تفاؤل وأمل

كفكفْ دموعَكَ، ليس يَنْـ
ـفَعُكَ البكاءُ ولا العويلُ
وانهضْ ولا تشكُ الزَّما
نَ، فما شكا إلَّا الكسول
واسلكْ بهمّتكَ السَّبِيـ
ـلَ، ولا تقلْ كيف السبيل
ما ضلّ ذو أملٍ سعى
يومًا وحكمتُه الدليل
كلاَّ، ولا خاب امرؤٌ
يومًا ومَقصدُه نبيلُ
أفنيتَ يا مسكينُ عُمْـ
ـرَكَ بالتأوُّه والحَزَنْ
وقعدتَ مكتوفَ اليَدَيْـ
ـنِ، تقولُ: حاربني الزمن
ما لم تقم بالعبء أَنْـ
ـتَ، فمن يقوم به إذن؟

•••

كم قلتَ: «أمراضُ البلا
دِ» وأنتَ من أمراضها
والشؤمُ عِلَّتُها فهلْ
فتَّشتَ عن أعراضِها؟
يا مَن حَمَلْتَ الفأسَ تَهْـ
ـدِمُها على أنقاضِها
اقعدْ فما أنتَ الذي
يَسعى إلى إنهاضِها
وانظرْ بعينيْكَ الذّئا
بَ تَعُبُّ في أحواضها
وطنٌ يُباع ويُشترى
وتصيحُ: «فَلْيحي الوطنْ»؟!
لو كنتَ تبغي خَيْرَهُ
لبذلتَ من دمِكَ الثمن
ولقمتَ تَضْمِدُ جرحَهُ
لو كنتَ من أهل الفِطَن

•••

أضحى التشاؤمُ في حَدِيـ
ـثِكَ بالغريزَةِ والسَّليقَهْ
مثلَ الغُرابِ نَعى الدِّيا
رَ وأسمعَ الدنيا نعيقَه
تلك الحقيقةُ، والمريـ
ـضُ القلبِ تجرحُه الحقيقه
أملٌ يلوحُ بريقُهُ
فاستَهْدِ يا هذا بَريقَهْ
ما ضاقَ عيشُكَ لو سعَيْـ
ـتَ له، ولوْ لم تشكُ ضِيقَه
لكنْ توهّمتَ السَّقا
مَ، فأسقمَ الوهمُ البدنْ
وظننتَ أنّكَ قد وهَنْـ
ـتَ، فدَبَّ في العظم الوَهَنْ
والمرءُ يُرهبُه الرَّدى
ما دام ينظرُ للكفن

•••

اللهَ ثُمّ اللهَ ما أحْلى
التضامُنَ والوفاقا
بُوركتَ مُؤتَمرًا تَألْـ
ـلَفَ، لا نزاعَ ولا شِقاقا
كم مِنْ فؤادٍ راقَ فِيـ
ـهِ، ولم يكنْ من قبلُ راقا
اليومَ يشربُ موطني
كأسَ الهناءِ لكم دِهاقا
لا تعبأوا بمشاغبيـ
ـنَ، تَرَوْنَ أوجهَهم صِفاقا
لا بدَّ من فئةٍ — أُجِلُّـ
ـكُمُ — تَلَذُّ لها الفِتَنْ
تلك النفوسُ من الطُّفُو
لةِ، أُرضِعتْ ذاكَ اللبن
نشأتْ على حُبِّ الخِصا
مِ، وبات يرعاها الضَّغَن

•••

لا تحفِلوا بالمرْجفيـ
ـنَ، فإنَّ مطلبَهم حقيرُ
حبُّ الظهورِ على ظُهو
رِ الناسِ منشؤه الغرور
ما لم يكنْ فضلٌ يَزيـ
ـنُكَ، فالظهورُ هو الفجورُ
سِيروا بعيْن اللهِ أَنْـ
ـتُمْ ذلك الأملُ الكبير
سيروا فقد صَفَتِ الصُّدو
رُ تباركَتْ تلك الصدور
سِيروا فسُنّتُكُم لخَيْـ
ـرِ بلادكم خيرُ السُّنَنْ
شُدّوا المودّةَ والتَّآ
لُفَ والتفاؤلَ في قَرَن
لا خوفَ إن قام البِنا
ءُ على الفضيلةِ وارتكن

•••

حَيِّ الشبابَ وقُلْ سَلا
مًا إنكم أملُ الغدِ
صَحَّتْ عزائمكُم على
دفعِ الأثيم المعتدي
واللهُ مَدَّ لكم يدًا
تعْلو على أقوى يد
وطني أزُفُّ لكَ الشبا
بَ، كأنّه الزَّهرُ الندي
لا بُدَّ من ثمرٍ لَه
يومًا وإنْ لم يَعْقِد
ريحانُه العِلمُ الصَّحِيـ
ـحُ، وروحُه الخُلُقُ الحَسَنْ
وطني، وإنَّ القلب يا
وطني بحبِّكَ مُرتَهن
لا يطمئِنُّ، فإنْ ظفِرْ
تَ بما يُريدُ لكَ اطمأن
نشرت في ١٢ تموز ١٩٢٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤