كارثة نابلس

أدموعُ النساءِ والأطفالِ
تجرح القلبَ أم دموعُ الرجالِ
بلدٌ كان آمنًا مطمئِنًّا
فرماه القضاءُ بالزلزال
هِزَّةٌ، إثْرَ هِزَّةٍ تركتْهُ
طَلَلًا دارسًا من الأطلال
مادتِ الأرضُ ثم شَبَّتْ وألقتْ
ما على ظهرها من الأثقال
فتهاوت ذاتَ اليمينِ ديارٌ
لفظتْ أهلَها، وذاتَ الشمال
بعجاجٍ تُثيره تركَ الدُّنْـ
ـيا ظلامًا، وشمسُها في الزوال
فإذا الدورُ وَهْي إمَّا قبورٌ
تحتها أهلُها، وإمَّا خوال
وأرقُّ النسيمِ لو مرَّ بالقا
ئمِ منها لدكَّه، فَهْو بال

•••

لا تقفْ سائلًا بنابُلُس الثَّكْـ
ـلى، فما عندها مجيبُ سؤال
أرأيتَ الطيورَ تنفر ذعرًا
من خِفافٍ عن سَرْحها وثِقال
هكذا نُفِّرتْ عن الدورِ أهلٌ
عَمَروها، إلى كهوف الجبال
أرسومٌ؟ وكنَّ قبلُ صُروحًا
كلُّ صَرْحٍ عاتٍ على الدهر عالِ
فالتحفنا السماءَ بعد سُتورٍ
وشُفوفٍ مُذالةٍ وحِجال
وليالي الأعراس يا لَهْفَ قلبي
عطَّلتْها تقلُّباتُ الليالي
أضحكَ الدهرُ يا ابنَ ودّي وأبكى
يومَ لم يخطرِ الأسى في بال
رُبّ وادٍ كأنّه النَّهرُ الأَخْـ
ـضَرُ، يختالُ في بُرودِ الجَمال
خطراتُ النسيمِ ذاتُ اعتلالٍ
فيه والدّوحُ مائسٌ باختيال
غَشِيَتْهُ الطيورُ مختلفاتٍ
رائعاتِ الألوانِ والأشكال
صادحاتٍ على أرائك في الأيْـ
ـكِ، يَصِلْنَ الغُدوَّ بالآصال

•••

نَغَماتٌ أرسلنَها ذاتُ تَسْجيـ
ـعٍ وكَرٍّ في اللحن واسترسال
يا طيورَ الوادي غليلُ فؤادي
كان يشفيه بَرْدُ تلكَ الظلال
يا طيورَ الوادي رزايا بلادي
مزَجَتْ لي الغناءَ بالإعوال
كان واديكِ للسرور مآلًا
فغدا بالثبور شرَّ مآل
كان (عيبالُ) من صدى الأُنسِ
يهتزُّ فماذا سمعتِ في عيبال؟
كان (جرزيمُ) مَنْزهًا والغواني
في ظلالٍ منه، وماءٍ زُلالِ
أدموعٌ عيونُه؟ أصَباهُ
زفراتُ الإرمالِ والإثكال؟

•••

يا يدَ الموتِ ما عهدتُ أُلوفًا
منكِ هُوجًا تمتدّ للاغتيال
طغتِ الحربُ خمسةً ما دهتْنا
كثوانٍ مَرَّتْ بغير قتال
ووجوهُ المنونِ شتَّى، فبانت
كلُّها عند هذه الأهوال
من وحيدٍ لأمِّه وأبيهِ
جمعوه مُفَرَّقَ الأوصال
ومُكِبٍّ على بنيه بوجهٍ
خلط الدمعَ بالثرى المنهال
وفتاةٍ لاذتْ بحِقْوَيْ أبيها
جَزَعًا، وَهْو ضارعٌ بابتهال
وحريضٍ رأى ابنَه يُسلِمُ الرُّو
حَ قريبًا منه بعيدَ المنال
ومريضٍ وعُوَّدٍ صُرَّخِ المَوْ
تِ، وكانوا يدعُون بالإبلال
خُسِفَ البيتُ بالمريض، ومن عا
دَ، وبالمحصَنات والأطفال
قد رأينا في لحظةٍ وسمعنا
كيف تلهو المنونُ بالآجال
ههنا نِسْوةٌ جياعٌ بلا مأ
وًى، سترنَ الجسومَ بالأسمال
ههنا أسرةٌ تُهاجر والغَمُّ
بديلُ الأثاثِ فوق الرحال
ههنا مُبتلىً بفقد ذويهِ
ههنا مُعْدِمٌ كثير العِيال
ملأ الحزنُ كلَّ قلبٍ وأودتْ
ريحُ يأسٍ بنضرة الآمال

•••

دخلاءَ البلادِ، إنَّ فلسطيـ
ـنَ لأَرضٌ كنوزُها من نكال
تِبْرُها صفرةُ الردى فخُذوهُ
عن بنيها، وآذِنوا بارتحال
رَبِّ لُطْفًا! فقد أتانا نذيرٌ
بوباءٍ من بعد هذا الوبال
وجرادٌ، وكلُّ آتٍ قريبٌ،
أَوَبَعْدَ الإمحال من إمحال؟
رَبِّ إن الكروبَ تَترى علينا
حسبُنا كَرْبُ هجرةٍ واحتلال
١٦ تموز ١٩٢٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤