حملتني نحو الحمى أشجاني

نَبّهتْني صوادحُ الأطيار
تَتَغنَّى على ذُرى الأشجار
وتَجَلّتْ مليكةُ الأنوار
فوق عرشِ الصباحِ ترشُف طَلّا
من ثُغور الأقاحِ غَلًّا ونَهْلا
فتمنّيْتُ لو شقيقةُ روحي
باكرَتْني إلى جَنَى الأزهار

•••

أنا في روضةٍ أباحتْ جَناها
كلَّ ذي صَبْوةٍ كئيبٍ أتاها
ها هُنا وردةٌ يفوحُ شذاها
ها هنا نَرجسٌ يُحيِّي الأقاحا
والدَّوالي تُعانقُ التُّفَّاحا
بادري نستبقْ معًا وارفَ الـ
ـظِّلِّ، ونَقْضِ النهارَ بعد النَّهارِ

•••

ضحِكَ الروضُ حين فاضتْ عُيونُهْ
وترامى فوقَ الثرى ياسَمينُه
هامَ صَفْصَافُهُ فناحتْ غُصونُه
فسواءٌ هُيامُهُ وهُيامي
غيرَ أني أبكي على أيّامي
فَجَعَتْني بِكَ النَّوى حين شبّتْ
لَوْعَةٌ في الضلوع ذاتُ أُوارِ

•••

مرَّ عامٌ أُخفي عن الناس ما بي
مِن حَنينٍ مُبرِّحٍ وعذابِ
ولقد يَسألونَ فيمَ اكتئابي
ويْحَهمْ كيف يُبصرون دموعي
ثمَّ لا يُدركون ما بضلوعي؟
ولقد يكتمُ المحبُّ هواهُ
فتبوحُ الدُّموعُ بالأسرارِ

•••

ذاكرٌ أنتَ عهدَنا يا غديرُ
يوم كنّا والعيشُ غَضٌّ نضيرُ
وعلى ضَفّتيْكَ كنّا نسيرُ
فرويتَ الحديثَ عنا شُجونا
وأخذنا عليكَ ألَّا تَخونا
فأَعِدْ لي ذاك الحديثَ فإني
أذْهلتْني النّوى عن التَّذْكارِ

•••

ذاكرٌ أنتَ والأزاهيرُ تَنْدَى
كم نَظَمْنا مِنْهنَّ للجِيد عِقْدا
فإذا هبَّتِ الصَّبا فاح نَدَّا
وانقضى اللهوُ مُؤذِنًا بالفراقِ
فَذَوى العِقْدُ من طويلِ العناقِ
لم يزلْ خَيْطُه يلوحُ وجسمي
يَتَوارى سُقْمًا عن الأبْصارِ

•••

يا ابنةَ الأيكِ غَرِّدي أو فَنُوحي
فعسى يَلأمُ الهَديلُ جروحي
نَفَدَ الصَّبرُ عنْ شقيقةِ رُوحي
فاحملي هذه الرِّسالةَ عنّي
واسْجعي إنْ أتيتِها فوق غُصْنِ
فَهْيَ عند الأصيلِ تُصغي إلى الـ
ـطَّيْرِ عساها تروح بالأخبارِ

•••

حَمَلَتْني نحو الحِمى أشجاني
فتهيَّبتُ من جلال المكانِ
وإذا فوق مقلتيَّ يدانِ
فتلمّستُ نضرةً ونعيما
وتَعرَّفْتُ ما لَثَمْتُ قديما
قلتُ يا مرحبًا وقَبَّلتُ كفًّا
أنزلتْني ضيفًا بأكرمِ دارِ

•••

خطراتُ النسيمِ في واديكِ
صَبَّحتْني بقُبلةٍ مِن فِيك
ثم عادتْ بقبلةٍ تَشفيكِ
فسلامًا يا «واديَ الرُّمَّانِ»
فُزتُ بالرَّوْح منكَ والرَّيْحانِ
واحنيني إلى ديارِكَ والرُّمَّانُ
دانٍ يُظِلُّ أهلَ الديارِ
نشرت في ٢١ أيار ١٩٢٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤