزُّبُر» قال المرار بن منقذ في المُفضَّلِيَّات يصف دارًا:
ويُشبهه قول الآخر:
وقال كذلك أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت (كتاب البدء، ٢: ١٤٦) في يوم الدِّين:
أما أصل الكلمة فقد اشتقُّوه من قولهم: زَبَر الكتابَ زبْرًا كتبه، قال صاحب التاج (في مادة زبر): «قال الأزهري: وأعرفه النقش في الحجارة وقال بعضهم: زبرتُ الكتابَ إذا أتْقَنْت كِتابَته»، وجعلوا الذَّبْر كالزَّبْر كما قال صخر الغي:
بالباء، فكذلك الزبور أو المزبور من العبرانية
םזסרו وفي السريانية
، و
وهو التسبيح.
أو أَخذُوها توًّا من الحبشية
على هذه الصورة، وعلى كل حال إن اللفظة سبقت
الإسلام، قال عَدِي بن زيد (كتاب الحيوان،
للجاحظ، طبعة مصر، ٤: ٦٦ Ms de
Vienne. ff.
213r):
وروى البكريُّ في معجم ما استعجم (ص٣٦١) لشاعر لم يذكر اسمه بيتًا هجَا فيه راهبًا هَجَر الرهبانية:
وقال في محل آخر عن غلام يتغنًّى بتلاوة الإنجيل:
والمُرجَّح أن النابغة أراد الإنجيل في ذِكْرِه لمَجَلَّة غَسَّان لما قال:
وكذلك من المُحتَمل أن أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت، أراد الإنجيل في البيت التالي حيث وَردتْ لفظة الرَّق ومعناها السِّفر (راجع: الأضداد لابن الأنباري، ص٨١؛ ولسان العرب، ٩: ٢٥٨) وهو يمدح بني إياد قومه النصارى:
وهما كالعربية مسيح واليونانية χριστός
أي الممسوح بدهن الكهنوت والمُلْك كما كانوا
يفعلون بأحبار بني إسرائيل وملوكهم وقال العرب
غير ذلك، روي في تاج العروس عن شمر «أن المسيح
دُعي بذلك لبركته؛ أي لأنه مسح بالبركة، وقال
الراغب: سُمي عيسى بالمسيح لأنه مُسِحَت عنه
القُوَّة الذميمة من الجهل والشَّرَه والحِرْص
وسائر الأخلاق الذميمة … وفي بعض الأقاويل
المسيح من السَّيْح؛ لأنه كان يَسِيح في
البراري ويذهب في الأرض فأينما أدركه الليل صف
قدميه وصلَّى حتى الصباح.» وكل هذه آراء ضعيفة
والصواب ما قلناه أنه من المسح، وقد تكرر اسم
المسيح في الشعر القديم، قال عمرو بن عبد الحق
ويُرْوَى لغيره (اطلب: المعاجم في مادة
أبل):
وروي للسموءل (راجع: ديوانه، صفحة ٣٢)، قوله:
وقال أُمَيَّة يَذْكُر مَجِيء المسيحِ في آخِر الأزمنة لِيدين البشر:
وذكر آخر مُحاربةَ السيد المسيحِ للمسيح الدَّجَّال وانتصاره عليه (راجع: اللسان، في مادة مسح، ٣: ٤٣٠):
وكانُوا يُسَمُّون المسيح «بِالأَبِيل» ومعناه النَّاسك والزَّاهد بالدنيا، ودعوه بأَبِيل الآبِيلِينَ؛ لأنه كان بزهده قدوة الرُّهبان كما مر بك.
وقد عَظَّمُوا ليلة مَولِد المسيح فدعوها ليل التمام، قال في اللسان (في مادة تم، ١٤: ٣٣٤): «قال عمرو بن شميل: ليلُ التَّمَام أطولُ ما يكون من الليْل … قال الأصمعي: ويَطُول ليلُ التَّمام حتى تطلع فيه النجومُ كُلُّها وهي ليلة ميلاد عيسى … والنصارى تُعظِّمُها وتقوم فيها.»
ولم يذكروا فقط السيد المسيح، بل ذَكُروا أمه مريم العذراء كما رأيت، وذكروا القديس يُوحَنَّا الصابغ المُتقَدِّم أمام وجهه وذكروا تلامذته، ومما رووا عن «مريم العذراء» بُتُولِيَّتَها وبشارة الملاك إليها بابنها الإلهي وحَبَلها الطاهر بابنها من الروح القُدُس، ورد ذلك في القرآن، وسبقه أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت فقال، وفي قوله نظر لما أدخله فيه من المزاعم المنقولة عن الأناجيل غير القانونية (راجع: كتاب البدء للمقدسي، ٣: ١٢٣):
أما «يوحنَّا المعمدان» السابق أمام وجه المسيح فقد شاع ذِكْرُه بين عرَب الجاهلية، وقد رأيتُ أن إحدى الكتابتين العربيتين السابقتين لعهد الإسلام كانت على باب كنيسة في حوران مُشَيَّدة على اسم القديس يوحنا (راجع [الباب السادس من الفصل الأول]، مع رسم هذه الكتابة في الجدول ٦٨-٦٩)، وقد ذكر القرآن في سورة عمران (ع٣٣ و٣٤) ما روى عنه القديس لوقا في الإنجيل من بشارة الملاك لأبيه زكريا ومن مَولده العجيب ووصفه هناك بكونه «مُصدِّقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبيًّا من الصالحين»، فَاطْرَأَ إيمانَه ورِفْعَة مَقامه وعِفَّتَه ونُبَوَّته.
فكيف إذن قُلب بيحيا؟ على رأينا أن الاسم قد
تَصحَّف في العربية، وذلك أنه كان في الأصل
«يُحَنَّا» فكتبوه قبل وضع النقط والحركات
«يحيا» فقرءُوه «يحيًا أو يحيى»، ولا نرى وجهًا
آخر لتعليل هذا التغيير الذي حدث كما نظن قبل
الإسلام، فجرى عليه المسلمون وهم يدعونه بيحيى
بن زكريا النبي أو يحيى الحصور لعفافه عن
النساء، وقد ورد اسم يحيى في الشعر الجاهلي كما
سترى.
أولى ومعناها الأبيض والصافي البياض والنَّقِي،
والصواب أن اللفظة حبشية
«حواري» ومعناها الرَّسُول، وما لا ريب فيه أن
اللفظة سبقت الإسلام، وقد جاءت في القصائد
المعروفة بالأَصْمَعِيَّات (ص٧٥،
Ahlwardt)
في بيت للضابئ بن الحارث بن أرطأة البرجمي يشير
إلى رغبة رُسُل المسيح في الموت لأجل سيدهم
استشهادًا:
وقال السموءل يَذْكُر الحواري (راجع: طبعتنا لديوانه، ص١٢):
يريد بالحواري يحيى على ما نظن يوحنا الحبيب وكذلك ذَكَر متَّى الرسول فخفف، أما «يوسف» فلعله يوسف المعروف بأخي الرب (متَّى، ١٣: ٥٥) أو يكون يوسف اسم أبي متى كأنه أراد مَتَى بن يوسف.
ومؤنث الحواريين «الحواريات» قالوا: هن نساء الأمصار لبياضهن، قال أبو جلدة وهو مسهر بن النعمان اليشكري (لسان العرب، ٥: ٢٩٩):
«قال»: «جعل أهلَ الشام نصارى لأنها تلي الروم وهي بلادها.»
(٥) مفردات نصارى العرب الدالة على رؤسائهم ورهبانهم
وكان للنصارى في جزيرة العرب كما في بقية البلاد نظامهم الديني ورُتبهم من رؤساء ومرءوسين يسوسهم الرُّعَاة وزعماء الدين، ويَمتاز بينهم العُبَّاد والمنقطعون لخدمة الله في الرهبانية، والدليل على ذلك ألفاظ متعددة وردت في آثار عرب الجاهلية تشهد على قولنا شهادة واضحة.
فمن ألفاظهم التي استعملوها للدلالة على رئيس النصارى «الأَبِيل»، وقد اتخذوه للدلالة على السيد المسيح كما ورد في البيت المنسوب للأعشى، وللأخطل، ولعمرو بن عبد الحق:
— من فعل
؛
أي ناح وبكى على خطاياه — ومعناها في السريانية
الزاهد والناسك والراهب وكانوا يتخذون عادة
رؤساءهم من الرهبان المُتَبتِّلِين.
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت في البطريق (التاج، ٦: ٢٩٦):
وكذلك أنشد ابن بري (اللسان، ١١: ٢٠٣):
، أو
والسريان اخْتَصرُوها من
اليونانية μετροπολίτης، ولم نجدها
في الشعر القديم.
،
وقد وردت اللفظة في الكلام القديم، روى ابن سعد
في كتاب الوفود في شروط محمد إلى أهل نجران:
«لا يُغَيَّر أُسقف عن أُسْقُفِيَّته، ولا راهب
عن رهبانِيَّته ولا واقف عن وقفانِيَّته»،
وكذلك روى البكري في معجم ما استعجم للحسين بن
الضحاك يَصِف دير العمر (ص٧٦٩):
وجاء في الجمهرة:
وروى ابن هشام في سيرة الرسول (ص٣٨٥) قول الشاعر:
قال ابن هشام: القوس صومعة الراهب، والرَّبَّاني مشتق من الرَّب؛ أي السيد، ومثله الحَبْر بمعنى «السيد العالم»، وجاءت الحَبْر بمعنى العالم من اليهود أو كبيرهم ومنه كَعْب الأحبار، ويشبهه قول الشماخ (اللسان، ٥: ٢٢٩):
وكما دُعي رؤساء النصارى بالأحبار دعوهم أيضًا «بالأرباب»، قال حُمَيد بن ثور (المخصص، ١٢: ٨٧) يصف بعيرًا يطأطئ برأسه لِيُرْكَب:
وروى في التاج (٢: ٣٧١): «لأحبارها».
ومن الألفاظ المُخْتَصَّة برئيس النصارى عند العرب «الساعي»، قال في التاج (١٠: ١٨٧): «الساعي لليهود والنصارى رئيسهم الذي يَصْدُرون عن رأيه ولا يَقْضُون أمرًا دونه، وبِالمَعْنَيَين فُسِّر حديث حذيفة في الأمانة: إن كان يهوديًّا أو نصرانيًّا لَيَرُدَّنَّه عليَّ ساعيه.»
ومما ذكره اللغويون «العَسَطُوس» قال في التاج (٤: ١٩٢): «هو رأس النصارى واللفظة رومية.» لم يُمكِنَّا ردها إلى أصلها ولعلها مُصحَّفة.
؛
أي شيخ وتأتي على وزن فعيل
ومنها القِسِّيس في العربية، قال جرير في القس
(المعرب، للجواليقي، ص٣٩):
قالوا: تُوماء من أعمال دمشق، ورواية معجم المستعجم للبكري (١: ٢١٥): ثَرْماء، قال: ثَرْماء ماء لكندة، وروي في لسان العرب (١٤: ٣٤٣): «صبحن تيماء»، ومن الشواهد في القس قول الراجز (اللسان، ٨: ٥٨):
ومنه اسم قس بن ساعدة خطيب العرب وأسقف نجران، ومما وَرَد في القسيس قول عبد الله بن زبير لحَجَّار بن أبجر العجلي (الأغاني، ١٣: ٤٧) يُقَرِّعه في نصرانيته:
وبنى منها العرب فعل قسس.
؛
أي خادم البِيعَة، وقد تَسمَّى بعض العرب
بالشَّمَّاس، كما ورد في الاشتقاق لابن دريد
(٢٦٨)، وفي حماسة أبي تمام (ص٢٥٥)، وجمَعَها
خلَفُ بن خليفة (كتاب الشعر والشعراء، لابن
قتيبة، ص٤٤٨، ed.
Goeje) على شماميس
فقال:
وجمعها البُحتري على شَمامِس حيث قال (معجم البلدان، لياقوت، ٢: ٨٣):
في عهدنا تُقال في الجزيرة لقَيِّم البيعة وفي
مُصطَلح السريان يُراد بها المُدبِّر
والزائر
مطلقًا.
وقال ابن دريد: هو ضارِبُ الناقوس وأنشد:
ومثل الأَبِيل «الأَيْبَلِيُّ والأَيبُلِيُّ والهَيبُلِيُّ» وكلُّها بمعنى واحد؛ أي الراهب، ولعلها مقلوبة عن الأَبِيل، قال الأعشى:
وأشهر من الأَبيل والأَيبلي «الرَّاهب» فأكثر من ذكره شعراء العرب، قال الأعشى (تاج العروس، ١: ٢٨٠) يَحلِف بمسوح الرُّهبان والكعبة:
أراد بثوبيه مِسحَيْه كما قال جرير (التاج، ٨: ٦٩؛ وسيرة الرسول، ٣٨٥):
وكان رهبان جزيرة العرب يسكنون في التلال وأعالي الجبال كما يشهد عليه بيت أنشده ابن الأعرابي (التاج، ١: ٢٨١):
قالوا: الرُّهبان هنا مُفرد كالراهب، وقال ربيعة بن مقروم الضَّبِّي يصف مَقام الراهب ونسكه (الأغاني، ١٩: ٩٢):
والمُتَشَمْعِل المُتغَنِّي في تلاوة الزَّبُور، قال الراعي (معجم البلدان، ٤: ٥٠١):
يقال: رنَا إليه؛ أي طَرِب لحديثه، ومما وَصَفوه وأَفاضوا في ذكره مِصباح الراهب الذي يُوقِده ليلًا لصلاته فيُرى عن بُعْد ويَستَهدِي به طارقُ الليل، قال امرُؤ القيس في معلقته، يصف لَمعانَ البَرْق ويشبهه بسراج الراهب عند صبِهِ الزيت على الفتيلة ليذكيه:
ومثله قول كُثَيِّر (اللسان، ١٥: ١٧٩):
وقال امرؤ القيس (راجع: ديوانه في العقد الثمين، ص٢١):
قال الشُّرَّاح: القُفَّال عُبَّاد النصارى؛ لأنهم قَفلتُ جلودهم؛ أي يَبِستْ من العبادة، وقال المُزرَّد أخو الشماخ (عن ديوانه المخطوط):
وذكروا لِبْس الرهبان للسواد، قال الأعلم (في الهُذَيليات، ص٥٧) يصف قتمة جلد الضباع:
وقد وصفوا الرُّهبان بالتَّبتُّل، قال امرؤ القيس (ديوانه، ص١٤٨):
كذلك وصفوا صلاة الرُّهبان في ليلهم وتشعُّث لُمَّتهم زهدًا وأصوامهم، قال منظور الأسدي (راجع: تهذيب الألفاظ، لابن السكيت، ص٤١٢؛ ولسان العرب، ١٣: ٦):
وقال الآخِر (اللسان، ١٤: ٨٩):
القَهَل يُبْس الجلد من العبادة، والتَّهجُّد السَّهر للصلاة، وكانوا يَتلُون الزَّبُور خصوصًا في صلاتهم كما قال امرُؤ القيس يَصِف رسوم الدار (ديوانه في العقد الثمين، ص١٦١):
وكما أفاضُوا في ذكر الرُّهبان كذلك بَيَّنوا منازلهم في بلاد العرب فخَصُّوا منها بلاد مَدْينَ قال كُثَيِّر عزة (معجم البلدان، لياقوت، ٤: ٤٥١):
وقال جرير (ياقوت، ٤: ٤٥١):
وكذلك خَصَّصوا وادي القُرى كمناسك للرُّهبان قال جعفر بن سُراقة، أحد بني قرة (الأغاني، ٧: ١٠١):
وكذلك عَيَّنوا مَوْزَن وهو بلد بالجزيرة في ديار مُضَر كأحد مناسك الرهبان، قال كُثَيِّر (راجع: التاج، ٣: ٤٩٩؛ وياقوت، ٤: ٦٨٠):
فذِكُرهم للرُّهبان في كل هذه الأمكنة يؤيد قولنا في القسم الأول عن شيوع النصرانية في أنحاء جزيرة العرب.
،
ومنها أيضًا «الرَّبِيط»،٤٥ قال الزجاجي: هو الراهب، وفي التاج
(٥: ١٤٣): «الربيط الراهب والزاهد والحكيم الذي
ظَلفَ؛ أي ربط نفسه عن الدنيا؛ أي سدَّها
ومنعها.» ومنها «الجُلاذي»
و«الجُلَذِي».
قال في التاج (٢: ٥٥٧) هو خادم البيعة والراهب والجمع الجَلَاذيُّ بفتح الأول، وقد ورد في الشعر القديم، قال تميم بن مُقبل:
ورُوِي البيت الأول: «الجلاذي وجون ما يُغَفِّينا»، والثاني: «صوتُ المَحابِض يَنزِعْنَ المحارينا».
؛
أي الباكي والزاهد كما قالوا الأَبِيل، أو هي
مشتقة من الحبشية كما ارتأى العلامة نولدك
(Beitraege, p.
56)، وجاءت اللفظة في
الشعر القديم، قال الأسود بن يعفر (لسان العرب،
٢٠: ٦٦):
وقال صخر الغي:
وقد سَمَّوا الراهب «الْمُقدِّس» إذا زارَ بيت المَقْدِس كما قال امرؤ القيس يصف ثورًا أدركَتْه الكلاب فَقطعَتْ جِلدَه:
قال في اللسان (٨: ٥٠): شَبْرَق جِلْدَه؛ أي قَطَّعه، يقول: قطَّعه الكلاب كما شَبْرَق وُلدان النَّصارى الراهب الذي يَجِيء من بيت المَقدِس، فقَطَّعوا ثيابه تبرُّكًا، وكانوا يَتبرَّكُون به وبمِسْحِه الذي هو لابِسُه وأخذ خيوط منه حتى يَتمزَّق ثَوبُه وقيل: المُقدِّس الحَبْر».
وقد ابْتَنَوا من الراهب اسمًا، فقالوا: «الرهبانية» ومنه ما ورد في سورة الحديد (ع٢٧): وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ.
وكما ذكَروا الراهب ذكروا «الرَّاهِبة»، وجمَعُوها الرواهب، قال امرؤ القيس (العقد الثمين، ص١١٨؛ والتاج، ٤: ٤٣):
ودَعَوا الرَّاهبة أيضًا «بالدَّيْرانِيَّة» وردت اللفظة في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة (ص٢٢٩)؛ وفي معجم البكري (٣٧٧)، ودعوا الرواهب أيضًا «بالعذارى»، ومنه عدة أديرة وصفها العرب وسمَّوها أديرة العذارى (راجع: البكري، ص٣٧٦؛ وياقوت، في معجم البلدان، ٣: ٦٧٨) ومنه صوم العذارى «للعذارى النصرانيات من العرب شكرًا لله، حيث انتصرت العرب من العجم يوم ذي قار» (الآثار الباقية، للبيروني، ص٣١٤).
وعلى ظَنِّنا أن «الحَوارِيَّات»، أرادوا بها أيضًا العَذارى الرَّواهِب قال مُسْهِر اليشكري (اللسان، ٥: ٢٩٩):
وهذه ألفاظ أُخْرَى نُردِفُها بأسماء الرُّهْبان وردَت أيضًا في لغة أهل الجاهلية منها «السائح» بمعنى الراهب المُتفَرِّد في الإقفار ذكرها ابن هشام في سيرته (ص٢٠) عن أول داعٍ للنصرانية في نجران، وذكرَها المؤرِّخون عن نعمان ملك الحيرة لما ساح في الأرض بعد تَنصُّره وزُهْده، والاسم السياحة، قال في التاج (٢: ١٦٨): «السياحة والسُّيوح والسَّيَحان والسَّيْح؛ الذَّهاب في الأرض للعبادة والترُّهب، «قال»: ومنه المسيح عيسى ابن مريم — عليه السلام — في بعض الأقاويل؛ لأنه كان يذهب في الأرض فأينما أدركه الليل صفَّ قدميه وصلَّى حتى الصباح.» وقد مر بك أن هذا الاشتقاق ليس بصواب.
ومنها «الناسك»، وهو المُتعبِّد المُتقرِّب إلى الله بالصوم والصلاة وأعمال البر، أطلقها العرب على الراهب، والاسم النُّسك بتثليث أولها.
وكان الرُّهبان يَحلِقون وسط رأسهم وهي «القُوقة»، والرجل مُقوَّق، جاء في (كتاب الأضداد، ص١٣٢؛ وفي اللسان، ١٢: ٢٠٠):
، أو
أي المُتفَقِّد والناظر والحكيم أرادوا بها
رئيس الدِّين لِحكْمَته ولعلها ترجمة اليونانية
έπίσϰοπος بمعنى الناظر؛
أي الأسقف والراعي الديني.
وكذلك «العَرَّاف» أرادوا بها الساحر والمُنْبِئ بالمستقبل عمومًا، وقد خصُّوا بها النصارى، قال جعفر بن سُراقة في شعر مر ذكره (ص٥٩٨):
فلا بد من القول: إن العرب استعاروه منهما
للدلالة على كهنة اليهود والنصارى، وقد رأيتَ
في فصولنا السابقة عن تاريخ النصرانية في جزيرة
العرب شيوعَ هذا الدين في كل أنحاء العربية،
والدين المسيحي لا يقوم إلا بالنظام الكَنَسي؛
أي بوجود أساقفة وكَهَنة ومنه يَتَّضح أنهم لم
يريدوا بلفظة الكاهن السَّحَرة والمشعوذين فقط،
بل أَخذُوها أيضًا بمعناها الخاص؛ أي راعي
الدِّين القويم، وخادم الأسرار المقدَّسة وإن
لم يَنصُّوا عليه، وقريب منه قول صاحب لسان
العرب (١٧: ٢٤٥): «العرب تُسمِّي كل من يتعاطى
علمًا دقيقًا كاهنًا، ومنهم من كان يُسمِّي
المُنجِّم والطبيب كاهنًا»، فطبيب الأرواح أحق
به مِن سواه، وفي تاريخ عرب الجاهلية أخبار بعض
الكُهَّان الذين دَعَوا إلى الله وردُّوا عن
المُنْكَر وأرشدوا إلى الخير ما يدلُّ على أنهم
كانوا أرفعَ مقامًا من السَّحَرة.
(٦) مُفرَدات نصارى الجاهلية الخاصة بكنائسهم وأقداسها
فأتتْ بمعنى محل صلاة اليهود والنصارى ومنهم
مَن يجعل الكنيسة للنصارى والكَنِيس لليهود،
ومن الشواهد على استعمال اللفظة قديمًا لمعبد
النصارى قول جرير يهجو بني تغلب النصارى
(الكامل، للمبرد، ص٤٨٥، ed.
Wright):
«قالوا»: الحَنْتَم الخَزَف الأخضر.
ومعناها البيضة والقُبَّة إشارة إلى شكل بناء
الكنائس قديمًا وذِكْرُها مُكرَّر في الشعر
الجاهلي، قال ورقة ابن نوفل (الأغاني، ٣:
١٦):
ومثله للزِّبْرقان بن بَدْر التميمي لمَّا وفد على نبي المسلمين (سيرة الرسول، لابن هشام، ص٩٣٥):
وأقدم منهما قول لقيط بن مَعْبد في عينيته التي وجَّهها إلى قومه لِيُحذِّرَهم من كسرى ذي الأوتاد (مختارات شعراء العرب، لهبة الله العلوي، ص٢؛ وتاج العروس، ٥: ٢٨٥):
«قال»: ذات الخال وذات العَذْبَة مكانان، ويروى: بذات الجذع، وروى في التاج «نامَت … خزعته،» وهو تصحيف، ومثله قدمًا قول عبد المسيح بن بقيلة (معجم البلدان، لياقوت، ٢: ٦٥١):
•••
وهي فيهما بناء العبادة الكبير، والهيكل في
العربية البناء العظيم واسْتُعمِل لكل كبير
الجسم، قال التبريزي في شرح الحماسة (ص٢٩):
«الهيكل أصلُه في البناء.» وقال في الأغاني:
«الهيكل العظيم من الخيل والشجر، ومنه. «?»
سُمِّي بيت النصارى الهيكل.» وقد ورد بهذا
المعنى في الشعر الجاهلي، قال عَنْتَرة٥١ (راجع: العقد الثمين،
ص١٨١):
قال في المُخصَّص (١٣: ١٠٤): «الهيكل بيتُ النصارى فيه صورة مريم عليها السلام … وربما سُمِّي به دَيْرهم.» وفي لسان العرب (١٤: ٢٢٥):
«الهيكل بيت النصارى فيه صورة مريم وعيسى.» وقال الأعشى (الأضداد، ص٢٤؛ ولسان العرب، ٦: ١٤٤) يُذْكَر الهيكل:
ومثله قول الآخر، وقد مر:
وفي الهيكل «المَذْبَح»، وهو مَحل التَّقدِيس والقُرْبان، وأصله محل الذَّبْح وتقدمة الذبيحة فاستعْمَلوه مجازًا قال في التاج (٢: ١٣٨): «ومن المَجاز المَذابح للمَحاريب والمَقاصير في الكنائس وبيوت كُتُب النصارى، سُمِّيَت بالمَذابح للقرابين.» وقال في أساس البلاغة (١: ١٩٢): «مررتُ بمَذابح النصارى وهي محاريبهم وموضع كُتُبهم ونحوها المناسك للمعتقدات.»
قال الحسين بن الضحاك (راجع: معجم البكري، ص٣٦٩):
راجع أيضًا: ما قِيل في القسم الأول عن إكرام النَّصارى لمكة في الجاهلية (ص١١٨)، ومِمَّن ذَكَروا الصليب النابغة الذبياني (تاج العروس، ١: ٣٣٧) قال:
«أراد النابغة صَليب النصارى، وكان النعمان نصرانيًّا.» وقد ذكر الأخطل خروج النصارى لحروبهم والصليب يتقدمهم (ديوانه، ص٣٠٩):
ومِمَّن صرَّحوا بعبادة العرب للصليب حَجَّار بن أبجر، قال يهجو بني عِجْل النصارى (الأغاني، ١٣: ٤٧):
أي تَعبُد المصلوب، وروي في التاج (١٠: ٩٠) للأقيشر:
وكانوا يَسِمُون جِباههم بالصليب، قال حُجَّة الدين الصقلي في كتاب أنباء نُجَباء الأنباء لخالد بن يزيد في امرأته رَمْلَة الزبيرية (ص٩٤):
وبَنَوا من الصليب فِعلًا فقالوا: صلَّب؛ أي رسمَ الصَّليب، كما رأيت في شعر الأعشى:
وكان نصارى العرب كما غيرهم يُزَيِّنون كنائِسَهم بِنقْش الصُّور ونُصُب التماثيل فيُكرمونها نِسبةً إلى ما تُمثِّلُه لهم من أولياء الله وفضائلهم، ولنا في شِعْر أهل الجاهلية عدة شواهد على ذلك، فذكَرُوا «الصورة»، وهي هيئة الشيء وشَكْلُه، لا سيما هَيئة أولياء الله، وقد سبق في باب تاريخ النصرانية بين عرب الحجاز (ص١١٦-١١٧)، أن العرب كانوا وَضَعوا في الكعبة صورة «الملائكة والأنبياء كموسى ومريم وعيسى»: وممن ذكروا الصورة النصرانية الأعشى، كما سبق فبنى من الصورة فعل «صَارَ»:
«قال» ويُرْوَى: بِيعَة الذَّهَب، وروى ياقوت لشاعر قديم (٣: ٥٢٥):
ومثله للأخطل (ديوانه، ص١٢):
وكانوا يَطوفون حول الصور، لا سيما في أعيادهم، قال الحارث بن خالد المخزومي (الأغاني، ١٥: ١٣٣):
ومعناها الشبه، قال في التاج (١٠: ١٣١):
«الدُّمْية الصورة المنقَّشة من الرخام «عن
الليث»، وفي الصحاح: الصورة من العاج ونحوه أو
عام من كل شيء مُستحسَن في البياض أو الصورة
عامة «وهو قول كراع»، قال ابن الأثير: هي
الصورة المُصوَّرة؛ لأنها يُتَنَوَّق في صنعها
ويُبالَغ في تَحسينِها … والدمية أيضًا
الصَّنَم … لتزيينها وتنقيشها كالدُّمَى
المُصوَّرة.» ولذلك ضربوا المثل في حُسْنِها
فقالوا: «أحسنُ من دمية.» (أمثال الميداني، ١:
٣٠٠)، وقد شَبَّهُوا بها نساءهم، قال الأعشى
(التاج، ٦: ٣٤٤):
ومثله للأحوص في الإسلام (الأغاني، ٤: ١٤٢):
وقال عمر بن أبي ربيعة (الكامل، ص٣٧٠):
وقال أُمَيَّة بن أبي عائذٍ (ديوان الهُذَيلِيِّين، ص١٧٧):
وتَبِعَه أبو العتاهية فقال (الأغاني، ٣: ١٥١):
وممن وصفوا الدُّمى امرؤ القيس حيث قال (ديوانه في العقد الثمين، ص١٢٨):
ومثله النابغة الذبياني (العقد الفريد، ص١٠):
وكذلك قال عَبيد بن الأبرص (الأغاني، ١٩: ٨٦):
وقال زياد بن حَمَل (الحماسة، ٦١٤):
ويظهر من شعرهم أن هذه الدُّمَى كانت تُصطَنع في بعض أنحاء العرب كَهَكِر قيل: إنه موضع في اليمن، قال امرؤ القيس (ديوانه، ص١٢٤، في العقد الثمين):
وكذلك ميسنان وقيل: إنها مَيْسان بين الواسط وبصرة، قال سحيم:
ولعلهم أطلقوا أيضًا على الصورة اسم «النُّصْب»، وهو في الأصل كل ما كان يُنصب فيُعبد من دون الله تعالى والجمع أَنْصَاب ويقال: نُصُب بضمتين والجمع نَصائِب، وقد خصوها بعبادة الأوثان فأرادوا بها حجارة كانت حول الكعبة كانوا يصبون عليها دماء الذبائح، ولعل النصارى أرادوا بها معنى الصورة عمومًا دون الوثن لوُرُود اللفظة في شعر البعض منهم.
بهذا المعنى، وقد استعملها الأعشى بمعنى
الصَّليب، قال (المفضليات، ص٥٤٩،
ed. Lyall
ولسان العرب، ١٧: ٣٣٤):
«قال»: أرادَ بِالوثَن الصَّلِيب.
•••
قوله: «بَعد الهُدُوِّ»؛ أي عند السَّحَر لأن عادةَ الرُّهبان أن يَقرَعوا نواقيسهم للصلاة قبل الفجر، ومثله قال المُرَقَّش الأكبر (المفضليات، ص٤٦٥):
ومثلهما للأعشى (راجع: الجوهري، في مادة حد)، ويُرْوَى لعنترة (العقد الثمين، ص١٧٩):
وقال الأسودُ بن يَعفر، وجمع الناقوس على نُقُس (التاج، ٤: ٢٦٣):
وأكثرُ ما كانت النواقيس في الدَّساكِر والقُرَى قال لبيد (ديوانه، ص١٣٧):
قال الشارح: «والناقوس إنما يكون في القُرى فلما مَرُّوا بالقرى كَرِهوا دخولها فعَدَلوا عنها واجتنبوها وكانت قصدًا على الطريق.» ومثله للجعدي:
وكان ضارِب الناقوس الراهب والراهبة والقَس، قال ربيعة بن مَقروم من أبيات مرَّت ذكر فيها الراهب (الأغاني، ١٩: ٩٢):
وروى في الأغاني لبعض الأغفال عن راهبة:
ومثله لجرير في القس (البكري، ٢١٥):
وقال جرير أيضًا (البكري، ٣٦٨):
وقال الأعشى ودعَا ضاربُ الناقوس بالأَبِيل وهو أيضًا الحَبْر كما مر (راجع: حماسة البحتري، ص٥٦):
ويؤيد ذلك قول المثل في القاموس: «رأيتُ أَبيلًا على وَبِيل»؛ أي حبرًا على عصا رِعايَتِه، وقيل: بل الأَبِيل هو عصا الناقوس كالوَبِيل.
أما «الجَرَس» فلم نجده في شعر قديم، وإنما ورد ذِكْرُه في الحديث، قال في أُسد الغابة لابن الأثير (١: ٣٥١) عن لسان محمد في الوحي: «أحيانًا يأتيني — أي الوحي — في مِثال صَلصلة الجَرَس.» وفي حديث آخَر رواه مسلم (٤: ٤٥٠):
•••
وكانوا على الأخصِّ يُقيمون فيها الرُّتَب الدينية، مَرَّ ذِكْر صلاتهم وسجودهم وتسبيحهم في كنائسهم، وكانوا يُقرِّبُون القرابين في القُدَّاس، ومنه قول الأعشى:
ومثله قول البكري في معجم ما استعجم (ص٣٦٩) يصف رُتْبَة قُدَّاس النصارى «وضَجَّ الرُّهبان بالتقديس.»
وروى في اللسان لجرير (١٥: ١٢٥):
وقد بَنَوا منه فعلًا فقالوا: «تَقرَّب» إذا أخذ القربان، قال الأعشى يمدح هوذة بن علي النصراني الذي أَعتقَ مائة من أسرى تميم يوم الفِصح (تاريخ الطبري، ١: ٩٨٧):
ومثله ما أَخْبَر صاحب الأغاني (٢: ٣٢) عن عدي بن زيد، وهند بنت النعمان، كيف دَخلَا يوم خَميس الفِصْح كنيسة الحيرة «ليتقرَّبَا» يريد تَناوُلَهما الفِصْحِيَّ.
وهي الطعام والغذاء أرادوا بها قُوت النفوس،
وقد ورَدَت في الشعر القديم، قال عدي بن زيد
يحلف بالقربان (شعراء النصرانية، ٤٥٢؛ ولسان
العرب، ٦: ٥٨):
قال الشارح: «الشَّبَر هو الإنجيل والقُرْبان»، وقد وردت الكلمة في شعر العجاج فافتتح إحدى أراجيزه بقوله:
ومثله فيها للأعشى (شعراء النصرانية، ص٣٧٨):
فبذكره للصلاة عليها خَصَّ الخمر المُقدَّسة، وقال الأعشى أيضًا:
قالوا: أراد بالعزيز الملك، وقالوا: بل أراد كبيرَ النَّصارى كقول أوس بن حجر يذكر فصح النصارى:
وكما شربوا خَمْر القربان أَكَلوا خُبْزه المُقدَّس، وقد بَيَّنَّا (ص٧٢ و١٣٩)، أن هجو بعض الشعراء لبني حنيفة النصارى على «أكلهم لرَبِّهم»، إنما أرادوا به تَقرُّبَهم من القربان الأقدس فقَرَّعُوهم بما لم يَدْرِكوا معناه فقالوا:
ومثله قول الآخر:
،
وقد وردت في القرآن بهذا المعنى (في سورة
المائدة، ع١١٢ و١١٤)، حيث يذكر أن الحواريين
طلبوا من المسيح أن يُنزل عليهم مائدة من
السماء فأنزلها، وأراد بها العشاء
السري.
أي مجلس وكرسي الخطابة ثم أخذها المسلمون،٦١ قال الفرزدق في آل أبي العاصي
(راجع: ديوانه، ed. Boucher, p.
19):
(٧) مفردات نصارى الجاهلية الخاصة بمساكن الرُّهبان
قد تَوفَّرت المفردات العربية التي ورد ذِكْرُها في المعاجم والشعر القديم دلالة على مساكن الرهبان فجمعنا منها ما تَيسَّر لنا على تَرتيب حروف المعجم، وفي وَفْرَتِها شاهد ناطق على شيوع العيشة الرهبانية في أنحاء العرب.
قال الشارح: الأسطوان والأسطوانة ها هنا موضع الراهب المُرتَفِع، وقال في التاج: الفرق بين الأسطوانة والعمود أن العمود حَجَر واحد، والأسطوانة بناء.
،
قال في المخصص لابن سيده (١٣: ١٠):
«الأُكَيْراح بيوت ومواضع تخرج إليها النصارى
في بعض أعيادهم وهو معروف.» وقال في معجم
البلدان (١: ٣٤٥): «الأُكيراح بيوت صغار تسكنها
الرهبان الذين لا قَلالِي لهم.» وهي أيضًا موضع
بعينه وأنشد لبكر بن خارجة:
بالطاء فتكون كالمطمورة في العربية شبهوا بها
مسكن الراهب، أو كالطَّمار أي المحل المرتفع،
والله أعلم، وقيل: إن أصلها من
«تَبُر» الحبشية فأبدلوا الباء من الميم،٦٢ ووردت الكلمة في الشعر الجاهلي في
قول الشاعر عن الراهب:
،
ومعناها المسكن عمومًا لا سيما المُحَصَّن، ثم
خَصُّوا بها مسكن الرهبان، قال ياقوت في معجم
البلدان (٦: ٦٣٩): «الدَّيْر بيت يتعبد فيه
الرهبان ولا يكاد يكون في المصر الأعظم، إنما
يكون في الصحارى ورءوس الجبال.» وقال في اللسان
(٥: ٢٨٧) عن ابن سيده:
«الدير خان النصارى والذي يسكنه ويعمره دَيَّار ودَيْراني.» وقال ابن الأعرابي: «يقال للرجل إذا رأس أصحابه: هو رأس الدَّيْر.»، وقد شاع استعمال الكلمة في الشعر القديم، قال عدي بن زيد (معجم البلدان، ٢: ٦٨٠):
وقد عدَّد ياقوت والبكري وغيرهما في معاجم البلدان نيفًا ومائة دَيْر مما ورد ذِكْره في الشعر القديم، بل ذُكر لأبي الفرج الأصفهاني كتاب في الدِّيَارات خَصَّه بذكر الأديرة القديمة بين العرب.
ومنها الرُّكخ، قال في المخصص (١٣: ١٠٢): «من أبيات النصارى، قال: ولستُ من هذه الكلمة على ثقة.» «قلنا»: ولعل الكلمة تصحيف «الكِرْح» الآتية.
ومعناها الحُجرة والقلَّاية.٦٣
ومعناها الدير والقلاية، وقد وردت بهذا المعنى
في القرآن (سورة الحج، ع٤١)، ونطق بهذا الشعراء
القدماء، روى سيبويه لأحدهم:
ومنها «الطِّرْبال» وهو كل بناء عالٍ مرتفع، وقال أبو عبيدة: هو شبيه بالمنظرة من مناظر العجم كهيئة الصومعة وأنشدوا لدُكين (راجع ياقوت، ٣: ٥٢٥؛ والتاج، ٧: ٤١٦):
وقد وردت الكلمة بمعنى البِيعَة ومَعْبَد النصارى ولعلها أعجمية.
وهي الدير، قال المتلمس (راجع: معجم ما استعجم
للبكري، ص٦٩٦):
«قالوا» العُمر في شعر المُتلَمِّس الدَّيْر أو البِيعَة والكنيسة.
اشتقها السريان من اليونانية ϰελλίον،
وقال البكري (في معجمه، ص٣٦٩): «إن كانت
القلاية مضافة إلى المواضع فإنما هو العمر،
والعمر عندهم اسم الدير، قال الثرواني:
ومنها أيضًا «القُوس»، وهو الدير وأصل الكلمة من الفارسية، قال صاحب اللسان (٨: ٦٩): «القوس الصومعة أو موضع الراهب، وقال ياقوت (٤: ٢٠٠): «هو مَعبد الراهب» وأنشد في اللسان:
وأنشد الأصمعي لذي الرمة:
قال: القَس القِسِّيس، والقُوس صومعته.
بمعناه، وقد مر مع الأُكَيْراح.
ومنها «المَنْهمة» وهو مسكن النُّهام أو النُّهامي؛ أي الراهب، قال ذو الجدن (سيرة الرسول، ٢٦-٢٧):
قال الشارح: المنهمة موضع الراهب.
(٨) مفردات لنصارى الجاهلية في أعيادهم ومواسمهم السنوية
نَذكُر هنا الأعياد النصرانية الثابتة والمنتقلة التي شاعت عند عرب النصارى كما عرَفَها غيرهم.
،
قال البيروني في الآثار الباقية عن القرون
الخالية (ص٢٩٤): «السُّبَّار دخول جبرائيل —
عليه السلام — على مريم مُبشِّرًا بالمسيح.»
ولم نجد اللفظة في الشعر الجاهلي، وإنما وصف
أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت البشارة بآيات
رويناها سابقًا.
أي ميلاد المسيح.
«يكون فيه بالشام لأهله عيد يُوقِدون في ليلته النيران ويُظهِرون «الأفراح» لا سيما بمدينة أنطاكية، وما يكون في كنيسة القسيان بها من القداس عندهم وكذلك سائر الشام، وبيت المَقدِس ومصر وأرض النصرانية كلها، وما يظهر أهل دين النصرانية بأنطاكية من الفرح والسرور وإيقاد النيران، ويساعدهم على ذلك كثير من عوام الناس وكثير من خواصهم.»
ومعناها الظهور؛ أي ظهور السيد المسيح لبني
إسرائيل يوم معموديته، قال البيروني
(٢٩٣):
«وفي السادس من كانون الآخَر دِنْحا وهو عيد الدِّنْح نفسه ويوم المعمودية الذي صَبَغ فيه يحيى بنُ زكريا المسيحَ وغَمَسه في ماء المعمودية بنهر الأردن عند بلوغ ثلاثين سنة من عمره واتصل به روح القدس شبه حمامة نزلت من السماء على ما ذُكر في الإنجيل.»
ويعرف عيد الدِّنْح بالغطاس أيضًا، وعلى هذا اللفظ وصفه المقريزي في الخطط (١: ٤٤٩٤)، ويُسمَّى أيضًا بيوم العماد.
ومنها «خميس العهد»، قال المقريزي (١: ٤٩٥): ويسميه أهل مصر من العامة خميس العدس ويعمله نصارى مصر قبل الفِصْح بثلاثة أيام ويَتهادَون فيه، وقد عرفه العرب أيضًا بخميس الفِصح، ورد على هذا اللفظ في ترجمة عدي بن زيد الشاعر الجاهلي في كتاب الأغاني (٣: ٣٢)، حيث ذكر دخول هند بنت النعمان كنيسة الحيرة، قال: «خرجت في خَميس الفِصح وهو بعد السعانين بثلاثة أيام تَتقرَّب في البِيعَة.»
وأصلها חספ العبرانية وتكرَّر
ذكر الفِصْح في الشعر العربي الجاهلي، قال
الأعشى يمدح هوذة بن علي النصراني الذي كان
أطلق أسرى بني تميم يوم عيد الفِصح تقرُّبًا
لله:
وكانوا في الفِصْح يُوقدون المشاعل، قال أوس بن حجر، يصف رمحه، وقد شبه سنانه بمصباح يوقده رئيس النصارى يوم الفِصْح (شعراء النصرانية، ص٤٩٤):
قال الشارح: «أراد السنان الشديد الائتلاق وهو مثل مِشعل الجليل العظيم الشأن من بطارقة الروم، لا سيما إذا ألهبه في ليلةَ الفِصح، وإذا كان في مثل هذه الليلة كان أنور وأكثر ضوءًا.» وقال عدي بن زيد يشير إلى تعمير قنديل الفِصْح (الأغاني، ٩: ٥٣):
وممن أشاروا إلى أفراح النصارى في عيد الفِصْح عبد الله بن زبير قال (الأغاني، ١٣: ٤٦)، يهجو حَجَّار بن أبجر أمير بني عِجْل:
ومعناها الصلاة والدعاء، وقد خصوا بها رتبة
تُقام ثاني يوم عيد الفصح، وقد وردت اللفظة في
حديث عمر لمَّا صالَح نصارى الشام شَرَط عليهم
«أن لا يُحْدِثوا كنيسة ولا قلية ولا يُخْرِجوا
سعانين ولا باعوثًا.»
ومعناها الصعود، وروى البكري (٣٧٠) لشاعر
إسلامي:
ومما ذكروا من أعياد النصارى «الهِنْزَمْن» وروى ثعلب الهِنْزَمْر، قالوا: عيد للنصارى (المخصص، ١٣: ١٠٢)، ولم يَزيدوا إيضاحًا، وقد ورَدَت اللفظة في شعر الأعشى:
ويراد بها الحفلة.
وقال مُدْرِك الشيباني (تزيين الأسواق، ص٣٣٠):
(٩) مفردات جاهلية لوصف ملابس٧١ النصارى
كان نصارى العرب يَلبَسون الثياب كغيرهم من أهل البادية، لا يَمتازون بها غالبًا عن سواهم، غير أن في المعاجم وبعض الشعر الجاهلي مفرَدات ورَدتْ في وصفهم النصارى أو شرحوها بقولهم: إنها من ثياب النصارى، نَذكُر هنا ما عَثرْنَا عليه منها في مُطالَعاتنا.
فمنها «الآخنيُّ»، قال في التاج (٩: ١١٩): الآخِني الثوب المُخطَّط، وقال أبو سعيد: الآخِنِي أَكسِيَة سُود لِيِّنَة يلبسها النصارى، قال البُعَيْث:
وقال أبو الخراش:
ومنها «الإضريج» كساء أحمر من الخَزِّ، ويقال أيضًا للخَزِّ الأصفر، وقيل: بل هو كساء يُتَّخَذ من المِرعِزَّى من أجود صوفها، وقد ذكره النابغة في ديوانه (العقد الثمين، ص٤) حيث قال يصف أعياد النصارى الغَسَّانيين:
ومنها «الأَرَندَج واليَرَنْدَج»، قال أبو عبيد في المخصص (٤: ١٠٣): «هو بالفارسية رنده، قالوا: هو ضرب من الأدم أسود.» وجاء في اللسان (١٨: ٣٠٤)؛ والتاج (٢: ٥٠) أن اليَرَنْدَج جِلد أَسْوَد، تُعمل منه الخِفاف يَحْتَذُون بها، وقد خَصَّها الشَّمَّاخ بالنصارى، فقال يصف نَعامًا في بَرِّيَّة:
ومنها «الرَّيْط» وهي الملاءة المنسوجة قطعة واحدة، وقد ذكرها الراعي في وَصْف بَطْرَك النَّصارى (التاج، ٧: ١١١)، فقال يصف ثورًا وحشيًّا:
ومنها «الزُّنَّار» قالوا: هو ما على وسط النصارى، وقال في التهذيب: ما يلبسه الذميُّ يشدُّه على وسطه، وقد اشتقوا منه فعلًا فقالوا: زَنَّره إذا ألبسه الزُّنَّار، وقد جاء الزنار في الشعر الجاهلي، قال عدي بن زيد وكان معاوية يعجب به:
ويُرْوى:
التِّقْصار القِلادة، ومثله لابن الضحاك (البكري، ص٣٧٠):
ومنها «الكتَّان» كما رأيتَ في شعر الراعي والعَجَّاج، ومنها «الْمُوق» جمعها أَمْواق قال ابن سيده: «هو ضَرْب من الخِفَاف وقيل: خُفٌّ غليظ يُلْبَس فوق الخُفِّ، وهو عربي صحيح.» وكان العبادِيُّون يَنْتَعِلون بالأمواق، قال النمر بن تولب (التاج، ٧: ٧٣؛ واللسان، ١٢: ٢٢٧)، ويُرْوَى لسلامة بن جندل:
وكانت هذه الخِفَاف تُتَّخذُ من الجلد المَدبوغ بالقُرَظ فيَدْعُونه السِّبت ويَنتَعِل به السادة، قال عَنتر في مُعلَّقته:
ومن لبس زُهَّادهم «المِسْح»، وهو ثوب الرهبان من شعر، قال جرير وسَمَّى الرَّاهِبَ ذا المِسْحَين (التاج، ٨: ٦٩):
هذه بعض ألفاظ نقلناها، وقد صَرَّحوا فيها بذكر النصارى، ولا شك أن ألفاظًا أخرى، دخلَت في العربية بواسطة النَّصارى من الحَبَش والروم والسريان، كما يدل عليها أصلها الأعجمي؛ كالبُرْجد، والإكليل، والتاج، والبُرنس، وأبي قلمون، والقَلَنْسوة، والجِلْبَاب، والسُّنْدُس وغيرها، وإن لم يَخُصَّها الكتبة بالنصارى وَحْدَهم.
(١٠) ألفاظهم في الكتابة وأدواتها
رأيت في فصل سابق أن الكتابة دخلت بين العرب بفضل النصرانية، فلا عجب أن تكون الألفاظُ الدَّالة على هذه الصناعة قد وردت خصوصًا في آثارهم ولذلك ترى أدوات الكتابة مَقرونة في أشعارهم بذكر الزَّبُور وكُتُب الوحي التي كان الرُّهْبان يَتناقلونها في جزيرة العرب ويَتأنَّقُون في كتابتها.
فأول ما ذكروه «القلم» قال معاوية الجعفري (معجم البكري، ص٥٨٢)، يصف منازل دارسة:
ومثله لكعب بن زهير (البكري، ص٤٤١):
وقال لبيد في معلقته:
ومنها «الأديم»؛ أي الجِلْد كانوا يَصقلُونه ويُرقِّقُونه، فيَكتُبون عليه، قال المُرقَّش:
وفي القرآن: «رَق مَنشور»، وقد دعوا الأديم والصحيفة البيضاء والحَصِير المَنسوج خيوطه سيور «قَضِيمًا»، قال النابغة (التاج، ٩: ٦٩)، وفي وصف الرسوم:
وقد دَعَوا القرطاس والصُّحُف البِيض «بالمُهْرَق»، وهي لفظة فارسية مُهْرَه، قال الصغاني: المُهْرَق ثوب حرير أبيض يُسقى الصِّمغ ويُصْقل، ثم يُكْتَب فيه والكلمة قديمة، قال الحارث بن حِلِّزَة في معلقته:
وقال أيضًا (التاج، ٧: ٩٦) في الأطلال شَبَّهها بكتابة الحَبَش:
وقال الأعشى يذكر الأدعية المرقومة في المَهارق (اللسان، ١٢: ٢٤٧):
وكذلك كتبوا على «العَسيب»؛ أي جريد النخل، قال امرؤ القيس:
وفي الهُذَلِيَّات قوله:
وكَتَبوا أيضًا على الألواح «واللوح»، كل صَفِيحة عَريضة من خشب أو عَظْم كالكتف كانوا يكتبون عليها، وقد ورد في القرآن: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ.
«والرَّقِيم» اللَّوْح من الرصاص، قال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت يذكر اللوح الذي كان مع أصحاب الكهف حيث رُقِم نَسَبُهم وأسماؤهم ودينهم (البيضاوي، طبعة ليدن، ص٥٥٥):
وسَمَّوا مجموع الأوراق المكتوبة «كتابًا»، قال زُهَير في معلقته عَمَّا يَخفَى في قلوب البشر فيدينه الله في الآخرة:
وقال عدي بن زيد الشاعر النصراني في الإنجيل (شعراء النصرانية):
ودَعَوا الكتاب «بالقِطِّ» جمعه القُطوط، وهو في الأصل الجِلد الذي يُكتب عليه، وقال أُمَيَّة يذكر قومه بني إياد (التاج، ٥: ٢٠٩):
وقيل: أراد بالقِط هنا الإنجيل، وقال مثله الأعشى:
أي يمنح الصكوك للجوائز، وكذلك «الصحيفة» فهي الكتاب أيضًا، قال لقيط الإيادي (تاريخ ابن الأثير، ١: ١٥٧):
ومن أسماء الكتاب عندهم «المصْحَف» وردَت في شعر امرئ القيس للدلالة على كُتب الرهبان قال:
ومن أسماء الكتب «المِجَلَّة» قال ابن دُرَيْد في الاشتقاق (ص١٩٢):
«المِجَلَّة الصحيفة يُكتَب فيها شيء من الحكمة.» واللفظة آرامية، قال النابغة يَذكُر الكتب المُقدَّسة التي كانت في أيدي بني غسان (التاج، ٧: ٢٦١):
وكذلك قالوا في «السَّطر»: إنه الخط والكتابة، وأصل الكلمة من الآرامية، وروي في تاج العروس لبعضهم (٣: ٦٧٢):
وقال الشماخ (اللسان، ٥: ٢٢٩):
وكانوا يَتَّخذون للكتاب سِمة وديباجة حسنة وهو «العنوان»، قال أبو دؤاد الإيادي (التاج، ٩: ٢٧٢):
وقال المُرقَّش الأكبر وبه لُقِّب مرقَّشًا:
وقال حاتم الطائي (الأغاني، ٧: ١٣٢):
وأشاروا إلى بعض حروف الكتابة كقول مرار بن منقذ في وصف رسوم الدار يشبه بحرف اللام ما مثل منها:
وقال أبو الأسود على خلاف ذلك (الأغاني، ١١: ١١١):
وفي الأصل: الأنفاسَا بالفاء، وهو تصحيف.
(١١) بعض ألفاظ أخرى مُتفرِّقة لنصارى العرب
نذكر هنا بعض ألفاظ ورَدتْ في آثار الجاهلية بخصوص النصارى وأولها اسم «النصراني»، وجمعها النصارى، قال العَجَّاج في مفردها (ديوانه، ص٦٩):
وقال جابر بن حُني في جمعها (شعراء النصرانية، ص١٩٠):
وقال طُخَيم بن الطخمة الأسدي يمدح قومًا من أهل الحيرة من بني امْرِئ القيس بن زيد مناة بن تميم رهط عَدِي بن زيد (ياقوت، معجم البلدان، ٢: ٩٥٧):
وقال القطاميُّ يَذكُر نساءَ النصارى في صَومِهن (التاج، ٨: ٩٩):
ومثله لحسان (ص٢٤، من طبعة تونس):
ولعبد الله بن الزبير في حجَّار بن أبجر العجلي (الأغاني، ١٣: ٤٦):
وقال في التهذيب: وجاءت أنصار، جمع نَصْران؛ «أي النَّصْراني» وأنشد:
يُريد نَصارى مِنَ النَّبَط (اللسان، ٧: ٦٨؛ والتاج، ٣: ٥٦٩).
وكذلك قالوا في مؤنث نَصْران «نَصْرانة» قال أبو الأخزر يصف ناقتين طأطأتا رَأْسَيْهما من الإعياء، فشبههما بالنصرانية تُطأطِئ رأسها بصلاتها:
وبَنَوا منه فعلًا فقالوا «تَنصَّر»؛ أي دخل في دين النصرانية، قال حاتم الطائي، يذكر ديار لحيان وكانوا نصارى (الأغاني، ١٦: ١٠٤):
وقال جعفر بن سراقة أحد بني قُرَّة يهجو جميل بن معمر وقومه (الأغاني، ٦: ١٥):
يريد هنا الروم الذين كانوا ينفخون الأبواق في حفلاتهم.
ومن غريب ما نَسبوا إلى النصارى إكرام «الْوَثَن»، كما مر سابقًا وقالوا: «الوَثَن الصَّلِيب»، وكذلك دَعَوا الصليب والتماثيل التَّقَويَّة عند النصارى «أصنامًا»، كما دعاها جرير «بالزُّون» بمعنى الصنم أيضًا، حيث قال (تاج العروس، ٩: ٢٢٩):
وفي هذه الأقوال غلطٌ فاحش؛ لأن النصارى لم يعبدوا قطُّ الوثن أو الصَّنم أو الزُّون، فضلًا عن كون الهَرابذة هم المَجُوس، وإنما يُكَرِّمون الصَّلِيب والصُّور لِمَا تُمثِّل لهم من شَخْص السيد المسيحِ المصلوب وأولياء الله، وشتَّانَ بين هذا وعبادة الأصنام.
بمعنى
زَهدَ وتَنسَّك، فيكون المُشْمَعِلُّ
الراهب في قول أُمَيَّة بن أبي
الصَّلْت يمدحُ عبد الله بن العجلان
(ياقوت، ٢: ٥٢٦):
ومن الألفاظ القرآنية التي سبَقتِ الإسلامَ لفظةُ الأبابيل، جاء في سيرة الرسول، لابن هشام (ص٥٩٨)، لأُمَيَّة بن أبي الصَّلْت: