«رام»!

ظهر الرجل بعد قليل وقال: إن السيد «رام» لن يستطيع مقابلتكما الليلة … ستقضيان الليلة هنا في القصر الصغير وستقابلانه غدًا في الصباح.

قال «أحمد»: إننا نفضِّل أن نقضي الليلة في المدينة ونأتي في الصباح.

هز الرجل رأسه وقال: إن الطريق طويل كما ترى … ومن الصعب العودة بكما مرة أخرى … إن السيد «رام» هو الذي يُصدر الأوامر هنا … وهذه أوامره.

ثم أشار لهما أن يَتْبعاه … وخرج من باب جانبي إلى الحديقة المظلمة … وعلى ضوء المشاعل قادهما إلى مبنًى صغير قريب من القصر، وفتح أحد الحرَّاس الباب … ودخلا خلفه … كان قصرًا صغيرًا حقًّا ولكنه … مفروش ببذخ شديد … يكاد يكون صورة طبق الأصل من القصر الكبير … وقال لهما الرجل: في المطبخ كل الطعام الذي تريدانه.

ثم مدَّ يده إلى شريط مُعلَّق وقال: وإذا شئتما أي شيء، فشُدَّا هذا الشريط.

ثم انحنى لهما بالتحية، وتركهما وخرج …

قال «بو عمير»: لا أثر لأي تليفون هنا!

أحمد: طبعًا … من المؤكد أنهم يتصلون باللاسلكي من القصر!

بو عمير: إن أية محاولة للهرب مقضِيٌّ عليها بالفشل.

أحمد: إننا لم نأتِ هنا لكي نهرب … سننتظر ونرى!

دخلا إلى المطبخ، فوجداه على أحدث طراز … ووجدا من أنواع الطعام ما سمح لهما بعشاء فاخر … وكانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل عندما ذهبا للنوم.

كانت هناك غرفة بها سريران، فاختاراها … ووجدا بالدولاب ملابس حريرية للنوم … وبدا كل شيء على ما يرام ثم استلقَى كلٌّ منهما على فراشه.

•••

فجأة سمعا في وقت واحد تقريبًا صوت أقدام … ثم سمعا زمجرة النمرين … وساد الصمت لحظات … ثم عادت الأقدام مرة أخرى تمرُّ تحت نافذة الغرفة، وعرفا أنهما محروسان جيدًا … وبدأت أجفانهما تثقل والنوم يدبُّ في جفونهما … ولكن «أحمد» أحسَّ بشيء غريب … إنه لا ينام كما اعتاد أن ينام … إنه شِبْه مخدَّر … هناك رائحة غريبة تنتشر في الغرفة … ورفع رأسه فأحس بثقل شديد … ثم فتح عينيه بجهد، ونظر إلى «بو عمير» الذي كان في هذه اللحظة ينظر إليه أيضًا.

حاول «أحمد» أن يفتح فمه ليتحدث، ولكن فمه المفتوح لم يخرج منه أي صوت … وكذلك حاول «بو عمير» … وأدرك «أحمد» كما أدرك «بو عمير» أن ثمة غازًا مخدِّرًا ينتشر في جو الغرفة … وحاول كلاهما أن يقوم من مكانه ليفتح النافذة … واستطاع «أحمد» أن يتقلب في فراشه ليسقط على الأرض، كان يحاول بكل ما بقي له من إرادة السيطرة على جسمه حتى يصل إلى النافذة … وكان يحاول بكل ما بقي له من إرادة السيطرة على ذهنه أيضًا لكي يتصرف بتعقُّل.

أخذ «أحمد» يتقلَّب على الأرض … ويلف حتى استطاع أن يصل إلى النافذة … وبجهد جبَّار رفع نفسه إلى مستوى مقبض النافذة، وأداره بهدوء … ولكنه لم يفتح النافذة تمامًا … لقد اكتفى بفتحها فتحة بسيطة … ولكن كانت كافية لدخول الهواء النقي إلى الغرفة.

واستلقى في مكانه وهو يلهث … كان متعبًا جدًّا، كأنه قد جرى مسافة طويلة … وكان يدرك أن العصابة تحاول استجوابهما تحت تأثير المخدِّر … حيث تتلاشى الإرادة … ويفقد الإنسان السيطرة على عقله وجسده … إنهما بالتأكيد تحت تأثير الحشيش.

بدأ الهواء النقي يتسلَّل إلى الغرفة تدريجيًّا … وبدأت آثار التخدير تزول تدريجيًّا أيضًا … واستطاع «أحمد» أن يصل إلى فراش «بو عمير».

قال له: إنهم يحاولون تخديرنا … وأعتقد أنهم سيطلبوننا الآن لمقابلة «رام» … تظاهر بأنك تحت تأثير المخدِّر … إنهم يشكُّون فينا … وسنروي نفس القصة … إنني كنت مع «يوجاراجا» في السجن، وإنني أنقذته … وفي نفس الوقت سمعا صوت أقدام تقترب … وأسرع «أحمد» إلى فراشه … وتظاهر … كما تظاهر «بو عمير» أنه في سبات عميق … ولكن قبل ذلك أغلق النافذة تمامًا.

فُتح الباب في هدوء، وظهرت أنوار المشاعل … وتقدَّم رجلان من «أحمد» و«بو عمير» وأخذا يهزانهما في عُنف وقال أحد الرجلين: هيا … إن السيد «رام» يريد أن يراكما الآن …

تظاهر «أحمد» و«بو عمير» بأنهما لا يستطيعان الوقوف … ولكن الرجلين عاملاهما بعُنف، ثم أمسك كل واحد منهما بذراع أحد الصديقين … وجراهما إلى الخارج.

دخلا إلى القصر الكبير، ولكن من بابٍ خلفي مختفٍ بين الأشجار الضخمة … وسمعا زمجرة النمرين الضخمين … ثم أُدخلا إلى غرفة واسعة خافتة الضوء، وشاهدا لأول مرة الزعيم «رام».

كان «رام» أبعد ما يكون عن الصورة التي رسمها الشياطين له … فقد كان رجلًا شديد الأناقة نحيفًا وطويلًا، وكان يرتدي ملابس أوروبية … شعره أسود ينسدل على كتفيه … حاد الأنف … نافذ النظر … وكان واقفًا …

أشار «رام» إلى الرجلين وتحدَّث إليهما بالهندية، فسحبا «بو عمير» وذهبا به إلى غرفة أخرى … بينما بقي «رام» و«أحمد» وحدهما.

كان «أحمد» يجلس على كرسي مُتظاهرًا بأنه في شِبه غيبوبة تحت تأثير المخدر … وأخذ «رام» يسدِّد إليه نظراته النارية النافذة … ثم قال: كيف حالك أيها الشاب؟

تردد «أحمد» لحظات كأنه لا يسمع … فعاد الرجل يقول: إنك بالطبع ستقول لي الحقيقة … أين «يوجاراجا»؟

تظاهر «أحمد» بأنه يُحاول التذكر … ثم أخذ يردد: «يوجاراجا» … «يوجاراجا» ماذا حدث له؟

قال «رام» بنعومة ولكن بحسم: إنه في السجن طبعًا!

أخذ «أحمد» يتظاهر بأنه لا يتذكر ثم قال: كان في السجن … نعم … كان في السجن … كنت معه في السجن.

رام: وماذا حدث؟

أحمد: لقد هربنا من السجن … إنه الآن في فيلَّا … «الطير البري» على بحيرة قارون في مصر …

كتب «رام» كلمات على الورق … ثم سمع «أحمد» جرسًا عميقًا يدق، وظهر أحد الحراس … سلَّمه «رام» الورقة ثم تحدث معه في لهجة آمرة … وأحنى الرجل رأسه في احترام ثم غادر الغرفة.

وبعد لحظات دخل النمران يتبعهما المدرِّب الخاص … وأسرعا إلى «رام» وأخذا يداعبانه، وهو يمدُّ يده يربت على رأسيهما … ثم أشار إلى «أحمد» وأصدر لهما أمرًا … اقترب النمران من «أحمد» وأخذا يحومان حوله … ثم اقترب أحدهما من «أحمد» ودفعه بيده الضخمة فاهتز الكرسي وكاد «أحمد» أن يسقط أرضًا …

عاد «رام» يتحدث إلى المدرِّب … فسحب النمرين وخرج … وجاء أحد الحراس وسحب «أحمد» الذي كان يتظاهر بأنه لا يستطيع الوقوف على قدميه …

عاد «أحمد» إلى الحجرة … ثم تبعه «بو عمير» بعد نحو نصف ساعة … وتحدثا همسًا … لقد تم استجواب «بو عمير» بنفس الطريقة واستسلما للنوم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤