موعد مع الخطر

قال «أحمد»: إنها تشبه الفيلَّا التي نزلنا فيها أثناء قيامنا بمغامرة «روكو العبيط» وهو شيء يدعو إلى التفاؤل.

وظهرت سيدة عجوز ولكن قوية، ورحَّبت بهم بلغة إنجليزية جيدة، وقالت إنها مسئولة عن الفيلَّا … وإنها تقوم بكل الخدمات.

رد «أحمد»: لقد تناولنا طعامًا خفيفًا في الطائرة، وكل ما نحتاجه هو إبريق من الشاي!

وانسحبت العجوز في هدوء … ووجد الشياطين الثلاثة ملفًّا أصفر اللون مغلقًا بالشمع الأحمر، ومكتوبًا عليه «مهارشا»، وفهم الشياطين أن «شاملال» أعد هذا الملف بناء على تعليمات رقم «صفر».

كان الملف يحوي معلومات مرعبة عن العصابة الهندية … فهي عصابة ضخمة تنتشر في جنوب شرق آسيا كله … ولها أعوان في كل مكان. وتستَخدِم جميع الوسائل في عمليات التهريب العالمية التي تقوم بها. وعندها خُبراء في استخراج الهيروين … وأفران ومعامل خاصة بذلك في مناطق معزولة لا يصل إليها إنسان …

وجاء ضمن المعلومات أن العصابة تستخدم الفِيَلة الضخمة في حمل الأفيون خلال الغابات الكثيفة … كما تستخدم السُّم في اغتيال أعدائها. وعندها أمهر الرماة الذين يستخدمون الخناجر والسِّهام المسمومة التي تقتُل من تُصيبه على الفور …

وقدَّم التقرير معلومات لا بأس بها عن المعامل التي يتم فيها تحويل الأفيون إلى «هيروين» … وعن بعض أعوان العصابة، أمَّا زعامة العصابة فتتركز — كما تقول الشائعات — في رجل هندي كان يعمل بحَّارًا في سفن التهريب … واستطاع بجسارته وقسوته أن يتزعَّم مجموعة من البحارة والمهرِّبين سيطروا على خطوط الاتصال الداخلية والخارجية لتهريب الأفيون أولًا … ثم انطلق بعد ذلك ليهرب «الهيروين» والاسم المعروف له هو «رام» … وهو اسم يبعث الرعب في القلوب لما ارتبط به من قصص البطش والقتل والإرهاب …

•••

جلس الشياطين الثلاثة يتناقشون … كانت قضية استعمال السُّم قضية خطيرة … ومن الممكن القتل به دون ضجَّة … وهم سيصارعون عصابة دولية لا مجال فيها إلا التخلص من العدو … مهما كان … ورغم أن الشياطين درسوا السموم في «ش. ك. س» … لكن التهديد الخفي بالموت عن طريق السم بعث في نفوسهم قدرًا من الرهبة.

قال «رشيد»: كُنا في حاجة إلى «عثمان» … إنه أكثرنا خبرة بالسموم، ثم إن كُرته الجهنمية ممكن أن تكون عونًا لنا في هذا الصراع!

أحمد: معك حق … وفي الصباح سوف نرسل لرقم «صفر» ليرسله لنا على وجه السرعة.

ذهب الشياطين الثلاثة إلى أسرتهم … وفي الصباح كانوا في حالة أفضل، حتى إنهم ابتسموا عندما تذكَّروا حديث الليل عن السُّم … وما بعث فيهم من رهبة، وقام «أحمد» بالاتصال ﺑ «شاملال» وطلب منه الاتصال برقم «صفر» لإرسال «عثمان»!

وجاءت اللحظة الحاسمة … عندما أخرج «أحمد» رسالة «يوجاراجا» … المرسلة إلى الزعيم الهندي …

كانت هناك خمسة أرقام للتليفون يمكن أن يتصل بها … وطلب الرقم الأول … ورد على الفور … كان العنوان لمحل يبيع المشغولات الثمينة … من حُليٍّ ومجوهرات، والقطع الفنية المصنوعة من سِنِّ الفيل …

وقال «أحمد»: إنني زبون قادم من مصر … أحمل لك تحيات «يوجاراجا».

صمَت المتحدِّث لحظات ثم قال: إنني لا أعرف أحدًا بهذا الاسم!

أحمد: آسف جدًّا … لعل الرقم خطأ … ولكنه قال لي أن أطلب … «مهاويلي»!

و«مهاويلي» هي كلمة السر التي أعطاها «يوجاراجا» ﻟ «أحمد» فلما استمع المتحدث إلى الكلمة قال: نعم … إنني أتذكَّر هذا الشاب!

أحمد: لقد قال لنا إنه في الإمكان أن نجد عندكم صفقة جيدة من المجوهرات يمكن بيعها مرة أخرى.

المتحدِّث: أعتقد أنه من الممكن أن تجد هذه الصفقة … لماذا لا تحضر إلى المحل؟

أحمد: أعطني العنوان … وحدِّد الموعد.

عاد المتحدِّث إلى الصمت لحظات … وكان من الواضح أنه يتحدث مع شخص بجواره ثم عاد يقول: إن العنوان هو ١٦ شارع «لال» قرب ميدان «مادراس» الرئيسي في قلب المدينة.

أحمد: والموعد؟

رد الرجل على الفور: هذا المساء في الثامنة.

أحمد: أشكرك كثيرًا.

وضع «أحمد» السماعة ثم قال: موعدنا في الثامنة … ولكننا سنذهب الآن!

وفهم الصديقان ما يقصده «أحمد»، فهو يريد أن يدرس المكان قبل أن يذهب إليه …

كانوا قد تناولوا إفطارهم وشربوا الشاي، ثم خرجوا حيث كان في انتظارهم السائق «أمين» في سيارته «الفيات» المتهالكة …

ألقى «أحمد» إلى السائق بالعنوان فقال: إنه في قلب المدينة يا سيدي.

أحمد: هل تعرف المحل؟

صمت السائق قليلًا ثم قال: نعم!

أحمد: لماذا لم تجب على الفور؟

أمين: إنه مكان سيئ السمعة يا سيدي، وبعض الناس يقولون إن بضاعته مغشوشة!

أحمد: إنه لن يستطيع أن يَغُشنا … لقد جئنا من طرف صديق له.

أمين: كان الله في عونكم يا سيدي.

•••

وانطلقت السيارة حتى وصلت إلى زحام المدينة المخيف، ونزل الشياطين من السيارة في الميدان وطلبوا من «أمين» انتظارهم.

ومشوا حتى وصلوا إلى شارع صغير يُشْبه الثعبان — كما وصفه السائق — ثم دخلوا إلى زحام شديد، حيث كانت روائح البهارات الهندية تجعل الإنسان يحس أنه في مطبخ وليس في شارع.

اقتربوا من المحل … كان يشغل مكانًا في عمارة قديمة سوداء اللون من الأتربة … وكانت واجهة المحل الزجاجية قد اختفت تقريبًا خلف الباعةِ المتجوِّلين الذين كانوا يزحمون الطريق.

وداروا حول المحل بضع دوراتٍ، ثم عادوا إلى الميدان …

وقال «رشيد»: شيء مثير هذا العالم!

أحمد: إن الهند قارة، أو شِبه قارة، فيها مئات اللغات، ومئات المعتقدات … وحضارة قديمة … وموارد طبيعية متنوعة، إنها عالم بأكمله!

وفجأة خطرت ببال «أحمد» فكرة، فاتَّجه مع زميليه إلى أقرب صيدلية وقال للصيدلي: أريد دواءً سريع المفعول للوقاية من السُّم!

وابتسم «رشيد» و«بو عمير» فقد كان هذا هو المطلوب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤