ما لك والذكريات

ما لكَ والذكرياتُ تذعرها
تثير مكنونَها وتنشرها؟
موءودةٌ في الشجون أدفنها
وفي زوايا السنين أذخرها
أذهل عنها وربّما ذهلتْ
عني وقد جئتَ بي تُذكّرها
يا مُسْعِرَ النارِ كيف أُطفئها
— سامحكَ اللهُ — حين تَسعرها
أما تراني يدي على كبدي
أكاد من زفرٍة أُطيِّرها؟

•••

يا رُبَّ نفسٍ للّه مُسْلِمةٍ
قام نبيُّ الهوى يُنصّرها
أعيا على الدهر غَمْزُ جانبها
ما بالُ غمزِ العيونِ يقهرها؟
كلّفتُها السيرَ والسُّرى شغفًا
ألذُّ حالِ الغرام أخطرها
خلّفتُ بيروتَ مُنعِمًا طلبًا
للكرمليّات حيث «عِزْوَرُها»
بلغتُها والظلامُ مُشتمِلٌ
على البرايا والنومُ يُسكرها
ألتمسُ البابَ لا أفوز بهِ
أطوف بالدار لستُ أُبصرها
حتى هداني وميضُ ساريةٍ
أعقبَه قاصفٌ يُفجِّرها
سعيتُ للباب ثمّ أطرقهُ
أقفالُه الصلب لو أُكسّرها
ما تنثني نفسُ طالبٍ وردتْ
ظمأى ومرعى الحِمامِ مصدرها
وانفتح البابُ عن مُصلّبةٍ
خيفَةَ شرٍّ هناك يُنذرها
قلتُ: مَسا الخيرِ، هل لملتجئٍ
لديكِ نُعمى هيهات يكفرها؟
قالت: على الرحب! قلتُ: هل نزلتْ
آنسةٌ دارَكم تُعمّرها؟
قالت: أخوها؟ فقلت: «ذاك أنا»
قالت: «أنسعى لها نخبّرها؟
قد أخذ النومُ جفنَها مللًا
بعد انتظارٍ، ترى أنُشعرها؟»
قلتُ: «دعيها غدًا أُفاجئها
أحلامُها الغُرّ لا أُنفّرها
أقضي رقادي في غير مضجعها
أخشى إذا استيقظتْ أُسهّرها»
قالت: «ترى الضوءَ؟ ذاك مضجعُها
كنْ جارَها، والصباحَ تبدرها
أراكَ بَرًّا بها ورُبَّ أخٍ
مُغرًى بأختٍ له يُكدّرها»!
قرابةُ المكرِ أصبحتْ ثقةً
أعشقُ بعضِ القلوب أمكَرُها
يا لَكِ بلهاءَ ودّعتْ ومضتْ
أُثني على لطفها وأشكرها

•••

زَجْرًا، وهيهات لاتَ مُزْدجَرٍ
أيّةُ نفسٍ هوجاءَ أزجرها؟
صبرَكِ يا نفسُ، لاتَ مُصطبَرٍ
ما لم تكن جارتي تُصبِّرها
لم أدرِ حين انسللتُ أطلبها
خُطى المحبّين، مَن يسيّرها
حُوريّةٌ في السرير راقدةٌ
وَدَّ «رفائيلُ» لو يُصوّرها
يا معدنَ الحسنِ أنتِ معدنُها
يا جوهرَ الحبِّ أنتِ جوهرها
عاطفةً جِيدَها، مُوسَّدةً
ذراعَها والدموعُ تغمرها
والوجهُ والصدر باديان سوى
ما انثال من فَرْعها يُخمِّرها
والشوقُ بين الضلوعِ أعرفهُ
من زفرةٍ كالسعير تزفرها
يصيبني لفحُها على كبدٍ
في بُرَحِ الشوقِ ذاب أكثرها
وثَمّ رمّانةٌ قَدِ اضطربتْ
واقتربتْ تِربُها تُحذّرها
تقول: أختاه تحتنا لهبٌ
يصهرنا دائبًا ويصهرها

•••

إن أنسَ لا أنسَ وجهَها وبهِ
غِبَّ انتظاري بادٍ تَحيُّرها
ألمح بين الجفونِ لؤلؤةً
فاز بها النومُ وَهْو يأسرها
أطبقَ أهدابَها فقيَّدها
لولا اضطرابٌ يكاد ينثرها

•••

يا معدنَ الحُسنِ أنتِ معدنُها
يا جوهرَ الحبِّ أنتِ جوهرها
قيدُ ذراعي غصونُ بانَتِها
آوي إلى ظلِّها وأهصرها

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤